منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

من باب الاجتماع أصلا ، وذلك (١) لثبوت المقتضي في هذا الباب (٢) كما إذا لم يقع بينهما (٣) تعارض ، ولم يكونا (٤) متكفلين للحكم الفعلي فيكون (٥) وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا المختص (٦) بما

______________________________________________________

(١) بيان لفساد الإشكال المزبور ، توضيحه : أن المتوهم خلط بين التعارض والتزاحم ، وما ذكره من فساد الصلاة في موارد العذر يتجه في التعارض ، دون التزاحم الّذي يكون منوطاً بوجود الملاك في كل واحد من المتزاحمين ، ومسألة الاجتماع تكون من باب التزاحم ، فغلبة النهي على الأمر لا توجب خلو الأمر عن الملاك ، كما توجب خلوه عنه ـ بناء على التعارض ـ لخلو المورد فيه عن كل من الحكم الفعلي وملاكه ، فلا مصحح له أصلا.

(٢) يعني : باب اجتماع الأمر والنهي.

(٣) أي : بين الخطابين.

(٤) بيان للتعارض ، إذ لو كانا متكفلين للحكم الفعلي وقع بينهما التعارض للعلم الإجمالي بكذب أحدهما في حكايته.

(٥) هذا متفرع على وجود المقتضي في كلا الدليلين الّذي هو مقوم باب التزاحم ، فان تقديم أحد المقتضيين على الآخر لا يرفع ملاكه ، ولذا يحكم بصحة الواجب المهم العبادي مع ترك الواجب الأهم ، فلو كان المهم خالياً عن الملاك لم يكن صحيحاً عند ترك الأهم ، كما تقدم في مسألة الضد.

(٦) صفة لـ «تقديم» يعني : أن هذا التقديم العقلي يختص بما إذا لم يمنع عن تأثير المقتضي الّذي يقدم بحكم العقل مانع ، وإلّا فلا يحكم العقل بتقديمه على صاحبه. ففيما نحن فيه يكون حكم العقل بتقديم ملاك النهي وتأثيره في

٢٠١

إذا لم يمنع عن تأثيره مانع (١) المقتضي (٢) لصحة مورد الاجتماع مع الأمر (٣) ، أو بدونه (٤) فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له (٥) أو عن فعليته (٦) كما مر تفصيله (٧).

______________________________________________________

الحرمة الفعلية منوطاً بعدم مانع عن تأثيره ، وإلّا فلا يحكم بذلك ، بل يؤثر ملاك الأمر حينئذ ، فتصح العبادة في المغصوب مع عذر مانع عن تأثير ملاك النهي في فعلية الحرمة.

(١) يعني : إذا منعه مانع فلا يؤثر.

(٢) صفة لـ «تقديم» أيضا ، ويمكن أن يكون كل من «المختص والمقتضي» نعتاً للتخصيص ، فلاحظ.

(٣) كما إذا كان العذر الاضطرار الرافع للنهي ، فإذا لم يكن هناك نهي أصلا فملاك الأمر يؤثر في فعلية الوجوب بلا مزاحم.

(٤) أي : بدون الأمر ، كما في موارد الجهل والنسيان ، لكونهما رافعين لفعلية النهي ، لا أصله ، فلا يثبت حينئذ أمر بالصلاة ، وإلّا يلزم اجتماع الحكمين.

(٥) أي : للنهي كالاضطرار ، فانه مانع عن تأثير المفسدة المقتضية للنهي في أصل النهي ، وبعد ارتفاع النهي يؤثر المصلحة المقتضية للأمر في الأمر ، فالمجمع مورد للأمر الفعلي ، إذ لا نهي أصلا. والأولى تبديل «له» بـ «فيه» لتعلق «له» بـ «تأثير» فلاحظ.

(٦) معطوف على «عن تأثير» يعني : فيما كان هناك مانع عن فعلية النهي كالجهل والنسيان المانعين عن فعلية النهي ، لا عن مجرد إنشائه.

(٧) في عاشر الأمور المتقدمة على المقصود المتكفل لبيان ثمرة النزاع ، حيث قال فيه : «وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب

٢٠٢

وكيف كان (١) ، فلا بد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح ، وقد ذكروا لترجيح النهي وجوهاً :

منها : أنه (٢) أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الافراد ، بخلاف الأمر (٣).

وقد أورد عليه (٤)

______________________________________________________

متعارضين ... إلى أن قال : وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة ... إلخ».

وجوه ترجيح النهي على الأمر :

أـ النهي أقوى دلالة من الأمر

(١) يعني : سواء كان الخطابان في مسألة الاجتماع من باب التزاحم أم التعارض لا بد في ترجيح الأمر أو النهي من مرجح يختلف في التزاحم والتعارض.

(٢) أي : النهي أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الافراد ، حيث ان النهي عن طبيعة يقتضي مبغوضيتها ، فيكون كل فرد من أفرادها مبغوضاً ، لأنه بمعنى وجود الطبيعة الموصوفة بالمبغوضية ، وهذا الوجه منسوب إلى صاحب الإشارات.

