منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

على الخبر بالإجماع كي يقال بأنه (١) فيما لا يوجد على خلافه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به. كيف (٢) وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به (٣) في قبال العمومات الكتابية.

والاخبار (٤) الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب

______________________________________________________

الخبر ـ وهو الإجماع ـ لبي ، والمتيقن منه هو الخبر غير المخالف للكتاب فلا يشمل المخالف. وعليه فالمخالف يبقى تحت عدم حجية الأمارات غير العلمية.

(١) أي : أن الإجماع يكون في الخبر الّذي لا يوجد على خلافه دليل ، والعموم القرآني دليل على خلافه ، فيسقط وجوب العمل بالخبر المخالف له. وضميرا «خلافه وبه» راجعان إلى الخبر.

(٢) يعني : كيف ينحصر دليل اعتبار الخبر بالإجماع؟ وهذا جواب عن الوجه الثاني. وحاصل الجواب عنه : أن دليل حجية خبر الواحد ليس منحصراً بالإجماع ، لما عرفت من استقرار سيرة الأصحاب على العمل بخبر الواحد المخالف للعام الكتابي ، ومع هذه السيرة لا وجه لدعوى انحصار مستند حجيته بالإجماع كما هو واضح.

(٣) أي : بخبر الواحد.

(٤) هذا ثالث الوجوه التي استدل بها المانعون ، وتقريبه : أن الاخبار الدالة على طرح الخبر المخالف للكتاب على كثرتها واختلاف تعبيراتها من كون المخالف «باطلا» و «زخرفاً» و «لم نقله» وغير ذلك تدل على طرح كل خبر مخالف للكتاب وان كانت مخالفته بالعموم والخصوص ، على ما يقتضيه إطلاق المخالفة ، وتلك الاخبار تخصص عموم أدلة حجية خبر الواحد ، وتخرج

٦٤١

طرحها ، أو ضربها على الجدار ، أو أنها زخرف ، أو أنها مما لم يقل بها [به] الإمام عليه‌السلام وان كانت كثيرة جداً ، وصريحة الدلالة على طرح المخالف ، إلّا أنه (١) لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم (٢) ان لم نقل (٣) [انها]

______________________________________________________

الخبر المخالف للكتاب عن دائرة أدلة الحجية ، ومع خروجه عن حيز الحجية كيف يصلح لتخصيص العام الكتابي ، فان المخصص لا بد أن يكون حجة ، إذ لا معنى لتخصيص الحجة بغير الحجة. فالنتيجة : عدم جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد غير العلمي.

(١) الضمير للشأن ، يعني : أنه قد أجيب عن الدليل المزبور بوجوه هذا أولها ، وحاصله : أنه لو سلم صدق المخالفة ـ التي هي موضوع الاخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب ـ على المخالفة بالعموم والخصوص ، ولم نقل باختصاصها بالمخالفة التباينية ، فلا بد من تخصيص المخالفة للكتاب بالعموم والخصوص ، وذلك للعلم بصدور أخبار كثيرة مخالفة للكتاب بالعموم والخصوص وجريان السيرة على العمل بها في مقابل عمومات الكتاب ، ولا يكون ذلك الا لتخصيص المخالفة التي هي موضوع الاخبار الآمرة بطرح الخبر المخالف للكتاب بالمخالفة التباينية ، وإخراج المخالفة بالعموم والخصوص المطلق عن المخالفة ، إذ لو لم نقل بهذا التخصيص يلزم طرح كثير من الاخبار التي علم بصدورها عن المعصومين عليهم أفضل صلوات المصلين.

فالمتحصل : أن الخبر المخالف للكتاب بغير المخالفة التباينية ليس مشمولا للاخبار الدالة على طرح الخبر المخالف.

(٢) أي : العموم والخصوص ، وكذا الإطلاق والتقييد.

(٣) هذا ثاني الوجوه التي أجيب بها عن الدليل المذكور ، وحاصله : أن

٦٤٢

بأنها (١) (*) ليست من المخالفة عرفاً ، كيف (٢)؟ وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة (٣) منهم عليهم‌السلام كثيرة جداً.

______________________________________________________

المخالفة العرفية التي هي موضوع الاخبار الآمرة بطرح ما خالف الكتاب لا تشمل المخالفة بالعموم والخصوص ، حيث ان المخالفة العرفية ما يوجب توقف العرف وتحيرهم في استظهار المراد من الكلامين المتخالفين ، ومن المعلوم أن مخالفة الإطلاق والتقييد والعموم والخصوص ليست كذلك ، إذ لا شبهة في أن العرف يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاصّ ، ولا يتحير في الاستظهار واستكشاف المراد أصلا.

(١) أي : المخالفة بالعموم والخصوص. والفرق بين الجوابين واضح ، إذ الأول ناظر إلى الخروج الحكمي ، يعني : نسلم أن المخالفة للكتاب بالعموم والخصوص مخالفة له ، لكنها خارجة عن حكم المخالفة للكتاب ، وهو وجوب الطرح. والثاني ناظر إلى الخروج الموضوعي ، يعني : أن المخالفة بالعموم والخصوص ليست مخالفة أصلا.

