منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

فيها [لها] على أنها (١) تكون لأجل دلالة اللام على التعيين ، حيث (٢) [انه] لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد ، وذلك (٣) لتعين المرتبة الأخرى (٤) وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى ، فلا بد (٥)

______________________________________________________

ومن المعلوم أن الإشارة التي تقتضيها اللام إلى هذه المرتبة لا تفيد العموم ، فلا بد من كون الدلالة على العموم مستندة إلى وضع مجموع اللام والجمع للعموم ، لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين حتى يقال : ان اللام تدل على العموم بتوسط إشارتها إلى مرتبة معينة من مراتب الجمع ، وهي المرتبة المستغرقة لجميع الافراد.

فالنتيجة : أنه لم يثبت دلالة اللام في الجمع المحلى به على التعيين.

(١) هذا الضمير وضمير «فيها» راجعان إلى دلالة الجمع ، يعني : أن دلالة الجمع المعرف باللام على العموم لا تدل على كون هذه الدلالة لأجل دلالة اللام على التعيين.

(٢) هذا تعليل لدلالة اللام على التعيين ، وتقريب للتوهم المزبور ، يعني : أن اللام تدل على التعيين ، والمتعين هو المرتبة الأخيرة المستوعبة لجميع الافراد ، فبتوسط اللام المشيرة إلى تلك المرتبة المتعينة يستفاد العموم ، فلا يكون اللام في الجمع للتزيين ، كما ادعي في المفرد المحلى باللام.

(٣) تعليل لقوله : «فلا دلالة فيها» وقد مر توضيحه بقولنا : «وحاصله منع المقدمة ... إلخ».

(٤) يعني : غير المرتبة المستغرقة لجميع الافراد ، وهي أقل مراتب الجمع ، ومع تعين هذه المرتبة كيف تدل اللام على العموم وهو مرتبة الاستغراق.

(٥) بعد منع دلالة اللام على التعيين حتى يترتب عليه العموم ـ أعني الاستغراق ـ قال : فلا بد أن تكون دلالة الجمع المحلى باللام على العموم

٧٠١

أن تكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك (١) لذلك ، لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين ليكون به التعريف (٢). وان أبيت (٣) الا عن استناد الدلالة عليه إليه ، فلا محيص عن دلالته (٤) على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين (*) فلا (٥) يكون بسببه تعريف الا لفظاً ،

______________________________________________________

مستندة إلى وضع المجموع من اللام والجمع للعموم ، فضميرا «دلالته ووضعه» راجعان إلى الجمع المحلى باللام ، وضمير «عليه» راجع إلى العموم.

(١) أي : مع اللام للعموم ، وقوله : «لذلك» إشارة إلى العموم.

(٢) يعني : ليكون التعريف باللام ، وضمير «به» راجع إلى اللام.

(٣) هذا ثاني الجوابين عن التوهم المزبور ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم استناد العموم إلى اللام ـ لا وجه لدلالة اللام على التعيين حتى يكون العموم مستنداً إليها بل لا بد من أن نقول بدلالة اللام على الاستغراق من دون توسيط دلالتها على التعيين ، فلا تدل اللام على التعريف والتعيين أصلا ، بل تدل على الاستغراق. والفرق بين هذا الجواب وسابقه : أن هذا ناظر إلى دلالة نفس اللام على العموم من دون توسيط التعيين ، وما قبله كان ناظراً إلى دلالة مجموع اللام والمدخول على العموم.

فالنتيجة : أن اللام وان دلت على العموم ، لكنها لا تدل على التعيين الّذي يدعيه المتوهم.

(٤) أي : دلالة اللام على العموم وهو الاستغراق ، وضمير «عليه» راجع إلى العموم ، وضمير «إليه» إلى اللام.

(٥) هذه نتيجة الجواب الثاني ، يعني : بعد منع دلالة اللام على التعريف

__________________

(*) المستفاد من هذين الجوابين ـ وهو تسليم دلالة الجمع المحلى

٧٠٢

فتأمل جيداً.

ومنها (١) : النكرة مثل «رجل (٢) في «وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ» أو في «جئني برجل (٣) ، ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول (٤) ولو بنحو تعدد الدال والمدلول هو الفرد المعين في الواقع المجهول

______________________________________________________

والتعيين ، فلا يكون تعريف الجمع المحلى باللام الا لفظياً ، بمعنى : أنه بحكم المعرفة في اللفظ فقط ، لا بحكم النكرة كما مر سابقاً ، وضمير «بسببه» راجع إلى اللام.

٥ ـ النكرة

(١) أي : ومن الألفاظ التي يطلق عليها لفظ المطلق : النكرة.

(٢) مما يكون معيناً عند المتكلم ، وغير معين عند المخاطب.

(٣) مما يكون غير معين عند كل من المتكلم والمخاطب.

