منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

وفيه (١) : أنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع الا طريق العقل (٢) ، فلا معنى لهذا التفصيل الا ما أشرنا (٣) إليه من النّظر المسامحي

______________________________________________________

في تعدد المتعلق ، وارتفاع التضاد ، ولذا حكم العقل بجواز الاجتماع ، وبين ما يفهمه العرف من التهافت بين الأمر والنهي ، وكون المجمع ـ كالصلاة في الدار المغصوبة ـ بنظرهم شيئاً واحداً ، وأن تعدد الجهة لا يوجب تعدده ، ولذا حكموا بالامتناع وعدم جواز الاجتماع ، هذا.

(١) هذا رد التفصيل المزبور ، وتوضيحه : أنه قد أشار المصنف (قده) في الأمر الثاني من الأمور التي ذكرها قبل الخوض في المقصود : «ان الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل هي أن تعدد الجهة والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي بحيث يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد أو لا يوجبه ... إلخ» وكذا قال : «الرابع انه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية ... إلخ». والغرض من هاتين العبارتين : أن الجواز والامتناع في هذه المسألة من أحكام العقل ، إذ الحاكم بارتفاع غائلة اجتماع الضدين ـ لتعدد الجهة وعدم ارتفاعها ـ هو العقل ، فلا معنى لنسبة ما هو حكم العقل إلى العرف ، فإذا جوز العقل اجتماع الأمر والنهي ، فلا وجه لحكم العرف بامتناعه. وكذا العكس ، بل طريق العرف في المسائل العقلية هو حكم العقل ، والعرف انما يرجع إليه في تعيين المفاهيم ومداليل الألفاظ ، وليست مسألة الاجتماع منها حتى يرجع فيها إلى العرف. وعلى هذا ، فلا معنى للتفصيل بين العرف والعقل بحكم الأول بالامتناع ، والثاني بالجواز.

(٢) لما عرفت من كون المسألة عقلية.

(٣) يعني : في الأمر الرابع ، حيث قال فيه : «وذهاب البعض إلى الجواز

١٤١

غير المبتني [غير المبني] على التدقيق والتحقيق ، وأنت خبير (١) بعدم العبرة به بعد الاطلاع على خلافه (٢) بالنظر الدّقيق ، وقد عرفت فيما تقدم (٣) أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي ، بل في الأعم (٤)

______________________________________________________

عقلا والامتناع عرفاً ليس بمعنى دلالة اللفظ ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدّقيق العقلي اثنان وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين ... إلخ».

(١) غرضه رد التوجيه المزبور ، بأنه مبني على حجية نظر العرف في تطبيق المفاهيم على مصاديقها ، حيث ان المجمع في نظرهم المسامحي شيء واحد مع كونه بالدقة اثنين ، ومن المقرر في محله : عدم حجية المسامحات العرفية في مقام التطبيق ، نعم هي حجة في تشخيص المفاهيم.

(٢) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى «النّظر المسامحي».

(٣) يعني : في الأمر الرابع من الأمور المتقدمة على الخوض في المقصود ، والغرض من قوله : «وقد عرفت» توجيه التفصيل المزبور بوجه آخر ، وهو : أن عدم الجواز عرفاً يمكن أن يكون لأجل كون مدلولي صيغتي الأمر والنهي عرفاً مما يمتنع الجمع بينهما ، لتنافيهما ، فلا بد من القول بالامتناع عرفاً.

وقد أجاب عنه المصنف في الأمر الرابع بأن النزاع في الجواز وعدمه لا يختص بما إذا كان الأمر والنهي مدلولين للصيغة ، بل أعم من كون الدال عليهما الصيغة أو الإجماع مثلا ، ومن المعلوم أنه لا بد من ورود الأقوال نفياً وإثباتاً على موضوع البحث بما له من السعة والضيق. وعليه ، فلا محيص عن كون التفصيل بين الجواز عقلا والامتناع عرفاً وارداً على مطلق الأمر والنهي ، سواء كانا مدلولين للصيغة أم غيرها ، بأن يقال بالامتناع عرفاً في كل أمر ونهي ، كما هو كذلك على الجواز عقلا ، لا في خصوص ما إذا كانا مدلولين للصيغة.

(٤) من الصيغة ومن الدليل اللبي كالإجماع.

١٤٢

فلا مجال (١) لأن يتوهم أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل (٢) ، ولعله (٣) كان بين مدلوليهما (٤) حسب تعيينه تناف (٥) لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين (٦) وان كان العقل (٧) يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين ، فتدبر.

وينبغي التنبيه على أمور

الأول : أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته (٨)

______________________________________________________

(١) هذا هو التوجيه الّذي بيناه بقولنا : «وهو أن عدم الجواز عرفا ... إلخ».

(٢) أي : مداليل الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف.

(٣) الضمير للشأن ، وهذا جزء التوهم.

