مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

بما صورته : قلت : ضعف السند لا يضرّ مع الشهرة في العمل والتلقّي بالقبول ، والاجتزاء بأذان الغير ؛ لكونه صادف نيّة السامع للجماعة ، فكأنّه أذّن للجماعة ، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد (١). انتهى.

واعترضه في المدارك بأنّ ظاهر الخبر ترتّب الإجزاء على سماع الأذان من غير مدخليّة لما عداه (٢).

وفيه ما لا يخفى ؛ إذ لا منشأ لهذا الظهور.

ولكن يمكن الخدشة في دلالة الموثّقة على المدّعى : بإمكان أن يكون الملحوظ في المنع عن أن يصلّيا بذلك الأذان هو ذلك الآخر الذي لم يكن مقصودا بذلك الأذان ، ويكون المأمور بأن يؤذّن ويقيم هو ذلك الرجل بملاحظة صلاته ، لا صلاة الجميع ، فلا يتمّ به المدّعى.

ويدفعه : أنّ المتبادر منه أنّه يؤذّن ويقيم لأن يصلّيا جماعة ، كما أنّ المتبادر من السؤال هو المسألة عن أنّ الأذان المأتيّ به لصلاة المنفرد هل يجزئ للجماعة؟ فيفهم من الرواية عدم كفايته ، وبقاء الأذان للجماعة بصفة المطلوبيّة ما لم يتحقّق بهذا العنوان ، وحيث إنّ الطلب المتعلّق به بهذا العنوان كفائيّ بمعنى أنّه يحصل امتثاله بفعل كلّ منهما ، لا يتفاوت الحال في تماميّة الاستدلال بين أن يكون ضمير الفاعل عائدا إلى الرجل الآخر أو الرجل الذي أذّن وأقام ، ولعلّه لهذا أجمله في الرواية ، مع كون كلّ منهما قابلا لعود الضمير إليه.

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٢٣٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٩٠ ، وكذا العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٦٨.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٢٦٨.

٢٦١

فالإنصاف أنّه لا قصور في دلالة الرواية ـ كسنده ـ عن إثبات المدّعى ، ولذا لم يلتفت أحد ممّن عثرت على كلامه إلى المناقشة المزبورة ، فالأقوى ما هو المشهور من عدم كفاية الأذان والإقامة المأتيّ بهما بنيّة الانفراد لصلاة الجماعة ، واستحباب إعادتهما.

وما يتراءى من الموثّقة من عدم جواز الاجتزاء ووجوب الإعادة محمول على ما ذكر ؛ جمعا بينها وبين غيرها ممّا دلّ على عدم الوجوب ، كما عرفته في محلّه.

ولو أذّن بنيّة الجماعة فأراد أن يصلّي وحده ، بنى على أذانه ؛ إذ لم يثبت لأذان المنفرد خصوصيّة معتبرة في ذاته زائدة على طبيعة الأذان المأتيّ به بقصد القربة متوقّفة على قصد عنوانه ، كما ثبت ذلك في أذان الجماعة ، ومجرّد احتماله لا يجدي في إثبات بقاء التكليف به ولو بالاستصحاب ؛ لما حقّقناه في نيّة الوضوء من أنّ المرجع عند الشكّ في اعتبار شي‌ء من مثل هذه الأمور في متعلّق التكاليف البراءة ، وأنّ مقتضى الأصل في التكاليف كونها توصّليّة لا يرفع اليد عنه إلّا بالدليل ، وغاية ما ثبت في المقام إنّما هو أن يأتي بالأذان والإقامة لصلاته بقصد التقرّب ، وقد حصلا بهذا القصد ، وأمّا اعتبار أمر وراء ذلك ـ أي كونه أذان المنفرد ـ فمنفيّ بالأصل ، والله العالم.

٢٦٢

(الثاني : في المؤذّن).

والمراد به هنا : الذي يتّخذ للأذان في بلدة أو محلّة أو مسجد أو جماعة ليعتدّ بأذانه المسلمون ويكتفون به.

(ويعتبر فيه العقل والإسلام).

في المدارك : هذا مذهب العلماء كافّة (١). وفي الجواهر : بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر (٢).