(٤) وهو «رجل في «وجاء رجل وضمير «منها» راجع إلى النكرة ، وغرضه من قوله : «ولا إشكال» بيان وجه إطلاق المطلق على النكرة ، وحاصله : أنه لا ريب في كون النكرة في مثل «وجاء رجل هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب ، حيث ان الاخبار عن مجيء رجل يستلزم تعين فرد

__________________

على العموم اما بالمجموع واما بنفس اللام ـ ينافي ما تقدم عنه في العام والخاصّ في الفصل المعقود لبيان صيغ العموم من منع دلالة المحلى باللام على العموم ، حيث قال : «ولكن دلالته على العموم وضعاً محل منع» إلى أن قال : «وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما».

٧٠٣

عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرّجل كما أنه (١) في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة ، فيكون (٢) حصة من الرّجل ويكون كلياً ينطبق على كثيرين ، لا فرداً مردداً

______________________________________________________

من طبيعة الرّجل واقعاً وان كان المخاطب جاهلا به ، ولجهله به يكون الفرد المخبر بمجيئه محتمل الانطباق عنده على غير واحد من الافراد.

(١) أي : أن المفهوم من النكرة في مثل «رجل في «جئني برجل هي الطبيعة المقيدة بالوحدة ، بمعنى أن المراد بالنكرة بالمعنى الثاني هو الحصة القابلة للانطباق على كل فرد على البدل ، لا ما قيل من : ان النكرة هي الفرد المردد ، ضرورة أنها بمعنى الفرد المردد لا تنطبق على شيء من الافراد ، حيث ان كل فرد في الخارج هو نفسه ، لا هو أو غيره كما هو قضية الفرد المردد.

وبالجملة : لا يصدق الكلي على شيء إلّا إذا كان بما له من الحدود منطبقاً عليه ، فان العالم العادل مثلا لا ينطبق على كل فرد من أفراد الإنسان ، بل على خصوص المتلبس بالعلم والعدالة ، فالعناوين الكلية الجوهرية والعرضية لا تصدق الا على ما يكون واجداً لحدودها. وعليه ، فلا يتصور للفرد المردد مصداق ، ضرورة امتناع انطباق عنوان الفرد المردد ـ بما هو مردد ـ على الخارجيات ، لأن الافراد الخارجية متعينة لا تردد فيها حتى تكون مصاديق لعنوان الفرد المردد. مع أن من الواضح تحقق الامتثال في مثل «جئني برجل بإتيان أي فرد من أفراد الرّجل فلا مجال للقول بأن النكرة هي الفرد المردد ، وانما هي الحصة المقيدة بالوحدة الصادقة على كل فرد على البدل.

(٢) هذا متفرع على كون المفهوم من النكرة الطبيعة المأخوذة مع قيد

٧٠٤

بين الافراد.

وبالجملة : النكرة ـ أي ما (١) بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ اما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب ، أو حصة كلية (*) ،

______________________________________________________

الوحدة ، يعني : فيكون المراد بـ «رجل في قوله : «جئني برجل حصة من الرّجل والحصة كلية تنطبق على كثيرين ، وليس المراد بها فرداً مردداً ، إذ لو كان كذلك لامتنع صدقه على الخارجيات ، لما مر آنفاً.

(١) أي : الألفاظ التي يحمل عليها بالحمل الشائع النكرة كـ «رجل إنسان ،

__________________

(*) الحق أن للنكرة معنى واحداً لا معنيين ، وهما : الفرد المعين واقعاً غير معين للمخاطب ، والحصة المقيدة بالوحدة ، وذلك لبعد الاشتراك وقلته ، وكونه خلاف الأصل ، لاحتياجه إلى تعدد الوضع. والمراد بذلك المعنى الواحد هو الحصة المقيدة بالوحدة المفهومية ، بأن يقال : ان النكرة ـ وهي اسم الجنس المنون بتنوين التنكير ـ وضعت للحصة المزبورة ، فالدال على نفس الطبيعة هو اسم الجنس كـ «رجل وعلى الوحدة هو التنوين ، ففي جميع الموارد يكون معنى النكرة واحداً وهو الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية القابلة للانطباق على كثيرين.

نعم قد تخرج النكرة عن قابلية الانطباق على كثيرين بقرينة خارجية تقوم على التعين ، كالاخبار عن مجيء رجل فان الاخبار قرينة على تعين الرّجل عند المتكلم ، كما أن الإنشاء في قوله : «أكرم أي رجل جاءك» قرينة على التعين عند المخاطب ، والتعين المدلول عليه بدال آخر غير اسم النكرة ـ التي هي اسم الجنس المنون ـ لا يقدح في مفهوم النكرة ، كما لا يقدح تقييد المطلق بمعنى الإطلاق كتقييد الرقبة بالايمان ، ولذا لا يكون التقييد موجباً للمجازية كما حقق في محله.

