منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

لهم (١) كالمشافهين.

وفيه : أنه (٢) مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص بهم (٣). ولو سلم (٤) ، فاختصاص

______________________________________________________

متوجهة إلى المعدومين ، فلا يكون ظواهرها حجة لهم ، فليس لهم التشبث بها لإثبات التكاليف في حقهم ، بل لا سبيل إلى إثباتها لهم الا الإجماع وقاعدة الاشتراك.

(١) أي : للمعدومين.

(٢) أي : ترتب هذه الثمرة ـ أعني حجية ظواهر الخطابات للمعدومين ـ مبني على اختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه ، حيث انهم بناء على شمول الخطابات لهم مقصودون بالإفهام ، فالظواهر حجة لهم. وأما بناء على حجية الظواهر مطلقاً حتى بالنسبة إلى من لم يقصد افهامه ، فلا تكون هذه ثمرة لشمول الخطابات للمعدومين ، إذ المفروض حجية الظواهر لهم وان لم يكونوا مقصودين بالإفهام ولم تشملهم الخطابات.

والحاصل : أنه مع البناء على عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه لا تكون هذه ثمرة لحجية الظواهر بالنسبة إلى المعدومين.

(٣) أي : المقصودين بالإفهام ، فان المحقق في محله عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه وان ذهب بعض المحققين إلى الاختصاص.

(٤) هذا ثاني الإشكالين على الثمرة المزبورة ، كما أن قوله : «وفيه أنه مبني على اختصاص» أول الإشكالين الّذي مر توضيحه.

ومحصل هذا الإشكال الثاني : منع الصغرى بعد تسليم الكبرى ، وهي التفصيل في حجية الظهورات بين المقصود بالإفهام وغيره بحجيتها في الأول

٦٠١

المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع ، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكون (*) كذلك (١) وان لم يعمهم الخطاب (٢) كما يومئ إليه (٣) غير واحد من الاخبار (٤)

______________________________________________________

دون الثاني. وتقريب منع الصغرى : أنه كيف يكون المقصود بالإفهام خصوص المشافهين مع كون المعدومين مكلفين بتكاليف المشافهين كالموجودين؟ فنفس الخطاب الحقيقي وان لم يشمل المعدومين ، لكنهم مقصودون بالإفهام.

وبالجملة : فلو سلمنا الكبرى ـ وهي التفصيل المزبور ـ لكن لا نسلم صغروية المقام لها ، لما عرفت من كون المعدومين مكلفين عند وجودهم كالموجودين الحاضرين في مجلس الخطاب ، فالمعدومون كالموجودين مقصودون بالإفهام أيضا.

(١) أي : مقصودين بالإفهام ، وقوله : «بذلك» أي : بالإفهام.

(٢) لما مر سابقاً من امتناع شمول الخطاب الحقيقي للمعدومين ، وهو لا يستلزم عدم كونهم مقصودين بالإفهام أيضا ، إذ لا ملازمة بين اختصاص الخطاب بشخص وبين اختصاص قصد الإفهام به.

(٣) أي : إلى كونهم مقصودين بالإفهام. بل الظاهر من الاخبار فوق الإيماء.

(٤) كحديث الثقلين ، فان ظاهر الكتاب والسنة لو لم يكن حجة لما كان التمسك بهما مانعاً عن الضلال ، فالخطابات الواردة في الكتاب والسنة وان لم نقل بشمولها للمعدومين ، لكنهم مقصودون بالإفهام قطعاً. وكالاخبار الآمرة بعرض الاخبار المتعارضة على الكتاب والسنة ، والأخذ بما يوافقهما وطرح ما يخالفهما ، وغير ذلك من الاخبار الظاهرة في كون ظواهر الخطابات القرآنية

__________________

(*) الصواب «يكونون» لرجوع ضميره إلى الناس ، وهو اسم جمع.

٦٠٢

الثانية : صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية (١) بناء على التعميم (٢) ، لثبوت الأحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وان لم

______________________________________________________

والمعصومية حجة على المعدومين كحجيتها على الموجودين ، وغير ذلك من الروايات الدالة على عدم اختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بالإفهام.

(١) هذه الثمرة مذكورة في جملة من الكتب كالقوانين وغيره ، وحاصلها : أنه ـ بناء على شمول الخطابات للمعدومين ـ يصح التمسك بإطلاقاتها لإثبات الأحكام للمعدومين بعد وجودهم وبلوغهم ، إذ المفروض أن الخطاب المتكفل لثبوت الحكم للعنوان المنطبق على المعدومين مثل (يا أَيُّهَا النَّاسُ) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ونحو ذلك يدل بنفسه على ثبوت الحكم لهم وان لم يكونوا متحدين مع المشافهين في الصنف ، فيمكن إثبات وجوب صلاة الجمعة مثلا للمعدومين بقوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ» مع اختلافهم صنفاً مع الموجودين ، لكونهم حينذاك متنعمين بشرف حضور المعصوم عليه‌السلام ، دون المعدومين الذين هم فاقدون لهذه النعمة ، لكن لما كان نفس الخطاب شاملا لهم ، فهم كالموجودين مكلفون بصلاة الجمعة.

