منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

لم يكن ذلك [ذاك] بعنوان الخاصّ كان (١) إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي (٢) في غالب الموارد الا ما شذ (٣) ممكناً (٤) ، فبذلك (٥)

______________________________________________________

بطرو التخصيص عليه الا عنوان الخاصّ ، فانه فقط خرج عن العناوين التي كانت تحت العام ، وخروجه عنه لا يوجب تعنون الباقي بعنوان غير تلك الافراد الخارجة. نظير ما إذا وجب إكرام عشرة من العلماء ، ثم مات منهم اثنان ، فان من المعلوم عدم تعنون الباقي بعدمهما ، فالتخصيص إعدام لبعض أفراد العام ، لا تقييد له. وعليه ، فيكون الخاصّ مانعا عن حكم العام ، فإذا زال هذا المانع في الفرد المشتبه بالأصل جرى عليه حكم العام ، إذ المفروض عدم تعنون العام بعنوان. وهذا بخلاف الوصف من المتصل ، فان التخصيص به يوجب تعنون العام بعنوان الخاصّ وجودياً كان أو عدمياً. ففي المشتبه ان أمكن إحراز العنوان بأصل موضوعي وجودي أو عدمي أخذ به ، وإلّا فالمرجع الأصول العملية ، كما تقدم.

(١) جواب «لما» في قوله : «لما كان» وضمير «منه» راجع إلى الباقي.

(٢) المنقح لموضوع العام لإجراء حكمه عليه ، وبهذا الأصل يخرج المقام عن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، لأن هذا الأصل الموضوعي كالعلم بفردية شيء للعام في لزوم ترتيب حكمه عليه.

(٣) كموارد تعاقب الحالتين ، كما إذا طرأ كل من الفسق والعدالة مثلا على شخص ، ولم يعلم المتقدم منهما ، فان الأصل لا يجري في شيء من الحالتين ولا يحكم فيه بحكم العام ، لكن موارد تعاقب الحالتين في غاية الندرة ، ففي غالب الموارد يمكن إحراز المصداق المشتبه بالأصل الموضوعي.

(٤) خبر «كان» في قوله : «كان وإحراز المشتبه منه».

(٥) يعني : فبالأصل الموضوعي يحكم على الفرد المشتبه بحكم العام.

٥٤١

يحكم عليه بحكم العام وان لم يجز التمسك به (١) بلا كلام ، ضرورة أنه (٢) قلما لم يوجد [لا يوجد] عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته (٣) ، مثلا (٤) إذا شك أن امرأة تكون قرشية ، فهي وان كانت

______________________________________________________

(١) أي : العام ، فان التمسك بالعامّ مع الغض عن الأصل الموضوعي غير جائز ، لكنه ـ بعد إحراز فردية المشتبه للعام بسبب الأصل المزبور ـ لا مانع من التمسك بالعامّ ، لخروجه حينئذ عن التمسك به في الشبهة المصداقية ، كما تقدم.

(٢) الضمير للشأن ، وقوله : «ضرورة» تعليل لإحراز المشتبه بالأصل الموضوعي غالباً.

(٣) أي : تحت العام ، وضميرا «أنه وفيه» راجعان إلى عنوان ، وضمير «به» راجع إلى الأصل.

(٤) غرضه تطبيق ما أفاده ـ من عدم تعنون العام بعنوان بعد التخصيص حتى يحتاج لإثبات فردية المشتبه للعام إلى إحراز ذلك العنوان الخاصّ ، بل يكفي نفي الخاصّ بالأصل في إثبات فردية المشتبه للعام ـ على المثال ، وهو : أن ما دل على تحيض المرأة إلى خمسين سنة عام يشمل كل امرأة سواء كانت قرشية أم غيرها وقد خصص هذا العام بالمرأة القرشية ، فـ «كل امرأة ترى الحمرة إلى خمسين إلّا أن تكون امرأة من قريش» (١) فعلى ما أفاده المصنف من عدم تعنون المرأة بعد إخراج القرشية عنها بعنوان يمكن إحراز حكم المرأة المشكوكة قرشيتها بالأصل ، بأن يقال : ان هذه المرأة لم يكن بينها وبين القريش انتساب ، وبعد

__________________

(١) الوسائل ج ٢ ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ٢ ، رواه ابن أبي عمير مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش» ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله.

٥٤٢

وجدت [إذا وجدت] اما قرشية أو غيرها ، فلا أصل (*) يحرز أنها قرشية

______________________________________________________

وجودها يشك في انتقاض عدم الانتساب ، فيستصحب. ويكفي في إثبات حكم العام ـ أعني تحيض المرأة إلى خمسين عاماً ـ استصحاب عدم الانتساب بينها وبين قريش ، إذ المفروض أن المرأة المحكومة بالتحيض إلى خمسين لم تقيد بقيد ، فالمرأة غير القرشية والمرأة التي لم يتحقق انتساب بينها وبين قريش مندرجتان تحت العام ، وعدم الانتساب المزبور يكون بمفاد ليس التامة ، واستصحابه كاف في إدراج المرأة المشكوكة القرشية فيمن تتحيض إلى خمسين لما عرفت من عدم تعنون العام بعنوان.

