منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

كما هو واضح أنه (١) انما يجدي لو لم يكن المجمع واحداً ماهية (*) وقد عرفت (٢)

______________________________________________________

وثانيهما : ما أشار إليه بقوله : «انما يجدي» ، وحاصله : أنه لو سلم مقدمية الفرد لوجود الكلي ، فهي انما تجدي في جواز اجتماع الأمر والنهي إذا كان الفرد مقدمة للطبيعتين المأمور بها والمنهي عنها حتى يتعلق به الأمر والنهي معاً بلحاظ فرديته لهما ، لكن الأمر ليس كذلك ، لأن المجمع في مسألة اجتماع الأمر والنهي ليس فرداً لماهيتين حتى يتعدد ماهية ، ويصح تعلق الأمر والنهي به ، بل هو فرد لماهية واحدة كما تقدم في المقدمة الرابعة ، فيمتنع تعلقهما به ، لاستلزامه اجتماع الضدين وهما الأمر والنهي.

وبالجملة : ـ فبعد وضوح كون المجمع واحداً ـ يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه وان سلمنا مقدمية الفرد للكلي.

(١) أي : كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي ، وهو خبر لقوله : «وذلك».

(٢) أي : في المقدمة الرابعة ، حيث انه قد ظهر فيها أن المجمع بحسب

__________________

(*) الظاهر أن هذا الجواب لا يخلو عن المناقشة ، لأنه مبني على تسليم المقدمية ، ومغايرة الفرد للكلي ، وعليه فلمدعي جواز الاجتماع أن يقول : ان الفرد لما كان غير الكلي ، فلا مانع من حرمة المقدمة وهي الفرد ، وسقوط الأمر المتعلق بالكلي بإيجاد مقدمته المحرمة.

فالأولى في رد الدليل إنكار المقدمية كما هو مقتضى الجواب الأول ، ودعوى وحدة المجمع ماهية عدول عن المبنى أعني المقدمية.

ثم ان المراد بالماهية في المقام مطلق العناوين الكلية وان لم تكن من العناوين الذاتيّة ، كما يشهد به تمثيلهم بالصلاة والغصب.

١٠١

بما لا مزيد عليه أنه بحسبها (١) أيضا واحد.

ثم انه قد استدل (*) على الجواز بأمور :

منها (٢) : أنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره.

______________________________________________________

الماهية واحد كوحدته وجوداً ، ومع وحدته كذلك يمتنع تعلق الأمر والنهي به حتى على القول بمقدمية الفرد للكلي ، لما عرفت آنفاً من استلزامه اجتماع الضدين.

(١) أي : بحسب الماهية ، وضمير «انه» راجع إلى المجمع.

أدلة المجوزين والمناقشة فيها

(٢) ملخص هذا الدليل : أن وقوع الشيء أدل دليل على إمكانه ، لامتناع وقوع ما هو ممتنع ومستحيل ، كاجتماع الضدين أو النقيضين ، فالبرهان القطعي على الإمكان هو الوقوع. ومقتضى المقدمة الأولى من المقدمات التي مهدها المصنف «قده» لإثبات ما اختاره من الامتناع هو التضاد بين الأحكام الخمسة بأسرها ، وعدم اختصاصه بالوجوب والحرمة ، فحينئذ إذا قام دليل على اجتماع حكمين غير الوجوب والحرمة في واحد مع تعدد الجهة كشف ذلك عن كون تعدد الجهة مجدياً ، إذ لو لم يكن مجدياً لما جاز الاجتماع ، للتضاد المزبور. فرافع التضاد هو تعدد الجهة مطلقاً سواء كان الحكمان المجتمعان هما الوجوب والحرمة أم غيرهما من الوجوب والكراهة ، والاستحباب والكراهة. ومن المعلوم قيام الدليل على اجتماع الحكمين ، إذ المفروض دلالة الأدلة الشرعية على اجتماع الاستحباب والكراهة مع تعدد الجهة ، كالعبادات المكروهة ، فتلك الأدلة تدل على إمكان الاجتماع وعدم استحالته.

__________________

(*) حق العبارة أن تكون هكذا : «ثم انه قد استدل على الجواز مضافاً إلى الوجهين المزبورين بأمور أخر ... إلخ».

١٠٢

وقد وقع ، كما في العبادات المكروهة ، كالصلاة في مواضع التهمة (١) وفي الحمام (٢) ، والصيام في السفر (٣) ، وفي بعض الأيام (٤).

بيان الملازمة (٥) : أنه لو لم يكن تعدد الجهة مجدياً في إمكان اجتماعهما (٦) لما جاز اجتماع حكمين آخرين (٧) في مورد مع تعددها ، لعدم اختصاصهما (٨) من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضاد (٩)

______________________________________________________

(١) التهمة كـ «همزة» ما يتهم عليه ، والمراد بمواضعها الأمكنة التي يتهم المصلي فيها على استخفافه بالصلاة ، كالمعاطن والمزابل ، وقد ورد النهي عن الصلاة فيها في جملة من الاخبار. وعطف الحمام عليها من عطف الخاصّ على العام.