(٢) يعني : كيف لا يراد بالمخالفة في أخبار طرح الخبر المخالف غير المخالفة بالعموم والخصوص ، والحال أنه يعلم بصدور الاخبار الكثيرة المخالفة للكتاب بمخالفة العموم والخصوص ، فلا بد من حمل المخالفة على المخالفة غير العموم والخصوص.

(٣) أي : مخالفة العموم والخصوص.

__________________

(*) الأولى تقديم هذا الجواب على الأول ، بأن يقال : ان المخالفة بالعموم والخصوص ليست مخالفة أولا ، ولو سلم صدق المخالفة عليها ، فهي خارجة عنها حكماً ثانياً.

٦٤٣

مع (١) قوة احتمال أن يكون المراد أنهم عليهم‌السلام لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعاً وان كان [هو] (٢) على خلافه ظاهراً ، شرحاً (٣)

______________________________________________________

(١) هذا ثالث الوجوه التي أجيب بها عن دليل المانعين ، وهو الاخبار الآمرة بطرح الخبر المخالف للكتاب. وحاصل هذا الجواب : أنه يحتمل أن يراد بالمخالفة في تلك الاخبار المخالفة للحكم الواقعي الّذي كتبه الله تعالى على عباده ، بأن يكون الواجب طرحه هو الخبر المخالف للحكم الواقعي ، لا المخالف لظاهر الكتاب ، فخبر الواحد المخالف لظاهر الكتاب يحتمل أن يكون موافقاً للحكم الواقعي. ومع هذا الاحتمال لا يحرز كونه مخالفاً للحكم الواقعي حتى تشمله الاخبار الآمرة بطرح ما خالف الكتاب ، فلا يصح التمسك بها لطرحه ، لكونه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، وهو غير جائز عند المحققين.

فالمتحصل : عدم صحة التشبث بتلك الاخبار لطرح الخبر المخالف للكتاب مخالفة العموم والخصوص ، وجواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد ، فالاخبار الآمرة بطرح الخبر المخالف لا تمنع عن تخصيص خبر الواحد المخالف بالعموم والخصوص لعموم الكتاب.

(٢) يعني : وان كان قولهم عليهم‌السلام على خلاف قول الله تبارك وتعالى ظاهراً ، لكنه موافق له واقعاً ، وشارح لقوله عزوجل ومبين لمرامه من كلامه تعالى.

(٣) مفعول لأجله ، يعني : أن مخالفة قولهم عليهم‌السلام لظاهر كلامه سبحانه وتعالى انما هو لأجل كونه شارحاً لمراده الواقعي.

٦٤٤

لمرامه تعالى ، وبياناً لمراده من كلامه (١) تعالى ، فافهم (٢) (*).

والملازمة (٣)

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضميرا «لمراده ولمرامه» راجعة إلى الله تبارك وتعالى.

(٢) لعله إشارة إلى عدم وجاهة قوله : «مع قوة احتمال» إذ فيه ـ مضافاً إلى بُعده في نفسه ، لعدم انسباقه إلى الذهن وعدم قرينة عليه ـ أنه إحالة على المجهول الّذي لا يمكن لنا معرفته إلّا بدلالة المعصوم عليه‌السلام ، ضرورة أنه لا سبيل إلى إحراز الواقع حتى تحرم مخالفته ، مع أن موافقة الكتاب جعلت معياراً لصدق الخبر بعد عرضه على الكتاب ، والمسلم عرضه على ظاهر الكتاب إذ العرض على واقع الكتاب غير ممكن لنا بعد وضوح عدم السبيل إلى معرفته.

(٣) هذا رابع الوجوه التي استدل بها المانعون ، وحاصله ـ كما في التقريرات ـ : أن جواز التخصيص يلازم جواز النسخ ، والتالي باطل إجماعاً ، أما الملازمة فلان مرجع النسخ أيضا إلى التخصيص. توضيحه : أن المانع يدعي الملازمة بين جواز النسخ بخبر الواحد ، وجواز التخصيص به ، ومن المسلم عدم جواز

__________________

(*) قد عرفت في شرح قوله : «فافهم» أنه لا وجه لهذا الجواب الثالث المذكور بقوله : «مع قوة احتمال أن يكون المراد». كما لا وجه للجواب الأول ، وهو تخصيص عموم ما دل على طرح ما خالف الكتاب ، وإخراج المخالفة بالعموم والخصوص عن عموم المخالفة للكتاب ، وذلك لإباء مثل قولهم عليهم‌السلام : «زخرف» و «باطل» و «لم نقله» ونحوها عن التخصيص. فالصحيح هو الجواب الثاني أعني : منع صدق المخالفة على المخالفة بالعموم والخصوص ، وخروجها موضوعاً عن المخالفة التي جعلت موضوعاً لاخبار طرح ما خالف الكتاب.

