مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

في الصلاة ، وإلّا كان من قبيل الإقامة ونحوها ممّا يقدّم على الصلاة (١).

أقول : إن كان محطّ النظر في هذا الاستدلال ورود الأمر بالتكبيرات عقيب لفظة «ثمّ» بعد قوله : «إذا افتتحت» حيث إنّ ظاهره كون التكبيرات واقعة بعد تحقّق الافتتاح ، ففيه : أنّ الافتتاح لا يتحقّق إلّا بالتكبير ، فوجب أن تكون التكبيرات السبع المأمور بها في هذه الرواية جميعها بعد تكبيرة الافتتاح ، وهو خلاف النصّ والإجماع ، فالمراد بقوله عليه‌السلام : «إذا افتتحت» إمّا «إذا أردت الافتتاح» نظير قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (٢) فلا إشعار حينئذ بمراده فضلا عن الدلالة ، أو أنّ المراد به حقيقته ولكن ما ذكره بعده بيان له ، فظاهره حينئذ حصول الافتتاح بجميع التكبيرات بل مع غيرها ممّا ذكر في الرواية من الآداب ، وكون الجميع أفضل أفراد الواجب ، فحالها حينئذ حال سائر الروايات المنطبقة بظاهرها على القول المحكيّ عن والد المجلسي (٣) رحمه‌الله ، الذي زعم صاحب الحدائق (٤) بداهة بطلانه ، ومخالفته لظاهر الأخبار.

وإن كان استدلاله بملاحظة إطلاق الافتتاح على الجميع ـ كما يلوح ذلك ممّا ذكر في تقريبه ـ ففيه : أنّه بعد الالتزام بأن الافتتاح لا يكون إلّا بواحدة ، فكما أنّ ما قبلها من قبيل الإقامة فكذلك ما بعدها من قبيل الفاتحة لا يطلق على شي‌ء منهما الافتتاح حقيقة ، وعلاقة المجاز في كليهما موجودة ، مع أنّا سنشير إلى أنّ جعل التكبيرات الافتتاحيّة الواقعة قبل تكبيرة الإحرام كالإقامة خارجة من الصلاة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٢.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) راجع : الهامش (٦) من ص ٤٤٩.

(٤) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٧.

٤٦١

لا يخلو عن نظر بل منع.

واستدلّ أيضا بقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة ، الواردة في من يخاف اللصوص : «ولكن [ أينما دارت دابّته غير أنّه ] يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه» (١).

وفيه : أنّ ظاهره أوّل تكبيرة من تكبيرات الصلاة ، التي يأتي بها حين يتوجّه ، لا أوّل تكبيرة من التكبيرات الافتتاحيّة.

واستدلّ أيضا بصحيحته الأخرى عنه أيضا ، قال : قلت له : الرجل ينسى الأوّل تكبيرة من الافتتاح ، فقال : «إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة» قلت : فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال : «فليقضها ، ولا شي عليه» (٢).

وفيه : أنّ الظاهر كون «من الافتتاح» بيانا لما أريد من «أوّل تكبيرة» ولذا أشكل توجيه هذه الرواية ؛ حيث يظهر منها عدم بطلان الصلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح إن ذكرها بعد الركوع ، فلو أريد بها التكبيرة الأولى من التكبيرات الافتتاحيّة ـ كما هو مبنى الاستدلال ـ لكانت الرواية على خلاف مطلوبه أدلّ ؛ حيث إنّ مقتضاها حصول الافتتاح بالمجموع ، وعدم كون خصوص الأولى من مقوّمات ماهيّة الافتتاح الذي لا صلاة إلّا به.

ودعوى : أنّ توصيف التكبيرة المنسيّة بالأولى قرينة على إرادة تكبيرة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ / ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب صلاة الخوف .. ، ح ٨ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٤٣٣ ، الهامش (٤).

٤٦٢

الإحرام ؛ لأنّ اتّصافه بهذه الصفة موقوف على أن يكون لها خصوصيّة تميّزها عمّا عداها ، ولا خصوصيّة ـ إجماعا ـ لما عدا تكبيرة الإحرام ، فتسميته بعضا من الافتتاح مبنيّة على ضرب من التوسّع ليست بأولى من حمل الافتتاح على حقيقته وجعله بيانا لأوّل تكبيرة ، كما لا يخفى.

واستدلّ أيضا بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الصلاة وقد كان الحسين عليه‌السلام أبطأ عن الكلام حتى تخوّفوا أنّه لا يتكلّم و [ أن يكون ] (١) به خرس ، فخرج به عليه‌السلام حامله على عاتقه ، وصفّ الناس خلفه ، فأقامه على يمينه ، فافتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة ، فكبّر الحسين عليه‌السلام فلمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تكبيره عاد فكبّر [ فكبّر ] (٢) الحسين عليه‌السلام حتى كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبع تكبيرات وكبّر الحسين ، فجرت السنّة بذلك» (٣).

