منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند إليه باللام (١) والتحقيق (٢) أنه لا يفيده (٣) إلّا فيما اقتضاه المقام (٤) ، لأن (٥) الأصل

______________________________________________________

(١) كقوله : «الإنسان زيد» أو «الرّجل زيد» أو «العالم زيد» ، فان المتبادر من هذا التركيب ـ على ما قيل ـ هو حصر الموضوع على المحمول.

(٢) توضيحه : أن مجرد تعريف المسند إليه باللام لا يفيد الحصر ، لعدم ثبوت وضعه له ، ولا القرينة العامة عليه ، فلا بد في دلالته على الحصر من قيام قرينة خاصة عليه.

(٣) الضمير راجع إلى الحصر ، وضمير «أنه» راجع إلى التعريف باللام.

(٤) يعني : قرينة المقام كـ «الحمد لله» ، فان القرينة المقامية ـ وهي كون الحمد وارداً في مقام الشكر على نعمه وآلائه ـ تقتضي انحصار جنس الحمد به جل وعلا. وحاصل ما أفاده في التحقيق من عدم إفادة تعريف المسند إليه باللام للحصر هو : أن هذه الإفادة اما من ناحية اللام ، واما من ناحية الحمل ، وشيء منهما لا يفيد الحصر. أما الأول ، فلان الأصل في اللام أن يكون لتعريف الجنس ، ومن المعلوم أن الجنس بنفسه لا يفيد الحصر إلّا أن يقوم دليل على كونه بنحو الإطلاق حتى يكون الجنس المطلق منحصراً في فرد ، كانحصار جنس العالم المطلق في زيد في مثال «العالم زيد».

وأما الثاني ، فلان الأصل في القضايا كون الحمل فيها شائعاً ، ومن المعلوم أن ملاكه هو التغاير المفهومي والاتحاد الوجوديّ ، وذلك لا يقتضي الحصر أصلا فقولنا : «الإنسان زيد» حمل متعارف ، لتغاير مفهوميهما واتحادهما وجوداً ، ولا يفيد الحصر قطعاً ، إذ لا يمنع هذا الاتحاد عن اتحاد الإنسان مع غير زيد من سائر أفراده أيضا.

(٥) تعليل لقوله : «لا يفيده» وقد عرفت توضيحه بقولنا : «وحاصل ما أفاده ... إلخ».

٤٤١

في اللام أن تكون لتعريف الجنس ، كما أن الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الّذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود ، فانه (١) الشائع فيها ، لا الحمل الذاتي الّذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم (٢) كما لا يخفى. وحمل شيء على جنس وماهية كذلك (٣) لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به ، وحصرها عليه (٤). نعم (٥)

______________________________________________________

(١) أي : الحمل المتعارف هو الشائع في القضايا المتعارفة.

(٢) كـ «الإنسان حيوان ناطق» ونحوه من حمل الحد التام على المحدود فان الحمل الذاتي يفيد الحصر كما لا يخفى.

(٣) أي : حملا متعارفاً ، كقولك : «الإنسان زيد» ، فان مجرد حمل شيء على ماهية لا يوجب انحصار تلك الماهية في ذلك الشيء ، بعد ما عرفت من كون الأصل في الحمل هو الشائع الّذي لا يفيد الحصر ، لا الحمل الذاتي الّذي ملاكه الاتحاد المفهومي المفيد للحصر.

والحاصل : أنه لا سبيل إلى استفادة الحصر لا من نفس اللام ، لما مر آنفاً من أن الأصل فيه الجنس ، وهو مع الغض عن القرينة لا يفيد الحصر. ولا من الحمل ، لما مر أيضا من أن الأصل فيه هو الشائع الّذي لا يفيد الحصر.

(٤) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى شيء ، وضمير «حصرها» إلى الماهية.

(٥) استدراك على قوله : «والتحقيق أنه لا يفيده». وحاصل الاستدراك : أن تعريف المسند إليه انما يفيد الحصر في ثلاثة موارد :

الأول : أن تقوم قرينة على كون اللام للاستغراق ، فيكون قولنا : «الإنسان زيد» بمنزلة أن يقال : كل فرد من أفراد الإنسان زيد ، فليس للإنسان فرد غير زيد.

٤٤٢

لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق ، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإطلاق (١) ، أو على أن الحمل عليه كان ذاتياً (٢) لأفيد حصر مدخوله (٣) على محموله (٤) واختصاصه (٥) به.

______________________________________________________

الثاني : أن تقوم قرينة على كون مدخول اللام هي الطبيعة المرسلة ، لا المهملة فلا يكون للإنسان في المثال المذكور وجود غير وجود زيد.

الثالث : أن تقوم قرينة على كون الحمل ذاتياً ، فيدل المسند إليه المعرف بلام التعريف على الحصر ، فمع الغض عن القرينة لا يدل بنفسه على الحصر.

(١) الفرق بينهما هو الفرق بين المطلق والعام ، فان الخصوصيات المقومة للافراد غير ملحوظة في المطلق ، وملحوظة في العام.