وبناء على عدم شمول الخطابات للمعدومين لا يجوز لهم التمسك بها لإثبات ما تضمنته من الأحكام ، إذ الدليل على ثبوت الأحكام حينئذ لهم هو الإجماع ، وهو دليل لبي ، فلا بد من الأخذ بالمتيقن منه ، وهو اتحادهم مع الموجودين في الصنف.

(٢) أي : تعميم الخطابات للمعدومين ، وقوله : «لثبوت» متعلق بقوله : «التمسك».

٦٠٣

يكن (١) متحداً مع المشافهين في الصنف ، وعدم (٢) صحته على عدمه ، لعدم (٣) كونها حينئذ (٤) متكفلة لأحكام غير المشافهين ، فلا بد من إثبات اتحاده (٥) معهم في الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الأحكام ، حيث (٦) لا دليل عليه حينئذ (٧)

______________________________________________________

(١) أي : وان لم يكن من وجد وبلغ من المعدومين متحداً صنفاً مع المشافهين.

(٢) معطوف على «صحة» وضمير «صحته» راجع إلى التمسك ، يعني : وعدم صحة التمسك بالخطابات بناء على عدم التعميم ، فضمير «عدمه» راجع إلى التعميم.

(٣) تعليل لعدم صحة التمسك ، وضمير «كونها» راجع إلى إطلاقات الخطاب.

(٤) أي : حين عدم التعميم.

(٥) أي : اتحاد غير المشافهين مع المشافهين. وجه اللابدية : أن اتحاد الصنف شرط موضوع دليل الاشتراك ، فلا يجري هذا الدليل الا بعد إحراز شرطه المزبور ، كما هو شأن كل دليل في كل مورد.

(٦) تعليل لاعتبار الاتحاد في الصنف في الحكم باشتراك المعدومين مع المشافهين في الأحكام ، وحاصله ما تقدم آنفاً من : أن دليل الاشتراك ـ بناء على عدم شمول الخطابات للمعدومين ـ هو الإجماع ، وحيث انه لبي ، فلا بد من الأخذ بالمتيقن منه وهو اتحاد الصنف ، إذ الإجماع في غيره مشكوك فيه.

(٧) أي : حين عدم شمول الخطابات لغير المشافهين.

٦٠٤

الا الإجماع (*) ، ولا إجماع عليه (١) الا فيما اتحد الصنف (٢) ، كما لا يخفى.

ولا يذهب عليك (٣) أنه يمكن إثبات الاتحاد ، وعدم (٤) دخل ما كان البالغ الآن (٥) فاقداً له (٦)

______________________________________________________

(١) هذا الضمير والضمير المجرور في قوله : «لا دليل عليه» راجعان إلى الاشتراك.

(٢) لأنه المتيقن كما عرفت.

(٣) غرضه رد هذه الثمرة الثانية ، وهي : صحة التمسك بإطلاقات الخطاب بناء على شمولها للمعدومين ، وعدم صحة التمسك بها بناء على عدم شمولها لهم ، وحاصله : أنه لا مانع من التمسك بإطلاقات الخطابات لإثبات اتحاد المعدومين مع المشافهين في الأحكام ، وان لم نقل بشمول الخطابات للمعدومين ، وذلك لأنه لو كان للوصف الثابت للموجودين ـ كحضور المعصوم عليه‌السلام ـ دخل في الحكم ـ كوجوب صلاة الجمعة ـ لزم تقييد الخطاب به ، والمفروض عدمه ، فالإطلاق محكم ، ومقتضاه عدم دخل ذلك الوصف في الحكم ، وعمومه لكل من المشافهين والمعدومين. فاتضح صحة التمسك بالخطابات وان لم تشمل المعدومين ، فالثمرة الثانية ساقطة.

(٤) معطوف على «الاتحاد».

(٥) قيد لـ «البالغ» والمراد به المعدوم حين الخطاب.

(٦) الضمير راجع إلى «ما» في قوله : «ما كان البالغ» ، والمراد بقوله :

__________________

(*) قال في القوانين : «قد ثبت من الضرورة والإجماع ، بل الاخبار المتواترة ـ على ما ادعى تواترها البيضاوي أيضا في تفسير قوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا» ـ أن المعدومين مشاركون مع الحاضرين في الأحكام ... إلخ» فراجع.

٦٠٥

مما كان المشافهون واجدين له (١) بإطلاق الخطاب إليهم (٢) من دون التقييد به (٣). وكونهم (٤)

______________________________________________________

«مما كان المشافهون» الأوصاف التي كان المشافهون واجدين لها ـ كحضور المعصوم عليه‌السلام ـ والمعدومون حين الخطاب الموجودون بعده فاقدين لها.

(١) الضمير راجع إلى «ما» في : «مما كان» والمراد به الأوصاف.