ورواها الشيخ في التهذيب عن حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن عليّ ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يحر (٤) الحسين عليه‌السلام بالتكبير ، ثمّ كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يحر الحسين عليه‌السلام التكبير ، فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبّر ويعالج الحسين عليه‌السلام [ التكبير ] ، فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليه‌السلام التكبير في السابعة» فقال

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أنّه». والمثبت من المصدر.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٩ / ٩١٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٤.

(٤) المحاورة : المجاوبة ، يقال : كلّمته فما أحار إليّ جوابا ، أي ما ردّ جوابا. الصحاح ٢ : ٦٤٠

٤٦٣

أبو عبد الله عليه‌السلام : «فصارت سنّة» (١).

وتقريب الاستدلال : أنّ التكبير الذي كبّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوّلا هو تكبيرة الإحرام ، التي وقع الدخول بها في الصلاة ؛ لإطلاق الافتتاح عليه ، والعود إلى التكبير ثانيا وثالثا إنّما وقع لتمرين الحسين عليه‌السلام على النطق ، كما هو ظاهر السياق.

وعن السيّد ابن طاوس في فلاح السائل أنّه روى هذه القصّة عن الحسن عليه‌السلام ، قال في الحديث الذي نقله : «فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حامله على عاتقه وصفّ الناس خلفه وأقامه عن يمينه ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وافتتح الصلاة [ بالتكبير ] فكبّر الحسن عليه‌السلام ، فلمّا سمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى أهل بيته ـ تكبير الحسن عليه‌السلام عاد فكبّر [ وكبّر ] الحسن عليه‌السلام حتى كبّر سبعا ، فجرت بذلك السنّة بافتتاح الصلاة بسبع تكبيرات» (٢).

أقول : لا شبهة في أنّه قبل جريان السنّة بالسبع كان يؤتى بتكبيرة واحدة للافتتاح ، كما أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك القضيّة ـ على ما هو ظاهر السياق ـ أتى بالتكبيرة الأولى بهذا القصد ، ووقع العود ثانيا وثالثا إلى اسبع لتمرين الحسين أو الحسن عليهما‌السلام ، ووقوعه بهذا الوجه أثّر في شرع العود إلى السبع ، فالكلام يقع في وجهه الذي شرّع عليه من أنّه هل هو مستحبّ نفسيّ أو جزء مستحبّي للافتتاح؟

فيكون الافتتاح بالمجموع أفضل ، كما هو الظاهر من التعبير بجريان السنّة في الافتتاح ، أو أنّ السنّة جرت في الإتيان بالسبع في ابتداء الصلاة مخيّرا في أن يجعل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٧ / ٢٤٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) فلاح السائل : ٢٤٢ / ١٤٣ ـ ٣٢ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٤٦٤

أيّها شاء تكبيرة الإحرام؟ كما هو مقتضى الأصل ، وكون الأولى بالخصوص مقصودة بالافتتاح في تلك القضيّة التي صارت سببا لمشروعيّة التكرير لا يصلح معيّنا للوجه الذي شرّع عليه التكرير.

وربما يظهر من بعض الأخبار ثبوت مقتضيات أخر أيضا لشرع السبع.

مثل : خبر هشام بن الحكم ـ المرويّ عن العلل ـ عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : قلت له : لأيّ علّة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل؟فقال : «يا هشام إنّ الله خلق السماوات سبعا والأرضين سبعا والحجب سبعا ، فلمّا أسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح ، فلمّا رفع له الثاني كبّر فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب فكبّر سبع تكبيرات ، فلذلك العلّة يكبّر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات» (١).

ورواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام قال : «إنّما صارت التكبيرات في أوّل الصلاة سبعا ، لأنّ أصل الصلاة ركعتان ، واستفتاحهما بسبع تكبيرات : تكبيرة الافتتاح ، وتكبيرة الركوع ، وتكبيرتي السجدتين ، وتكبيرة الركوع في الثانية ، وتكبيرتي السجدتين ، فإذا كبّر الإنسان في أوّل الصلاة سبع تكبيرات ثمّ نسي شيئا من تكبيرات الاستفتاح من بعد أوسها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته» (٢).

ولو استدلّ صاحب الحدائق بهذه الرواية لمذهبه ، لكان أولى من تلك الروايات ؛ حيث إنّ فيها إشعارا بل دلالة على أنّ التكبيرات الافتتاحيّة بالذات هي

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٣٢ (الباب ٣٠) ح ٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٠ / ٩٢٠ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٦.

٤٦٥

تلك التكبيرات ، ولكن شرّع تقديمها في أوّل الصلاة للعلّة المنصوصة عليها في الرواية ، وقضيّة المناسبة كون مشروعيّتها على حسب نظمها الطبيعي.