__________________

(*) يعني الأصل الجاري في العدم النعتيّ ، أو الوجود كذلك. ووجه عدم جريان هذا الأصل واضح ، لعدم الحالة السابقة له ، ولذا نفي هذا الأصل وأبدله بأصالة عدم الانتساب الّذي هو عدم محمولي.

لكن لا يخفى أن العدم المحمولي في كل ماهية جوهرية أو عرضية ينتقض بوجود فرد منها بحيث لا يصح حمل العدم على تلك الماهية مع وجوده بالضرورة إلّا إذا قيدت بقيد كالإنسان الشجاع ، فانه لا يصح أن يقال : ان الإنسان معدوم لوجود أفراده ، وأما إذا لم يكن فرد من الإنسان الشجاع موجوداً ، فيصح أن يحمل عليه العدم ، لكنه ليس عدماً محمولياً ، بل نعتياً. فعلى هذا لا يصح حمل العدم المحمولي على طبيعة الانتساب إلى قريش بعد انتقاض عدمه بوجود نساء من قريش ، فلا يجري أصالة عدم تحقق الانتساب المحمولي بينها وبين قريش ، إذ لا يصح أن يقال : الانتساب إلى قريش معدوم ، إلّا أن يقيد ذلك بهذه المرأة بأن يقال : ان انتساب هذه إلى قريش غير معلوم ، ولا يصح الاستصحاب حينئذ لعدم الحالة السابقة له.

٥٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ثم ان ما أفاده من جريان الأصل في العدم المحمولي في المقام مبني على عدم تعنون العام بعنوان عدمي ، كالمثال ، فان المرأة التي ترى الحمرة إلى خمسين لم تقيد بقيد عدمي وهو عدم قرشيتها ، والخاصّ انما أخرج المرأة القرشية ، فالباقي تحت العام بعد التخصيص المرأة المعلوم عدم قرشيتها ، والتي لم يثبت انتسابها إلى قريش ، فأصالة عدم الانتساب إليه تثبت فردية هذه المرأة للعام ، فتصير محكومة بحكمه ، فعلى هذا المبنى لا يقيد العام بقيد عدمي إذا كان الخاصّ أمراً وجودياً ، كقوله : «إلّا أن تكون امرأة من قريش» ، ولا يقيد بقيد وجودي إذا كان الخاصّ أمراً عدمياً ، كقوله : «أكرم العلماء غير الفساق». والحاصل : أن التخصيص مطلقاً من المتصل والمنفصل واللفظي واللبي لا يوجب تعنون العام.

لكن هذا المبني غير سديد عند جل المحققين ، وأن الصحيح هو تعنونه بعنوان وجودي أو عدمي حسب اختلاف الخاصّ إيجاباً وسلباً. والوجه في ذلك : أن أوصاف العام قائمة به قبل ورود الحكم عليه ، حيث انه قبل الحكم عليه ينقسم إلى تلك الأوصاف ، بحيث يصح أن يقال : «العلماء اما هاشميون واما غيرهم واما فلسفيون واما غيرهم» فإذا ورد على العام حكم ، فان كان لتلك الأوصاف دخل في ذلك الحكم كان لها دخل في الموضوع لا محالة ، بحيث يصير الموضوع مركباً من العام ووصفه كالعلماء العدول.

وان لم يكن لتلك الأوصاف دخل في الحكم ، بأن يكون تمام الموضوع نفس طبيعة العالم كان الموضوع بسيطاً غير ملحوظ معه شيء من الأوصاف القائمة به.

٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فالنتيجة : أن دخل الوصف في الحكم يوجب خروج الموصوف عن كونه تمام الموضوع إلى جزء الموضوع ، فالعالم إذا لوحظ مع العدالة موضوعاً لوجوب الإكرام ، فلا محالة يصير «العالم العادل» موضوعاً له ، وتنقلب بساطة الموضوع إلى التركب ، ولا نعني من تعنون العام الا هذا.

ويظهر مما ذكرنا : ضعف ما عن بعض مشايخنا الأعاظم (قده) من «أن التخصيص بمنزلة موت بعض الافراد ، فكما أن الموت لا يوجب تعنون العام وتقيده بموت بعضهم ، بل الموضوع نفس العام بلا قيد ، ضرورة عدم تقيد العلماء في قوله : «أكرم العلماء» بغير من مات منهم ، بل الموضوع بتمامه هو نفس العلماء ، فكذلك التخصيص ، فانه يخرج الافراد غير المرادة من غير تصرف في الموضوع. والحاصل : أن التخصيص كالموت يوجب قلة الافراد ، لا تعنون العام بعنوان وتقيده بقيد ، فالموضوع لوجوب الإكرام في المثال قبل التخصيص وبعده هو طبيعة العلماء بلا قيد».

توضيح الضعف : أن معنى عدم التعنون بقاء العام بعد التخصيص على كونه تمام الموضوع بحيث يدور الحكم مداره وجوداً وعدماً ، وهو بديهي البطلان لأن العام موجود في ضمن أفراد الخاصّ كالعالم الفاسق ، مع عدم كونه محكوماً بحكمه ـ وهو وجوب الإكرام ـ ، فلا بد من انقلاب العام عن البساطة ، وكونه تمام الموضوع بسبب التخصيص إلى التركب ، وصيرورته جزء الموضوع الّذي هو العالم غير الفاسق.