٦٤٥

بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة (١) وان كان مقتضى القاعدة جوازهما ، لاختصاص (٢) النسخ بالإجماع على المنع (٣). مع (٤)

______________________________________________________

النسخ به ، فلا يجوز التخصيص به أيضا. تقريب الملازمة : أن النسخ أيضا تخصيص ، غايته أنه تخصيص في الأزمان ، والتخصيص المصطلح تخصيص في الافراد.

(١) قد أجاب عن هذا الدليل بوجهين مذكورين في التقريرات :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «ممنوعة» وحاصله : أن القاعدة وان كانت مقتضية لعدم الفرق بين التخصيص والنسخ كما عرفت ، إلّا أن الإجماع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد أوجب الفرق بينهما ، ولولاه لقلنا بعدم الفرق بينهما ، وبالجواز في كليهما ، وضمير «به» راجع إلى الخبر.

(٢) تعليل لقوله : «ممنوعة» وضمير «جوازهما» راجع إلى التخصيص والنسخ.

(٣) أي : المنع عن النسخ بخبر الواحد ، وهذا الإجماع هو الفارق بين النسخ والتخصيص.

(٤) هذا هو الجواب الثاني ، وحاصله : أن قياس النسخ بالتخصيص مع الفارق ، حيث ان الدواعي لضبط نواسخ القرآن كثيرة بحيث تصدى لضبطها جل الأصحاب ، فلذلك قل الخلاف في تعيين موارد النسخ ، فموارد النسخ ثابتة بالتواتر الموجب لعدم الخلاف ، أو قلته فيها ، وبهذا التواتر يصير خبر الواحد موهوناً في إثبات النسخ ، إذ لو كان لنقل بالتواتر. بخلاف التخصيص ، فان دواعي ضبطه لما لم تكن كثيرة ، فيحصل الوثوق بصدور الخبر الّذي يمكن تخصيص الكتاب به.

٦٤٦

وضوح الفرق بتوفر الدواعي إلى ضبطه ، ولذا (١) قل الخلاف في تعيين موارده ، بخلاف التخصيص (٢).

فصل

لا يخفى أن الخاصّ والعام المتخالفين (٣) يختلف حالهما ناسخاً

______________________________________________________

(١) أي : ولتوفر الدواعي إلى الضبط الموجب للتواتر قل الخلاف في تعيين موارد النسخ ، وضمير «موارده» راجع إلى النسخ ، وضمير «ضبطه» إلى الناسخ.

(٢) ولذا كثر الخلاف فيه. فالمتحصل : أن الملازمة بين النسخ والتخصيص ممنوعة.

تعارض العام والخاصّ

(٣) أي : المتخالفين في الحكم ، مثل «أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم» بعد الفراغ عن أظهرية الخاصّ من العام ، وكون التخصيص أشيع وأرجح من أنحاء التصرفات في الخاصّ. توضيح ما في المتن : أن العام والخاصّ المتخالفين تارة يكون تاريخهما معلوماً وأخرى يكون مجهولا. أما الأول ، فله صور :

إحداها : ورود الخاصّ مقارناً للعام ، كما إذا وردا من معصومين في زمان واحد.

ثانيتها : وروده بعد العام ، لكن قبل حضور وقت العمل بالعامّ.

ثالثتها : وروده بعد حضور زمان العمل بالعامّ ، وهذه الصورة تتصور على وجهين : أحدهما : أن يكون العام وارداً لبيان الحكم الظاهري ، وتأسيس ضابط للشك ليرجع إليه في موارد الشك.

ثانيهما : أن يكون لبيان الحكم الواقعي.

٦٤٧

ومخصصاً ومنسوخاً (*) فيكون الخاصّ مخصصاً تارة وناسخاً مرة ، ومنسوخاً أخرى ، وذلك (١) لأن الخاصّ ان كان مقارناً (**) مع العام (٢)

______________________________________________________

ففي الصورتين الأوليين ، وأول وجهي الصورة الثالثة يكون الخاصّ مخصصاً لا ناسخاً ، لفقدان شرط النسخ ، وهو حضور وقت العمل بالمنسوخ في الصورتين الأوليين ، وكون الحكم المنسوخ حكماً واقعياً في أول وجهي الصورة الثالثة إذ المفروض فيه كون العام وارداً لبيان الحكم الظاهري.

وفي الوجه الثاني من الصورة الثالثة يكون الخاصّ ناسخاً ، لوروده بعد العمل بالعامّ ، لا مخصصاً له ، لأن وروده بعد العمل بالعامّ يكشف عن كون العموم مراداً جدياً للمولى ، فلا وجه للتخصيص الّذي حقيقته بيان المراد الواقعي فلو جعل مخصصاً لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو ممتنع.

(١) أي : وجه اختلاف العام والخاصّ من حيث الناسخية والمخصصية.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الأولى المذكورة بقولنا : «إحداها ورود ... إلخ».