ويشهد له ـ مضافا إلى ذلك ـ موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال : «لا يستقيم الأذان ، ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به» (٣) وعن بعض النسخ : «ولا يعتدّ به» (٤).

والظاهر أنّ المراد بغير العارف من لم يعرف إمام زمانه ، كما لا يخفى على من له أنس بمحاوراتهم ، فالرواية تدلّ على اعتبار الإيمان أيضا ، ولكنّ المراد بها بحسب الظاهر أذان الصلاة.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٢٦٩.

(٢) جواهر الكلام ٩ : ٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٤) ذكره البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٣٣.

٢٦٣

فعمدة المستند لإثبات شرطيّة الإسلام بالنسبة إلى مطلق المؤذّن ولو للإعلام ـ كما هو مقتضى إطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة ، بل صريح بعضها ـ هو ما عرفت من عدم الخلاف فيه على الظاهر ، مضافا إلى انصراف أدلّة الأذان عمّن لم يؤمن به ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر الموثّقة ـ كما تقدّمت الإشارة إليه ـ اعتبار الإيمان في مؤذّن الصلاة ، وعدم كفاية مجرّد الإسلام في الاعتداد بأذانه للصلاة ، كما ذهب إليه غير واحد من المتأخّرين.

وربما يؤيّده أيضا خبر محمّد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أذّن خلف من قرأت خلفه» (١).

وخبر معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا دخل الرجل المسجد ولا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله اكبر ، الله أكبر ، لا إله الّا الله» (٢).

ولا ينافيها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا نقص المؤذّن (٣) الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو» (٤) فإنّه وإن كان المخالفون الذين يتعارف عندهم نقص الأذان من أوضح المصاديق التي أريد بهذا الكلام ولكن لا منافاة بين بطلان أذان المخالف في حدّ ذاته فضلا عن عدم

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩٢ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١١٦ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٣) في المصدر : «إذا أذّن مؤذّن فنقص».

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٢ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

٢٦٤

كفايته للغير ، وبين كفاية سماعه لمريد الاكتفاء به ؛ حيث إنّ سماعه المقرون بإرادة الاكتفاء به يجعله بمنزلة أذان السامع ، وستعرف عند تعرّض المصنّف له أنّ الأظهر جواز الاكتفاء بسماع أذان المخالف وإن لم نقل بكفايته من حيث هو ، فالقول باشتراط الإيمان لا يخلو عن قوّة ، والله العالم.

(و) كذا يعتبر فيه (الذكورة).

أمّا في الأذان الإعلامي : فلوضوح عدم كون النساء المطلوب منها العفّة والستر مقصودا بإطلاق أدلّته أو عمومها.

وأمّا في أذان الصلاة : فللأصل ؛ لأنّ سقوط التكليف بالأذان والإقامة عن سائر المكلّفين بفعل بعضهم مخالف للأصل محتاج إلى الدليل ، وما دلّ على كفاية أذان أو إقامة واحدة من الإمام أو غيره للجماعة قاصرة الشمول عن أذان المرأة وإقامتها ؛ إذ ليس في شي‌ء ممّا عثرنا عليه من أدلّته عموم أو إطلاق مسوق لبيان هذا الحكم بحيث يصحّ التمسّك به لإثبات كفاية أذان النساء ، كما لا يخفى على المتتبّع.

وربّما يستدلّ أيضا بقوله عليه‌السلام في الموثّقة المتقدّمة (١) : «ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف».

وفيه نظر ؛ لجري ذكر الرجل مجرى الغالب ، فلا يفهم منه إرادته بالخصوص.

وقد يستدلّ أيضا بأنّها إن أسرّت الأذان ، لم يسمعوه ، ولا اعتداد بما لا يسمع ، وإن أجهرت عصت ، فلا يقع فعلها عبادة.

__________________

(١) في ص ٢٦٣.

٢٦٥

وفي مقدّمتيه نظر بل منع.

وفصّل بعض (١) بين المحارم وغيرهم ، فاجتزأ بأذانها للمحارم دون غيرها.

وفيه ما عرفت من أنّه لا دليل على الكفاية للمحارم أيضا كغيرهم.

