منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك (١) فلا [يكاد] يكون من من هذا الباب (٢) ، ولا يكون مورد الاجتماع محكوماً إلّا بحكم واحد منهما (٣) إذا كان له مناطه (٤) ، أو حكم (٥) آخر غيرهما فيما لم يكن لواحد

______________________________________________________

(١) يعني : مطلقاً حتى في مورد التصادق.

(٢) أي : من باب اجتماع الأمر والنهي.

(٣) أي : من الحكمين المجعولين للطبيعتين المتعلقتين للأمر والنهي.

(٤) يعني : إذا كان لذلك الحكم مناطه. ثم ان ملخص ما أفاده في هذا الأمر هو الفرق بين هذه المسألة وباب التعارض كما تقدم ، والإشارة إلى ضعف ما في تقريرات شيخنا الأعظم (قده). وتوضيح الفرق : أن الكلام يقع تارة في مقام الثبوت وأخرى في مقام الإثبات.

أما الأول ، فبيانه : أن باب اجتماع الأمر والنهي يكون من صغريات التزاحم ، فلا بد من اشتمال كل من المتعلقين على مناط الحكم مطلقاً حتى في مورد الاجتماع ليحكم ـ بناء على الجواز ـ بكون المجمع كالصلاة في الدار المغصوبة محكوماً فعلا بحكمين ، وعلى الامتناع بكونه محكوماً بما يقتضيه أقوى المناطين ، ومحكوماً بحكم ثالث ان لم يكن أحد المناطين أقوى. فان لم يكن المتعلقان واجدين للمناط في مورد الاجتماع بأن لم يكن شيء منهما ذا ملاك ، أو كان المناط في أحدهما دون الآخر لم يكونا من صغريات مسألة اجتماع الأمر والنهي أصلا ، فيكون مثل العالم الشاعر الّذي هو مورد اجتماع الدليلين وهما «أكرم العلماء» و «لا تكرم الشعراء» أجنبياً عن مسألة الاجتماع ، ومندرجاً في باب التعارض.

(٥) معطوف على «حكم» أي : حكم آخر غير الوجوب والحرمة في

٤١

منهما قيل بالجواز (١) أو الامتناع (٢) ، هذا (٣) بحسب مقام الثبوت.

وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات ، فالروايتان الدالتان على

______________________________________________________

مورد لم يكن لواحد ـ أي شيء من الوجوب والحرمة ـ ملاك. وعلى هذا فقد ذكر المصنف (قده) لعدم اشتمال المتعلقين معاً على المناط صورتين :

إحداهما : اشتمال أحدهما على المناط ، وقد أشار إليها بقوله : «إذا كان له مناطه».

ثانيهما : عدم اشتمال شيء منهما على المناط ، وقد أشار إليها بقوله : «أو حكم آخر غيرهما فيما لم يكن ... إلخ».

(١) لأن القول بالجواز مبني على وجود المقتضي لكل من الحكمين ، فمع عدمه في أحدهما أو كليهما لا مجال للنزاع.

(٢) إذ الامتناع مبني على عدم إمكان الجمع بين ما يقتضيه الملاكان الموجودان في المتعلقين ، ففي فرض عدم الملاكين لا مجال أيضا للامتناع.

(٣) أي : ما ذكرناه من لا بدية واجدية كل من المتعلقين للملاك في مسألة الاجتماع دون التعارض هو الفرق بينهما بحسب مقام الثبوت عند العدلية والمعتزلة القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

فملخص الفرق بين التعارض واجتماع الأمر والنهي بحسب مقام الثبوت هو : أنه لا بد في باب الاجتماع من ثبوت المناط في كل من المتعلقين حتى في مورد الاجتماع ، بخلاف التعارض.

٤٢

الحكمين (١) متعارضتان إذا أحرز أن المناطين من قبيل الثاني (٢) (*) فلا بد من عمل المعارضة حينئذ (٣) بينهما (٤) من الترجيح [أو] والتخيير

______________________________________________________

(١) كالوجوب والحرمة. غرضه : أن علاج الدليلين الدالين على الحكمين الدائر أمرهما بين التزاحم والتعارض يكون باعمال قاعدة التزاحم ، وهي الترجيح بقوة المناط ان أحرز كونه من التزاحم ، وباعمال قواعد التعارض ، وهي الترجيح بالمرجحات المقررة للمتعارضين ان أحرز كونه من التعارض.

وأما إثبات كون المناط من أي القبيلين ، وطريقة معرفته ، فالمتكفل له الأمر التاسع ، فالمائز بين الأمر التاسع وهذا الأمر هو : أن هذا الأمر متكفل لمقام الثبوت ، وأن هناك واقعين ، وهما التزاحم والتعارض ، وأن معالجة الأول في مرحلة الإثبات تكون بشيء ومعالجة الثاني بشيء آخر.

وأما الأمر التاسع ، فهو متكفل بطريق إثبات كل من الواقعين ، وأن إثباتهما بأي شيء يكون ليعالج بعلاجه.

(٢) وهو ما تعرض له بقوله : «واما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك».

