منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الّذي أريد من

______________________________________________________

منطوق ، لأن اللفظ بمعنى الملفوظ ـ أي المنطوق ـ ، وكل ما يفهم من اللفظ مفهوم.

وكيف كان ، فما أفاده المصنف «قده» في تحديد المفهوم اصطلاحاً هو : أنه عبارة عن كل حكم إنشائي كما في الجمل الإنشائية ، كحرمة الإكرام المستفادة من قوله : «ان جاءك زيد فأكرمه» بناء على ثبوت المفهوم للجملة الشرطية. أو كل حكم إخباري ، كما في الجمل الخبرية كالإخبار عن فعله بإعطاء دينار مثلا المستفاد من قوله : «ان جئتني فأنا أعطيك ديناراً» حيث ان الإعطاء فعله الّذي يخبر عنه على تقدير عدم المجيء بالكلام المزبور.

ثم انه يعتبر أن يكون ذلك الحكم الإنشائي أو الإخباري مما تستلزمه خصوصية المعنى المنطوقي بحيث لو لم تكن تلك الخصوصية لم يدل المنطوق على ذلك الحكم الإنشائي أو الإخباري المسمى بالمفهوم ، فلا بد أن تكون تلك الخصوصية المعتبرة في المنطوق مدلولاً عليها باللفظ حتى يخرج المفهوم عن المداليل الالتزامية ، كوجوب المقدمة وحرمة الضد ، فان اللفظ لا يدل فيهما الا على ذي الخصوصية وهو وجوب ذي المقدمة ، ووجوب الضد الآخر ، ونفس الخصوصية تستفاد من الخارج ، لا من اللفظ.

__________________

المسببات الاعتبارية ، فتحريم تلك الآثار كاشف قطعي عن عدم صحة المعاملة.

وأما التحريم المتعلق بنفس المعاملة ، لا الآثار المقصودة منها ، فلا يدل على الفساد ، بخلاف النهي التحريمي المتعلق بالعبادة ، فانه كما عرفت يدل على فسادها.

٣٠١

اللفظ بتلك (١) الخصوصية ولو بقرينة (٢) الحكمة ، وكان (٣) يلزمه لذلك وافقه (٤) في الإيجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم «ان جاءك زيد فأكرمه»

______________________________________________________

(١) متعلق بقوله : «أريد» والمراد باللفظ هو المنطوق ، «وخصوصية» فاعل «تستتبعه» ومعنى تستتبعه : تجعله تابعاً لها ، يعني : تستتبع الحكم الإنشائي أو الإخباري خصوصية المعنى المنطوقي الّذي أريد من اللفظ بسبب تلك الخصوصية ، فيدل هذا الكلام على اعتبار كون الخصوصية مرادة من المنطوق ، ومدلولا عليها باللفظ.

(٢) متعلق بقوله : «أريد» يعني : ولو كان الدال على تلك الخصوصية قرينة الحكمة لا الوضع.

(٣) معطوف على «تستتبعه» يعني : وكان ذلك الحكم الإنشائي أو الإخباري من لوازم ذلك المعنى المنطوقي لأجل تلك الخصوصية. فالأولى تبديل «لذلك» بـ «لأجلها» أو «لها».

(٤) يعني : وافق المفهوم ذلك المعنى المنطوقي في الإيجاب والسلب ، أو خالفه. وهذا إشارة إلى انقسام المفهوم إلى الموافق والمخالف ، والمراد بالأول ما يوافق المنطوق في الإيجاب والسلب ، ويسمى بالمفهوم الموافق ، ولحن الخطاب ، وفحوى الخطاب كحرمة الضرب والشتم المستفادة من حرمة التأفيف.

والمراد بالثاني ما يخالف المنطوق في الإيجاب والسلب ، كحرمة إكرام زيد المستفادة من قوله «ان جاءك زيد فأكرمه» ، ويسمى هذا بالمفهوم المخالف ودليل الخطاب.

٣٠٢

مثلا ـ لو قيل به (١) ـ قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها (٢) لازمة (٣) للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية ، ويكون (٤) لها خصوصية (*) بتلك (٥) الخصوصية كانت مستلزمة لها (٦) ،

______________________________________________________

(١) أي : بمفهوم الشرط.

(٢) إذ مفهوم قوله : «ان جاءك زيد فأكرمه» هو : «ان لم يجئك زيد فلا تكرمه» ومن المعلوم أن هذه قضية سالبة شرطاً وجزاء.

(٣) صفة لقوله : «قضية» يعني : أن القضية الشرطية السالبة المفهومية لازمة للقضية الشرطية الموجبة المنطوقية ، وهي قوله : «ان جاءك زيد فأكرمه».

(٤) معطوف على «تكون» يعني : ويكون للقضية الشرطية المنطوقية خصوصية كانت القضية بسبب تلك الخصوصية مستلزمة للقضية الشرطية المفهومية.

(٥) الباء للسببية كما عرفت ، و «خصوصية» اسم «يكون».