٧٠٥

لا الفرد المردد بين الافراد ، وذلك (١) لبداهة كون لفظ (رجل في «جئني برجل نكرة ، مع أنه (٢) يصدق على كل من يجيء [جيء] به من الافراد ، ولا يكاد يكون واحد منها (٣) هذا أو غيره ، كما هو (٤)

______________________________________________________

ماء» إذ يصح حمل النكرة عليها ، فيقال : رجل مثلا نكرة ، فان مفهوم رجل مغاير لمعنى المحمول وهو «نكرة» ، نظير «زيد إنسان» في تغاير الموضوع والمحمول مفهوماً ، واتحادهما وجوداً ، كما هو شأن الحمل الشائع. وأما الحمل الأولي ، فهو حمل النكرة على مفهومها ، مثل أن يقال : «الطبيعة المقيدة بالوحدة نكرة».

وبالجملة : فالنكرة اما فرد معين واقعاً عند شخص وغير معين عند غيره كالمخاطب كرجل في «وجاء رجل من أقصى المدينة» ولذا يحتمل عند المخاطب صدقه على زيد وعمرو وغيرهما. واما حصة من الطبيعة مقيدة بالوحدة كرجل الواقع في حيز أمر أو نهي ، كما في «جئني برجل ، وهذا كلي يقبل الصدق على كثيرين. بخلاف الأول ، لأنه فرد معين لا يصدق على كثيرين. واحتمال انطباقه على كثيرين ناش عن جهل المخاطب.

(١) تعليل لكون النكرة أحد المعنيين المذكورين ، لا الفرد المردد ، وقد مر توضيحه بقولنا : «ضرورة أنها بمعنى الفرد المردد لا تنطبق على شيء ... إلخ».

(٢) يعني : مع أن «رجل يصدق على كل فرد جيء به.

(٣) أي : من الافراد ، يعني : لو كانت النكرة الفرد المردد لزم أن يصدق على فرد ـ كزيد ـ أنه هذا أو غيره مع وضوح بطلانه ، لأن كل فرد من الافراد متعين لا مردد.

(٤) أي : كون واحد من الافراد هذا أو غيره قضية الفرد المردد لو كان هو المراد من النكرة ، فضمير «هو» في قوله : «هو المراد» راجع إلى الفرد المردد.

٧٠٦

قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها ، ضرورة (١) أن كل واحد هو هو (٢) ، لا هو أو غيره ، فلا بد (٣) أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر (٤) هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة ، فيكون كلياً قابلا للانطباق ، فتأمل جيداً.

إذا عرفت ذلك (٥) فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني (٦) ،

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «ولا يكاد يكون» وضمير «منها» راجع إلى النكرة.

(٢) أي : هو نفسه وشخصه ، لا هو أو غيره ، لأن التشخص والتعين يمنع عن التردد.

(٣) هذه نتيجة إبطال الفرد المردد ، يعني : فبعد إثبات امتناع إرادة الفرد المردد من النكرة لا بد من الالتزام بكون النكرة الواقعة في حيز الأمر ـ كقوله جئني برجل هي الطبيعة المقيدة بمفهوم الوحدة القابل للانطباق على كثيرين.

(٤) لا النهي ، إذ ليس متعلقه الطبيعة المقيدة بالوحدة ، بل الطبيعة السارية مثل «لا تجئني برجل.

(٥) أي : إذا عرفت ما ذكر من الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، وغرضه التنبيه على صحة الإطلاق المزبور. وحاصله : أنه لا مانع من إطلاق المطلق على اسم الجنس الموضوع للماهية المبهمة اللابشرط المقسمي ، وعلى النكرة التي يراد بها الحصة الكلية المقيدة بالوحدة المفهومية القابلة للانطباق على أفراد كثيرة على البدل.

(٦) وهو الماهية الكلية المقيدة بالوحدة. وأما المطلق المشهوري الأصولي فسيأتي.

٧٠٧

كما يصح لغة (١) ، وغير بعيد (٢) أن يكون جريهم في هذا الإطلاق (٣) على وفق اللغة (٤) من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح (٥)

______________________________________________________

(١) حيث ان النكرة في اللغة بمعنى المرسل ، ومعنى الإطلاق أيضا هو الإرسال.

(٢) غرضه : أنه لا يبعد أن يكون مراد الأصوليين من المطلق معناه اللغوي ، وهو الإرسال ، فان معنى «أطلقت الدّابّة» : أرسلتها عن القيد أو الحبس ، في مقابل تقييدها بقيد. وعليه ، فلا وجه للإشكال على تعريف المطلق بعدم الطرد والعكس ، لأنه متجه في التعريفات الحقيقية دون اللغوية.

(٣) أي : الإطلاق المبحوث عنه عند الأصوليين.

(٤) فيصدق المطلق بمعناه اللغوي حينئذ على اسم الجنس والنكرة بمعنى الحصة الكلية. أما الأول ، فواضح ، لعدم قيد فيه بعد البناء على وضعه للماهية المبهمة ، فهو مرسل. وأما الثاني ، فلان قيد الوحدة من حدود مفهوم النكرة وليس زائداً على مفهومها ، حيث ان لكل مفهوم حدودا تميزه عن غيره ، فليس قيد الوحدة أمراً زائداً على الحصة الكلية التي هي مفهوم النكرة ، إذ المراد بالقيد ما يكون زائداً على الماهية كتقييد الرقبة بالايمان والرّجل بالعلم ، فلو كان مفهوم في نفسه أخص من مفهوم آخر كالإنسان بالنسبة إلى الحيوان لا يسمى مقيداً ، ولا الحيوان بالنسبة إليه مطلقاً.