فالقول بعدم الكفاية مطلقا ـ كما يقتضيه إطلاق كلماتهم ـ هو الأشبه.

نعم ، لا ينبغي الارتياب في كفاية أذانها لجماعة النساء ، لا لما ادّعي عليه من الإجماع ؛ فإنّ الاعتماد على الإجماع فضلا عن نقله في مثل المقام ـ الذي هو فرضيّ ؛ حيث إنّ المسألة من أصلها ليست بإجماعيّة ـ لا يخلو عن إشكال ، بل لاستفادته ممّا دلّ على جواز إمامتها لهنّ ؛ حيث إنّ المراد به ـ على ما ينسبق إلى الذهن ـ إنّما هو مشروعيّة الجماعة لهنّ على حسب ما هو المتعارف المعهود بين الرجال ، فيلحقها أحكامها من سقوط الأذان عن المأموم ـ كالقراءة ـ بفعل الإمام أو غيره على حسب ما هو المعروف في الجماعة ، ولذا لا حاجة في تسرية كلّ حكم من أحكام الجماعة إلى جماعتهنّ ـ كسقوط القراءة ونحوه ـ إلى مطالبة دليل خاصّ ، كما هو واضح.

(ولا يشترط) فيه (البلوغ ، بل يكفي كونه مميّزا) حتى في أذان الصلاة ، بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل إجماعا كما ادّعاه غير واحد (٢).

__________________

(١) كالعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٦٤ ، ذيل الفرع «ج» من المسألة ١٧١ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٦٤ ، ومختلف الشيعة ٢ : ١٣٩ ، ذيل المسألة ٧٤ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٦٣ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٦٠ ، والطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ٥٥.

(٢) كالشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٢٨١ ، المسألة ٢٣ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ١٢٥ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٦٥ ، المسألة ١٧٣ ، ومنتهى المطلب ٤ : ٣٩٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٢١ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٢١٧ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٧٥ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٢٠ ، مفتاح ١٣٨.

٢٦٦

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم» (١).

وخبر إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ [ حتى يحتلم ] فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه» (٢).

وعن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : «لا بأس أن يؤذّن العبد والغلام الذي لم يحتلم» (٣).

وخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم ، وأن يؤمّ» (٤).

وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم ، وأن يؤذّن» (٥).

(ويستحبّ أن يكون عدلا) لما رواه الصدوق مرسلا قال : قال عليّ عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤمّكم أقرؤكم ، ويؤذّن لكم خياركم» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٢ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ١٦٣٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ١٧٤ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٣٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ٣٠ / ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ / ١٦٣٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

٢٦٧

وعن ابن الجنيد رحمه‌الله اشتراطه في صحّة الأذان (١). وهو ضعيف.

ثمّ إنّ مرجع هذا الندب ـ بحسب الظاهر ـ إلى المكلّفين ، بمعنى أنّه يستحبّ لهم عند اختيارهم مؤذّنا لجماعتهم أو للإعلام في بلدهم أن يختاروا العدل.

قال الشهيد في محكيّ الروض : واعلم أن استحباب كون المؤذّن عدلا لا يتعلّق بالمؤذّن ؛ لصحّة أذان الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان ، بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بأن ينصبه مؤذّنا لتعمّ فائدته (٢). انتهى.

ولعلّ تخصيصه للحاكم بالحكم لرجوع اختيار هذه الأمور عادة إليه ، لا لكونه بالخصوص موردا للاستحباب.

وكذا يستحبّ أن يكون (صيّتا) أي رفيع الصوت ، كما فسّره به في الحدائق (٣) وغيره (٤).

وعن جملة من اللّغويّين تفسيره بشديد الصوت (٥).

والاختلاف بين التفسيرين ـ على الظاهر ـ في مجرّد التعبير.

واستدلّ له بفتوى الأصحاب ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألقه على بلال فإنّه أندى

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٥٠ ، المسألة ٨٣.

(٢) روض الجنان ٢ : ٦٤٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٣٦.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٣٣٦.

(٤) روض الجنان ٢ : ٦٤٩.

(٥) المحيط في اللغة ٨ : ١٧٤ ، المجمل : ٥٤٤ ، معجم مقاييس اللغة ٣ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، الصحاح ١ : ٢٥٧ ، تهذيب اللغة ١٢ : ٢٢٣ ، المفردات ـ للراغب ـ : ٢٩٧ «صوت». وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٢٦٨

منك صوتا» (١).

