مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

ترجيح أحد العامّين على الآخر من مرجّح.

ويدفعه : أنّ عموم أدلّة المستحبّات ـ كالمباحات ـ لا يصلح مانعا عن عروض جهات خارجيّة موجبة لرفعه ، كما لا يخفى.

ولعلّ ما صدر من الشيخ رحمه‌الله في العبارة المتقدّمة (١) ـ من التعبير بقطع الكلام والقراءة ـ للإشارة إلى وجه اختصاصه بما عدا الصلاة ، حيث إنّ قطعها ممّا لا يجوز ، فلا يتناوله العموم.

وقد ظهر بما ذكرنا أنّ تنظير المقام بالتكلّم حال التخلّي ـ حيث خصّص ما دلّ على كراهته بأدلّة استحباب الحكاية ـ في غير محلّه ، مع أنّ النصّ وارد فيه بالخصوص ، فلا يعارضه أصالة العموم.

وكون شمول النصّ الخاصّ لحكاية الحيّعلات بأصالة العموم غير ضائر ؛ لحكومة الأصل الجاري في الخاصّ على أصالة العموم ، بل لو فرض كون النسبة بينهما العموم من وجه ـ بدعوى انصراف أدلّة الكراهة إلى ما عدا الذكر ـ لكان ظهور أخبار الحكاية في شمول مورد الاجتماع أقوى ، فليتأمّل.

وكيف كان فالأقوى أنّ حكاية الحيّعلات قاطعة للصلاة ، فلا تجوز ، على تأمّل في النافلة ينشأ من قوّة القول بجواز قطعها اختيارا ، فحالها مع الحكاية حال المستحبّات المتزاحمة.

وأمّا لو حكى ما عدا الحيّعلات مقتصرا عليه أو مع إبدال الحيّعلات بالحوقلة ، فلا شبهة في جوازه بل استحبابه من باب الذكر المطلق ، بل بالخصوص.

__________________

(١) في ص ٣٥٨.

٣٦١

كما يدلّ على الأخير عموم المراسيل المتقدّمة لحال الصلاة ، التي لا بأس بالعمل بها من باب المسامحة.

وعلى الأوّل ـ أي الاقتصار على ما عدا الحيّعلات ـ قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «اذكر الله مع كلّ ذاكر» (١) الشامل بعمومه وإطلاقه لحكاية كلّ فصل فصل من حيث هو في حال الصلاة وغيره.

مضافا إلى إمكان استفادته من سائر الأخبار الدالّة على استحباب حكاية الأذان في كلّ حال ، بضميمة قاعدة الميسور ، خصوصا بعد الالتفات إلى حكمة الحكم ـ التي أشير إليها في بعض تلك الأخبار ـ المقتضية لكونه من قبيل تعدّد المطلوب.

فالأظهر جواز الاقتصار على حكاية بعض الفصول مطلقا حتى في غير حال الصلاة ، والله العالم.

الثانية : أنّ القدر المتيقّن الذي ينصرف إليه إطلاق النصوص والفتاوى إنّما هو استحباب الحكاية مع كلّ فصل ،أي بلا فصل يعتدّ به.

وهل تستحبّ بعد تمام الفصول لو لم يحكها معها؟ صرّح جملة من الأصحاب ـ على ما حكي (٢) عنهم ـ بالعدم ؛ لفوات المحلّ.

وعن آخرين (٣) : الاستحباب.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٥٦ ، الهامش (١).

(٢) الحاكي عنهم هو البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢٥ ، وراجع : الذكرى ٣ : ٢٠٤ ، ومدارك الأحكام ٣ : ٢٩٤.

(٣) منهم الشيخ الطوسي في الخلاف على ما حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٤ ، ولم نجده فيه.

٣٦٢

وهو لا يخلو عن تأمّل ؛ لما تقدّمت الإشارة إليه من أنّه خلاف ما يتبادر من النصوص والفتاوى.

الثالثة : هل يختصّ الحكم بالأذان ، أم يعمّ الإقامة؟ مقتضى الأصل واختصاص النصوص بالأذان : الأوّل ،كما هو صريح غير واحد وظاهر آخرين بل لعلّه المشهور.

وذهب بعض (١) إلى الثاني.

وربما يوجّه ذلك بعموم قوله عليه‌السلام في صحيحة (٢) زرارة : «اذكر الله مع كلّ ذاكر» ومفهوم ما هو بمنزلة التعليل ـ في بعض الأخبار المتقدّمة (٣) ـ : بأنّ «ذكر الله حسن على كلّ حال».