(٥) أي : ليس للأصوليين اصطلاح خاص في المطلق على خلاف اللغة ، وضمير «خلافها» راجع إلى اللغة. فالنتيجة : أن الإطلاق أمر عدمي ، وهو عدم القيد المعبر عنه بالإرسال.

٧٠٨

على خلافها ، كما لا يخفى. نعم (١) لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعاً لما قيد بالإرسال والشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة (٢) (*) عندهم بمطلق [مطلقاً] ، إلّا أن الكلام في صدق النسبة (٣) ،

______________________________________________________

(١) غرضه أنه لو ثبت اصطلاح خاص للأصوليين في المطلق ، كما ادعي ذلك ـ وهو ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعاً للماهية المقيدة بالإرسال والشمول ـ لم يكن اسم الجنس والنكرة من مصاديق المطلق ، لفقدان قيد الشمول فيهما ، حيث ان اسم الجنس وضع للماهية المبهمة من دون لحاظ قيد معها ، والنكرة وضعت للماهية المقيدة بالوحدة ، فلحاظ الشمول مفقود في كليهما.

(٢) المراد بها اسم النكرة ، كما أن المراد بقوله : «الجنس» اسم الجنس.

(٣) إذ لو كانت هذه النسبة صحيحة لم يكن وجه لجعل اسم الجنس والنكرة من المطلق ، مع أنهم عاملوا معهما معاملة المطلق ، ضرورة أن المطلق إذا كان هو الطبيعة المقيدة بالشيوع ، فهو غير نفس الطبيعة غير المقيدة بشيء ، فلا تصدق على ما لم يقيد بالشيوع. واعترف بعض الأعاظم بعدم العثور في كلماتهم على الخلاف المزبور ، وانما خلافهم يكون في معنى اسم الجنس ، وأنه موضوع للماهية المهملة كما عليه السلطان وجماعة ، أو للماهية المقيدة بالإطلاق كما عليه المشهور.

__________________

(*) لم يظهر وجه لعدم صدق المطلق المشهوري الأصولي على النكرة بمعنى الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية المعبر عنها بالحصة مع وجود الشمول البدلي فيها ، فتدبر.

٧٠٩

ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى (١) لطروء التقييد [لطروء القيد] غير قابل ، فان (٢) ما له من الخصوصية (٣) ينافيه ، ويعانده (٤) ، بل وهذا بخلافه بالمعنيين (٥) ، فان كلا منهما له قابل ، لعدم (٦) انثلامهما بسببه أصلا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) أي : المعنى المشهور وهو المقيد بالشمول ، وغرضه من هذه العبارة تزييف ما نسب إلى المشهور ، وحاصله : أن الإطلاق بمعنى الشيوع غير قابل للتقييد الموجب للضيق ، لأن السعة والضيق متنافيان ومتقابلان ، ومن الواضح عدم قابلية أحد المتقابلين لقبول الآخر ، ولا ريب في صحة تقييد المطلق عندهم فلا بد أن يراد بالمطلق معنى يقبل التقييد ، فلا مجال لصحة المطلق الّذي نسب إلى المشهور من أنه الماهية المقيدة بالشيوع.

(٢) هذا وجه عدم القابلية للتقييد ، وقد عرفت تقريبه.

(٣) وهي الإرسال والشيوع.

(٤) الضمير المفعول في هذا الفعل وفي «ينافيه» راجع إلى التقييد ، والضمير الفاعل المستتر فيهما راجع إلى «ما» الموصول.

(٥) أي : المعنيين المزبورين لاسم الجنس والنكرة ، فانهما قابلان للتقييد ، لأن معنى اسم الجنس هو صرف المفهوم والطبيعة المهملة ، والمعنى الثاني للنكرة هو الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية ، ومن المعلوم قابلية كليهما للتقييد وعدم انثلامهما به ، وضمير «بخلافه» راجع إلى المطلق ، وضمير «منهما» إلى المعنيين ، وضمير «له» إلى التقييد.

(٦) تعليل لقوله : «قابل» وتقريبه : أن الماهية المهملة قابلة للتقييد ، فإذا قال : «جئني برجل عالم» مثلا ، فـ «رجل قد استعمل في نفس الطبيعة ، وقيده

٧١٠

وعليه (١) لا يستلزم التقييد تجوزاً في المطلق ، لإمكان (٢) إرادة معنى لفظه (٣) منه ، وإرادة (٤) قيده من قرينة حال أو مقال ، وانما استلزمه (٥) لو كان [المطلق] بذاك المعنى (٦).

______________________________________________________

وهو العالمية قد أريد بدال آخر ، فتقييده لا يوجب انثلامه أصلا ، وضمير «انثلامهما» راجع إلى المعنيين ، وضمير «بسببه» إلى التقييد.