(٦) أي : للقضية الشرطية المفهومية السالبة شرطا وجزاء ، وضمير «لها» في قوله : «ويكون لها» راجع إلى «القضية» التي أريد بها الشرطية المنطوقية.

والمراد بالخصوصية هو : ترتب الجزاء على الشرط ترتب المعلول على العلة

__________________

(*) هذه الخصوصية ليست من مداليل مواد القضية موضوعها أو محمولها ، لعدم دلالة «جاءك وأكرمه» في قولنا : «ان جاءك زيد فأكرمه» على تلك الخصوصية كما هو واضح جداً ، بل الدال على تلك الخصوصية هي الهيئة الشرطية. وكذا في المفهوم الموافق ، فان الخصوصية المستتبعة للمفهوم الموافق ليست في مدلول «لا تقل» ، ولا في مدلول «أُف» بل في مدلول المركب بما هو مركب.

٣٠٣

فصح (١) أن يقال : ان المفهوم انما هو حكم غير مذكور ، لا أنه (٢) حكم لغير مذكور ، كما فسر به (٣) ،

______________________________________________________

المنحصرة ، كما في دليل الخطاب ، أو كون الحكم لثبوته للموضوع الأخف مستلزماً لثبوته للأشد ، كما في لحن الخطاب.

(١) متفرع على ما أفاده من كون المفهوم عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري غير مذكور في القضية تقتضيه خصوصية المعنى المنطوقي ، إذ يصح حينئذ أن يقال : ان المفهوم حكم غير مذكور في القضية اللفظية ، ضرورة أن حرمة إكرام زيد غير مذكورة في قولنا : «ان جاءك زيد فأكرمه» ، وكذا حرمة الضرب والشتم ، فانها غير مذكورة في قوله تبارك وتعالى : «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ».

وبالجملة : فنفس المفهوم وهو الحكم الإنشائي أو الاخباري غير مذكور في المنطوق بلا واسطة وان كان مدلولا عليه بذكر الخصوصية المستتبعة له في المنطوق.

(٢) أي : لا أن المفهوم حكم لموضوع غير مذكور في المنطوق. فالفرق بين المنطوق والمفهوم على هذا التعريف : أن الموضوع في المنطوق مذكور ، وفي المفهوم غير مذكور ، كالضرب والشتم الموضوعين للحرمة ، فانهما لم يذكرا في المنطوق ، وهو قوله تعالى : «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ».

(٣) يعني : كما فسر المفهوم ب : «أنه حكم لغير مذكور» فان الحاجبي عرف المنطوق بـ «ما دل عليه اللفظ في محل النطق» والمفهوم بـ «ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق» وفسره العضدي بقوله : «أي يكون حكماً لمذكور وحالا من أحواله سواء ذكر ذلك الحكم ونطق به أم لا ، والمفهوم بخلافه وهو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق بأن يكون حكماً لغير المذكور وحالا من أحواله».

٣٠٤

وقد وقع فيه النقض والإبرام بين الاعلام (١) (*)

______________________________________________________

(١) قال في التقريرات : «وأورد عليه أولا بخروج المفاهيم كمفهوم الشرط مثل قولك : ان جاء زيد فأكرمه ، فان الموضوع في المفهوم هو زيد المذكور في المنطوق ، ومفهوم الغاية كقولك : صم إلى الليل ، فانه لا يجب فيه الصيام وهو مذكور ، ومفهوم الحصر كقولك : انما زيد قائم ، وبمفهوم اللقب نحو قولك : يجب إكرام غير زيد ، وبنحو فاسأل القرية ، فيختل التعريفان طرداً وعكساً. وثانياً : أنهم ذكروا أن الإيماء والإشارة من المنطوق ، ومثلوا لهما بالآيتين ، فان دلالتهما على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر انما هي بالمنطوق مع أن أقل مدة الحمل الّذي هو الموضوع غير مذكور. وثالثاً : أن المداليل الالتزامية التي لا تعد عندهم من المفهوم في الأغلب لا يكون الموضوع فيها مذكوراً» إلى آخر ما ذكر في التقريرات.

وحاصله : أنه ـ بناء على تعريف المفهوم بكونه حكماً لغير مذكور ـ يلزم أن لا يكون التعريف جامعاً لافراده ، لخروج مفهوم الشرط عنه ، ضرورة أن موضوعه مذكور ، حيث انه نفس موضوع المنطوق. وخروج مفهوم الغاية عنه ، لأن الليل الّذي هو الموضوع مذكور في كل من المنطوق والمفهوم. وخروج مفهوم اللقب عنه ، لأن مفهوم «زيد يجب إكرامه» لا يجب إكرام غير زيد. ولا مانعاً لغير افراده ، لدخول نحو «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» فيه ، لأن «اسأل» حكم لغير مذكور وهو «الأهل» مع أنه ليس من باب المفهوم ، وانما هو من باب المجاز في الحذف ، فهو من باب المنطوق. ودخول دلالة الآيتين على أقل الحمل فيه أيضا ، لعدم ذكر الموضوع ـ وهو أقل الحمل ـ فيهما ، مع أنها من

__________________

(*) لا يخفى أنهم وان أطالوا الكلام في تحديد المفهوم ، لكنهم لم يأتوا

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

باب المنطوق أيضا. ودخول المداليل الالتزامية فيه أيضا ، لعدم ذكر الموضوع فيها غالباً ، مع أنها من باب المنطوق.