وبالجملة : فالتخصيص يوجب تعنون العام بعنوان وجودي أو عدمي ، وليس كالموت موجباً لقلة الافراد فقط. فقياس التخصيص بالموت ليس في محله ،

٥٤٥

أو غيرها ، إلّا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض الا إلى خمسين ، لأن المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا (١) باقية تحت ما دل على أن المرأة

______________________________________________________

(١) يعني : كالمرأة غير القرشية ، فكل امرأة تحيض إلى خمسين ، والخارج هي المرأة القرشية.

ولا نحتاج في إثبات التحيض إلى خمسين للمرأة المشكوكة القرشية إلى إحراز عدم قرشيتها حتى يقال : ان الأصل ـ وهو استصحاب العدم الأزلي ـ قاصر عن إثباته ، لأن المستصحب ان كان عدمها النعتيّ ـ أي بمفاد ليس الناقصة ـ فهو مشكوك فيه من أول الأمر ، فليس له حالة سابقة حتى يستصحب ، لأن المرأة اما وجدت قرشية أو وجدت غير قرشية ، حيث ان وصفي القرشية وغير القرشية من الأوصاف التي لا تتحقق إلّا في ظرف وجود موضوعها ، فقبل وجوده لا حالة سابقة لها ليجري فيها الاستصحاب ، إذ لم يكن زمان وجدت فيه المرأة لا قرشية ولا غير قرشية. وان كان المستصحب عدمها المحمولي ـ أي بمفاد ليس التامة ـ فهذا صحيح ، لكنه لا يثبت المقصود وهو عدم كونها قرشية الا على القول بالأصل المثبت الّذي لا يقول به المصنف ، وذلك لعدم الحاجة إلى إثبات عدم قرشيتها في إدراجها تحت العام ، كما عرفت آنفاً.

__________________

إذ التخصيص يضيق دائرة موضوعية العام لحكمه بالضرورة ، ويخرجه عما كان له من الاستقلال في الموضوعية ، كما مر آنفاً. بخلاف الموت ، فانه ليس إلّا إعداماً لبعض الافراد من دون تصرف في نفس العام. بل لا وجه للتصرف فيه وتقييده به بعد كون الموت قائما بغير الافراد الباقية ، لما ثبت في محله من امتناع تقييد جوهر بعرض قائم بجوهر آخر.

٥٤٦

انما ترى الحمرة إلى خمسين ، والخارج عن تحته هي القرشية ، فتأمل تعرف (*).

وهم (١) وإزاحة ، ربما يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد (٢) لا من جهة احتمال التخصيص ، بل من جهة أخرى ،

______________________________________________________

(١) ذكر هذا الوهم في التقريرات ، وحاصله : أنه قد يتمسك بالعمومات في غير الشك في التخصيص ، كما إذا كان الشك لاحتمال فقدان شرط ، أو وجود مانع ، فان الشك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ليس ناشئاً من الشك في التخصيص ، بل هو ناش من احتمال اشتراط صحته بأن يكون بالماء المطلق لو فرض إجمال في أدلة تشريع الوضوء من هذه الجهة ، فان بعضهم تمسك بعموم أدلة وجوب الوفاء بالنذر لصحة هذا الوضوء أو الغسل إذا تعلق به النذر ، وحكم ببراءة ذمته عن النذر.

(٢) أي : في حكم فرد مع العلم بفرديته.

__________________

(*) حتى لا تتوهم التعارض بين أصالة عدم الانتساب إلى قريش ، وبين عدم الانتساب إلى غير قريش ، ويسقط الأصل المزبور عن الاعتبار ، وذلك لأن التعارض فرع ترتب الأثر على كل من المتعارضين ، وليس المقام كذلك ، إذ لا أثر لأصالة عدم الانتساب إلى غير قريش بعد وضوح كون موضوع الحكم بالتحيض نفس المرأة ، لا بقيد كونها من غير قريش حتى تصح دعوى جريان أصالة عدم الانتساب بينها وبين غير قريش.

فالمتحصل : أن موضوع الحكم بالتحيض إلى خمسين سنة نفس المرأة ، والمانع عن ذلك انتسابها إلى قريش ، فإذا زال هذا المانع بالأصل حكم بتحيضها إلى خمسين.

٥٤٧

كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فيستكشف صحته (*) بعموم مثل «أوفوا بالنذور» فيما إذا وقع متعلقاً للنذر ، بأن يقال (١) : وجب الإتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم (٢) ، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحاً ، للقطع (٣) بأنه لو لا صحته لما

______________________________________________________

(١) هذا تقريب التمسك بعموم أدلة النذر على صحة الوضوء بالمائع المضاف وقد قرره في التقريرات بما لفظه : «فيقال : ان هذا الفرد من الوضوء يجب الوفاء به ، لعموم قوله : أوفوا بالنذر ، وكل ما يجب الوفاء به يجب أن يكون صحيحاً فيجب أن يكون الوضوء صحيحاً. أما الصغرى فبالعموم ، وأما الكبرى فللقطع بأن ما ليس صحيحاً لا يجب الوفاء به ، وقد شاع التمسك بمثل ذلك في كلمات بعضهم كما لا يخفى على المتتبع».

(٢) وهو ما دل على وجوب الوفاء بالنذر.