(٢) هذا هو المورد الثالث ، وقوله : «أخذ بنحو الإرسال» إشارة إلى المورد الثاني ، وقوله : «نعم لو قامت ... إلخ» إشارة إلى المورد الأول وضمير «عليه» راجع إلى الجنس.

(٣) أي : مدخول اللام وهو المسند إليه. فالمتحصل مما أفاده المصنف : أن إفادة المسند إليه المعرف باللام للحصر تتوقف على قرينة خاصة دالة على كون اللام للاستغراق ، أو كون مدخوله الطبيعة المطلقة ، أو كون الحمل أوليا ذاتياً ، فمجرد التعريف باللام لا يقتضي الحصر.

(٤) أي : محمول المسند إليه.

(٥) معطوف على «حصر» ومفسر له ، يعني : لا قيد حصر مدخول اللام ـ وهو المسند إليه ـ في محموله ، واختصاص ذلك المدخول بالمحمول ، نحو «القائم زيد» ، فالقائم في المثال منحصر في زيد ، فليس غيره قائماً ، فضمير «به» راجع إلى المحمول.

٤٤٣

وقد انقدح بذلك (١) الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام ، وما وقع منهم من النقض والإبرام (٢) ، ولا نطيل بذكرها ، فانه بلا طائل ، كما يظهر للمتأمل (*) فتأمل جيداً.

فصل

لا دلالة للقب (٣) (**)

______________________________________________________

(١) أي : بما ذكر من عدم دلالة اللام ، ولا الحمل على الحصر ، لكون الأصل في الأول أن يكون لتعريف الجنس ، وفي الثاني أن يكون شائعاً ، قد ظهر الخلل في كثير من كلمات الاعلام ، حيث انهم أطالوا الكلام في ذلك ، واستدل القائلون منهم بالحصر بالوضع الأفرادي ، وبالحمل ، وقد عرفت مناقشة المصنف في كليهما.

(٢) ان شئت الوقوف على ذلك فراجع التقريرات.

مفهوم اللقب والعدد

(٣) ليس المراد به اللقب الاصطلاحي المشعر بالمدح أو الذم ، بل مطلق

__________________

(*) لا يظهر للمتأمل إلّا أن البحث مع الطائل ، إذ الفائدة اما علمية واما عملية ، وثبوت الأولى واضح. وأما الثانية ، فيمكن أن يكون لقوله : «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله» أثر عملي ، لدلالته حينئذ على عدم دخل شيء في الإسلام غير الشهادتين. بخلاف ما إذا لم يدل على الحصر ، لعدم المنافاة بين دخل الشهادتين وغيرهما في الإسلام.

ثم ان اتفاق البيانيين ، وبناء العرف كافيان في إثبات المفهوم للمسند إليه المعرف باللام ، والأصلان اللذان ذكرهما المصنف في اللام والحمل محكومان بالإجماع والبناء المزبورين.

(**) الظاهر أن اللقب في مقابل الوصف والشرط والزمان والعدد.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التعبير عن الشيء سواء كان اسماً كـ «زيد قائم» ، أم كنية كقولك : «أبو ذر وابن أبي عمير ثقتان» ، أم لقباً كـ «السكوني ضعيف» من غير فرق بين كونه ركناً في الكلام من المبتدأ ، كالأمثلة المتقدمة ، والفاعل كقوله : «قام زيد» ، والخبر كقوله : «عندي درهم» ، وبين عدم كونه ركناً كقوله : «أكرمت زيداً».

وكيف كان ، فقد أفاد المصنف «قده» أنه لا مفهوم للقب ، لأن الحكم الثابت له شخصي ، وانتفاؤه بانتفاء اللقب عقلي ، كالعرض المتقوم بمحله ، فان انتفاءه بانتفاء محله عقلي ، والمناط في المفهوم أن يكون الثابت في المنطوق سنخ الحكم ، حتى يكون انتفاؤه من باب المفهوم ، وحيث لا دلالة للقب على المفهوم ، فلا يدل «زيد قائم» على نفي القيام عن عمرو ، ولا على نفي القعود عن زيد.

__________________

وبعبارة أخرى : اللقب بما هو لقب يبحث فيه عن ثبوت المفهوم له وعدمه ، فلو كان زماناً كقوله : «يوم الجمعة مبارك أو عيد» مثلا صح النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه ، وان بنينا على عدم المفهوم للزمان ، وقد خالف فيهما جماعة ، أما في اللقب ، ففي التقريرات ما حاصله : «ذهب الدقاق والصيرفي وأصحاب أحمد إلى ثبوت المفهوم فيه مستدلين له بلزوم العراء عن الفائدة لو لا المفهوم ، وبأن قول القائل ـ لا أنا بزانٍ ولا أختي زانية ـ رمي للمخاطب ولأُخته بالزنى ، ولذلك أوجبوا عليه الحد أي حد القذف. وفي كليهما ما لا يخفى ، إذ في الأول عدم انحصار الفائدة في المفهوم ، وفي الثاني أن دلالته تكون بقرينة المقام».

وأما في العدد ، فقد نسب إلى جماعة دلالته على المفهوم ، محتجين على ذلك بوجوه ضعيفة لا يهمنا ذكرها. نعم إذا ثبت كون العدد في مقام التحديد بالنسبة إلى الطرفين كان دالا على المفهوم ، كالتسبيحات في صلاة جعفر عليه‌السلام.