وبالجملة : لازم ما ذكروه في تعريفي المنطوق والمفهوم خروج بعض أفراد المنطوق ، ودخوله في تعريف المفهوم ، وبالعكس. راجع التقريرات.

__________________

بما يميزه عن المنطوق ، كما هو غير خفي على من لاحظ تعريفاتهم للمنطوق والمفهوم حتى ما أفاده بعض الأعاظم قدس الله تعالى نفسه الزكية على ما في تقرير بحثه الشريف من «أن ما يفهم من كلام المتكلم قد يكون بحيث يمكن أن يقال : انه تنطق به بنحو لو قيل للمتكلم : أنت قلت هذا لم يكن له إنكاره ، وقد يكون بحيث لا يمكن ذلك ، بل يكون للمتكلم مفرّ منه وان أنكر قوله إياه لم يمكن إلزامه ، مثلا إذا قال المتكلم : ان جاءك زيد فأكرمه ، فمداليله المطابقية والتضمنية والالتزامية كلها مما لا يمكن للمتكلم أن ينكر تنطقه بها. وأما عدم ثبوت الوجوب عند عدم المجيء ، فيفهم من اللفظ ، ولكن لو قيل للمتكلم أنت قلت هذا أمكنة إنكار ذلك ، بأن يقول : ما قلت ذلك ، وانما الّذي قلته وتنطقت به هو وجوب الإكرام عند المجيء ، وليس الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت حتى يقال : ان دلالة اللفظ عليه بالالتزام ، لوضوح أن وجوب الإكرام عند المجيء لا يستلزم بحسب الواقع عدم وجوبه عند عدمه ، ومع ذلك نرى بالوجدان أنه يفهم من الكلام ، ولكنه ليس بحيث يمكن أن ينسب إلى المتكلم أنه تنطق به» انتهى موضع الحاجة من عبارة التقرير.

أقول : ان أريد من التنطق تنطق المتكلم بلا واسطة خرجت الدلالات الالتزامية عن المنطوق ، لأن الدلالة على اللازم انما تكون بتوسط دلالة الملزوم عليه ، لا لأجل تنطق المتكلم به ، فإذا قال : «طلعت الشمس» لا يكون ما تنطق به

٣٠٦

مع (١) أنه لا موقع له (٢) كما أشرنا إليه (٣)

______________________________________________________

(١) هذا جواب عن الإشكالات التي أوردوها على تعريفي المنطوق والمفهوم طرداً وعكساً.

وحاصل الجواب : أن تلك الإشكالات لا موقع لها ، لعدم كون هذه التعريفات حدوداً حقيقة ، بل من قبيل شرح الاسم ، فلا يراعى فيها ما تجب مراعاته في التعاريف الحقيقية من الطرد والعكس.

(٢) أي : لما ذكر من النقض والإبرام.

(٣) أي : عدم موقع للنقض والإبرام في غير مورد من الموارد.

__________________

بلا واسطة الا الاخبار بطلوع الشمس ، وليس الاخبار بضوئها مما تكلم به المتكلم ، فدلالة الشمس على الضوء بناء على ما أفاده «قده» لا بد من أن تندرج في المفهوم ، مع تسالمهم على كون المداليل الالتزامية من المنطوق لا المفهوم.

وان أريد من النطق تنطقه ولو مع الواسطة دخلت المداليل الالتزامية والمفاهيم طراً في المنطوق ، لأن جميعها مما يدل عليه اللفظ مع الواسطة.

وأما قوله : «وليس الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت» فلا يخلو أيضا من الغموض ، لأن الانتفاء عند الانتفاء وان لم يكن من لوازم مجرد الثبوت عند الثبوت ، لكنه من لوازم الثبوت المعلق على شرط أو وصف أو غيرهما ، فان الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت المعلق ، كما هو المفروض في المفهوم ، حيث انه من لوازم خصوصية المنطوق. فالمفهوم مما يدل عليه المنطوق المتخصص بتلك الخصوصية.

فلعل الأولى في تعريفه أن يقال : «المفهوم قضية تدل عليها خصوصية القضية المنطوقية» وان نوقش أيضا في ذلك ، فالإحالة إلى العرف أولى.

٣٠٧

في غير مقام ، لأنه (١) من قبيل شرح الاسم ، كما في التفسير اللغوي (٢).

ومنه (٣) قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي لذلك (٤) ، كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة وان كان بصفات المدلول أشبه (٥) (*) ، وتوصيف الدلالة

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لا موقع له» وضمير «لأنه» راجع إلى التعريف المزبور وهو قوله : «حكم لغير مذكور».