(٤) أي : مدلولي صيغتي الأمر والنهي.

(٥) اسم «كان» وخبره «بين» وضمير «تعيينه» راجع إلى العرف.

(٦) كما في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فان متعلقهما عنوانان.

(٧) يعني : أن التنافي المانع عن الاجتماع لعله عرفي ، لكن العقل يجوز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين يتعلق الوجوب بأحدهما والحرمة بالآخر.

تنبيهات مسألة الاجتماع :

١ ـ مناط الاضطرار الرافع للحرمة

(٨) لا إشكال في ارتفاع الحرمة بالاضطرار ، لكونه مسقطاً لها عقلا عن قابلية الزجر والردع ، مضافاً إلى ما دل نقلا على ذلك كحديث الرفع وغيره.

١٤٣

والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه لو كان (١)

______________________________________________________

ثم ان الحرام المضطر إليه تارة لا يكون واجداً لملاك الوجوب ، كالاضطرار إلى الارتماس المجرد عن نية الغسل في نهار شهر رمضان للصائم.

وأخرى يكون واجداً له كالارتماس المزبور مع قصد الغسل. وعلى التقديرين قد يكون الاضطرار لا بسوء الاختيار ، وقد يكون بسوئه ، فالصور أربع.

الأولى : أن لا يكون المضطر إليه بسوء الاختيار مع عدم مصلحة الوجوب فيه ، كالارتماس المجرد عن قصد الغسل ، والحكم فيها صحة الصوم ، لارتفاع حرمته ـ المترتبة عليه المانعية ـ بالاضطرار.

الثانية : هذه الصورة مع وجود مصلحة الوجوب في الحرام المضطر إليه ، كالارتماس المقرون بنية الغسل ، والحكم فيها صحة الصوم والغسل ، لارتفاع حرمته المانعة عن صحته ، وتأثير مصلحة الوجوب في الغسل ، فيصحان معاً.

الثالثة : أن يكون الحرام المضطر إليه خالياً عن مصلحة الوجوب مع صدور الاضطرار بسوء الاختيار ، كما إذا ألقى نفسه من شاهق ليقع في الماء مع كونه صائماً ، فان الاضطرار لما كان بسوء الاختيار لا يرفع أثر الحرمة ، وهي المبغوضية.

الرابعة : أن يكون الحرام المضطر إليه واجدا لمصلحة الوجوب مع كون الاضطرار بسوء الاختيار ، وسيأتي البحث فيها عند تعرض المصنف لها ، فانتظر.

(١) يعني : لو كان فيه ملاك الوجوب. وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وهي : كون الحرام المضطر إليه ذا مصلحة وجوبية مع صدور الاضطرار عن سوء الاختيار. ثم ان «كان» تامة ، وفاعلها ضمير مستتر فيها راجع إلى الملاك ، فمعناه :

١٤٤

مؤثراً (١) له ، كما إذا لم يكن بحرام بلا كلام (٢) ، إلّا أنه (٣) إذا لم يكن الاضطرار إليه (٤) بسوء الاختيار بأن (٥) يختار ما يؤدي إليه لا محالة ، فان (٦)

______________________________________________________

أن ملاك الوجوب يؤثر في الحرام المضطر إليه ، لسقوط الحرمة المانعة عن تأثير المصلحة في الوجوب بسبب الاضطرار ، فالمصلحة تؤثر في الوجوب ، لارتفاع مانعها بالاضطرار.

(١) حال من «ملاك» وضمير «له» راجع إلى الوجوب. والضمائر الثلاثة في «حرمته ، عليه ، وجوبه» راجعة إلى الحرام.

(٢) متعلق بقوله : «يوجب».

(٣) أي : تأثير ملاك الوجوب في وجوب الحرام المضطر إليه منوط بعدم كون الاضطرار بسوء الاختيار.

(٤) يعني : إلى ارتكاب الحرام.

(٥) بيان للاضطرار بسوء الاختيار ، يعني : بأن يختار ما يؤدى إلى ارتكاب الحرام.

(٦) هذا تمهيد لبيان وجه عدم ثبوت الوجوب فيما إذا كان الاضطرار بسوء الاختيار ، وحاصله : أن خطاب حرمة المضطر إليه وان كان ساقطاً لأجل الاضطرار ، لكنه مع ذلك لا يصلح المضطر إليه لتعلق الوجوب به ، لأن الاضطرار إليه لما كان بسوء الاختيار صار المضطر إليه مبغوضاً ، وارتكابه عصياناً للنهي ، فلا يصلح ملاك وجوبه لتأثير الوجوب فيه. هذا مما لا إشكال فيه ، وانما الكلام فيما إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وانحصر التخلص عن الحرام فيه كالخروج عن المكان المغصوب ـ إذا لم يمكن التخلص عن التصرف المحرم في مكان الغير الا بالخروج عنه ـ فهل يكون هذا الخروج مأموراً به ، لكونه مقدمة

١٤٥

الخطاب بالزجر عنه حينئذ (١) وان كان ساقطاً (٢) إلّا أنه (٣) حيث يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذلك الخطاب ومستحقاً عليه العقاب لا يصلح لأن يتعلق به الإيجاب ، وهذا (٤) في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب.

