مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

بحاله ، فافهم (١). انتهى.

أقول : وفي ما قوّاه نظر ؛ فإنّ شمول معاقد الإجماعات المحكيّة ـ على تقدير حجّيّتها ـ للأقوال التي اعتبرها الشارع جزءا وجوبيّا أو استحبابيّا من الصلاة عند عروض وصف الحرمة لها غير معلوم ، بل المتبادر منها إرادة سائر الأقوال المحرّمة.

وأمّا عمومات إبطال الكلام لو سلّمنا شمولها للقراءة والذكر والدعاء وعدم انصرافها إلى كلام الآدميّين ، فهي غير شاملة للأقوال المعتبرة في الصلاة بلا شبهة ؛ ضرورة أنّ قراءة الفاتحة والسورة وسائر الأذكار والأدعية الواجبة أو المسنونة في الصلاة غير مرادة بالكلام المبطل ، وإيقاعها لا بقصد القربة أو بقصد الرياء لا يجعلها من مصاديق العامّ ، بل هو من أحوال الفرد المأمور بإيقاعه في الصلاة ، الذي يقصر عن أن يعمّه العموم ، كما هو واضح.

وأمّا الأخبار الدالّة على أنّ «كلّ ما ناجيت به ربّك فهو من الصلاة» فهي مسوقة لبيان أنّ مطلق المناجاة والذكر الغير المعتبر في الصلاة متى وقع في الصلاة يقع جزءا منها ، ولا يعدّ كلاما أجنبيّا مبطلا ، لا أنّ أجزاءها إذا لم تقع بقصد الذكر والمناجاة تندرج في الكلام المبطل.

وبعبارة أخرى : المقصود بها تنزيل الكلام الخارجي الذي قصد به المناجاة منزلة أجزائها ، لا تنزيل أجزائها التي لم يقصد بها المناجاة منزلة الكلام المبطل ، كما لا يخفى.

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٤٢١

تنبيه : قال في الجواهر : ينبغي أن تعرف أنّ هذه المسألة غير مسألة الضميمة ،ولذا لم يشر أحد من معتمدي الأصحاب إلى اتّحاد البحث فيهما ، بل من حكم هناك بالصحّة مع الضمّ التبعي أو كان كلّ منهما علّة مستقلّة أطلق البطلان في المقام ، كما أنّهم لم يفرّقوا هنا بين الضميمة الراجحة وغيرها. والظاهر أنّ وجهه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما ؛ فإنّ موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات [ متعدّدة ] (١) وأراد المكلّف ضمّها بنيّة واحدة ، فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الإخلاص ، والصحّة مع العدم ؛ لتبعيّة الضمّ ، أو لرجحان الضميمة ، أو غير ذلك ، وموضوع ما نحن فيه قصد المكلّف كون الفعل الواحد المشخّص مصداقا لكلّيّين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا أو شرعا ، فلو نواه حينئذ لكلّ منهما ، لم يقع لشي‌ء منهما شرعا ، كما في كلّ فعل كذلك ؛ لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا وشرعا ، فلو نوى بالركعتين الفرض والنفل ، لم يقع لأحدهما (٢). انتهى.

أقول : لا يخفى عليك أنّ موضوع ما نحن فيه هو قصد الرياء أو غير الصلاة بشي‌ء من أفعال الصلاة ، والمراد به ـ كما تقدّمت الإشارة إليه ويظهر من كلماتهم ـ أنّه لو ضمّ حال إتيانه بشي‌ء منها إلى قصد جزئيّته للصلاة المتقرّب بها المنحلّ إلى قصد امتثال أمره الغيري قصد حصول عنوان آخر أعمّ من أن يكون ذلك العنوان ترتّبه على هذا الفعل على سبيل الغائيّة كحفظ متاعه الحاصل بالنظر إليه حال قيامه الذي قصد جزئيّته للصلاة ، أو يكون متّحدا معه في الوجود ، كما لو قصد بقيامه

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) جواهر الكلام ٩ : ١٩٣ ـ ١٩٤.

٤٢٢

للقراءة تمدّد أعصابه مثلا ، أو بجلوسه للتشهّد إحداث ثقل على ما جلس عليه ، أو التصرّف فيه ، أو استمساكه ومنعه عن النهب ، وبركوعه وضع شي‌ء على الأرض أو أخذه منها ، إلى غير ذلك من الماهيّات المتخالفة التي لا تحصى ، المتصادقة على أفعال الصلاة ، والموضوع في مسألة الضميمة أيضا على ما عرفت في باب الوضوء ليس إلّا ذلك ، فهما من واد واحد.