وفيه نظر ؛ إذ غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو دلالة مثل هذه العمومات على استحباب حكاية الأذكار منها ، لا مطلق الإقامة.

ويمكن الاستشهاد له بالمرسل المرويّ عن كتاب دعائم الإسلام عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا قال المؤذّن : الله أكبر ، فقل : الله أكبر ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله ـ إلى أن قال ـ فإذا قال : قد قامت الصلاة ، فقل :اللهمّ أقمها وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها» (٤) فالقول باستحباب حكايتها على النحو المذكور في المرسل من اشتمالها على دعاء الإدامة لا يخلو عن قوّة

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ٦٧ ، والمبسوط ١ : ٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٩٠.

(٢) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٥٦.

(٣) في ص ٣٥٥.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٩ ، ذيل الرقم ١١.

٣٦٣

بعد البناء على التسامح ، والله العالم.

الرابعة : صرّح غير واحد ) باختصاص الأذان الذي تستحبّ حكايته بالأذان المشروع إمّا مطلقا أو المتعارف المعهود الذي يقصد به الإعلام أو الصلاة ، دون الأذان في أذان المولود ونحوه ، بل قد يقال باختصاصه بالإعلامي بدعوى أنّه هو المتبادر من أدلّته.

ولكن صرّح بعض (٢) بالتعميم حتى في غير المشروع ؛ فإنّ إطلاق الأذان وإن كان منصرفا ولكن قضيّة تفريع الحكم في بعض أدلّته على أنّ «ذكر الله حسن على كلّ حال» (٣) إرادة مطلقه.

وهذا لا يخلو عن قوّة ، والله العالم.

الخامسة : يستحبّ أيضا أن يقول عند سماع الشهادتين من المؤذّن ما في صحيحة الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، فقال مصدّقا محتسبا ـ أي حال كونه كذلك ـ : وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أكتفي بهما عمّن أبي وجحد ، وأعين بهما من أقرّ وشهد ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد وعدد من أقرّ وشهد» (٤).

__________________

(١) كالعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٤ : ١٠٧ ، ذيل المسألة ٤٢٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٢٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٥٥ ، ومسالك الافهام ١ : ١٩١ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٥.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٥٥ ، الهامش (٥).

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٧ / ٣٠ ، الفقيه ١ : ١٨٧ / ٨٩١ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

٣٦٤

ويستحبّ أيضا لسامع أذان الصبح والمغرب أن يقول ما في المرويّ عن المجالس وثواب الأعمال عن الصادق عليه‌السلام قال : «من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهمّ إنّي أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعائك وتسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك التوّاب الرحيم ، وقال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ثمّ مات عن يومه أو ليلته تلك مات تائبا» (١).

المسألة (الرابعة : إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، كره الكلام كراهيّة مغلّظة إلّا ما يتعلّق بتدبير المصلّين) من تسوية الصفّ أو تقديم إمام أو نحو ذلك.

وقد حكي عن الشيخين في النهاية والمقنعة والسيّد المرتضى في المصباح القول بالحرمة (٢) ؛ للمستفيضة التي وقع فيها التصريح بأنّه إذا قال المؤذّن :قد قامت الصلاة ، حرم الكلام على أهل المسجد.

وقد تقدّم الكلام فيه فيما سبق (٣) ، وعرفت فيما تقدّم أنّ القول بالكراهة هو الأظهر.

المسألة (الخامسة : يكره للمؤذّن أن يلتفت يمينا وشمالا) كما صرّح به غير واحد (٤) ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا (٥) ، خلافا للمحكيّ عن

__________________

(١) الأمالي ـ للصدوق ـ : ٢١٩ (المجلس ٤٥) ح ٩ ، ثواب الأعمال : ١٨٣ (باب ثواب هذا الدعاء عند أذان الصبح ..) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١ و ٢.

(٢) حكاه عنهم المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٤٣ ، وراجع : النهاية : ٦٦ ـ ٦٧ ، والمقنعة : ٩٨.

(٣) في ص ٣٢٧ وما بعدها.

(٤) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٩٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٩٢ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٧٣.

(٥) تذكرة الفقهاء ٣ : ٦٩ ، الفرع «ب» من المسألة ١٧٨ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٩٧.

٣٦٥

الشافعي ، فيستحبّ أن يلتفت يمينا إذا قال : حيّ على الصلاة ، ويسارا إذا قال : حيّ على الفلاح (١) ، ولأبي حنيفة ، فيدور بالأذان في المأذنة ويلوي عنقه إذا كان في الأرض (٢).