وقد يستدلّ له أيضا بالأخبار الدالّة على استحباب رفع الصوت بالأذان (٢).

وفيه : أنّه أجنبيّ عن المقام ، فليتأمّل.

ويستحبّ أيضا أن يكون (مبصرا).

وعلّله غير واحد (٣) بتمكّنه من معرفة الأوقات.

والأولى التعليل له بفتوى الأصحاب ، وما عن بعضهم (٤) من نقل الإجماع عليه بعد البناء على المسامحة.

وأن يكون (بصيرا بالأوقات) التي يؤذّن لها.

وعلّله بعض (٥) بالأمن من الغلط.

وفي كفاية هذا النحو من المرجّحات لإثبات الاستحباب تأمّل.

والأولى الاستدلال له بفتوى الأصحاب من باب المسامحة ، فليتأمّل.

(متطهّرا) إجماعا ، كما عن جماعة (٦) نقله. وكفى به دليلا لمثله ، مضافا إلى

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٣٥ / ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ / ٧٠٦ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩١ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٩.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٦ ، التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٥ ، المحاسن : ٤٨ / ٦٧ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الأذان والإقامة ، الأحاديث ١ ، ٥ ، ٧.

(٣) كالعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٧١ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٦٦ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٣٨ ، والنراقي في مستند الشيعة ٤ : ٥١٣ ، وصاحب الجواهر فيها ٩ : ٥٧.

(٤) العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٦٧ ، المسألة ١٧٦ ، والحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٧٢.

(٥) كالعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٧١ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٣٨.

(٦) الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، المسألة ٢١ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ١ : ٦٧ ، المسألة ١٧٧ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٢٠٥ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٧٣.

٢٦٩

المرسل المرويّ عن كتب الفروع (١) : «لا تؤذّن إلّا وأنت متطهّر» وفي آخر : «حقّ وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلّا وهو طاهر» (٢).

ويشهد له أيضا الخبر الآتي (٣) ، المرويّ عن كتاب دعائم الإسلام.

وليس بشرط بلا خلاف فيه على الظاهر.

ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجّهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة» (٤).

وصحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن يؤذّن الرجل من غير وضوء ، ولا يقيم إلّا وهو على وضوء» (٥).

وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهور ، ولا تقيم إلّا وأنت على وضوء» (٦).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤذّن على غير طهور؟ قال : «نعم» (٧).

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٩ : ٥٨.

(٢) سنن البيهقي ١ : ٣٩٧ ، كنز العمّال ٨ : ٣٤٣ / ٣٣١٨٠.

(٣) في ص ٢٧١.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٣ / ٨٦٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٨٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٦ بتفاوت ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٢٧٠

وموثّقة أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث : «لا بأس أن تؤذّن على غير وضوء» (١).

وخبر إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول في حديث : «لا بأس أن يؤذّن [ المؤذّن ] وهو جنب ، ولا يقيم حتّى يغتسل» (٢).

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن كتاب قرب الإسناد ـ عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن المؤذّن يحدث في أذانه أو إقامته ، قال : «إن كان الحدث في الأذان فلا بأس ، وإن كان في الإقامة فليتوضّأ وليقم إقامة» (٣).

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن كتابه ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤذّن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال : «أمّا الأذان فلا بأس ، وأمّا الإقامة فلا يقيم إلّا على وضوء» قلت : فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلّي بإقامته؟ قال : «لا» (٤).

وعن كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : «لا بأس أن يؤذّن الرجل على غير طهر ، وعلى طهر أفضل ، ولا يقيم إلّا على طهر» (٥).

فلا ريب في عدم شرطيّة الطهارة للأذان ، بل يجوز مع الحدث الأكبر أيضا ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ / ١٨١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) قرب الإسناد : ١٨٢ / ٦٧٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٤) مسائل عليّ بن جعفر : ١٥٠ ـ ١٥١ / ١٩٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٥) دعائم الإسلام ١ : ١٤٦ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٤٣.

٢٧١

كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدّمة (١).