(٣) أي : حين عدم اشتمال المتعلقين الا على مناط واحد ، كالإجماع على عدم وجوب صلاتين عند زوال يوم الجمعة.

(٤) أي : بين الروايتين الدالتين على الحكمين ، فلا بد من إعمال قواعد

__________________

(*) لا يخفى أن الوجوه المتصورة في المناطين أربعة ، لأنه اما يعلم بوجودهما في مادة الاجتماع ، واما يعلم بعدمهما ، واما يعلم بوجود واحد منهما في أحدهما المعين أو غير المعين. والأول باب التزاحم ، والأخير باب التعارض ، والوسطان خارجان عن البابين ، كما هو واضح ، وغير محكومين بحكمهما ، إذ مع العلم بوجود المناط في أحدهما المعين كان هو الحجة وغيره ساقطاً عن الاعتبار ، وكذا لا عبرة بشيء من الدليلين الفاقدين للملاك.

٤٣

وإلّا (١) فلا تعارض في البين ، بل (٢) كان من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا ، لكونه أقوى مناطاً (*) ،

______________________________________________________

التعارض بينهما من الترجيح أو التخيير حتى على القول بالجواز في مسألة الاجتماع ، لما عرفت من اعتبار وجود المناط في العنوانين معاً في باب الاجتماع ، فالعلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين لفقدان المناط فيه يوجب خروج مورد الاجتماع عن إطلاق أو عموم أحدهما الموجب للتنافي بينهما من حيث الدلالة.

(١) يعني : وان لم يحرز أنه من قبيل الثاني ، لاحتمال كونه من قبيل الأول ، فلا تعارض بينهما ، لاحتمال صدقهما معاً ، وعدم العلم الإجمالي بكذب أحدهما بشرط عدم العلم بخلوّ كل منهما عن المناط ، إذ يخرج حينئذ عن الأبواب المعهودة كلها. اما عن باب الاجتماع ، فلما مر من اعتبار وجود المناط في كلا العنوانين ، وكذا خروجه عن باب التزاحم.

وأما عن باب التعارض ، فلاعتبار وجود المناط في أحد العنوانين.

(٢) استدراك على عدم التعارض ، توضيحه : أنه إذا لم يحرز من الخارج ـ كإجماع أو غيره ـ أن المورد من قبيل وجود المناط في كليهما أو أحدهما ، فلا يعامل مع الدليلين معاملة التعارض ، بل لا بد من الحكم بكونه من الأول وهو وجود

__________________

(*) هذا مع العلم بقوة المناط ، ومع الجهل بها أو العلم بها والجهل بما هو الأقوى ، فالحكم هو الرجوع إلى أصالة البراءة في الأول ، لأن الجهل بالقوة يوجب الشك في الحكم ، وهو مجرى البراءة ، والرجوع إلى أصالة التخيير في الثاني ، للعلم الإجمالي بالحكم الفعلي ، لا الاخبار العلاجية ، لأن موردها المتعارضان ، ولا تعارض بعد عدم تكفل الدليلين الا للمقتضيين. نعم يرجع إلى أخبار علاج التعارض ان كانا متكفلين للحكمين الفعليين بناء على امتناع الاجتماع ، وبناء على جوازه يؤخذ بكلا الدليلين.

٤٤

فلا مجال حينئذ (١) لملاحظة مرجحات الروايات أصلا (٢) بل لا بد من ملاحظة مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما يأتي الإشارة إليها (٣). نعم (٤) لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي (*) لوقع بينهما التعارض

______________________________________________________

المناط في كلا العنوانين. والوجه في ذلك : أن مقتضى حجية الروايتين معاً حكايتهما عن وجود المناط في كليهما ، لكشف الحكمين اللذين هما مدلولا الروايتين المعتبرتين عن مناطين ، فيقع التزاحم بينهما لا محالة بناء على الامتناع.

(١) أي : حين احتمال وجود المناط في كلا المتعلقين. وذلك لاختصاص أدلة مرجحات الروايات بباب التعارض ، وعدم شمولها لباب التزاحم.

(٢) يعني : لا المرجحات السندية ولا الدلالية ، بل لا بد من إعمال مرجحات باب التزاحم الراجعة إلى الترجيح الملاكي.

(٣) في الأمر الآتي.

(٤) استدراك على ما ذكره من إعمال مرجحات التزاحم ، وحاصله : أنه قد يعامل مع المتزاحمين معاملة التعارض ، وهو فيما إذا كانت الروايتان ظاهرتين في الحكم الفعلي مطلقاً حتى في حال الاجتماع ، فانه بناء على الامتناع يمتنع فعلية الحكمين على طبق مناطيهما ، فلا بد من فعلية أحدهما في مورد الاجتماع

__________________

(*) لا يخفى أن أدلة الأحكام الشرعية لا تدل إلّا على ثبوت الأحكام لموضوعاتها ، وفعليتها منوطة بوجود موضوعاتها خارجاً ، كما هو شأن القضايا الحقيقة التي منها القضايا الشرعية ، فان مثل قوله تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» لا يدل على فعلية وجوب الحج على المستطيع أصلا ، لإناطتها بوجود المستطيع خارجاً ، ومن المعلوم عدم دلالته على فعلية الموضوع ، ولا فعلية الحكم ، فتكفل الدليل للحكم الفعلي مجرد فرض لا وجود له خارجاً الا في القضايا الخارجية.

