منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

النزاع (١) ، ومورداً للنقض والإبرام. ولا ينافي ذلك (٢) ما قيل : من أن الأصل في القيد أن يكون احترازياً ، لأن (٣) الاحترازية لا توجب

______________________________________________________

يكون علة تامة للحكم ، وعدم ثبوته للوصف الّذي لا يكون كذلك ، وملخص الرد : أن ما ذكره العلامة «قده» ليس تفصيلا في محل البحث ، وهو دلالة الوصف في نفسه على المفهوم ، فان دلالته عليه بالقرينة خارجة عن محل البحث لعدم استناد هذه الدلالة إلى الوصف من حيث هو.

(١) وهو دلالة الوصف بنفسه على المفهوم.

(٢) أي : عدم المفهوم للوصف. وهذا رابع الوجوه الدالة على المفهوم وحاصله : أن الأصل في القيد الاحترازية التي لازمها انتفاء الحكم بانتفائه ، فإذا قال : «وقفت هذه المدرسة مثلا على طلاب العلم المتهجدين» كان التهجد قيداً ، فإذا ترك الطالب التهجد خرج عن دائرة الموقوف عليهم ، فترك التهجد الّذي هو قيد يوجب انتفاء الوقف ، ولا نعني بالمفهوم الا انتفاء الحكم بانتفاء القيد.

(٣) تعليل لعدم منافاة الاحترازية لما ذكر من عدم المفهوم للوصف. توضيحه : أن احترازية القيد لا تدل على ثبوت المفهوم للوصف ، لأن مقتضى الاحترازية تضيق دائرة الموضوع ، ومن المعلوم أن انتفاء قيد الموضوع كانتفاء تمامه في ارتفاع شخص الحكم الثابت للموضوع ، وقد مر سابقاً : أن المفهوم ليس انتفاء شخص الحكم ، لأن ارتفاعه عقلي ، وليس مرتبطاً بالمفهوم ودلالة اللفظ عليه ، حيث ان الحكم المنفي في المفهوم هو السنخ ، لا الشخص ، والمنفي بانتفاء القيد هو الشخص لا السنخ ، فانتفاء الحكم بانتفاء القيد أجنبي عن باب المفهوم.

٤٠١

إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان (١) بهذا [هذا] الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق بين أن يقال : جئني بإنسان أو بحيوان ناطق (٢) ، كما أنه (٣) لا يلزم في حمل [من حمل] المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه (٤) الا ذلك (٥) ، من دون حاجة فيه (٦) إلى دلالته

______________________________________________________

(١) أي التضيق ، يعني : أن القيد يوجب تضيق دائرة موضوع الحكم ، مثل ما إذا حصل هذا الضيق بلفظ واحد ، كقوله : «جئني بإنسان» الّذي هو من قبيل اللقب المسلم عدم دلالته على المفهوم ، فلا فرق بين هذا التعبير المشتمل على لفظ واحد وهو «إنسان» وبين قوله : «جئني بحيوان ناطق» المشتمل على لفظين. وغرضه أن ذكر القيد وعدمه سيان بالنسبة إلى ضيق دائرة الموضوع وعدم كون انتفاء الحكم بانتفائه من المفهوم المبحوث عنه.

(٢) هذا مثال لحصول ضيق دائرة الموضوع بلفظين ، وقوله : «جئني بإنسان» مثال لحصول الضيق بلفظ واحد.

(٣) الضمير للشأن ، وغرضه بيان وجه آخر لدلالة الوصف على المفهوم وهو منسوب إلى شيخنا البهائي «قده» وحاصله : أن حمل المطلق على المقيد يشهد بثبوت المفهوم للوصف ، وتوضيحه : أنه إذا قال : «أعتق رقبة» كان مقتضاه اجزاء كل رقبة وان كانت كافرة ، وإذا قال : «أعتق رقبة مؤمنة» كان مفهومه عدم اجزاء الرقبة ان كانت كافرة ، وهذا المفهوم يقيد إطلاق الرقبة ، فلو لم يكن للوصف مفهوم لم يحصل التنافي الموجب لحمل المطلق على المقيد.

(٤) أي : شرائط حمل المطلق على المقيد.

(٥) أي : تضيق دائرة الموضوع الّذي يقتضيه التقييد.

(٦) أي : في الحمل إلى دلالة القيد على المفهوم ، فضمير «دلالته» راجع

٤٠٢

على المفهوم ، فان (١) من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلّا أن المراد بالمطلق هو المقيد (٢) ،

______________________________________________________

إلى القيد ، وهذا جواب عن الوجه المزبور المنسوب إلى شيخنا البهائي «قده». وحاصله : أن حمل المطلق على المقيد ليس لأجل دلالة الوصف على المفهوم بل لأجل كون المطلوب صرف الوجود من الطبيعة ، لا مطلق الوجود ، فدليل التقييد قرينة على المراد ، وأن موضوع الحكم ليس مطلقاً ، بل هو مقيد بقيد الإيمان في المثال المزبور ، فبانتفاء القيد ينتفي شخص الحكم عن موضوعه ، وقد مر أن انتفاءه عن موضوعه عقلي ، وأجنبي عن المفهوم الّذي هو انتفاء سنخ الحكم ، فالتنافي بين المطلق والمقيد الموجب للتقييد ناشٍ عن كون الموضوع صرف الوجود المنطبق على أول الوجود سواء كان مؤمناً أم كافراً على ما يقتضيه الأمر بالمطلق كالرقبة. ودليل القيد يدل على تقيد المطلق بقيد بحيث لا يسقط الأمر بفاقد القيد.

فوجه حمل المطلق على المقيد هو تضيق دائرة الموضوع ، ومطلوبية صرف الوجود الواجد للقيد ، فالفاقد له غير محكوم بحكم الواجد ، لعدم كونه موضوعاً فانتفاء الحكم عن الفاقد أجنبي عن المفهوم.

فالنتيجة : أن باب تقييد الإطلاقات أجنبي عن مفهوم الوصف ، وليس دليلا على ثبوت المفهوم للوصف.

(١) هذا تقريب الجواب الّذي أوضحناه بقولنا : «وحاصله : ان حمل المطلق على المقيد ... إلخ».

(٢) يعني : أن القيد يكون جزء الموضوع ، بحيث يصير دليل القيد قرينة على المراد ، وهو كون الموضوع مركباً من الرقبة والإيمان في المثال ، ومن

٤٠٣

وكأنه لا يكون في البين غيره (١) ، بل ربما قيل (٢) انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، فان (٣) ظهوره فيه (٤) ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل (٥) عليه لو لم نقل بأنه الأقوى ، لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

المعلوم أن انتفاء جزء الموضوع أو قيده يوجب انتفاء شخص الحكم القائم به لا السنخ الّذي هو قوام المفهوم.

(١) أي : غير المقيد ، وضمير «كأنه» للشأن.

(٢) هذا كلام التقريرات ، وحاصله : أن حمل المطلق على المقيد لو كان لأجل مفهوم الوصف ، لزم من ذلك عدم صحة الحمل المزبور ، وذلك لأن الدلالة المفهومية ليست بأقوى من الدلالة المنطوقية لو لم نقل بأقوائيتها من الدلالة المفهومية ، وحيث ان مقتضى المنطوق عدم اعتبار الإيمان في الموضوع ، واجزاء عتق الرقبة الكافرة ، وجب تقديمه ، لأظهريته على مفهوم القيد ، فان تقديم الأظهر على الظاهر مما استقر عليه بناء أبناء المحاورة.

والحاصل : أن البناء على ثبوت المفهوم للوصف يقتضي تقديم المطلق على مفهوم المقيد ، والاجتزاء بعتق الكافرة ، ولا أقل من تعارضهما وتساقطهما. وكيف كان ، فلا وجه للحمل المزبور.

(٣) هذا تعليل لقوله : «لا وجه للحمل» وقد عرفت تقريبه بقولنا : «وذلك لأن الدلالة المنطوقية أقوى من الدلالة المفهومية».

(٤) أي : في المفهوم ، وضمير «ظهوره» راجع إلى المقيد.

(٥) يعني : كي يحمل المطلق على المقيد لو لم نقل بأن ظهور المطلق أقوى لكونه بالمنطوق ، وضميرا «بأنه ولكونه» راجعان إلى ظهور المطلق.

٤٠٤

وأما الاستدلال على ذلك (١) ـ أي عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية «وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ» ففيه (٢) أن الاستعمال في غيره

______________________________________________________

(١) تقريب الاستدلال بالآية الشريفة على عدم المفهوم للوصف : أنه لو كان للوصف مفهوم لزم عدم حرمة الربيبة التي لا تكون في حجر الزوج ، وهو كما ترى ، إذ لا خلاف في حرمة الربيبة بين كونها في الحجر وعدمه ، فلا مفهوم للوصف.

(٢) أورد المصنف «قده» على هذا الاستدلال بوجهين :

الأول : أن حرمة الربيبة مطلقاً وان لم تكن في حجر زوج أمها ليست لعدم المفهوم للوصف ، بل لأجل قرينة خارجية (*) ، ومن المعلوم أن موارد القرينة على ثبوت المفهوم للوصف أو نفيه عنه خارجة عن حريم النزاع الّذي هو دلالة الوصف بنفسه على المفهوم ، وعدمها عليه ، فالقائل بالمفهوم لا ينكر عدم المفهوم

__________________

(*) وهي النصوص الدالة على حرمة الربيبة مطلقاً وان لم تكن في الحجر ، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له جارية ، وكان يأتيها ، فباعها ، فأعتقت وتزوجت فولدت ابنة ، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول ، قال : هي عليه حرام» ، وزاد في طريق آخر «وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء» (١) ، وغير ذلك من الروايات الدالة على هذا الحكم.

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ، الباب ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، رواه الفقيه بإسناده الصحيح عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم. ورواه أيضا بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب وفضالة بن أيوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم. والرواية صحيحة.

٤٠٥

أحياناً مع القرينة مما لا يكاد ينكر ، كما في الآية قطعاً (١).

مع (٢) أنه يعتبر في دلالته (٣) عليه عند القائل بالدلالة أن (٤) لا يكون

______________________________________________________

لأجل القرينة ، كما أن المنكر له يعترف به لأجل القرينة أيضا. وضمير «غيره» راجع إلى المفهوم.