__________________

(*) لا يخفى أن هذه الصفات ثابتة للعام والخاصّ في الجملة ، لأن العام لا يتصف إلّا بالناسخية والمنسوخية ، ولا يتصف بالمخصصية ، كما هو واضح. وأما الخاصّ ، فيتصف بجميع تلك الصفات ، كما يظهر من شرح كلمات المصنف. ثم ان الغرض من عقد هذا الفصل ليس بيان أظهرية الخاصّ من العام ، لأنه موكول إلى باب تعارض الأحوال ، بل لبيان أن الخاصّ في أي مقام يكون مخصصاً أو ناسخاً.

(**) يمكن إرادة المقارنة الحقيقية ، كما إذا وردا في آن واحد من معصومين ، والعرفية ، كما إذا صدرا من معصوم واحد في مجلس واحد بحيث يعدان مقارنين.

٦٤٨

أو وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به (١) ، فلا محيص عن كونه (٢) مخصصاً وبياناً له.

وان (٣) كان بعد حضوره كان ناسخاً لا مخصصاً ، لئلا (٤) يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما (٥) إذا كان العام وارداً لبيان الحكم الواقعي ، وإلّا لكان الخاصّ أيضا (٦)

______________________________________________________

(١) أي : بالعامّ. وهذا إشارة إلى الصورة الثانية المذكورة بقولنا : «ثانيتها وروده ... إلخ».

(٢) أي : كون الخاصّ مخصصاً للعام في صورتي المقارنة ، وورود الخاصّ بعد العام قبل حضور وقت العمل به ، وضمير «له» راجع إلى العام.

(٣) معطوف على «ان كان» يعني : وان كان الخاصّ وارداً بعد حضور وقت العمل بالعامّ كان ناسخاً لا مخصصاً. وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة التي تعرضنا لها بقولنا : «ثالثتها وروده بعد حضور زمان العمل بالعامّ».

(٤) تعليل لعدم المخصصية ، يعني : لو كان الخاصّ مخصصاً لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كما تقدم توضيحه آنفاً.

(٥) هذا شرط لناسخية الخاصّ ، وحاصله : أن ناسخية الخاصّ المتأخر عن وقت العمل بالعامّ مشروطة بكون العام وارداً لبيان الحكم الواقعي ، إذ لو كان وارداً لبيان الحكم الظاهري كان الخاصّ مخصصاً له ، كصورة ورود الخاصّ بعد العام قبل وقت العمل به ، وكصورة مقارنته للعام كما تقدم. فقوله قدس‌سره : «وإلّا لكان» يعني : وان لم يكن العام لبيان الحكم الواقعي ـ بأن كان لبيان الحكم الظاهري ـ لكان الخاصّ أيضا مخصصاً له.

(٦) يعني : كصورة ورود الخاصّ قبل حضور زمان العمل بالعامّ ، وقوله : «ان كان مقارناً» إلى قوله : «أيضا» قد تضمن للصورتين الأوليين.

٦٤٩

مخصصاً له (*) كما هو (١) الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات ، [وان كان العام وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به كان الخاصّ مخصصاً وبياناً له].

وان كان (٢) العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص ، فكما يحتمل أن يكون الخاصّ مخصصاً للعام يحتمل أن يكون

______________________________________________________

(١) أي : ورود العام لبيان الحكم الظاهري ، وكون الخاصّ مخصصاً له حال غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات المأثورة عن الأئمة عليهم‌السلام.

(٢) معطوف على قوله : «ان كان مقارناً مع العام» على ما يقتضيه السياق (**)

__________________

(*) إذ لا مانع من تأخير بيان الحكم الواقعي إذا كان هناك حكم ظاهري جعل لمصلحة ، كسائر الأحكام الظاهرية المجعولة لمصالح ، وحينئذ لا بد من الجمع بين الحكم الظاهري الثابت بالعامّ ، وبين الحكم الواقعي المدلول عليه بالخاص بأحد الوجوه التي يجمع بها بين الأحكام الواقعية والظاهرية ، فإذا كان زيد مثلا محكوماً ظاهراً بحكم العام ، مثل «أكرم العلماء» في مدة ، وبعد مضي زمان خرج عن عموم وجوب إكرامهم كشف ذلك عن كون وجوب إكرامه حكماً ظاهرياً ، كما يكشف عن كون وجوب الإكرام في سائر أفراد العام واقعياً.

(**) لكنه لا يخلو عن حزازة ، لأن الكلام بعد الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه يصير هكذا : «لأن الخاصّ ان كان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص» فلفظ الخاصّ الأول مستغنى عنه بالخاص الثاني. ولا يخفى

٦٥٠

العام ناسخاً له (١) ، وان كان الأظهر أن يكون الخاصّ مخصصاً ،

______________________________________________________

وهذا شروع في بيان تأخر العام عن الخاصّ ، وهو يتصور على وجهين : أحدهما : تأخره عن الخاصّ لكن قبل وقت العمل بالخاص ، والحكم حينئذ تخصيص العام به لا النسخ ، لكونه قبل حضور وقت العمل بالخاص ، والمفروض فعلا هو اعتبار كون النسخ بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ ، كما سيشير إليه المصنف (قده). ولم يذكر هذا الوجه في غالب نسخ المتن.