٤٥

فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق (١) بينهما بحمل (٢) أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة (٣) مرجحات باب المزاحمة فتفطن (٤).

______________________________________________________

للعلم الإجمالي بكذب أحدهما الموجب لتعارض الدليلين ، فيجري عليهما حكم التعارض ان لم يمكن الجمع الدلالي بينهما ، إذ مع إمكانه ينتفي موضوع التعارض ، فلا مجال لإجراء أحكامه ، كما قرر في محله.

ففي المقام إذا أحرزت أهمية أحد المناطين كانت هي قرينة على حمل الحكم الآخر على الاقتضائي ، وصالحة لصرف الدليل الآخر عن ظهوره في الحكم الفعلي إلى الاقتضائي.

فالمتحصل : أن الخبرين الواجدين للمناط وان كانا من المتزاحمين ، لكنه قد يعامل معهما معاملة التعارض إذا كانا متكفلين للحكم الفعلي ، فانه ـ بناء على الامتناع ـ يعلم إجمالا بكذب أحدهما ، فيجري عليهما أحكام التعارض بشرط عدم إمكان الجمع العرفي بينهما ولو بقرينة الأهمية التي هي من مرجحات باب التزاحم.

(١) قيد لقوله : «لوقع بينهما التعارض» يعني : أن التعارض مشروط بعدم إمكان التوفيق العرفي بين الدليلين ، إذ معه ينتفي موضوع التعارض.

(٢) متعلق بـ «يوفق».

(٣) متعلق بـ «حمل» ، يعني : أن الحمل على الاقتضائي يكون بملاحظة مرجحات باب المزاحمة ، ويجوز تعلقه بـ «يوفق» يعني : لو لم يوفق بين الدليلين بملاحظة ... إلخ.

(٤) حتى لا يشتبه عليك الأمر ، وتجري أحكام التعارض على الروايتين

٤٦

(التاسع) (١) (*) أنه [إذ] قد عرفت (٢) أن المعتبر في هذا الباب (٣)

______________________________________________________

الدالتين على الحكمين مطلقاً بناء على الامتناع كما في التقريرات ، وذلك لاختصاص معاملة التعارض بما إذا كان المناط في أحدهما ، إذ لو كان في كليهما يعامل معهما معاملة التزاحم إلّا إذا كانتا حاكيتين عن الحكم الفعلي ولم يمكن الجمع العرفي بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي.

ويحتمل أن يكون قوله : «فتفطن» إشارة إلى : أن الجمع العرفي بين الدليلين منوط بأظهرية أحدهما من الآخر ، وأقوائية أحد المناطين لا توجب الأقوائية من حيث الظهور. لكنه بعيد ، لأن مناط التوفيق العرفي ليس منحصراً بالأظهرية ، بل يكفي في ذلك صلاحية كون أحدهما قرينة على التصرف في الآخر ، لأظهرية ، أو قرينة لفظية ، أو عقلية كمناسبة الحكم للموضوع ، أو غيرها. ولو كان المناط الأظهرية فقط لكان ذو القرينة فيما إذا كان أظهر من القرينة كقوله : «رأيت أسداً يرمي» مقدماً على ظهور القرينة ، وهو كما ترى خلاف ما جرت عليه سيرة أبناء المحاورة في محاوراتهم. وعليه ، فلا مانع من قرينية أقوائية المناط على التصرف في الدليل الآخر بحمله على الحكم الاقتضائي ، فتدبر.

٩ ـ ما يتعلق بدليل الحكمين إثباتاً

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : التعريض بما في التقريرات من ابتناء التعارض على الامتناع ، وعدمه على الجوار مطلقاً ، وأن هذا الإطلاق ليس في محله ، كما سيتضح إن شاء الله تعالى.

(٢) يعني : في الأمر الثامن.

(٣) أي : مسألة الاجتماع ، وقوله : «في حال الاجتماع» بيان للإطلاق.

__________________

(*) لا يخفى أن المناسب بيان هذا الأمر في ذيل الأمر الثامن ، وعدم عقد أمر مستقل له ، لكونه متمماً لمقام الإثبات الّذي تعرض له في الأمر الثامن.

٤٧

أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقاً حتى في حال الاجتماع (*) فلو كان هناك ما دل على ذلك (١) من إجماع أو غيره (٢) فلا إشكال (٣) ، ولو لم يكن الا إطلاق دليلي الحكمين ، ففيه تفصيل (٤) ، وهو : أن الإطلاق لو كان

______________________________________________________

(١) أي : اشتمال كل واحدة من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها على مناط الحكم مطلقاً حتى في حال الاجتماع.

(٢) مما يوجب العلم بالاشتمال المزبور.

(٣) يعني : فلا إشكال في دخوله في مسألة الاجتماع.