(٢) فيجتمع الوجوب والكراهة ان كانت الصلاة المأتي بها في الحمام واجبة ، والاستحباب والكراهة ان كانت الصلاة نافلة.

(٣) فان كان الصوم مستحباً يجتمع فيه الندب والكراهة ، وان كان واجباً كالصوم بدل الهدي يجتمع فيه الوجوب والكراهة.

(٤) كصوم يوم عاشوراء.

(٥) يعني : الملازمة بين المقدم وهو «لو لم يجز اجتماع» والتالي وهو «لما وقع نظيره».

(٦) أي : اجتماع الأمر والنهي.

(٧) يعني : غير الوجوب والحرمة.

(٨) أي : الأمر والنهي اللذين أريد بهما الوجوب والحرمة ، وقوله : «لعدم» تعليل لقوله : «لما جاز اجتماع» ، وضمير «تعددها» راجع إلى الجهة.

(٩) بيان لـ «ما» الموصولة.

١٠٣

بداهة تضادها (١) بأسرها. والتالي (٢) باطل ، لوقوع اجتماع الكراهة والإيجاب ، أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام (٣) ، والصيام في السفر ، وفي عاشوراء (٤) ولو في الحضر ، واجتماع (٥) الوجوب

______________________________________________________

(١) أي : تضاد الأحكام بأسرها ، وقوله : «بداهة» تعليل لعدم اختصاص الوجوب والحرمة من بين الأحكام الخمسة بالتضاد ، بل الأحكام الخمسة بأسرها متضادة ، ووجه تضادها : أن لكل واحد منها فصلا يباين فصل الآخر ، به يمتاز عما عداه من الأحكام ، فيكون كل منها نوعاً على حدة ، ومن المعلوم تضاد الأنواع ، فتكون بأسرها متضادة.

وعلى هذا ، فإذا كان تعدد الجهة في بعضها مجدياً في الاجتماع كالوجوب والكراهة مثلا لكان مجدياً في بعضها الآخر أيضا كالوجوب والحرمة.

وبالجملة : تعدد الجهة لو كان رافعاً للتضاد بين بعضها لكان رافعاً له في بعضها الآخر أيضا.

(٢) وهو : «عدم جواز اجتماع حكمين غير الوجوب والحرمة» باطل ، لوقوعه في الشرع.

(٣) هذا مثال لوقوع الإيجاب والكراهة ان كانت الصلاة المأتي بها واجبة ، ولوقوع الاستحباب والكراهة ان كانت الصلاة مستحبة.

(٤) فان الصوم في السفر ان كان واجباً ـ كالصوم بدل الهدي ـ كان من اجتماع الوجوب والكراهة. وان كان مستحباً كان من اجتماع الندب والكراهة ، وصوم يوم عاشوراء مثال لاجتماع الاستحباب والكراهة أيضا.

(٥) معطوف على «اجتماع الكراهة» وهذا إلى قوله : «في مثل الصلاة في المسجد أو الدار» إشارة إلى صور أربع :

١٠٤

أو [و] الاستحباب مع الإباحة ، أو الاستحباب (١) في مثل الصلاة في المسجد أو الدار.

والجواب عنه : أما إجمالا (*) ، فبأنه (٢) لا بد من التصرف والتأويل

______________________________________________________

إحداها : اجتماع الوجوب مع الإباحة ، كالصلاة الواجبة في الدار.

ثانيتها : اجتماع الوجوب مع الاستحباب ، كالصلاة الواجبة في المسجد.

ثالثتها : اجتماع الاستحباب مع الإباحة ، كالنافلة في الدار.

رابعتها : اجتماع الاستحباب مع مثله ، كالنافلة في المسجد ، فان اجتماع فردين من نوع واحد أيضا ممتنع ، لامتناع اجتماع المثلين كاجتماع الضدين.

وبالجملة : فهذه الأمثلة أقوى دليل على جواز اجتماع الحكمين مع اشتراك المانع عن الاجتماع ـ وهو التضاد ـ في جميع الأحكام الخمسة ، ولا وجه لجواز الاجتماع في تلك الأمثلة الا تعدد الجهة.

(١) معطوف على «الإباحة» ، يعني : اجتماع الوجوب مع الاستحباب ، كالصلاة الواجبة في المسجد ، أو اجتماع الاستحباب مع مثله ، كالنافلة في المسجد. فقوله : «في مثل الصلاة في المسجد أو الدار» إشارة إلى أمثلة الصور الأربع المتقدمة.

(٢) الضمير للشأن. وقد أجاب المصنف (قده) عن الاستدلال المزبور بجوابين هذا أولهما ، وحاصله : أنه بعد قيام البرهان على الامتناع للتضاد ووحدة المتعلق لا بد من التصرف فيما ظاهره الاجتماع ، بداهة أن الظهور لا يصادم البرهان القطعي العقلي ، لأنهما من قبيل النص والظاهر في لزوم رفع اليد عن الظهور بالنص ، وارتكاب التأويل في الظهور ، ومعه لا يبقى ظهور في اجتماع الحكمين في الموارد المذكورة ، والمفروض أن الاستدلال كان مبنياً على الظهور.