ولا يهمّنا الإطالة في توجيه تفصيل بعضهم بين القصد التبعي وغيره هناك ، وإطلاقه هاهنا بعد وضوح مناط الحكم ، وعدم اشتراط أفعال الصلاة إلّا بحصول مسمّاها بداعي أمرها مع الإخلاص ، كما هو الشأن في سائر العبادات ، فقصد الغير إذا كان منافيا للقربة أو الإخلاص يكون مخلّا في الجميع ، وإلّا فلا يخلّ في أجزاء الصلاة أيضا.

فما ذكره قدس‌سره من أنّ موضوع ما نحن فيه قصد المكلّف كون الفعل المشخّص مصداقا لكلّيّين ، إلى آخره ، مع مخالفته لظاهر كلماتهم ممّا لا يكاد يرجع إلى محصّل ؛ ضرورة أنّه لم يقصد بالفعل المشخّص أمرا أجنبيّا عن أفعال الصلاة ممّا لا يندرج تحت مسمّياتها ؛ إذ لا يعقل تنزيل كلمات الأصحاب على إرادة ذلك ، وإنّما غرضه من الفعل المشخّص ما كان بالذات من نوع تلك الأفعال بأن أتى بشي‌ء منها قاصدا وقوعه جزءا لصلاته وحصول عنوان آخر به ، فزعم أنّه لا يحصل في الفرض شي‌ء ممّا قصده ؛ لزعمه أنّ الفعل الواحد يمتنع أن يتحقّق به فعلان ، كما ادّعاه في مبحث تداخل الأغسال (١) ، وقد تقدّم (٢) في محلّه ضعفه

__________________

(١) جواهر الكلام ٢ : ١٢٩.

(٢) في ج ٢ ، ص ٢٧٣.

٤٢٣

بما لا مزيد عليه.

فحينئذ نقول : إنّ عدم وقوعه جزءا من صلاته مسلّم ، ولكن منشؤه اعتبار الإخلاص المنافي لقصد الغير ، كما في مسألة الضميمة ، وإلّا لكان صيرورته جزءا كحصول سائر المفاهيم المتحقّقة به ـ سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة له ـ أمرا قهريّا ، كما هو واضح ، ولا معنى للتمسّك بأصالة عدم التداخل في مثل المقام.

نعم ، لو نوى بالفرد ـ الذي تتحقّق به عناوين متكثّرة ـ امتثال أوامر متعدّدة متعلّقة بتلك العناوين ، قد يقال بأنّه لا يقع امتثالا لشي‌ء منها ؛ لأصالة عدم التداخل ، وتخصيص أحدها به ترجيح بلا مرجّح.

ولكنّك عرفت في باب الوضوء عند شرح أقسام التداخل وأحكامها ضعف هذا القول ، وأنّ مقتضى الأصل في مثل الفرض التداخل ، فراجع (١).

(ولا يجوز نقل النيّة) من صلاة إلى صلاة أخرى ، فلو عدل بنيّته عن صلاة إلى أخرى ، لا يصحّ شي‌ء منهما.

أمّا التي نواها أوّلا : فلا شتراطها باستدامة قصدها إلى آخر الفعل حقيقة أو حكما ، وهو ينافي العدول وقصد الغير ، كما عرفته فيما سبق.

وأمّا المعدول إليها : فلأنّها لم تكن مقصودة في الابتداء ، ولا أثر للنقل في انقلاب ما وقع من الأجزاء لا بهذا القصد عمّا وقع عليه ، ووقوعه امتثالا للأمر الذي لم يقصد إطاعته في الابتداء (إلّا في موارد) مخصوصة ؛ لأدلّة تعبّديّة دالّة عليها (كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ

__________________

(١) ج ٢ ، ص ٢٥٤ وما بعدها.

٤٢٤

غيرها) ونقل المنفرد الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة ، كما يأتي تفصيلهما وتحقيقهما في محلّه إن شاء الله (ونقل الفريضة الحاضرة إلى حاضرة سابقة عليها مع سعة الوقت) أو فائتة كذلك ، أو الفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة ، كما تقدّم الكلام فيه مفصّلا في المواقيت ، ونقل مفردة الوتر إلى غيرها في بعض الفروض ، الذي عرفته في محلّه ، ونقل صلاة الاحتياط لدى ظهور الاستغناء عنها إلى النافلة.

وأمّا الصبي المتطوّع الآتي بوظيفة الوقت إذا بلغ في الأثناء وقلنا بأنّه يتمّها بنيّة الفرض فهو ليس من هذا الباب ، بل لا عدول فيه في الحقيقة ، كما حقّقناه في محلّه.