وانما الإشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما (٥) ينحصر به التخلص عن محذور الحرام ، كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار (٦) في كونه (٧) منهياً عنه (٨) أو مأموراً به (٩) مع

______________________________________________________

للتخلص الواجب ، أم يكون منهياً عنه ، لكونه تصرفاً في مال الغير بدون اذنه ، أم يكون مأموراً به فعلا مع جريان حكم المعصية من استحقاق العقوبة عليه ، أم بدون جريان حكمها عليه؟ فيه أقوال سيأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.

(١) أي : حين كون الاضطرار بسوء الاختيار.

(٢) لقصوره بسبب الاضطرار عن الزجر ، فيمتنع الانزجار المترتب على الزجر.

(٣) أي : الحرام المضطر إليه ، ووجه صدوره مبغوضاً ما عرفته آنفاً : من أن ارتكاب الحرام المضطر إليه صار بسوء الاختيار ، وهو يوجب مبغوضيته وعصيانه لذلك الخطاب ، فلا يصلح لأن يؤثر فيه ملاك الوجوب ، فلا يصير واجباً.

(٤) أي : عدم اتصاف المضطر إليه بسوء الاختيار بالوجوب.

(٥) خبر «كان».

(٦) ولم يمكن التخلص عن الغصب بإرضاء المالك ، أو بشراء المكان منه أو غيرهما.

(٧) ظرف مستقر خبر لقوله : «الإشكال».

(٨) لكونه تصرفاً في مال الغير بدون اذنه.

(٩) لكونه مقدمة للتخلص الواجب.

١٤٦

جريان حكم المعصية (١) عليه ، أو بدونه (٢) ، فيه أقوال (٣) ، هذا (٤) على الامتناع.

وأما على القول بالجواز ، فعن أبي هاشم : أنه مأمور به ومنهي عنه (٥) (*) ،

______________________________________________________

(١) وهو استحقاق الذم والعقاب ، لكون اضطراره بسوء الاختيار.

(٢) يعني : أو مأموراً به بدون جريان حكم المعصية عليه.

(٣) أربعة : أحدها : أنه منهي عنه وليس بمأمور به.

ثانيها : أنه مأمور به وليس بمنهي عنه مع جريان حكم المعصية عليه ، وهو المحكي عن الفخر الرازي ، وجنح إليه بعض المتأخرين.

ثالثها : أنه مأمور به فقط ، وليس يجري عليه حكم المعصية ، وهو خيرة شيخنا الأعظم ، وفي التقريرات «وقد نسبه بعضهم إلى قوم ، ولعله الظاهر من العضدي كالحاجبي ، حيث اقتصروا على كونه مأموراً به فقط».

رابعها : ما في التقريرات أيضا من «أن بعض الأجلة ذهب إلى أنه مأمور به ولكنه معصية بالنظر إلى النهي السابق ، وعليه حمل الكلام المنقول من الفخر الرازي».

(٤) أي : الخلاف الواقع بينهم في تعيين الحكم الفعلي مبني على القول بالامتناع.

وأما على القول بالجواز وإمكان اجتماع الأمر والنهي ، فلا بد من الالتزام بفعلية كلا الحكمين ـ أعني الوجوب والحرمة ـ لعدم تزاحمهما مع كون جهتي الأمر والنهي تقييديتين ، لا تعليليتين.

(٥) قال في التقريرات : «وهو المحكي عن أبي هاشم على ما نسب إليه

__________________

(*) لا يخفى : أن صحة هذا القول مبنية على أمرين :

١٤٧

واختاره الفاضل القمي (١) ناسباً له إلى أكثر المتأخرين ، وظاهر الفقهاء (*).

______________________________________________________

العلامة ، حيث أفاد في محكي النهاية : أطبق العقلاء كافة على تخطئة أبي هاشم في قوله بأن الخروج تصرف في المغصوب ، فيكون معصية ، فلا تصح الصلاة وهو خارج سواء تضيق الوقت أم لا».

(١) قال في التقريرات : «واختاره المحقق القمي (ره) ناسباً له إلى أكثر أفاضل متأخري أصحابنا ، وظاهر الفقهاء ، والوجه في النسبة المذكورة هو قولهم بوجوب الحج على المستطيع وان فاتت الاستطاعة الشرعية» فراجع ثاني التنبيهين اللذين ختم بهما المحقق القمي قانون اجتماع الأمر والنهي.

__________________

أحدهما : كفاية تعدد الجهة في جواز اجتماع الأمر والنهي. والآخر جواز التكليف فعلا بأمر غير مقدور إذا كان عدم القدرة ناشئاً عن سوء الاختيار.