(١) يعني : وعلى ما ذكر ـ من معنيي اسم الجنس والنكرة ـ لا يلزم من التقييد مجاز في المطلق ، لإمكان إرادة معناه من لفظه ، وإرادة قيده من قرينة حالية أو مقالية ، كقوله : «أكرم رجلا عالماً» ، فان لفظ المطلق وهو «رجلا» في المثال يدل على معناه ـ وهو الماهية المهملة ـ ، ولفظ «عالماً» يدل على القيد ، فلا يلزم من تقييد المطلق مجاز بعد تعدد الدال والمدلول أصلا.

(٢) تعليل لعدم لزوم المجاز من التقييد ، وقد عرفت تقريبه.

(٣) أي : لفظ المطلق من لفظه ، يعني : لإمكان إرادة معنى لفظ المطلق من لفظ المطلق وإرادة قيده من الخارج ، فيراد المقيد بتعدد الدال والمدلول ، والمراد بالإرادة الاستعمال.

(٤) معطوف على «إرادة» يعني : وإمكان إرادة قيد المطلق من قرينة حال.

(٥) أي : وانما استلزم التجوز ، وغرضه : أنه لا يستلزم التقييد مجازاً بناء على المعنى المذكور لاسم الجنس والنكرة ، وانما يستلزم التقييد مجازاً بناء على المعنى المنسوب إلى المشهور للمطلق ـ وهو الماهية المقيدة بالشيوع والإرسال ـ ، لاستلزام التقييد تجريده عن قيد الإرسال والشيوع ، فيكون المطلق حينئذ مستعملا في جزء معناه ، فيصير مجازاً.

(٦) أي : المعنى المنسوب إلى المشهور ، وقد عرفت تقريبه.

٧١١

نعم (١) لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازاً مطلقاً كان (٢) التقييد بمتصل أو منفصل [أو بمنفصل].

فصل

قد ظهر (٣) لك أنه لا دلالة لمثل «رجل الا على الماهية المبهمة

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «لا يستلزم التقييد تجوزاً» ، وحاصله : أنه يمكن استلزام التقييد للمجازية بناء على المختار أيضا من المعنيين المذكورين لاسم الجنس والنكرة. بيانه : أنه إذا استعمل المطلق في المقيد بأن أريد القيد من نفس لفظ المطلق ، لا من دالٍّ آخر ، كما إذا أريد «الرقبة المؤمنة» من لفظ «الرقبة» كان مجازاً على المختار وعلى مسلك المشهور ، من غير فرق في ذلك بين اتصال القيد وانفصاله إذا أمكن استعمال لفظ المطلق في مجموع الرقبة المؤمنة مع انفصال القيد.

(٢) بيان للإطلاق ، وضمير «لفظه» راجع إلى المطلق ، والمراد بالمعنى المقيد مجموع المطلق وقيده ، بحيث استعمل لفظ المطلق في هذا المجموع كأن يستعمل لفظ «الرقبة» في مثل «أعتق رقبة مؤمنة» في الرقبة المؤمنة ، ويجعل قوله : «مؤمنة» قرينة على أن المراد من الرقبة : الرقبة مع الإيمان.

مقدمات الحكمة

(٣) حيث بيّن معنى اسمي الجنس والنكرة ، وغرضه من عقد هذا الفصل : أنه بعد وضوح أن اسم الجنس لا يدل إلّا على الماهية المبهمة ، ولا يدل على

٧١٢

وضعاً (١) وأن (٢) الشياع والسريان كسائر الطوارئ (٣) يكون خارجاً عما وضع له (٤) ، فلا بد في الدلالة عليه (٥) من قرينة حال أو مقال (٦) أو حكمة (٧) وهي تتوقف على مقدمات :

إحداها (٨) : كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد (٩) ، لا الإهمال

______________________________________________________

الشياع والسريان ، كسائر الأوصاف والطوارئ الخارجة عن معناه وضعاً ، فلا بد في الدلالة على الشياع والسريان من قرينة حالية أو مقالية أو حكمية. والأولان واضحان. وأما الثالث ، فهو موقوف على مقدمات آتية.

(١) قيد لقوله : «لا دلالة» ، يعني : لا دلالة وضعاً لمثل «رجل من أسماء الأجناس الا على الماهية المبهمة.

(٢) معطوف على «أنه» ، يعني : وقد ظهر لك أن الشياع والسريان.

(٣) كخصوصية التعيين والتقييد بفرد ما.

(٤) إذ المفروض أن الموضوع له نفس الماهية المبهمة.

(٥) أي : على الشياع الّذي تقيد به الماهية.

(٦) هاتان القرينتان تختلفان باختلاف خصوصيات الكلام أو المقام ، فلا ضابط تندرجان تحته.

(٧) هذه القرينة تسمى بقرينة الحكمة وهي تتوقف على مقدمات.

(٨) هذه إحدى مقدمات الحكمة ، وهي عبارة عن كون المتكلم في مقام البيان أي : افهام تمام ما أراد بيانه سواء أكان مراداً جدياً له أم مراداً استعمالياً لضرب قاعدة يرجع إليها عند الشك ، وعدم حجة أقوى على خلافه.