(٢) أي : إلى المشافهين ، وقوله : «بإطلاق» متعلق بقوله : «إثبات» يعني : يمكن إثبات الاتحاد بإطلاق الخطاب إلى المشافهين ، إذ لو كان موضوع الخطاب كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) مقيداً بالوصف الّذي كان المشافهون واجدين له كان اللازم تقييده به ، كأن يقول : «يا أيها الناس المشرفون بشرف الحضور» فعدم التقييد دليل الإطلاق ، وعدم دخل الحضور في وجوب صلاة الجمعة على المشافهين.

فالنتيجة : صحة التمسك بالإطلاقات وان لم تعم المعدومين.

(٣) الضمير راجع إلى «ما» أي : من دون التقييد بوصف كان المشافهون واجدين له.

(٤) أي : وكون المشافهين واجدين للوصف ـ كحضور المعصوم عليه‌السلام ـ المحتمل دخله في الحكم ، كوجوب صلاة الجمعة. وهذا إشارة إلى توهم ، وهو : أنه لا وجه للتمسك بالإطلاق بعد البناء على عدم شمول الخطابات للمعدومين ، وذلك لأن اتصاف المشافهين بالوصف الكذائي يصلح لأن يكون قرينة على التقييد ، ودخل ذلك الوصف في الحكم ، ومن المعلوم أن من مقدمات الإطلاق عدم وجود ما يصلح للقرينية ، واحتمال دخل الوصف الّذي كان المشافهون واجدين له صالح للقرينية ، ومعه لا يتم الإطلاق حتى يصح التمسك به.

٦٠٦

كذلك لا يوجب (١) صحة الإطلاق مع إرادة المقيد معه فيما (٢) يمكن أن يتطرق [إليه] الفقدان وان صح (٣)

______________________________________________________

فالنتيجة : أنه لا يصح التمسك بالإطلاقات مع عدم شمول الخطابات للمعدومين ، وانما يصح مع شمولها لهم. فالثمرة الثانية غير ساقطة عن الاعتبار بل هي ثابتة.

(١) خبر «وكونهم» ودفع للتوهم المزبور ، وحاصله : صحة التمسك بالإطلاقات ، واتصاف المشافهين بصفة يطرأ عليها الفقدان لا يكون دليلا على تقييد الإطلاق حتى لا يصح التمسك بالإطلاق كما زعمه المتوهم ، فلو كان الوصف الموجود للمشافهين ـ كحضور المعصوم عليه‌السلام ـ معتبراً كان على المتكلم بيانه ، فترك تقييده دليل على عدم اعتباره. وعلى هذا ، فالإطلاق محكم ، ويصح التمسك به ، فتبطل الثمرة الثانية ، وهي صحة التمسك بإطلاقات الخطابات بناء على شمولها للمعدومين ، وعدم صحته بناء على عدم الشمول ، إذ يصح التمسك بالخطابات مطلقاً سواء قلنا بشمولها للمعدومين أم لم نقل به.

نعم ما ذكره المتوهم من صحة الإطلاق مع إرادة التقييد انما يتجه في الصفات التي لا يتطرق إليها الفقدان ، إذ يصح حينئذ أن يعتمد المتكلم في تقييد الإطلاقات على بقاء تلك الصفات.

(٢) أي : مع الإطلاق في الأوصاف التي يمكن أن يتطرق إليها الفقدان كما هو الغالب ، كعنوان الفقير والغني والمسافر والحاضر ومُدرِك حضور المعصوم عليه‌السلام ، فان هذه العناوين مما لا تبقى ، بل تنعدم غالباً ، فلا يصح الاعتماد على وجودها في تقييد إطلاق الدليل ، وإبقاء الإطلاق بحاله مع إرادة تقييده.

(٣) يعني : وان صح الإطلاق مع تقييده بالأوصاف التي لا يتطرق إليها الفقدان.

٦٠٧

فيما لا يتطرق إليه ذلك (١). وليس المراد (٢) بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد (٣) فيما اعتبر قيداً في الأحكام ، لا الاتحاد (٤)

______________________________________________________

(١) أي : الفقدان ، وضمير «إليه» راجع إلى «ما» الموصول.

(٢) الظاهر أنه إشارة إلى دفع توهم ، وهو : أنه ـ بناء على عدم شمول الخطابات للمعدومين ـ كيف يجوز التمسك بها للمعدومين مع كثرة موجبات الاختلاف بين المشافهين والمعدومين ، مثل كون المشافهين في المدينة ، والمسجد ، ومصاحبي النبي والوصي صلوات الله عليهما ، وغير ذلك مما يوجب الاختلاف الفاحش المانع عن إحراز وحدة الصنف بين المشافهين والمعدومين ، ومع هذا الاختلاف لا وجه للتمسك بالإطلاقات لوحدة الصنف.

(٣) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن المراد بالاتحاد ليس هو الاتحاد في جميع الأوصاف ، ضرورة أنها في غاية الكثرة ، بل المراد الاتحاد في الأوصاف التي قيد بها الأحكام ، وهي ليست كثيرة جداً.