وكذا العدول من الجماعة إلى الفرادى أو عكسه لو جوّزناه ، وكذا من القصر إلى التمام (١) أو عكسه ، كما يظهر وجههما بالتدبّر فيما أسلفناه في صدر المبحث.

وضابطه : أنّ كلّ خصوصيّة من الخصوصيّات التي أشرنا إليها في صدر المبحث ممّا يعتبر قصده في صحّة الصلاة عند الأخذ فيها تجب استدامة نيّتها إلى آخر العمل ، ولا يجوز العدول عنها إلّا أن يدلّ عليه دليل تعبّدي ، كما في الموارد التي تقدّمت الإشارة إليها ، دون سائر الخصوصيّات التي ليس قصدها من مقوّمات الفعل ، وقد عرفت فيما سبق أنّ الجماعة والفرادى وكذا القصر والإتمام من القسم الثاني ، لا الأوّل ، والله العالم.

__________________

(١) في «ض ١٣» : «الإتمام».

٤٢٥
٤٢٦

(الثاني) من أفعال الصلاة : (تكبيرة الإحرام) التي يفتتح بها الصلاة ، ولذا سمّيت بالافتتاح أيضا ، كما أنّها سمّيت بتكبيرة الإحرام ؛ لكونها ـ كالتلبية بالإحرام في الحجّ ـ سببا لحرمة ما كان محلّلا قبلها من الأكل والشرب وغيرهما من منافيات الصلاة ، ولا تتحقّق الحرمة إلّا بعد إكمالها ؛ لأنّ المسبّب لا يتحقّق إلّا بعد تمام سببه ، وأمّا الدخول في الصلاة فيحصل بمجرّد الشروع فيها ؛ فإنّها من الصلاة نصّا وإجماعا ـ عدا ما حكي عن شاذّ من المخالفين من القول بخروجها من الصلاة (١) ـ وقضيّة ذلك تحقّق الدخول في الصلاة بمجرّد الشروع فيها ؛ فإنّ الدخول في الصلاة عبارة عن التلبّس بها الحاصل بمجرّد الاشتغال بأوّل جزء منها من غير توقّف على إتمامه ، فلا حاجة لنا إلى ادّعاء أنّ جزء الجزء جزء ، ولكن حرمة المنافيات لا تتحقّق إلّا بعد إتمام التكبيرة التي جعلها الشارع تحريمها ، ولا منافاة بينهما.

وما عن السيّد في عبارته الآتية (٢) ـ من دعوى الإجماع على أنّه ما لم يتمّ التكبير لا يدخل في الصلاة ـ محمول على الدخول الذي يحرم معه فعل المنافي ، وإلّا فينافيه فرض الجزئيّة التي لا خلاف فيها بيننا ، كما عرفت.

ولكن قد يشكل ذلك بإطلاق ما دلّ على حرمة المنافيات في الصلاة.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٩٠.

(٢) في ص ٤٢٨.

٤٢٧

وقد تفصّى شيخنا المرتضى رحمه‌الله عن ذلك : بجعل الفراغ من التكبير كاشفا عن الدخول في الصلاة من أوّله (١) ، تبعا لما حكي عن السيّد في الناصريّات حيث قال في بعض كلام له ما لفظه :

لا يقال : الإجماع على أنّه ما لم يتمّ التكبير لا يدخل في الصلاة ، فيكون ابتداؤه وقع خارج الصلاة ، فكيف يصير بعد ذلك منها!؟

لأنّا نقول : إذا فرغ من التكبير تبيّن أنّ جميع التكبير من الصلاة (٢). انتهى.

وقال شيخنا المرتضى ـ بعد نقل العبارة المحكيّة عن السيّد ، ودفع بعض الخدشات الموردة عليه ـ ما لفظه : ثمّ الظاهر أنّ وجه الحكم بالكشف المذكور هو الجمع بين المقدّمات الثلاث ، أعني حصول التحريم بمجموع التكبير ، وتحريم المنافيات في الصلاة ، وكون جزء الجزء جزءا. فما في المدارك من أنّ الحكم بالكشف تكلّف مستغنى عنه وأنّ الحقّ تحقّق الدخول بمجرّد الشروع في التكبير ، فإنّ توقّف تحريم المنافيات على انتهاء التكبير حكم آخر (٣) ، محلّ نظر ؛ لأنّ الجمع بما ذكروه أولى من تخصيص أدلّة تحريم المنافي في الصلاة بما بعد التكبير (٤). انتهى.

