مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

فإنّك في الصلاة» (١).

وقد حكي عن السيّد وجماعة القول بوجوبه (٢) ، واختاره في الحدائق (٣) ؛ تمسّكا بظواهر هذه الأخبار.

وفيه ـ مع إمكان الخدشة في ظهور هذه الأخبار في إرادة الاستقبال بدعوى أنّ غايتها الإشعار بذلك حيث يستشعر من تنزيل الإقامة منزلة الصلاة في خبري (٤) سليمان والشيباني ، ومن سبق قوله عليه‌السلام : «أينما توجّهت» في صحيحة (٥) زرارة إرادتها من التشبيه ومن قوله : «متهيّئا للصلاة» وأمّا الظهور فلا ، والغضّ عمّا حقّقناه عند التكلّم في اعتبار القيام من قصور مثل هذه الأخبار عن إفادة الوجوب الشرطي ـ : أنّه يتعيّن صرفها إلى الاستحباب ؛ جمعا بينها وبين خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام : أنّه سأله عن الرجل يفتتح الأذان والإقامة وهو على غير القبلة ثمّ استقبل القبلة ، قال : «لا بأس» (٦) وخبره الآخر عنه (٧) أيضا نحوه ، إلّا أنّه قال : «إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (٨).

ولا يمكن تقييد تلك الأخبار بهذه الرواية بحملها على إرادته حال التشهّد ؛

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٧٦ ، الهامش (١).

(٢) جمل العلم والعمل : ٦٤ ، المقنعة : ٩٩ ، الوسيلة : ٩٢ ، وحكاه عنهم الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٣٤٥.

(٤) تقدّما آنفا وفي ص ٢٧٦.

(٥) تقدّمت الصحيحة في ص ٢٧٠ و ٣٢٠.

(٦) قرب الإسناد : ١٨٣ / ٦٧٦ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٧) كذا قوله : «وخبره الآخر عنه» في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة ، ولم نعثر عليه في قرب الإسناد ، بل هو خبر الحلبي عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، راجع الهامش التالي.

(٨) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٧ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

٣٢١

ضرورة أنّه لم يقصد بقوله عليه‌السلام : «إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة» كما في خبر (١) سليمان ، أو «إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة» كما في الصحيحة (٢) ، أو «إذا أقمت [ الصلاة ] فأقم مترسّلا» إلى آخره ، كما في خبر الشيباني (٣) خصوص حال التشهّد ، فالمراد إمّا كونه كالمصلّي من حيث القيام والاستقرار ونحوه ، دون الاستقبال ، أو الأعمّ ولكن على سبيل الاستحباب الذي لا ينافيه نفي البأس عنه في غير حال التشهّد.

وأمّا حال التشهّد : فهذه الرواية تدلّ بمفهومها على ثبوت بأس بترك الاستقبال فيه ، سواء كان في الأذان أو في الإقامة.

ويدلّ عليه أيضا في الأذان صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته وعلى غير طهور ، قال :«نعم (٤) ، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (٥).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : يؤذّن الرجل وهو على غير القبلة ، قال : «إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (٦).

ولعلّه أريد بالبأس المفهوم منها الكراهة ، كما نفى عنه البعد في الجواهر (٧).

__________________

(١) تقدّم الخبر في ص ٢٧٦.

(٢) أي : صحيحة زرارة ، المتقدّمة في ص ٢٧٠ و ٣٢٠.

(٣) تقدّم خبره في ص ٢٧٦ و ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) كلمة «نعم» ليست في التهذيب.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٦) تقدّم تخريجها في ص ٣٢١ ، الهامش (٨).

(٧) جواهر الكلام ٩ : ٩٣.

٣٢٢

ويحتمل قويّا أن يكون التفصيل بين حال التشهّد وغيره منشؤه تأكّد استحبابه حال التشهّد ، لا كراهة الترك ، والله العالم.

(و) الثاني : (أن يقف على أواخر الفصول) في كلّ من الأذان والإقامة إجماعا ، كما ادّعاه في المدارك (١) وغيره (٢).

ويدلّ عليه ما عن الصدوق مرسلا عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأذان والإقامة مجزومان» (٣). وقال : وفي خبر آخر : «موقوفان» (٤).

ولكن قد ينافيه في الإقامة ما عن الكليني (٥) والشيخ ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر» (٦) فإنّ مقابلة الحدر ـ الذي هو الإسراع بالجزم الذي هو القطع الحاصل بترك الإعراب ـ مشعرة بإرادة الوصل الموجب لظهور الإعراب من الحدر في الإقامة.

ولكن لا ينبغي الالتفات إليه في مقابل ما عرفت ، فيحتمل قويّا أن يكون المراد بالجزم في هذه الرواية السكون والطمأنينة ، أي التأنّي الذي يقابله الحدر.