وأمّا الإقامة فظاهر جميع الأخبار المزبورة ممّا وقع فيها التعرّض للإقامة :اعتبار الطهارة فيها ، كما ذهب إليه جماعة من القدماء والمتأخّرين (٢).

خلافا لما حكي عن المشهور من الاستحباب (٣).

ولم نقف لهم على دليل يعتدّ به ، صالح لصرف هذه الأخبار الكثيرة عن ظاهرها زيادة على الأصل المعلوم عدم معارضته للدليل ، فكأنّ المشهور لم يفهموا من الأخبار المزبورة إلّا إرادة الحكم التكليفيّ لا الوضعيّ ، أي شرطيّة الطهارة أو مانعيّة الحدث ، وحيث إنّ كون الإقامة بلا طهارة حراما ذاتيّا مستبعد في الغاية حملوا أخبارها على كراهة ترك الطهارة ، أو استحباب فعلها.

وفيه : أنّ المنساق إلى الذهن من نحو هذه التكاليف الغيريّة المتعلّقة بكيفيّة العمل إرادة الوضع لا التكليف ، كما هو الشأن في جميع الأوامر والنواهي الواردة في باب الصلاة ونظائرها ، ولا أقلّ من أنّ حملها على الوجوب الشرطي أولى من الحمل على الاستحباب أو كراهة الترك.

ولكن لقائل أن يقول : إنّ دعوى انسباق الشرطيّة إلى الذهن من الأخبار في مقابل المشهور غير مسموعة ؛ لأنّ تخطئة المشهور فيما يتبادر من النّص خطأ ،

__________________

(١) في ص ٢٧١.

(٢) كالصدوق في المقنع : ٩١ ، والسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل : ٦٤ ، والمفيد في المقنعة : ٩٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٦٦ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٩١ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢١١ ، والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٤ : ٤٠٠ ، الفرع الثاني ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٦٧ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٤٠.

(٣) نسبه إلى المشهور البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٤٠.

٢٧٢

فعدم فهم المشهور منها الشرطيّة كاشف إمّا عن فساد الدعوى من أصلها ، أو في خصوص المورد ؛ لخصوصيّة مانعة عن ظهورها في الطلب الشرطي ، مع أنّه يكفي في ذلك الشكّ في الخصوصيّة المانعة ؛ حيث إنّ مقتضى الأصل كون الأوامر والنواهي شرعيّة لا شرطيّة ، فلا تصلح الأخبار حينئذ مانعة عن الرجوع إلى الأصل بعد قيام احتمال كونها مسوقة لإرادة الحكم التكليفي ، كما هو واضح.

ويحتمل أن يكون وجه عدم استفادة المشهور من هذه الأخبار الشرطيّة بالنسبة إلى أصل الطبيعة : ما سنشير إليه عند نفي شرطيّة القيام.

وكيف كان فالإنصاف أنّ إنكار ظهور الأخبار المزبورة في الشرطيّة خصوصا بعضها ـ كخبري (١) عليّ بن جعفر ، اللّذين ورد في أوّلهما الأمر بالوضوء وإعادة الإقامة ، وفي ثانيهما النهي عن أن يصلّي بإقامته الواقعة بلا وضوء ـ مجازفة.

اللهمّ إلّا أن يناقش في مثل هذه الروايات الغير القابلة للخدشة في ظهورها :بضعف السند.

وكيف كان فالقول بالاعتبار أوفق بظواهر النصوص.

فمن هنا قد يحتمل أن يكون حكم المشهور بالاستحباب ناشئا من بنائهم على استحباب الإقامة في حدّ ذاتها ، فأرادوا به الاستحباب الشرعي الغير المنافي للشرطيّة ، فيكون حكمهم بالاستحباب في المقام كحكمهم ـ عند تعداد الوضوءات المستحبّة ـ بندب الوضوء لغاياته المندوبة من صلاة ونحوها.

__________________

(١) تقدّما في ص ٢٧١.

٢٧٣

ولكنّه لا بدّ في تحقيق هذا الاحتمال من مراجعة كلماتهم ، فراجع.