أقول : لقائل أن يقول : إنّ أدلّة تحريم الكلام ونحوه من المنافيات كما لا تعمّ الكلام الواقع في أثناء التكبير بناء على التوجيه المذكور ، فكذلك الأخبار

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٢٨٣.

(٢) مسائل الناصريّات : ٢١١ ، المسألة ٨٢ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٤١٧.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٣١٣.

(٤) كتاب الصلاة ١ : ٢٨٥.

٤٢٨

الناهية عن الكلام في الصلاة ـ المسوقة لبيان الحكم الوضعي ـ قاصرة الشمول عن ذلك ؛ فإنّه يلزم من فرض شمولها له عدم فرديّته للعامّ ، وكلّ فرد يكون كذلك يمتنع أن يعمّه حكم العامّ ، مع أنّها تعمّه بلا شبهة ، وإلّا لم يكن الكلام الغير المفوّت للموالاة في أثناء التكبير منافيا للصلاة ، كما أنّه ليس بمحرّم.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ استفادة منافاته للصلاة من تلك الأخبار إنّما هي بالفحوى وأولويّة الدفع من الرفع ، لا بالدلالة اللفظيّة ، كما أنّه لو دلّ دليل على قاطعيّة القهقهة للصلاة وحرمتها فهو لا يعمّ بمدلوله اللفظي القهقهة المقارنة لأوّل الصلاة عند الشروع فيها ، فلا يعمّها الحرمة ، ولكن يفهم مانعيّتها عن انعقاد الصلاة بتنقيح المناط والأولويّة المزبورة.

وكيف كان فالصواب في الجواب عن الإشكال ـ بعد تسليم عموم أو إطلاق لأدلّة تحريم المنافيات ، والغضّ عن أنّ جلّ مطلقاتها ـ إن لم يكن كلّها ـ مسوقة لبيان الحكم الوضعي الثابت حال التكبير أيضا ـ هو أنّ ظهور قوله عليه‌السلام :«تحريمها التكبير» (١) في سببيّة التكبير للحرمة المقتضية لعدم مسبّبه إلّا بعد تمام سببه حاكم على إطلاقات أدلّة تحريم المنافيات ، فإنّه بمدلوله اللفظي متعرّض لحالها ومقيّد لإطلاقها ، فلا منافاة.

(وهي ركن) بمعنى أنّ تركها عمدا وسهوا مخلّ كالنيّة.

وفي كون زيادتها أيضا كذلك ـ كما ربما يفسّر به الركن ـ تأمّل إن لم يكن إجماعيّا ، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١٠.

٤٢٩

فالقدر المسلّم من كونه ركنا إنّما هو بالمعنى المزبور (و) هو : أنّه (لا تصحّ الصلاة من دونها ولو أخلّ بها نسيانا) وهذا ممّا لا خلاف فيه على الظاهر ، بل ادّعى غير واحد (١) عليه الإجماع.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ جملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : «يعيد» (٢).

ورواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزئه تكبيرة الركوع؟ قال : «لا ، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنّه لم يكبّر» (٣).

وموثّقة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أقام الصلاة فنسي (٤) أن يكبّر حين (٥) افتتح الصلاة ، قال : «يعيد الصلاة» (٦).

وخبر محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى ٣ : ٢٥٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٣٥ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣١٩ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٤١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ (باب السهو في افتتاح الصلاة) ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ / ١٣٢٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٧ (باب السهو في افتتاح الصلاة) ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ / ١٣٣٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ونسي». والمثبت كما في المصدر.

(٥) في المصدر : «حتى» بدل «حين».

(٦) التهذيب ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٣ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ / ١٣٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٣.

٤٣٠

أوّل صلاته ، فقال : «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن!؟» (١).

وحسنة ذريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل ينسى أن يكبّر حتى قرأ ، قال : «يكبّر» (٢).

وصحيحة عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع ، قال : «يعيد الصلاة» (٣).

وموثّقة عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : «يعيد الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح» (٤).

وربما يظهر من بعض الروايات ما ينافي هذه الأخبار.

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتى دخل في الصلاة ، فقال : «أليس كان من نيّته أن يكبّر؟» قلت : نعم ، قال :«فليمض في صلاته» (٥).

وهذه الصحيحة وإن كانت أخصّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة ولكن لا يمكن ارتكاب التخصيص في تلك الأخبار بمثل هذه الصحيحة ؛ لا ستلزامه

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ / ١٣٢٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ / ١٣٢٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ / ٣٥٢ / ١٣٢٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ / ١٤٦٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ / ١٣٣٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٩.