(٣) حيث ان دلالة الأمر على الإطلاق البدلي والاجتزاء بأي فرد من أفراد الطبيعة المأمور بها تكون بمقدمات الحكمة ، ودلالة النهي على الإطلاق الشمولي تكون بدلالة نفس النهي عليه التزاماً ، فدلالته على الإطلاق الشمولي ـ لكونها لفظية ـ أقوى من دلالة الأمر على الإطلاق البدلي ، لكونها بمقدمات الحكمة ، فيقدم النهي عليه في المجمع ، ويحكم بفساد الصلاة في المغصوب.

(٤) أي : على هذا الوجه ، وحاصل الإيراد عليه : أن دلالة كل من الأمر

٢٠٣

بأن ذلك (١) فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة. كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان.

وقد أورد عليه (٢) بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدمات الحكمة وغير (٣) مستند إلى دلالته عليه (٤) بالالتزام لكان استعمال

______________________________________________________

والنهي على العموم الشمولي والبدلي تكون بمقدمات الحكمة ، فهما متساويان في الدلالة على العموم ، وذلك لأن العموم المستفاد من النهي انما يكون من جهة إطلاق متعلقه الثابت بمقدمات الحكمة ، إذ لو كان المتعلق مقيداً بقيد من زمان أو زماني كان على المتكلم بيانه ، فلما كانت دلالة كل من الأمر والنهي على العموم بمعونة مقدمات الحكمة بلا فرق بينهما الا من جهة شمولية العموم في النهي ، وبدليته في الأمر كما تقدم توضيحه آنفاً ، وهذا لا يوجب أقوائية النهي من الأمر فلا وجه لتقديم النهي عليه.

(١) يعني : انتفاء جميع الافراد في النهي من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة.

(٢) يعني : وقد أورد على هذا الإيراد بما حاصله : أن دلالة النهي على العموم انما تكون من نفس النهي ، إذ لو كانت من مقدمات الحكمة لزم أن يكون استعمال «لا تغصب» في خصوص فرد من أفراده على نحو الحقيقة ، لما تقرر في محله : من أن إطلاق المطلق وإرادة فرد من أفراده يكون على نحو الحقيقة مع أن إطلاق «لا تغصب» على فرد خاص من أفراده يكون مجازاً.

(٣) معطوف على الإطلاق.

(٤) أي : دلالة النهي على العموم ، والمراد بقوله : «بالالتزام» أن دلالته على العموم تكون بالدلالة الالتزامية ، لأنه يدل على ترك الطبيعة بالدلالة المطابقية ولما كانت الطبيعة متحققة في جميع الافراد ، وهي لا تترك إلّا بترك جميعها ، فيدل على ترك العموم أي جميع الافراد بالالتزام.

٢٠٤

مثل «لا تغصب» في بعض أفراد الغصب حقيقة (١) ، وهذا (٢) واضح الفساد. فيكون (٣) دلالته (٤) على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الافراد ، ضرورة (٥) عدم الانتهاء عنها أو انتفائها (٦) إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه (٧).

______________________________________________________

(١) لما ثبت في محله من أن استعمال المطلق في المقيد يكون على نحو الحقيقة.

(٢) أي : كون استعمال «لا تغصب» في بعض الافراد حقيقة واضح الفساد ، لأن الظاهر المتبادر من اللفظ عرفاً هو الإطلاق وعدم الخصوصية ، فلا بد أن يكون الاستعمال فيها مجازاً.

(٣) هذه نتيجة إبطال كون العموم مستنداً إلى مقدمات الحكمة.

وملخص هذا التفريع : دلالة النهي على العموم التزاماً ، توضيحه : أن لازم وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي الدال على مبغوضية وجودها هو سريان الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة ، لتوقف ترك الطبيعة على ترك جميع أفرادها ، فالنهي بالالتزام العقلي يدل على الاستيعاب. وعلى هذا ، فأقوائية دلالة النهي على العموم الاستغراقي من دلالة النهي على العموم البدلي في محلها.

(٤) أي : النهي.

(٥) تعليل لسريان الحكم إلى جميع الافراد ، وقد عرفت توضيحه آنفا.

(٦) هذا الضمير وضمير «عنها» راجعان إلى الطبيعة. والمراد بالانتهاء تعلق النهي بالطبيعة كقوله : «لا تغصب» والمراد بالانتفاء تعلق النفي بها كقوله : «لا غصب».

(٧) الضمير راجع إلى «الجميع» ، أي جميع الافراد.

٢٠٥

قلت : دلالتهما (١) على العموم والاستيعاب ظاهراً مما لا ينكر ، لكنه (٢)

______________________________________________________

(١) أي : النفي والنهي ، وغرضه تأييد الإيراد الأول ، وهو : كون النهي كالأمر في كون العموم فيهما مستنداً إلى مقدمات الحكمة.