(٢) الّذي يكون الغرض منه المعرفة في الجملة ، ولذا قد يقع التعريف منهم بالأعم ، كقول اللغوي : «سعدانة نبت» وقد يقع بالأخص كقول النحوي : «الفاعل ما صدر عنه الفعل».

قال في التقريرات : «والأولى أن الحدود المذكورة انما هي حدود لفظية لا عبرة بها بعد تميز المعنى المقصود عن غيره».

(٣) يعني : ومن كون التفسير المزبور من قبيل شرح الاسم ظهر حال سائر تفاسير المفهوم.

(٤) أي : لغير هذا التفسير الّذي هو كون المفهوم عبارة عن الحكم لغير المذكور ، إذ لا يهمنا التصدي له بعد وضوح عدم كون تعريفات المفهوم حدوداً حقيقية ، بل من قبيل شرح الاسم ، كما لا يهمنا بيان أن المفهوم من صفات المدلول ، فمعنى قولهم : «مفهوم الشرط حجة» أن المدلول المفهوم من قولنا : «ان جاءك زيد فأكرمه» وهو : «ان لم يجئك فلا تكرمه» حجة ، أو أنه من صفات الدلالة ، فمعنى قولهم : «مفهوم الشرط حجة» أن الدلالة على أنه «ان لم يجئك زيد فلا تكرمه» المفهومة من قولنا : «ان جاءك زيد فأكرمه» حجة.

(٥) لما عرفت من أن المفهوم من لوازم خصوصية المعنى المنطوقي ،

__________________

(*) لا يخفى أن الدلالة والكشف والحكاية قائمة بالدال وهو هنا اللفظ ،

٣٠٨

أحياناً (١) كان من باب التوصيف بحال المتعلق (٢)

وقد انقدح من ذلك (٣) : أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في

______________________________________________________

فالمدلول اما منطوق واما مفهوم ، ويشهد له بعض التفاسير كقولهم : «ان المفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق» والمراد بالموصول هو المدلول ، فالمتصف بالمفهوم هو المدلول.

(١) كما يقال : الدلالة المفهومية والمنطوقية.

(٢) وهو المدلول. غرضه : أن توصيف الدلالة بالمفهوم انما يكون بلحاظ متعلق الدلالة ـ وهو المدلول ـ لا باعتبار نفسها ، فتوصيف الدلالة بالمفهومية يكون بالعناية والمجاز ، فالوصف حينئذ بحال المتعلق لا الموصوف.

(٣) أي : من كون المفهوم ناشئاً عن خصوصية المعنى المنطوقي ولازماً لها يظهر : أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه يرجع إلى أن تلك الخصوصية المستتبعة للمفهوم ثابتة بالوضع ، أو بالقرينة العامة أولا ، فان دل المنطوق على تلك الخصوصية لزمه المفهوم ، وإلّا فلا ، وبعد ثبوت دلالة المنطوق على تلك الخصوصية لا إشكال في دلالته على المفهوم الّذي هو لازمه ، فالنزاع في حجية المفهوم يرجع حقيقة إلى النزاع في ثبوته ، لا إلى حجيته ، فقولهم : «مفهوم الشرط مثلا حجة» مبني على المسامحة.

__________________

فان كان المحكي به نفس معناه اتصف المحكي بالمنطوقية ، وان كان لازم معناه اتصف ذلك اللازم بالمفهومية. وعلى هذا ، فالمنطوقية والمفهومية من صفات المدلول ، والدلالة من صفات اللفظ الدال ، فهي تتصف بالصراحة والظهور ، ولكن لا تتصف بالمنطوقية والمفهومية. نعم تتصف الدلالة بهما بناء على كونها بمعناها المفعولي ، لأنها حينئذ عبارة عن المدلول المتصف بهما ، كما هو ظاهر.

٣٠٩

الحقيقة انما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة (١) على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى (٢) أم لا؟

فصل

الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء كما تدل على الثبوت عند

______________________________________________________

(١) قد حكي ذهاب أكثر المحققين ـ على ما في التقريرات ـ إلى أنه بالوضع لا بالقرينة العامة.

(٢) وهي القضية المفهومية ، ومعادل القرينة العامة والوضع هو القرينة الخاصة الدالة على المفهوم ، فان كان الدال على تلك الخصوصية هو الوضع أو القرينة العامة ، فلا إشكال في ثبوت المفهوم ، لدلالة تلك الخصوصية المدلول عليها بالوضع أو القرينة على الثبوت عند الثبوت ، والانتفاء عند الانتفاء ، ولا نعني بالمفهوم إلّا هذا.

وان كان الدال على تلك الخصوصية قرينة خاصة ، فلا يترتب عليه المفهوم في جميع الموارد ، لاختصاص تلك القرينة بموردها. نظير قرينة تدل على إرادة الوجوب من الأمر الواقع عقيب الحظر في بعض الموارد ، بعد كون وقوعه عقيب الحظر قرينة عامة على إرادة رفع المنع من الأمر ، فان تلك القرينة الخاصة تختص بموردها ، ولا تكون قرينة على إرادة الوجوب منه في كل مورد يقع بعد الحظر.