(٤) يعني : ليس المراد بالاتحاد الاتحاد فيما يوجب كثرة الاختلاف بين المشافهين والمعدومين ، مثل كون المشافهين في المدينة والمسجد وإدراك صحبة النبي والوصي صلوات الله عليهما وآلهما الطاهرين. بل المراد الاتحاد فيما يعتبر قيداً للحكم ، ضرورة أن موجبات الاختلاف كثيرة جداً ، بل يختلف شخص واحد باختلافها ، فان زيداً مثلا قد يكون غنياً ، وقد يكون فقيراً ، وقد يكون مسافراً ، وقد يكون حاضراً ... إلى غير ذلك من الأوصاف الكثيرة التي لا يحيط بها ضابط.

وبالجملة : فالتمسك بالإطلاقات لإثبات وحدة الصنف في محله ، فلا يتوهم عدم صحة التمسك بها لإثبات وحدة الصنف على تقدير عدم شمولها للمعدومين لأجل كثرة ما بين المشافهين والمعدومين من موجبات الاختلاف.

٦٠٨

فيما كثر الاختلاف بحسبه ، والتفاوت (١) بسببه بين الأنام ، بل (٢) في شخص واحد بمرور الدهور والأيام ، وإلّا (٣) لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين ـ فضلا عن المعدومين ـ حكم من الأحكام.

ودليل الاشتراك (٤) انما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان

______________________________________________________

(١) معطوف على «الاختلاف» وضميرا «بحسبه وبسببه» راجعان إلى «ما» الموصول المراد به الأوصاف.

(٢) يعني : بل يكثر الاختلاف من حيث الصفات في شخص واحد بمرور الزمان ، فيرى في زمان واجداً له ، وفي زمان آخر فاقداً له كإدراك صحبة المعصوم عليه‌السلام.

(٣) أي : وان لم يكن المراد الاتحاد فيما اعتبر قيداً في الأحكام لما ثبت بقاعدة الاشتراك ـ كالإجماع ـ حكم للغائبين فضلا عن المعدومين ، لكثرة الاختلاف في الخصوصيات التي لا دخل لها في الأحكام أصلا ، وأجنبية عنها جزماً.

(٤) غرضه إثبات الحاجة إلى التمسك بالإطلاق ، وعدم كفاية دليل الاشتراك في إثبات الأحكام للغائبين والمعدومين ، وعدم تمامية الاستدلال به إلّا بضم الإطلاق إليه ولو في حق المشافهين ، فكيف يسوغ مع ذلك جعل ثمرة البحث التمسك بالإطلاق وعدمه.

توضيحه : أن دليل الاشتراك لا يقتضي إلّا ثبوت الحكم للمعدومين في خصوص ما إذا علم عدم دخل الخصوصية الثابتة للموجودين في الحكم ، لأنه القدر المتيقن من دليل الاشتراك أعني الإجماع الّذي هو من الأدلة اللبية. وأما إذا شك في دخل تلك الخصوصية في ثبوت الحكم للمشافهين ، فلا بد أولا من

٦٠٩

لو لم [أو لم] يكونوا (١) (*) معنونين به لشك [شك] في شمولها لهم

______________________________________________________

نفي احتمال دخلها في ثبوت الحكم ، ثم إثباته للمعدومين ، ومن المعلوم أن نفي الاحتمال المزبور منوط بالتمسك بالإطلاق ليثبت به اتحاد المعدومين مع الموجودين في الصنف كي يصح التمسك بقاعدة الاشتراك.

فجعل ثمرة البحث التمسك بالإطلاق وعدمه انما يتجه فيما إذا كان دليل الاشتراك صالحاً لأن يكون دليلا مستقلا على إثبات الحكم للمعدومين على فرض اختصاص الخطابات بالحاضرين ، إذ لا نحتاج حينئذ إلى إطلاق الخطاب.

وأما إذا كان دليل الاشتراك غير صالح لذلك ـ كما هو كذلك ـ فالتمسك بالإطلاق مما لا بد منه ، فالفرق بين عموم الخطاب للمعدومين وعدمه بعد اشتراكهما في الحاجة إلى التمسك بالإطلاق انما هو في الحاجة إلى ضم دليل الاشتراك على تقدير اختصاص الخطابات بالمشافهين ، حيث ان التمسك بالإطلاق يكون في حقهم ، وتسرية الحكم إلى غيرهم انما هي بالإجماع ، وعدم الحاجة إلى ضم دليل الاشتراك على تقدير عدم اختصاص الخطابات بالمشافهين ، لأن غير المشافهين يتمسكون بالإطلاق ابتداء.

(١) أي : المشافهين. وغرضه : أن دليل الاشتراك يجدي في إثبات الحكم للمعدومين بالنسبة إلى العناوين التي يعلم بعدم دخلها في الحكم ، ككون المشافهين

__________________

(*) وفي بعض النسخ «ولو كانوا معنونين به» قيل : والمراد به أن الحاضر أيضا إذا كان واجداً لقيد في حال الخطاب ثم صار فاقداً له في أثناء عمره لم يكن مأخوذاً في ظاهر الخطاب ، فمعنى قوله : «ولو كانوا معنونين به» أنه لو كانوا معنونين به حال الخطاب لشك في شمولها لهم أيضا إذا فرض فقدهم له في الأثناء.