ولكنّك خبير بأنّه لا يجوز رفع اليد عن مقتضيات الأصول والقواعد بمقتضيات مثل هذه العلل الغير المنحصرة التي هي في الحقيقة من قبيل بيان بعض المناسبات المقتضية لتشريع أصل الحكم على سبيل الإجمال ، وإلّا فلم يقصد بالرواية كون هذه التكبيرات هي بعينها تلك التكبيرات بحيث يجوز للمكلّف إيقاعها على تلك الوجوه ، كما هو واضح.

ويمكن الاستدلال له بما تقدّمت الإشارة إليه من ظهور جلّ الأخبار في حصول الافتتاح بالجميع.

ولكن ثبت بإجماع أو غيره أنّ المجموع من حيث المجموع ليس فردا للافتتاح الواجب ، وإنّما الواجب هو إحدى التكبيرات السبع ، وقضيّة الأصل وإطلاقات الأدلّة : عدم اعتبار خصوصيّة زائدة عن طبيعة التكبير ، المأتيّ بها للافتتاح ، فيجب حصولها بالتكبيرة الأولى المأتيّ بها بهذا القصد.

وما ذكرنا آنفا من أنّ إجماعهم على تمييزها بالقصد كاشف عن أنّ لها خصوصيّة زائدة عن صرف الطبيعة كعنوان الإحراميّة ونحوه فيمكن منعه بأنّ القدر المسلّم إنّما هو اعتبار الإتيان بها بقصد الدخول والتلبّس في الصلاة ، وهذا القصد ممّا لا بدّ منه في أوّل ما يؤتى به من التكبيرات الافتتاحيّة بناء على كونها من الصلاة ، كما هو الظاهر من أدلّتها. ولعلّ المشهور أيضا لا يعتبرون أزيد من ذلك في تكبيرة الإحرام ، إلّا أنّهم لا يرون التكبيرات الافتتاحيّة مطلقا من الصلاة كي

٤٦٦

يعتبرون في صحّتها العزم على التلبّس بالصلاة من حين الشروع فيها ، فتكون أخبار الباب بظاهرها حجّة عليهم.

والحاصل : أنّ مقتضى الأصل وإطلاقات الأدلّة : أنّه لا يعتبر في تكبيرة الإحرام أزيد من حصولها بقصد أن يشرع بها في الصلاة ، فتنطبق قهرا على التكبيرة الأولى بعد البناء على كونها من الصلاة.

فالإنصاف أنّ القول به بالنظر إلى الوجه المزبور لا يخلو عن قوّة ، إلّا أن يقال بأنّ ظهور المستفيضة المتقدّمة الواردة في أنّ الإمام يجهر بواحدة في الإطلاق بضميمة ما تقدّم ادّعاؤه من أنّ الظاهر إرادة الإجهار بتكبيرة الإحرام كما يؤيّده ما ادّعي عليه الإجماع من استحباب الإجهار بها مع اعتضاده بما تقدّم نقله من دعوى الإجماع على التخيير يجعل خلافه أقوى ولا سيّما مع اعتضاده ببعض الأخبار الآتية.

واستدلّ للقول برجحان اختيار الأخيرة أو تعيّنها بما عن الفقه الرضوي :«واعلم أنّ السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة» (١).

وعن كاشف اللثام في شرح الروضة الاستدلال عليه أيضا برواية أبي بصير ، وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله : «اللهمّ أنت الملك الحقّ المبين» إلى آخره ، والدعاء عقيب الاثنتين بقوله : «لبّيك وسعديك» وعقيب السادسة بقوله : «يا محسن قد أتاك المسي‌ء» قال عليه‌السلام : «ثمّ تكبّر للإحرام» (٢) (٣).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ٢٠٦.

(٢) لم نقف على هذه الرواية في المجاميع الروائيّة ، وأوردها المحقّق الكركي أيضا في جامع المقاصد ٢ : ٢٤١.

(٣) المناهج السويّة (مخطوط) وحكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٢٩٥.

٤٦٧

ولا يخفى ما فيهما من الضعف ، فهما لا ينهضان حجّة إلّا لإثبات الأفضليّة من باب المسامحة بعد البناء على التخيير.

واستدلّ له أيضا بخبر الصباح المزني ـ المرويّ عن التهذيب ـ قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبير القنوت» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار ـ المرويّة عن الكافي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«التكبير في الصلاة الفرض ـ الخمس الصلوات ـ خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمسة» (٢).

في الوسائل : قال الكليني : ورواه أيضا عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة مثله ، وفسّرهنّ : «في الظهر إحدى وعشرين تكبيرة ، وفي العصر إحدى وعشرين تكبيرة ، وفي المغرب ستّ عشرة تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرين تكبيرة ، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة ، وخمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات» (٣).