٣١٠

الثبوت بلا كلام (١) أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام لا شبهة في استعمالها (٢) وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام ، انما الإشكال والخلاف في أنه (٣) بالوضع أو بقرينة عامة بحيث لا بد من الحمل [الجري] عليه (٤) لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال ، فلا بد للقائل بالدلالة (٥) من إقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين (٦) على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول

______________________________________________________

مفهوم الشرط

(١) قيد للدلالة على الثبوت عند الثبوت.

(٢) أي : الجملة الشرطية ، كما لا شبهة في استعمالها في مجرد الثبوت عند الثبوت أي بلا إرادة الانتفاء عند الانتفاء منها ، فان المحكي عن الفوائد الطوسية أن في القرآن الكريم مائة مورد أو أكثر لا تدل الجملة الشرطية فيها على المفهوم.

(٣) أي : الاستعمال في الانتفاء عند الانتفاء.

(٤) أي : على الانتفاء عند الانتفاء ، وهذه اللابدية شأن الوضع كصيغة الأمر الموضوعة للوجوب ، فانه مع التجرد عن القرينة على خلافه لا بد من حملها على الوجوب ، وشأن القرينة العامة كوقوع الأمر عقيب الحظر الّذي هو قرينة عامة على عدم إرادة الوجوب منه ، فانه يحمل الأمر على ذلك إلّا إذا قامت قرينة خاصة على إرادة الوجوب منه في مورد ما.

(٥) أي : الدلالة على المفهوم.

(٦) أي : الوضع والقرينة العامة.

٣١١

على علته المنحصرة (١). وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة (٢) ، فان (٣) له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت

______________________________________________________

(١) لأن مدار المفهوم دلالة الخصوصية المنطوقية على الانتفاء عند الانتفاء المنوط بكون الخصوصية علة منحصرة ، إذ بدون الانحصار لا دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، لإمكان قيام علة مبقية للجزاء عند انتفاء العلة الأولى ، مثلا إذا لم يكن مجيء زيد علة منحصرة لإكرامه أمكن أن يكون مجيء ابنه أو إرسال كتابه أو إبلاغ سلامه علة أيضا لوجوب إكرامه ، ومن المعلوم عدم انتفاء الجزاء بانتفاء علته حينئذ.

(٢) لأن المفهوم مترتب على تحقق الجهات الأربع الآتية ، فإنكار إحداها ينفي المفهوم.

(٣) هذا بيان لكون القائل بعدم دلالة القضية الشرطية على المفهوم في فسحة توضيحه : أن له المنع عن إحدى الجهات المقومة للمفهوم ، وهي أربعة :

إحداها : أن تكون القضية الشرطية لزومية ، بأن يكون بين الشرط والجزاء علاقة ، كأن يكون المقدم علة للتالي ، مثل «ان كان هذا متعفن الأخلاط فهو محموم» أو العكس مثل «ان كان هذا محموماً فهو متعفن الأخلاط» ، أو يكون كلاهما معاً معلولين لعلة ثالثة ، مثل «ان كان الخمر حراماً كان بيعه باطلا» فان الحرمة والبيع معلولان للإسكار. أو يكون بينهما نسبة التضايف تحققاً وتعقلا ، مثل «ان كان زيد ابن عمرو ، فعمرو أب له» ، فلو كانت القضية الشرطية اتفاقية مثل «ان كان الإنسان ناطقاً كان الحمار ناهقاً» فلا مفهوم لها ، إذ لا تدل حينئذ إلّا على مجرد الثبوت عند الثبوت ، والمفروض توقف المفهوم على دلالة القضية المنطوقية على الانتفاء عند الانتفاء.

٣١٢

ولو من باب الاتفاق (١) ، أو منع (٢) دلالتها على الترتب ، أو على (٣) نحو الترتب (*) على العلة ، أو العلة (٤) المنحصرة بعد تسليم اللزوم والعلية.

______________________________________________________

(١) فتكون القضية الشرطية حينئذ كالقضية الحملية في الدلالة على الثبوت عند الثبوت مثل «زيد قائم» وعدم الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء.

(٢) معطوف على «منع» وهذا إشارة إلى الجهة الثانية من الجهات المقومة للمفهوم وحاصلها : أن دلالة الجملة الشرطية على ترتب الجزاء على الشرط وتأخره عنه من مقومات المفهوم ، إذ لو كانا في رتبة واحدة ، كما إذا كانا معلولين لعلة ثالثة كالمثال المتقدم وهو «ان كان الخمر حراماً كان بيعه باطلا» لا يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر ، فان العلقة بين الحرمة والبيع ـ وهي كونهما معلولي علة ثالثة أعني بها الإسكار ـ وان كانت ثابتة ، إلّا أنه لما لم يكن بطلان البيع معلولا للحرمة ، فانتفاء الحرمة ـ لضرورة ونحوها ـ لا يوجب انتفاء بطلان البيع ، فلا تدل الجملة الشرطية حينئذ على المفهوم ، فتنتفي الحرمة دون بطلان البيع.