(٤) مورد هذا التفصيل ما إذا لم يكن دليل خارجي على ثبوت المناط في في المتعلقين مطلقاً حتى في حال الاجتماع ، وانحصر الدليل في إطلاق دليلي الحكمين.

وتوضيحه : أن الدليلين ان كانا في مقام بيان الحكم الاقتضائي ، كما إذا دل أحدهما على المصلحة والآخر على المفسدة كانا من باب الاجتماع ، لوجود المقتضي في العنوانين معاً ، سواء قلنا بجواز الاجتماع ، لكون تعدد الجهة مجدياً في تعدد المتعلق ، أم لا.

__________________

(*) لكن قد مرّ في بعض التعاليق المرتبطة بالأمر الثامن عدم اختصاص باب اجتماع الأمر والنهي بمذهب العدلية ، بل يجري على جميع المذاهب حتى مذهب الأشعري المنكر للمصالح والمفاسد التي هي مناط الأحكام عند مشهور العدلية. كما أن التعارض لا يناط بوجود الملاك في أحد الحكمين ، لعدم اختصاص أحكام التعارض بذلك ، وجريانه حتى على مذهب المنكرين لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

٤٨

في بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع ، فيكون من هذا الباب (١) ، ولو كان (٢) بصدد الحكم الفعلي ، فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين [للحكمين] على القول بالجواز (٣) إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.

______________________________________________________

وان كان الدليلان متكفلين للحكم الفعلي كما هو الغالب ، فعلى القول بالجواز لا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين ، ومعاملة التزاحم مع الدليلين ، لأن الحكاية عن فعلية الحكمين تستلزم الحكاية عن ثبوت مقتضيهما كما هو واضح. نعم إذا علم من الخارج كذب أحد الدليلين في حكايته عومل معهما معاملة التعارض ، لا التزاحم ، إذ المفروض عدم المقتضي في المتعلقين معاً حتى يندرجا في باب التزاحم.

وعلى القول بالامتناع لا يدلان على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع ، لتنافي الإطلاقين ، فيعامل معهما معاملة التعارض ، إلّا أن يجمع بينهما عرفاً بحمل كل منهما على الحكم الاقتضائي ان كانا متساويين في الظهور ، وإلّا فيحمل خصوص الظاهر منهما على الاقتضائي والأظهر على الفعلي.

(١) يعني : باب الاجتماع ، إذ المفروض ثبوت الملاك في المتعلقين بدلالة الإطلاق.

(٢) يعني : إطلاق دليلي الحكمين ، وهو معطوف على قوله : «لو كان».

(٣) فيدخل في مسألة الاجتماع ، لأن الدلالة على نفس الحكم تستلزم الدلالة على ملاكه بناء على مذهب العدلية من تبعية الأحكام للملاكات.

٤٩

وأما (١) على القول بالامتناع ، فالإطلاقان متنافيان (٢) من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا. فان (٣) انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن أن يكون لأجل انتفائه (٤). [اللهم] إلّا (٥) أن يقال : [ان] قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «على القول بالجواز».

(٢) لوضوح امتناع صدقهما معاً على القول بالامتناع ، ومقتضى هذا التنافي جريان أحكام التعارض عليهما.

(٣) بيان لوجه عدم الدلالة مع تنافي الإطلاقين ، وحاصله : أنه على القول بالامتناع يعلم إجمالا بكذب أحد الدليلين في دلالته على الحكم الفعلي ، لانتفائه في أحدهما كما هو مقتضى القول بالامتناع ، فحينئذ يمكن انتفاء مجرد الفعلية مع وجود المناط في كل منهما ، ويمكن انتفاء المقتضي في أحدهما.

والحاصل : أنه يمكن استناد عدم الفعلية إلى عدم المقتضي ، وإلى وجود المانع ، ولما لم يحرز واحد منهما ، فيشك في اندراج المقام في مسألة الاجتماع.

(٤) أي : المقتضي.

(٥) هذا استثناء من جريان أحكام التعارض على الدليلين الحاكيين عن الحكم الفعلي بناء على الامتناع ، وحاصله : أن إجراء أحكام التعارض في هذه الصورة مبني على عدم إمكان الجمع العرفي بين الدليلين.

وأما مع إمكانه ، فلا تصل النوبة إلى إجرائها ، لانتفاء موضوع التعارض مع إمكان الجمع العرفي كما اتضح في محله. والمراد بالجمع العرفي هنا هو حمل كل من الدليلين على الحكم الاقتضائي مع تساويهما في الظهور ، وهذا مراده

٥٠

أحدهما أظهر (١) ، وإلّا (٢) فخصوص الظاهر منهما (٣).

فتلخص : أنه كلما كانت هناك دلالة (٤) على ثبوت المقتضي في الحكمين كان من مسألة الاجتماع ، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقاً (٥) إذا كانت هناك دلالة (*) على انتفائه (٦)

______________________________________________________

بقوله (قده) : «لو لم يكن أحدهما أظهر». والغرض من التوفيق بينهما بحمل كل منهما على الحكم الاقتضائي هو ثبوت المقتضي لكل من الحكمين ، فنفي الفعلية مستند إلى وجود المانع ، لا إلى عدم المقتضي.