٤٤٥

ولا للعدد (١) على المفهوم ، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما (٢) أصلا ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم (٣) ، كما (٤)

______________________________________________________

(١) المراد به ما يعم الواحد ، وان قيل : انه ليس من العدد بناء على تفسيره بكونه نصف مجموع حاشيتيه. وعليه ، فإذا قال : «أكرم واحداً» لا يدل ذلك على عدم وجوب إكرام غيره.

(٢) أي : اللقب والعدد ، وقوله : «وانتفاء» معطوف على المفهوم ومفسر له.

(٣) لما مر في أول المفاهيم من : أن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم لا شخصه.

(٤) يعني : كما أن دلالة العدد على عدم جواز الاقتصار على ما دونه ليست من مفهوم العدد ، بل من جهة عدم كونه ذلك الموضوع المقيد بعدد خاص ، فدلالة قوله : «صم ستين يوماً أو أطعم ستين مسكيناً» على عدم جواز الاقتصار على ما دون الستين انما هي لأجل عدم كونه مأموراً به ، وهذه الدلالة منطوقية لا مفهومية ، فلا يتوهم من هذه الدلالة أن للعدد مفهوماً. هذا بالنسبة إلى النقيصة.

وأما بالإضافة إلى الزيادة ، فان كان العدد في مقام التحديد بالنسبة إلى كلا طرفي الزيادة والنقيصة ، كانت الزيادة كالنقيصة قادحة ، لعدم كونها مأموراً بها فزيادة التسبيحات في صلاة جعفر عليه‌السلام كنقصانها قادحة.

والحاصل : أن التحديد على أقسام ثلاثة : أحدها : أن يكون ناظراً إلى طرفي الزيادة والنقيصة معاً ، كتسبيح الزهراء عليها الصلاة والسلام ، وتسبيحات صلاة جعفر عليه‌السلام ، وقد عرفت قدح كل من الزيادة والنقيصة فيه.

ثانيها : أن يكون ملحوظاً بالنسبة إلى الأقل فقط ، كالعشرة في الإقامة للمسافر والثلاثة في الحيض ، وغيرهما من التحديدات الناظرة إلى الطرف الأقل ، مع عدم لحاظها بشرط لا بالإضافة إلى الزيادة ، فلا يقدح الزيادة في هذا القسم على العدد المقرر ، لأنه تحديد في ناحية الأقل دون الأكثر.

٤٤٦

أن قضية التقييد بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار على ما دونه (١) ، لأنه (٢) ليس بذاك الخاصّ والمقيد. وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به (٣) للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه (٤). نعم (٥) لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلا ، بل ربما كان فيها (٦)

______________________________________________________

ثالثها : أن يكون ناظراً إلى طرف الأكثر فقط ، بحيث يكون العدد بالنسبة إلى الزيادة بشرط لا ، كتحديد الحيض في طرف الكثرة بالعشرة ، فلا مانع من كونه أقل منها ، كأن يكون تسعة أو ثمانية مثلا إلى أن ينتهي إلى ثلاثة أيام.

والمتبع في كل مورد من هذه الأقسام الثلاثة هو ظاهر الدليل.

(١) أي : ما دون العدد المأخوذ في الدليل.

(٢) أي : لأن ما دون ذلك العدد ، وهذا تعليل لعدم كون الدلالة مفهومية ، وقد أوضحناه بقولنا : «بل من جهة عدم كونه ذلك المقيد».

(٣) أي : بالعدد ، وقوله : «وأما الزيادة» إشارة إلى القسم الأول المأخوذ بشرط لا ، فتمتنع الزيادة حينئذ ، لكونها تفويتاً للشرط.

(٤) أي : طرفي العدد وهما الزيادة والنقيصة.

(٥) يعني : قدح الزيادة يختص بما إذا كان التحديد بلحاظ الزيادة أيضا.

وأما إذا كان بالنسبة إلى الطرف الأقل فقط ، فلا ضير في الزيادة. وهذا إشارة إلى القسم الثاني.

(٦) أي : في الزيادة فضيلة وزيادة ، كما إذا كانت من المستحبات النفسيّة ، كزيادة الصلاة على محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين على ألف مرة في يوم الجمعة ، وكذكر الركوع والسجود.

٤٤٧

فضيلة وزيادة ، كما لا يخفى ، وكيف كان (١) فليس عدم الاجتزاء [عدم الاجزاء] بغيره (٢) من جهة دلالته على المفهوم ، بل انما يكون (٣) لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ (٤) في المنطوق ، كما هو معلوم.

المقصد الرابع في العام والخاصّ

فصل

قد عرف العام بتعاريف (٥) ، وقد وقع من الاعلام فيها النقض

______________________________________________________

(١) يعني : والتحديد بالعدد الّذي تضمنه الدليل من أي قسم من الأقسام المتقدمة كان هذا العدد ، لا يكون عدم الاجتزاء بغيره من باب دلالة المفهوم عليه ، بل من جهة عدم الموافقة لما أخذ في المنطوق متعلقاً للحكم. وبعبارة أخرى : عدم الاكتفاء بغير العدد المذكور في الدليل ليس لأجل المفهوم ، بل لعدم انطباق الموضوع المقيد عليه.