ثانيهما : تأخره عن الخاصّ بعد وقت العمل بالخاص ، وفيه احتمالان : الأول : أن يكون الخاصّ مخصصاً للعام. الثاني : أن يكون العام ناسخاً للخاص. وأما احتمال ناسخية الخاصّ للعام ، فلا وجه له بعد تقدمه على العام.

(١) أي : للخاص ، وقوله : «يحتمل» إشارة إلى الاحتمال الثاني ، كما أن قوله : «فكما يحتمل» إشارة إلى الاحتمال الأول.

__________________

أن ما وقع في بعض نسخ المتن كما في حاشية المحقق الرشتي (قده) بين كلمة «والروايات» وبين جملة «وان كان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص» من قوله : «وان كان العام وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به كان الخاصّ مخصصاً وبياناً له» يكون الأولى ذكره قبل هاتين العبارتين عقيب قوله : «قبل حضور وقت العمل به» حتى لا يتخلل بين الصور الثلاث المتحدة في الحكم ـ وهو كون الخاصّ مخصصاً ـ ما يغايرها في الحكم.

وعليه ، فالأولى أن يقال : «لأنه ان كان الخاصّ مقارناً مع العام أو وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به أو كان العام وارداً بعد الخاصّ قبل حضور وقت العمل به كان الخاصّ مخصصاً وبياناً للعام. وان كان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص ، فكما يحتمل ... إلخ» فلاحظ وتأمل.

٦٥١

لكثرة (١) التخصيص (*) حتى اشتهر «ما من عام إلّا وقد خص» مع قلة النسخ في الأحكام جداً (٢) ، وبذلك (٣) يصير ظهور الخاصّ في الدوام

______________________________________________________

(١) هذا وجه ترجيح مخصصية الخاصّ على ناسخية العام له ، وحاصله : أظهرية التخصيص ـ لكثرته وشيوعه ـ من النسخ لقلته.

(٢) وهذه القلة توجب مرجوحيته ووهنه.

(٣) يعني : بكثرة التخصيص وقلة النسخ مع ورود العام بعد حضور وقت العمل بالخاص يصير ظهور الخاصّ في الدوام ـ ولو كان هذا الظهور إطلاقياً أي ناشئاً عن مقدمات الحكمة ـ أقوى من ظهور العام في عمومه الأفرادي ، ولو كان هذا الظهور وضعياً ، فيقدم الخاصّ على العام مخصصاً له ، فالعلماء في قوله : «أكرم العلماء» مثلا ظاهر بحسب الوضع في كل فرد من أفراد العلماء سواء كان عادلا أم فاسقاً ، وقوله : «لا تكرم فساق العلماء» ظاهر بالإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة في الدوام والاستمرار ، فلو قدم العام على الخاصّ كان مقتضى تقديمه عليه عدم استمرار حرمة إكرام فساقهم ، ولو انعكس وقدم الخاصّ على العام ، فمقتضاه انحفاظ ظهور الخاصّ في الاستمرار ، وعدم بقاء العام على عمومه وخروج بعض أفراده عن حيزه ، فيدور الأمر بين أحد هذين الأمرين ، وحيث ان ظهور الخاصّ في الاستمرار وان كان بالإطلاق معتضد بشيوع التخصيص ،

__________________

(*) ربما ينافي هذا ما اختاره في بحث التعادل والترجيح ، حيث قال : ان غلبة التخصيص انما توجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام ، وإلّا فهي وان كانت مفيدة للظن بالتخصيص إلّا أنها غير موجبة لها.

٦٥٢

ولو كان بالإطلاق أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع كما لا يخفى.

هذا [كله] فيما علم تاريخهما (١). وأما [أما] لو جهل (٢) وتردد بين أن يكون الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ وقبل حضوره (*)

______________________________________________________

فيصير أقوى من ظهور العام في عمومه الأفرادي ولو كان بالوضع ، فيقدم على ظهور العام ، لوضوح تقدم الأقوى ظهوراً على الأضعف.

(١) أي : تاريخ الخاصّ والعام.

(٢) يعني : وأما لو جهل تاريخهما ، أو تاريخ أحدهما ، وتردد الخاصّ بين وروده بعد حضور وقت العمل بالعامّ حتى يكون ناسخاً له ، وبين وروده قبل حضور وقته حتى يكون مخصصاً له ، ولم يكن مزية لأحد الاحتمالين على الآخر ، فيحكم بإجمالهما ، ويرجع إلى الأصول العملية ، لا إلى النسخ ، ولا إلى التخصيص ، كما هو الشأن في جميع موارد إجمال الدليل.