٦١٠

أيضا (١) فلو لا الإطلاق وإثبات عدم دخل ذلك العنوان (٢) في الحكم لما أفاد دليل الاشتراك ، ومعه (٣)

______________________________________________________

متهجدين ، أو لابسي العمامة مثلا ، دون العناوين التي لو سلبت عن المشافهين لشك في ثبوت الحكم لهم أيضا ، ككونهم مدركين لحضور المعصوم عليه‌السلام فان دليل الاشتراك حينئذ لا يجري ، إذ لو لم يكن المشافهون واجدين له لشك في وجوب الجمعة عليهم أيضا ، فلا بد من التمسك بالإطلاق لنفي الشك.

(١) يعني : كالشك في ثبوت التكاليف للمعدومين ، وضمير «به» راجع إلى عنوان ، وضمير «شمولها» إلى التكاليف ، وضمير «لهم» إلى المشافهين.

(٢) أي : العنوان الّذي لو لم يكن المشافهون معنونين به لشك في شمول التكاليف لهم أيضا لما أفاد دليل الاشتراك شيئاً ، لأن شأنه تعميم الحكم المستفاد من الخطابات المختصة بالمشافهين لغيرهم من المعدومين ، ومن المعلوم أنه متفرع على إحراز حكم المشافهين بالقطع أو الظهور عند فقدان العنوان المختص بهم ليثبت ذلك الحكم للمعدومين الفاقدين لذلك العنوان أيضا. فمع انسداد باب القطع ، واحتمال اختصاص المشافهين بخصوص عنوان لو لم يكونوا معنونين بذلك العنوان لشك في شمول الخطابات لهم ، وعدم ما يرفع هذا الشك لم يكن لدليل الاشتراك حينئذ فائدة وهي التعميم ، إذ لم يحرز حكم المشافهين حينئذ حتى يعمه دليل الاشتراك. فلو لا الإطلاق النافي لاحتمال دخل ذلك العنوان الخاصّ في حكم المشافهين لما أفاد دليل الاشتراك شيئاً ، ومع الإطلاق لا حاجة إلى دليل الاشتراك ، لأن الإطلاق حجة لغير المشافهين ولو على القول باختصاص الخطابات بالمشافهين ، لكون المعدومين مقصودين بالإفهام ولو لم يعمهم الخطابات.

(٣) أي : ومع إطلاق الخطاب يعم الحكم غير المشافهين ولو قيل باختصاص

٦١١

كان الحكم يعم غير المشافهين ولو (١) قيل باختصاص الخطابات بهم [لهم] ، فتأمل جيداً (٢).

فتلخص : أنه لا يكاد تظهر الثمرة (٣) الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه (٤) مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالإفهام (٥) ، وقد حقق (٦) عدم الاختصاص به (٧) في غير المقام (٨) ،

______________________________________________________

الخطاب بالمشافهين ، لما مر من أنهم مقصودون بالإفهام حينئذ.

(١) كلمة «لو» وصلية ، وضمير «بهم» راجع إلى المشافهين.

(٢) في بطلان الثمرة الثانية ، وأنه يصح التمسك بالإطلاقات مطلقاً وان قلنا باختصاص الخطابات بالمشافهين ، حيث ان غير المشافهين مقصودون بالإفهام أيضا كما مر توضيحه.

(٣) يعني : الثمرة التي رتبوها على مسألة الخطابات المشافهة.

(٤) كما هو مذهب المحقق القمي قدس‌سره.

(٥) غرضه : أنه لا يترتب على مسألة الخطابات المشافهة ما ذكر من الثمرتين نعم يترتب الثمرة عليها بناء على اختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه مع عدم كون غير المشافهين مقصودين بالإفهام ، فانه بناء على هذا لا تكون الخطابات حجة لغير المشافهين. وبناء على عدم اختصاص حجيتها بمن قصد افهامه تكون الخطابات حجة لغير المشافهين أيضا.

(٦) مقصوده إبطال مبنى صحة هذه الثمرة الثانية ـ وهو اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه ـ بمنعه ، وبمنع كون المعدومين غير مقصودين بالإفهام.

(٧) أي : بمن قصد افهامه.

(٨) أي : غير مبحث الخطابات المشافهة ، وهو مبحث حجية الظواهر.

٦١٢

وأشير (١) إلى منع كونهم غير مقصودين به (٢) به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام (٣).

فصل

هل تعقب العام (٤) بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه (٥) به أو لا؟ فيه خلاف (٦) بين الاعلام ، وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا (٧)

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى منع كون غير المشافهين غير مقصودين بالإفهام. وقد أشار إلى كون غير المشافهين مقصودين بالإفهام في آخر رد الثمرة الأولى بقوله : «كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار» وقد ذكرنا هناك من الاخبار ما يمكن أن يكون شاهداً له ، فراجع.

(٢) أي : بالإفهام ، وضمير «كونهم» راجع إلى غير المشافهين.

(٣) يعني : في هذا المبحث في رد الثمرة الأولى ، كما عرفت آنفاً.