(٢) هذا الضمير وضمير «دلالته» راجعان إلى العدد.

(٣) أي : يكون عدم الاجتزاء.

(٤) يعني : ما أخذ موضوعاً للحكم في المنطوق ، فعدم تعلق الحكم بغير ذلك العدد ليس لأجل المفهوم ، بل لعدم انطباق الموضوع لحكم المنطوق عليه.

العام والخاصّ

تحديد العام

(٥) منها : ما عن الغزالي من «أنه اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعداً».

٤٤٨

بعدم الاطراد (١) تارة والانعكاس أخرى (٢) بما لا يليق بالمقام (٣) (*) ،

______________________________________________________

ومنها : ما عن أبي الحسن البصري من «أنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له.

ومنها : أنه ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقاً جزئية أي دفعة لا بدلا ، كما في المنكر.

ومنها : ما عن المحقق في المعارج من «أنه اللفظ الدال على اثنين فصاعداً من غير حصر».

ومنها : ما عن العلامة في النهاية من «أنه اللفظ الواحد المتبادل بالفعل لما هو صالح له بالقوة مع تعدد موارده».

ومنها : ما عن شيخنا البهائي قدس‌سره من «أنه اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه أو جزئياته».

(١) لدخول المثنى والمجموع وأسماء العدد والعمومات المخصصة في التعريف الثاني ، وهو «اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له».

(٢) لخروج جملة من العمومات عن التعريف الثاني المذكور ، كالنكرة في سياق النفي ، والعموم المستفاد من القرينة كمقدمات الحكمة وغيرها. ومن أراد الوقوف على ما يرد على التعريفات من الإشكال طرداً وعكساً فعليه مراجعة المطولات كالفصول.

(٣) وهو تعريف موضوع مسألة أصولية ، فان العام من موضوعات مسائل

__________________

(*) الأولى سوق العبارة بعد قوله : «أخرى» هكذا : «ولا وقع له ، لأنها تعاريف لفظية» حتى يلائم التعليل ـ وهو «فانها» ـ المعلل أعني عدم الواقع للإشكالات الطردية والعكسية ، وهذا واضح جداً.

٤٤٩

فانها (١)

______________________________________________________

علم الأصول ، لا نفس مسائله ، فتعريفه يكون من المبادي التصورية لعلم الأصول دون مسائله ، وحجية ظهوره في العموم تكون من مسائل علم الأصول ، وحيث كان تعريف الموضوع ـ كالعام في المقام ـ من المبادي التصورية ، فالنقض والإبرام فيه لا يناسب الأصولي.

(١) يعني : فان تلك التعاريف تعاريف لفظية. وهذا تعليل لعدم وقع للإشكالات الطردية والعكسية ، وحاصله : أنه لو كانت تلك التعريفات حقيقية كانت الإشكالات في محلها ، لكنها لفظية لا يراد بها الا تعريف الشيء في الجملة ، كتعريف

__________________

وأما استفادة هذا المطلب من عبارة المتن فلا تخلو من الإشكال ، لأنه ان أريد بقوله : «بالمقام» تعريف موضوع المسألة الأصولية ـ كما هو الظاهر ـ فلا بد أن يعلل عدم اللياقة بالمقام بأن تعريف العام داخل في المبادي ، فلا وجه لتعرضه في المسائل فضلا عن إيراد الإشكال الطردي والعكسي عليه.

وان أريد به المسألة الأصولية ، فلا يرتبط به التعليل وهو قوله : «فانها» أيضا ، بل لا بد أن يعلل بعدم المناسبة للنقض الطردي والعكسي في التعريف بعد عدم كون المعرف ـ بالفتح ـ من المسائل الأصولية.

وان أريد به التعريف اللفظي ، ففيه أولا : أنه غير مذكور لا صريحاً ولا حكماً. وثانياً : أن لازمه اتحاد التعليل والمعلل ، لأنه بمنزلة أن يقال : «ان النقض بعدم الاطراد والانعكاس لا يناسب التعريف اللفظي ، لأن التعريف لفظي» بل يناسب أن يعلل بأن التعريف اللفظي ليس جامعاً ومانعاً ، حتى يرد عليه شيء من الإشكالات الطردية والعكسية ، فتأمل في العبارة حقه.

٤٥٠

تعاريف لفظية (*) تقع في جواب السؤال عنه (١) بما الشارحة ، لا واقعة (٢)

______________________________________________________

سعدانة بـ «أنها نبت». وعليه ، فلا مسرح للإشكال على تلك التعريفات بعدم الاطراد والانعكاس أصلا ، لعدم كونها حدوداً حقيقية.