٤٣١

تنزيل تلك الأخبار المستفيضة على فرض نادر التحقّق ، فالأولى حمل الصحيحة على التقيّة حيث حكي القول بمضمونها ـ أى الاكتفاء بالنيّة ـ عن بعض العامّة (١).

ويحتمل قويّا أن يكون الأمر بالمضيّ ـ مع سبق النيّة التي هي أمارة الفعل ـ لعدم حصول الجزم بالترك في مثل الفرض ، أو كونه جزما في غير محلّه ؛ حيث إنّ نسيان التكبيرة ـ التي هي افتتاح الصلاة ـ كاد أن يكون ممتنعا في العادة بالنسبة إلى المنفرد المستقلّ بصلاته ، كما أشار إليه الصادق عليه‌السلام في مرسلة الصدوق حيث قال عليه‌السلام : «[ الإنسان ] لا ينسى تكبيرة الافتتاح» (٢).

وعلى تقدير تحقّقه فلا يكاد يحصل الجزم به بعد دخوله في الصلاة ، خصوصا مع تذكّره لنيّته السابقة المقتضية لجريها على لسانه بحسب العادة من غير التفات تفصيلي.

وفي قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار المتقدّمة (٣) : «ولكن كيف يستيقن!؟» إشارة إلى ذلك.

والحاصل : أنّه لا يبعد حمل الرواية على الشاكّ ، دون من حصل له العلم بالترك ، كما أنّه لا يبعد ارتكاب هذا التوجيه أيضا في بعض الأخبار الآتية ، فقوله عليه‌السلام : «أليس كان من نيّته» إلى آخره ، للتنبيه على بعض الأمارات المورثة لإزالة الوسوسة التي يجدها الشاكّ ، والله العالم.

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ٢٩٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في ص ٤٣٠ ـ ٤٣١.

٤٣٢

وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال :قلت له : رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتى كبّر للركوع ، فقال : «أجزأه» (١).

وخبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قام في الصلاة ونسي أن يكبّر فبدأ بالقراءة ، قال : «إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبّر ، وإن ركع فليمض في صلاته» (٢).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ، فقال : «إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبيرة قبل القراءة أو بعد القراءة» قلت : فإن ذكرها بعد [ الصلاة ] (٣)؟ قال : «فليقضها ، ولا شي‌ء عليه» (٤).

وعن الشيخ أنّه أجاب عن هذه الأخبار.

أمّا عمّا عدا الأخيرة : فبالحمل على من لا يتيقّن الترك.

ولا بأس به في مقام التوجيه ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

فما في خبر (٥) أبي بصير ـ من الأمر بالتكبير إن ذكرها وهو قائم ـ يحمل

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٦ / ١٠٠٠ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ / ١٣٣٤ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٥ / ٥٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ / ١٣٣٢ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ما صلّى». والمثبت كما في المصدر ويأتي أيضا في ص ٤٦٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ / ١٠٠١ ، التهذيب ٢ : ١٤٥ / ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ / ١٣٣١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٨.

(٥) تقدّم الخبر آنفا

٤٣٣

على الاستحباب ، إلّا أنّ ضعف الخبر وتشابهه مانع عن إثباته.

وأمّا عن الأخيرة : فبأنّ قوله عليه‌السلام : «فليقضها» يعني الصلاة (١) ، فكأنّه رحمه‌الله حمل قوله عليه‌السلام : «كبّرها في قيامه في موضع التكبيرة» إلى آخره ، على إرادة استئناف الصلاة والإتيان بالتكبيرة قائما في موضعها.

وكيف كان فهذا التوجيه لا يخلو عن بعد.

وأبعد منه ما في الوسائل وغيره من حمله على غير تكبيرة الافتتاح ، والقضاء على الاستحباب (٢).

وقد حمل صاحب الحدائق (٣) جميع هذه الأخبار على التقيّة بناء على ما أصّله في مقدمات كتابه من أنّه لا يشترط في ذلك موافقة العامّة (٤) ، مع أنّه حكي عن بعضهم (٥) بعض الأقوال الموافقة لبعض هذه الروايات.

فهذا الحمل أيضا لا يخلو عن وجه وإن كان الأوجه ردّ علمها إلى أهله بعد وضوح عدم صلاحيّتها ـ بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرها ـ لمعارضة الروايات المتقدّمة المعتضدة بعمل الطائفة ، الموافقة للأصول والقواعد.