فاتضح : أن إنكار دلالة القضية الشرطية على الترتب المزبور كافٍ في نفى المفهوم.

(٣) معطوف على قوله : «على الترتب» ، وهذا إشارة إلى الجهة الثالثة الدخيلة في ثبوت المفهوم ، توضيحها : أن المفهوم متوقف على دلالة القضية على كون ترتب الجزاء على الشرط من ترتب المعلول على العلة ، فإنكار الترتب على نحو العلية يهدم أساس المفهوم ولو مع الاعتراف بأصل التركيب ، كما لا يخفى.

(٤) يعني : أو منع دلالة القضية على كون الترتب بنحو العلة المنحصرة ،

__________________

(*) لا يخفى أن الترتب على أنحاء :

٣١٣

لكن منع دلالتها على اللزوم ودعوى كونها (١) اتفاقية في غاية

______________________________________________________

وهذا إشارة إلى الجهة الرابعة من الجهات الدخيلة في ثبوت المفهوم.

وتوضيحه : أن ثبوت المفهوم منوط بما ذكر من الجهات الثلاث ، وبدلالة القضية الشرطية على كون ترتب الجزاء على الشرط بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، لا مطلق العلة ولو لم تكن منحصرة ، فإنكار دلالة القضية الشرطية على كون الترتب بهذا النحو كاف في عدم ثبوت المفهوم.

(١) أي : كون الجملة الشرطية اتفاقية لا لزومية في غاية السقوط ، وهذا إشارة إلى دفع المنع الأول المذكور بقوله : «فان له منع دلالتها على اللزوم».

__________________

منها : الترتب بالعلية ، وهو : كون المتقدم فاعلا مستقلا بالتأثير.

ومنها : الترتب بالطبع ، وهو : كون المتقدم من العلل الناقصة للمتأخر بحيث يجوز وجود المتقدم مع عدم وجود المتأخر ، ويمتنع العكس بأن يوجد المتأخر دون المتقدم.

فالفرق بينه وبين سابقه : أن المتقدم في الترتب بالعلية كاف في وجود المتأخر ، بخلاف المتقدم في الترتب الطبعي ، فان له حظاً في وجود المتأخر ، كالواحد فان له حظاً في وجود الاثنين ، وليس مؤثراً تاماً في وجوده.

ومنها : الترتب بالزمان ، بأن يكون المتقدم موجوداً في زمان قبل زمان المتأخر ، كوجود موسى قبل عيسى عليهما‌السلام.

ومنها : الترتب الرتبي ، وهو : اما حسي كتقدم الإمام على المأموم ، واما عقلي ، كتقدم الجنس على النوع.

ومنها : الترتب الشرفي ، كتقدم العالم على المتعلم ، فان التقدم فيه انما هو بالشرف.

٣١٤

السقوط ، لانسباق (١) اللزوم منها قطعاً ، وأما المنع عن [من] أنه (٢) بنحو الترتب على العلة ـ فضلا عن كونها منحصرة ـ فله مجال واسع.

ودعوى : تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع كثرة استعمالها (٣) في الترتب على نحو الترتب على غير المنحصرة

______________________________________________________

(١) تعليل لكون القضية الشرطية لزومية لا اتفاقية ، كما هو مقتضى إنكار المفهوم ، نظراً إلى منع دلالة الجملة الشرطية على اللزوم.

وحاصل التعليل : تبادر اللزوم من الجملة الشرطية قطعاً ، والتبادر علامة الوضع ، فلا وجه لمنع دلالتها على اللزوم. وضمير «منها» راجع إلى الجملة الشرطية.

(٢) أي : اللزوم ، وغرضه : أن إنكار المفهوم لأجل المنع عن كون اللزوم بنحو الترتب على العلة ـ فضلا عن كون الشرط علة منحصرة للجزاء ـ في محله ، وله مجال واسع ، إذ لم تثبت دلالة الجملة الشرطية على كون الشرط علة للجزاء ـ فضلا عن دلالتها على الانحصار ـ بعد وضوح غلبة كون الشرط والجزاء متلازمين في الوجود ، مثل «المسافر إذا قصر الصلاة أفطر» فان تقصير الصلاة ليس علة للإفطار ، بل هما حكمان متلازمان ثابتان للمسافر غير الناوي لإقامة عشرة أيام. وعليه ، فليس للقائل بالمفهوم دعوى تبادر اللزوم ، وترتب الجزاء على الشرط بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، إذ استعمال الجملة الشرطية في الترتب على العلة غير المنحصرة يكون كاستعمالها في العلة المنحصرة بلا عناية ، ومعه كيف تصح دعوى التبادر المزبور؟

(٣) أي : استعمال الجملة الشرطية ، وضمير «كونها» راجع إلى العلة ، وضمير «فله» راجع إلى المنع ، وقوله : «مع كثرة استعمالها» في الحقيقة تعليل لبعد هذه الدعوى ، كما سيتضح بعيد هذا.