وربما يشهد للقول المحكيّ عن الشافعي ما عن كتاب دعائم الإسلام مرسلا عن عليّ عليه‌السلام قال : «يستقبل المؤذّن القبلة في الأذان والإقامة ، فإذا قال : حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ، حوّل وجهه يمينا وشمالا» (٣).

ولو لا مخالفته لفتوى الأصحاب وموافقته للشافعي ، لكان العمل به من باب التسامح وجيها ، ولكن الأخذ بخلافه بعد ما سمعت أوجه ، و (لكن يلزم سمت القبلة في أذانه) استحبابا خصوصا عند الشهادتين ، كما عرفته فيما سبق (٤).

([ المسألة ] السادسة : إذا تشاحّ [ الناس ] ) في الأذان ، قدّم الأعلم).

والمراد به بحسب الظاهر من كان أعرف بالوقت وما يتعلّق بالأذان ، وربما يفسّر بتفاسير غير ذلك ، ولا يهمّنا التعرّض لشرحها.

والظاهر أنّ محطّ نظرهم هو المؤذّن المنصوب الذي يستحقّ الأجرة أو

__________________

(١) الوجيز ١ : ٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، حلية العلماء ٢ : ٤٢ ـ ٤٣ ، المجموع ٣ : ١٠٦ و ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٢) تحفة الفقهاء ١ : ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١ : ١٢٩ و ١٣٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ٤١ ، حلية العلماء ٢ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٤١٥ ، المجموع ٣ : ١٠٧.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، ذيل ح ٥٧.

(٤) في ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من الشرائع.

٣٦٦

الارتزاق من بيت المال ، كما صرّح به غير واحد (١) ، وإلّا فلا موقع للتشاحّ ؛ لجواز أن يؤذّن الجميع للإعلام وللجماعة أيضا على الأظهر ، كما ستعرف ، فالمكلّف بالترجيح لدى التشاحّ هو الحاكم أو نائبه ممّن وظيفته التصدّي لمثل هذه الأمور ، واللازم عليه أن يراعي مطلق الجهات المقتضية للترجيح ممّا تكون فائدة الأذان بلحاظها أتمّ وأصلح بحال المسلمين ، لا خصوص الأعلميّة ، كما هو ظاهر المتن ، أو مع الأعدليّة ، بل مطلق ما فيه مصلحة المسلمين ، كما صرّح به بعض (٢).

ولا يبعد أن يكون مراد غيره أيضا ممّن خصّ بعض المرجّحات بالذكر ، وإلّا فلا وجه للتخصيص إن أراد المؤذّن المنصوب ، كما هو الظاهر ، وإن أراد غيره ، فلا مانع عن الجمع كي يحتاج إلى الترجيح.

نعم ، في الموارد التي جرت العادة بأن لا يؤذّن إلّا بعضهم ـ كما في الجماعات ـ الأولى أن يختاروا خيارهم ، كما يدلّ عليه النبويّ المرسل : «يؤذّن لكم خياركم» (٣) أو الأرفع صوتا ؛ لما في بعض الأخبار من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإلقاء الأذان على بلال ؛ لأنّه أندى صوتا (٤).

وكيف كان فالأظهر لزوم مراعاة جهات الترجيح مطلقا في من يعطى من بيت المال (ومع التساوي) ينبغي أن (يقرع بينهم) فإنّه أقرب للخلوص و

__________________

(١) كالشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٩٢ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٧ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٧٢.

(٢) صاحب الجواهر فيها ٩ : ١٣٠.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ / ٧٢٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦١ / ٥٩٠ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٩ ، مسند أبي يعلى ٤ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ / ٢٣٤٣.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ / ٧٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٥ / ٤٩٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩١ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٩ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٤١ / ٢٩ ، مسند أحمد ٤ : ٤٣.

٣٦٧

أبعد عن الشحناء.

([ المسألة ] السابعة : إذا كانوا جماعة ، جاز أن يؤذّنوا جميعا).

أمّا في الأذان الإعلامي : فواضح ؛ لاستحبابه لكلّ أحد بمقتضى ظواهر أدلّته.

وأوضح من ذلك أذان الصلاة فيما لو أراد كلّ منهم أن يصلّي وحده.

نعم ، يجوز لكلّ منهم أن يجتزى‌ء بسماع أذان غيره رخصة لا عزيمة ، كما ستعرف.