(١) حيث ان الوصف فيها ـ وهو كون الربيبة في الحجر ـ استعمل في عدم إرادة المفهوم قطعاً ، لكن مجرد الاستعمال لا يدل على الحقيقة ، لكونه أعم منها.

(٢) هذا ثاني وجهي الإيراد على الاستدلال بالآية الشريفة ، وحاصله : أن من شرائط ثبوت المفهوم للوصف عدم ورود القيد مورد الغالب ، إذ لا بد في دلالة الوصف على المفهوم من دلالته على أنه علة منحصرة لترتب الحكم على الموصوف ، وكون الوصف علة منحصرة له يتصور فيما إذا كان للموصوف قد يتصف بوصف ، وقد لا يتصف به حتى يكون ترتب الحكم عليه ـ حال اتصافه بذلك الوصف دون حال عدم اتصافه به ـ دليلا على كون وجوده في الموصوف علة منحصرة لترتب الحكم عليه ، فيثبت له المفهوم بذلك. أما إذا كان الموصوف حالة واحدة ، وهي حالة وجود الوصف فيه ، لانتفاء حالة عدم اتصافه به ، أو لكون عدم اتصافه به نادراً ملحقاً بالعدم ، كما في المقام ، فلا يكون ترتب الحكم على الموصوف حالة اتصافه بالوصف دليلا على أن اتصافه به علة لترتب الحكم عليه ، إذ المفروض أن الوصف ثابت له ترتب الحكم عليه أم لا ، فلا يكون الوصف حينئذ علة منحصرة لثبوت الحكم للموصوف ، فلا دلالة للوصف على المفهوم.

فالنتيجة : أن الوصف الغالبي لا يدل على المفهوم.

(٣) أي : دلالة الوصف على المفهوم عند القائل بدلالته عليه ، فضمير «عليه» راجع إلى المفهوم.

(٤) هذا مؤول بالمصدر ونائب عن فاعل «يعتبر».

٤٠٦

وارداً مورد الغالب كما في الآية (١) ، ووجه الاعتبار (٢) واضح ، لعدم دلالته (٣) معه على الاختصاص (*) وبدونها (٤) لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم ، فافهم (٥).

تذنيب (٦)

______________________________________________________

(١) قيد للمنفي ، إذ لا ريب في ورود «فِي حُجُورِكُمْ» مورد الغالب.

(٢) أي : اعتبار عدم كون الوصف وارداً مورد الغالب.

(٣) أي : لعدم دلالة الوصف ـ مع وروده مورد الغالب ـ على اختصاص علة الحكم بالوصف.

(٤) يعني : وبدون الدلالة على الاختصاص المزبور لا يدل الوصف على المفهوم.

(٥) لعله إشارة إلى ما في تقريرات شيخنا الأعظم «قده» من : أن عدم دلالة القيد الوارد مورد الغالب على المفهوم انما يتم لو كان الوجه في دلالة الوصف على المفهوم لزوم اللغوية ، أو القول بأن أصالة الحقيقة حجة إذا كانت مفيدة للظن. وأما على القول بالدلالة الوضعيّة ، والبناء على حجية أصالة الحقيقة مطلقاً ـ ولو مع عدم الظن ـ فلا وجه له.

تحرير محل النزاع

(٦) الغرض من عقده تحرير محل النزاع ، والتنبيه على وجه ما عن الشافعية :

__________________

(*) وإلى هذا يرجع ما في التقريرات من قوله : «وعلله الرازي على ما حكي بأن الباعث على التخصيص هو العادة ، فان الربيب غالباً يكون في الحجور ، وإذا احتمل أن يكون ذلك هو الوجه في التخصيص لم يغلب على الظن أن سببه نفي الحكم عما عداه ، وتبعه في ذلك جماعة».

٤٠٧

لا يخفى أنه لا شبهة (١) في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف (٢).

______________________________________________________

من عدم وجوب الزكاة في معلوفة الإبل كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وتوضيح الكلام في هذا التذنيب : أن الوصف لا يخلو من أربعة أقسام :

أحدها : ان يكون مساوياً لموصوفه ، كالإنسان الضاحك أو المتعجب.

ثانيها : أن يكون أعم من موصوفه ، كالإنسان الماشي.

ثالثها : أن يكون أخص منه مطلقاً ، كالإنسان العالم.

رابعها : أن يكون أخص منه من وجه ، كالرجل العادل ، وهذا أيضا على قسمين ، فانه قد يكون الافتراق من جانب الموصوف ، كالرجل بدون العدالة وقد يكون من جانب الوصف كالعدالة بدون الرّجل فمجموع الأقسام خمسة.

(١) لأن المفهوم المخالف نقيض المنطوق ، والتقابل بينهما تقابل النقيضين الا في الاتحاد في الوصف ، أو الشرط أو نحوهما ، فان المنطوق حكم في حال الشرط أو الوصف أو غيرهما ، والمفهوم عدم الحكم في غير حال الوصف والشرط ونحوهما. ففي مورد افتراق الموصوف عن الوصف بالفرد الفاقد له لا مانع عن البحث في الدلالة على انتفاء الحكم عن ذلك الفرد الفاقد له الّذي هو المفهوم.