والثاني غير صحيح ، لكون التكليف حينئذ لغواً وعبثاً.

والأول مبني على كون التركيب بين متعلقي الأمر والنهي انضمامياً لا اتحادياً.

(*) كون ذلك ظاهر الفقهاء غير ظاهر ، لأن قولهم بوجوب الحج على المستطيع إلى آخر ما نقلناه عن التقريرات لا يدل على ذلك ، حيث ان تقريبه : أن وجوب الحج على من فاتت استطاعته تكليف بما لا يطاق ، لكنه لما كان تأخير الحج عن سنة الاستطاعة باختياره لم يكن به بأس. وما نحن فيه أيضا كذلك ، لأن الاضطرار إلى الغصب لما كان باختياره ، فلا مانع من اجتماع الوجوب والحرمة فيه وان كان ذلك تكليفاً بما لا يطاق.

١٤٨

والحق أنه (١) منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه ، وعصيان له بسوء الاختيار ، ولا يكاد يكون مأموراً به ، كما (٢)

______________________________________________________

(١) هذا هو القول الأول من الأقوال الأربعة على تأمل فيه كما سيظهر.

(٢) يعني : عدم كونه مأموراً به يكون كالمورد الّذي لا يكون التخلص عن الحرام موقوفاً على الخروج ، كما إذا أمكن إرضاء المالك ، أو الشراء منه ، أو كان موقوفاً على الخروج ولكن لم يكن التخلص منحصراً به.

__________________

وجه عدم الدلالة : أن الاستطاعة الشرعية ليست شرطاً حدوثاً وبقاء حتى يلزم من انتفائها مع بقاء الوجوب تكليف ما لا يطاق ، بل يكفي مع التأخير عمداً القدرة العقلية.

فاستظهار اجتماع الوجوب والحرمة في مسألتنا من العبارة المزبورة في غير محله.

والقادح في هذا الاستظهار : أن المشهور بين الأصحاب هو القول بالامتناع ، ومجرد التزام كثير منهم بصحة صلاة الغاصب حين الخروج ، بل عن المنتهى دعوى «الإجماع على صحتها» لا يدل على كونها مأموراً بها ومنهياً عنها ، بل لا يدل على كونها مأموراً بها أيضا ، لاحتمال كفاية الملاك في الصحة ، وعدم الحاجة إلى الأمر ، فيمكن أن لا يكون المضطر إليه بسوء الاختيار مع الانحصار مأموراً به ولا منهياً عنه فعلا كما اختاره المصنف ، هذا.

لكن عن السيد في الذريعة : «التصريح بكون الخروج بنية التخلص مأموراً به ، وكذا المجامع زانيا له الحركة بقصد التخلص دون غيره» ، وعن صاحب المدارك «التصريح بعدم كون الخروج معصية ، وأن القول بجريان حكم المعصية عليه غلط صدر عن بعض الأصوليين».

١٤٩

إذا لم يكن هناك توقف (*) عليه ، أو بلا انحصار به (١) ، وذلك (٢) ضرورة أنه (٣)

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «عليه» راجعان إلى «ما اضطر إليه» كالخروج في مثال المتن.

(٢) هذا وجه مختاره ، وهو : كون المضطر إليه بسوء الاختيار مع انحصار التخلص عن الحرام به ، كالخروج عن المكان المغصوب ، وحيث ان مدعاه مركب من جزءين ، أحدهما : كون الخروج منهياً عنه بالنهي السابق الساقط بالاضطرار ، ثانيهما عدم كونه مأموراً به ، فقد تصدى لإثبات كليهما.

أما الأول ، فبأن مخالفة الحرام مع القدرة على تركه توجب عقلا استحقاق العقوبة ، ومع هذه القدرة لا يرى العقل الاضطرار الناشئ عن سوء الاختيار عذراً في ارتكاب المضطر إليه. نعم يوجب الاضطرار سقوط الخطاب ، لعدم صلاحيته مع الاضطرار للزجر والردع ، فالخطاب ساقط والعقاب ثابت.

(٣) أي : المضطر بسوء الاختيار ـ لقدرته على ترك الحرام ـ لا يكون معذوراً في مخالفة الحرام.

__________________

(*) لا يخفى أنه لا توقف هاهنا حقيقة ، بداهة أن الخروج انما هو مقدمة للكون في خارج الدار ، لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب ، لكونه ترك الحرام ، نعم بينهما ملازمة لأجل التضاد بين الكونين ، ووضوح الملازمة بين وجود الشيء وعدم ضده ، فيجب الكون في خارج الدار عرضاً ، لوجوب ملازمة حقيقة ، فتجب مقدمته كذلك. وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على أن مثل الخروج يكون مقدمة لما هو الواجب من ترك الحرام ، فافهم.