__________________

(*) وقد يجاب عنه إجمالا بوجه آخر ، وهو : «ان الثابت عندهم صحة

١٠٥

فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع (١) ضرورة (٢) أن الظهور لا يصادم البرهان. مع (٣) (*) أن قضية ظهور

______________________________________________________

(١) يعني : امتناع اجتماع الحكمين.

(٢) تعليل لقوله : «لا بد من التصرف والتأويل».

(٣) هذا إشارة إلى ثاني الجوابين ، وحاصله : أن الاستدلال بالموارد المزبورة على إمكان الاجتماع ـ بعد تسليم الظهور المذكور وعدم تأويله ـ غير سديد ، بداهة أنها ظاهرة في جواز الاجتماع فيها بعنوان واحد ، لأن متعلق الأمر والنهي في تلك الموارد ـ وهو الصلاة أو الصوم مثلا ـ واحد ، إذ الصلاة المأمور بها

__________________

العبادات المكروهة ، وأما كونها متعلقة للأمر والنهي معاً فغير مصرح به في كلام الأصحاب ، فلعل صحتها من جهة واجديتها للملاك ، وعدم مانعية النهي التنزيهي عن مقربيتها من دون أن تكون بالفعل غير مأمور بها».

وأنت خبير بكفاية الإطلاقات في ثبوت الأمر بما تعلق به النهي ، كالصلاة في الحمام ومواضع التهمة ، ومعها لا حاجة إلى تصريحهم بكونها متعلقة للأمر والنهي معاً. بل تعبيرهم بالعبادات المكروهة كالصريح في كون متعلق الكراهة العبادة الفعلية المتعلقة للأمر الفعلي.

وأما توجيه الصحة في كلماتهم بأنها لأجل الملاك ، ففيه : أن هذا ليس في كلمات القدماء ، وانما هو من الفوائد التي أفادها المتأخرون من الأصوليين.

فالأولى في الجواب الإجمالي ما أفاده المصنف (قده).

(*) هذا إذا لم يتشبث الخصم بموارد تعلق النهي بعنوان آخر يجتمع مع عنوان العبادة ، وهو القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في المتن ، وإلّا فلا وجه للاستظهار المزبور ، كما لا يخفى.

١٠٦

تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ، ولا يقول الخصم بجوازه كذلك (١) ، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين ، فهو (٢) أيضا لا بد له من التفصي عن إشكال الاجتماع فيها ، لا سيما (٣)

______________________________________________________

هي المنهي عنها في الحمام ، ومواضع التهمة وغير ذلك من الأمكنة المكروهة ، وهذا خارج عن مورد البحث الّذي هو اجتماع الحكمين في مورد واحد مع تعدد الجهة ، دون وحدتها ، فان الخصم أيضا يلتزم بامتناع اجتماع الحكمين بعنوان واحد. وعلى هذا ، فلا يصح الاستدلال بالموارد المذكورة التي ظاهرها إمكان الاجتماع مع وحدة الجهة على إمكان الاجتماع مع تعدد الجهة.

(١) أي : بجواز الاجتماع بعنوان واحد.

(٢) يعني : فالخصم القائل بجواز الاجتماع مع تعدد العنوان والجهة كالقائل بالامتناع مطلقاً لا بد له من التفصي عن إشكال اجتماع الحكمين بعنوان واحد ، فعلى كلا القولين لا بد من التصرف فيما ظاهره الاجتماع بعنوان واحد.

(٣) يعني : أنه لا بد على كلا القولين ـ أعني جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه ـ من التفصي عن محذور الاجتماع ، خصوصاً على القول بالجواز إذا لم يكن للمأمور به مندوحة ، فانه إذا كان له مندوحة ـ أي بدل كالصلاة في الحمام ، حيث ان العبد يقدر على إيجادها في المسجد أو الدار ـ أمكن القول بعدم توجه الأمر بالصلاة في هذا المورد المكروه أعني الحمام بخصوصه ، فلا يلزم الاجتماع. بخلاف ما إذا لم يكن له مندوحة كصوم يوم عاشوراء ، فان الأمر الاستحبابي متوجه إليه يقيناً ، لأن صوم كل يوم مستحب في نفسه ، لا لبدليته عن غيره ، فيلزم الاجتماع قطعاً ، فلا بد للقائل بالجواز خصوصاً هنا من التفصي عن محذور الاجتماع كالقائل بالامتناع.

١٠٧

إذا لم يكن هناك مندوحة ، كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها (١) ، فلا يبقى له (٢) مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه (٣) أصلا ، كما لا يخفى.

وأما تفصيلا ، فقد أجيب عنه (*) بوجوه (٤) يوجب ذكرهما بما

______________________________________________________

(١) كصوم يوم عاشوراء.

(٢) أي : للخصم مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع في تلك الموارد على جوازه.

(٣) أي : جواز الاجتماع ، وضمير «فيها» راجع إلى تلك الموارد ، وقوله : «على» متعلق بـ «الاستدلال».