(٣) تعليل لقوله : «وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحاً» وهذا ضروري ، إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالنسبة إلى العمل الفاسد الّذي لا يتعلق به أمر حتى يجب امتثاله.

__________________

(*) لا يخفى أن لازم صحته صحة ما يترتب عليه من المشروط بالطهارة كالصلاة والطواف.

لا يقال : ان قاعدة الاشتغال تقتضي لزوم إعادة الوضوء أو الغسل بالماء المطلق وإعادة ما ترتب عليه من الصلاة وغيرها ، لتوقف اليقين بالفراغ عليه.

فانه يقال : لا مجال لقاعدة الاشتغال بعد ثبوت صحة الوضوء أو الغسل بالدليل الاجتهادي أعني به : عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر.

٥٤٨

وجب الوفاء به (١).

وربما يؤيد ذلك (٢) بما ورد (٣) من صحة الإحرام (*) والصيام (٤)

______________________________________________________

(١) هذا وضمائر «صحته ، بأنه ، به» راجعة إلى «ما» الموصول في قوله : «وكل ما يجب».

(٢) أي : التمسك بالعامّ في حكم الفرد من غير ناحية الشك في التخصيص ، وجه التأييد : أنه يحتمل كون النص الخاصّ الدال على صحة النذر في الإحرام قبل الميقات ، والصوم في السفر كاشفاً عن اقتضاء عموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر لصحة المنذور إذا شك في صحته.

(٣) كما صرح به جماعة ، بل في الجواهر : «بل المشهور نقلا ان لم يكن تحصيلا» ويدل عليه جملة من النصوص ، كصحيح الحلبي «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة ، قال عليه‌السلام : فليحرم من الكوفة ، وليف لله تعالى بما قال» (١) ، وقريب منه خبرا أبي بصير (٢) وعلي بن أبي حمزة (٣).

(٤) معطوف على «الإحرام».

__________________

(*) لا يخفى أن النصوص وافية بصحة هذا النذر ، والخروج عن قاعدة اعتبار رجحان متعلق النذر في نفسه. فما عن الحلي في السرائر والفاضل في المختلف والأصبهاني في كشفه ج ١ ص ٣٠٧ «من تقوية عدم الجواز كما عن بعضهم ، والميل إليه كما عن الآخر ، استناداً إلى تلك القاعدة» ضعيف ، لكونه اجتهاداً في مقابل النص الصحيح المعمول به.

ونسب بطلان هذا النذر إلى المحقق في المعتبر ، لكن عبارته لا تساعد على ما نسب إليه من تقوية عدم الجواز ، قال في المعتبر ص ٣٤٣ : «لو نذر

__________________

(١) الوسائل ج ٨ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ج ٨ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ج ٨ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت ، الحديث ٣.

٥٤٩

قبل الميقات ، وفي السفر (١) إذا (٢) تعلق بهما النذر كذلك (٣).

______________________________________________________

(١) قيد للصيام ، يعني : من صحة الصيام في السفر ، كما أن قوله : «قبل الميقات» قيد للإحرام.

(٢) قيد لقوله : «صحة الإحرام» ، وضمير «بهما» راجع إلى الإحرام والصوم.

(٣) أي : بأن قيد نذر الإحرام بكونه قبل الميقات ، ونذر الصوم بكونه في السفر منفرداً أو منضماً إلى الحضر ، فلا يكفي نذر الصوم مطلقاً في صحة الصوم المنذور في السفر ، وان كان الإطلاق شاملا للسفر إجمالا كما قرر في محله ، وان اكتفي في صحته فيه بإطلاق النذر غير واحد كالمفيد والمرتضى وسلار قدس الله تعالى أسرارهم.

ثم انه يدل على الحكم المزبور في نذر الصوم في السفر : صحيح علي بن مهزيار ، قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، فان أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة ، فكتب عليه‌السلام

__________________

الإحرام بالحج من موضع معين لزم وان كان قبل الميقات» ... إلى أن قال : «وربما كان المستند ما رواه علي بن أبي حمزة البطائني» ... إلى أن قال : «وربما طعن في النقل بأن علي بن أبي حمزة واقفي ، وكذا سماعة ، وبأن الإحرام قبل الميقات غير جائز ، ولا ينعقد ، فلا يتناوله النذر ، لأنه نذر معصية بالنقل المستفيض عن أهل البيت عليهم‌السلام».

وعليه ، فالمحقق في المعتبر لم يقوِّ عدم الجواز ، ولا مال إليه ، وانما نقل الطعن في الجواز قولا ، ولعل الطاعن الحلي في السرائر. نعم هذا متجه على أصل الحلي من عدم حجية أخبار الآحاد عنده ، راجع السرائر ص ١٣٣.

٥٥٠

والتحقيق (١) أن يقال : انه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات

______________________________________________________

وقرأته : لا تتركه الا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك ، وان كنت أفطرت منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى» (١) (*).

(١) هذا دفع الوهم المزبور وإزاحة له. توضيحه : أن الحكم الشرعي الثابت لموضوعه لا يخلو عن ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون ثابتاً للشيء بعنوانه الأولي الذاتي ، كالإباحة الثابتة لعنوان الماء والحنطة والتمر واللحم ونحوها من العناوين الذاتيّة.