ومحصل ما أفاده (قده) : أن النفي والنهي وان كانا دالين على العموم بلا كلام ، إلّا أن استفادة العموم منوطة بكل من حكم العقل ومقدمات الحكمة ، توضيحه : أن أداة العموم لا تدل على استيعاب جميع أفراد الطبيعة المطلقة إلّا إذا أريد بها الإطلاق ، ولما لم يكن نفس متلوّ أداة العموم دالا على هذا الإطلاق ، فلا بد في إثباته من التشبث بمقدمات الحكمة ، مثلا إذا ورد «لا تغصب» لا يمكن الحكم بحرمة جميع أفراد طبيعة الغصب إلّا بعد إثبات الإطلاق لهذه الطبيعة ، ومن المعلوم أن المتكفل له هو مقدمات الحكمة ، فبها نحكم بأن المراد به الطبيعة المطلقة ، إذ لو كان المراد به الطبيعة المقيدة بزمان كيوم الجمعة أو زمانيّ كالفقر والغنى والسفر والحضر وغيرها من الحالات والطوارئ كان على المتكلم بيانه.

والحاصل : أن الحكم بحرمة جميع أفراد الغصب منوط بإطلاق متلوّ أداة العموم ، وقد عرفت توقفه على مقدمات الحكمة ، وبعد جريانها فيه يكون المنفي أو المنهي عنه الطبيعة غير المقيدة ، ومن المعلوم أن العقل يحكم حينئذ بلزوم استيعاب جميع أفراد طبيعة في كل زمان وحال ، فاستفادة العموم لجميع الافراد منوطة أولا بإطلاق متلو أداة العموم ، وثانياً بحكم العقل المتقدم ، فلو لم تكن الطبيعة مطلقة بأن كانت مهملة أو مقيدة لا يدل النفي والنهي على استيعاب جميع أفرادها ، بل بعضها الّذي أريد منها ، كما لا يخفى.

(٢) الضمير للشأن ، وغرضه من هذه العبارة : دفع المنافاة بين وضع النفي

٢٠٦

من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك (١) انما هو بحسب ما يراد من متعلقهما ، فيختلف (٢) سعة وضيقاً ، فلا يكاد يدل على استيعاب جميع الافراد إلّا إذا أريد منه (٣) الطبيعة مطلقة وبلا قيد ، ولا يكاد يستظهر ذلك (٤) مع عدم دلالته (٥) عليه بالخصوص إلّا بالإطلاق وقرينة الحكمة بحيث لو لم يكن هناك قرينتها (٦) بأن يكون الإطلاق

______________________________________________________

والنهي للعموم ، وبين احتياج استيعاب جميع الافراد إلى إطلاق متعلقهما المنوط بمقدمات الحكمة.

وجه عدم التنافي : أن الموضوع له في النفي والنهي نفس العموم في الجملة ، وأما سعة دائرته وضيقها فتتبعان المتعلق من حيث الإطلاق والتقييد والإهمال كما عرفت مفصلا.

(١) أي : العموم الاستيعابي ، وضمير «منهما» راجع إلى النفي والنهي.

(٢) أي : العموم سعة وضيقاً ، فلا يكاد يدل العموم على استيعاب جميع الافراد.

(٣) أي : المتعلق.

(٤) أي : إطلاق الطبيعة التي تعلق بها النفي والنهي.

(٥) يعني : مع عدم دلالة المتعلق على الإطلاق إلّا بقرينة الحكمة ، والأولى إسقاط ضمير «دلالته».

(٦) أي : قرينة الحكمة ، وقوله : «بأن يكون الإطلاق» بيان لمورد عدم قرينة الحكمة ، إذ من شرائط جريان قرينة الحكمة كون المتكلم في مقام البيان.

٢٠٧

في غير مقام البيان لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة (١) ، وذلك (٢) لا ينافي دلالتهما (٣) على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق ، إذ الفرض عدم الدلالة على أنه (٤) المقيد أو المطلق.

اللهم إلّا أن يقال (٥) :

______________________________________________________

(١) أي : الطبيعة المطلقة وبلا قيد ، فان استيعاب أفرادها موقوف على إطلاقها المنوط بجريان مقدمات الحكمة فيها.

(٢) يعني : وعدم استظهار إطلاق الطبيعة الا من مقدمات الحكمة لا ينافى دلالة النفي والنهي على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق.

وملخصه : أن توقف استيعاب جميع أفراد الطبيعة المطلقة على إثبات إطلاقها بمقدمات الحكمة لا ينافي وضع النفي والنهي للعموم. وجه عدم المنافاة : أنهما وضعا لاستيعاب ما أريد من متعلقهما سواء كان مطلقاً أم مقيداً أم مهملا ، كما تقدم آنفاً ، فإطلاق المتعلق كتقيده وإهماله أجنبي عن وضع النفي والنهي للاستيعاب الّذي هو من الأمور الإضافية المختلفة سعة وضيقاً باختلاف المتعلق.

فالنتيجة : أن النفي والنهي يدلان وضعاً على الاستيعاب في الجملة ، ولكن الأمر لا يدل على العموم البدلي إلّا بمقدمات الحكمة.