__________________

(*) لا يخفى أن دوران الخاصّ بين الناسخية والمخصصية مختص بصورة خاصة ، وهي ورود الخاصّ بعد العام مع الجهل بكونه بعد العمل بالعامّ حتى يكون ناسخاً ، أو قبله حتى يكون مخصصاً ، فمفروض المتن هو الجهل بحضور وقت العمل ولو مع العلم بتقدم أحدهما على الآخر ، ففي فرض المتن إذا علم بتأخر الخاصّ عن العام ، لكن لا يعلم أنه قبل حضور وقت العمل بالعامّ حتى يكون مخصصاً ، أو بعده حتى يكون ناسخاً ، فمن المعلوم أن الوظيفة حينئذ هي العمل بالخاص سواء كان ناسخاً أم مخصصاً ، لا الرجوع إلى الأصول العملية ، فالفرض الّذي يرجع فيه إلى الأصول العملية هو دوران الخاصّ بين كونه مخصصاً وناسخاً ومنسوخاً ، كما إذا ظفرنا بعام وخاص ، ولم يظهر تقدم أحدهما على الآخر ، ولا ورود أحدهما قبل حضور وقت العمل أو بعده ، بحيث يدور أمر

٦٥٣

فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية (١). وكثرة (٢) التخصيص وندرة

______________________________________________________

(١) فيرجع في مثال «أكرم الشعراء ولا تكرم فساقهم» إلى أصل البراءة عن حرمة إكرام الشاعر الفاسق.

(٢) إشارة إلى توهم ، وهو : أن هذه الصورة وهي صورة الجهل بالتاريخ يمكن أن تكون كالصورة المتقدمة ـ وهي تأخر العام عن العمل بالخاص ـ التي

__________________

الخاصّ بين كونه مخصصاً ان كان وروده بعد العام قبل وقت العمل به ، وناسخاً ان كان وروده بعد العمل به ، ومنسوخاً ان كان وروده والعمل به قبل ورود العام ، فحينئذ لا بأس بالرجوع إلى الأصول العملية ، لعدم العلم بكون الوظيفة العمل بالخاص بعد دورانه بين أمور ثلاثة ، وهي المخصصية والناسخية والمنسوخية.

نعم يمكن توجيه ما أفاده المصنف من الرجوع إلى الأصول العملية في دوران الأمر بين مخصصية الخاصّ وناسخيته بما قيل : من أن مورد الرجوع إلى الأصل العملي هو ما بين زمان العام وزمان الخاصّ لو كان مورداً للابتلاء المكلف ، لا الأزمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاصّ ، إذ لا شك في ثبوت حكم الخاصّ لافراده في تلك الأزمنة سواء كان ناسخاً أم مخصصاً.

لكن فيه أولا : أنه خلاف الظاهر ، إذ الظاهر أنه في مقام بيان الوظيفة الفعلية في هذا الزمان الّذي يشك في ناسخية الخاصّ ومخصصيته فيه ، فالحمل على ما بين زمانيهما محتاج إلى الدليل.

وثانياً : أنه نادر جداً ، لغلبة عدم الابتلاء بذلك ، فالحمل على النادر لا عبرة به ، لاستلزامه إهمال الحكم الفعلي ، وبيان غيره الّذي لا يعلم كونه مورداً للابتلاء.

٦٥٤

النسخ هاهنا (١) وان كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا (٢) ، وأنه (٣) واجد لشرطه (٤) إلحاقاً له (٥) بالغالب ، إلّا أنه (٦)

______________________________________________________

حكم المصنف فيها بالتخصيص ، لشيوعه ، وندرة النسخ ، إذ الشيوع المزبور موجود هنا أيضا ، فليكن مرجحاً للتخصيص على النسخ ، والرجوع إلى الأصول العملية ، فلا فرق في الحكم بالتخصيص بين الجهل بالتاريخ وبين العلم بتأخر زمان العام عن العمل بالخاص.

(١) أي : الجهل بالتاريخ ودوران الخاصّ بين المخصصية والناسخية.

(٢) يعني : كصورة تأخر العام عن العمل بالخاص.

(٣) معطوف على «التخصيص» والضمير راجع إلى التخصيص ، يعني : وان كانت كثرة التخصيص وندرة النسخ موجبتين للظن بالتخصيص ، والظن بأن التخصيص واجد لشرطه ، إلّا أنه لا دليل ... إلخ.

(٤) أي : شرط التخصيص ، وهو ورود الخاصّ بعد العام قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، أو وروده قبل العام سواء كان قبل حضور وقت العمل به أو بعده.

(٥) أي : للخاص مع الجهل بالتاريخ ، فانه يلحق بالغالب وهو التخصيص.