وأمّا لو أرادوا الصلاة جماعة ، فالظاهر أنّه يجوز أيضا أن يؤذّن كلّ منهم لصلاته جماعة ، فإنّ مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة في الحثّ على الأذان والإقامة لكلّ صلاة : استحبابه لكلّ واحد منهم من غير فرق بين الإمام والمأموم ، غاية الأمر أنّه ثبت نصّا وإجماعا أنّه يجوز للجميع الاكتفاء بأذان أحدهم ، وأنّ من دخل فيهم ما لم تتفرّق صفوفهم كان بحكمهم ، وأنّه يجوز لهم الاكتفاء بسماع إمامهم أذان الغير ، كما ستعرف.

ولا ينافي شي‌ء من ذلك استحبابه عينا لكلّ منهم ، كما تقتضيه ظواهر أدلّته ؛ لإمكان كون الاكتفاء بفعل البعض من باب التوسعة والترخيص ، لا تنزيل صلاتهم جماعة شرعا منزلة صلاة واحدة في كفاية أذان واحد ، وجريان السيرة بأذان واحد للجماعة لا يقضي بأنّه لا يشرع لهم إلّا كذلك ، فالأظهر جواز تعدّد المؤذّنين لجماعة واحدة دفعة أو مرتّبين.

(و) ما في المتن وغيره من أنّ (الأفضل إذا كان الوقت واسعا أن يؤذّن واحد بعد واحد) فلم نعرف مستنده.

٣٦٨

([ المسألة ]) الثامنة : إذا سمع الإمام أذان مؤذّن ، جاز أن يجتزى‌ء به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذّن منفردا) بأذانه وصلاته ، بل وإن كان قاصدا بأذانه الإعلام دون الصلاة ، كما ستعرف.

وفي المسالك فسّره بما إذا كان منفردا بصلاته لا بأذانه ، قال : والمراد به المنفرد بصلاته لا بأذانه بمعنى أنّه مؤذّن للجماعة أو للبلد ، ولو أذّن لنفسه لا غير ، لا يعتّد به ، وكذا القول في الإقامة (١). انتهى.

وهو بعيد جدّا.

وكيف كان فهذا الحكم في الجملة ممّا لا خلاف فيه.

وربما يستشعر من تخصيص الإمام بالذكر في المتن وغيره اختصاص الحكم به ، ولكن الظاهر عدم إرادتهم لذلك ، كما نبّه عليه في المدارك ؛ حيث قال : الظاهر أنّه لا فرق في هذا الحكم بين الإمام والمنفرد وإن كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ؛ لإنّه إذا ثبت اجتزاء الإمام بسماع الأذان ، فالمنفرد أولى (٢). انتهى.

أقول : ويمكن تقريب الأولويّة بأن يقال : إذا ثبت الاجتزاء به في الجماعة فلصلاته وحده أولى.

هذا ، مع ما ستعرف من عدم قصور الأدلّة عن إثباته.

وكيف كان فمستند الحكم خبر أبي مريم الأنصاري قال : صلّى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلمّا انصرف قلت

__________________

(١) مسالك الإفهام ١ : ١٩٣.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٠٠.

٣٦٩

له : عافاك الله صلّيت بنا بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فقال : «إنّ قميصي كثيف فهو يجزى‌ء أن لا يكون عليّ [ إزارولا ] رداء ، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» (١).

وخبر عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كنّا معه ، فسمع إقامة جار له بالصلاة ، فقال : «قوموا» فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة ، وقال : «يجزئكم أذان جاركم» (٢).

أقول : ذيل هذا الخبر يشهد بأنّ المراد بالإقامة في صدره أعمّ من الأذان ، وصدره يشهد بأنّ المراد بالأذان في الذيل أعمّ من الإقامة.

وكيف كان فربما يناقش في الاستدلال بالخبرين : بأنّ في طريقهما ضعفا.

وفيه : أنّه غير قادح في مثل هذه الروايات المقبولة المعمول بها لدى الأصحاب.

وربما يستدلّ له أيضا بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«إذا أذّن مؤذّن فنقّص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقّص هو من أذانه» (٣).

وربما يستدلّ بإطلاق هذه الصحيحة لكفاية سماع أذان المنفرد لمن يريد أن يصلّي بأذانه مطلقا ، سواء أراد الاجتزاء به في الجماعة أو لصلاته منفردا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٣ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢ ، والباب ٢٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤١ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٢ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

٣٧٠

وفيه : أنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر ، فمن هنا قد يتطرّق الخدشة في دلالة هذه الصحيحة على المدّعى بإمكان ورودها في مؤذّن الجماعة التي يكون هذا الشخص إمامها ، وستعرف أنّ هذا الفرض خارج عن محلّ الكلام.