(١) أي : عن العام ، والمراد بـ «ما» الشارحة ـ على ما قيل ـ : ما يقصد به بيان مفهوم اللفظ ، كالسؤال عن معنى سعدانة بقوله : «ما سعدانة» ، فـ «ما» الشارحة متأخرة رتبة عن «هل» البسيطة التي يسأل بها عن كون اللفظ موضوعاً وبعد العلم بوضعه يسأل عن المعنى الموضوع له بـ «ما» الشارحة ، وبعد العلم به يسأل عن حقيقة ذلك المعنى وماهيته بـ «ما» الحقيقية. وعلى هذا ، فالتعريف اللفظي ـ كما عن بعض أهل المعقول ـ مرادف لشرح الاسم ، ومساوق لمطلب «ما» الشارحة ، كما عليه المصنف أيضا في المقام وغيره.

(٢) يعني : لا تقع التعاريف اللفظية في جواب السؤال بما الحقيقية ، إذ المفروض مغايرة مطلب ما الشارحة لما الحقيقية ، والأولى إسقاط كلمة «واقعة» لعدم الحاجة إليها ، حيث ان الكلام يكون هكذا : «فانها تعاريف لفظية تقع في جواب السؤال بما الشارحة ، لا في جواب السؤال بما الحقيقية التي يطلب بها تعقل الماهية بعد التصديق بوجودها». وضمير «عنه» راجع إلى العام.

__________________

(*) لا يخفى أن ظاهر التحديد في كل مقام هو كونه تحديداً حقيقياً للمحدود ، وعلى هذا الظاهر يعتمد المستشكلون على الحدود بالنقض عليها طرداً وعكساً ، فحمل التعريفات على اللفظية ، ودفع الإشكالات الواردة على الحدود بذلك بعيد جداً.

ثم انه قد تكرر من المصنف (قده) حمل التعريفات على اللفظية ، وقد تعرضنا سابقاً لعدم كون التعريف اللفظي مساوقاً لما يقع في جواب «ما» الشارحة ، فلاحظ.

٤٥١

في جواب السؤال عنه بما الحقيقية ، كيف (١) وكان المعنى المركوز منه في الأذهان أوضح مما عرف به (٢) مفهوماً ومصداقاً ، ولذا (٣)

______________________________________________________

(١) غرضه إثبات ما ادعاه من كون التعريفات المذكورة في كتب القوم لفظية. توضيحه : أنه كيف تكون تلك التعريفات حقيقية لا لفظية ، والحال أن المعنى المركوز من العام في الأذهان أوضح من تلك التعريفات ، وهذه الأوضحية تمنع عن كونها حقيقية ، إذ لو كانت حقيقية لزم كونها أجلى من المعرف ـ بالفتح ـ والأمر هنا بالعكس ، فان المعرف ـ أعني ما في الذهن ـ أجلى من المعرف ـ بالكسر ـ أعني هذه التعريفات ، ولو لم يكن الأمر بالعكس لم يكن للإشكال عليها طرداً وعكساً مجال.

وبالجملة : وضوح معنى العام ، وارتكازه في الأذهان يكشف عن عدم كون تلك التعريفات له حقيقة ، بل يدل على كونها لفظية ، إذ لا يعتبر في التعريف اللفظي ما يعتبر في الحقيقي من الأجلائية ، بل يجوز مطلقاً وان كان بأخفى ، كما في تلك التعريفات ، إذ المفروض إخفائيتها من معنى العام المركوز في الأذهان ، فلا بد أن تكون لفظية ، إذ لا مانع من كونها أخفى من المعرف ، أو مساوياً له في الخفاء والظهور.

(٢) الضمير راجع إلى «ما» في قوله : «مما» ، والمراد به التعريفات المذكورة في كتب القوم ، يعني : أن المعنى المركوز في الأذهان أوضح من التعريفات التي عرف العام بها من حيث المفهوم ـ كالاستيعاب ـ ، والمصداق كألفاظ «الكل» و «الجميع» و «القاطبة».

(٣) أي : ولأجل كون معنى العام المركوز في الأذهان أوضح من تعريفات القوم له. وغرضه من هذه العبارة : إثبات كون معنى العموم واضحاً قبل التعريف وعدم توقف العلم به على تعريفاتهم له. توضيحه : أنهم جعلوا صدق ذلك المعنى

٤٥٢

يجعل صدق ذلك المعنى (١) على فرد (*) وعدم صدقه المقياس في الإشكال عليها (٢) بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ، ولا شبهة تعتريه من أحد. والتعريف (٣)

______________________________________________________

المركوز في الأذهان وعدمه على شيء مقياساً للإشكال على تلك التعريفات بعدم الاطراد والانعكاس ، كالإشكال على تعريف الغزالي المزبور بخروج الجمع المضاف والموصول عنه ، لعدم كون شيء منها لفظاً واحداً ، وحاصل الإشكال : صدق معنى العام على هذه الأشياء ، مع أن لازم التعريف المزبور خروجها عنه ، فصدق معنى العام المركوز في الأذهان عليها مقياس للإشكال على هذا التعريف. وكذا الحال في الإشكال على سائر التعاريف ، ومن المعلوم عدم صحة هذا المقياس إلّا بسبق العلم بمعنى العموم على تعريفاته ، وإلّا لزم الدور ، لتوقف العلم بمعنى العموم على التعريف ، وتوقف التعريف على العلم به ، لما عرفت من أن المقياس المزبور متوقف على العلم بمعنى العموم قبل التعريف.