وأجاب كاشف اللثام عن صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٤ ، ذيل ح ٥٦٦ ، و ١٤٥ ، ذيل ٥٦٧ ، وذيل ح ٥٦٨ ، وحكاه عنه العاملي في الوسائل ، الباب ٣ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ذيل ح ٢ ، والباب ٢ من تلك الأبواب ، ذيل ح ٨ و ١٠.

(٢) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ذيل ح ٨ ، جواهر الكلام ٩ : ٢٠٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٠.

(٤) الحدائق الناضرة ١ : ٥ وما بعدها.

(٥) راجع الهامش (١) من ص ٤٣٢.

٤٣٤

ـ المتقدّمة (١) ـ بأنّه يحتمل احتمالا ظاهرا أنّه ـ أي الرجل الذي نسي تكبيرة الافتتاح حتى كبّر للركوع ـ إذا كان متذكّرا لفعل الصلاة عنده أجزأه ـ يعني تكبير الركوع عن تكبيرة الافتتاح ـ فليقرأ بعده إن لم يكن مأموما ثمّ ليكبّر مرّة أخرى للركوع وليركع ؛ إذ ليس عليه أن ينوي بالتكبير أنّه تكبيرة الافتتاح كما في التذكرة والذكرى ونهاية الإحكام (٢) ؛ للأصل (٣) انتهى.

وفيه : أنّه ـ مع بعده في حدّ ذاته ـ في غاية الإشكال ؛ إذ الظاهر أنّ التكبيرات الواردة في الصلاة من قبيل التكاليف المسبّبة عن الأسباب المختلفة التي يعتبر تعيينها بالقصد في مقام الإطاعة ولو على سبيل الإجمال الذي لا ينافيه الالتزام بكفاية الداعي أو الاستدامة الحكميّة الحاصلة عند فعل الصلاة ولا أقلّ من الاحتمال خصوصا في تكبيرة الافتتاح ، التي هي بحسب الظاهر ـ على ما هو المغروس في أذهان المتشرّعة ، كما هو ظاهر الفتاوى ـ مغايرتها بالنوع لسائر التكبيرات ، وقد عرفت ـ فيما سبق ـ أنّ مقتضى القاعدة في مثل الفرض وجوب قصد التعيين المقتضي لعدم جواز نقل النيّة من بعضها إلى بعض ، لا البراءة ، فالأظهر عدم كفاية التكبير المأتيّ به للركوع أو لغيره عمّا عداه مطلقا فضلا عن تكبيرة الافتتاح المباينة لما عداها في الآثار ، والله العالم.

(وصورتها أن يقول : الله أكبر) عند علمائنا ، كما عن المعتبر والمنتهى (٤) ؛ فإنّه هو المتعارف من التكبير المنقول من صاحب الشرع وأتباعه.

__________________

(١) في ص ٤٣٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ١١٤ ، الفرع «ه» من المسألة ٢١٠ ، الذكرى ٣ : ٢٥٧ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٥٤.

(٣) كشف اللثام ٣ : ٤١٧.

(٤) المعتبر ٢ : ١٥٢ ، منتهى المطلب ٥ : ٢٨ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٣٧.

٤٣٥

فعن الصدوق مرسلا قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتمّ الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : «الله أكبر ، بسم الله الرحمن الرحيم» (١) فتجب متابعته في ذلك إلّا أن يدلّ دليل على عدم وجوبه عينا ، لا لعمومات التأسّي ؛ إذ لا يتعيّن بها وجه الفعل ، بل لخصوص قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (٢) ولا يتطرّق الخدشة في الاستدلال به في مثل هذه الأفعال المعلوم عدم جريها مجرى العادة ، وكونها من أفعال الصلاة ، وإلّا لم يمكن التمسّك به في شي‌ء من موارده.

نعم ، لا يصلح مثل هذا الدليل مقيّدا لإطلاق الأمر بالتكبير لو قلنا بظهوره في الأعمّ ، كما لا يخفى وجهه على المتأمّل ، ولكنّ المطلقات الواردة في التكبير غير مسوقة لبيان الإطلاق من هذه الجهة ، بل هي واردة مورد حكم آخر ، كما لا يخفى على من تأمّل فيها.

هذا ، مع أنّ إطلاق التكبير في كلمات الشارع والمتشرّعة ينصرف إلى المتعارف المعهود.

ويؤيّده أيضا ما عن المنتهى والغنية وغيرهما من الإجماع على «أنّ الله تعالى لا يقبل صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثمّ يستقبل القبلة ويقول : الله أكبر» (٣).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٠ / ٩٢١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ١١.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ / ١ و ٢ ، و ٣٤٦ / ١٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدارمى ١ : ٢٨٦.