(٢) بأن يكون الموصوف موجوداً بدون الوصف ، كالرجل بدون العلم.

وقد أشار بقوله : «لا شبهة في جريان النزاع ... إلى قوله : من جانب الموصوف» إلى أن النزاع يجري في قسمين من الأقسام الخمسة المتقدمة :

أولهما : كون الوصف أخص مطلقاً من الموصوف ، كالعالم بالنسبة إلى الإنسان ، فان الوصف ـ وهو العلم ـ ينتفي مع بقاء الموصوف أعني الإنسان.

٤٠٨

وأما في غيره (١) ، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه (٢) وان كان يظهر مما عن بعض الشافعية ، حيث قال : «قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل» جريانه (٣)

______________________________________________________

ثانيهما : كون الوصف أخص من وجه من الموصوف ، مع كون الافتراق من جانب الموصوف كالرجل العادل ، والمراد بالافتراق من جانب الموصوف بقاؤه مع انتفاء الوصف كما في المثال ، فان العدالة تنتفي مع بقاء الموصوف وهو الرّجل. والضابط في ثبوت المفهوم للوصف انتفاؤه مع بقاء الموصوف.

(١) وهو مورد افتراق كل من الصفة والموصوف بحيث لا يصدق عليه واحد منهما ، كالإبل المعلوفة في قوله : «في الغنم السائمة زكاة» حيث ان كلّا من الوصف والموصوف ـ وهما الغنم والسوم ـ مفقود في معلوفة الإبل ، ولا يصدق عليها واحد منهما.

(٢) أي : نزاع مفهوم الوصف ، كما يظهر من جماعة على ما في التقريرات.

والوجه في عدم الجريان : أن المفهوم ـ كما تقدم ـ نقيض المنطوق ، ويعتبر في التناقض اتحاد المتناقضين في أمور أحدها الموضوع ، كقولنا : «زيد عالم وليس بعالم» ومن المعلوم عدم كون معلوفة الإبل مفهوم قولنا : «في الغنم السائمة زكاة» لاختلاف الموضوع ، فان موضوع وجوب الزكاة هو الغنم السائمة ، وهذا الوجوب لم يرتفع عن الغنم حتى يتحد الموضوع في المنطوق والمفهوم ، كي يتحقق التناقض ، بل رفع عن الإبل. واختلاف الموضوع من أشد أنحاء عدم المطابقة ، كما في التقريرات.

(٣) أي : جريان نزاع مفهوم الوصف في مورد افتراق الوصف والموصوف معاً.

٤٠٩

فيه (١). ولعل وجهه (٢) استفادة العلية المنحصرة (*) منه (٣). وعليه (٤) فيجري

______________________________________________________

(١) أي : في غير الوصف الأخص من موصوفه ولو من وجه في مورد الافتراق من الموصوف ، والمراد بالغير كما مر : صورة افتراق كل من الصفة والموصوف.

(٢) أي : وجه جريان نزاع مفهوم الوصف في مورد الافتراق المزبور هو استفادة العلية المنحصرة من الوصف كالسوم في المثال ، فينتفي وجوب الزكاة عن معلوفة الإبل وغيرها من الأنعام التي ليست بسائمة ، إذ المفروض كون السوم علة منحصرة لسنخ الوجوب. قال في التقريرات : «نعم يتم ذلك ـ أي جريان النزاع ـ فيما لو قلنا بأن الوصف علة مستقلة كما في منصوص العلة ، فيخرج بذلك عن مفهوم الوصف».

(٣) أي : من الوصف.

(٤) أي : وعلى هذا الوجه فيجري النزاع أيضا في الوصف المساوي كالضاحك بالنسبة إلى الإنسان ، والأعم مطلقاً كالماشي بالنسبة إليه ، لأن استفادة انحصار العلة في الوصف لا تناط بعدم تساويه أو عدم أعميته ، فمع كون الوصف علة تامة منحصرة ـ من دون لحاظ قيامها بموضوع خاص ـ يدور الحكم مداره وجوداً وعدماً ، فحينئذ إذا كانت الصفة أعم من الموصوف ، كالمشي بالنسبة

__________________

(*) بحيث لا يكون للموصوف دخل في الحكم حتى يدور الحكم مدار الوصف وجوداً وعدماً ، إذ لو كان الوصف علة منحصرة لثبوت الحكم للموصوف كان مفهومه انتفاء الحكم عن الموصوف ، لا عن غيره ، كمعلوفة الإبل في المثال ، فما ذكر وجهاً لما عن بعض الشافعية ـ وان كان في نفسه وجيهاً ـ لكنه أجنبي عن المفهوم المبحوث عنه ، وهو زوال سنخ الحكم عن الموصوف بانتفاء الوصف.