نعم ، ربما يستشعر من قوله عليه‌السلام : «فأتمّ ما نقّص من أذانه» غير هذا الفرض ، أي ما لو كان قاصدا بأذانه نفسه ، كما أنّه قد يستشعر من قوله عليه‌السلام : «وأنت تريد أن تصلّي بأذانه» إرادة صورة الانفراد.

ولكن لا يخفى ما في كلا الإشعارين من الضعف ، فالأولى الاستدلال لإطلاق الحكم بحيث يعمّ كلا الفرضين بخبر (١) عمرو بن خالد ؛ فإنّ قوله عليه‌السلام :«يجزئكم أذان جاركم» بحسب الظاهر مسوق لبيان الإطلاق ، وتقييده بأذان الجار جار مجرى العادة بلحاظ خصوصيّة المورد ، كما يؤيّده التعبير بالمضارع ، ونسبة الإجزاء وإضافة الجار إليهم ، فلو كان المقصود بيان الكفاية في خصوص المورد ، لكان المناسب أن يقول : «أجزأني ـ أو أجزأنا ـ أذان جاري» كما يؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام في خبر (٢) أبي مريم : «وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم» إلى آخره ؛ فإنّه مشعر بأنّ مناط الكفاية هو مجرّد سماع الأذان الصادر من جعفر عليه‌السلام من حيث هو ، لا لخصوصيّة فيه ، ككونه أذان جماعة أو فرادى أو غير ذلك من الخصوصيّات ، كما أنّه يستشعر من قوله عليه‌السلام : «فأجزأني ذلك» بل يستظهر منه كفايته له أوّلا وبالذات ، ولمن يصلّي بصلاته ثانيا وبالتبع ، فمن هنا صحّ أن يدّعى دلالة الرواية على كفايته له لو صلّى وحده بالفحوى من غير حاجة لإثباته إلى

__________________

(١) تقدّم الخبر في ص ٣٧٠.

(٢) تقدّم الخبر في ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

٣٧١

دعوى الأولويّة الخارجيّة حتى يتطرّق إليها بعض التشكيكات الواهية ، كما صدر من بعض (١) ، فليتأمّل.

وقد ظهر بما ذكرنا أنّ الأظهر جواز الاجتزاء للإمام والمنفرد بسماع أذان مؤذّن وإن كان ذلك المؤذّن منفردا بأذانه وصلاته.

نعم ، لا يجتزى‌ء في الجماعة بسماع المأموم أذان مؤذّن دون الإمام ؛ إذ لا دليل عليه.

وأمّا لو أذّن بعض المأمومين أو شخص آخر للجماعة وقلنا بكفايته وإن لم يسمعه الإمام ، فهو خارج عن محلّ الكلام ؛ إذ العبرة حينئذ بأذان ذلك البعض ، لا بسماع من عداه.

ثمّ إنّ الإقامة كالأذان فيما ذكر ؛ لأنّ الخبرين ـ اللّذين هما عمدتا مستند الحكم ـ صريحان في ذلك.

فما ربما يستشعر من المتن وغيره من اختصاصه بالأذان فلعلّه غير مراد لهم ، بل يحتمل قويّا أن يكون مرادهم بالأذان ما يعمّ الإقامة ، والله العالم.

ثمّ إنّ المتبادر من النصوص ـ كفتاوى الأصحاب ـ كون الاجتزاء بالأذان المسموع من باب التوسعة والترخيص ، لا العزيمة ، فلا يبعد أن تكون إعادته أفضل.

وربما يظهر من خبر (٢) أبي مريم اعتبار عدم التكلّم بعد سماع الأذان والإقامة حتى يصلّي.

__________________

(١) راجع : الحدائق الناضرة ٧ : ٤٣٠.

(٢) تقدّم الخبر في ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

٣٧٢

والأولى حمله على كراهة الكلام بعد سماع الإقامة كنفسها إلّا فيما يتعلّق بتدبير المصلّين ، كما يشهد لذلك قوله عليه‌السلام بعد سماع الإقامة في خبر (١) عمرو بن خالد : «قوموا».

وهل يعتبر سماع جميع فصول الأذان والإقامة ، أم يكفي سماعها في الجملة؟ وجهان بل قولان ، أشبههما وأحوطهما : الأوّل ؛ اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقّن.