(٣) كذا قوله : «من الإجماع على أنّ الله تعالى .. الله أكبر» في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، حيث إنّ النصّ المزبور رواية نبويّة ، وليس الإجماع على لفظ الرواية ، والأولى في العبارة ـ وفقا لما في كتاب الصلاة ـ للشيخ الأنصاري ـ ١ : ٢٨٦ ـ هكذا : ويؤيّده أيضا النبويّ ـ المنجبر بما عن المنتهى والغنية وغيرهما من الإجماع ـ : «إنّ الله تعالى لا يقبل ..» إلى آخره. وراجع : منتهى المطلب ٥ : ٢٨ ، والغنية : ٧٧ ، والمعتبر ٢ : ١٥٢. وأورد النبويّ ابن قدامة في المغني ١ : ٥٤٠ ، ونحوه في سنن أبي داود ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ / ٨٥٧ و ٨٥٨.

٤٣٦

وربما يستدلّ له أيضا بتوقيفيّة العبادة ، ولم يثبت جوازها بغير هذه الصورة.

وفيه نظر يظهر وجهه ممّا حقّقناه في الأصول ، وأشرنا إليه مرارا في مطاوي كلماتنا السابقة من أنّ المرجع لدى الشكّ في شرطيّة شي‌ء للعبادة أو جزئيّته هي البراءة ، لا الاشتغال ، وإن كان قد يتأمّل فيه في مثل المقام الذي يدور الأمر فيه بين التعيين والتخيير ، فليتأمّل.

(و) كيف كان فلا مجال للارتياب ـ بعد وضوح معروفيّة هذه الصورة بالخصوص في تكبيرة الإحرام بل وكذا في سائر التكبيرات بحيث كاد أن يكون انحصارها فيها من الضروريّات ، واستفاضة نقل الإجماع عليه ـ في أنّه (لا تنعقد) الصلاة (بمعناها) سواء أدّى بلغة عربيّة غيرها وإن رادفتها ، أو فارسيّة أو غيرهما.

(ولو أخلّ بحرف منها ، لم تنعقد صلاته) إذا كان لحنا بلا شبهة.

وأمّا نحو همزة الوصل في لفظ الجلالة عند الوصل بلفظ النيّة مثلا ، أو بالأدعية الموظّفة أو بالتكبيرات المندوبة أو نحو ذلك فكذلك على ما صرّح به غير واحد (١) ، بل عن بعض (٢) نفي الخلاف فيه ، فيجب الوقف على الكلام السابق

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى ٣ : ٢٥٦ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٣٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٨٧ ، والمقاصد العليّة : ٢٤٢ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٤١٨.

(٢) الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٢٦ ، مفتاح ١٤٦ ، والحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٠٦.

٤٣٧

مقدّمة للافتتاح بالتكبير على النحو المعهود في الشريعة ، أي بإثبات الهمزة على وجه لا يخالف قانون اللغة ، كما صرّح به في المدارك ، حيث قال ـ بعد أن ادّعى أنّ المنقول من صاحب الشرع قطعها ؛ حيث إنّها في ابتداء الكلام ، فإنّ النيّة أمر قلبيّ ـ ما لفظه : ومن هنا ينقدح تحريم التلفّظ بها ـ أي بالنيّة ـ مع الدرج ؛ لا ستلزامه إمّا مخالفة أهل اللغة أو مخالفة الشارع (١).

ولكن قد يقال بجواز ترك الوقف على الكلام السابق ، وهو لا ينافي وجوب قطع الهمزة ؛ لأنّ التلفّظ بها كلام لغو معترض لا يعدّ معه الكلمة المتأخّرة وسطا حتى تسقط همزتها (٢).

قال الشهيد ـ على ما حكي عنه ـ : إنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع إنّما كان بقطع الهمزة ، ولا يلزم من كونها همزة وصل سقوطها ؛ إذ سقوط همزة الوصل من خواصّ الدرج بكلام متّصل ، ولا كلام قبل تكبيرة الإحرام ، فلو تكلّفه فقد تكلّف ما لا يحتاج إليه ـ يعني ما ليس من أجزاء عمله ـ فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا (٣). انتهى.

أقول : قد تقدّم (٤) توجيه هذا الكلام في مبحث الإقامة عند التكلّم في جواز قطع الهمزة مع الدرج ، ولكن غاية ما أمكننا ادّعاؤه إنّما هو جواز إثبات الهمزة في مثل المقام ، وعدم كونه لحنا ، لا عدم جواز إسقاطها ، فلا شبهة أنّ إسقاطها مع

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٢) قاله الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٢٨٧.