(٣) أي : النفي والنهي ، وقد أوضحنا عدم المنافاة بقولنا : «وجه عدم المنافاة ... إلخ».

(٤) يعني : إذ المفروض عدم دلالة النفي والنهي على أن ما يراد من المتعلق هو المقيد أو المطلق.

(٥) غرضه «قده» إبداء احتمال عدم الحاجة إلى مقدمات الحكمة في إثبات إطلاق المتعلق ، وكفاية نفس النفي والنهي في ذلك ، بأن يقال : انهما يدلان

٢٠٨

ان في دلالتهما (١) على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق ، كما ربما يدعى ذلك (٢) في مثل «كل رجل ، وأن (٣) [فان] مثل لفظة «كل» تدل على استيعاب جميع أفراد الرّجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة ، بل يكفي إرادة ما هو معناه من (٤) الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته (٥) على الاستيعاب ، وان (٦) كان

______________________________________________________

على كلا الأمرين ، وهما : الاستيعاب ، وإطلاق المتعلق.

أما الأول ، فلكون النفي والنهي موضوعين له.

وأما الثاني ، فلان أسماء الأجناس موضوعة للطبائع المهملة وبلا شرط ، فإذا ورد عليها ما يدل على العموم فلا محالة يراد بسببه جميع أفرادها.

(١) أي : النفي والنهي.

(٢) يعني : كفاية الدلالة على الاستيعاب في إرادة الإطلاق من المتعلق في مثل «كل» الدال على العموم ، فإذا دخل على اسم جنس كـ «رجل تكون دلالته على العموم قرينة على إرادة جميع أفراد طبيعة الرّجل.

(٣) معطوف على «أن» في قوله : «ان المراد».

(٤) بيان لـ «ما» الموصول ، وضمير «معناه» راجع إلى «مدخوله».

(٥) أي : في دلالة مثل «كل رجل على الاستيعاب ، وكلمة «في» متعلقة بقوله : «يكفى» يعني : بل يكفي في دلالة مثل «كل رجل على الاستيعاب إرادة معنى المدخول وهو الطبيعة المهملة.

(٦) هذا تعريض بما أورده المورد الثاني من : أن العموم لو استفيد من مقدمات

٢٠٩

لا يلزم مجاز أصلا (١) لو أريد منه خاص بالقرينة ، لا فيه (٢) ، لدلالته (٣) على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول ، ولا فيه (٤) إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول (٥) ، لعدم (٦)

______________________________________________________

الحكمة كان استعمال «لا تغصب» في بعض أفراده حقيقة ، وان استفيد من نفس النهي كان مجازاً.

وحاصل التعريض : أن المجاز لا يلزم ـ وان استند العموم إلى نفس النهي ـ بشرط أن تكون إرادة الخاصّ بالقرينة ، كما في «أكرم العلماء العدول» فان إرادة خصوص العالم العادل من العلماء بقرينة العدول لا تكون بنحو المجاز لتعدد الدال والمدلول ، حيث ان كلّا من العلماء والعدول قد استعمل في معناه الحقيقي ، فلا يلزم مجاز ، لا في أداة العموم ، حيث انها مستعملة في عموم ما أريد من المتعلق ، ولا في متلوها ، لاستعماله في معناه الحقيقي ، وهو الطبيعة المهملة كما مر.

(١) يعني : لا في الأداة ولا في متلوها كما عرفت.

(٢) أي : في مثل كل ، وضمير «منه» راجع إلى المدخول.

(٣) الضمير راجع إلى «مثل كل» ، وهذا تعليل لعدم لزوم المجاز فيه ، وحاصله : ما تقدم من أن أداة العموم مستعملة فيما وضعت هي له من استيعاب ما يراد من المدخول.

(٤) أي : المدخول ، وهذا وقوله : «لا فيه» بيان لقوله : «أصلا».

(٥) كقوله : «أعتق رقبة مؤمنة» ، فان المراد هي الرقبة المؤمنة ، ومع ذلك لا يلزم مجاز أصلا ، لتعدد الدال والمدلول.

(٦) تعليل لعدم لزوم المجاز في المدخول ، وضمير «استعماله» راجع إلى المدخول ، وتقريبه واضح.

٢١٠

استعماله الا فيما وضع له ، والخصوصية مستفادة من دال آخر ، فتدبر (١).

ومنها (٢) : أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.

وقد أورد عليه في القوانين بأنه (٣)

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى عدم تسليم ما ذكره بقوله : «اللهم إلّا أن يقال ... إلخ».

أو إلى الإشكال في إلحاق النفي والنهي بلفظ «كل».

ب ـ أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة

(٢) أي : ومن وجوه ترجيح النهي على الأمر : أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، بيانه : أن النهي عن الغصب يكشف عن المفسدة فيه ، والأمر بالصلاة يكشف عن المصلحة فيها ، ودفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، فهذه الأولوية ترجح النهي على الأمر. وعليه ، فترك الصلاة دفعاً لمفسدة الغصب أولى من فعلها جلباً لمنفعتها ، فلا بد من ترك الصلاة في المغصوب ، إلّا أن دفع مفسدة الغصب أولى من جلب مصلحة الصلاة.