١٥٠

حيث كان قادراً على ترك الحرام رأساً لا يكون عقلا معذوراً في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره. ويكون (١) معاقباً عليه ، كما إذا كان ذلك (٢) بلا توقف عليه ، أو مع عدم الانحصار به ، ولا يكاد (٣) يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه (٤) (*) بسوء الاختيار.

______________________________________________________

(١) معطوف على «لا يكون» يعني : لقدرته على ترك الحرام رأساً من الدخول والخروج لا يحكم العقل بمعذوريته في المخالفة ، فيكون معاقباً عليه.

(٢) يعني : ما اضطر إلى ارتكابه ، كالخروج مما لا توقف عليه أو لا انحصار به كما عرفت آنفاً.

(٣) وأما الثاني ، وهو الّذي أشار إليه بقوله : «ولا يكاد يجدي» فبأن توهم كون المضطر إليه مأموراً به لأجل توقف الواجب ـ وهو التخلص عن الحرام ـ عليه ، ومقدمة الواجب واجبة ، مندفع بأن هذا الوجه لا يصلح لإثبات وجوب الخروج ، وذلك لأن الاضطرار الناشئ عن سوء الاختيار لا يرفع مبغوضية الخروج ، ولا يوجب محبوبيته.

(٤) هذا دفع التوهم المزبور ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «مندفع بأن هذا الوجه ... إلخ».

__________________

(*) كون الدخول مستنداً إلى سوء الاختيار في غاية الوضوح. وأما كونه علة لاستناد الخروج إلى سوء الاختيار ، فقيل ـ كما في بعض الحواشي ـ انه غير ظاهر ، فالاستناد المزبور منوط بقيام دليل عليه.

لكن فيه : أن الاستناد المزبور مما يساعده العرف.

ثم ان الأولى أن يعلل عدم كون الخروج مأموراً به بأن الأمر يستدعي المصلحة في متعلقه ، فان كانت نفسية ، فالوجوب نفسي ، وان كانت مقدمية ،

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فالوجوب غيري ، وكلتاهما مفقودتان في الخروج المفروض في المقام.

أما الأول ، فلتوقف مصلحته النفسيّة على انطباق عنوان حسن شرعاً عليه ، والعنوان المتصور انطباقه على الخروج ليس إلّا التخلص عن الغصب الموجب لكونه ذا مصلحة نفسية ، وواجباً نفسياً ، وذلك لا يصلح لجعل الخروج معنوناً بهذا العنوان ، حيث ان التخلص عن الغصب عبارة عن تركه المتحقق بانتهاء الحركة الخروجيّة إلى الكون في خارج المغصوب ، فليس الخروج بنفسه معنوناً بعنوان التخلص ومصداقاً له حتى يكون ذا مصلحة نفسية وواجباً نفسياً.

وبالجملة : فليس الخروج مصداقاً للتخلص حتى يكون محبوباً وواجباً ، بل هو مصداق للغصب المبغوض المحرم ، فما عن تقرير بحث شيخنا الأعظم (قده) «من كون الخروج محبوباً ومطلوباً لأنه تخلص» لا يخلو من الغموض.

وأما الثاني ، فلعدم كون الحركات الخروجيّة مقدمة للتخلية الواجبة التي هي إفراغ المكان عن التصرف العدواني فيه حتى تتصف بالوجوب المقدمي ، بل الحركات الخروجيّة مقدمة للكون في خارج المكان المغصوب ، وهو ليس بواجب ، بل ملازم للواجب أعني التخلية.

والحاصل : أن الخروج مقدمة لملازم التخلية الواجبة ـ وهو الكون في المكان المباح ـ لا مقدمة لنفس الواجب حتى يجب لأجل المقدمية. فالخروج ليس بواجب لا نفسياً ولا مقدمياً ، بل هو باق على المبغوضية ، فيعاقب عليه ، لكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار وان ارتفعت حرمته بالاضطرار. فالقول بوجوب الخروج نفسياً لانطباق عنوان التخلص الواجب عليه ، أو مقدمياً ، لكونه مقدمة للتخلص في غاية الضعف. نعم يرشد العقل إلى اختيار الخروج دفعاً للأفسد ـ وهو الغصب الزائد على الخروج ـ بالفاسد ، وهو الغصب بمقدار الخروج ، فما في المتن من عدم كون الخروج مأموراً به في غاية المتانة.

١٥٢

ان قلت (١) : كيف لا يجديه (٢) ومقدمة الواجب واجبة؟

قلت (٣) : انما يجب المقدمة لو لم تكن محرمة ، ولذا (٤) لا يترشح الوجوب من الواجب الا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية.

وإطلاق (٥) الوجوب [وأهمية الواجب] بحيث ربما يترشح منه

______________________________________________________

(١) هذا إشكال على عدم وجوب الخروج مع كونه مقدمة للتخلص الواجب فان مقدميته للتخلص توجب وجوبه ، لأن مقدمة الواجب واجبة ، فالخروج واجب من باب وجوب المقدمة.