ثمّ إنّ المراد بالألف والهاء ـ المأمور بإفصاحهما في هذه الرواية وفي

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٤.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨٢ ، المسألة ٢٤ ، تذكرة الفقهاء ٣ : ٥٣ ، المسألة ١٦٣ ، مفاتيح الشرائع ١ : ١١٧ ، مفتاح ١٣٤ ، الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ ، ذيل ح ٨٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٥) لم نجده في الكافي ، ونسبه إليه العاملي في الوسائل ، وكذا الشيخ الطوسي رواه عن محمّد ابن يعقوب ، لا حظ الهامش التالي.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

٣٢٣

خبره الآخر أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أذّنت فافصح بالألف والهاء» (١) وفي خبره الثالث عنه أيضا ، قال : «لا يجزئك من الأذان إلّا ما أسمعت نفسك أو فهمته ، وافصح بالألف والهاء» (٢) الحديث ـ يحتمل أن يكون مطلق الألف والهاء الواقعتين في الأذان ، وتخصيص الحرفين بذلك ؛ لوقوع الّلبس والإدغام فيهما غالبا لدى الإسراع وعدم التأنّي ، فإنّه كثيرا مّا يلتبس «أشهد» ممّن يسرع في التكلّم به بـ «أشد» وكذلك «الله أكبر» بـ «الكبر».

ويحتمل أن يكون المراد بهما الألف والهاء الواقعتين في أواخر الفصول من الشهادتين والحيّعلات والتهليل.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد بهما ما في لفظ الجلالة من التكبير ، كما يؤيّد هذا الاحتمال خبر ابن نجيح عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف» (٣) والله العالم.

(و) الثالث والرابع : (أن يتأنّي في الأذان ، ويحدر في الإقامة) كما يدلّ عليهما الصحيحة المتقدّمة (٤) بالتقريب المتقدّم.

وحسنة ابن السري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأذان ترتيل ، والإقامة حدر» (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ١٨٥ / ٨٧٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٤) أي : صحيحة زرارة ، المتقدّمة في ص ٣٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٦٥ / ٢٣٢ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

٣٢٤

وصحيحة معاوية بن وهب أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان ، فقال :«اجهر وارفع به صوتك ، فإذا أقمت فدون ذلك ولا تنتظر بأذانك ولا إقامتك إلّا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا» (١).

والمراد بالحدر هو الإسراع الغير المنافي لحفظ الوقوف في أواخر الفصول ، فالمراد به ترك التأنّي والتطويل المطلوب في الأذان ، لا السرعة والاستعجال الخارج عن المتعارف.

ولعلّ هذا ـ أي الإتيان على النحو المتعارف الموجب لحفظ الوقوف ـ هو المراد بالترسّل المأمور به في خبر الشيباني ، حيث قال : «إذا أقمت [ الصلاة ] فأقم مترسّلا فإنّك في الصلاة» (٢) فلا ينافيه الأخبار الآمرة بالحدر في الإقامة ، والله العالم.

ولو أسرع في الإقامة بأن أتى بها درجا ، لا يسقط بذلك فضيلة الجزم ، كما نبّه عليه شيخنا الشهيد الثاني في محكيّ الروض ، حيث قال : ولو فرض ترك الوقف أصلا سكّن أواخر الفصول أيضا وإن كان ذلك في أثناء الكلام ؛ ترجيحا لفضيلة ترك الإعراب على المشهور من حال الدرج. ولو أعرب أواخر الفصول ، ترك الأفضل ، ولم تبطل الإقامة ؛ لأنّ ذلك لا يعدّ لحنا ، وإنّما هو ترك وظيفة (٣). انتهى.

وما يقال ـ من أنّ الوصل بالسكون مخالف لقواعد العربيّة فهو لحن ـ فهو

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١ ، والباب ٨ من تلك الأبواب ، ح ١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٦ ، الهامش (١) وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) روض الجنان ٢ : ٦٥١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤١٠.

٣٢٥

ممّا لم يثبت فلا يلتفت إليه ، خصوصا في الكلمات المستقلّة التي لا ارتباط بينها لا لفظا ولا معنى ، فإنّها لا تصير بمنزلة كلام واحد كي يقع السكون في أثنائه إلّا برابط خارجيّ من عاطف أو ظهور إعراب ونحوه ، وإلّا فهي في حدّ ذاتها كلمات مقطوعة بعضها عن بعض ، ولا يعدّ عرفا جزمها سكونا في الأثناء ، بل في الآخر.

هذا ، مع أنّ مثل هذا اللحن الغير المغيّر للمعنى غير قادح في صحّة الإقامة ، كما صرّح به غير واحد ، بل نسبه إلى المشهور (١) ؛ إذ لم يثبت كون الهيئات الخاصّة معتبرة في قوام ماهيّتها ، فليتأمّل.

(و) الخامس : (أن لا يتكلّم في خلالها) أي خلال كلّ منهما على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة على ما ادّعاه في الجواهر (٢).

وهذا هو عمدة المستند في الأذان.

ويعضده ما عن الغنية من دعوى الإجماع على جواز التكلّم في الأذان ، وأنّ تركه أفضل (٣).

وربما يستدلّ له بأنّ في التكلّم فوات الإقبال المطلوب في العبادة ، وبمفهوم مضمرة سماعة ، قال : سألته عن المؤذّن أيتكلّم وهو يؤذّن؟ قال : «لا بأس حين يفرغ من أذانه» (٤).