(٣) ملخص الإيراد : أنه لا كلية لأولوية دفع المفسدة من جلب المصلحة ، إذ لو كان هناك واجب معين لا بدل له بحيث انحصر في فرد ، فان في ترك هذا الواجب أيضا مفسدة كفعل المحرمات ، وحينئذ فيدور الأمر بين المفسدتين فعل الغصب ومفسدة ترك الصلاة ، فلا بد من ملاحظة الأهم منهما ، وبما أن مفسدة ترك الصلاة أهم ، فتقدم ، فلا بد من فعل الصلاة وهو معنى تقديم الأمر على النهي.

نعم لا مفسدة في ترك الواجب المخير شرعاً كخصال الكفارة إذا أتى ببعض

٢١١

مطلقاً ممنوع ، لأن (١) (*) في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين.

ولا يخفى ما فيه (٢) ، فان الواجب ولو كان معيناً ليس إلّا لأجل أن في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة ، كما أن الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

______________________________________________________

الأبدال ، فانه لا مفسدة في ترك الصوم إذا أطعم ستين مسكيناً ، أو عقلا كأفراد الطبيعة المأمور بها ، فإذا أتى بالصلاة في المسجد ، فلا مفسدة في ترك الصلاة في الدار مثلا.

(١) تعليل للمنع ، وقد عرفت تقريبه بقولنا : «إذ لو كان هناك ... إلخ».

(٢) هذا إشكال على ما في القوانين ، وحاصله : أنه لا تترتب المفسدة الا على فعل الحرام ، لأن مقتضى تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها هو ترتب المفسدة على فعل الحرام ، والمصلحة على فعل الواجب ، فلا مفسدة في ترك الواجب ، بل في فعله المصلحة ، وتركه يوجب فوات المصلحة اللازم

__________________

(*) لا يخفى أن التعليل لا ينطبق على المعلل ، إذ المدعى منع الإطلاق ، فتعليله بما فيه خروج موضوعي عن أصل القاعدة غير ملائم له.

توضيحه : أن منع الإطلاق انما يكون في مورد وجود المصلحة والمفسدة حتى يكون مندرجاً في موضوع القاعدة ، وخارجاً عن حكمها ، وهو أولوية ترك المفسدة من جلب المصلحة من باب تقديم أحد المتزاحمين على الآخر.

وأما إذا كان هناك مفسدتان ، فذلك خارج عن أصل هذه القاعدة ، لا عن إطلاقها ، إذ المفروض وجود مفسدتين إحداهما في ترك الواجب ، والأخرى في فعل الحرام. فتعليل عدم إطلاق القاعدة بما يخرجه عن موضوعها عليل.

٢١٢

ولكن يرد عليه (١) : أن الأولوية مطلقاً (٢) ممنوعة ، بل ربما يكون العكس أولى ، كما يشهد به (٣) مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات خصوصاً مثل الصلاة وما يتلو تلوها (٤).

______________________________________________________

استيفاؤها ، لا الوقوع في المفسدة ، كما أنه لا مصلحة في ترك الحرام ، بل في فعله المفسدة ، ففعله يوجب الوقوع في المفسدة اللازم اجتنابها. وعليه ، فلا يدور الأمر في الواجب والحرام بين المفسدتين حتى يخرج المقام عن قاعدة أولوية دفع المفسدة من جلب المصلحة ، بل ما نحن فيه من صغرياتها.

(١) أي : على أولوية دفع المفسدة من جلب المصلحة. ولا يخفى أن المصنف بعد دفع إيراد المحقق القمي (ره) أورد على المرجح المزبور بوجوه :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «أن الأولوية مطلقاً ... إلخ» ، وحاصله : منع كلية الكبرى ، لعدم الدليل على أولوية دفع المفسدة مطلقاً من جلب المنفعة بعد وضوح اختلاف المصالح والمفاسد الداعية إلى تشريع الأحكام قوة وضعفاً ، إذ رب واجب تكون مصلحته في غاية القوة ، وحرام تكون مفسدته في كمال الضعف ، فلا شبهة حينئذ في تقدم الواجب على الحرام عند الدوران بينهما كما ستعرف.

(٢) يعني : في جميع الموارد حتى في صورة أقوائية مصلحة الواجب ـ كالصلاة ـ من مفسدة الحرام كالنظر إلى الأجنبية ، بل الأولوية المزبورة مختصة بما إذا كانت المفسدة أقوى من المصلحة.

(٣) يعني : يشهد بكون العكس أولى مقايسة فعل بعض المحرمات ـ كالتصرف في مال الغير بدون اذنه ـ مع ترك بعض الواجبات كإنقاذ غريق أو إطفاء حريق فان من المعلوم أقوائية مصلحة هذين الواجبين من مفسدة الغصب.