ولأنّ سماع الأذان ليس بأعظم من نفسه ، وحيث لا يجوز الاجتزاء ببعض فصوله فكيف يجتزأ بسماع بعضه!؟

وأيضا لو كان سماع البعض كافيا ، لم يكن يجب عليه إتمام ما نقّص المؤذّن الذي يريد أن يصلّي بأذانه ؛ إذ لا فرق لدى التحقيق بين عدم سماع جزء ، وبين عدم صدور ذلك الجزء من المؤذّن ؛ إذ العبرة لمن يريد الاكتفاء بأذان مؤذّن بسماعه لأذانه ، لا بصدور الأذان منه من حيث هو.

ويتوجّه على هذا الوجه وسابقه : أنّ الأذان الناقص فاسد في حدّ ذاته ، فلا يجوز الاكتفاء بسماعه ، إلّا إذا أتمّ ما نقّص منه المؤذّن ، وإلّا فليس سماعه بأكمل من نفسه المفروض كونه ناقصا ، وهذا بخلاف ما لو كان هو في حدّ ذاته تامّا ، فلا استبعاد حينئذ في أن يكون مجزئا لكلّ من سمعه ولو في الجملة ، فقياس سماع بعض الأذان الصحيح على نفس ذلك البعض الذي هو في حدّ ذاته ليس بأذان صحيح قياس مع الفارق ، فعمدة المستند لهذا القول هو الوجه الأوّل ، وهو

__________________

(١) تقدّم الخبر في ص ٣٧٠.

٣٧٣

الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقّن.

ويمكن الخدشة فيه أيضا : بأنّ مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام في خبر عمرو بن خالد : «يجزئكم أذان جاركم» (١) كفايته مطلقا ، غاية الأمر أنّه علم بقرينة مورده وغيره من الشواهد الخارجيّة أن ليس المقصود به كفاية مجرّد صدور الإقامة من الجار ، بل كفايته على تقدير سماعه ، والغالب المتعارف في السماع خصوصا في الإقامة التي ليس المتعارف فيها رفع الصوت إنّما هو سماعه في الجملة ، لا سماع جميع الفصول مفصّلا ، كما أنّ من المستبعد جدّا أن يكون أبو جعفر عليه‌السلام سمع جميع فصول الأذان والإقامة من جعفر عليه‌السلام عند مروره به ، كما في خبر (٢) أبي مريم ، فإنّ هذا لا يجتمع مع المرور بحسب العادة ، فالعادة تقضي بأنّه لم يسمعهما منه حال مروره إلّا في الجملة ، فمن هنا قد يترجّح في النظر قوّة القول الثاني ، ولكن الأقوى ما عرفت ؛ فإنّ إطلاق خبر عمرو غير مراد جزما ، بل المقصود به كفايته على تقدير السماع ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وما ادّعيناه من أنّ الغالب المتعارف في سماع إقامة الجار ليس إلّا سماعها في الجملة لو سلّم فليس بحيث يعيّن إرادته من الرواية.

وأمّا ما في خبر (٣) أبي مريم من سماع أبي جعفر عليه‌السلام أذان جعفر عليه‌السلام وإقامته فهو نقل قضيّة في واقعة.

واستبعاد سماع مجموعهما حال مروره به استبعاد بعيد ؛ إذ لا يبعد أن

__________________

(١) تقدّم الخبر في ص ٣٧٠.

(٢) تقدّم الخبر في ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٣) تقدّم الخبر في ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

٣٧٤

يكون مروره في تلك الواقعة مع التأنّي على خلاف المتعارف أو مع توقّف مّا في أثناء المرور بحيث لا ينافيه صدق المرور به أو إسراع جعفر عليه‌السلام في أذانه وإقامته مع رفع صوته بالأذان بحيث سمعه من بعيد قبل أن يقرب منه ثمّ سمع الإقامة إلى أن تباعد منه.

والحاصل : أنّه لا ينبغي الاعتناء بمثل هذه الاستبعادات في رفع اليد عن مقتضيات الأصول ، فمقتضى الأصل عدم سقوط التكليف بالأذان أو الإقامة بسماع بعضهما.

نعم ، لو سمع البعض وأتى بالباقي ، أمكن القول بكفايته بدعوى القطع بالمناط ، وأنّ الإتيان بالباقي قولا ليس بأدون من سماعه ، مع أنّ الملفّق من السماع والقول في مثل الفرض أولى بالصحّة ممّا دلّت على صحّته صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة (١) ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ ظاهر الأصحاب بل صريح غير واحد منهم : عدم الفرق ما بين الأذان الصلاة وأذان الإعلام في جواز الاكتفاء بسماعه للصلاة.