(٤) مذكورة في تقريرات شيخنا الأعظم (قده).

__________________

(*) يمكن أن يجاب بما قيل : من أن متعلق الأمر والنهي متعدد ، وليس متحداً كما توهم ، إذ الأمر قد تعلق بنفس العبادة ، والنهي بتخصيص العبادة بخصوصية ، فطبيعة الصلاة محبوبة ، وتخصصها بخصوصية وقوعها في الأمكنة المكروهة مبغوض. وبعبارة أخرى : صغروية العبادات المكروهة لمسألة اجتماع الأمر والنهي منوطة بكون الصلاة مأموراً بها ، والكون في الحمام مثلا منهياً عنه حتى يجتمعا في الصلاة في الحمام ، ويقع التزاحم بينهما. لكنه ليس كذلك ، ضرورة عدم تعلق النهي بالكون في الحمام ، بل هو انما تعلق بتخصيص الصلاة بخصوصية الكون في الحمام ، ولم يتعلق بنفس الصلاة كما توهم ، ولذا تصح بلا إشكال في الأمكنة المكروهة ، لعدم تعلق النهي بها ، بل بحده الخاصّ.

ومن المعلوم : أن الخصوصيات المشخصة ليست داخلة في متعلق الأمر ـ وهي طبيعة الصلاة ـ ومع تغاير متعلقي الأمر والنهي ، وعدم تصادقهما على واحد

١٠٨

فيها من النقض والإبرام طول الكلام بما لا يسعه المقام ، فالأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الإشكال ، فيقال وعلى الله الاتكال : ان العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ، ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء (١) ، والنوافل المبتدئة (٢)

______________________________________________________

(١) حيث ان صوم غيرها من الأيام ليس بدلا عن صومها ، بل هو مستحب بنفسه.

العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام ، وأحكامها

(٢) النوافل المبتدئة هي غير ذوات الأسباب ، كصلاتي الزيارة والاستخارة ، والصلوات المستحبة في الأيام والليالي المخصوصة ، فالصلاة المبتدئة هي التي لم يرد فيها نصّ بالخصوص ، بل هي بنفسها مستحبة ، لكونها خير موضوع.

__________________

خارجي لا يقع التزاحم بينهما حتى لا تصح الصلاة في الأمكنة المكروهة ، هذا في العبادات التي لها بدل.

وأما ما لا بدل له منها ، فلا بد فيها من التصرف في ظاهر أحد الخطابين دفعاً لمحذور طلب المحال ، كحمل الأمر على الاقتضائي ، أو حمل النهي على الإرشاد إلى الإتيان بمطلوب آخر خالٍ عن تلك الحزازة ، وحينئذ تصح الصلاة بمناط الطلب ، لا بنفسه ، نظير المزاحمة بالأهم بناء على بطلان الترتب.

وعليه ، فصوم يوم عاشوراء كصوم سائر الأيام في الاشتمال على مناط الطلب ، ومع ذلك يحكم بكراهته ، بمعنى : أن تركه ملازم لعنوان آخر أرجح من الفعل ، فالنهي عنه إرشاد إلى مطلوبية ذلك العنوان ، أو إلى مطلوبية ما هو أهم من الصوم كالإقبال على إقامة العزاء أو الزيارة.

١٠٩

في بعض الأوقات (١).

ثانيها : ما تعلق به النهي كذلك (٢) ، ويكون له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام.

ثالثها : ما تعلق النهي به لا بذاته (٣) ، بل بما هو مجامع معه (٤) وجوداً ، أو ملازم (٥) له خارجاً ، كالصلاة في مواضع التهمة بناء (٦)

______________________________________________________

(١) كما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس ، وبين صلاة العصر وغروب الشمس ، وعند طلوع الشمس حتى تنبسط ، وقبيل الغروب.

(٢) يعني : بعنوانه وذاته مع وجود بدل له ، كالنهي عن الصلاة في الحمام ، فان النهي قد تعلق بنفس عنوان الصلاة ـ كالقسم الأول ـ مع وجود بدل له كالصلاة في غير الحمام ، بخلاف القسم الأول الّذي لا بدل له.

(٣) كما في القسمين الأولين.

(٤) أي : مع العبادة ، وتذكير الضمير باعتبار «ما» الموصولة في قوله : «ما تعلق به النهي» ، وحاصله : أن النهي لم يتعلق بذات العبادة ، بل تعلق بما يغايرها مفهوماً ، ويتحد معها وجوداً ، كالنهي عن الصلاة في مواضع التهمة بناء على تعلقه بالكون فيها ، واتحاده مع الصلاة بناء على أن الأكوان كالأفعال داخلة في حقيقة الصلاة. وأما بناء على خروجها عن حقيقتها ، فالنهي حينئذ متعلق بالكون الخارج عن حقيقتها الملازم لها خارجاً ، فالصلاة في مواضع التهمة يمكن أن تكون مثالا للنهي عما هو متحد مع الصلاة ، ومنطبق عليها ، ويمكن أن تكون مثالا للنهي عما هو خارج عنها ملازم لها خارجاً.