وبالجملة : صحة هذا المقياس تشهد بسبق العلم بمعنى العام على تعريفه. واستغنائه عنه ، فلو عرف بشيء كان التعريف لفظياً ، إذ لو كان حقيقياً كان أجلى لاعتبار كونه أجلى من المعرف. بخلاف التعريف اللفظي ، إذ يجوز أن يكون أخفى أو مساوياً للمحدود في الخفاء والظهور. وعليك بمراجعة الفصول.

(١) أي : المعنى المركوز في الأذهان ، وضمير «صدقه» راجع إلى المعنى.

(٢) الضمير راجع إلى «تعاريف».

(٣) الواو للحالية ، بعد أن أثبت وضوح معنى العام واستغناءه عن التعريف

__________________

(*) الأولى أن يقال : «شيء» بدل «فرد» إذ لا يطلق هذا اللفظ إلّا بعد إحراز فرديته المتوقفة على صدق الكلي عليه ، والمفروض عدم إحرازه بعد.

٤٥٣

لا بد أن يكون بالأجلى كما هو أوضح من أن يخفى ، فالظاهر (١) أن الغرض من تعريفه انما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعاً (*)

______________________________________________________

أوهن تلك التعريفات بعدم كونها حقيقة ، إذ لو كانت حقيقة لكانت أجلى ، مع أن المعرف ـ بالفتح ـ في المقام ، وهو المعنى المرتكز في الأذهان أوضح من تلك المعرفات المذكورة ، وإذاً فهي معرفات لفظية ، كما تقدم.

(١) لما أنكر التعريف الحقيقي ـ لاستغناء معنى العام عنه ـ أمكن أن يتوهم أنه لا داعي حينئذ إلى التعرض لتعريفه بالتعريفات المذكورة في كتب القوم ، فدفع المصنف هذا التوهم بقوله : «فالظاهر» وحاصله : أن الغرض الداعي لهم إلى تعريف العام هو بيان مفهوم جامع بين ما هو من أفراد العام قطعاً التي هي موضوعات لأحكام في مثل قولهم : «إذا خصص العام فهل يكون حجة في الباقي أم لا» ، أو «أن العام المخصص بالمجمل هل يصير مجملا أم لا» ، أو

__________________

(*) لو كان هذا هو الغرض الداعي إلى تعريف العام لفظياً لا حقيقياً حتى لا يقدح كونه أعم من المعرف ـ بالفتح ـ ، فاللازم أن لا يصدق على غير الافراد الموضوعة للأحكام ، مع أن بعض التعاريف يصدق على ما ليس موضوعاً للأحكام. هذا مضافاً إلى أن إنكار الأحكام لنفس العام ، وإثباتها لمصاديقه فقط غير سديد ، لأن بعض الأحكام يترتب على نفس العام ، كالبحث عن أنه هل للعام صيغة تخصه؟ أو أن العام حجة قبل الفحص أم لا؟ وغيرهما من المباحث المتعلقة بعنوان العام.

وإلى أن الإشارة إلى المصاديق ، كما تحصل بالتعريف اللفظي المسمى بشرح الاسم ، كذلك تحصل بالتعريف الحقيقي الشارح للماهية ، ولا مرجح للأول على الثاني لو لم نقل برجحان الثاني عليه.

٤٥٤

بين ما (١) لا شبهة في أنها (٢) أفراد العام ليشار به (٣) إليه في مقام إثبات ما له من الأحكام (٤) ، لا بيان ما هو حقيقته وماهيته ، لعدم (٥) تعلق غرض به (٦) بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الأحكام من (٧) أفراده ومصاديقه ، حيث (٨)

______________________________________________________

«أن العام هل يقدم على المطلق عند التعارض أم لا» ونحوها من الأحكام ليشار بذلك الجامع إلى ما يقع موضوعاً لتلك الأحكام ، لا بيان ما هو حقيقته وماهيته ، لعدم ترتب ثمرة فقهية ولا أصولية على تعريف مفهومه.

وبالجملة : الغرض من تعريف العام بيان عنوان مشير إلى مصاديقه التي أخذت موضوعات لأحكام.

(١) المراد به الافراد ، وضمير «تعريفه» راجع إلى العام ، وضمير «هو» راجع إلى الغرض.

(٢) هذا الضمير راجع «ما» الموصول المراد به الافراد.

(٣) أي : بالمفهوم ، وضميرا «إليه ، له» راجعان إلى «ما» في قوله : «ما لا شبهة».

(٤) بيان لـ «ما» في قوله : «ما له» وضميرا «حقيقته ، ماهيته» راجعان إلى العام.

(٥) تعليل لقوله : «لا بيان حقيقته» ، وحاصل التعليل : أن الغرض لم يتعلق ببيان حقيقة العام ، لعدم ترتب أثر عليها حتى يعرف بالتعريف الحقيقي.

(٦) أي : بما هو حقيقة العام.

(٧) بيان لـ «ما» الموصول ، وضميرا «أفراده ومصاديقه» راجعان إلى العام.

(٨) تعليل لعدم تعلق غرض بما هو حقيقة العام ، يعني : حيث لا يكون العام بمفهومه ... إلخ.