(٦) الضمير للشأن ، وقوله : «إلّا أنه» إشارة إلى دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن غلبة التخصيص وقلة النسخ وان أوجبتا الظن بالتخصيص حتى في الخاصّ المجهول التاريخ ، لكنه لا دليل على اعتباره في ترجيح التخصيص على النسخ ما لم يوجب الأظهرية ، كصورة تأخر العام عن العمل بالخاص ، حيث انه قد انعقد للخاص ظهور في استمرار الحكم ولو بالإطلاق ، وهذه الغلبة توجب أقوائية هذا الظهور ، ومن المعلوم تقدم الأقوى ظهوراً على غيره. وهذا بخلاف الجهل بالتاريخ ، إذ لم يتحقق فيه ظهور للخاص في الاستمرار. فمجرد الظن

٦٥٥

لا دليل على اعتباره (١) ، وانما يوجبان الحمل عليه (٢) فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، لصيرورة (٣) الخاصّ بذلك (٤) في الدوام أظهر من العام (٥) ، كما أشير إليه (٦) ، فتدبر جيداً.

______________________________________________________

الحاصل من الغلبة بمخصصية الخاصّ لا يجدي في إثبات التخصيص به.

وبالجملة : فقياس الخاصّ المجهول التاريخ بالخاص المعلوم تقدمه صدوراً وعملا على العام في غير محله ، إذ في الثاني ينعقد الظهور للخاص في الاستمرار ، ويقوى هذا الظهور بالظن الحاصل من شيوع التخصيص وندرة النسخ. بخلاف الخاصّ المجهول التاريخ ، إذ لا ينعقد له ظهور حتى يتقوى بالظن المزبور ، وقد عرفت أن مجرد الظن بالتخصيص ما لم يوجب الأظهرية لا عبرة به.

(١) أي : اعتبار الظن الحاصل من كثرة التخصيص وندرة النسخ في ترجيح التخصيص عليه.

(٢) أي : على التخصيص في صورة ورود العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، وقوله : «وانما يوجبان» إشارة إلى ما هو الفارق بين صورتي الجهل بالتاريخ ، وبين العلم بتأخر العام عن العمل بالخاص ، وقد عرفت بيان الفارق بقولنا : «وهذا بخلاف الجهل بالتاريخ».

(٣) تعليل لقوله : «يوجبان الحمل عليه».

(٤) أي : بالظن الحاصل من كثرة التخصيص ، والباء في قوله : «بذلك» للسببية.

(٥) فترجيح التخصيص حينئذ مستند إلى أقوائية الدلالة ، نعم هذه الأقوائية نشأت عن الظن الحاصل من شيوع التخصيص.

(٦) حيث قال قبل أسطر : «وان كان الأظهر أن يكون الخاصّ مخصصاً».

٦٥٦

ثم ان تعين [تعيين] الخاصّ (١) (*) للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به (٢) انما يكون مبنياً على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلّا (٣) فلا يتعين له ، بل يدور (٤) بين كونه مخصصاً وناسخاً في الأول (٥) ،

______________________________________________________

(١) غرضه : أن ما تقدم ـ من تعين الخاصّ للتخصيص فيما إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، أو ورد العام قبل حضور زمان العمل بالخاص ـ مبني على اشتراط النسخ بحضور زمان العمل بالحكم المنسوخ ، إذ لو لم يشترط به ـ كما سيشير إليه المصنف ـ لم يتعين الخاصّ في الصورتين المذكورتين للتخصيص ، بل يدور بينه وبين النسخ.

(٢) أي : بالخاص.

(٣) أي : وان لم يكن النسخ مشروطاً بحضور وقت العمل بالمنسوخ ، فلا يتعين الخاصّ للتخصيص ، بل يدور أمره بين المخصصية والناسخية فيما إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، فالخاص حينئذ اما مخصص للعام ، واما ناسخ له ، لكن المشهور اشتراط النسخ بحضور وقت العمل.

(٤) أي : يدور الخاصّ بين المخصصية والناسخية ، وضمير «له» راجع إلى التخصيص.

(٥) وهو ورود الخاصّ قبل حضور وقت العمل بالعامّ.

__________________

(*) لا يخفى أن كونه مخصصاً بمعنى كونه مبيناً بمقدار المرام عن العام ، وناسخاً بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الأمر في مورد الخاصّ مع كونه مراداً ومقصوداً بالإفهام في مورده بالعامّ ، كسائر الافراد ، وإلّا فلا تفاوت بينهما أصلا كما هو واضح لا يكاد يخفى.

٦٥٧

ومخصصاً ومنسوخاً في الثاني (١) ، إلّا أن الأظهر كونه (٢) مخصصاً [مع ذلك] ولو كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى من ظهور الخاصّ في الخصوص ، لما أشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه ، وندرة النسخ جداً في الأحكام (*).

ولا بأس بصرف [عنان] الكلام إلى ما هو نخبة القول في

______________________________________________________

(١) وهو ورود العام قبل حضور وقت العمل بالخاص ، فان الخاصّ حينئذ اما مخصص للعام ، واما منسوخ به ، لورود العام بعده وان كان قبل العمل بالخاص.

(٢) أي : الخاصّ مخصصاً في الصورتين ، وهما وروده قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، وورود العام قبل حضور وقت العمل بالخاص ، لما مر آنفاً من شيوع التخصيص وندرة النسخ ، وهذا الشيوع يوجب أقوائية ظهور الخاصّ في الدوام من ظهور العام في العموم ، فيبنى على المخصصية لا الناسخية.