الثاني : أن يكون ثابتاً للشيء بعنوانه الثانوي ، بأن يكون ثابتاً له لتعنونه بعنوان خارج عن ذاته ، لكن بشرط ثبوت حكم خاص لهذا الشيء بعنوانه الأولي كالصوم ، فان الوجوب قد ثبت له بعنوان ثانوي ـ كالنذر ـ خارج عن ذاته ، لكن هذا الوجوب انما يثبت له بعنوانه الثانوي إذا كان بعنوانه الأولي

__________________

(*) ولا يقدح جهالة الكاتب ولا إضمار المكتوب إليه بعد العلم بكونه الإمام عليه‌السلام ، ولا عدم العمل ، لكون كفارة النذر الصدقة على سبعة مساكين ، كما ثبت كل ذلك في محله. وبهذا النص يقيد إطلاق ما دل على النهي عن الصوم في السفر ، وكذا إطلاق ما دل على النهي عن الصوم في السفر مع إطلاق النذر وعدم تقييده بالسفر ، هذا.

مضافاً إلى ما في الجواهر : «وأما النذر المقيد به فقد تشعر عبارة المتن بوجود الخلاف فيه ، إلّا اني لم أجده لأحد من أصحابنا كما اعترف به بعضهم» فينبغي أن تكون المسألة صافية عن الإشكال ، والتفصيل موكول إلى محله.

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ، الباب ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم ، الحديث ١

٥٥١

المتكفلة لأحكام العناوين الثانوية فيما شك من [في] غير جهة تخصيصها (١) إذا أخذ في موضوعاتها أحد الأحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها (٢) الأولية ،

______________________________________________________

أي بما هو صوم راجحاً ، وكصلاة الليل ، أو التصدق على الفقراء ، ونحوهما من الأفعال الراجحة بعناوينها الأولية ، حيث انها تجب بعد طرو العناوين الثانوية ـ كالنذر ـ عليها. وكالوجوب الثابت للفعل بعنوان ثانوي ، كإطاعة الوالد بشرط كون الفعل الّذي أمر به الوالد مباحاً بعنوانه الأولي.

الثالث : أن يكون الحكم ثابتاً له بعنوانه الثانوي مطلقاً ، أي بدون أن يكون ثبوت الحكم لهذا الشيء بعنوانه الثانوي مشروطاً بثبوت حكم خاص له بعنوانه الأولي ، كالحرمة الثابتة للغنم بعنوان كونها موطوءة ، فان ثبوتها لها بهذا العنوان غير مشروط بثبوت الإباحة مثلا لها بعنوانها الذاتي الأولي ، يعني لم تؤخذ الإباحة للغنم بعنوانها الأولي شرطاً في ترتب الحرمة عليها بعنوانها الثانوي ـ وهو كونها موطوءة ـ بل الحرمة تترتب عليها إذا صارت موطوءة وان فرض عدم ثبوت أي حكم شرعي لها بعنوانها الأولي ، أي قبل صيرورتها موطوءة.

(١) أي : العمومات المتكفلة لأحكام العناوين الثانوية ، وكون الشك في غير جهة التخصيص ، كالشك في صحة نذر الوضوء أو الغسل بالمضاف كماء الرمان فان الشك في وجوب الوفاء بهذا الوضوء انما هو للشك في رجحان الوضوء بالماء المضاف ، فهو شك في صغروية هذا الوضوء لكبرى وجوب الوفاء ، لا في تخصيص عموم وجوب الوفاء بالنذر.

(٢) الضمير راجع إلى الأفعال ، وضمير «موضوعاتها» راجع إلى الأحكام وقوله : «إذا أخذ» قيد لقوله : «الاستدلال» وهو إشارة إلى القسم الثاني

٥٥٢

كما هو الحال (١)

______________________________________________________

أعني أخذ حكم خاص ثابت للعنوان الأولي في موضوع الحكم الثانوي. وتوضيح ما أفاده في التحقيق : أنه لا مجال للتمسك بالعموم في هذا القسم ، لرجوع الشك فيه إلى الشك في ثبوت عنوان العام ، لا في حكمه ، حتى يصح التمسك بعمومه لإثبات الحكم للفرد المشكوك فيه ، كالشك في عالمية زيد ، فان من الواضح عدم جواز التمسك بعموم «أكرم العلماء» لإثبات عالميته. ففي المقام يكون رجحان المنذور في نفسه دخيلا في موضوع وجوب الوفاء بالنذر ، بحيث يصير نذر الراجح موضوعاً له ، فإذا شك في كون المنذور راجحاً ، فلا مجال لإحراز رجحانه وإثبات وجوب الوفاء بنذره بالتمسك بعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر ، لعدم تكفل الكبرى ـ وهي الدليل المتكفل للحكم ـ لإحراز الصغرى فان الكبرى لا تثبت الصغرى ليترتب حكمها على الصغرى ، كما هو واضح.

(١) هذا تمثيل لحكم العنوان الثانوي المشروط بثبوت حكم خاص للعنوان الأولي ، فان إطاعة الوالد لا تجب مطلقاً ، بل هي مشروطة بكون ما أمر به الوالد بعنوانه الأولي مباحاً أو غير حرام ، فإذا شك في إباحته امتنع التمسك بدليل وجوب إطاعة الوالد لإحراز إباحته ، لأن الشك انما هو في موضوع الدليل لا حكمه.