تعقب العام بضمير

(٤) تعقباً عرفياً ، وقوله : «يرجع» نعت لـ «بضمير» وقوله : «يوجب» خبر «تعقب».

(٥) أي : العام ، وضمير «به» راجع إلى الضمير ، حاصله : أن رجوع الضمير إلى بعض أفراد العام هل يكون مخصصاً للعام أم لا؟

(٦) ذهب جماعة إلى التخصيص ، وآخرون كالشيخ والعلامة في أحد قوليه والحاجبي إلى العدم ، وغيرهم إلى التوقف.

(٧) أي : العام والضمير ، وغرضه تحرير محل النزاع. توضيحه : أن مورد

٦١٣

في كلامين (١) أو في كلام واحد (٢) مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام ، كما في قوله تبارك وتعالى : «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ» إلى قوله : «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» (٣) ، وأما ما إذا كان (٤) مثل : (وَالْمُطَلَّقاتُ) أزواجهن (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) فلا شبهة في تخصيصه به (٥).

والتحقيق (٦) أن يقال : انه حيث دار الأمر بين التصرف في العام

______________________________________________________

البحث هو ما إذا استقل العام بالحكم واستغنى عن الضمير في مقام موضوعيته للحكم ، سواء كان العام والضمير في كلامين ، كقوله تعالى شأنه : «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ» ، وقوله تعالى : «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» ، أم في كلام واحد ، كقوله : «أكرم العلماء وواحداً من أصدقائهم» مع فرض عود الضمير إلى خصوص العدول منهم ، فكأنه قيل : «أكرم العلماء وواحداً من أصدقاء العلماء العدول».

(١) كآية «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ» وآية «وَبُعُولَتُهُنَّ».

(٢) كالمثال المزبور ، وهو «أكرم العلماء وواحداً من أصدقائهم».

(٣) فان العام ـ وهو المطلقات ـ تمام الموضوع للحكم ـ أعني وجوب التربص ـ بحيث لا يكون للضمير دخل في موضوعيته أصلا ، وحكم الضمير أحقية الزوج بالرد.

(٤) يعني : وأما إذا كان العام مما لا يكون مستقلا بالحكم ، بل كان حكمه حكم الضمير كالمطلقات في المثال ، حيث انه مع الغض عن جملة «وأزواجهن (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» لا يكون باستقلاله موضوعاً للحكم ـ وهو الأحقية بالرد ـ فلا شبهة في تخصيصه بالضمير ، فيكون المراد غير البائنات.

(٥) يعني : لا شبهة في تخصيص العام بالضمير.

(٦) توضيحه : أن الأمر يدور في المقام بين التصرف في أحد الظاهرين

٦١٤

بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه (١) و [أو] التصرف (٢)

______________________________________________________

العام والضمير. أما الأول ، فلان ظاهره العموم ، والتصرف فيه يكون بالتخصيص فالمراد بالمطلقات خصوص الرجعيات ، فكأنه قيل : «والرجعيات يتربصن» إلى قوله تعالى : «وَبُعُولَتُهُنَّ» ، فالموضوع لكل من الحكمين ـ أعني وجوب العدة ، وجواز رجوع الزوج في العدة ـ هي الرجعيات ، ومن المعلوم أن إرادة خصوص الرجعيات من المطلقات تصرف مخالف لظاهر العام.

وأما الثاني ، فلان الظاهر تطابق الضمير مع المرجع في العموم والخصوص كتطابقهما في التذكير والتأنيث وغيرهما ، ويعبر عنه بأصالة عدم الاستخدام ، ومقتضى هذا الأصل أن يراد بضمير «بُعُولَتُهُنَّ» جميع المطلقات ، والتصرف فيه يكون بهدم هذا الأصل وارتكاب خلافه اما بالاستخدام ، بإرجاع الضمير إلى بعض أفراد العام ـ وهي الرجعيات ـ مع كون العام هو المراد في الحكم بالتربص. واما بارتكاب المجاز في الإسناد ، بأن يكون المراد بالعامّ ـ أعني المطلقات ـ حقيقة هو خصوص الرجعيات ، وانما أسند الحكم إلى جميع المطلقات مجازاً كإسناد الإنبات إلى الربيع. والفرق بين هذين التصرفين : أن الاستخدام من قبيل المجاز في الكلمة ، وإسناد الحكم وهو جواز الرجوع إلى جميع أفراد العام ـ أعني المطلقات ـ من قبيل المجاز في الإسناد.

والحاصل : أنه يدور الأمر بين التصرف في أصالة الظهور في العام ، وبين التصرف في أصالة الظهور في الضمير.

(١) أي : إلى العام ، وهذا التصرف هو التخصيص ، لإرادة خصوص الرجعيات من المطلقات. وضمير «انه» للشأن.

(٢) معطوف على «التصرف» وقد عرفت أن هذا التصرف يمكن أن يكون بنحو المجاز في الكلمة ، وأن يكون بنحو المجاز في الإسناد.