(١) أي : في الدلالة على فعلية الحكم ، فيؤخذ بالأظهر في هذه الدلالة وان كان الآخر أظهر في غيرها.

(٢) يعني : وان كان أحدهما أظهر حمل خصوص الظاهر منهما على الاقتضائي وبقي الأظهر على حجيته في الفعلية.

(٣) هذا الضمير وضمائر «بينهما ومنهما وأحدهما» راجعة إلى الدليلين.

(٤) ولو من الخارج أو إطلاق مادتي الأمر والنهي.

(٥) أي : من غير فرق بين جواز الاجتماع وعدمه ، لما عرفت من توقف مسألة اجتماع الأمر والنهي على ثبوت المقتضي في كل من المتعلقين. وضمير «عليه» في قوله : «دلالة عليه» راجع إلى ثبوت المقتضي.

(٦) أي : على انتفاء المقتضي في أحد الحكمين بلا تعيين ، وحاصله : أنه

__________________

(*) الظاهر كفاية عدم دلالة الدليلين على ثبوت المناط فيهما في جريان أحكام التعارض ، وعدم الحاجة إلى دلالة دليل على انتفائه في أحدهما بلا تعيين في جريان أحكامه ، وذلك لإناطة باب الاجتماع بإحراز المناط في كلا المتعلقين ، فيكفي في جريان حكم التعارض وعدم الاندراج في مسألة الاجتماع عدم

٥١

في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز (١) ، وإلّا (٢) فعلى الامتناع (*).

______________________________________________________

يخرج عن باب الاجتماع ما إذا دل الدليل على انتفاء المقتضي في أحد الحكمين بلا تعيين ، ويندرج في باب التعارض ، لما مر من توقف كونهما من مسألة الاجتماع على إحراز ثبوت المقتضي في كلا الحكمين ، والتقييد بقوله (ره) : «بلا تعيين» لإخراج ما إذا دل على انتفاء الملاك في أحدهما المعين ، فانه يخرج حينئذ عن الاجتماع والتعارض معاً ، للقطع بعدم حجية ما ليس فيه الملاك فيتعين الأخذ بالآخر.

(١) مبين لقوله : «مطلقا» يعني : مع عدم دلالة الدليل على ثبوت المقتضي يندرج في باب التعارض مطلقاً ولو على الجواز.

(٢) أي : وان لم يكن هناك دلالة على انتفاء المقتضي في أحدهما بلا تعيين

__________________

إحراز ثبوت الملاك في كليهما ، من دون حاجة إلى قيام دليل على انتفاء الملاك في أحدهما بلا تعيين. نعم إذا قلنا باعتبار إحراز انتفاء المناط في أحدهما غير المعين في جريان أحكام التعارض كان لما أفاده بقوله : «إذا كانت هناك دلالة» وجه ، فتدبر.

(*) ان كان الدليلان دالين على الحكم الفعلي ، إذ لو كان أحدهما دالا على الحكم الفعلي ، فلا تعارض أيضا ، للزوم الأخذ بما يدل منهما على الحكم الفعلي ، فانه يكشف عن قوة ملاكه ، أو مغلوبية ملاك صاحبه بمزاحم يمنع عن تأثيره ، كما يستكشف ذلك فيما إذا دل الدليلان على الحكم الفعلي بالمرجح السندي. فطريق استكشاف قوة الدلالة أحد أمور ثلاثة بالترتيب :

الأول : اختصاص الدلالة على فعلية الحكم بواحد منهما.

الثاني : أظهرية أحدهما من الآخر في هذه الدلالة مع كون مقتضى الجمع العرفي حمل الآخر على الاقتضائي.

الثالث : قوة أحدهما سنداً.

٥٢

العاشر (١) : أنه لا إشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان

______________________________________________________

كما لم يكن دلالة على ثبوت المقتضي لهما في المجمع ، فهو من باب التعارض على القول بالامتناع ، إذ لا طريق إلى إحراز شرط مسألة الاجتماع وهو ثبوت المناط في المتعلقين.

فتلخص مما ذكره المصنف (قده) في الأمر التاسع الّذي هو متمم الأمر الثامن : أن الدليلين ان كانا في مقام بيان الحكم الاقتضائي ، فهما من باب الاجتماع. وان كانا في مقام بيان الحكم الفعلي ، فان علم بكذب أحدهما غير المعين جرى عليهما حكم التعارض مطلقاً سواء قلنا بالجواز أم الامتناع. وان لم يعلم بكذب أحدهما واحتمل صدقهما معاً ، فعلى القول بالجواز يكونان من باب الاجتماع وعلى القول بالامتناع يعامل معهما معاملة التعارض ، لعدم إحراز ثبوت المناط في كلا المتعلقين ان لم يمكن الجمع العرفي بينهما بحمل كليهما أو أحدهما على الحكم الاقتضائي ، وإلّا فلا تصل النوبة إلى أحكام التعارض.

١٠ ـ ثمرة بحث الاجتماع

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان الثمرة المترتبة على القول بالجواز والامتناع.