تقريب الاستدلال : الظاهر أنّ المراد بإحدى وعشرين في الصلوات الرباعيّة أربع للهويّات الركوعيّة ، وأربع للهويّات السجوديّة ، ومثلها للرفع من السجودات الأولى ، وكذا الحال للهويّ إلى السجودات الثانية ، وكذا للرفع منها ، فتلك عشرون تكبيرة ، وواحدة تكبيرة الإحرام ، فلو كانت التكبيرات الستّ بعد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١.

(٣) الوسائل ، الباب ٥ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٢ ، وراجع : الكافي ٣ : ٣١٠ / ٦.

٤٦٨

تكبيرة الإحرام يزيد عدد التكبيرات بكثير.

وفيه : أنّ المتأمّل في أخبار الباب لا يكاد يرتاب في أنّ التكبيرات الافتتاحيّة ليست ـ كالإقامة ـ خارجة عن الصلاة ، بل هي كتكبيرة الإحرام من الصلاة ، سواء قدّمها على تكبيرة الإحرام أم أخّرها ، فإن جاز دعوى خروج تكبيرة الإحرام عن الصلاة جاز دعواه فيما عداها ، فإنّ سوق الأخبار يشهد بأنّ التكبيرات السبع على نهج سواء من هذه الحيثيّة ، وقد تعلّق بالجميع أمر واحد بعنوان الافتتاح ، مع ما في بعضها من التصريح بأنّ واحدة منها أدنى ما يجزئ والسبع أفضل (١) ، وفي بعضها التعبير بأنّ «الإمام يجزئه تكبيرة واحدة ويجزئك ثلاث مترسّلا إذا كنت وحدك» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار التي هي كالنصّ في أنّها من أجزاء الافتتاح الذي لا صلاة إلّا به ، غاية الأمر أنّ تكبيرة الإحرام بالخصوص ركنه الذي لا يتقوّم الافتتاح إلّا به ، وما عداه من أجزائه المستحبّة التي يجوز تركها لا إلى بدل ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ جميعها من الصلاة ، ولذا حمل بعض (٣) الأخبار المتقدّمة المشتملة على عدد تكبيرات الصلاة على التكبيرات المتأكّد مطلوبيّتها ؛ جمعا بينها وبين أخبار الباب.

والأولى أن يدفع التنافي بينها بما أوضحناه فيما سبق وتقدّمت الإشارة إليه آنفا من أنّ الأمر لم يتعلّق بآحاد التكبيرات السبع من حيث هي كي يتعدّد بها عدد أجزاء الصلاة ، بل تعلّق بها بلحاظ القدر المشترك الحاصل في ضمنها ، أي طبيعة التكبير ، التي جعلها الشارع افتتاحا للصلاة ، ونبّه بالأخبار المزبورة وغيرها على

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٥٠ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٤٥٠ ، الهامش (٤).

(٣) لم نتحقّقه.

٤٦٩

أنّ تكبيرة واحدة ـ وهي تكبيرة الإحرام التي يحرم بها منافيات الصلاة ـ مجزئة في تحصيل تلك الطبيعة التي جعلها افتتاحا ، وأنّ ضمّ ماعداها من التكبيرات الستّ أفضل في تحصيل ما تعلّق به الغرض من الأمر بالافتتاح بالتكبير ، فيكون سائر التكبيرات جزءا لما جعله الشارع افتتاحا للصلاة أوّلا وبالذات ، ولنفس الصلاة ثانيا وبالعرض ، وبهذا يحصل التوفيق بين الأخذ بظواهر النصوص وعدم التخطّي عمّا اتّفقت عليه كلمة الأصحاب من وجوب إحدى التكبيرات ، ولزوم تعيّنه بالقصد ، فعلى هذا يكون المراد بالدخول والافتتاح الذي يعتبر أن يقصده بتكبيرة الإحرام هو الدخول المعتدّ به الذي يحصل بالتلبّس بأركان الصلاة و [ واجباتها ] (١) ، ويترتّب عليه حرمة المنافيات ، كما أنّ المراد بالخروج الذي يقصده بالتسليمة الأولى من التسليمتين الأخيرتين إنّما هو الخروج بهذا المعنى الذي لا ينافيه بقاء نحو من التلبّس المصحّح لإتيان الأخيرة بعده بعنوان الجزئيّة على سبيل الاستحباب ، والله العالم.

ثمّ إنّا لو قلنا بتعيّن الأولى للإحراميّة فأتى بالجميع قاصدا للإحراميّة بالأخيرة ، صحّت الأخيرة ، وتحقّق بها الدخول في الصلاة ، وبطل ما قبلها ؛ لمخالفته للمأموربه.