(٤) أي : الصلاة كالحج والصوم وغيرهما مما بني عليه الإسلام ، فان مصلحة

٢١٣

ولو سلم (١) ، فهو أجنبي (*) عن المقام ، فانه (٢) فيما إذا دار بين الواجب والحرام (*).

______________________________________________________

الصلاة مثلا أقوى من مفسدة النّظر إلى الأجنبية ، كما عرفت.

(١) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم كبروية قاعدة أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة ـ نمنع صغروية المقام لها ، وذلك لأن موردها التخيير بعد عدم الأخذ بالترجيح ، مثل ما لو دار الأمر بين وجوب شيء في الشريعة وحرمته كصلاة الجمعة إذا فرض دوران حكمها بين الوجوب والحرمة ، فان الحكم فيها ـ بعد عدم إمكان ترجيح أحد الحكمين ـ هو التخيير. وهذا بخلاف المقام ، فانه ـ بعد عدم إمكان الترجيح ـ لا يرجع إلى التخيير ، بل يرجع إلى الأصل العملي ، كما في العامين من وجه.

(٢) أي : ما ذكر من أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة. وهذا ثاني الوجوه ، وهو موافق لما في تقريرات شيخنا الأعظم (قده).

وبالجملة : فمورد هذه القاعدة ترجيح المأمور ، والمقام ترجيح الأمر ، إذ لا دوران عنده بعد الكسر والانكسار ، فلا وجود عنده الا لإحداهما من المصلحة أو المفسدة ، فلا دوران بينهما حتى يحكم العقل بأولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة.

__________________

(*) فان الترجيح به انما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو جعل الأحكام ، فان المرجح هناك ليس إلّا حسنها وقبحها العقليان ، لا موافقة الأغراض ومخالفتها ، كما لا يخفى ، تأمل تعرف.

(*) لكن علل المصنف في الحاشية التي نقلناها آنفاً أجنبية أولوية دفع

٢١٤

ولو سلم (١) ، فانما يجدي فيما لو حصل القطع.

ولو سلم أنه (٢)

______________________________________________________

(١) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أن هذه القاعدة بعد تسليمها انما تجدي فيما إذا حصل القطع بالأولوية. وذلك ممنوع ، لأن غاية ما يحصل هو الظن بها ، وذلك لا يجدي ، لأن الأصل عدم اعتباره.

(٢) هذا رابع الوجوه ، وحاصله : أنه لو سلم أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة يجدي وان لم يحصل العلم به ، وقلنا بكفاية الظن بالأولوية في ترجيح النهي على الأمر ، فذلك يختص بما إذا لم تجر فيه أصالة البراءة أو الاشتغال ، كما في دوران الأمر بين المحذورين ، فانه لا يجري فيه أصل البراءة ، للعلم بالإلزام المانع عن شمول أدلة البراءة له ، ولا أصل الاشتغال ، لعدم أثر له مع عدم القدرة على الموافقة القطعية بالفعل أو الترك ، فلا محالة يكون مخيراً عقلا بينهما. وهذا بخلاف المقام ، لإمكان جريان أصل البراءة في حرمة المجمع ، وإحراز صحته ببركة الأصل ، حتى على القول بمرجعية الاشتغال عند الشك في

__________________

المفسدة من جلب المنفعة عن المقام بما حاصله : أن الأولوية انما هي بالإضافة إلى المكلف في مقام اختيار الفعل أو الترك ، فانه يدفع المفسدة عن نفسه ، ويجلب المنفعة إليها. وأما في مقام جعل الأحكام ، فليس هناك مقام جلب المنفعة ولا دفع المفسدة ، بل المرجح لأحدهما غلبة حسن الفعل على قبحه ، أو العكس ، هذا.

وعلل المصنف أجنبية القاعدة عن المقام في فوائده ب : أنه لا دوران في محل الكلام ، ووجهه : أن استيفاء كلا الغرضين ممكن هنا بالصلاة في غير الغصب ، وترك الغصب بجميع أفراده ، فله التحرز عن المفسدة مطلقاً مع جلب المنفعة.

٢١٥

يجدي ولو لم يحصل (١) ، فانما يجدي [يجري] فيما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الاشتغال ، كما (٢) في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين (٣) ، لا فيما تجري ، كما في محل الاجتماع (٤) ،

______________________________________________________

أجزاء المركب الارتباطي وشرائطه ، إذ ليست شرطية الإباحة على حذو شرطية غيرها ، لكون الإباحة شرطاً تزاحمياً ، ومن المعلوم توقف التزاحم على تنجز التكليف ، فما لم يعلم بفعلية النهي ـ كما في المقام ـ لا تكون الحرمة مانعة ، لعدم منافاتها لقصد القربة ، فمع ارتفاع فعلية النهي تصح الصلاة واقعاً ، لخلوها عن المانع حقيقة. وهذا بخلاف مشكوك الجزئية والشرطية في غير الإباحة ، كالشك في جزئية الاستعاذة ، أو شرطية تمام مكان المصلي ، فانه إذا جرت فيها البراءة حكم بصحة الصلاة ظاهراً لا واقعاً ، إذ مع ثبوت الجزئية والشرطية لا تصح الصلاة واقعاً ، ولذا قيل بالاشتغال في المركب الارتباطي ، للشك في براءة الذّمّة بالفاقد.