(٢) يعني : كيف لا يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام في وجوب الخروج مقدمة مع كون وجوب المقدمة عقلياً غير قابل للتخصيص ، فالواو في قوله : «ومقدمة الواجب» للحالية.

(٣) توضيحه : أن وجوب المقدمة مختص بالمقدمات المباحة ، فلا يترشح الوجوب من وجوب ذي المقدمة على مقدماته المحرمة وان كانت مشتركة مع المقدمات المباحة في أصل التوقف والمقدمية ، كركوب الدّابّة المغصوبة ، فانه كركوب الدّابّة المباحة في المقدمية.

(٤) أي : ولاختصاص وجوب المقدمة بغير المحرمة لا يترشح الوجوب من الواجب الا على المقدمات المباحة ، فلا يتصف ما عدا المباحة منها بالوجوب.

(٥) إشارة إلى توهم ، وهو : وجوب المقدمة المحرمة كالخروج عن المكان المغصوب ، وعدم اختصاص الوجوب بالمقدمة المباحة.

توضيحه : أن اختصاص الوجوب بالمقدمة المباحة انما يكون في غير صورة انحصار المقدمة بالمحرمة ، بأن يكون لها فردان مباح ومحرم. وأما إذا كانت

١٥٣

الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها انما هو (١) فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة ، والمفروض هاهنا (٢) وان كان ذلك (٣) إلّا أنه (٤) كان بسوء الاختيار ، ومعه (٥) لا يتغير عما هو عليه من الحرمة

______________________________________________________

المقدمة منحصرة بالمحرمة ، فيترشح الوجوب عليها. وعلى هذا ، فلو انحصر التخلص عن الحرام بالخروج الّذي هو أيضا حرام ـ لكونه غصباً ـ اتصف الخروج بالوجوب ، لكونه مقدمة للتخلص الواجب.

(١) أي : إطلاق الوجوب ، وقوله : «انما هو» خبر «وإطلاق» ودفع للتوهم المزبور ، وحاصله : أن وجوب المقدمة المحرمة مع انحصارها انما يكون بشرطين :

أحدهما : أن يكون الواجب أهم من ترك المقدمة كإنقاذ غريق مؤمن ، حيث انه أهم من حرمة الدخول في المكان المغصوب ، وكالخروج عنه تخلصاً عن الغصب ، فان الواجب ـ وهو التخلص عنه ـ أهم من ترك الحرام وهو الخروج.

ثانيهما : أن لا يكون الاضطرار إلى المقدمة المحرمة ـ كالخروج ـ ناشئا عن سوء الاختيار ، وإلّا فلا تتغير عما هي عليه من الحرمة والمبغوضية.

وبالجملة : مجرد أهمية الواجب من ترك المقدمة المحرمة لا توجب اتصاف المقدمة بالوجوب ، بل فيما إذا لم يكن الاضطرار إلى المقدمة المحرمة بسوء الاختيار ، ومعه تبقى المقدمة على حرمتها.

(٢) أي : في الاضطرار إلى المقدمة المحرمة.

(٣) أي : أهمية الواجب ـ وهو التخلص عن الغصب ـ من ترك الحرام أعني الخروج.

(٤) أي : الاضطرار إلى المقدمة المحرمة كان بسوء الاختيار.

(٥) أي : ومع سوء الاختيار لا يتغير حكم المقدمة ، ولا ترتفع حرمتها.

١٥٤

والمبغوضية ، وإلّا (١) لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف واختياره (٢) لغيره ، وعدم (٣) حرمته مع (*) اختياره له ، وهو كما ترى (٤).

______________________________________________________

(١) أي : وان تغيرت حرمة المقدمة لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف ، وغرضه من هذه العبارة إقامة البرهان على عدم ارتفاع الحرمة عن المقدمة المحرمة المنحصرة.

توضيحه : أنه يلزم من ارتفاع حرمتها محذوران لا يمكن الالتزام بهما.

الأول : تعليق حرمة المقدمة ووجوبها على إرادة المكلف واختياره ، ضرورة أن الخروج لا يتصف بالحرمة الا مع إرادة عدم التصرف في المكان المغصوب دخولا وخروجاً. وأما مع إرادة الدخول فيه واختياره ، فلا يكون الخروج حراماً ، بل يتصف بالوجوب.

والحاصل : أنه مع اختيار الدخول في المغصوب يكون الخروج واجباً ، ومع اختيار عدمه يكون التصرف فيه دخولا وخروجاً حراماً.

(٢) يعني : واختيار المكلف لغير الدخول المراد به ترك الدخول ، يعني : إذا اختار ترك الدخول وعدم التصرف في المغصوب كان كل من الدخول والخروج حراماً.

(٣) معطوف على «الحرمة» يعني : ولكان عدم الحرمة معلقاً على اختيار المكلف للدخول ، فإذا اختار الدخول لا يكون الخروج حراماً. فضمير «حرمته» راجع إلى الخروج وضمير «اختياره» إلى المكلف ، وضمير «له» إلى الدخول.