(٩) أي : تمام ما أراد بيانه ، فلو كان في مقام بيان أصل التشريع من دون نظر إلى الخصوصيات ، كما إذا قال : «صوم شهر رمضان واجب» ولم يتعرض

٧١٣

أو الإجمال (١).

ثانيتها (٢) : انتفاء ما يوجب التعيين.

______________________________________________________

لما يعتبر في وجوبه وصحته ، فلا يصح التمسك بإطلاق كلامه ، وإثبات أن ما بينه هو تمام مراده ، وأنه لا دخل لشيء آخر فيه.

(١) قيل : هو كون المتكلم في مقام إثبات الحكم لطبيعة الموضوع في الجملة مع علمه بكيفية تحقق الموضوع ، وكيفية تعلق الحكم به كقول الطبيب للمريض «اشرب السقمونيا» مع علمه بحقيقة السقمونيا ، وكيفية شربه ، لكنه لا يبينهما لأجل مصلحة في إخفائهما. والإهمال قيل : هو كون المتكلم في مقام إثبات الحكم لطبيعة الموضوع في الجملة وان لم يكن عالماً بالكيفيتين ، كقول غير الطبيب للمريض : «لا بد لرفع المرض من شرب الدواء» حيث لا يعلم بالدواء ولا بكيفية شربه.

وبالجملة : ما لم يكن المتكلم في مقام البيان من الجهة التي يراد إثباتها لم يصح التمسك بالإطلاق لإثبات تلك الجهة ، كما إذا كان في مقام التشريع فقط ، أو في مقام بيان حكم آخر ، كقوله تعالى : «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ» الوارد في مقام بيان حلية ما اصطاده الكلب المعلم ، فانه لا يجوز التمسك بإطلاق الأمر بالأكل لإثبات طهارة موضع عضِّ الكلب ، لعدم إحراز كون المتكلم في مقام بيان الجهة التي يراد إثباتها بالإطلاق ، فلو ورد دليل على التقييد لم يكن قبيحاً ، لعدم كونه في مقام البيان بالإطلاق حتى يكون التقييد منافياً له.

(٢) هذه ثانية مقدمات الحكمة ، وحاصلها : عدم القرينة المعينة للمراد ، إذ معها يكون المراد متعيناً ، فلا وجه حينئذ للحمل على الإطلاق.

٧١٤

ثالثتها (١)

(١) هذه ثالثة المقدمات ، وحاصلها : أن الإطلاق موقوف على انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، إذ معه يصح أن يعتمد المتكلم في مقام البيان عليه إذا كان ذلك المتيقن منسبقاً إلى ذهن المخاطب من اللفظ ، بحيث يكون الكلام ظاهراً في كون ذلك البعض متيقن الإرادة بالنسبة إلى أفراد المطلق ، فهذا التيقن يمنع عن إحراز إرادة الإطلاق من المطلق ، فلو أراد البعض المتيقن منه لم يكن التعبير بالمطلق مخلا بالغرض ، لصحة الاتكال في بيان المتيقن على تيقنه بعد أن كانت وظيفته افهام المخاطب باللفظ ، وكان المتيقن منفهماً من اللفظ ، فكأنه صرح بأن مراده هو المتيقن.

وبالجملة : فالتيقن صالح لأن يكون بياناً لإرادة ذلك المتيقن ، دون غيره ، فلو أطلق المتكلم الكلام وأراد غير المتيقن ، ولم ينصب قرينة على مراده كان ذلك مخلا بغرضه. ولا بأس بذكر مثال للمتيقن عند التخاطب ، وهو كما إذا فرض أن المعصوم عليه‌السلام سئل عن حكم وقوع نجاسة في بئر معينة ، فأجاب صلوات الله عليه بأن «ماء البئر واسع لا يفسده شيء» ، فان تيقن تلك البئر من الآبار في الحكم المذكور انما هو بسبب وقوعها في السؤال ، فالتيقن مستند إلى الكلام لا إلى الخارج.

وكذا إذا كان التيقن مستنداً إلى ما يكتنف بالكلام من الخصوصيات بحيث لا يخرج سبب التيقن عن الكلام ، كما إذا قال : «أكرم عالماً» فان العالم وان كان شاملا للمنجم إلّا أن نفس لفظ العالم ـ خصوصاً بمناسبة وجوب الإكرام ـ ينصرف إلى الفقيه ، بحيث يصير هو متيقن الإرادة. هذا كله في القدر المتيقن في مقام التخاطب. وأما القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب ، فسيأتي إن شاء الله تعالى.

٧١٥

انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب (*) ولو (١) كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذلك المقام (٢)

______________________________________________________

(١) هذا هو بيان حكم القدر المتيقن الخارجي الأجنبي عن مقام التخاطب لعدم استناده إلى اللفظ ، بل تيقنه اما لقطع المخاطب به ، واما لحكم العقل. وحاصل ما أفاده في ذلك : أن التيقن إذا كان مستنداً إلى ما هو خارج عن مقام التخاطب ، فوجوده غير مضر بالإطلاق ، فلا يكون عدمه شرطاً في الإطلاق ، ضرورة أن في جميع المطلقات أو جلّها قدراً متيقناً ، فلو بني على قدحه في الأخذ بالمطلقات لانسد باب التمسك بها.