٣١٥

منها بل في مطلق اللزوم (١) ـ بعيدة (٢) (*) عهدتها على مدعيها (٣) ، كيف (٤)

______________________________________________________

(١) يعني : بل كثرة استعمال الجملة الشرطية في مطلق اللزوم دون اللزوم الخاصّ ـ وهو الترتب بنحو العلية ـ ثابتة ، ومع هذه الكثرة لا تصح دعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو العلة المنحصرة الّذي هو أساس المفهوم ، لدلالته حينئذ على الانتفاء عند الانتفاء. وضمير «منها» راجع إلى العلة.

(٢) خبر قوله : «ودعوى» ودفع لها ، وقد عرفت وجه بعدها بقوله : «مع كثرة استعمالها».

(٣) خبر قوله : «عهدتها» ، وضميرا «عهدتها ومدعيها» راجعان إلى الدعوى.

(٤) هذا أيضا في مقام تضعيف الدعوى المزبورة ، توضيحه : أنه كيف تصح دعوى تبادر العلة المنحصرة مع كون الاستعمال في مطلق اللزوم وخصوص العلة المنحصرة بوزان واحد ، حيث ان تبادر العلة المنحصرة لو ثبت لاقتضى أن يكون الاستعمال في مطلق اللزوم استعمالا في غير الموضوع له بالعناية والمجاز ، لأن التبادر علامة الوضع ، مع أنه ليس كذلك ، لأن الاستعمال في مطلق اللزوم كالاستعمال في خصوص العلة المنحصرة يكون بلا عناية.

__________________

(*) بل قريبة ، إذ لا منافاة بين التبادر المزبور وبين كثرة الاستعمال في غير الترتب على نحو الترتب على العلة المنحصرة ، نظير كثرة استعمال صيغة الأمر في الندب مع كونها حقيقة في الوجوب ، فان كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا توجب رفع اليد عن المعنى الحقيقي ، وعن حمل اللفظ عليه مع التجرد عن القرينة.

٣١٦

ولا يرى في استعمالها فيهما (١) عناية ورعاية علاقة ، بل انما تكون إرادته (٢) كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية ، كما يظهر (٣) على من أمعن النّظر وأجال البصيرة [البصر] في موارد الاستعمالات ، وفي (٤) عدم الإلزام والأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات وصحة (٥) الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم ، وعدم (٦) صحته لو كان

______________________________________________________

وبالجملة : فاستعمال الجملة الشرطية في مطلق اللزوم ، وخصوص الترتب بنحو العلة المنحصرة على نهج واحد كاشف عن عدم صحة دعوى التبادر.

(١) أي : في مطلق اللزوم ، والترتب بنحو المنحصرة. وضمير «استعمالها» راجع إلى الجملة الشرطية.

(٢) أي : إرادة مطلق اللزوم.

(٣) غرضه : الاستشهاد على استعمال الجملة الشرطية في الجامع بين العلة المنحصرة ومطلق اللزوم ، وكون الاستعمال في كل منهما بلا عناية بوجهين : أحدهما موارد الاستعمالات ، والآخر عدم الإلزام بمفهوم الجملة الشرطية في مقام المخاصمات ، ولو كان لها مفهوم لم يكن لعدم الإلزام المزبور وجه ، لأن المفهوم كالمنطوق حجة ، فإنكار المفهوم مخالف للحجة ، فلا يقبل.

(٤) معطوف على «في موارد».

(٥) معطوف على «عدم الإلزام» يعني : وفي صحة الجواب ب : أنه لم يكن لكلامه مفهوم.

(٦) مبتدأ خبره قوله : «معلوم» وغرضه : أنه لو كان لكلامه ظهور في المفهوم لم يصح الجواب بنفي المفهوم عنه قطعاً ، والمفروض صحته ، فصحته تدل على عدم ظهور الكلام في المفهوم عند أبناء المحاورة.

٣١٧

له ظهور فيه (١) معلوم.

وأما (٢) دعوى الدلالة بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل أفرادها وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها ففاسدة (٣) جداً ، لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الأكمل ، لا سيما (٤)

______________________________________________________

(١) أي : في المفهوم ، والضمير في «له» راجع إلى الكلام ، والضمير في «صحته» راجع إلى الجواب.

(٢) غرضه : إثبات المفهوم للجملة الشرطية بوجه آخر ، وهو الانصراف.

توضيحه : أن إطلاق العلاقة اللزومية التي تدل عليها القضية الشرطية بالوضع منصرف إلى أكمل أفرادها ، وهو اللزوم المتحقق بين العلة المنحصرة ومعلولها فالأكملية توجب انصراف اللزوم الّذي له أفراد إلى خصوص اللزوم الحاصل بين العلة المنحصرة ومعلولها ، ومن المعلوم أن العلة المنحصرة تستتبع الانتفاء عند الانتفاء الّذي يتقوم به المفهوم.