٤١٠

فيما كان الوصف مساوياً أو أعم مطلقاً أيضا (١) ، فيدل (٢) على انتفاء

______________________________________________________

إلى الإنسان ، أو أخص منه كالعلم بالنسبة إليه ، أو مساوياً له ، كالتعجب ، فلا محالة تدل على انتفاء الحكم بانتفائها ولو في غير موصوفها ، إذ المفروض عدم اعتبار موصوف خاص في اعتبار المفهوم. فباعتبار هذا المفهوم لا فرق بين أقسام الوصف ، وباعتبار المفهوم الّذي هو محل النزاع يختص بما إذا كان الوصف أخص من الموصوف مطلقاً كالإنسان العالم ، أو من وجه كالرجل العادل.

فالمتحصل : أنه إذا أمكن دلالة قوله : «في الغنم السائمة زكاة» على عدم الزكاة في معلوفة الإبل ، لجاز دلالة «جاءني الإنسان الضاحك» على انتفاء الحكم عن الفرس والبقر ، ولأمكن دلالة «رأيت الإنسان الماشي»على انتفاء الحكم عن الشجر والجبل (*)

(١) يعني : كجريان النزاع في الوصف الأخص من وجه من موصوفه مع الافتراق وصفاً وموصوفاً ، كما سمعته من بعض الشافعية في معلوفة الإبل ، حيث ان كلا من الصفة والموصوف ـ وهما الغنم والسوم ـ مفقود في الإبل المعلوفة.

(٢) يعني : فيدل الوصف المساوي أو الأعم على انتفاء سنخ الحكم عن غير الموصوف من الموضوعات المباينة للموصوف عند انتفائه ، لفرض عليته التامة.

__________________

(*) اللهم إلّا أن يقال بما قيل : من الفرق بين صورة العموم من وجه ، وبين صورتي تساوي الوصف وأعميته مطلقاً من الموصوف ، بأنه في الأولى يوجد ذات يمكن ثبوت الوصف لها وانتفاؤه عنها ، كالإبل في قولنا : «في الغنم السائمة زكاة» بخلاف صورتي التساوي ، وأعمية الوصف مطلقاً من الموصوف ، إذ لا يصح ثبوت الوصف للفرس والبقر حتى ينفي عنهما ، وكذا المشي عن الشجر والجبل في قولنا : «رأيت الإنسان الماشي» وإلّا يلزم خلاف الفرض.

٤١١

سنخ الحكم عند انتفائه ، فلا وجه في التفصيل بينهما (١) وبين ما إذا كان أخص من وجه فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف (*)

______________________________________________________

(١) أي : بين الوصف المساوي والأعم ، وبين ما هو داخل في محل النزاع قطعاً من الوصف الأخص من وجه ، مع الافتراق من جانب الوصف «كالرجل العادل» إذا افترق وصف العدالة عنه مع بقاء الموصوف ، وقوله : «فلا وجه» متفرع على كون الوصف علة تامة للحكم من دون دخل للموصوف فيه.

__________________

(*) كما عبر به في التقريرات أيضا ، حيث قال : «وعلى الثالث ـ وهو كون الوصف أخص من وجه من الموصوف كالغنم السائمة ـ فهل يجري فيه النزاع بالنسبة إلى مورد الافتراق من جانب الوصف كما يظهر من بعض الشافعية ، حيث قال : ان قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل أو لا يجري ، كما يظهر من جماعة ، الظاهر هو الثاني».

ثم ان الظاهر أن قوله : «فلا وجه» تعريض بالتقريرات ، حيث انه فصل بين الوصف المساوي والأعم ، وبين الوصف الأخص من وجه ، بعدم جريان النزاع في الأولين ، وجريانه في الثالث ، واستظهار جريانه فيه من بعض الشافعية. وأورد عليه المصنف بعدم الوجه في هذا التفصيل ، لأنه مع البناء على فهم انحصار العلية من الوصف ، فلا بد من الالتزام بالمفهوم في الجميع ، ومع البناء على عدمه ، فلا بد من الإنكار في الجميع ، فلا وجه للتفصيل بين الأعم والمساوي ، وبين الأخص من وجه.

لكنك بعد مراجعة التقريرات يظهر لك : أن صاحب التقريرات لم يفصل بينهما ، وأن تعريض المصنف في غير محله ، لأنه صرح بعدم وقوع هذه التفاصيل في محله ، حيث قال (ره) : «فالتفصيل بين هذه المقامات غير واقع في محله».

٤١٢

بأنه (١)

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «التفصيل». ومحصل التفصيل المنسوب إلى التقريرات : عدم جريان النزاع في الوصف المساوي والأعم ، لانتفاء الموضوع فيهما بانتفاء الوصف ، وإمكان جريانه في الوصف الأخص من وجه من موصوفه ، مع الافتراق من جانب الموصوف بمعنى انتفائه ، وبقاء الوصف ، كالسوم الّذي هو أخص من وجه من الغنم ، واختيار بعض الشافعية لجريانه فيه ، لذهابه إلى عدم وجوب الزكاة ، مع الافتراق من الجانبين كما في معلوفة الإبل.

__________________

نعم ذهب أولا إلى عدم الجريان في قسمين ، وهما تساوي الوصف للموصوف وأعميته منه ، وأخر بيان عدم الجريان في الثالث ـ وهو أخصية الوصف من وجه من الموصوف كالغنم السائمة ـ لكونه قاصداً للرد على بعض الشافعية القائل بالجريان.

فالمتحصل : أن صاحب التقريرات لم يفصل بين أنحاء الوصف حتى يرد عليه تعريض المصنف ، فتدبر جيداً.

ثم انه قد نسب إلى العلامة (قده) : «التفصيل بين كون الوصف علة وبين غيره ، بالذهاب إلى المفهوم في الأول دون الثاني». لكن لم يعلم أن غرضه ظهور اللفظ في علية الوصف ، أو استفادة العلية من الخارج ، فان أراد الأول ، فلا بد من الالتزام بالمفهوم فيه إلى أن يقوم قرينة على خلافه ، وان أراد الثاني فليس ذلك تفصيلا في المفهوم ، إذ لا إشكال في الالتزام بالمفهوم حينئذ حتى من المنكرين له أيضا ، لقيام القرينة على كون الوصف علة منحصرة ، والظاهر أن من ذلك الأوصاف الواقعة في الحدود ، فان التحديد من القرائن النوعية القائمة على كون الوصف ذا مفهوم.

٤١٣

لا وجه للنزاع فيهما (١) معللا (٢) بعدم الموضوع ، واستظهار (٣) جريانه من بعض الشافعية فيه (٤) ، كما لا يخفى ، فتأمل جيداً.

فصل

هل الغاية (٥) في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية

______________________________________________________

(١) أي : في الأعم والمساوي.

(٢) هذا تعليل لعدم الوجه للنزاع في الأعم والمساوي ، وحاصل التعليل : انتفاء الموضوع فيهما ، حيث انه ينتفي الإنسان الّذي هو الموضوع في قولنا : «أكرم الإنسان الضاحك أو الماشي» بانتفاء الضحك والمشي. فالمراد بـ «عدم الموضوع» عدم الموصوف.

(٣) معطوف على «أنه لا وجه» يعني : لا وجه للتفصيل بعدم الوجه للنزاع فيهما ، وباستظهار جريان النزاع من الشافعية فيما إذا كان الوصف أخص من وجه.

(٤) يعني : في الوصف الأخص من وجه.

مفهوم الغاية

(٥) قال في المجمع : «الغاية انتهاء الشيء ونهايته ... إلى أن قال : والغاية العلة التي يقع لأجلها الشيء ، والغاية المسافة» والمستفاد من ذلك أن الغاية قد تطلق على نهاية الشيء ، والمراد بها آخره ، وأقصى ما يمكن أن يبلغ منه. وقد تطلق على علة الشيء ، والمراد بها الغرض الّذي يقع لأجله الشيء ، وقد يعبر عنها بالعلة الغائية أيضا كجلوس السلطان على السرير ، فانه الغرض الّذي

٤١٤

بناء على دخول الغاية في المغيا (١) ، أو عنها (٢) وما بعدها بناء على خروجها (٣) ، أو لا ، فيه خلاف ، وقد نسب إلى المشهور (٤) الدلالة على

______________________________________________________

يصنع لأجله السرير ، وقد تطلق الغاية على المسافة ، كقولهم : «من لابتداء الغاية وإلى لانتهاء الغاية» والظاهر أن المراد بالمسافة وهي البعد ليس في خصوص المكان والزمان ، بل مطلق البعد وان لم يكن منهما ، بأن كان من الزماني والمكاني كما في قولك : «قرأت كتاب الجواهر من أوله إلى آخره» والمراد بالغاية في محل النزاع هو النهاية ، لا المسافة ، والأدوات موضوعة لبيان النهاية ، فالمقصود هنا مدخول الأدوات ، وهي «حتى وإلى» ، كقوله تعالى : «أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» ، «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ».

(١) توضيحه : أنه ان كانت الغاية داخلة في المغيا ، فالنزاع يحرر هكذا : «هل الغاية تدل على ارتفاع سنخ الحكم عما بعدها أم لا» ، فالآية الشريفة على هذا تدل بالمفهوم على عدم وجوب الصوم بعد الليل. وان كانت الغاية خارجة عن المغيا فالنزاع يحرر هكذا : «هل الغاية تدل على انتفاء سنخ الحكم المنطوقي عن الغاية وما بعدها».

(٢) معطوف على قوله : «عما» يعني : هل الغاية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ، أو عن الغاية وما بعدها؟

(٣) هذا الضمير وضميرا «عنها وبعدها» راجعة إلى الغاية.

وبالجملة : فمفهوم الغاية هو انتفاء سنخ الحكم المنطوقي ـ كوجوب الصوم ـ عما بعد الغاية.

(٤) كما في التقريرات ، حيث قال : «فالمشهور بل المعظم على الأول» والمراد بالأول هو : انتفاء الحكم المنطوقي عما بعد الغاية.

٤١٥

الارتفاع ، وإلى جماعة منهم السيد والشيخ عدم الدلالة عليه (١).

والتحقيق (٢) أنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية (*) قيداً

______________________________________________________

(١) أي : على الارتفاع ، يعني : فلا تدل الغاية على المفهوم.

(٢) توضيحه : أن الغاية ان كانت بحسب القواعد العربية قيدا للحكم ، كقيدية

__________________

(*) أو القرائن الخاصة لو لم يثبت ظهور نوعي بحسب القواعد العربية للغاية في المفهوم.

واعلم أنه لا ينبغي الارتياب ثبوتاً في كون قيد الحكم ـ شرطاً كان ، أم غاية أم وصفاً ، أم غيرها ـ من الملابسات ظاهراً في إناطة سنخ الحكم به ، الموجبة للانتفاء عند الانتفاء المعبر عنه بالمفهوم. انما الكلام في مقام الإثبات والاستظهار ، والظاهر أن ضابط استظهار المفهوم منه أنه إذا ذكر القيد عقيب القضية المركبة من الموضوع والمحمول كان قيداً لمفاد هيئتها ، وهو ثبوت المحمول للموضوع ، والعرض للمحل ، كما إذا قال : «الصوم واجب إلى الليل» فان هذه الغاية تدل على كون المعلق هو الوجوب ، بمعنى أن آخر عمره هو الليل ، فإذا دخل الليل ولم ينتف الوجوب كان ذلك منافياً لجعل الليل غاية وآخراً لعمره.

وإذا ذكر القيد قبل الحكم ، فظاهره أنه قيد للموضوع ، كما إذا قال : «غسل اليد إلى المرفق واجب» وارتفاع الوجوب حينئذ عن غسل العضد يكون عقلياً ، لكون الوجوب الشخصي القائم بموضوعه كالعرض القائم بمحله في كون الانتفاء عقلياً.

هذا بحسب الغالب. ويمكن العكس في كل من الموردين بقرينة مقامية أو مقالية.

فالضابط في كون القضية الغائية أو غيرها ذات مفهوم هو : إناطة الحكم المنطوقي بالغاية أو الشرط أو غيرهما من الملابسات ، سواء استفيدت هذه الإناطة من القواعد العربية أم من القرائن الخارجية.

٤١٦

للحكم ، كما في قوله : «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» و «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» كانت دالة على ارتفاعه (١) عند حصولها [حصولهما] ، لانسباق (٢) ذلك (٣) منها ، كما لا يخفى ،

______________________________________________________

الشرط له ، بحيث يكون الحكم معلقاً عليها ، ومنوطاً بها ، دلت على المفهوم ـ أي انتفاء سنخ الحكم الثابت في المنطوق بانتفاء الغاية ـ فان قوله عليه‌السلام في الخبرين المذكورين في المتن : «حتى تعرف أنه حرام» و «حتى تعلم أنه قذر» قيد للحكم ، أعني الحلية والطهارة ، لاتصالهما بالطاهر والحلال ، فكأنه قيل : «ان هذين الحكمين منوطان بعدم العلم بالحرمة والقذارة ، فإذا علمتا ارتفعت الطهارة والحلية الثابتتان للمنطوق ، إذ العلم بهما غاية لهما ، فإذا حصل ارتفعتا.

والوجه في ارتفاعهما بحصول الغاية هو التبادر ، إذ المنسبق من جعل شيء غاية لحكم هو ارتفاعه بحصول ذلك الشيء ، كارتفاع وجوب الصوم بمجيء غايته ـ وهي الليل ـ ، إذ لو لم يرتفع به لزم أن لا يكون ما جعل غاية وآخراً لأمد الحكم وعمره غاية له ، وهو خلف.

(١) أي : ارتفاع الحكم عند حصول الغاية ، كالعلم والمعرفة في الخبرين المذكورين في المتن.

(٢) هذا تعليل لقوله : «كانت دالة» والمراد بالانسباق هو التبادر ، كما مر تقريبه بقولنا : «والوجه في ارتفاعهما بحصول الغاية هو التبادر» يعني : أن دلالة الغاية على ارتفاع الحكم عندها انما هي لتبادره منها.

(٣) أي : ارتفاع الحكم عند حصول الغاية ، وضميرا «حصولها ومنها» راجعان إلى الغاية ، وحاصله : أن التبادر يقتضي ارتفاع الحكم عند حصول الغاية.

٤١٧

وكونه (١) قضية تقييده بها ، وإلّا (٢) لما كان ما جعل غاية له بغاية ، وهو واضح إلى النهاية.

وأما (٣) إذا كانت بحسبها (٤) قيداً للموضوع مثل «سر من البصرة إلى الكوفة» (٥)

______________________________________________________

(١) بالجر معطوف على «انسباق» يعني : ولكون ارتفاع الحكم بحصول الغاية مقتضى تقيده بالغاية ، وضمير «تقييده» راجع إلى الحكم ، وضمير «بها» إلى الغاية.

(٢) يعني : وان لم تكن قضية التقييد بالغاية ارتفاع الحكم عند حصولها الّذي هو المفهوم لزم الخلف ، وهو عدم كون ما جعل غاية وآخراً لأمد الحكم وعمره غاية له ، إذ مع عدم ارتفاع الحكم بحصولها يكون ما جعل غاية وسطاً لا غاية وآخراً ، فتتوقف غائيته على ارتفاع الحكم بحصولها.