(٢) أي : مقام التخاطب.

__________________

(*) الظاهر كون هاتين المقدمتين ـ اللتين مرجعهما إلى عدم قرينة معينة للمراد سواء كانت لفظاً أم تيقناً عند التخاطب ـ محققين للموضوع لا كونهما من شرائط الإطلاق الثابت ، وذلك لأن قوام الإطلاق بعدم البيان ، إذ معه لا معنى للإطلاق. وان شئت فقل : ان الإطلاق مورده الشك ، ومع القرينة المعينة للمراد لا شك حتى تجري فيه الإطلاق ، فشرطية هاتين المقدمتين على حذوِ شرطية شرائط تنجيز العلم الإجمالي ، حيث انها محققة لموضوع التنجيز وهو العلم بالتكليف الفعلي.

ثم انه مع الغض عن ذلك ، وتسليم شرطيتهما للإطلاق ، لا وجه لعد كل منهما شرطاً ، بل مرجعهما إلى شرط واحد وهو عدم القرينة على المراد ، غاية الأمر أن القرينة تارة تكون لفظاً ، وأخرى حالا ، وثالثة تيقناً ناشئاً من التخاطب كما أشرنا إليه ، فتدبر.

٧١٦

في البين (١) ، فانه (٢) غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض لو كان بصدد البيان (٣) كما هو (٤)

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «المتيقن» ، يعني : لو كان المتيقن في البين بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب ، بأن لا يكون التيقن ناشئاً عن ظهور اللفظ في الفرد المتيقن.

(٢) جواب «لو» وضمير «انه» راجع إلى المتيقن الخارجي ، توضيحه : أن المتيقن في غير مقام التخاطب لو كان مراداً للمتكلم ، وأطلق الكلام ، ولم ينصب قرينة على كون ذلك المتيقن مراده لأخل بغرضه ، إذ ليس له أن يعتمد في تفهيم مراده على هذا التيقن ، حيث انه ليس كل متيقن صالحاً للقرينية ، وانما الصالح لها ما ينفهم من الكلام الملقى إلى المخاطب ، إذ المفروض كون المتكلم في مقام البيان بحسب مقام التخاطب ، فالمؤثر في رفع الإخلال بالغرض لا بد أن يكون المتيقن بحسب هذا المقام أيضا ، لا المتيقن الخارجي الأجنبي عنه.

والحاصل : أن المتيقن في مقام التخاطب صالح للقرينية ، بحيث لو أراده المتكلم وأطلق الكلام لم يلزم إخلال بغرضه ، لصحة الاعتماد على هذا المتيقن لانفهامه عرفاً من الكلام. بخلاف المتيقن الخارجي ، فانه لأجنبيته عن مقام التخاطب لا يصح الركون إليه في مقام التفهيم ، فلو كانت الرقبة المؤمنة موضوعاً للحكم وكانت في مقام الامتثال مجزئة قطعاً ، لكن لم تكن متيقنة من نفس الكلام ، كان الإطلاق حينئذ مخلا بالغرض ، لعدم كون هذا التيقن بياناً لذلك الغرض.

(٣) أي : لو كان المتكلم بصدد البيان بالكلام الملقى إلى المخاطب.

(٤) يعني : أن كون المتكلم بصدد البيان بالخطاب ـ كما هو قضية المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة ـ مفروض البحث.

٧١٧

الفرض ، فانه (١) فيما تحققت لو لم يرد [المتكلم] الشياع لأخل بغرضه ، حيث (٢) انه لم يبينه مع أنه بصدده (٣) ، وبدونها (٤) لا يكاد يكون هناك

______________________________________________________

(١) يعني : فان المتكلم فيما تحققت مقدمات الحكمة لو لم يرد الشياع الّذي هو المطلق لأخل بغرضه. تقريبه : أنه مع تمامية المقدمات الثلاث المذكورة لو لم يرد المتكلم الإطلاق ، وأراد المقيد لأخل بغرضه ، لما مر من عدم كون المطلق بياناً للمقيد حتى يصح الاتكال عليه ، وأن بيانية المطلق للمقيد منحصرة بالمتيقن التخاطبي كما تقدم ، وحيث ان الإخلال بالغرض قبيح ، فلا محيص عن إرادة الإطلاق.

(٢) تعليل للإخلال بالغرض ، بيانه : أن المتكلم مع كونه بصدد البيان إذا لم يبين المقيد ولم يكن المطلق بياناً له ، فالإطلاق مراد في عالم الإثبات ، وهو دليل إنّي على كونه مراداً في عالم الثبوت أيضا من دون تخصصه بخصوصية خاصة ، فيتطابق الإثبات والثبوت.