٤٥٥

لا يكون بمفهومه [بمفهوم] العام (*) محلا لحكم من الأحكام (**).

ثم ان الظاهر (١) (***)

______________________________________________________

أقسام العام

(١) غرضه : أن انقسام العام إلى الأقسام الثلاثة المعروفة ـ وهي الاستغراقي والمجموعي والبدلي ـ انما يكون باعتبار الحكم ، لا بلحاظ نفس العام ، نظير الوصف باعتبار المتعلق ، وذلك لأن العام في جميع الأقسام بمعنى واحد ، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح لأن ينطبق عليه ، ومن المعلوم أن هذا المعنى موجود في الثلاثة بوزان واحد من دون تفاوت في نفسه. نعم يتفاوت

__________________

(*) الظاهر استدراكه ، لكفاية قوله : «بمفهومه» في الوفاء بالمقصود الّذي هو : أن العام بنفسه وبعنوانه الموضوعي ليس محلا للأحكام ، بل محلها هي مصاديقه.

(**) قد عرفت في التعليقة السابقة خلافه ، وأن العام بعنوانه الموضوعي لا المشيري موضوع للأحكام ، والبحث عن آثار مصاديقه انما يكون باعتبار مصداقيتها للعام ، وليس باعتبارها في نفسها.

(***) بل الظاهر أن انقسام العام إلى هذه الأقسام الثلاثة انما هو قبل عروض الحكم عليه ، إذ الكلي ان لم يلاحظ مرآتاً لافراده فهو العام المنطقي ، وان لوحظ مرآتاً لها ، فان كان الملحوظ كل واحد منها بنحو الاستقلال كما هو كذلك واقعاً ، إذ فردية كل واحد من الافراد للكلي ليست منوطة بفرد آخر ، فهو عام أصولي استغراقي ، فالملحوظ هو المتكثرات بما هي متكثرات ومستقلات.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك باعتبار الحكم المتعلق به ، إذ قد يلاحظ كل فرد موضوعاً مستقلا للحكم كقوله : «أكرم كل عالم» إذا لوحظ كل فرد من هذا العام موضوعاً مستقلا لوجوب الإكرام ، بحيث لا يرتبط فرد من أفراده بالآخر ، فإذا أكرم بعض العلماء ولم يكرم الآخر فقد أطاع وعصى ، لأن كل فرد من أفراده تحت حكم مستقل ثبوتاً وسقوطاً ، وهذا القسم يسمى بالعامّ الاستغراقي.

وقد يلاحظ مجموع الافراد موضوعاً لحكم واحد ، بحيث يكون كل واحد من الافراد جزءاً من الموضوع ، وتحت حكم ضمني يناط امتثاله بالإتيان بجميع الافراد ، فلو أتى بها الا واحداً لم يتحقق الامتثال ، لكون الأحكام الضمنية متلازمة الثبوت والسقوط ، وهذا القسم يسمى بالعامّ المجموعي ، وهذان القسمان مشتركان في ثبوت الحكم لجميع الافراد.

وقد يلاحظ واحد من الافراد على البدل موضوعاً للحكم ، كما لو قال : «أكرم عالماً» فانه يحصل الامتثال بإكرام واحد من العلماء ، فالملحوظ هنا صرف الوجود من طبيعة العالم. بخلاف القسمين الأولين ، فان الملحوظ فيهما جميع الافراد. وهذا القسم الثالث يسمى بالعامّ البدلي. ولازم العام الاستغراقي حصول الإطاعة بفعل واحد والعصيان بترك الآخر. ولازم العام المجموعي حصول الإطاعة بفعل الجميع ، والعصيان بترك واحد. ولازم العام البدلي حصول الإطاعة بفعل واحد من الافراد ، والعصيان بترك الجميع.

__________________

وان كان الملحوظ تلك المتكثرات لا بما هي متكثرات ، بل بما أنها واحدة اعتباراً بحيث تكون الوحدة ملحوظة معها ، فهو عام مجموعي.

وان كان الملحوظ واحداً من الافراد على البدل بحيث ينتقل النّظر من فرد إلى

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

آخر ، ويكون الملحوظ هذا أو ذاك إلى آخر الافراد ، فهو عام بدلي. ومن المعلوم أن لحاظ المفهوم مرآتاً للافراد بأحد هذه الأنحاء لا يتوقف على لحاظ موضوعيته للحكم ، كيف والموضوع متقدم رتبة على الحكم ، فيمكن بعد جعل الكلي مرآتاً لافراده بأحد الأنحاء المزبورة أن يؤخذ موضوعاً للحكم ، ويمكن أن لا يؤخذ كذلك ، فليس انقسام العام إلى الأقسام المزبورة مترتباً على كيفية تعلق الأحكام به ، كما لا يخفى.

ولا بأس بالتنبيه على أمور :

الأول : أن الأصل في العموم إذا شك في إرادة الاستغراقي وأخويه منه كونه بنحو الاستغراق ، إذ لا يحتاج هو إلى أزيد من جعل المفهوم مرآتاً للحاظ الافراد ، حيث انها متكثرات بالذات ، ومستقلات في نفس الأمر ، وقضية ذلك الاستيعاب. وهذا بخلاف المجموعي ، لاحتياجه إلى اعتبار زائد وهو لحاظ قيد الوحدة في الافراد المتكثرة بالذات. وبخلاف البدلي ، لاحتياجه إلى اعتبار التردد بينها ، ومن المعلوم أنه كسابقه يحتاج إلى مزيد لحاظ وبيان.