(٣) الذكرى ٣ : ٢٥٦ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٤١٨.

(٤) في ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

٤٣٨

الدرج ولو بكلام لغو مهمل لا يجعله لحنا ، فالشأن في المقام إنّما هو في إثبات وجوب قطع الهمزة من لفظ الجلالة ، وعدم كفاية الإتيان به على الوجه الصحيح المعتبر عند أهل اللسان ، ومن الواضح أنّ الأدلّة المزبورة قاصرة عن إثبات ذلك ، ولذا لم يدّع أحد وجوب الوقف أو الوصل في سائر المواضع من القراءة أو الأذكار لأجل التأسّي وتوقيفيّة العبادة ، ومن هنا ذهب بعض متأخّري الأصحاب ـ على ما حكي عنه ـ إلى القول بإسقاط الهمزة إذا اقترن بلفظ النيّة (١).

ولكنّه ـ مع مخالفته لظاهر فتاوى الأصحاب أو صريحها ـ لا يخلو عن إشكال ؛ فإنّه يعتبر في الصلاة نصّا وفتوى أن يبتدأ فيها بالتكبير ويفتتح به ، والدرج الموجب لإسقاط الهمزة ينافي جعله ابتداء لعمله الخارجي الذي نوى به الصلاة ، وتأثير مجرّد القصد إلى حصول الابتداء به ـ مع مخالفته لصورته الخارجيّة ـ لا يخلو عن تأمّل بل منع ، فالظاهر أنّ جعله وسطا ـ كما هو معنى الدرج المؤثّر في إسقاط الهمزة ـ ينافي صدق الافتتاحيّة المعتبرة في تكبيرة الإحرام ، والله العالم.

وقد ظهر بما أشرنا إليه ـ من أنّ غاية ما يمكن إثباته بالأدلّة المزبورة إنّما هو وجوب الإتيان بالصورة المذكورة على الوجه الصحيح المعتبر عند أهل اللسان بحيث لا يعدّ لحنا ، ويصدق عليها عنوان الافتتاح بالتكبير ـ أنّ المتّجه عدم وجوب الوقف على آخر التكبير ، وجواز إعرابه بلا وقف ، كما قوّاه في الجواهر (٢) ؛ للأصل.

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ٢ : ٢٣٦ ، وكشف اللثام ٣ : ٤١٨.

(٢) جواهر الكلام ٩ : ٢٠٨.

٤٣٩

نعم ، لا يبعد الالتزام باستحباب ترك الإعراب ، كما حكي القول به عن المفاتيح (١) ؛ لحديث : «التكبير جزم» المتقدّم (٢) في مبحث الأذان والإقامة ، مع أنّه أحوط ولكن مع الوقف ، وأمّا مع الوصل فالأحوط هو الإعراب ؛ فإنّ الوصل بالسكون لو لم نقل بكونه لحنا ـ كما هو المشهور ـ فلا أقلّ من مخالفته للاحتياط.

والخبر المزبور لا يصلح لإثباته بعد فرض مخالفته للقانون العربي وكونه لحنا ، لا لمجرّد ضعف سند الخبر واحتمال كونه عاميّا ، أو قصور دلالته ؛ لقوّة احتمال وروده في خصوص الأذان والإقامة ، بل لوجوب تنزيل إطلاقه على إرادة الجزم الجاري على حسب المتعارف في المحاورات ، لا ما يخرجه عن العربيّة ويجعله لحنا ، كما لا يخفى.

تنبيه : حكي عن الإسكافي القول بكراهة تعريف [ أكبر ] (٣) ) كالمحكيّ عن الشافعيّ (٥).

ولعلّه أراد بها الحرمة ، وإلّا فهو ضعيف ؛ لأنّ التعريف تغيير للصورة المعهودة المتلقّاة من الشارع ، التي بيّنّا وجوب حفظها في الصلاة وانصرافها من

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ١٢٦ ، مفتاح ١٤٦ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٩ : ٢٠٨.

(٢) في ص ٣٢٤.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الأكبر». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٥٢ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١١٣ ، المسألة ٢١٠.

(٥) الأم ١ : ١٠٠ ، مختصر المزني : ١٤ ، الحاوي الكبير ٢ : ٩٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٧٧ ، المجموع ٣ : ٢٩٢ و ٣٠٢ ، حلية العلماء ٢ : ٨٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٢ : ٧٨ ، الوجيز ١ : ٤٠. العزيز شرح الوجيز ١ : ٤٧٣ ، روضة الطالبين ١ : ٣٣٦ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٥٤٠.

٤٤٠