نعم ، بناء على أنّ تعيّن الأولى من باب أنّها أوّل ما يتحقّق المسمّى وإلّا فليس لتكبيرة الإحرام خصوصيّة زائدة عن طبيعة التكبير المأتيّ به للافتتاح قد يتّجه صحّة الجميع فيما إذا لم يؤثّر قصده تقييدا في الفعل أو في طلبه بحيث يخرجه عن حقيقته بأن قصد بالأولى التكبيرة التي لا يتحقّق بها الإحرام ، أو قصد

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «واجباته». والصحيح ما أثبتناه.

٤٧٠

امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بغير تكبيرة الإحرام لا الوجوبي ، بل أتى بجميعها بقصد وقوعها امتثالا لأوامرها الواقعيّة على ما هي عليه ، ولكن قصد بالأخيرة تكبيرة الإحرام لزعمه أنّ لها خصوصيّة يعتبر قصدها في مقام الإطاعة ، فهو من باب غلطه في اعتقاده ، وهو غير قادح في صحّة عمله ووقوعه امتثالا لأمره الواقعي الذي قصد إطاعته بهذا الفعل.

وكذا لو قلنا بأنّ الجميع هو أفضل أفراد الواجب فأتى بالجميع وقصد بخصوص الأخيرة امتثال الواجب وبما قبلها الاستحباب ؛ إذ لا أمر استحبابيّ على هذا القول ، كما هو واضح.

ولو قلنا بتعيّن الأخيرة فقصدها بالأولى فإن أتى بما بعدها على أنّه مستحبّ خارجيّ ، لم يقدح ذلك في صحّة صلاته ، وإن أتى به على أنّه من الصلاة ، فقد زاد في صلاته.

وهل تبطل الصلاة بمثل هذه الزيادة؟ فيه تأمّل يأتي تحقيقه في محلّه إن شاء الله.

تنبيه : مقتضى إطلاق كثير من النصوص والفتاوى كصريح بعض ) : عدم اختصاص استحباب الاستفتاح بسبع تكبيرات بالفرائض ،بل يعمّ النوافل أيضا ، والله العالم.

(ولو كبّر ونوى الافتتاح ثمّ كبّر) ثانيا (ونوى الافتتاح) أيضا (بطلت

__________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ١١١ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٣٧ ، والمحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٥٥ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٢٠٣ ، ضمن المسألة ١١٤ ، ومنتهى المطلب ٥ : ٣٥ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٢٦٢.

٤٧١

صلاته) على المشهور ، بل في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخّرين (١).

وظاهرهم كصريح غير واحد : عدم الفرق بين العامد والناسي.

وربما يلوح من كلماتهم ابتناء الحكم المزبور على ما أجمعوا عليه من ركنيّته ، وقد فسّر الركن في كلماتهم بما كان نقصه وزيادته عمدا وسهوا موجبا للبطلان.

ولكن قد أشرنا في صدر المبحث إلى اختلافهم في تفسير الركن ، وأنّ غير واحد منهم فسّره بما كان نقصه عمدا وسهوا مبطلا من دون تعرّض لزيادته ، فلا يصحّ الاستدلال للمدّعى بالإجماع على أنّه ركن ؛ إذ لم يعلم كونه بهذا المعنى مرادا للمجمعين ، وإنّما القدر المسلّم الذي يمكن دعوى الإجماع عليه إنّما هو كونه ركنا بمعنى كون نقصه مطلقا مخلّا ، وأمّا كون زيادته أيضا كذلك فلم يدلّ عليه دليل ، بل الأصل يقتضي خلافه.

وربما يستدلّ له بعموم ما دلّ على أنّ «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٢).

وفيه أوّلا (٣) : أنّ حاله حينئذ حال غيره من الأقوال والأفعال المعتبرة في الصلاة من القراءة والأذكار ونحوها ، فلا مقتضي لتخصيص تكبيرة الافتتاح بالذكر ، مع أنّ الالتزام بأنّ إعادة مطلقها موجبة للبطلان ـ كما هو ظاهر كلامهم إن

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٢٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٢.

(٣) الظاهر زيادة قوله : «أوّلا».

٤٧٢

لم يكن صريحه ـ في خصوص المقام كما ترى ؛ إذ ربما تكون إعادتها لاحتمال خلل في الأولى أو برجاء إدراك فضيلة ونحوها ، ولا يظنّ بأحد أن يلتزم ببطلان الصلاة بإعادة سائر الأذكار في مثل هذه الموارد ، بل ربما يتأمّل في صحّة إطلاق الزيادة عرفا بعد رفع اليد عن الأولى وإعادتها ثانيا ، كما هو لازم قصد الافتتاحيّة بها فضلا عن انصراف الإطلاقات إليه ، وعلى تقدير تسليمه فإنّما يتّجه الالتزام بالبطلان مع العمد ، لا مطلقا ، كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله.