وتوضيحها على ما أفاده (قده) : أنه على الجواز يسقط الأمر بإتيان المجمع مطلقاً سواء أكان من العبادات أم المعاملات ، فيكون مطيعاً للأمر وعاصياً للنهي. وكذا يسقط الأمر على الامتناع وترجيح جانب الأمر بدون المعصية ، إذ المفروض سقوط النهي لغلبة الأمر.

وأما على الامتناع وترجيح جانب النهي ، فيسقط الأمر في غير العبادات مطلقاً سواء التفت إلى الحرمة أم لا ، لحصول الغرض الداعي إلى الأمر ،

٥٣

المجمع بداعي (١) الأمر على (٢) الجواز (*) مطلقاً ولو (٣) في العبادات

______________________________________________________

إذ المفروض كونه توصلياً غير منوط بقصد القربة.

وفي العبادات تفصيل يأتي عند تعرض المصنف (قده) له.

(١) متعلق بـ «إتيان».

(٢) يعني : على القول بالجواز.

(٣) بيان للإطلاق.

__________________

(*) لما كان القول بالجواز مبنياً على صغروية مسألة الاجتماع لكبرى التزاحم ، فلا بد من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم ومرجحاته. فان كان الوجوب أهم أو محتمل الأهمية قدم على الحرمة ، ومقتضاه صحة العبادة ، والإتيان بها بداعي أمرها. وكذا الحال إذا كان الوجوب مساوياً للحرمة مع الأخذ بالوجوب دون الحرمة.

وان كانت الحرمة أهم منه ، أو محتمل الأهمية قدمت على الوجوب ، وحينئذ يتوقف صحة العبادة على أحد أمرين.

الأول : القول بالترتب.

الثاني : اشتمال المجمع على الملاك مع الالتزام بكفايته في صحة العبادة.

لكن الأول مما أنكره المصنف (قده) وجعله من المحالات ، فيتعين الثاني.

والإشكال عليه «بعدم طريق إلى إحراز وجود الملاك في المجمع بعد سقوط الأمر عنه بغلبة ملاك النهي عليه ، فكما يحتمل أن يكون سقوطه لوجود المانع ، فكذا يحتمل أن يكون لعدم المقتضي في هذا الحال ، ولا مرجح لأحد الاحتمالين على الآخر ، ضرورة أن طريق إحرازه منحصر بوجود الحكم ، وبعد سقوطه لا سبيل إلى إحرازه» مندفع بأنه خلاف الفرض ، إذ المفروض

٥٤

وان كان [ولو كان] معصية للنهي أيضا (١).

وكذا الحال (٢) على الامتناع (٣) مع ترجيح جانب الأمر (٤) (*) الا

______________________________________________________

(١) يعني : كما يكون إطاعة للأمر.

(٢) يعني : في سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر.

(٣) يعني : على القول بالامتناع وترجيح جانب الأمر.

(٤) بما قيل من الوجوه المرجحة للأمر.

__________________

صغروية مسألة الاجتماع لكبرى التزاحم ، ومن المعلوم وجود الملاك في كل من المتزاحمين ، إذ التزاحم انما يكون في مقام الامتثال. وعدم قدرة العبد على امتثالهما لا يرفع الملاك ، لما قرر في محله من عدم دخل القدرة في الملاكات ، وأنها دخيلة في حسن الخطاب ، لقبح مطالبة العاجز ، فان إنقاذ كل من الغريقين المؤمنين ذو مصلحة قطعاً وان لم يقدر العبد على إنقاذهما معاً.

وبالجملة : فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الملاك في المجمع ، وجواز الإتيان به بداعي ملاكه.

لكن إطلاق قول المصنف (قده) بحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر يقيد بعدم أهمية الحرمة ، أو احتمالها ، وإلّا فيسقط الأمر بحصول الغرض ، لا بالامتثال.

نعم بناء على صحة الترتب يسقط الأمر بالامتثال على الجواز مطلقاً.

وكذا إطلاق قوله : «وان كان معصية للنهي أيضا» ضرورة أن المعصية ـ وهي مخالفة النهي ـ تتوقف على عدم أهمية الواجب أو محتملها ، إذ مع أحدهما لا فعلية للنهي حتى تعد مخالفته عصياناً له ، فلا بد من تقييد إطلاق المعصية للنهي أيضا بما إذا لم يكن الواجب أهم ، أو محتمل الأهمية ، وإلّا فلا معصية.

(*) قد يستشكل في حصول الامتثال على القول بالامتناع مع ترجيح جانب الأمر بما حاصله : «أن مقتضى الأمر بطبيعة حصول الامتثال بإتيان فرد منها

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أي فرد كان ، وهذا بخلاف النهي ، لتوقف امتثاله على ترك جميع أفراد الطبيعة ، لانحلال النهي إلى نواهٍ عديدة بتعدد أفرادها الطولية والعرضية.

والسّر في اختلاف الأمر والنهي في ذلك : أن المصلحة في الأمر قائمة بالطبيعة المتحققة بوجود فرد ما منها ، والمفسدة في النهي

قائمة بالطبيعة أيضا ، لكن الانزجار عن متعلقه لا يتحقق عقلا إلّا بترك جميع الافراد التي انحل خطاب النهي إليها ، فكل فرد بعينه منهي عنه. بخلاف الأمر ، فان كل فرد من أفراد متعلقه مأمور به على البدل.