(٤) يعني : ما ذكر من تعليق الحرمة على إرادة عدم الدخول في المغصوب ،

__________________

(*) الأولى أن يقال : «على اختياره» ليوافق عدله ، وتكون العبارة هكذا : «لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف ، وعدم الحرمة على اختياره له» ، فتدبر.

١٥٥

مع (١) أنه خلاف الفرض ، وأن (٢) الاضطرار يكون بسوء الاختيار.

ان قلت (٣) ، ان التصرف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول

______________________________________________________

وتعليق عدم الحرمة على إرادة الدخول واختياره مما لا ينبغي التفوه به ، لأن إرادة المكلف ليست من شرائط التكليف بحيث تتعلق الحرمة وعدمها على الإرادة ، إذ الشرط يقتضي تقدمه على الحكم ، ولازمه إناطة الحكم بالإرادة ، فلو لم يرد الغصب أو شرب الخمر أو غيرهما من المحرمات لم يكن حراماً. وهذا واضح الفساد لأن الحكم علة لحدوث الداعي في العبد ، فالإرادة في رتبة معلول الحكم ، فكيف تكون علة له؟

وبالجملة : تعليق الحكم على الإرادة في غاية الوهن ، فلا يمكن أن يقال : ان الخروج في صورة عدم اختيار الدخول حرام ، وفي صورة اختياره واجب.

(١) الثاني : ان تعليق الحرمة وعدمها على الإرادة خلاف الفرض ، لأن المفروض عدم حرمة الخروج لأجل المقدمية للتخلص ، لا لإرادة الدخول ، فالخروج مع الغض عن مقدميته للتخلص يكون حراماً ، لأنه من أفراد الغصب المحرم ، فإذا كان عدم حرمته لأجل إرادة عدم الدخول لم يتحقق الاضطرار إلى الحرام ، إذ لا حرام حتى يتحقق الاضطرار إليه. وهذا خلاف ما فرضناه من الاضطرار إلى الحرام بسوء الاختيار.

(٢) معطوف على «الفرض» وبيان له ، يعني : أن الفرض هو الاضطرار بسوء الاختيار ، ومن المعلوم أن كونه بسوء الاختيار يقتضي حرمته ، وإلّا كان من حسن الاختيار كما هو واضح.

(٣) هذا كلام شيخنا الأعظم (قده) القائل بكون المحرم المضطر إليه بسوء الاختيار مع الانحصار مأموراً به فقط على ما يظهر من التقريرات المنسوبة إليه.

١٥٦

والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام (١) ، وأما التصرف بالخروج الّذي يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام ، فهو ليس بحرام في حال من الحالات (٢) ، بل حاله (٣) حال مثل [مثل حال] شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الأوقات.

ومنه (٤) ظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرف في أرض الغير

______________________________________________________

ومحصله : أن التصرف الخروجيّ لم يكن حراماً في حال من الحالات حتى نقول بوجوبه لأجل مقدميته للتخلص الواجب ، وذلك لأن التصرف في مال الغير بدون اذنه لا يخلو عن ثلاثة أنحاء أعني : الدخولي والبقائي والخروجيّ ، والمحرم منها اثنان ، وهما الدخولي والبقائي. وأما التصرف الخروجيّ فلكونه مقدمة للواجب ـ وهو التخلص عن الحرام ـ لا يتصف بالحرمة في حال من الحالات ، نظير شرب الخمر ، فانه حلال مع توقف النجاة من التلف عليه ، ولا يتصف بالحرمة أصلا. فعليه لا وجه لحرمة جميع التصرفات من الدخولية والبقائية والخروجيّة بدعوى : أن المكلف قبل الدخول متمكن من جميع هذه التصرفات ، فهي بأسرها محرمة ، وذلك لما عرفت من عدم حرمة الخروج أصلا.

(١) لعدم عروض جهة موجبة لجواز الدخول والبقاء في مال الغير بدون اذنه ، فهما محرمان ، لفرديتهما لطبيعي الغصب الّذي هو من المحرمات.

(٢) يعني : من غير فرق في عدم حرمة الخروج بين ما قبل الاضطرار وما بعده.

(٣) أي : حال الخروج حال شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في كونه واجباً في جميع الأوقات ، وعدم حرمته في حال من الحالات.

(٤) يعني : ومن منع حرمة التصرف الخروجيّ ظهر المنع عن حرمة جميع

١٥٧

مثلا حراماً قبل الدخول ، وأنه (١) يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج ، وذلك (٢) لأنه لو لم يدخل لما كان متمكناً من الخروج ، وتركه وترك الخروج (٣) بترك الدخول رأساً ليس (٤) في الحقيقة الا ترك الدخول ،

______________________________________________________

التصرفات ، بتوهم : أن الغاصب قادر على ترك الخروج ولو بواسطة ترك الدخول ، فلا بد أن يكون الخروج حراماً أيضا.