وبما أشرنا إليه ـ من التأمّل في صدق اسم الزيادة في كثير من الفروض خصوصا فيما لو كانت الثانية مأتيّا بها من باب الاحتياط لاحتمال خلل في الأولى أو برجاء إدراك فضيلة كالجهريّة ونحوها ـ ظهر لك ضعف الاستدلال عليه في صورة العمد بما في كلام شيخنا المرتضى قدس سرّه من أنّها زيادة واقعة على جهة التشريع ، فتبطل الصلاة بها مع العمد اتّفاقا (١) ؛ إذ بعد تسليم الكبرى يتوجّه عليه أنّه قد لا يتحقّق معه عنوان التشريع ، كما لو كان بقصد الاحتياط أو لرجاء تدارك الفضيلة.

وتوهّم أنّ قصد الاحتياط أو رجاء تدارك الفضيلة بالإعادة إنّما يخرج الفعل عن كونه تشريعا إذا أمكن فيه الاحتياط ، لا في مثل تكبيرة الافتتاح ، التي تتوقّف [ إعادتها ] (٢) على الإبطال المنهيّ عنه (٣) ، مدفوع : بأنّ تعذّر الاحتياط لا ينافي قصده المنافي لصدق عنوان التشريع ، مع أنّا نفرضه في النافلة التي لا نقول فيها

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٢٩٧.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إعادته». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) سورة محمّد ٤٧ : ٣٣.

٤٧٣

بحرمة إبطالها ، كما لو تلبّس بنافلة ونسي بعض وظائفها فبدا له أن يرفع اليد عمّا تلبّس به ويستأنفها إمّا لتدارك الوظيفة أو لزعمه فسادها ، فجدّد النيّة واستأنفها برجاء المشروعيّة لا على سبيل الجزم كي يتحقّق معه عنوان التشريع.

والحاصل : أنّه لا يصحّ تفريع هذا الفرع المعنون في كلامهم على مثل هذه المباني الغير المنطبقة عليه ، فمن هنا قد يغلب على الظنّ أنّ مبناه تسالمهم على أنّ كلّ ما كان نقصه عمدا وسهوا مخلّا بالصلاة فزيادته أيضا كذلك ، فكأنّ هذا إجماعيّ لديهم ، ولكن لا عبرة بمثل هذا الظنّ ما لم يتحقّق الإجماع عليه.

ويمكن الاستدلال له بأنّ التكبيرة الثانية هي في حدّ ذاتها لا يصحّ وقوعها افتتاحا لصلاته ، لا لحرمتها من حيث التشريع ، فيمتنع وقوعها عبادة كي يتوجّه عليه بعض ما عرفت ، بل لأنّ صحّتها موقوفة على وقوعها امتثالا لأمرها ولا أمر بها حين فعلها ؛ لأنّ أمرها سقط بفعل الأولى ، فيمتنع وقوع الثانية أيضا صحيحة ما دامت الأولى باقية بصفة الصحّة ؛ إذ لا امتثال عقيب الامتثال ، فالثانية تقع باطلة جزما ، سواء صدرت عمدا أو غفلة عن الأولى ، وهي تبطل سابقتها أيضا ؛ فإنّها لا تقع بقصد الافتتاح إلّا بعد رفع اليد عن الأولى والعزم على استئناف الصلاة ، وهذا العزم وإن لم نقل بكونه من حيث هو موجبا لبطلان الأجزاء السابقة ، وإلّا لا تّجه صحّة الثانية ، كما سنشير إليه ، ولكن اقترانه بما يقتضيه هذا العزم من استئناف الصلاة مانع عن بقاء الهيئة الاتّصاليّة المعتبرة في الصلاة بين التكبيرة الأولى وبين ما بعدها بنظر العرف ، كما هو الشأن في جميع الأفعال العاديّة التي يعتبر في صدق كونه عرفا فعلا واحدا بقاء الهيئة الاتّصاليّة ، فإنّ العزم على رفع

٤٧٤

اليد عنها والتلبّس بما يقتضيه هذا العزم مانع عن بقاء الهيئة الاتّصاليّة الموجبة لصدق الوحدة العرفيّة بينها وبين ما بعدها ، بخلاف ما لو كان ما تلبّس به صادرا لا مع هذا العزم ، فإنّه قد لا يؤثّر في رفع الهيئة الاتّصاليّة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وقد جعل الأصحاب نظر العرف مناطا في الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة ، ومن الواضح أنّ إعادة تكبيرة الإحرام ـ التي هي عبارة عن استئناف الصلاة ـ أشدّ تأثيرا لدى العرف في محو الصورة القائمة بالأولى مع ما بعدها من تأثير مثل الطفرة ونحوها ممّا مثّلوا بها لمحو الصورة ، فليتأمّل.