(٣) أي : البيان ، وضميرا «أنه» في كلا الموردين راجع إلى المتكلم ، والضمير البارز في «يبينه» راجع إلى غرضه ، والضمير الفاعل المستتر فيه راجع إلى المتكلم.

(٤) أي : وبدون المقدمات الثلاث المذكورة لا يلزم إخلال بالغرض أصلا لأنه إذا لم يكن في مقام البيان ، بل كان في مقام أصل التشريع من دون نظر إلى الخصوصيات ، لا يلزم من ذكر المطلق إخلال بالغرض ، وهو المقيد. وعليه ، فالإخلال بالغرض مترتب على وجود المقدمات المزبورة مع إرادة المقيد. وكذا الحال في انتفاء غير المقدمة الأولى من سائر المقدمات ، كما أوضحه المصنف ، وضمير «به» راجع إلى الغرض.

٧١٨

إخلال به ، حيث (١) لم يكن (٢) مع انتفاء الأولى (٣) الا في مقام الإهمال أو الإجمال ، ومع انتفاء الثانية (٤) كان البيان بالقرينة ، ومع انتفاء الثالثة (٥) لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده ، فان الفرض أنه بصدد بيان تمامه (٦) ،

______________________________________________________

(١) بيان لوجه الحاجة إلى المقدمة الأولى ، وقد عرفته.

(٢) يعني : لم يكن المتكلم مع انتفاء المقدمة الأولى الا في مقام الإهمال أو الإجمال.

(٣) أي : المقدمة الأولى ، وهي كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد.

(٤) أي : المقدمة الثانية ، وهي انتفاء ما يوجب التعيين ، ووجه عدم لزوم الإخلال بالغرض بانتفائها هو وجود القرينة المعينة للمراد ، كقوله : «أعتق رقبة مؤمنة» فان «المؤمنة» قرينة معينة ، فلا يلزم من ذكر المطلق حينئذ إخلال بالغرض.

(٥) أي : المقدمة الثالثة وهي القدر المتيقن في مقام التخاطب ، إذ مع انتفاء هذه المقدمة ـ بمعنى وجود المتيقن المزبور ـ لا يلزم من ذكر المطلق إخلال بالغرض ، وهو إرادة المقيد أعني المتيقن التخاطبي ، لما مر من صلاحية التيقن المذكور للقرينية على المراد ، بحيث يصح للمتكلم الاتكال عليه مع ذكر المطلق إذا كان المتيقن تمام مراد المتكلم ، إذ لو كان بعض مراده لم يكن البيان تاماً ، فيلزم الإخلال بالغرض من الاكتفاء بالمتيقن.

(٦) أي : تمام مراده من المطلق ، وقد بينه بالمتيقن الخطابي ، فلو لم يرد الشياع منه لم يلزم إخلال بغرضه أصلا ، فلا يقدح الإطلاق حينئذ ، لكون المتيقن

٧١٩

وقد بينه ، لا بصدد بيان أنه (١) تمامه كي أخل ببيانه (٢)

______________________________________________________

كالقرينة اللفظية الحافة بالكلام المانعة عن إرادة الإطلاق. نعم إذا كان بصدد بيان وصف التمامية للمتيقن ، وأنه موصوف بكونه تمام مراده من المطلق بحيث لا يكون شيء وراء هذا المتيقن مراداً له منه ، ومع ذلك أطلق الكلام وأمر بعتق رقبة مثلا ، ولم ينصب قرينة على اتصاف المتيقن بوصف كونه تمام المراد لَزِم من ذكر المطلق الإخلال بالغرض ، وهو إرادة المتيقن بما هو تمام المراد ، ضرورة أن التيقن الخطابي قاصر عن إثبات هذا الوصف للمتيقن بعد إمكان أن يكون المتيقن مراداً في ضمن سائر الافراد ، والمفروض أنه لم ينصب قرينة على ذلك فلا ينفي تيقن بعض الافراد مرادية سائر الافراد حتى يتصف المتيقن بكونه تمام المراد ، فتيقن الرقبة المؤمنة لا ينفي مطلوبية غيرها من أفراد الرقبة حتى يثبت لها وصف التمامية ، فحينئذ لا مانع من التمسك بالإطلاق لإثبات كون الموضوع نفس الطبيعة لا المقيدة.

(١) يعني : لا بصدد بيان أن المتيقن تمام المراد كي يلزم الإخلال ببيان مراده لما عرفت من أنه لو كان بصدد بيان وصف المتيقن بكونه تمام المراد ، وأطلق لزم الإخلال بغرضه ، وهو بيان وصف التمامية للمتيقن ، فلا بد من الأخذ بالإطلاق. فاتضح المراد من قوله : «بصدد بيان تمامه» ومن قوله : «لا بصدد بيان أنه تمامه» كما اتضح أيضا أن الصواب أن تكون العبارة هكذا : «كي يخل» أو «كي يكون أخل».

(٢) أي : بيان مراده ، وضمير «انه» راجع إلى المتيقن ، وضمير «تمامه» راجع إلى المراد.

٧٢٠