(٥) معطوف على «مجامع».

(٦) غرضه : أن مثالية الصلاة في مواضع التهمة للنهي عن الكون المتحد

١١٠

على كون النهي عنها لأجل اتحادها (١) مع الكون في مواضعها.

أما القسم الأول ، فالنهي تنزيهاً عنه (٢) بعد الإجماع على أنه (٣) يقع صحيحاً ، ومع ذلك (٤) يكون تركه أرجح ، كما يظهر (٥) من مداومة الأئمة عليهم‌السلام على الترك  (*)

______________________________________________________

مع الصلاة مبنية على دخول الأكوان في ماهية الصلاة ، إذ على فرض خروجها عن حقيقتها تندرج الصلاة في مواضع التهمة في النهي عما يلازم الصلاة خارجاً ، لكون الأكوان حينئذ مقدمة لأفعال الصلاة ، كما تقدم آنفاً.

(١) هذا الضمير وضمير «عنها» راجعان إلى الصلاة ، وضمير «مواضعها» إلى التهمة.

(٢) أي : القسم الأول ، وهو : تعلق النهي بذات العبادة مع عدم بدل لها كصوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدئة.

(٣) أي : القسم الأول ، وغرضه : أن الإجماع على الصحة قرينة على كون النهي تنزيهياً ، لوضوح عدم اجتماع صحة العبادة مع النهي التحريمي عنها.

(٤) يعني : ومع صحة العبادة إجماعاً يكون تركها أرجح.

(٥) هذا دليل أرجحية الترك من الفعل ، تقريبه : أنه لو لم يكن الترك أرجح لم يداوم الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام عليه ، ولم يأمروا الشيعة به ، فالمداومة والأمر يكشفان عن أرجحية الترك من الفعل.

__________________

(*) لا يخفى أن التشبث بنفس النهي لإثبات أرجحية الترك من الفعل أولى من التمسك بمداومتهم عليهم‌السلام على الترك ، لاحتمال الإجمال فيه وان كان بعيداً ، نعم أمرهم عليهم‌السلام بالترك خال عن هذا الاحتمال.

١١١

اما (١) لأجل انطباق عنوان (*)

______________________________________________________

(١) هذا خبر لقوله (قده) : «فالنهي تنزيهاً» وشروع في الجواب عن القسم الأول من العبادات المكروهة ، وقد أجاب عنه بوجهين هذا أولهما.

وحاصله : أنه يمكن أن يكون النهي فيها الموجب لمرجوحية فعلها لأجل انطباق عنوان راجح على الترك أوجب أرجحية الترك من الفعل الّذي يكون ذا مصلحة أيضا ، فيكون كل من الفعل والترك ذا مصلحة ، ولذا لو أتى بالفعل وقع صحيحاً ، غايته أن مصلحة الترك أكثر من مصلحة الفعل ، ولوجود المصلحة فيهما يكون الترك في الحقيقة مأموراً به كالفعل ، فيصير الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين ، ويجري عليهما حكم التزاحم من التخيير مع تساويهما في الملاك ، والتعيين مع أهمية أحدهما. ففي مثل صوم يوم عاشوراء يكون أرجحية تركه من فعله لأجل انطباق عنوان راجح عليه ، كمخالفة بني أمية عليهم اللعنة ، حيث ان مخالفتهم لعنهم الله تعالى أهم في نظر الشارع من مصلحة الصوم ، ولذا صار الترك أرجح من الفعل ، كما هو الشأن في سائر موارد التزاحم ، فان الأهم يقدم على المهم مع بقاء مصلحة المهم بحالها ، ولذا لو صام صح بناء على كفاية الملاك في صحة العبادة. وعلى هذا ، فالحكم الفعلي في القسم الأول من العبادات المكروهة هو الكراهة ، فلم يجتمع فيها أمر ونهي حتى يقال بجواز الاجتماع ، وتكون العبادات المكروهة برهاناً عليه.

__________________

(*) ان أريد به عنوان عدمي كمخالفة أعداء الدين ، فلا بأس به.

وان أريد به عنوان وجودي ، ففيه : أنه لا يعقل انطباق عنوان وجودي على عدمي واتحاده معه ، إذ لا يعقل صدق الموجود على المعدوم وتقومه به.

١١٢

ذي مصلحة (١) على الترك (٢) فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض وان كان مصلحة الترك أكثر (٣) ، فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين ، فيحكم بالتخيير (٤) بينهما لو لم يكن أهم [أهمية] في البين (٥) ، وإلّا فيتعين الأهم وان كان الآخر يقع صحيحاً ، حيث انه (٦) كان راجحاً وموافقاً للغرض (٧) ، كما هو (٨) الحال في سائر المستحبات

______________________________________________________

(١) كمخالفة بني أمية لعنهم الله تعالى المنطبقة على ترك صوم يوم عاشوراء.

(٢) فمصلحة الترك تكون بالعرض ، لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة عليه ، لا لمصلحة في ذاته.

(٣) ولذا صار أرجح من الفعل.