وكذا يستحبّ أن يكون (قائما) على المشهور ، بل عن غير واحد (١) دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه خبر حمران ، قال : سألت أبا جعفر (٢) عليه‌السلام عن الأذان جالسا ، قال : «لا يؤذّن جالسا إلّا راكب أو مريض» (٣).

والمرسل ـ المرويّ عن كتاب دعائم الإسلام ـ عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، قال : «لا يؤذّن الرجل وهو جالس إلّا مريض أو راكب ، ولا يقيم إلّا قائما على الأرض إلّا من علّة لا يستطيع معها القيام» (٤).

ويؤيّده صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب ، ويقيم وهو على الأرض قائم» (٥) فإنّ تخصيص نفي البأس بالمسافر مشعر برجحان القيام على الأرض بلا عذر ، بل مرجوحيّة تركه.

وكيف كان فهو ليس بشرط في الأذان بلا شبهة ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٦) : «تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد

__________________

(١) كالعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٧٠ ، المسألة ١٧٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٢٣ ، والحاكي عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٦٧.

(٢) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «أبا عبد الله». والمثبت كما في المصدر.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٧ / ١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١٢٠ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٦ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٤٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٦) في ص ٢٧٠.

٢٧٤

قائما أو قاعدا وأينما توجّهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة».

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : «نعم ، ولا يقيم إلّا وهو قائم» (١).

وخبر أحمد بن محمّد عن عبد صالح عليه‌السلام ، قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ، ولا يقيم إلّا وهو قائم» وقال : «تؤذّن وأنت راكب ، ولا تقيم إلّا وأنت على الأرض» (٢).

وموثّقة أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس أن تؤذّن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ، ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلّا من عذر (٣) أو تكون في أرض ملصّة (٤)» (٥).

وخبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : «تؤذّن وأنت جالس ، ولا تقيم إلّا وأنت على الأرض وأنت قائم» (٦).

وخبره الآخر عن الرضا عليه‌السلام أيضا ، قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ، ويؤذّن وهو راكب» (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١١٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١١٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٣) في المصدر : «علّة» بدل «عذر».

(٤) أرض ملصّة : ذات لصوص. الصحاح ٣ : ١٠٥٦ «لصص».

(٥) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٢ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٦) قرب الإسناد : ٣٦٠ / ١٢٨٩ بتفاوت ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٤.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٣ / ٨٦٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

٢٧٥

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه ، فهذا ممّا لا ريب فيه.

وإنّما الإشكال في الإقامة ؛ حيث إنّ ظاهر جلّ الأخبار المتقدّمة : اعتباره فيها.

وربما يشهد له أيضا غير ذلك من الأخبار.

كخبر يونس الشيباني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أؤذّن وأنا راكب؟ قال : «نعم» قلت : فأقيم وأنا راكب؟ قال : «لا» قلت : فأقيم ورجلي في الركاب؟ قال : «لا» قلت : فأقيم وأنا قاعد؟ قال : «لا» قلت : فأقيم وأنا ماش؟ قال :«نعم ماش إلى الصلاة» قال : ثمّ قال : «إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا فإنّك في الصلاة» قال : قلت له : قد سألتك أقيم وأنا ماش؟ قلت لي : «نعم» فيجوز أن أمشي في الصلاة؟ قال : «نعم ، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت وأنت مع إمام عادل ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك ، وإذا الإمام كبّر للركوع كنت معه في الركعة ، لأنّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع» (١).

وخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلّا أن يكون مريضا ، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» (٢).

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن كتابه ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابّة؟ قال : «أمّا الأذان فلا بأس ، وأمّا الإقامة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / ١١٢٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ـ ٥٧ / ١٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٢.

٢٧٦

فلا حتى ينزل على الأرض» (١).

وحكي عن المفيد الالتزام بظاهر هذه الأخبار من اعتبار القيام في الإقامة لدى التمكّن ، بل ربما يظهر من العبارة التي حكي عنه التزامه به في الأذان أيضا في الجملة.

قال في محكيّ المقنعة : لا بأس أن يؤذّن الإنسان جالسا إذا كان ضعيفا في جسمه وطول القيام يتعبه ويضرّه أو كان راكبا جادّا في مسيره ، ولمثل ذلك من الأسباب ، ولا يجوز له الإقامة إلّا وهو قائم متوجّه إلى القبلة مع الاختيار (٢). انتهى.