وكذا الحال في وجوب الوفاء بالنذر ، فإذا شك في كون المنذور راجحاً في نفسه امتنع التمسك بدليل وجوب الوفاء بالنذر ، لأن الشك يكون في الموضوع وهو كون هذا النذر نذر الراجح ، ويمتنع إحراز الموضوع به. وعليه فإذا شك في صحة الوضوء بالمضاف الّذي تعلق به النذر امتنع إثباتها بدليل وجوب الوفاء بالنذر ، لكون الشك في الموضوع ـ وهو أن نذره نذر لراجح أولا ـ وقد تقدم أن دليل الحكم لا يثبت موضوعه.

٥٥٣

في وجوب إطاعة الوالد ، والوفاء بالنذر وشبهه في الأمور المباحة ، أو الراجحة (١) ، ضرورة أنه معه (٢) لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في رجحان شيء أو حليته (٣) جواز التمسك بعموم دليل وجوب الإطاعة أو الوفاء في رجحانه ، أو [و] حليته (٤). نعم (٥) لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه (*)

______________________________________________________

(١) الأول في إطاعة الوالد ، والثاني في الوفاء بالنذر وشبهه ، فانه قد ثبت في محله : أن موضوع وجوب إطاعة الوالد هو المباح أو غير الحرام ، وموضوع وجوب الوفاء بالنذر هو الأمر الراجح في نفسه.

(٢) أي : مع أخذ أحد أحكام العناوين الأولية في موضوعات أحكام العناوين الثانوية. وضمير «انه» للشأن ، وقوله : «ضرورة» تعليل لقوله : «لا مجال لتوهم الاستدلال» وقد عرفت تقريبه بقولنا : «توضيح ما أفاده في التحقيق ... إلخ» فلاحظ.

(٣) هذا في وجوب الإطاعة ، وما قبله في النذر ، و «جواز» مفعول «يتوهم»

(٤) مرجع هذا الضمير وضمير «رجحانه» الشيء ، وقوله : «في رجحانه» متعلق بالتمسك. ووجه عدم التوهم ما مر آنفاً من : أن إثبات رجحان المنذور بدليل وجوب الوفاء بالنذر ، وكذا إثبات حلية ما أمر به الوالد بدليل وجوب إطاعته تشبث بالدليل المتكفل للكبرى لإحراز الصغرى ، نظير إحراز عالمية من شك في علمه بدليل وجوب إكرام العلماء.

(٥) استدراك على ما أفاده في التحقيق من عدم المجال لتوهم الاستدلال بالعمومات فيما إذا كان الشك من غير جهة تخصيصها ، وحاصل الاستدراك : أنه

__________________

(*) في اعتبار إحراز القدرة في جواز التمسك بالعامّ كلام ، والصواب عدم اعتباره. وعليه فيجوز التمسك مع الشك في القدرة ، كما ثبت في محله.

٥٥٤

والقدرة عليه (١) فيما (٢) لم يؤخذ في موضوعاتها (٣) حكم أصلا ، فإذا شك في جوازه (٤) صح التمسك بعموم دليلها (٥) في الحكم بجوازها (٦) ،

______________________________________________________

لا مانع من التمسك بعموم الدليل في إثبات جواز الشيء بعد إحراز القدرة عليه في القسم الثالث ، وهو ما إذا كان الحكم ثابتاً للشيء بعنوانه الثانوي مطلقاً أي من دون اشتراطه بثبوت حكم خاص له بعنوانه الأولي ، كحرمة الفعل الضرري ، حيث انها ثابتة للضرر الّذي هو عنوان ثانوي من دون اعتبار حكم خاص للفعل بعنوانه الأولي ، فإذا فرضنا عدم دليل على دخل الرجحان في المنذور ، أو الإباحة في موضوع وجوب إطاعة الوالد ، وشككنا في اعتبارهما فيهما ، فلا مانع من التمسك بعموم دليلي وجوب الوفاء بالنذر وإطاعة الوالد لوجوبهما ، لكون الشك حينئذ شكاً في التخصيص ، فلا مانع من التشبث بعمومهما لنفي اعتبار الرجحان والإباحة في موضوعي النذر والإطاعة.

(١) هذا الضمير وضميرا «جوازه ومنه» راجعة إلى شيء ، و «به» راجع إلى عموم.

(٢) هذا إشارة إلى القسم الثالث الّذي تعرضنا له بقولنا : «الثالث أن يكون الحكم ثابتاً له بعنوانه الثانوي مطلقاً» أي بدون أن يكون له حكم بعنوانه الأولي.

(٣) أي : موضوعات الأحكام بعناوينها الأولية ، والمراد بـ «ما» الموصول الأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الثانوية.

(٤) أي : في جواز الشيء ، وقوله : «فإذا شك» نتيجة قوله : «نعم لا بأس»

(٥) أي : دليل أحكام الموضوعات بعناوينها الثانوية.

(٦) أي : بجواز الشيء ، فلو فرض شك في جواز الوضوء بمائع مضاف وتعلق به النذر ، ولم يثبت جوازه بالعنوان الأولي ، فلا بأس حينئذ بالتمسك بعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر وإثبات جوازه به. والأولى تأنيث ضمير «جوازه» لرجوعه إلى شيء.