(١) أي : القطع بالأولوية.

(٢) هذا مورد لعدم المجال للبراءة أو الاشتغال.

(٣) كالمرأة المرددة بين من يجب وطؤها ويحرم لأجل الحلف ، فان كلا من الوجوب والحرمة تعييني ، ولا تجري أصالة البراءة ، للعلم بالإلزام المردد بين الوجوب والحرمة. ولا الاشتغال ، لتعذر الموافقة القطعية بالفعل ، فلا أثر للاشتغال العقلي ، بل العقل حاكم بالتخيير بين الفعل والترك إلّا إذا كان أحدهما محتمل الأهمية ، فيقدم عقلا على الآخر.

(٤) إذ لا مانع عن جريان البراءة في الحرمة ، ولا يعارضها أصالة عدم الوجوب ، لأنه ثابت قطعاً ، لكنه تخييراً بحكم العقل به بين أفراد طبيعي الصلاة ، إذ مورد البحث وجود المندوحة ، فللمكلف اختيار فرد آخر ، ومع جريان البراءة عن الحرمة يحكم بصحة الصلاة.

٢١٦

لأصالة البراءة عن حرمته ، فيحكم (١) بصحته ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الشك في الاجزاء والشرائط (٢) ، فانه (٣)

______________________________________________________

نعم إذا لم يكن له مندوحة وانحصر مكان الصلاة في المغصوب اندرج في كبرى دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين ، ولا تجري البراءة في الحرمة ، للعلم بالإلزام المانع عن جريانها ، كما عرفت في مثال المرأة المردد وطؤها بين الوجوب والحرمة.

(١) هذا الحكم الوضعي ـ أعني الصحة ـ مترتب على جريان البراءة عن حرمة الغصب ، لما عرفت من إناطة مانعية الغصب بفعلية حرمته ، فمع عدم ثبوت فعليتها لا مانعية واقعاً. وضميرا «حرمته ، بصحته» راجعان إلى محل الاجتماع.

(٢) غرضه : إبداء الفرق بين مورد اجتماع الأمر والنهي ، وبين الشك في الجزئية والشرطية ، وأن جريان قاعدة الاشتغال في الشك فيهما لا يستلزم جريانها في مورد الاجتماع والشك في فعلية الحكم.

توضيح وجه الفرق : أن الصحة الثابتة بأصل البراءة في الشك في الجزئية والشرطية ظاهرية ، لأنه ـ على فرض ثبوتهما واقعاً ـ يكون الفاقد لهما بمقتضى الارتباطية فاسداً واقعاً. وهذا بخلاف مانعية الغصب ، حيث انها مترتبة على فعلية حرمته ، فإذا جرت البراءة في نفي فعليتها انتفت المانعية حقيقة ، وصحت الصلاة واقعاً ، كما هو قضية كل ما يكون دخله في المأمور به من باب التزاحم ، فالصحة فيه واقعية ، وفي الشك في الجزئية والشرطية ظاهرية ، ولذا بنى غير واحد في الأقل والأكثر الارتباطي على الاشتغال.

(٣) تعليل لقوله : «فيحكم بصحته» ، يعني : أنه لا مانع من صحة مورد اجتماع الأمر والنهي الا الحرمة المنافية للتقرب به ، فإذا انتفت الحرمة صلح المجمع للمقربية.

٢١٧

لا مانع عقلا الا فعلية الحرمة المرفوعة عقلا ونقلا بأصالة البراءة عنها (١).

نعم (٢) لو قيل (*) بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية

______________________________________________________

(١) أي : عن فعلية الحرمة ، فان أدلة البراءة عقلها ونقلها تجري فيها بلا مانع ، وبها يحرز خلوّ المجمع عن المانع واقعاً ، لما عرفت من تقوم مانعية باب التزاحم بتنجز التكليف ، فبارتفاعه ترتفع المانعية واقعاً.

(٢) هذا استدراك على قوله : «لا فيما تجري كما في محل الاجتماع ... إلخ» وحاصله : أنه بناء على تأثير المفسدة الغالبة الواقعية في فعلية المبغوضية المانعة عن إمكان التقرب بالمجمع وان لم تحرز غلبتها ، بأن فرض كون الغلبة

__________________

(*) كما هو غير بعيد كله بتقريب : أن إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتيّة كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة ، ولا يتوقف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها ، ولذا كان العلم بمجرد حرمة شيء موجباً لتنجز حرمته على ما هي عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى مراتبها ، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها كما لا يخفى ، هذا ، لكنه انما يكون إذا لم يحرز أيضا ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضية. وأما معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز أنه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو قبحه ، وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الأمر المتعلق بما عليه من الطبيعة بناء على عدم اعتبار أزيد من إتيان العمل قريباً في العبادة ، وامتثالا للأمر بالطبيعة ، وعدم اعتبار كونه ذاتاً راجحاً ، كيف ويمكن أن لا يكون جلّ العبادات ذاتاً راجحاً ، بل انما يكون كذلك فيما إذا أتى بها على نحو قربي.