ولعلّه لفهم المناط ، أو استفادته من إطلاق قوله عليه‌السلام : «يجزئكم أذان جاركم» (٢) فإنّ وروده في أذان الصلاة لا يقتضي اختصاص المراد به ، فلا ينبغي الاستشكال فيه خصوصا بعد اعتضاده بما عرفت.

ولا يشترط في إجزاء السماع حكاية السامع ؛ لإطلاق النصّ والفتوى ، بل

__________________

(١) في ص ٣٧٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٧٠ ، الهامش (٢).

٣٧٥

ظهورهما في العدم.

فما عن الشهيد في النفليّة من اشتراطه (١) محلّ نظر.

تنبيه : لو أذّن الإمام وأقام لصلاته جماعة ، سقط التكليف بهما عن المأمومين وإن لم يسمعهما أحد منهم ، بل كان قبل حضورهم ، كما يشهد له خبر أبي مريم ، المتقدّم (٢) الدالّ على كفاية سماعه للأذان في الجماعة ؛ فإنّ أذانه بنفسه أولى من السماع بلا شبهة ، بل قد أشرنا آنفا إلى أنّه يفهم من قوله عليه‌السلام : «فأجزأني ذلك» جوابا لقولهم : صلّيت بنا بلا أذان ولا إقامة : تبعيّة صلاتهم لصلاته ، وأنّ العبرة بوقوع صلاته بأذان وإقامة ، فلا مدخليّة حينئذ لحضورهم أو سماعهم في ذلك.

ولا ينافي ذلك كون إرادة الجماعة حين الأذان أو سماعه معتبرة في سقوط التكليف بأذان الجماعة ، الذي هو أشدّ استحبابا من أذان المنفرد ، حيث إنّ طلبه آكد ، فيغاير الطلب المتعلّق بالأذان للمنفرد ، فيمكن بقاؤه مع حصول الأذان لا بهذا القصد ، فمن هنا يتطرّق الخدشة في الاستدلال بهذه الرواية لكفاية أذان المنفرد فيما لو بدا له بعد أن أذّن بنيّة الانفراد أن يصلّي جماعة ، كما تقدّمت الإشارة إليه في محلّه.

ولو أذّن أو أقام بعض المأمومين للجماعة ، أجزأ بلا شبهة ؛ لاستقرار السيرة عليه من صدر الشريعة فضلا عن شهادة النصوص والفتاوى بذلك.

__________________

(١) النفليّة : ١٠٨ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٩٥.

(٢) في ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

٣٧٦

وهل يعتبر في ذلك سماع الإمام كما يظهر من الجواهر (١) ، وربما يومى‌ء إليه بعض عبائر الحدائق (٢)؟ وجهان ، أقواهما : العدم ؛ لاستقرار السيرة على مغايرة المؤذّن والمقيم للإمام ، وعدم تقيّد الإمام كغيره من المأمومين بسماعه ، فربما يشتغل حالهما بالنافلة وغيرها من الأشغال الموجبة لغفلته عن الأذان ، بل قد يكون أطرش بل ربما يؤذّن المؤذّن قبل حضوره.

والحاصل : أنّ السيرة مستقرّة على الاكتفاء في الجماعة بأذان من يؤذّن لها من غير اشتراطه بحضور الإمام أو سماعه.

واحتمال كونها ناشئة من عدم المبالاة ، يدفعه : التدبّر في الآثار ؛ حيث يظهر منها أنّ الأمر كان كذلك من صدر الشريعة.

وكفاك شاهدا على ذلك ما رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن سالم أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتّى يجي‌ء إمامهم؟ قال : «لا ، بل يقومون على أرجلهم ، فإن جاء إمامهم ، وإلّا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدّم» (٣).

وخبر معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم ، ولا ينتظروا الإمام» قال : قلت : وإن كان الإمام هو المؤذّن؟ قال : «وإن كان فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم» (٤).

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ١٣٧.

(٢) راجع : الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٧ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٢ / ١٤٦ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٢.

٣٧٧

ويؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام في خبر السكوني : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس» (١) فإنّه مشعر بل ظاهر في أنّ بلالا كان يشتغل بالأذان والإقامة قبل مجي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على تقدير مجيئه قبل الفراغ من الإقامة كان يجلس حتى يفرغ.

إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيّدات ، فلا ينبغي الاستشكال فيه.

ثمّ إنّه لو قيل باعتبار سماع الإمام ، فينبغي أن يجعل ذلك من قبيل شرائط صحّة أذان المؤذّن وكفايته في الجماعة ، لا من باب الاجتزاء بسماع الإمام أذان مؤذّن ، فإنّ هذا خلاف ما هو المغروس في أذهان المتشرّعة ، بل خلاف ما يتبادر من الفتاوى والنصوص الدالّة على جواز مغايرة المؤذّن والمقيم للإمام ، كما لا يخفى.