٥٥٥

وإذا كانت (١) محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها (٢) الثانوية وقع [فتقع] المزاحمة بين المقتضيين ، ويؤثر الأقوى منهما لو كان في البين (٣) ، وإلّا (٤) لم يؤثر أحدهما ، وإلّا (٥) لزم الترجيح بلا مرجح ، فليحكم عليه حينئذ (٦) بحكم آخر كالإباحة إذا كان أحدهما مقتضياً للوجوب والآخر للحرمة مثلا.

______________________________________________________

(١) يعني : وإذا كانت موضوعات الأحكام محكومة بعناوينها الأولية بغير الأحكام الثابتة لها بالعناوين الثانوية. وغرضه أنه تارة يكون الشيء بالعنوان الأولي مشكوك الحكم ، فحينئذ يجوز ارتكابه بلحاظ الحكم الثابت له بالعنوان الثانوي بلا مزاحمة أصلا.

وأخرى يكون العنوان الأولي معلوم الحكم ـ كوجوب الوضوء ـ فانه إذا طرأ عليه عنوان الضرر ، وصار الوضوء ضررياً ، فلا محالة يقع التزاحم بين مقتضي الوجوب ومقتضي الحرمة ، ويكون الحكم الفعلي تابعاً لأقوى المقتضيين لو كان أحدهما أقوى من الآخر ، ولو كانا متساويين تساقطا ، لقبح الترجيح بلا مرجح فيحكم عليه بحكم آخر غير ما يقتضيه الدليلان ـ كالإباحة ـ فيما إذا كان أحدهما مقتضياً للوجوب والآخر مقتضياً للحرمة.

(٢) هذا الضمير وضميرا «بعناوينها وحكمها» راجعة إلى موضوعاتها.

(٣) يعني : لو كان في البين أقوى.

(٤) يعني : وان لم يكن أحدهما أقوى ، فلا يؤثر أحدهما في الحكم الفعلي.

(٥) يعني : وان أثر أحدهما لزم الترجيح بلا مرجح ، إذ المفروض تساوي المقتضيين.

(٦) يعني : فليحكم على الشيء حين تساوي المقتضيين بحكم آخر ـ كالإباحة ـ فيما إذا كان أحد المقتضيين مقتضياً للوجوب ، والآخر للحرمة.

٥٥٦

وأما (١) صحة الصوم في السفر بنذره فيه ـ بناء على عدم صحته فيه (٢) بدونه ـ وكذا الإحرام قبل الميقات ، فانما هو (*) لدليل خاص (٣) كاشف عن رجحانهما ذاتاً (٤) في السفر وقبل الميقات (**)

______________________________________________________

(١) غرضه بيان حال التأييد الّذي ذكره المستدل بالعمومات لإحراز حكم الفرد المشتبه من غير جهة التخصيص. وقد رد المصنف هذا التأييد بوجوه : الأول : ما يرجع إلى إثبات الرجحان في الصوم في السفر ، والإحرام قبل الميقات ، والكاشف عن هذا الرجحان النص الدال على صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بسبب النذر ، بحيث لو لا هذا النص لكان كلاهما باطلا لما دل من النص والإجماع على بطلانهما.

والحاصل : أن دليل صحة النذر فيهما يكشف عن رجحانهما ، لا أن عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر يدل على صحة النذر فيهما حتى يقال بصحة التمسك بالعامّ وان لم يكن الشك من جهة التخصيص.

(٢) هذا الضمير وضمير «فيه» في قوله : «بنذره فيه» راجعان إلى «السفر» وضميرا «صحته وبنذره» راجعان إلى الصوم ، وضمير «بدونه» إلى النذر.

(٣) وهو ما تقدم من صحيح علي بن مهزيار الأهوازي عند شرح قول المصنف : «والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك».

(٤) أي : لا عرضاً من ناحية النذر ، بل هما راجحان قبل النذر ، والنص كاشف عن ذلك الرجحان ، وضمير «رجحانهما» راجع إلى الصوم والإحرام.

__________________

(*) الأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى «صحة الصوم» كما لا يخفى.

(**) لا يخفى بعد هذا الوجه ، لمنافاته لالتزام الأئمة عليهم‌السلام بترك

٥٥٧

وانما (١) لم يؤمر بهما استحباباً أو وجوباً لمانع يرتفع مع النذر (٢) [بالنذر] ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى توهم ، وهو : أن الرجحان الذاتي ان كان ملزماً اقتضى تشريع الوجوب ، وان لم يكن ملزماً اقتضى تشريع الندب ، مع أنه ليس كذلك لعدم تشريع الوجوب الا بعد النذر ، وهذا كاشف عن عدم الرجحان الذاتي لهما قبله.

(٢) أي : مقارنا لوجود النذر ، لا متأخراً عنه بأن يكون معلولا له ، وإلّا يلزم حينئذ تعلق النذر بالمرجوح ، فيرجع الإشكال ، وقوله : «لمانع» دفع للتوهم المزبور ، وحاصله : أن مجرد وجود المقتضي لا يكفي في تشريع الحكم ، بل لا بد من عدم المانع أيضا ، فاقتران رجحان الصوم ذاتاً في السفر وكذا الإحرام قبل الميقات بوجود المانع يمنع عن تشريع الاستحباب قبل تعلق النذر بهما ، فبالنذر يرتفع المانع ، ويؤثر المقتضي في التشريع بلا مانع.