نعم المعتبر في صحة العبادة انما هو أن لا يقع منه مبغوضاً عليه ، كما لا يخفى ، وقولنا : «فتأمل» إشارة إلى ذلك.

٢١٨

ولو لم تكن [الغلبة] بمحرزة ، فأصالة البراءة غير جارية (١) [غير مجدية] بل كانت أصالة الاشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ولو قيل بأصالة البراءة في الاجزاء والشرائط ، لعدم (٢) (*) تأتي قصد القربة

______________________________________________________

بوجودها الواقعي لا العلمي مؤثرة في فعلية مبغوضية المجمع لا مجال للبراءة لعدم إحراز موضوعها ـ وهو عدم البيان ـ ، ضرورة أن العلم بالمفسدة على تقدير غلبتها صالح للبيانية ، فالاحتمال هنا منجز. وهذا نظير منجزية الاحتمال المقرون بالعلم الإجمالي في صلاحيته للبيانية.

وعليه ، فأصالة الاشتغال هنا محكمة لو كان الواجب عبادة ، للشك في الفراغ الّذي يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال ولو قيل بأصالة البراءة في الاجزاء والشرائط.

(١) لانتفاء موضوعه وهو عدم البيان بناء على بيانية العلم بالمفسدة.

(٢) تعليل لجريان قاعدة الاشتغال ، توضيحه : أن الشك في صحة الصلاة الواقعة في المغصوب مسبب عن الشك في غلبة كل من المصلحة أو المفسدة على الأخرى في نظر الشارع ، وهذا المقدار من الشك كاف في عدم تمشي قصد القربة منه ، وذلك لأن أحد طرفي هذا الشك احتمال غلبة المفسدة ، ومع هذا الاحتمال كيف يتمشى منه قصد القربة. وحينئذ فلا تجري البراءة ، فيجري الاشتغال ، وذلك يكشف عن فساد الصلاة.

وبعبارة أوضح : الشك في صحة الصلاة مسبب عن الشك في غلبة المصلحة أو المفسدة ، ومع الشك في السبب يجري الأصل فيه دون المسبب ، فالأصل

__________________

(*) لا يخفى أن هذا لا يصلح لأن يكون تعليلا لجريان قاعدة الاشتغال ، لأنه مع عدم إمكان التقرب يقطع بفساد الصلاة ، لا أنه يشك فيها حتى تجري قاعدة الاشتغال.

٢١٩

مع الشك في المبغوضية (*) ، فتأمل (١).

______________________________________________________

عدم غلبة المصلحة ، فيحتمل حينئذ غلبة المفسدة. وهذا الاحتمال يمنع عن تمشي قصد القربة منه ، فيحكم بفساد صلاته.

(١) قد ذكر المصنف (قده) في الحاشية التي نقلناها آنفاً وجه التأمل ، وحاصله : أن هذا القول وان لم يكن في نفسه بعيداً كما يشهد به أن العلم بالحرمة يوجب تنجزها بما لها من المرتبة الشديدة ، ولذا يستحق العقوبة على تلك المرتبة وان لم تعلم ، لكنه لا ينفع مع إحراز المصلحة التي يحتمل مزاحمتها للمفسدة وغلبتها عليها ، إذ حينئذ يكون الفعل كما إذا لم يحرز أنه ذو مصلحة أو ذو مفسدة ، فلا يستقل العقل بحسنه أو قبحه ، ولا مانع من التقرب به ، هذا.

وببيان أوضح : إحراز الحرمة الذاتيّة بإحراز المفسدة إحراز للمقتضي ، ومن المعلوم أنه لا يؤثر إلّا مع عدم المانع ، والمفروض إحراز الوجوب الذاتي بإحراز المصلحة المقتضية له ، وهو مانع عن تأثير المفسدة.

__________________

(*) لا يخفى أن شيخنا الأعظم (قده) قد أورد على قاعدة أولوية دفع المفسدة من جلب المصلحة بوجهين :

الأول : ما تقدم من أنه لا مسرح لهذه القاعدة الا في مورد يحكم فيه بالتخيير بعد عدم الأخذ بالترجيح ... إلخ.

الثاني : أن من الظاهر أن القاعدة المذكورة انما يؤخذ بها فيما إذا كانت المفسدة والمصلحة متساويتين في ترتبهما على الفعل والترك ، وليس كذلك فيما نحن بصدده ، فان الوجوب المفروض في المقام مما يحصل المصلحة فيه بإتيان فرد آخر من الطبيعة الواجبة ، بخلاف الحرمة ، فانها عينية لا بدل لها.

٢٢٠