وكيف كان فما ذكره المشهور من بطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الإحرام إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ، ولكن قضيّة الاحتياط خصوصا لو وقعت الثانية غفلة عن الأولى : إنّما هو إتمام الفريضة ثمّ الإعادة.

ثمّ إنّه صرّح غير واحد (١) بأنّه لا يعتبر في البطلان بالافتتاح ثانيا نيّة الصلاة معه ؛ لأنّه بقصده الافتتاح يصير ركنا ، ولا يقدح فيه عدم مقارنة النيّة التي هي شرط في صحّة الصلاة ، لا لكونه للافتتاح.

أقول : فكأنّهم أرادوا بنيّة الصلاة معه النيّة التي اعتبروها في أوّل الصلاة مقارنة لأوّل جزء من التكبير ، وإلّا فقصد الصلاة معه من مقوّمات ماهيّة الافتتاح ؛ إذ لا معنى لقصد الافتتاح بالتكبير إلّا قصد الشروع به في الصلاة ، فلا يتأتّى هذا القصد ممّن لم يكن قاصدا للصلاة معه.

نعم ، يعقل أن يأتي بتكبيرة قاصدا كونها هي ماهيّة تكبيرة الافتتاح ، لكنّه

__________________

(١) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٣٩ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٢٩٧.

٤٧٥

مجرّد قصد لا حقيقة له ؛ لأنّ قصد الافتتاحيّة مأخوذ في ماهيّتها ، فما لم يكن قاصدا بها الافتتاح حقيقة فهي ليست في الحقيقة بتكبيرة الافتتاح.

والحاصل : أنّ محلّ الكلام إنّما هو فيما لو كبّر ثانيا ونوى به الافتتاح حقيقة ، لا مجرّد الإتيان بصورته ، ولا ينافي ذلك عدم صحّته في الواقع ، كما هو واضح.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ بطلان التكبيرتين في الفرض مبنيّ على عدم بطلان الصلاة بنيّة الخروج ، كما قوّيناه فيما سبق ، وإلّا فقصد الافتتاح ثانيا لا يكون إلّا بعد رفع اليدعن الأولى والعزم على استئناف صلاته مع العمد ، ومع السهو لا يكون إلّا بعد أن يرى الإنسان نفسه خارجا ، فلا يبقى معه أثر للعزم السابق ، أي ترتفع الاستدامة الحكميّة ، الذي هو مناط القول بالبطلان بنيّة الخروج ، فيتّجه حينئذ صحّة الصلاة بالتكبير الثاني.

(وإن كبّر ثالثة ونوى) أيضا (الافتتاح ، انعقدت الصلاة أخيرا) على المشهور من بطلان الثانية وكونها مبطلة للأولى.

وكذا على القول بانعقادها بالثانية من حيث سبقها بنيّة الخروج.

ولكن بناء على عدم كون زيادتها سهوا مبطلة ـ كما مال إليه أو قال به غير واحد من المتأخّرين ـ قد يشكل انعقادها بالثالثة فيما لو وقعت الثانية سهوا ؛ فإنّ الثالثة حينئذ حالها حال الثانية التي أتى بها عمدا في كونها باطلة ومبطلة ، كما هو واضح.

(ويجب أن يكبّر) للإحرام (قائما ، فلو كبّر قاعدا مع القدرة) على القيام (أو) و (هو آخذ في القيام ، لم تنعقد صلاته) عامدا كان أو ساهيا

٤٧٦

بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل إجماعا ، كما ادّعاه بعض (١).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى إطلاقات الأدلّة الدالّة على اعتبار القيام في الصلوات المفروضة ، الظاهرة في إرادته حال التكبير أيضا كالقراءة ، بل بعضها كاد أن يكون صريحا في ذلك ، مثل قول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ثمّ استقبل القبلة بوجهك ، ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإنّ الله عزوجل يقول لنبيّه في الفريضة (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ*) (٢) وقم منتصبا ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (٣) الحديث ـ خصوص موثّقة عمّار في حديث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتّى قام وافتتح الصلاة وهو قائم ثمّ ذكر ، قال : «يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد (ولا يعتد بافتتاحه الصلاة وهو قائم) (٤)) وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا يقتدي (٥) بافتتاحه وهو قاعد» (٦).

وصحيحة سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر وهو مقيم صلبه ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك

__________________

(١) العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٢٢.

(٢) البقرة ٢ : ١٤٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب القبلة ، ح ٣.

(٤) ما بين القوسين ورد في الموضع الثاني من التهذيب.

(٥) في المصدر : «ولا يعتد».

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ / ١٤٦٦ و ٣ : ٢٣١ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب القيام ، ح ١.

٤٧٧

الركعة» (١).