ووجه ظهور المنع : أنه قد عرفت آنفاً : أن المحرم من التصرفات في المغصوب اثنان ، وهما الدخولي والبقائي ، وأما الخروجيّ ، فهو خارج عن حيز الحرمة ، لكونه مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك ، كما لا يخفى.

(١) معطوف على «كون» يعني : ظهر المنع عن كون ، وعن أن المكلف يتمكن من ترك جميع أنحاء التصرف حتى الخروج ، فيكون جميع التصرفات حتى الخروج حراماً.

(٢) بيان لظهور المنع ، وحاصله : أن القدرة شرط التكليف ، والخروج فعلا وتركاً قبل الدخول غير مقدور ، فترك الخروج قبل الدخول لا يصدق عليه الا ترك الدخول ، فلا يصدق عرفاً ترك الخروج على من لم يدخل إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع. وعليه ، فلا يكون ترك الخروج حقيقة مقدوراً له ، فلا يصير قبل الدخول موضوعاً للحكم بالحرمة.

(٣) إشارة إلى توهم ، وهو : أن ترك الخروج قبل الدخول مقدور بواسطة القدرة على ترك الدخول ، فلا يصغى إلى دعوى عدم القدرة عليه.

(٤) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن المقدور الّذي يصح تعلق التكليف به هو ما يكون القدرة على وجوده وعدمه على حد سواء ، ومن المعلوم

١٥٨

فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا لم يصدق عليه إلّا أنه لم يقع في المهلكة ، لا أنه ما شرب الخمر فيها (١) الا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، كما لا يخفى.

وبالجملة : لا يكون الخروج بملاحظة كونه مصداقاً للتخلص (٢) عن الحرام أو سبباً له (٣) الا مطلوباً (٤) ، ويستحيل (٥) أن يتصف بغير

______________________________________________________

أن الخروج قبل الدخول غير مقدور ، فكذا ترك الخروج ، فصدق ترك الخروج بدون الدخول يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، والصدق الحقيقي منوط بالدخول ، فإذا دخل المكان ولم يخرج منه يصدق عليه أنه ترك الخروج. نظير مثال شرب الخمر بدون المرض ، إذ يصدق عليه أنه لم يقع في المهلكة حتى يشرب الخمر ، ولا يصدق عليه أنه لم يشرب الخمر في التهلكة إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع.

والحاصل : أن الخروج قبل الدخول غير مقدور ، فلا يجب فعله ولا يحرم تركه.

(١) يعني : لا يصدق عليه أنه لم يشرب الخمر في التهلكة ، بل يصدق عليه أنه لم يقع في التهلكة.

(٢) فيكون الخروج حينئذ واجباً نفسياً ، لكنه مجرد فرض ، إذ لم يتوهم أحد أن الخروج مصداق للتخلص ، بل هو مصداق للغصب ، فالخروج علة للتخلص ، لا نفسه.

(٣) أي : للتخلص ، فيكون الخروج حينئذ واجباً غيرياً.

(٤) كما اختاره الشيخ الأعظم (قده) غاية الأمر : أن الخروج اما مطلوب نفسياً أو غيرياً ، وعلى التقديرين لا يتصف بالحرمة.

(٥) يعني : بعد فرض كون الخروج مصداقاً للتخلص ، أو سبباً له يستحيل

١٥٩

المحبوبية ، ويحكم (١) عليه بغير المطلوبية.

قلت : هذا (٢) غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأموراً به ، وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه على ما في تقريرات بعض الأجلة.

لكنه (٣)

______________________________________________________

أن يتصف بغير المحبوبية ، فيمتنع اتصافه بالحرمة والمبغوضية.

(١) معطوف على «يتصف» ، يعني : ويستحيل أن يحكم على الخروج بغير المطلوبية.

(٢) يعني : ما ذكرناه في «ان قلت» غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون المضطر إليه بسوء الاختيار ـ مع انحصار التخلص عن الحرام به ـ مأموراً به.

(٣) الضمير للشأن. ثم ان هذا جواب استدلال التقريرات على كون الحرام المضطر إليه بسوء الاختيار مع الانحصار مأموراً به ، وهو يرجع إلى جوابين حلي ونقضي.

أما الأول الّذي أشار إليه بقوله : «إذا لم يتمكن المكلف من التخلص ... إلخ» فهو : أن المقدمية لا ترفع حرمة ما يكون مقدمة لفعل واجب كالتخلص عن الغصب ، أو ترك حرام كالبقاء في المكان المغصوب ، ولا توجب ترشح الوجوب المقدمي على المقدمة المحرمة إلّا بشرطين :

أحدهما : انحصار المقدمة في خصوص المحرمة ، كانحصار طريق الإنقاذ الواجب بالاستطراق في المكان المغصوب ، فان كان له مقدمة مباحة لا يترشح

١٦٠