(٣) لوجوه :

الأول : أن الموجب للانصراف المقيد للإطلاق هو أُنس اللفظ بالمعنى الناشئ عن كثرة الاستعمال ، دون الأكملية ، فانها لا توجب الانصراف المعتد به. وقوله : «لعدم كون الأكملية ... إلخ» إشارة إلى هذا الوجه.

(٤) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أن الانصراف المزبور ـ بعد تسليم كون الأكملية موجبة له ـ ممنوع في المقام ، إذ لا بد من كون المنصرف إليه الفرد الغالب من حيث الاستعمال ، وهو مفقود في محل الكلام ، إذ ليس الاستعمال في الفرد الأكمل أغلب استعمالا من غيره ، وهو العلة غير المنحصرة.

٣١٨

مع كثرة الاستعمال في غيره (١) كما لا يكاد يخفى ، هذا.

مضافاً إلى منع كون اللزوم بينهما (٢) أكمل مما إذا لم تكن العلة

______________________________________________________

فلو سلمنا أصل الانصراف إلى الأكمل ، لكنه غير الانصراف المقيد للإطلاق ، لكونه منوطاً بكثرة الاستعمال المفقودة في المقام ظاهراً.

(١) أي : غير الأكمل من سائر أفراد اللزوم ، لكثرته فيه.

(٢) أي : بين العلة المنحصرة ومعلولها. وهذا ثالث الوجوه ، وحاصله : منع أكملية اللزوم الثابت بين العلة المنحصرة ومعلولها من اللزوم الثابت بين العلة غير المنحصرة ومعلولها.

توضيحه : أن العلة المنحصرة عبارة عن السبب المجامع مع الشرط وعدم المانع مع عدم سبب آخر ، ومن المقرر في محله : تفاوت دخل أجزاء العلة في ترتب المعلول عليها ، ففي السبب خصوصية تقتضي وجود المعلول ، وليست هذه الخصوصية في غير السبب ، والشرط وعدم المانع دخيلان في تأثير السبب ، وإلّا فوجود المعلول يستند إليه لا إلى سائر أجزاء العلة ، وتلك الخصوصية مقدمة لسببية السبب سواء وجد معه سائر أجزاء العلة أم لا ، وسواء كان هناك سبب آخر أم لا. فليس انحصار العلة من الذاتيات المنوِّعة للسبب ، ولا من الصفات اللازمة له كالضحك للإنسان ، بل ينتزع الانحصار وعدمه من وجود سبب آخر وعدمه ، فليس الانحصار موجباً لأكملية الخصوصية التي يتقوم بها السبب ويستند المسبب إليها ، بل ان تحققت في السبب أثّر السبب أثره في وجود المعلول سواء أكان منحصراً أم لا ، وان لم تتحقق فيه فلا يؤثر في وجوده أصلا ، بل الانحصار أجنبي عن سببية السبب.

ثم ان الأولى تقديم هذا الوجه على الوجه الأول بأن يقال : «أما أولا فلا أكملية ، وأما ثانياً فبعد تسليمها لا توجب الانصراف».

٣١٩

بمنحصرة ، فان الانحصار لا يوجب (١) أن يكون ذاك الربط الخاصّ الّذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.

ان قلت : نعم (٢) ، ولكنه (٣) قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة ، كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسيّ.

______________________________________________________

(١) لما عرفت من أن الانحصار ينتزع عن عدم سبب آخر ، لا عن نفس الخصوصية المقومة للسبب حتى يكون اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها أكمل من العلة غير المنحصرة.

(٢) يعني : ما ذكرت من «أن الجملة الشرطية لا تدل بالوضع على انحصار العلة في الشرط» صحيح ، لكن مقتضى مقدمات الحكمة هو الانحصار.

(٣) أي : لكن انحصار العلة في الشرط ، وغرض هذا القائل إثبات المفهوم بقرينة عامة أخرى ـ وهي التمسك بمقدمات الحكمة ـ بتقريب : أنه لو كان للشرط المذكور في القضية كقوله : «ان جاءك زيد فأكرمه» عدل لكان على المتكلم بيانه بأن يقول : «ان جاءك زيد أو أرسل كتاباً فأكرمه» ، فعدم بيان العِدل ـ مع كونه في مقام البيان ـ يقتضي كون الشرط علة منحصرة. فإطلاق التعليق بمقتضى مقدمات الحكمة يستلزم كون الشرط علة منحصرة ، فيستفاد المفهوم حينئذ من الإطلاق ، كما يستفاد من إطلاق صيغة الأمر الوجوب النفسيّ ، لأن الوجوب الغيري يحتاج إلى مئونة زائدة ثبوتاً وإثباتاً ، إذ كون الوجوب للغير قيد زائد يحتاج إلى اللحاظ والبيان الزائدين على لحاظ أصل الوجوب وبيانه.

والحاصل : أن مقدمات الحكمة تقتضي انحصار العلة الّذي يترتب عليه المفهوم.

٣٢٠