ولكن في الوسائل الموجودة عندي كتب فوق كلمة «حين» : «حتى» إشارة

__________________

(١) ممّن نسبه إلى المشهور الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٥١.

(٢) جواهر الكلام ٩ : ٩٧.

(٣) الغنية : ٧٣ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٣ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

٣٢٦

إلى اختلاف النسخ ، فعلى تقدير كونه «حتى» على عكس المطلوب أدلّ.

وكيف كان فعمدة الدليل هي الشهرة من باب المسامحة.

ولا ينافيه نفي البأس عنه في بعض (١) الأخبار الآتية ؛ إذ لا منافاة بينه وبين أفضليّة الترك ، بل ولا بين كراهة الفعل ـ كما نسبه في الجواهر إلى المشهور (٢) ـ بحمل نفي البأس على إرادة الجواز الغير المنافي للكراهة ، وإن كان قد ينافي هذا الحمل ما في بعضها ـ كصحيحة (٣) عمرو ـ من التفصيل بين الأذان والإقامة ، القاطع للشركة.

اللهمّ إلّا أن يحمل التفصيل على اختلاف المراتب ، كما ليس بالبعيد.

وأمّا الإقامة : فلا شبهة في استحباب ترك الكلام بل كراهة فعله في خلالها وبعد الفراغ منها حتى يصلّي ، كما يدلّ عليه خبر أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا أبا هارون ، الإقامة من الصلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك» (٤).

وصحيحة عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس» قلت : في الإقامة؟ قال : «لا» (٥).

__________________

(١) وهي صحيحة عمرو بن أبي نصر ، الآتية عن قريب.

(٢) جواهر الكلام ٩ : ٩٧.

(٣) يأتي تخريجها في الهامش (٥).

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٥ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ / ١١١٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٣٢٧

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (١).

وهذه الأخبار خصوصا الأخير منها ظاهرها المنع وبطلان الإقامة بالكلام.

وربما يؤيّدها خبرا (٢) سليمان بن صالح ويونس الشيباني ، الدالّان على أنّ الإقامة من الصلاة.

وقد حكي عن غير واحد من القدماء القول بعدم جواز الكلام في خلال الإقامة (٣).

ولعلّ مرادهم المنع عنه من حيث الحكم الوضعي ، كما هو ظاهر صحيحة (٤) محمّد بن مسلم ، لا الحرمة.

ويحتمل أن يكون مرادهم الأعمّ ، كالكلام في أثناء الصلاة ، كما ربما يؤيّد هذا الاحتمال ظهور بعض الأخبار في الحرمة من حيث التكليف.

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلّا في تقديم إمام» (٥).

وموثّقة سماعة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام «إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٢ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٢) تقدّما في ص ٢٧٦.

(٣) المقنعة : ٩٨ ، جمل العلم والعمل : ٦٤ ، النهاية : ٦٦ ، التهذيب ٢ : ٥٥ ، ذيل ح ١٨٨ ، وحكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٩ : ٩٩.

(٤) تقدّمت الصحيحة آنفا.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

٣٢٨

وغير ذلك من الأخبار الآتية الظاهرة في حرمة الكلام بعد قول : «قد قامت الصلاة».

وكيف كان فلا بدّ من حمل هذه الأخبار على الكراهة ، وحمل صحيحة (١) محمّد بن مسلم على استحباب الإعادة ؛ جمعا بينها وبين صحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال :«نعم» (٢).

ورواية الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته ، فقال : «لا بأس» (٣).

وخبر الحسن بن شهاب (٤) قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا بأس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء» (٥).

وخبر عبيد بن زرارة ـ المرويّ عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيتكلّم الرجل بعد ما [ تقام ] (٦) الصلاة؟ قال : «لا بأس» (٧).

__________________

(١) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٢٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ٥٥ / ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٤ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٣ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٤) في الاستبصار : «الحسين بن شهاب».

(٥) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١٥ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٠.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «أقام». والمثبت كما في المصدر.

(٧) السرائر ٣ : ٦٠١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٣.

٣٢٩

وعنه (١) أيضا من الكتاب المزبور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، قلت :أيتكلّم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال : «لا بأس» (٢).

وهذه الأخبار لورودها في مقام توهّم الحظر لا تدلّ إلّا على الجواز الغير المنافي للكراهة ، فيجمع بينها وبين أخبار المنع بحمل تلك الأخبار على الكراهة ، كما ذهب إليه المشهور.

ويؤيّده ما في بعض تلك الأخبار من أمارات الكراهة ، كعطف معلوم الكراهة عليه في خبر (٣) أبي هارون ، والرخصة في التكلّم بما يتعلّق بالصلاة في صحيحة (٤) زرارة وموثّقة (٥) سماعة وغيرها ممّا ستعرف.

وتخصيص الكلام الذي دلّت هذه الأخبار على جوازه بخصوص ما يتعلّق بالصلاة ، جمعا بينها وبين أخبار المنع بشهادة الصحيحة وغيرها في غاية البعد ، كيف! وهذه الأخبار سