منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء

______________________________________________________

والوجه في ذلك : أنه لو لم يكن المعلق طبيعة الحكم ، بل كان شخصه ، فلا يكون انتفاؤه بانتفاء موضوعه من المفهوم أصلا ، بل يكون انتفاؤه عقلياً كانتفاء العرض بانتفاء موضوعه. نظير القضية المسوقة لفرض وجود الموضوع مثل «ان رزقت ولداً فاختنه» ، فان مثل هذه القضية لا مفهوم لها ، وليست مورداً للنفي والإثبات عند المثبتين للمفهوم والمنكرين له ، فلا بد أن يكون مورد النزاع هو الحكم الّذي يمكن وجوده مع انتفاء ما علق عليه من الشرط وغيره ، كوجوب الإكرام الّذي يمكن وجوده حين انتفاء المجيء أيضا ، فلا محيص حينئذ عن كون الحكم المعلق في المنطوق على الشرط أو غيره كلياً ذا أفراد حتى يمكن بقاؤه بعد انتفاء ما علق عليه ، ويصح البحث عن كون انتفاء الشرط موجباً لانتفاء الحكم أم لا ، فلو كان الحكم شخصياً ، فلا معنى لهذا النزاع فيه ، إذ لا يعقل بقاء الحكم الشخصي بعد انتفاء موضوعه حتى ينازع في بقائه وانتفائه بانتفاء ما علق عليه.

وبالجملة : ليس المعيار في المفهوم كون المنفي شخص الحكم ، بل المعيار فيه كون المنفي سنخ الحكم ، بحيث إذا قام دليل على ثبوت الحكم في صورة انتفاء الشرط أو الوصف كان معارضاً للمفهوم ، فإذا دل دليل على وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء كان معارضاً للمفهوم ، وهو عدم وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء.

فقد ظهر من هذا البيان : أنه يعتبر في المفهوم إمكان بقاء الحكم عند ارتفاع ما علق عليه من الشرط أو الوصف ، فلو لم يمكن بقاؤه كذلك ، فهو خارج عن المفهوم ، كما في مثل «ان رزقت ولداً فاختنه» مما ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه عقلا ، وكما في مثل الوقف أو الوصية أو النذر على الفقهاء ان كانوا متهجدين

٣٤١

موضوعه ولو ببعض قيوده ، ولا [فلا] يتمشى الكلام (١) في أن للقضية الشرطية مفهوماً ، أو ليس لها مفهوم إلّا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكناً (٢). وانما وقع النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء [عند الانتفاء] أو لا يكون لها (٣) دلالة.

______________________________________________________

فإذا انتفى التهجد عنهم انتفت الوقفية وغيرها أيضا ، لكن لا من ناحية المفهوم ، بل من جهة عدم قابلية مال لإنشاء الوقف له ثانياً ، فبعد حكم الشارع بعدم جعل الوقفية لمال مرتين يكون الحكم بها شخصياً ، وقد عرفت أن انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي ، وليس من باب المفهوم أصلا.

نعم يكون الفرق بين مثل «ان رزقت ولداً فاختنه» وبين مثل «وقفت داري على أولادي ان كانوا فقراء» في أن تشخص الموضوع في الأول حقيقي لا يحتاج إلى جعل وإنشاء ، بخلاف الثاني ، فان عدم قابلية مال لإنشاء الوقفية له مرتين انما هو بحكم الشارع.

(١) أي : نزاع المفهوم لا يجري إلّا فيما إذا كان المعلق في الجزاء طبيعة الحكم التي يمكن إنشاء فرد آخر منها عند ارتفاع الشرط ، فان لم يمكن ذلك ثبوتاً ، فلا يعقل النزاع إثباتاً ، لتفرعه على الثبوت.

(٢) خبر «كان» وقوله : «وانتفاؤه» معطوف على «ثبوت».

(٣) هذا الضمير وضمير «لها» في قوله : «في ان لها» راجعان إلى القضية الشرطية.

٣٤٢

ومن هنا (١) انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة (*) القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والإيمان ، كما توهم ، بل (**) عن الشهيد قدس‌سره في تمهيد القواعد (٢) : انه لا إشكال في دلالتها (٣) على المفهوم ، وذلك (٤) لأن انتفاءها عن غير ما هو المتعلق

______________________________________________________

(١) أي : ومن اعتبار كون المنفي سنخ الحكم لا شخصه انقدح : أنه ليس من المفهوم ... إلخ» ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «فلو لم يمكن بقاؤه كذلك ... إلخ».

(٢) قال في محكي تمهيد القواعد : «لا إشكال في دلالتها في مثل الوقف والوصايا والنذر والإيمان ، كما إذا قال : ـ وقفت هذا على أولادي الفقراء ـ أو ـ ان كانوا فقراء ـ أو نحو ذلك ، ولعل الوجه في تخصيص المذكور هو عدم دخول غير الفقراء في الموقوف عليهم ، وفهم التعارض فيما لو قال بعد ذلك : وقفت على أولادي مطلقاً».

(٣) أي : دلالة القضية على المفهوم في الوصايا والأوقاف والنذور ... إلخ.

(٤) تعليل لقوله : «ومن هنا انقدح» وقد تقدم آنفاً توضيحه بقولنا : «فقد

__________________

(*) اسم «ليس» وفي بعض النسخ «ودلالة» مع الواو ، فيكون معطوفاً على المفهوم ومفسراً له ، وهو مشكل ، إذ يلزم حينئذ خلوّ «ليس» عن الاسم فلا بد من إسقاط «في» في قوله : «في الوصايا» حتى تكون اسم ليس.

والحاصل : أن في هذه النسخ التي فيها الواو حرفاً زائداً ، وهو إما الواو في قوله : «ودلالة» وإما «في» في قوله : «في الوصايا».

(**) لم أعثر على من تعرض له غير الشهيد ، فكلمة «بل» الإضرابية زائدة.

٣٤٣

لها (١) من (٢) الأشخاص التي تكون بألقابها (٣) أو بوصف شيء (٤) وبشرطه (٥) مأخوذة في العقد (٦) أو مثل العهد (٧) ليس (٨) بدلالة الشرط ، أو الوصف أو اللقب عليه (٩) ، بل لأجل أنه إذا صار شيء وقفاً على أحد أو

______________________________________________________

ظهر من هذا البيان أنه يعتبر في المفهوم ... إلخ».

(١) هذا الضمير وضمير «انتفاءها» راجعان إلى الوصايا وأخواتها.

(٢) بيان لـ «ما» الموصول.

(٣) كقوله : «الدار موقوفة على أولادي».

(٤) كقوله : «الدار موقوفة على أولادي الفقراء».

(٥) يعني : أو بشرط شيء ، كقوله : «الدار موقوفة على أولادي ان كانوا فقراء».

(٦) كعقد الوصية والوقف ونحوهما ، وقوله : «مأخوذة» خبر «تكون».

(٧) كالنذر واليمين.

(٨) خبر «ان» في قوله : «لأن انتفاءها».

(٩) أي : على الانتفاء ، يعني : أن انتفاء الوصايا وأخواتها عن غير الأشخاص الذين تعلقت بهم ليس من باب مفهوم الشرط أو الوصف أو اللقب ، بل لأجل عدم قابلية شيء للوقف أو الوصية أو النذر مرتين ، ومن المعلوم أن الانتفاء حينئذ عقلي ، لكون الحكم المعلق شخصاً ، وانتفاؤه بانتفاء موضوعه ـ كانتفاء العرض بارتفاع موضوعه ـ عقلي. وقد عرفت أن صلاحية الحكم المعلق في المنطوق على الشرط أو الوصف للإنشاء ثانياً ـ حتى يكون المنفي في المفهوم طبيعة الحكم لا شخصه ـ معتبرة في المفهوم.

٣٤٤

أوصى به أو نذر له (١) إلى غير ذلك لا يقبل أن يصير وقفاً على غيره أو وصية أو نذراً له (٢) ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق قد عرفت أنه عقلي (٣) مطلقاً ولو قيل (٤) بعدم المفهوم في مورد صالح له.

إشكال ودفع ، لعلك (٥) تقول : كيف يكون المناط في المفهوم هو

______________________________________________________

(١) أي : نذر ذلك الشيء لأحد ، وكل من «أوصى» و «نذر» مبني للمفعول و «له» معمول لـ «أوصى ونذر» على التنازع.

(٢) أي : للغير ، وضمير «غيره» راجع إلى أحد.

(٣) لكونه كانتفاء العرض بانتفاء محله بعد وضوح كون الحكم شخصياً.

(٤) بيان للإطلاق ، يعني : أن انتفاء شخص الوقف ونحوه عن غير متعلقه عقلي ولو قيل بعدم المفهوم في مورد يمكن أن يكون له مفهوم ، فالانتفاء هنا ليس من باب المفهوم ، بل هو عقلي ، وأجنبي عن المفهوم. وضمير «له» راجع إلى المفهوم.

(٥) هذا الإشكال ودفعه مذكوران في التقريرات بقوله : «وقد يستشكل في في المقام نظراً إلى أن الشرط المذكور انما وقع شرطاً بالنسبة إلى الإنشاء الخاصّ الحاصل بذلك الكلام دون غيره ، فأقصى ما يفيد الشرطية انتفاء ذلك ، وأين ذلك من دلالته على انتفاء نوع الوجوب كما هو المدعى».

وهذا إشكال على ما تقدم من اعتبار كون الحكم المنفي في المفهوم كلياً لا جزئياً ، وحاصله : منع اعتبار كلية الحكم المنفي في المفهوم ، ومستند هذا المنع أن الحكم المنشأ في المنطوق بالإنشاء الخاصّ شخصي ، لا كلّي ، والشرط أو الوصف أو غيرهما انما جعل قيداً لذلك الحكم الشخصي ، فلو كان للقضية

٣٤٥

سنخ الحكم ، لا نفس شخص الحكم في القضية (١) ، وكان (٢) الشرط في الشرطية انما وقع شرطاً بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه (٣) دون غيره (٤) ، فغاية (٥) قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم (٦).

______________________________________________________

المنطوقية مفهوم كان مفهومها انتفاء ذلك الحكم الشخصي ، فأين الحكم الكلي حتى ينفي في المفهوم. فدعوى اعتبار كون الحكم المنفي طبيعة الحكم وسنخه لا شخصه خالية عن الدليل.

(١) يعني : في القضية المنطوقية ، وتشخص الحكم انما يكون بسبب الإنشاء.

(٢) الواو للحالية ، يعني : والحال أن الشرط في القضية الشرطية انما هو شرط للحكم الجزئي الحاصل بالإنشاء.

(٣) يعني : أن إنشاء الحكم هو إيجاده الموجب لتشخصه ، لما ثبت في محله من أن الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، فلا يتصور كلية الحكم المنشأ حتى ينفى في المفهوم ، بل انتفاء الشرط يوجب انتفاء ذلك الحكم الشخصي.

(٤) أي : غير ذلك الحكم المنشأ ، بل الحكم المعلق في المنطوق هو شخص ذلك المنشأ.

(٥) هذه نتيجة كون الشرط في القضية الشرطية شرطاً بالنسبة إلى الحكم المنشأ في المنطوق ، يعني : فغاية ما تقتضيه القضية الشرطية هو : انتفاء ذلك الحكم الشخصي المنطوقي بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخ الحكم وطبيعته.

(٦) كالقضية الوصفية بناء على القول بالمفهوم فيها.

٣٤٦

ولكنك غفلت (١) عن أن المعلق على الشرط انما هو نفس الوجوب (٢) الّذي هو مفاد الصيغة ومعناها ، وأما الشخص (*) والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه (٣) لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه (٤) كما لا يخفى ، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الاخبار به من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه اخباراً (٥) لا إنشاء.

______________________________________________________

(١) هذا دفع الإشكال المزبور ، وتوضيحه : أن المعلق على الشرط ـ كالمجيء في قوله : «ان جاءك زيد فأكرمه» ـ هو نفس الوجوب الكلي الّذي وضعت له الصيغة ، لا الشخص ، وذلك لما بيناه في المعاني الحرفية من أن المعنى في كل من الاسم والحرف واحد ، وانما الاختلاف في اللحاظ ، حيث ان المعنى في الاسم ملحوظ استقلالا ، وفي الحرف آلة ، وهذان اللحاظان من خصوصيات الاستعمال ، لا المستعمل فيه حتى يصير المعنى جزئياً ، إذ من المعلوم عدم إمكان دخل الخصوصيات الناشئة عن الاستعمال في المعنى المستعمل فيه ، لتأخرها عنه كما تعرض له المصنف في المعنى الحرفي ، فراجع.

(٢) أي : الوجوب الكلي الّذي هو مفاد الصيغة ومعناها.

(٣) أي : استعمال الصيغة في معناها.

(٤) أي : في المعنى ، وضمير «معناها» راجع إلى الصيغة.

(٥) قيد لقوله : «واستعمل فيه» وضمائر «به» في قوله : «الاخبار به ،

__________________

(*) الأولى أن يقال : «التشخص» ، لأن الشخص هو الجزئي ، والغرض بيان وجه تشخصه لا بيان شخصيته. كما أن الأولى تبديل الضمير في قوله «معناها» بالصيغة ، بأن يقال : «من خصوصيات معنى الصيغة المستعملة فيه» ، حيث ان «المستعملة» صفة للصيغة لا للضمير ، فان توصيف الضمير بالظاهر غير معهود.

٣٤٧

وبالجملة : كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط (١) خاصاً بالخصوصيات الناشئة من قبل الاخبار به كذلك المنشأ بالصيغة (٢) المعلق (٣) عليه ، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه (٤) أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له ، وأن خصوصية لحاظه بنحو

______________________________________________________

وأخبر به ، وفيه» راجعة إلى المعنى. وحاصله : أنه كما لا تكون الخصوصية الناشئة من ناحية الاستعمال دخيلة في المستعمل فيه وموجبة لتشخصه ، لما مر ، كذلك لا تكون الخصوصية الناشئة من قبل الاخبار به دخيلة في المعنى المخبر به وموجبة لتشخصه ، بل المعنى باق على كليته قبل الاخبار به وبعده.

(١) كقوله : «ان جاءك زيد فإكرامه واجب» حيث ان الجزاء حينئذ جملة خبرية. يعني : أن الاخبارية والإنشائية ليستا من خصوصيات نفس المعنى حتى توجبا خصوصيته وجزئيته ، بل هما من خصوصيات الاستعمال. ثم ان هذا تمهيد لرد كلام صاحب التقريرات الآتي.

(٢) كقوله : «ان جاءك زيد فأكرمه» يعني : أنه لا فرق بين كون المعلق على الشرط خبراً أو إنشاء.

(٣) صفة لقوله : «المنشأ» ، يعني : كذلك المنشأ المعلق على الشرط ، فضمير «عليه» راجع إلى الشرط.

(٤) تقدم ذلك منه في المعنى الحرفي ، وغرضه : أن الموضوع له في الحروف كلي ، كالموضوع له في أسماء الأجناس ، ولحاظ الآلية في الحروف كلحاظ الاستقلالية في الأسماء لا يوجب تشخص المعنى فيها. وعليه ، فالمعلق على الشرط في القضية الشرطية حكم كلي لا جزئي ، سواء كان بنحو الإنشاء أم الاخبار ، وهذا تعريض بما في التقريرات كما ستعرف.

٣٤٨

الآلية والحالية لغيره من (١) خصوصية الاستعمال ، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك (٢) ، فيكون اللحاظ الآلي (٣) كالاستقلالي من خصوصيات الاستعمال ، لا المستعمل فيه.

وبذلك (٤) قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الإشكال (٥)

______________________________________________________

(١) خبر «ان» في قوله : «وأن خصوصية».

(٢) أي : من خصوصية الاستعمال ، ومرجع ضميري «لحاظه ، لغيره» هو ما استعمل فيه.

(٣) في الحروف ، كاللحاظ الاستقلالي في الأسماء من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه حتى يصير المعنى بسبب ذلك اللحاظ خاصاً.

(٤) أي : وبكون المعنى في الحرف ـ كالمعنى في الاسم ـ كلياً ، وعدم صيرورته باللحاظ الآلي والاستقلالي اللذين هما من خصوصيات الاستعمال جزئياً قد اتضح فساد ما ذكره في التقريرات في مقام دفع الإشكال المزبور.

(٥) وهو : اعتبار كون المنفي سنخ الحكم مع أن المعلق على الشرط في المنطوق جزئي ، وحاصل ما أفاده في التقريرات في مقام الجواب عنه : أن الوجوب المعلق على الشرط ان كان بالأخبار ، كقولك : «يجب إكرام زيد ان جاءك» فلا يرد عليه إشكال ، لكون الوجوب فيه كلياً ، حيث ان المادة قد استعملت في معناها الكلي. وان كان بالإنشاء كقوله : «ان جاءك زيد فأكرمه» فالوجوب وان كان جزئياً ، لكونه معنى الهيئة الّذي هو حرفي ، لأنها موضوعة لإنشاء النسبة الطلبية بين المادة ـ كالإكرام ـ والمخاطب ، والنسبة قائمة بالطرفين ، فهي معنى

٣٤٩

من (١) التفرقة بين الوجوب الاخباري والإنشائي بأنه (٢) كلي في الأول (٣) وخاص في الثاني (٤) ، حيث (٥) دفع الإشكال (*)

______________________________________________________

حرفي ، إلّا أن أداة الشرط مثل كلمة «ان» تدل على انحصار علة سنخ الحكم وطبيعته بالشرط المذكور في المنطوق ، وان كان الحكم المذكور فيه فرداً من أفراد طبيعة الحكم ، كما إذا كان بلسان الإنشاء.

والوجه في قرينية أداة الشرط على انحصار علية الشرط لسنخ الحكم لا لشخصه هو : أنه لو كان الحكم جزئياً لا كلياً ، كان انتفاؤه بانتفاء الشرط عقلياً وأجنبياً عن باب المفهوم ، وإلّا كان للقضية اللقبية أيضا مفهوم ، لانتفاء شخص الحكم فيها بانتفاء موضوعه ، وهو باطل بالضرورة ، لما مر من أن انتفاء شخص الحكم في كل قضية بانتفاء موضوعه عقلي وأجنبي عن المفهوم. وعليه ، فأداة الشرط تدل على انحصار علة سنخ الحكم ـ لا شخصه ـ بالشرط.

فالنتيجة : دلالة القضية الشرطية على المفهوم مطلقاً سواء كان الحكم المذكور في المنطوق بلسان الاخبار أم الإنشاء.

(١) بيان لـ «ما» في قوله : «فساد ما يظهر».

(٢) متعلق بقوله : «التفرقة» والضمير راجع إلى الوجوب.

(٣) وهو الوجوب الاخباري ، لما عرفت من استعمال المادة في معناها الكلي.

(٤) وهو الوجوب الإنشائي ، لما عرفت من كونه معنى الهيئة الّذي هو معنى حرفي.

(٥) هذا تقريب التفصي ، وقد مر توضيحه بقولنا : «وحاصل الجواب ... إلخ»

__________________

(*) حق العبارة أن تكون هكذا : «حيث دفع الإشكال على الأول يكون الوجوب كلياً ، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب في الوجوب الإنشائي من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية».

٣٥٠

بأنه (١) لا يتوجه في الأول (٢) ، لكون الوجوب كلياً (٣) ، وعلى الثاني (٤) بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية (*) المستفادة من الجملة الشرطية ، حيث (٥) كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستنداً إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها ، فانه (٦) يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «دفع» والضمير راجع إلى الإشكال.

(٢) وهو الوجوب الاخباري ، وقوله : «لكون الوجوب» علة لعدم توجه الإشكال عليه. والأولى تبديل «في» بـ «على» كما في قوله : «وعلى الثاني».

(٣) قد عرفت وجه كليته بقولنا : «حيث ان المادة قد استعملت في معناها الكلي»

(٤) أي : الوجوب الإنشائي ، وهو معطوف على «الأول» ومتعلق بـ «دفع» كما أن قوله «بأن» متعلق به «دفع» يعني : حيث دفع الإشكال على الأول بكون الوجوب كلياً ، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب في الوجوب الإنشائي من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية.

(٥) بيان للفائدة المزبورة ، وقد عرفت تقريبها آنفاً.

(٦) أي : شخص الوجوب ، وهذا تعليل لقوله : «ليس مستنداً ... إلخ» يعني : أن ارتفاع شخص الوجوب بارتفاع موضوعه يكون في غير القضية الشرطية كاللقبية والوصفية أيضا ، مع عدم كون ارتفاع شخص الحكم فيهما من المفهوم ، فلا بد أن يكون للشرط خصوصية تستتبع المفهوم ، وليست تلك

__________________

(*) بل من فوائد انحصار العلية ، لا نفس العلية.

٣٥١

وأورد (١) على ما تفصي (٢) به عن الإشكال (٣) بما (٤) ربما يرجع إلى ما ذكرناه (٥) بما (٦) حاصله : أن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب ، لما (٧)

______________________________________________________

الخصوصية الا دلالة أداة الشرط على انحصار العلية في مدخولها ، وضمير «فيها» راجع إلى الجملة الشرطية.

(١) معطوف على قوله : «دفع الإشكال» يعني : أن صاحب التقريرات دفع الإشكال بما ذكره هو «قده» ، وأورد على ما دفعه به بعض الاعلام.

(٢) مبنياً للمفعول ، وضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول.

(٣) أي : الإشكال المزبور ، وهو جعل الحكم المعلق في المنطوق كلياً مع كونه جزئياً.

(٤) الصواب تبديل «بما» بـ «مما» ، لأنه بيان لـ «ما» في قوله : «ما تفصي به».

(٥) من كون المعلق على الشرط في المنطوق نفس الوجوب الكلي الّذي هو مفاد الصيغة ، وخروج الخصوصيات الناشئة من الاستعمال عن مفادها.

(٦) متعلق بـ «أورد». أما ما تفصي به عن الإشكال ، فذكره في التقريرات بما لفظه : «وقد يذب عنه بأن الوجوب المنشأ في المنطوق هو الوجوب مطلقاً من حيث كون اللفظ موضوعاً له بالوضع العام ، واختصاصه وشخصيته من فعل الأمر ، كما أن شخصية الفعل المتعلق للوجوب من فعل المأمور ، فيحكم بانتفاء مطلق الوجوب في جانب المفهوم».

وأما إيراد الشيخ «قده» على هذا التفصي ، فحاصله : أن التفصي عن الإشكال المزبور لا يبتني على كون الوجوب كلياً من ناحية الوضع ، لإمكان استفادة كليته من علية الشرط كما عرفت.

(٧) تعليل لعدم ابتناء التفصي عن الإشكال على كلية الوجوب وضعاً ، وحاصله :

٣٥٢

أفاده. وكون (١) الموضوع له في الإنشاء عاماً لم يقم عليه دليل لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث (٢) ان الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ (٣).

وذلك (٤) لما عرفت من أن الخصوصيات في الإنشاءات

______________________________________________________

أن الشيخ «قده» علل عدم الابتناء المزبور على كلية الوجوب وضعاً بما أفاده من استفادة كليته من علية الشرط ، كما مر.

(١) مبتدأ ، و «لم يقم» خبره ، وهذا من تتمة إيراد الشيخ «قده» على التفصي المزبور ، وحاصله : أن ما ادعاه المتفصي ـ من كون الموضوع له في الإنشاء عاماً حتى يكون الحكم المعلق في المنطوق سنخه لا شخصه ـ خال عن الدليل لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث ان الخصوصيات تستفاد من نفس الألفاظ التي ينشأ بها المعاني من دون قرينة خارجية عليها ، فصيغة «افعل» مثلا وضعت للوجوب الخاصّ الإنشائي الّذي هو جزئي ، فالإنشائية قيد للموضوع له ، فلا يكون الموضوع له الوجوب الكلي حتى يكون انتفاؤه بانتفاء الشرط من باب المفهوم. وعليه ، فدفع الإشكال بكون الموضوع له الوجوب الكلي غير سديد.

(٢) تقريب لقيام الدليل على عدم كون الموضوع له في الإنشاء عاماً ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «حيث ان الخصوصيات تستفاد من نفس الألفاظ ... إلخ».

(٣) أي : الألفاظ التي ينشأ بها المعاني كصيغة «افعل» لا من القرائن الخارجية.

(٤) تعليل لقوله : «وبذلك قد انقدح فساد» واتضح هناك : أن الموضوع له في كل من الاسم والحرف كلّي ، وأن الآلية والاستقلالية ، والاخبارية والإنشائية من خصوصيات الاستعمال ، وخارجة عن نفس المعنى ، فالوجوب كلي وهو المعلق على الشرط ، وانتفاؤه بانتفاء شرطه يكون من باب المفهوم.

٣٥٣

والإخبارات انما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما (١). ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف تجعل خصوصيات الإنشاء من خصوصيات المستعمل فيه ، مع أنها (٢) كخصوصيات الاخبار تكون ناشئة من الاستعمال ، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال ، كما هو واضح لمن تأمل.

الأمر الثاني (٣) : أنه إذا تعدد الشرط مثل : «إذا خفي الأذان فقصر»

______________________________________________________

(١) أي : بين الإنشاءات والإخبارات ، فالتفصيل بينهما بكون المعنى في الإنشاء جزئياً وفي الاخبار كلياً ـ كما في التقريرات على ما عرفت آنفاً ـ غير وجيه ، ولذا تعجب منه المصنف ، وقال : «ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف ... إلخ».

(٢) أي : خصوصيات الإنشاء كخصوصيات الاخبار من حيث كونهما ناشئتين من خصوصيات الاستعمال ، فالتفرقة بينهما ـ كما في التقريرات ـ بكون الاخبارية خارجة عن المعنى الخبري ، ولذا قال بكلية المعنى الخبري ، والتزم بأن انتفاءه بانتفاء شرطه يكون من باب المفهوم ، ويكون الإنشائية داخلة في المعنى الإنشائي ولذا تشبث في استفادة المفهوم حينئذ من القضية الشرطية بدلالة أداة الشرط على انحصار العلية بالشرط ، غير سديدة.

ووجه تعجب المصنف «قده» : أن خصوصية الإنشائية كخصوصية الاخبارية في إمكان الدخل في نفس المعنى وامتناعه ، ولا وجه للتفكيك بينهما ، فان أمكن الدخل في إحداهما أمكن في الأخرى. وان امتنع كذلك كان ممتنعاً في الأخرى أيضا ، فلا وجه للتفرقة بينهما أصلا.

٢ ـ تعدد الشرط ووحدة الجزاء

(٣) مفروض البحث في هذا الأمر هو : ما إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ماهية كمثال المتن. فعلى القول بعدم المفهوم للقضية الشرطية لا إشكال ، لكون القضيتين الشرطيتين حينئذ من قبيل القضيتين اللقبيتين في لزوم الأخذ بهما ، لعدم التعارض بينهما.

وعلى القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية بالوضع أو بالقرينة العامة يقع التعارض بين القضيتين ، لأن مفاد كل منهما نفي الحكم عند انتفاء شرطها وان كان شرط الأخرى موجوداً. فمفاد الشرط الأول في المثال «أنه إذا خفي الأذان وجب القصر ، وإذا لم يخف لم يجب القصر وان خفيت الجدران» ، وهذا ينافي منطوق الشرط الثاني أعني به «إذا خفي الجدران فقصر».

وبالجملة : يقع التعارض بين منطوق كل منهما ومفهوم الآخر ، لأن مفهوم «إذا خفي الأذان فقصر» عدم وجوب القصر عند عدم خفائه مطلقاً وان خفيت الجدران. وكذا العكس ، فلا بد حينئذ من التصرف في ظهور كل منهما في المفهوم بأحد الوجوه التي تعرض المصنف لبيان أربعة منها :

أولها : ما أشار إليه بقوله : «اما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر» وتوضيحه : أن إطلاق كل من المفهومين يقيد بمنطوق الآخر ، فيقال : ان إطلاق مفهوم «إذا خفي الأذان فقصر» وهو «إذا لم يخف الأذان لم يجب القصر» يقتضي انتفاء وجوب القصر عند انتفاء خفاء الأذان مطلقاً ، يعني : سواء خفيت الجدران أم لا ، وهذا الإطلاق يقيد بمنطوق الآخر ، بأن يقال : «إذا لم يخف الأذان لم يجب القصر مطلقاً إلّا إذا خفيت الجدران». وكذا يقيد إطلاق مفهوم «إذا خفي الجدران فقصر» وهو «إذا لم تخف الجدران لم يجب القصر مطلقاً يعني : سواء خفي الأذان أم لا» بمنطوق الشرط الآخر ، ويصير حاصله ـ بعد هذا التقييد ـ «عدم وجوب القصر بانتفاء خفاء الجدران إلّا إذا خفي الأذان».

٣٥٥

وإذا خفي الجدران فقصر (*) فبناء على ظهور الجملة الشرطية في

______________________________________________________

ومقتضي تقييد إطلاق المفهومين هو عدم انحصار الشرط في كل من الخفاءين وأن كلا من الشرطين عدل للآخر ، إذ المتحصل بعد تقييد المفهومين بالمنطوقين هو «أنه إذا خفي الأذان ، أو تواري عنه البيوت وجب التقصير» ، ومفهومه «إذا لم يخفيا لا يجب القصر ، وأما إذا خفي أحدهما وجب القصر» لأنه مقتضى ثبوت العدل للشرط في إحدى القضيتين ، كما لا يخفى.

ثم ان مرجع هذا الوجه إلى رفع اليد عن ظهور القضية الشرطية في عموم المفهوم ، ونتيجته إثبات عِدلية كل من الشرطين للآخر ، ونفي الجزاء عند انتفاء كليهما ، فينتفي وجوب القصر بانتفاء الخفاءين.

__________________

(*) لا يخفى أن ظاهر العنوان يعطي عدم اختصاص البحث بما إذا لم يكن الجزاء قابلا للتكرار ذاتاً كالقتل ، أو عرضاً كمثال المتن ، لقيام الدليل على عدم تكرر وجوب القصر فيه بوجوبه تارة عند خفاء الأذان ، وأخرى عند خفاء الجدران.

فدعوى الاختصاص به ـ مع إطلاق العنوان وتطرق الاحتمالات ووجوهها في الجزاء الّذي أمكن تكراره ـ خالية عن الدليل ، هذا.

ثم انه (لما كانت) للقضية الشرطية ـ بناء على المفهوم ـ ظهورات عديدة :

أحدها : ظهورها في كون الشرط علة منحصرة موجبة للمفهوم ، وهو انتفاء الجزاء بانتفائه.

ثانيها : ظهورها في استقلال الشرط في التأثير ، وعدم كونه جزء المؤثر.

ثالثها : ظهورها في دخل خصوصيته ، لا بما أنه مصداق لغيره.

رابعها : ظهورها في عموم المفهوم أو إطلاقه ، وكان رفع التنافي بين القضيتين متحققاً برفع اليد عن أحد تلك الظهورات ، (فيقع) الكلام في تشخيص

٣٥٦

المفهوم لا بد من التصرف ورفع اليد عن الظهور اما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ما هو أضعف منها ليتعين للسقوط ويؤخذ بغيره ، ويكون ذلك جمعاً عرفياً بين الدليلين. وعلى هذا ، فمرجع الوجه الأول إلى سقوط ظهور الشرطية في عموم المفهوم. ومرجع الوجه الثاني إلى سقوط ظهورها في أصل المفهوم ، وصيرورة القضية الشرطية حينئذ كاللقبية في عدم المفهوم.

فالفرق بينهما : أن الوجه الأول ينفي شرطية ما سوى الشرطين في ترتب الجزاء ، فانتفاؤهما يوجب انتفاء الجزاء ، إذ المفروض وجود المفهوم لهما ، غاية الأمر أن إطلاقه في كلتا الشرطيتين قيد بالمنطوق. والوجه الثاني لا ينفى دخل ما سوى الشرطين في ترتب الجزاء ، إذ المفروض عدم المفهوم لهما كاللقب.

ومرجع الوجه الثالث إلى رفع اليد عن ظهور الشرطية في الاستقلال ، وصيرورة الشرطين شرطاً واحداً ، والمفهوم يترتب على انتفائهما معاً ، وهذا إطلاق واوي يرفع اليد عنه.

ومرجع الوجه الرابع إلى سقوط ظهور الشرطية في دخل الخصوصية في ترتب الجزاء ، وكون المؤثر فيه هو الجامع بين الشرطين ، لا كل واحد منهما بعنوانه ، كما هو كذلك في الوجه الأول ، فان كلا من الشرطين فيه بعنوانه دخيل في ترتب الجزاء.

ثم ان الظاهر أن العرف يوفق بين الشرطيتين بإلغاء ظهورهما في الانحصار وجعل كل منهما عِدلا للآخر ، لأن كلا منهما نصّ في إناطة الجزاء به ، وظاهر وضعاً أو إطلاقاً في الانحصار ، ونرفع اليد عن هذا الظاهر بنص كل من الشرطين

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

في دخله في الجزاء ، وتبقى الإناطة التي تقتضيها أداة الشرط على حالها. فالنتيجة حينئذ كون كل من الشرطين عدلا للآخر ، فيترتب الجزاء على كل منهما منفرداً وينتفي بانتفائهما.

وهذا هو الوجه الأول الّذي هو الأوجه ، لأن الضرورات تتقدر بقدرها ، ومن المعلوم ارتفاع التعارض بالتصرف في الإطلاق الرافع للعدل المقوم للمفهوم.

فلا وجه لجعل الشرطيتين كالقضيتين اللقبيتين حتى لا تدلا على المفهوم كما هو قضية الوجه الثاني ، لاستلزامه انسلاخ أداة الشرط عن الإناطة والتعليق رأساً من دون موجب لذلك.

وتوهم رجحان الثاني على الأول ، لعدم تصرف فيه في المنطوق ، دون الأول ، للزوم التصرف فيه ، فاسد ، إذ لا يعقل رفع اليد عن المفهوم بدون التصرف في المنطوق.

كما لا وجه لجعل الشرطين من مصاديق ما هو الشرط واقعاً ، وإلغاء عنوانهما كما هو قضية الوجه الرابع ، استناداً إلى قاعدة عدم صدور الواحد عن المتعدد ، وذلك لأن مورد هذه القاعدة وعكسها الواحد الشخصي ـ كما ثبت في محله ـ لا النوعيّ ، كالحرارة المستندة إلى النار تارة ، وإلى شعاع الشمس أخرى ، وإلى الحركة ثالثة ، وإلى الغضب رابعة ، والمقام من الثاني ، دون الأول ، إذ المفروض كون المعلق في المنطوق سنخ الحكم وطبيعته ، لا شخصه ، فلا تكون القاعدة العقلية شاهدة على كون الشرط هو الجامع بين الشرطين.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وكما لا وجه أيضا لرفع اليد عن ظهور كل من الشرطين في السببية المستقلة وجعل كل منهما جزء السبب ، كما هو قضية الوجه الثالث ، وذلك لكون كل من الشرطيتين نصاً في ترتب التالي على المقدم ولو في مورد واحد ، فلا مجال لجعل كل من الشرطين جزء السبب.

فالنتيجة : أن الأظهر هو الوجه الأول ، أعني : كون كل من الشرطين عِدلا للآخر ، فتدبر.

ثم ان هناك وجهاً خامساً ، وهو ما ذكره الحلي «ره» قال في السرائر ص ٧٤ ما لفظه : «وابتداء وجوب التقصير على المسافرين (المسافر) ظاهر من حيث يغيب عنه أذان مصره المتوسط ، أو يتوارى عنه جدران مدينته ، والاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران».

وجعله في التقريرات رابع الوجوه ، وحاصله : رفع اليد عن إحدى الجملتين رأساً ، وجعلها كالعدم ، وحفظ الأخرى منطوقاً ومفهوماً ، ولذا جعل المدار في وجوب القصر على خفاء الأذان فقط ، وأسقط خفاء الجدران عن التأثير رأساً.

وفيه : أن إلغاء أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح ، مع أن لازمه لغوية الآخر رأساً من دون موجب له ، مع إمكان الجمع العرفي بينهما. إلّا أن يقال بأمارية خفاء الجدران على خفاء الأذان ، لكنه ليس جمعاً عرفياً ، ومجرد إمكانه الثبوتي لا يجدي في إثباته ، كما لا يخفى.

إلّا أن يدعى أن خفاء الأذان يتحقق دائماً قبل خفاء الجدران.

٣٥٩

الشرطين (١).

واما (٢) برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم

______________________________________________________

(١) وهما في المثال : خفاء الأذان ، والجدران. وعدم وجوب القصر عند انتفاء الشرطين واضح ، لأن المفهوم حينئذ انتفاء وجوبه عند انتفاء الخفاءين.

(٢) معطوف على قوله : «اما» وهذا ثاني الوجوه الأربعة :

وحاصله : التصرف في ظهور الجملة الشرطية في ترتب الجزاء على الشرط ترتب المعلول على العلة حتى يترتب عليه الانتفاء عند الانتفاء ، فتكون القضيتان الشرطيتان كالقضية اللقبية في عدم الدلالة على المفهوم.

ومحصل هذا الجمع ترتب الجزاء على كل من الشرطين بالاستقلال ، فيجب القصر عند خفاء الأذان بالاستقلال ، وكذا عند خفاء الجدران ، ومع انتفائهما لا دلالة لهما على دخل شيء آخر في الجزاء. بخلاف الوجه الأول ، فانه يدل على عدم الدخل ، حيث انه قضية تقييد إطلاق كل من المفهومين بمنطوق الآخر.

وبالجملة : مرجع هذا الوجه إلى التصرف في ظهور الجملة الشرطية في المفهوم. والنتيجة حينئذ إنكار المفهوم ، وجعل القضيتين الشرطيتين كالقضية اللقبية في عدم الدلالة على المفهوم ، فلا تدل الشرطيتان حينئذ على عدم دخل شيء آخر في ثبوت الجزاء.

__________________

ويمكن أن يقال ـ بل هو المظنون قوياً ـ : ان الحلي «ره» لعدم حجية أخبار الآحاد عنده لم يعتمد على رواية اشتراط خفاء الجدران ، لكونه من الأخذ بغير الحجة ، فاعتماده على شرطية خفاء الأذان ليس من باب ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى ، بل من باب الأخذ بالحجة وطرح غيرها. فما في السرائر خارج عن موضوع البحث وهو تعدد الشرط واتحاد الجزاء ، إذ الشرط ـ بناء على هذا التوجيه ـ واحد ، لا متعدد ، فلا يكون وجهاً خامساً.

٣٦٠