فعلى القول بالامتناع لا سبيل إلى تقييد جانب النهي ، بل لا بد من تقييد جانب الأمر ، وترجيح جانب النهي عليه وان كانت مصلحة الأمر أقوى من مفسدة النهي ، إذ المصلحة الباعثة على الأمر وان كانت أقوى من المفسدة الداعية إلى النهي ، لكنها تحصل بإتيان فرد ما من متعلقه. بخلاف المفسدة ، فان التحرز عنها لا يحصل إلّا بترك جميع الافراد المشتملة عليها ، فيمكن الجمع بين الغرضين بترك جميع ما يشتمل على المفسدة من الافراد ، والإتيان بفرد خال عن تلك المفسدة من أفراد الطبيعة المأمور بها المشتملة على المصلحة.

وبالجملة : يجب تقييد إطلاق الأمر بالطبيعة بالافراد الخالية عن المفسدة».

هذا ملخص ما في تقريرات بحث سيدنا الفقيه البروجردي قدس‌سره.

لكن فيه : أن ما أفيد خلاف الفرض ، وهو تقديم جانب الأمر على النهي لأقوائية مصلحته من مفسدة النهي ، إذ لا معنى للتقديم الا مغلوبية المفسدة بالمصلحة ، وعدم مانعيتها عن استيفاء مصلحة الأمر بالفرد المشتمل على المفسدة ، وعن تمشي قصد القربة وحصول التقرب به ، من دون مانع عنه ، لا من الفعل ولا من الفاعل.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فما أفاده المصنف (قده) من حصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر على القول بالجواز ، والامتناع مع تقديم جانب الأمر في غاية المتانة.

ولا وجه لدعوى : تعين ترجيح جانب النهي دائماً وان كانت المفسدة الموجودة فيه أضعف بالنسبة إلى مصلحة الأمر ، لأنه خلاف فرض الأقوائية ، وإنكار لها ، كما لا يخفى.

فالمتحصل : حصول الامتثال ، وتحقق القربة بإتيان المجمع حتى مع العلم بالغصب.

نعم ـ بناء على كون مسألة الاجتماع من صغريات التعارض ، واعتبار وجود الملاك في أحد المتعارضين ، وتقديم جانب النهي على الأمر ـ لا محيص عن امتناع الامتثال ، والالتزام ببطلان العبادة في المغصوب مطلقاً حتى مع النسيان والجهل القصوري به ، لعدم المقتضي لصحتها من الملاك والأمر ، وامتناع مصداقية الحرام للواجب.

وأما بناء على اندراج المسألة في باب التزاحم ، فعلى القول بالجواز تصح العبادة مطلقاً حتى في حال العلم بالغصب. وكذا على القول بالامتناع وتقديم جانب الأمر على النهي ، إذ لا مانع من التقرب بالمجمع حينئذ.

وأما بناء على تقديم جانب النهي على الأمر ، فتصح العبادة في المغصوب مع النسيان والجهل القصوري بالحكم أو الموضوع كما اشتهر ، مع ذهاب المشهور ـ على ما قيل ـ إلى الامتناع وتقديم جانب الحرمة ، وذلك لوجود الملاك الموجب لصحة المجمع والتقرب به ، كما لا يخفى.

٥٧

أنه لا معصية عليه (١). وأما عليه (٢) وترجيح جانب النهي ، فيسقط به (٣) الأمر به مطلقاً (٤) في غير العبادات (*). لحصول (٥) الغرض الموجب

______________________________________________________

(١) أي : على الامتناع وترجيح جانب الأمر. والوجه في عدم العصيان حينئذ واضح ، إذ لا نهي بعد مغلوبيته بالأمر.

(٢) أي : على الامتناع وترجيح جانب النهي.

(٣) أي : بإتيان المجمع ، والضمير في «الأمر به» راجع إلى المجمع.

(٤) في مقابل التفصيل الّذي يذكره في العبادات من الالتفات إلى الحرمة وعدمه.

(٥) تعليل لسقوط الأمر في غير العبادات ، توضيحه : أن الغرض الداعي إلى الأمر في غير العبادات ـ لمكان حصوله بنفس إيجاد موضوع الأمر وان لم يكن مأموراً به فعلا ، لأجل التزاحم وترجيح جانب النهي ـ يوجب سقوط الأمر.

__________________

(*) في إطلاقه منع ، فان تكفين الميت بالكفن المغصوب ، وكذا دفنه في المكان المغصوب ، مع كونهما من الواجبات التوصلية لا يسقط أمرهما الا بالتكفين بالكفن المباح والدفن في المكان المباح ، فانه مع النهي لا يكون مصداقاً للمأمور به حتى يسقط الأمر بإتيانه ، فإجزاؤه عن المأمور به يكون من اجزاء غير الواجب عن الواجب ، وهو محتاج إلى الدليل. نعم إذا علم من الخارج أن الغرض من الواجب التوصلي يحصل بوجوده في الخارج ولو على وجه محرم كطهارة البدن والثوب ، حيث ان الغرض من وجوبها يحصل ولو بالماء المغصوب ، ولكن ليس كل واجب توصلي كذلك.