ولو أذّن أو أقام للجماعة من لم يكن بنفسه عازما على الصلاة ، ففي الاجتزاء به أو بسماعه تردّد ؛ إذ لم تثبت شرعيّته ، والله العالم.

([ المسألة) ] التاسعة : من أحدث في أثناء الأذان والإقامة تطهّر) استحبابا بل وجوبا في الإقامة على قول (وبنى) ولو على القول باشتراط الطهارة فيها على الأشبه ؛ إذ لو سلّمنا شرطيّة الطهارة أخذا بما يتراءى من بعض أدلّتها ، فلا نسلّم مانعيّة الحدث الواقع في الأثناء عند عدم التشاغل بأجزائها.

(والأفضل أن يعيد الإقامة) كما يشهد له خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن المؤذّن يحدث في أذانه أو في إقامته ، قال : «إن كان الحدث في الأذان فلا بأس ، وإن كان في الإقامة فليتوضّأ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١١٨ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

٣٧٨

وليقم إقامة» (١).

ويؤيّده ما في خبر (٢) أبي هارون وغيره (٣) من أنّها من الصلاة.

([ المسألة ] العاشرة : من أحدث في) أثناء (الصلاة تطهّر وأعادها) كما تسمع البحث فيه في محلّه إن شاء الله.

(ولا يعيد الإقامة) فإنّ الحدث الواقع في أثناء الصلاة لا يوجب إلّا بطلان الصلاة ، فلا مقتضى لإعادة الإقامة (إلّا أن يتكلّم) فيستحبّ حينئذ اعادتها ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تتكلّم إذا أقمت [ الصلاة ] فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (٤).

([ المسألة ] الحادية عشر : من صلّى خلف إمام لا يقتدى به أذّن لنفسه وأقام) كما يدلّ عليه خبر محمّد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أذّن خلف من قرأت خلفه» (٥).

هذا ، مع أنّ قضيّة كون الاقتداء صوريّا أن يجتزى‌ء إلى ما هو وظيفته من الأذان والإقامة والقراءة وغيرها مهما أمكن.

(وإن خشي فوات الصلاة) إن أذّن وأقام (اقتصر على تكبيرتين وعلى قوله : قد قامت الصلاة) مقدّما له على التكبيرتين ، مضيفا إليهما التهليلة ، كما يدلّ عليه خبر معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخل الرجل

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٣).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٧ ، الهامش (٤).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٦ ، الهامش (٢).

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٣٢٨ ، الهامش (١) وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩٢ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

٣٧٩

المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع الإمام فليقل : قد قامت الصلاة [ قد قامت الصلاة ] الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، وليدخل في الصلاة» (١) بل ظاهره ذلك إذا خاف فوات الركعة فضلا عن الصلاة ، ولعلّه المراد من خوف فوات الصلاة في المتن وغيره.

وفي المدارك ـ بعد أن استدلّ للحكم المذكور بالخبر المزبور ـ قال : وينبغي العمل على صورة الرواية ، وعبارات الأصحاب قاصرة عن إفادة ما تضمّنته فصولا وترتيبا مع أنّها ضعيفة السند ، ومقتضاها تقديم الذكر المستحبّ على القراءة الواجبة ، وهو مشكل جدّا (٢). انتهى.

وأجيب (٣) عنه : بانجبار الضعف بالعمل ، وبأنّ الاستشكال في تقديم الذكر المستحبّ على القراءة الواجبة من قبيل الاجتهاد في مقابلة النصّ ، مع أنّ القراءة إنّما تجب بعد دخوله في الصلاة على تقدير التمكّن من فعلها ، فله قبل افتتاح الصلاة أن يشتغل بالمباحات فضلا عن الذكر المستحبّ ، ثمّ يراعي عند دخوله في الصلاة ما يقتضيه تكليفه من القراءة وعدمها.

نعم ، ينبغي العمل على صورة الرواية ، وعبارة المتن ونحوه قاصرة عن إفادته ، بل موهمة لخلافه.

ثمّ إنّ النّسخ التي عثرت عليها مختلفة في نقل الرواية ، ففي الوسائل الموجودة عندي : «قد قامت الصلاة» بلا تكرّر ، وفي سائر النّسخ مكرّرا ، والظاهر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١١٦ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٣) المجيب هو صاحب الجواهر فيها ٩ : ١٤٤.

٣٨٠