الثاني : أن المحكي عن قدماء الأصوليين «أنهم كانوا يقصدون بالعامّ المجموعي كل مركب ذي أجزاء ، ولذا كانوا يمثلون له بمثل الدار ونحوها».

الثالث : أن الخاصّ عند القوم لم يكن مقابلا للعام حتى يكون بينهما تقابل ويختص لفظ به كاختصاص لفظ بالعامّ ، ويسمى الأول بالخاص والثاني بالعامّ.

بل كانوا يريدون بالعامّ العام غير المخصص ، وبالخاص العام المخصص بوصف أو استثناء أو نحوهما». ولا بد من مراجعة كلماتهم في هذين الأمرين.

٤٥٨

أن ما ذكر له من الأقسام من الاستغراقي والمجموعي والبدلي انما هو باختلاف كيفية (*) تعلق الأحكام به (١) ، وإلّا فالعموم في الجميع بمعنى واحد ، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن (*) ينطبق عليه ، غاية الأمر أن تعلق الحكم به (٢) تارة (٣) بنحو يكون كل فرد موضوعاً على حدة للحكم. وأخرى (٤) بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً بحيث لو أخل بإكرام واحد في «أكرم كل فقيه» مثلا لما امتثل أصلا. بخلاف الصورة الأولى (٥) ،

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «له» راجعان إلى العام.

(٢) أي : بالعموم.

(٣) هذا إشارة إلى العام الاستغراقي الّذي تعرضنا له بقولنا : «إذ قد يلاحظ».

(٤) هذا إشارة إلى العام المجموعي الّذي تعرضنا له بقولنا : «وقد يلاحظ مجموع الافراد ... إلخ».

(٥) وهي العام الاستغراقي ، لما مر من أن كل فرد موضوع مستقل للحكم.

__________________

(*) الظاهر أن الصواب دخول اللام على «ان». لأن «يصلح» لازم ، و «أن ينطبق» مفعول له ، فلا بد من تعديته بحرف الجر ، فتكون العبارة بمنزلة أن يقال : «وهو شمول المفهوم لجميع الافراد التي يصلح ذلك المفهوم لأن ينطبق عليها» فتأمل في العبارة.

(*) ان قلت : كيف ذلك ، ولكل واحد منها لفظ غير ما للآخر ، مثل «أي رجل للبدلي ، و «كل رجل للاستغراقي. قلت : نعم ، ولكنه لا يقتضي أن تكون هذه الأقسام له ولو بملاحظة اختلاف كيفية تعلق الأحكام ، لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام الا بهذه الملاحظة ، فتأمل جيداً.

٤٥٩

فانه أطاع وعصى (١).

وثالثة (٢) بنحو يكون كل واحد موضوعاً على البدل بحيث لو أكرم واحداً منهم لقد أطاع وامتثل ، كما يظهر لمن أمعن النّظر وتأمل (*).

وقد انقدح (٣)

______________________________________________________

(١) الإطاعة بالنسبة إلى الفرد الّذي أتى به ، والعصيان بالنسبة إلى ترك الفرد الآخر.

(٢) هذا إشارة إلى العام البدلي الّذي تعرضنا له بقولنا : «وقد يلاحظ كل واحد ... إلخ».

(٣) يعني : قد اتضح من قوله : «وإلّا فالعموم في الجميع بمعنى واحد وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح ... إلخ» وغرضه الإشارة إلى وجه خروج أسماء الاعداد كعشرة ومائة ونحوهما من أفراد العام ، توضيحه : أن ضابط فردية شيء للعام هو صدق العام بما له من المفهوم على ذلك الشيء. وان شئت فقل : ان العام عبارة عما يكون بمفهومه صالحاً للانطباق على كل واحد من الآحاد المندرجة تحته ، وهذا مفقود في أسماء الاعداد ، ضرورة أن العشرة بما لها من المفهوم لا تنطبق على كل واحد من آحادها ، بل تنطبق على مجموعها ، فلا يصح أن يقال : الواحد عشرة ، بخلاف الإنسان مثلا ، فانه بما له من المفهوم يصدق على زيد وعمرو وغيرهما ، فيصح أن يقال : زيد أو عمرو أو بكر إنسان.

__________________

(*) لا يخفى أنه ان كان محل البحث ظهور العموم بالوضع أو القرينة العامة في الأقسام الثلاثة ، فمرجع البحث حينئذ إلى تعيين المعنى الأفرادي المتقدم رتبة على المعنى التركيبي ، وحينئذ لا يلاحظ الحكم أصلا ، حتى تكون الاستغراقية وأخواتها تابعة له. وان كان مورد البحث المعنى التركيبي كانت الاستغراقية وأخواتها تابعة للحكم. والظاهر الأول ، إذ العموم كالإطلاق يبحث في معناهما الأفرادي ، لا التركيبي.

٤٦٠