٦١٥

في ناحية الضمير إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه ، أو إلى تمامه (١) مع التوسع (٢) في الإسناد بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة (٣) إلى الكل توسعاً ومجازاً [وتجوزا] كانت (٤) أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها (٥) في جانب الضمير ، وذلك (٦) لأن

______________________________________________________

(١) أي : تمام ما هو المراد من مرجع الضمير ، وضميرا «مرجعه وبإرجاعه» راجعان إلى الضمير ، وقوله : «اما بإرجاعه» إشارة إلى التصرف في الضمير الّذي ظاهره أن يراد منه ما يراد من مرجعه ، بحيث يراد من الضمير عين ما يراد من مرجعه.

(٢) قيد لقوله : «أو إلى تمامه» يعني : أن يكون إرجاع الضمير إلى تمام ما أريد من المرجع. وعليه ، فضمير «بُعُولَتُهُنَّ» راجع إلى جميع المطلقات تجوزاً وتوسعاً في الإسناد ، ومع هذا التوسع لا يلزم تصرف لا في نفس الضمير ولا في مرجعه ، إذ يراد من الضمير ما يراد من العام ، غاية الأمر أن اسناد الحكم ـ وهو جواز رجوع الأزواج إليهن في العدة ـ يكون مجازياً ، لأن هذا الحكم يختص ببعضهن وهي الرجعيات ، فالإسناد الحقيقي هو اسناده إلى الرجعيات فقط.

(٣) قيد لقوله : «المسند إلى البعض» فان الإسناد الحقيقي يختص ببعض أفراد العام وهي الرجعيات ، والإسناد إلى الكل يكون توسعاً.

(٤) جزاء لقوله : «حيث دار الأمر».

(٥) أي : عن أصالة الظهور في جانب الضمير المعبر عنها بأصالة عدم الاستخدام.

(٦) تعليل لجريان أصالة الظهور في العام وسلامتها عن معارضة أصالة عدم الاستخدام لها. توضيحه : أن دليل حجية الظواهر ـ وهو بناء العقلاء ـ لما كان

٦١٦

المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد ، لا في تعيين كيفية الاستعمال ، وأنه (١) على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة ، أو الإسناد ، مع القطع بما يراد (٢) ، كما هو (٣) الحال في ناحية الضمير.

______________________________________________________

لُبياً لزم الأخذ بالمتيقن منه ـ وهو صورة عدم العلم بالمراد ـ دون ما إذا علم المراد ، وشك في أنه أريد على وجه الحقيقة أو المجاز ، مثلا إذا لم يعلم المراد من لفظ الأسد ، وأنه معناه الحقيقي ـ وهو الحيوان المفترس ـ أو المجازي أعني الرّجل الشجاع ، فهنا استقر بناء العقلاء على جريان أصالة الحقيقة فيه ، وأن المراد منه معناه الحقيقي وهو الحيوان المفترس. وأما إذا علم المراد وأنه الرّجل الشجاع ، لكن لم يعلم أنه معنى حقيقي أو مجازي ، فلا تجري أصالة الحقيقة هنا لإحراز أن اللفظ مستعمل في معناه على وجه الحقيقة ، وأن الرّجل الشجاع معناه الحقيقي.

نعم لو كان الأصل في الاستعمال الحقيقة أحرز به كون المراد هو المعنى الحقيقي. لكن ثبت في محله أن الاستعمال أعم من الحقيقة ، فلا أصل لهذا الأصل. وفي المقام لما كانت إرادة الرجعيات من ضمير «بُعُولَتُهُنَّ» معلومة ، وكان الشك في كيفية إرادتها ، وأن إرادتها منه على نحو الحقيقة ، بأن أريد من مرجعه خصوص الرجعيات ، أو على نحو المجاز ، بأن أريد من مرجعه جميع المطلقات ، والتجوز حينئذ في ناحية الضمير ، فلا تجري أصالة الظهور أي عدم الاستخدام في الضمير ، بل تجري أصالة الظهور أي العموم في العام ، فيحكم بوجوب التربص على جميع المطلقات.

(١) معطوف على «كيفية» وضمير «أنه» راجع إلى الاستعمال.

(٢) كالمقام ، فان المراد من الضمير ـ وهي خصوص الرجعيات ـ معلوم والشك انما هو في كيفية الاستعمال.

(٣) أي : القطع بما يراد هو حال الضمير ، لما عرفت من القطع بأن المراد

٦١٧

وبالجملة : أصالة الظهور انما تكون حجة فيما إذا شك فيما أريد (١) ، لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد (٢) ، فافهم (٣). لكنه (٤) [حجة]

______________________________________________________

من الضمير هي الرجعيات ، ومع هذا القطع لا تجري أصالة الظهور ـ أي عدم الاستخدام في الضمير ـ حتى يثبت بها عدم المجازية فيه ، وأنه مطابق لمرجعه.

(١) كالمطلقات في المقام ، فانه يشك في أن المراد بهن جميع المطلقات كما هو قضية أصالة العموم ، أو خصوص الرجعيات ، كما هو مقتضى أصالة عدم الاستخدام في الضمير حتى يكون مطابقاً لمرجعه.