__________________

(*) وتظهر الثمرة بين التخصيص والنسخ ـ كما قيل ـ في موارد :

منها : ما إذا ورد مخصصان مستوعبان للعام ، فعلى التخصيص يقع التعارض بينهما ، لاستهجان استيعاب التخصيص ، بخلاف النسخ.

ومنها : أنه بناء على استهجان تخصيص الأكثر إذا ورد خاص مشتمل على حكم أكثر الافراد ، فانه على النسخ لا ضير فيه ، بخلاف التخصيص.

ومنها : ما يمكن أن يكون من موارد ظهور الثمرة ، وهو ما إذا كان الخاصّ ظنياً والعام قطعياً ، وقلنا بعدم جواز نسخ القطعي بالظني ، فانه يحمل على التخصيص.

٦٥٨

النسخ (١) ، فاعلم : أن النسخ وان كان رفع الحكم الثابت إثباتاً (٢) ، إلّا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً (٣) ، وانما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره (٤)

______________________________________________________

(النسخ)

(١) الغرض الداعي إلى تعرضه لمعنى النسخ هو التنبيه على خطاء ما اشتهر بينهم من اشتراط النسخ بحضور وقت العمل بالحكم المنسوخ. وتوضيح ما أفاده المصنف : أن النسخ وان كان رفعاً للاستمرار الّذي اقتضاه إطلاق دليل الحكم في مقام الإثبات ، لكنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً ، لعدم المقتضي لاستمراره ، إذ مع وجود المقتضي له لم يكن وجه لرفعه ، فالناسخ كاشف عن عدم المقتضي لبقاء الحكم ودوامه.

(٢) قيد للرفع ، يعني : أن النسخ وان كان رفع الحكم الواقعي الأولي أو الثانوي في مقام الإثبات ، لكنه في الحقيقة دفع له ، لكشفه عن عدم المقتضي لثبوته.

(٣) لما تقدم من كونه في الحقيقة كاشفاً عن عدم المقتضي واقعاً لاستمراره ، فالنسخ دافع للحكم لا رافع له. وضمير «أنه» راجع إلى النسخ.

(٤) إشارة إلى توهم ، وهو : أنه مع عدم المقتضي لتعلق الإرادة الجدية باستمرار الحكم أو بأصل إنشائه ، فما فائدة أمر النبي أو الولي صلوات الله عليهما بإظهار الدوام لو كان النسخ بعد حضور وقت العمل ، أو إظهار أصل إنشائه لو كان النسخ قبل حضور وقت العمل. وأشار إلى دفع التوهم المزبور بأن المقتضي لإظهار إنشاء الحكم أو دوامه موجود ، فيكون أمر النبي أو الولي صلوات الله عليهما بإظهار أصل إنشاء الحكم ، أو دوامه مع الحكمة والفائدة المقتضية له.

٦٥٩

أو أصل إنشائه وإقراره (١) ، مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار ، أو ليس له دوام واستمرار ، وذلك (٢) لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصادع للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال ، وأنه (٣) ينسخ في الاستقبال ، أو مع عدم اطلاعه على ذلك (٤) ، لعدم (٥) إحاطته (٦)

______________________________________________________

(١) معطوف على «إنشائه» ومفسر له ، وضمير «انه» للشأن ، والضميران المجروران في قوله : «له قرار أو ليس له دوام» راجعان إلى الحكم.

(٢) هذا تقريب كون النسخ دفعاً ثبوتاً ورفعاً إثباتاً ، وأن دليل النسخ شارح لدليل تشريع الحكم الظاهر في كون مدلوله مراداً بالإرادة الجدية ومبين له ، بأنه مراد بالإرادة الاستعمالية لمصلحة اقتضت ذلك ، فربما يلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يوحى إليه أن يظهر أصل تشريع الحكم أو استمراره مع اطلاعه على أنه ينسخ في المستقبل أو عدم اطلاعه على ذلك ، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تعالى ، لكونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممكن الوجود المستحيل أن يحيط بواجب الوجود ، ومن المعلوم : أن علمه تعالى عين ذاته ، فيمتنع إحاطته صلى‌الله‌عليه‌وآله بعلمه تعالى أيضا ، فبرهان امتناع إحاطته صلى‌الله‌عليه‌وآله بذات الباري تعالى برهان على امتناع إحاطته بعلمه أيضا.

(٣) معطوف على «حقيقة» ومفسر له ، وضمير «أنه» راجع إلى الحكم.

(٤) أي : حقيقة الحال ، وهي نسخة بعد ذلك.

(٥) تعليل لعدم اطلاعه ، وقد عرفت توضيحه.

(٦) أي : إحاطة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. فنتيجة ما أفاده المصنف : أن النسخ ليس مشروطاً بحضور وقت العمل ، بل يصح مطلقاً ولو كان قبله.

٦٦٠