فالنتيجة : أن كل واجب توصلي اجتمع مع الحرام لا يسقط أمره بإتيانه في ضمن فرد محرم ، بل يختص ذلك بما إذا علم من الخارج أن الغرض الداعي إلى إيجابه يحصل بمطلق وجوده ولو في ضمن فرد محرم.

٥٨

له (١).

وأما فيها (٢) فلا مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه (٣) تقصيراً ،

______________________________________________________

(١) أي : للأمر ، فان الغرض علة للأمر حدوثاً وبقاء.

(٢) أي : في العبادات ، فلا يسقط الأمر بإتيان المجمع مع العلم بالحرمة بناء على الامتناع وترجيح جانب النهي ، وتقريبه : أن المكلف تارة يكون عالماً بالحكم والموضوع ، كما إذا علم بأن مكان صلاته مغصوب ، وأن حكم الغصب هو الحرمة ، وفساد الصلاة فيه ، فهو عالم بالموضوع والحكم التكليفي والوضعي ، ولا إشكال في بطلان الصلاة حينئذ ، لكون هذه الصلاة حراماً ومعصية ، ومن المعلوم عدم صلاحية الحرام للعبادية والمقربية ، فالامر المتعلق بطبيعة الصلاة لا يسقط بإتيان المجمع. وقد أشار إلى هذه الصورة بقوله : «فلا مع الالتفات إلى الحرمة».

وأخرى : يكون جاهلا بكل من الحكم والموضوع ، أو بالحكم فقط ، وهو يتصور على وجهين :

أحدهما : أن لا يعذر في جهله ، لكونه عن تقصير.

والآخر : أن يعذر فيه ، لكونه عن قصور.

أما الأول ، فالحكم فيه هو البطلان ، لأن الجهل عن تقصير كالعلم في عدم العذر ، فالفعل حينئذ حرام محض وان فرض تمكنه من قصد القربة لجهله ، إلّا أنه لحرمته لا يصلح لأن يكون مقرباً للعبد إليه سبحانه وتعالى. ومجرد اشتماله على المصلحة لا يجدي في مقربيته ، لأنها مغلوبة بالمفسدة.

وبالجملة : فلا فرق في الحكم بالفساد بين العلم وبين الجهل التقصيري.

وقد أشار إلى هذا القسم بقوله : «أو بدونه تقصيرا».

(٣) يعني : بدون الالتفات إلى الحرمة مع تقصيره في عدم الالتفات.

٥٩

فانه (١) وان كان متمكناً مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها إلّا أنه (٢) مع التقصير (*) لا يصلح لأن يتقرب به أصلا ، فلا يقع

______________________________________________________

(١) يعني : فان غير الملتفت إلى الحرمة ، وغرضه بيان ما يتوهم من الصحة من ناحية قصد القربة ، إذ مع الجهل بالحرمة والمبغوضية يتأتى قصد القربة ، إلّا أن الجهل لما لم يكن عذراً ، لكونه تقصيرياً أسقط الفعل عن صلاحيته للمقربية ، ضرورة أن قصد التقرب بالحرام لا يجعله مقرباً ، بل يكون مبعداً محضاً.

(٢) أي : عدم الالتفات مع التقصير.

__________________

(*) الأولى أن يقال : «التقصيري» لكونه صفة لعدم الالتفات ، فكأنه قيل : «إلّا ان الفعل مع عدم الالتفات التقصيري لا يصلح ... إلخ» هذا إذا رجع ضمير «انه» إلى الفعل. وأما إذا رجع إلى عدم الالتفات ، فحق العبارة أن تكون هكذا : «إلّا أن عدم الالتفات مع التقصير يسقط الفعل عن صلاحيته للمقربية».

«إيقاظ» : قد حكي عن بعض : «جواز الاجتماع في المثال المعروف وهو الصلاة والغصب ، وعدم جوازه في مثل الغصب والوضوء ، أو الغصب والشرب ، معللا ذلك بأن الصلاة في المكان المغصوب توجب تحقق ماهيتين إحداهما الصلاة ، والأخرى الغصب قد انضمتا في هذا العمل الواحد ، بخلاف الوضوء بالماء المغصوب أو شربه ، فان التصرف بالماء المغصوب لا يتصف إلّا بالغصب» انتهى.

ولم يظهر وجه وجيه لهذه التفرقة مع صدق كل من طبيعتي الغصب والوضوء ، وكذا الغصب والشرب على هذا الاستعمال بالضرورة ، وهذا الصدق كاشف عن وجود مطابق لكل من هاتين الطبيعتين في مورد تصادقهما ، إذ لا ريب في صدق كل من الغصب والوضوء ، أو هو مع الشرب على شرب الماء المغصوب أو الوضوء به. ولا بد من مزيد التأمل في هذا الفرق. ولازم ما أفيد القطع

٦٠