وظاهر النصوص والفتاوى ـ إن لم يكن صريحها ـ إنّما هو اعتبار القيام بل وكذا إقامة الصلب في حال التكبير مطلقا من أوّله إلى آخره من غير فرق بين المنفرد والإمام والمأموم ، فما عن الشيخ في المبسوط والخلاف والمصنّف في المعتبر ـ من أنّ المأموم إن كبّر تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا ، صحّت صلاته (٢) ـ ضعيف ؛ كيف! والخبر الأخير نصّ في المأموم.

ويدلّ على ضعفه ـ مضافا إلى ذلك ـ صحيحة زيد الشحّام أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل انتهى إلى الإمام وهو راكع ، قال : «إذا كبّر وأقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك» (٣).

وحكي عن الشيخ أنّه استدلّ على ما ذهب إليه بأنّ الأصحاب حكموا بصحّة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به ، ولم يفصّلوا بين أن يكبّر قائما أو يأتي به منحنيا ، فمن ادّعى البطلان احتاج إلى الدليل (٤). انتهى.

وفيه ما عرفت.

ثمّ إنّ الكلام في أنّ القيام حال التكبير هل هو في حدّ ذاته ركن في الصلاة كما يظهر من بعض كلماتهم ، أو أنّ ركنيّته بلحاظ شرطيّته للتكبير؟ ممّا لا يترتّب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٧٩ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٥ ، الخلاف ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، المسألة ٩٢ ، المعتبر ٢ : ١٥٤ ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٤٢٣ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٤٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ / ١١٥٠ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٣.

(٤) الخلاف ١ : ٣٤١ ، المسألة ٩٢ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٤٢٣.

٤٧٨

على تحقيقه ثمرة مهمّة ، وسيأتي بعض الكلام فيه في محلّه إن شاء الله.

(والمسنون فيها أربع) أي هي من المسنون فيها ، لا أنّ المسنون فيها منحصر بالأربع :

أحدها : (أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مدّ بين حروفها) بإشباع فتح الهمزة أو مدّ الألف زائدا على القدر الذي يتوقّف عليه إفصاح الألف.

أمّا استحباب ترك إشباع الهمزة : فلأنّه أحوط ؛ حيث إنّها تشبّه بالاستفهام وإن لم يكن مقصودا ، بل قد يقال فيه بالبطلان لو تولّد من إشباعها الألف ؛ لتغيير صورتها ، مضافا إلى صيرورتها كالاستفهام.

وهو لا يخلو عن وجه وإن أمكن دعوى عدم خروج الكلمة بهذا النحو من التغيير في المحاورات عن حقيقتها بحيث يعدّ لحنا ، كما يظهر من بعض (١).

وأمّا استحباب ترك مدّ الألف : فلم يظهر وجهه وإن حكي عن بعض (٢) التصريح بالمنع عنه ؛ اقتصارا على القدر المتيقّن من الصورة. وهو ضعيف ، وما ذكر وجها له أمكن جعله منشأ لرجحان تركه من باب الاحتياط وإن لا يخلو عن تأمّل.

(و) الثاني : أن يأتي (بلفظ «أكبر» على وزن «أفعل») أي من غير إشباع الهمزة أو الباء ؛ فإنّه أحوط.

وفي المدارك قال في شرح العبارة : مفهومه جواز الخروج عن الوزن ، ولا بدّ من تقييده بما إذا لم تبلغ الزيادة حرفا ، وإلّا بطل ولو لم يقصد معناه على

__________________

(١) صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٢٦.

(٢) السيّد الطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ١١٧ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٢٧.

٤٧٩

الأظهر ؛ لخروجه بذلك عن المنقول (١). انتهى.

أقول : قد أشرنا إلى إمكان دعوى عدم خروج الكلمة عن حقيقتها بهذا النحو من التغييرات الكثيرة الدوران في المحاورات ، الناشئة من تغليظ القول وتفخيمه أو إشباع حركته بحيث يعدّ لحنا لدى العرف ، والله العالم.

(و) الثالث : (أن يسمع الإمام من خلفه تلفّظه بها) على المشهور ، بل عن المنتهى : لا نعرف فيه خلافا (٢).

وكفى به دليلا على المدّعى بعد البناء على المسامحة ، مضافا إلى ما دلّ على استحباب أن يسمع الإمام من خلفه كلّ ما يقول.

كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول» (٣) إلى آخره.

وربما يستدلّ له أيضا بالمستفيضة المتقدّمة في مسألة استحباب الافتتاح بسبع.

كقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : «وإن كنت إماما [ فإنّه ] يجزئك أن تكبّر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستّا» (٤).

وفي خبر أبي بصير : «غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلّا بواحدة» (٥).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٢٣.

(٢) منتهى المطلب ٥ : ٣٩ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٢٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٠ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٣.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٤٥٦ ، الهامش (٤) وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٤٥٠ ، الهامش (١).

٤٨٠