والظاهر أنّ مراده بالبأس المفهوم من كلامه بالنسبة إلى الأذان الكراهة ، وإلّا فهو شاذّ محجوج بما عرفت.

وأمّا بالنسبة إلى الإقامة فربما يساعده على ما ذهب إليه بظاهر كلامه ظواهر الأخبار المتقدّمة.

ولكنّ المشهور بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ على ما نسب (٣) إليهم :عدم اعتبار القيام فيها ، وكونه مستحبّا أي شرطا لكمالها ، لا للصحّة.

وهذا لا يخلو عن وجه ؛ فإنّ استفادة التقييد بالنسبة إلى أصل الطبيعة في المستحبّات ـ التي لا منافاة فيها بين كون قسم خاصّ منها مطلوبا بخصوصه مع بقاء جنسه على صفة المطلوبيّة ـ من مثل هذه الأخبار ـ التي ورد فيها الأمر بقسم خاصّ ، أعني الإقامة قائما ، أو النهي عمّا عداه ، أي الفاقد للخصوصيّة ـ لا تخلو عن

__________________

(١) مسائل عليّ بن جعفر : ١٧٤ / ٣٠٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٥.

(٢) المقنعة : ٩٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٧٤.

(٣) الناسب هو المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ١١٤.

٢٧٧

إشكال.

أمّا إذا كان المقيّد بصيغة الأمر ونحوه ، كقوله عليه‌السلام : «إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة» (١) وقوله عليه‌السلام : «يقيم وهو على الأرض قائم» (٢) فواضح ؛ لما أشرنا إليه من أنّ الطلب المتعلّق بهذا القسم إذا لم يكن إلزاميّا لا يكشف عن أنّ الإقامة التي أمر بها الشارع عند كلّ صلاة لم يقصد بها إلّا خصوص ما كان بهذه الصفة ، بخلاف ما لو كان إلزاميّا ، فإنّ إيجابه بالخصوص ينافي إرادة الإطلاق من مطلقه مع وحدة السبب ، ولذا يجب حمل المطلق على المقيّد في الواجبات دون المستحبّات.

وأمّا إذا كان بصيغة النهي ونحوه ، كقوله عليه‌السلام : «لا يقيم إلّا وهو قائم» (٣) فلأنّ المتبادر منه في مثل هذه الموارد ليس إلّا إرادة الحكم الوضعي ، أي الإرشاد إلى أنّ الإقامة المطلوبة شرعا لا تحصل إلّا بهذا ، فكما يمكن أن يكون المقصود به الإرشاد إلى أنّ ذاتها لا تحصل إلّا بهذا بأن يكون القيد معتبرا في ذاتها ، كذلك يمكن أن يكون المراد به الإرشاد إلى عدم حصول الفرد الذي ينبغي اختياره في مقام الامتثال ، أي الفرد الكامل الخالي عن المنقصة.

ودعوى أنّ المتبادر منه هو الأوّل ، ولذا نلتزم به في الواجبات ، وإلّا فلا نعقل الفرق بين قوله : «لا تقم إلّا وأنت قائم مستقبل القبلة» وقوله : «لا تصلّ إلّا وأنت قائم مستقبل القبلة» حيث إنّ المتبادر من النهي في كلّ منهما الإرشاد ،

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٠ ، الهامش (٤).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٤ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٥ ، الهامش (٢).

٢٧٨

وكون متعلّق أحدهما تكليفا وجوبيّا والآخر استحبابيّا ممّا لا مدخليّة له بما يتبادر من هذه الصيغة بعد فرض كونه مستعملا في الإرشاد وبيان شرطيّة القيام والاستقبال ، فلو جاز حمله على إرادة شرط الكمال ولم يكن ذلك مخالفا لظاهر اللفظ ، لجاز في كليهما ، مع أنّا لا نلتزم به في الواجبات ، مدفوعة :