وبالجملة : الرجحان الذاتي في الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات مقرون بمانع الجعل ، كالمشقة في الصوم في السفر ، والمشقة الزائدة في ترك محرمات الإحرام ، لزيادة المسافة والزمان على الميقات. وهذا المانع يرتفع مقارناً لوجود النذر ، لا متأخراً عنه ومعلولا له ، إذ يلزم حينئذ تعلق النذر بالمرجوح ، مع أنه لا بد من تعلقه بالراجح ، ولذا قال المصنف على ما في أكثر النسخ «مع النذر» ولم يقل «بالنذر».

__________________

الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات ، إذ لو كانا راجحين ذاتاً وكانت المشقة مانعة عن توجه الطلب إليهما لم يلتزموا بتركهما ، فهذا الالتزام يكشف عن عدم رجحانهما الذاتي.

٥٥٨

واما لصيرورتهما (١) راجحين يتعلق (*) النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك (٢) كما ربما يدل عليه (٣) ما في الخبر من كون الإحرام قبل الميقات

______________________________________________________

(١) هذا ثاني الوجوه التي رد بها المصنف التأييد المذكور ، وحاصله : صيرورة الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر راجحين حين تعلق النذر بهما لانطباق عنوان راجح عليهما ملازم للنذر ، أو مقارن له ، إذ لو كان النذر علة لذلك العنوان لزم تأخر الرجحان عن النذر ، وكونه ناشئاً عنه ، وهو ينافى ما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، فالجمع بينه وبين ما دل على صحة النذر في هذين الموردين يقتضي أن يكون الرجحان في المتعلق قبل النذر أو في رتبته ، فليسا خارجين عن عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر.

(٢) أي : راجحين ، وضمير «بهما» راجع إلى الإحرام والصوم.

(٣) أي : على الوجه الثاني ، وهو صيرورة الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر راجحين حين النذر ، وعدم اشتمالهما على الرجحان قبل النذر ، فان ما دل على كون الإحرام قبل الميقات ، كالصلاة قبل الوقت ، أو كالصلاة في في السفر أربعاً يدلان على عدم الرجحان في الإحرام قبل الميقات ، بل الرجحان يحدث للمتعلق حين تعلق النذر بهما ، وانما عبر المصنف بقوله : «كما ربما يدل» دون «كما يدل» لأجل احتمال وجود الرجحان في ذات الصلاة قبل الوقت ، غاية الأمر أن هناك مانعاً عن الجعل يرتفع ذلك المانع بدخول الوقت

__________________

(*) الأولى أن يقال : «مع تعلق النذر» أو «حين تعلق النذر» لأن الباء ظاهر في السببية ، وكون الرجحان معلولا للنذر وناشئاً عنه ، وهو خلاف ما تسالموا عليه من اعتبار الرجحان مع الغض عن النذر ، فلا بد أن يكون الباء للمصاحبة ـ كما في بعض حواشي المتن ـ وان كان خلاف الظاهر.

٥٥٩

كالصلاة قبل الوقت (١).

لا يقال (٢) : لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك (٣) (*) في عباديتهما

______________________________________________________

فيرجع إلى الوجه الأول ، وهو ما ذكره «قده» بقوله : «فانما هو لدليل خاص».

ومن هنا يظهر الفرق بين الوجهين ، وحاصله : أن الرجحان على الوجه الأول يكون باقتضاء ذات الإحرام قبل الميقات ، والصوم في السفر. وعدم الجعل فعلا على طبق الرجحان الذاتي انما يكون لمانع يرتفع بالنذر.

وعلى الوجه الثاني لا يكون الرجحان في ذاتيهما أصلا ، بل يحدث الرجحان بطرو عنوان راجح ملازم لوجود النذر المتعلق بهما ، فيفترق الوجهان في كون الرجحان في ذاتيهما على الأول ، وفي الخارج عن ذاتيهما على الثاني ، كما أنهما يشتركان في تلازم الرجحان الفعلي مع النذر.

(١) يعني : في عدم الرجحان ، فكما لا رجحان في الصلاة قبل الوقت ، فكذلك في الإحرام قبل الميقات.

(٢) هذا إشكال على الوجه الثاني الّذي تعرض له بقوله : «واما لصيرورتهما راجحين». وحاصل الإشكال : أن الرجحان الناشئ من قبل النذر لا يجدي في عبادية الصوم والإحرام اللذين هما من العبادات قطعاً ، إذ الأمر بالوفاء بالنذر توصلي لا تعبدي ، فلا يندفع إشكال عبادية الصوم في السفر ، والإحرام قبل الميقات بهذا الوجه الثاني.

(٣) أي : بسبب النذر ، وضميرا «صيرورتهما وعباديتهما» راجعان إلى الصوم والإحرام.

__________________

(*) الصواب تبديل الباء بـ «مع» كما عرفت في التعليقة السابقة. وكيف كان ، فلا مجال لهذا الإشكال ودفعه ، لأنهما يتجهان بناء على كون الرجحان

٥٦٠