(٤) يعني : بعد ثبوت المصلحة في كل من الفعل والترك يكونان كالمستحبين المتزاحمين ، إذ النهي عن العبادة يكون في الحقيقة أمراً بالترك ، فهنا أمران تعلق أحدهما بالصلاة ، والآخر بعنوان متحد مع تركها في وقت خاص.

(٥) هذا حكم باب التزاحم ، وحيث ان المفروض أهمية الترك ، فيتعين.

(٦) أي : الآخر المراد به الفعل ، وهذا تعليل لوقوع المزاحم المهم ـ وهو الفعل ـ صحيحاً ، وحاصل وجه صحته : موافقته للغرض ، وهو المصلحة.

(٧) وهو المصلحة التي زوحمت بمصلحة أرجح منها وهي مصلحة الترك.

(٨) أي : وقوع الآخر صحيحاً جار في سائر المستحبات المتزاحمات ، فإذا أتى بالمستحب المهم وترك المستحب الأهم وقع صحيحاً ، لاشتماله على المصلحة.

١١٣

المتزاحمات (*) ، بل الواجبات (١). وأرجحية (*) الترك (٢) من الفعل

______________________________________________________

(١) يعني : إذا أتى بالواجب المهم وترك الأهم كان صحيحاً ، لأجل ما فيه من المصلحة.

(٢) إشارة إلى توهم ، وهو : أنه قد يقال بالفرق بين المقام الّذي يكون

__________________

(*) لكن فرق واضح بين المقام أعني : كون الترك ذا مصلحة ، اما لانطباق عنوان وجودي راجح عليه بناء على إمكانه ، وتعقل مصداقية العدم للوجود ، واما لجهة أخرى ، وبين المستحبات المتزاحمات التي هي أضداد وجودية ذوات مصالح ، وذلك لأن مصلحة الترك في الأول مع غلبتها تؤثر في مبغوضية الفعل ، ومحبوبية تركه المستلزمة لعدم صلاحية الفعل للمقربية. بخلاف الثاني ، ضرورة أن اشتمال الضد الوجوديّ على مصلحة مؤثرة في طلب فعله لا يؤثر في مبغوضية ضده ، فلو تركه وأتى بضده الواجد لملاك الاستحباب ، فقد فعل ما هو المقرب إليه سبحانه وتعالى ، هذا.

مضافاً إلى : أن مقايسة المقام بالمستحبات المتزاحمة مبنية على كون مفاد النهي طلب الترك حتى يتزاحم الطلبان ، وقد مر في أول مباحث النهي فساده ، وأن مفاد النهي ليس إلّا الزجر عن متعلقه ، وأنه لا طلب في النهي أصلا.

وإلى : أن ظاهر النصوص كون النوافل المبتدئة في الأوقات المخصوصة ، وصوم يوم عاشوراء مما فيه حزازة ومنقصة ، لا أنها محبوبة وذوات مصلحة واستحباب وترك كل منها مستحب أيضا حتى يكون كل من صوم يوم عاشوراء ، وتركه مستحباً شرعياً.

(*) ربما يقال : ان أرجحية الترك وان لم توجب منقصة وحزازة في الفعل أصلا ، إلّا أنه يوجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعاً ، كما لا يخفى ،

١١٤

لا توجب (١)

______________________________________________________

الفعل فيه مرجوحاً والترك راجحاً ، وبين المستحبات المتزاحمة.

وملخص الفرق : أن المستحبات المتزاحمة يكون فعل كل واحد منها أرجح من تركه ، فيصح التقرب بفعله بلا إشكال. بخلاف ما نحن فيه ، إذ في صورة تساوي مصلحتي الفعل والترك يشكل التقرب بأحدهما ، فضلا عما إذا كانت إحدى المصلحتين أقوى من الأخرى كما هو المفروض ، حيث ان مصلحة الترك أقوى من مصلحة الفعل ، ومع هذه الأقوائية الموجبة لمرجوحية الفعل كيف يمكن التقرب به ، بل المقرب حينئذ هو الترك فقط.

(١) خبر «وأرجحية» ودفع للتوهم المزبور ، ببيان : أن المانع عن التقرب هو مرجوحية الفعل لمفسدة ومنقصة في نفسه ، دون مرجوحيته لأجل اهتمام الشارع بمصلحة الترك زائداً على مصلحة الفعل الموافقة للغرض ، فانه ليس مانعاً عن التقرب به مع اشتماله على مصلحة في نفسه.

__________________

ولذا كان ضد الواجب ـ بناء على كونه مقدمة له ـ حراماً ، ويفسد لو كان عبادة ، مع أنه لا حزازة في فعله ، وانما كان النهي عنه وطلب تركه لما فيه من المقدمية له ، وهو على ما هو عليه من المصلحة ، فالمنع عنه لذلك كافٍ في فساده لو كان عبادة.

قلت : يمكن أن يقال : ان النهي التحريمي لذلك وان كان كافياً في ذلك بلا إشكال ، إلّا أن التنزيهي غير كاف ، إلّا إذا كان عن حزازة فيه ، وذلك لبداهة عدم قابلية الفعل المتقرب منه تعالى مع المنع عنه وعدم ترخيصه في ارتكابه ، بخلاف التنزيهي عنه إذا كان لا لحزازة فيه ، بل لما في الترك من المصلحة الراجحة ، حيث انه معه مرخص فيه ، وهو على ما هو عليه من الرجحان والمحبوبية له تعالى ، ولذلك لم تفسد العبادة إذا كانت ضد المستحبة أهم اتفاقاً ، فتأمل.

١١٥

حزازة ومنقصة فيه أصلا ، كما يوجبها (١) ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته (٢) ، ولذا (٣) لا يقع صحيحاً على الامتناع (٤) فان الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به (٥). بخلاف المقام (٦) ، فانه (٧) على ما هو عليه من الرجحان ، وموافقة (٨) الغرض ،

______________________________________________________

(١) أي : يوجب المنقصة ، وضمير «فيه» راجع إلى الفعل. و «ما» الموصولة فاعل «يوجب» ، يعني : كما يوجب المنقصة الفعل الّذي يكون فيه مفسدة غالبة على مصلحته ، وغرضه : أن مرجوحية الفعل هنا ـ لأهمية مصلحة الترك ـ ليست كمرجوحيته لمفسدة في نفسه ، فان المانع عن التقرب هو الثاني دون الأول.

(٢) أي : مصلحة الفعل ، فان هذه المصلحة المغلوبة بالمفسدة فيه لا تصلح للمقربية.

(٣) أي : ولكون المفسدة الغالبة على مصلحة الفعل مانعة عن التقرب به.

(٤) أي : بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي وتغليب جانب النهي.

(٥) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان إلى الفعل.

(٦) وهو كون كل من الفعل والترك ذا مصلحة.

(٧) يعني : فان الفعل ، وقوله : «على ما هو عليه» خبر «فانه».

غرضه : أن الفعل فيما نحن فيه لا يصير مرجوحاً بسبب أرجحية الترك منه ، بل هو على ما هو عليه من الرجحان الموجب لصحة التقرب به ، كالفعل الّذي لم يكن تركه راجحاً بلا حدوث حزازة في نفس الفعل ، فأرجحية الترك لم تؤثر الا في صيرورة الحكم الفعلي تابعاً لها.

(٨) معطوف على «الرجحان».

١١٦

كما إذا لم يكن تركه راجحاً بلا حدوث حزازة فيه أصلا.

واما (١) لأجل ملازمة الترك لعنوان كذلك (٢) من دون انطباقه عليه فيكون كما إذا انطبق عليه (٣)

______________________________________________________

(١) معطوف على «اما» في قوله : «اما لأجل انطباق» وعدل له. وهذا ثاني الوجهين اللذين أجاب بهما المصنف (قده) عن إشكال القسم الأول من العبادات المكروهة.

وتوضيحه : أن أرجحية الترك يمكن أن تكون لأجل ملازمته لعنوان ملازم معه ، لا منطبق عليه ، كملازمة ترك صوم يوم عاشوراء لحال البكاء والجزع على مولانا المظلوم صلوات الله عليه. وكملازمة ترك صوم يوم عرفة للنشاط في الدعاء ، والمفروض أن مصلحة البكاء في يوم عاشوراء والدعاء في يوم عرفة أرجح من مصلحة صومهما. فالنهي عن صومهما يكون لملازمة تركه لهذين العنوانين أو غيرهما.

والفرق بين هذا الوجه وسابقه : أن الترك على الوجه الأول يكون متعلق البعث حقيقة ، لانطباق العنوان الراجح عليه واتحاده معه. بخلاف هذا الوجه الثاني ، حيث ان الترك بناء عليه لا يكون متعلق الطلب حقيقة ، لعدم انطباق العنوان الملازم الّذي تكون المصلحة قائمة به عليه ، فإسناد الطلب إلى الترك حينئذ يكون بالعرض والمجاز ، نظير اسناد الإنبات إلى الربيع ، والجريان إلى النهر والميزاب ، والحركة إلى جالس السفينة ، كما لا يخفى.

(٢) أي : ذي مصلحة من دون انطباق ذلك العنوان على الترك.

(٣) أي : الترك ، وضمير «انطباقه» راجع إلى العنوان ، وضمير «عليه» راجع إلى الترك ، وضمير «فيكون» المستتر فيه راجع إلى الترك أيضا ،

١١٧

من غير تفاوت (١) الا في أن الطلب المتعلق به حينئذ (٢) ليس بحقيقي ، بل بالعرض والمجاز ، فانما يكون (٣) في الحقيقة متعلقاً بما يلازمه من العنوان. بخلاف صورة الانطباق ، لتعلقه به (٤) حقيقة ، كما في سائر المكروهات (٥) من غير فرق (٦) ، إلّا أن منشأه فيها (٧)

______________________________________________________

يعني : فيكون الترك على هذا الوجه الثاني كالترك على الوجه الأول ، وهو انطباق العنوان عليه.

(١) هذا إشارة إلى الفرق بين الوجهين ، وقد بيناه بقولنا : «والفرق بين هذا الوجه ... إلخ».

(٢) أي : حين ملازمة الترك لعنوان ذي مصلحة ، وضمير «به» راجع إلى الترك.

(٣) أي : الطلب.

(٤) أي : لتعلق الطلب بالترك حقيقة ، وكونه حقيقياً انما هو لانطباق العنوان عليه.

(٥) غرضه : تنظير صورة انطباق العنوان على الترك ـ في كون الطلب المتعلق بالترك حقيقياً ـ بالمكروهات المصطلحة ، فكما أن النهي فيها يتعلق بها حقيقة ، فكذلك في صورة انطباق عنوان على الترك.

(٦) يعني : من غير فرق بينهما من حيث كون النهي في كليهما على نحو الحقيقة.

(٧) يعني : إلّا أن الفرق بينهما انما هو في منشأ تعلق الطلب ، فانه في المكروهات المصطلحة منقصة في نفس الفعل أوجبت تشريع الحكم بالكراهة ، وفي الترك

١١٨

حزازة ومنقصة في نفس الفعل ، وفيه (١) رجحان في الترك من دون حزازة في الفعل أصلا. غاية الأمر كون الترك أرجح (٢). نعم (٣) يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين (٤) على الإرشاد إلى الترك الّذي هو أرجح من الفعل ، أو ملازم (٥) لما هو الأرجح ، وأكثر ثواباً

______________________________________________________

رجحان الترك الناشئ من انطباق عنوان راجح عليه من دون حزازة في نفس الفعل ، كما هو شأن المكروه المصطلح.

(١) أي : في القسم الأول من العبادات ، وهو : انطباق عنوان راجح على الترك.

(٢) لأجل انطباق عنوان راجح على الترك ، لا لأجل منقصة في نفس الفعل ، كما هو كذلك في المكروهات المصطلحة.

(٣) هذا استدراك على الفرق المزبور بين كون النهي بلحاظ العنوان المنطبق على الترك ، وبين كونه بلحاظ العنوان الملازم له ، حيث انه يكون النهي في الأول حقيقياً ، وفي الثاني مجازياً.

وحاصل الاستدراك : أن النهي يمكن أن يكون حقيقياً في كلا القسمين بأن يحمل على الإرشاد إلى كون الترك من مصاديق عنوان ذي مصلحة منطبق عليه ، أو ملازم له ، ومن المعلوم عدم منافاة بين النهي الإرشادي والأمر المولوي ، وعدم اندراجهما في مسألة اجتماع الأمر والنهي.

وبالجملة : فان كان النهي مولويا في العنوان المنطبق على الترك أو الملازم له كان حقيقياً في الأول ومجازياً في الثاني ، وان كان إرشادياً كان حقيقياً في كلا القسمين.

(٤) أي : العنوان المنطبق المتحد مع الترك ، والعنوان الملازم له.

(٥) معطوف على «أرجح» والمعطوف عليه إشارة إلى العنوان المتحد مع الترك ، والمعطوف إشارة إلى العنوان الملازم.

١١٩

لذلك (١) ، وعليه (٢) يكون النهي على نحو الحقيقة ، لا بالعرض والمجاز فلا تغفل.

وأما القسم الثاني (٣) فالنهي فيه يمكن أن يكون لأجل ما ذكر في القسم الأول طابق النعل بالنعل (٤) ،

______________________________________________________

(١) يعني : لأرجحية الترك من الفعل.

(٢) يعني : وبناء على إمكان حمل النهي على الإرشاد في كلا القسمين يكون على نحو الحقيقة فيهما معاً.

(٣) وهو ما تعلق النهي بذات العبادة وعنوانها ، وكان لها بدل ، وحاصل ما أفاده فيه يرجع إلى وجهين :

أحدهما : ما تقدم في القسم الأول من أقسام العبادات المكروهة من كون النهي متعلقاً بعنوان ذي مصلحة ينطبق على الترك ، أو متعلقاً بعنوان ملازم للترك ، ومن كون النهي إرشاداً إلى العنوان المنطبق على الترك ، أو الملازم له على التفصيل المتقدم. فالنهي عن الصلاة في الحمام يكون لأجل عنوان ينطبق عليها كالاستخفاف بها ، أو يلازمها كاغتشاش الحواس ، وعدم حضور القلب المنافي للإقبال. هذا بناء على كون النهي مولوياً ، ويمكن أن يكون إرشادياً كما مر.

(٤) هذا إشارة إلى ما ذكرناه من الوجه الأول.

ثانيهما : أن النهي عن الصلاة في الحمام مثلا يمكن أن يكون إرشاداً إلى منقصة حاصلة في الطبيعة المأمور بها لأجل تشخصها بمشخص غير ملائم لها ، إذ للطبيعة بنفسها مع الغض عن المشخصات الملاءمة وغيرها مقدار من المصلحة ، وبتشخصها بمشخص غير ملائم تنقص المصلحة كالصلاة في الحمام التي لا تناسب معراجيتها ، وبمشخص ملائم لها تزيد المصلحة كالصلاة في الأمكنة الشريفة ، وبمشخص

١٢٠