(٢) كما في ضمير «وَبُعُولَتُهُنَّ» للعلم بأن المراد به خصوص الرجعيات والشك انما هو في كيفية الإرادة ، وأنها بنحو الحقيقة أو المجاز.

(٣) لعله تقوية لجريان أصالة الظهور في العام ، دون الضمير ، وإشارة إلى ما قيل من : أن البناء على حجية أصالة الظهور حتى مع العلم بالمراد يستلزم أيضا تقديم أصالة الظهور في العام على أصالة الظهور في الضمير ، حيث ان التصرف في العام يوجب التصرف في الضمير أيضا ، والتصرف في الضمير لا يستلزم التصرف في العام ، فالتصرف في الضمير معلوم على أي حال ، فلا يرجع فيه إلى أصالة الظهور. بخلاف التصرف في العام ، فانه مشكوك فيه ، فيرجع فيه إليها.

(٤) يعني : لكن جريان أصالة الظهور في طرف العام ، وتقديمها على أصالة الظهور في الضمير انما يكون فيما إذا عقد للكلام ظهور في العموم ، كما إذا اشتمل الكلام على حكمين مثل المقام ، فان وجوب التربص ثابت للمطلقات والحكم بأحقية الرد ثابت لبعولتهن ، ضرورة أنه حينئذ ينعقد الظهور للعام

٦١٨

إذا عقد للكلام ظهور في العموم بأن لا يعد (١) ما اشتمل على الضمير مما (٢) يكتنف به (*) عرفاً ، وإلّا (٣) فيحكم عليه بالإجمال ، ويرجع إلى

______________________________________________________

أعني المطلقات في العموم. وأما إذا اشتمل على حكم واحد مثل (الْمُطَلَّقاتُ). (بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) فلا شك حينئذ في لزوم تخصيص العام بقرينة الضمير.

(١) بيان لصورة انعقاد الظهور في العموم ، وتوضيحه : أن انعقاد الظهور للعام لتجري فيه أصالة العموم مبني على عدم احتفاف العام بما يمنع ظهوره في العموم ، كما إذا كان في الكلام ضمير راجع إلى العام صالح لأن يمنع انعقاد العموم له ، فان أصالة العموم حينئذ لا تجري فيه.

والحاصل : أنه إذا كان العام مكتنفاً بضمير ، وكان احتفافه به مما يعد عرفاً صالحاً للقرينية على عدم إرادة العموم منه ، لم ينعقد له ظهور في العموم ، فأصالة العموم لا تجري فيه حينئذ.

(٢) متعلق بقوله : «يعد» يعني : بأن لا يعد الكلام المشتمل على الضمير من الكلام المكتنف بضمير صالح عرفاً للقرينية على عدم إرادة العموم من العام.

(٣) أي : وإن عدّ ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفاً حكم عليه بالإجمال ، لاقترانه بما يصلح للقرينية المانع عن انعقاد الظهور له ، وعن جريان أصالة العموم في العام ، فلا بد في تشخيص الوظيفة الظاهرية من الرجوع إلى الأصول العملية.

__________________

(*) الأولى تبديل الضمير بالظاهر ، بأن يقال : «بما يصلح للقرينية» لأن ضمير «به» راجع إلى الضمير في قوله : «على الضمير» ، فكأنه قيل : «بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف بالضمير عرفاً» وهذا لا محصل له.

٦١٩

ما يقتضيه الأصول (١). إلّا أن يقال (٢) باعتبار أصالة الحقيقة تعبداً (٣) حتى فيما إذا احتف بالكلام ما (٤) لا يكون ظاهراً معه في معناه الحقيقي ، كما عن بعض [كما في كلام بعض] الفحول (٥).

فصل

قد اختلفوا (*)

______________________________________________________

(١) أي : الأصول العملية ، لأنه بعد إجمال الكلام لا يكون دليل اجتهادي على الحكم.

(٢) استدراك على قوله : «لكنه إذا عقد للكلام ظهور» ، وحاصله : أنه يمكن إجراء أصالة الحقيقة حتى في صورة الاحتفاف بما يصلح للقرينية ـ بناء على كون حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد بمعنى عدم إناطتها بالظهور حتى لا ينعقد بسبب الاحتفاف بمحتمل القرينية ـ فمع الشك في إرادة المعنى الحقيقي تجري أصالة الحقيقة أيضا.

(٣) يعني : لا من جهة ظهور اللفظ حتى لا تجري في موارد الاحتفاف بما يصلح للقرينية.

(٤) فاعل «احتف» واسم «يكون» ضمير مستتر راجع إلى الكلام ، يعني : حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون الكلام ظاهراً مع ما احتف به في معناه الحقيقي.

(٥) لعله صاحب الفصول أو صاحب الحاشية قدس‌سرهما.

__________________

(*) لعل منشأ الخلاف تخيل أقوائية العام ـ لكونه بالمنطوق ـ من المفهوم المخالف الّذي أنيط غالباً بل دائماً بالإطلاق الزائل بأدنى شيء.

٦٢٠