(٣) معطوف على «إذا كانت الغاية» يعني : وأما إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيداً للموضوع ، فلا تدل على المفهوم ـ أي انتفاء سنخ الحكم بحصول الغاية ـ بل يكون انتفاؤه بحصولها عقلياً من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع لكون الحكم حينئذ شخصياً ، فلو قام دليل على ثبوت الحكم بعد حصول الغاية لم يكن معارضاً له. بخلاف ما إذا كانت الغاية قيداً للحكم ، فان المفهوم ينفى الحكم عما بعد الغاية ، فلو دل دليل على ثبوت الحكم بعدها كان معارضاً للمفهوم.

والحاصل : أن الغاية إذا كانت قيداً للموضوع فهي كالوصف في عدم الدلالة على المفهوم.

(٤) أي : بحسب القواعد العربية.

(٥) فان هذه غاية وقيد للموضوع ، لا غاية للوجوب ، فكأنه قيل : «السير

٤١٨

فحالها (١) حال الوصف في عدم الدلالة وان (٢) كان تحديده بها بملاحظة حكمه ، وتعلق الطلب به ، وقضيته ليس إلّا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيا ، من دون دلالة لها (٣) أصلا على انتفاء سنخه عن غيره ، لعدم (٤)

______________________________________________________

المتصف بكون أوله البصرة وآخره الكوفة واجب» حيث ان «من وإلى» متعلقان بمادة «سر» لا بهيئته ، إذ ليس ما بين مبدأ السير ومنتهاه مكاناً للحكم فلا يصح تعلقهما بالهيئة.

(١) جواب «وأما إذا كانت» ، وضمير «حالها» راجع إلى الغاية ، وحاصله : أن الغاية إذا كانت قيداً للموضوع ، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة على المفهوم ، وأن المنفي بانتفاء الغاية ـ كالمنفي بانتفاء الوصف ـ هو شخص الحكم لا سنخه الّذي هو المطلوب في المفهوم.

(٢) كلمة «ان» وصلية ، يعني : وان كان تحديد الموضوع بالغاية وتقييده بها موجباً لانتفاء الحكم بانتفاء الغاية ، لكنه ليس من باب المفهوم ، لأنه من انتفاء الحكم الشخصي بارتفاع موضوعه ، لا من ارتفاع سنخ الحكم الّذي هو المفهوم. فمحل النزاع ما إذا كانت الغاية غاية للحكم ، لا الموضوع ، كما هو الظاهر من لفظ الغاية ، إذ لو أُريد تحديد الموضوع كان المناسب ذكره وصفاً لا غاية ، كما لا يخفى.

(٣) أي : لا دلالة للغاية أصلا على انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيا ، وضميرا «حكمه وبه» راجعان إلى الموضوع ، وضمير «وقضيته» راجع إلى التحديد ، وضمير «فيها» إلى القضية.

(٤) تعليل لعدم الدلالة ، وحاصله : عدم ثبوت وضع لدلالة الغاية التي تكون قيداً للموضوع على انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيا.

٤١٩

ثبوت وضع لذلك (١) (*) ، وعدم (٢) قرينة ملازمة لها ولو (٣) غالباً دلت (٤) على اختصاص الحكم به. وفائدة التحديد بها (٥) كسائر أنحاء التقييد

______________________________________________________

(١) أي : للدلالة على المفهوم ، وهو انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيا.

والأولى تبديل «لذلك» بـ «لها».

(٢) معطوف على «عدم» يعني : ولعدم قرينة ملازمة للدلالة على انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيا ولو كانت الملازمة غالبية ، بحيث دلت تلك القرينة على اختصاص الحكم بالمغيا ، بأن تكون الغاية علة منحصرة ، فغرض المصنف من قوله : «لعدم ثبوت ... وعدم قرينة ... إلخ» نفي ما يوجب الدلالة على المفهوم من وضع الغاية له ، أو قرينة دالة عليه.

(٣) قيد لـ «ملازمة» يعني : ولو كانت ملازمة القرينة لدلالة الغاية على المفهوم غالبية لا دائمية ، وضمير «لها» راجع إلى الدلالة على المفهوم.

(٤) صفة لـ «قرينة» يعني : وعدم قرينة دلت على اختصاص الحكم بالمغيا أي : كون الغاية منحصرة مستتبعة للمفهوم ، فضمير «به» راجع إلى المغيا.

(٥) أي : بالغاية ، وغرضه من هذه العبارة : دفع توهم دلالة الغاية على المفهوم

__________________

(*) قد أورد عليه بعض تلامذة المصنف «بأنه لا وجه لإطلاق القول بعدم المفهوم إذا كانت الغاية قيداً للموضوع ، لأن تقييده بها تارة يكون بلحاظ شخص الحكم ، وأخرى يكون بلحاظ سنخه ، ونفي المفهوم انما يصح على الأول ، دون الثاني ، إذ لا إشكال في ثبوت المفهوم للغاية حينئذ».

وفيه : أنه إذا كانت الغاية قيداً للموضوع كانت قيداً للمعنى الأفرادي ، وموجبة لتضيق دائرة الموضوع ، فانتفاء الحكم حينئذ يكون بانتفاء الموضوع عقلا ، لا من جهة المفهوم الّذي هو انتفاء سنخ الحكم وطبيعته ، لا شخصه.

٤٢٠