أوّلا : بالفرق بين الواجبات والمستحبّات ، فإنّ الأوامر والنواهي الشرعيّة الإرشاديّة ليست معرّاة عن الطلب ، وكيف لا! مع أنّه لو صدر من الشارع كلام صريح في الإرشاد ـ كما لو قال : استعمال الماء المسخّن يورث البرص ـ لكان ذلك مشوبا بالطلب ، ولذا يفهم منه الكراهة ، فضلا عمّا لو صدر منه الأمر بشي أو النهي عنه ، فقولنا : «إنّ الأوامر والنواهي المتعلّقة بكيفيّة العمل ظاهرها الإرشاد وبيان الحكم الوضعي» لا نعني بذلك ادّعاء كونها بمنزلة الأخبار معرّاة عن الطلب ، بل المقصود بذلك ادّعاء أنّ المتبادر من مثل هذه التكاليف كون متعلّقاتها معتبرة في ذلك العمل ، وكون التكليف المتعلّق بها مسبّبا عن ذلك ، لا عن كونها من حيث هي مقصودة بالطلب ، فإن كانت تلك التكاليف الغيريّة بصيغة الأمر أو النهي أو نحوهما ممّا كان ظاهره وجوب الفعل أو الترك ، تدلّ بظاهرها على كون متعلّقاتها معتبرة في قوام ذات المأموربه ؛ إذ لو لا كونها كذلك ، لقبح الإلزام بها. وإن عبّر عنها بلفظ «ينبغي» أو «لا ينبغي» أو «لا يصلح» أو نحو ذلك ، فإن بنينا على ظهور مثل هذه الألفاظ في الاستحباب ، فيفهم منه كون متعلّقه شرط الكمال. وإن قلنا بإجمال مثل هذه الألفاظ وعدم دلالتها إلّا على رجحان متعلّقها فعلا أو تركا ، يتردّد الأمر بين كون المتعلّق شرطا للصحّة أو الكمال ، فيرجع في تشخيص حكمه إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة.

٢٧٩

هذا إذا كان المكلّف به في حدّ ذاته واجبا كي يمكن إبقاء الطلب المتعلّق بكيفيّته على ظاهره من الوجوب ، وأمّا إن كان مستحبّا ، فلا يعقل أن يكون الطلب المتعلّق بكيفيّته إلزاميّا.

اللهمّ إلّا أن يقصد به تكليفا نفسيّا ، وهو خلاف الظاهر ، فيشكل حينئذ استكشاف كون متعلّقه معتبرا في قوام ذات الشي‌ء أو شرطا لكماله من مجرّد التعبير بلفظ الأمر أو النهي.

مثلا : لو أمر المولى عبده بطبخ طعام أو تركيب معجون لم يعرف العبد أجزاءه وشرائطه ، فسأل مولاه عن ذلك ، فقال له المولى عند إرادة شرح ذلك التكليف : إذهب إلى السوق واشتر كذا وكذا ، وهكذا إلى أن عدّد له عدّة أشياء وأمره بتركيبها وضمّ شي‌ء من الزعفران إليها ، ونهاه أن يضع فيها الملح أو الماء أو غير ذلك ، فشكّ العبد في شي‌ء منها أنّه هل هو شرط للكمال فيجوز الإخلال به ، أم لا؟ وجب عليه التعبّد بظاهر كلامه والالتزام بلزوم الجميع وكونها معتبرة في قوام ذات المطلوب ، وأمّا إذا علم العبد بأنّ التكليف من أصله ندبيّ وأنّه يجوز له مخالفة كلّ من هذه الأوامر والنواهي سواء كان شرطا للصحّة أو للكمال ، فشكّ في أنّ ضمّ الزعفران إليه هل هو من مقوّمات ماهيّته أو موجب لكماله ، أو أنّ وضع الملح هل هو مفسد له بالمرّة فيجعله كالعدم ، أو أنّه يؤثّر فيه منقصة غير قادحة في حصول أصل المقصود؟ أشكل استفادة كونه معتبرا في أصل الماهيّة من ظاهر الأمر والنهي بعد أن علم بعدم كونه واجب الامتثال.

وثانيا : لو سلّمنا ظهور النهي في كون متعلّقه منافيا لأصل الطبيعة من حيث هي من غير فرق بين الواجب والمستحبّ كما ليس بالبعيد خصوصا فيما إذا كان

٢٨٠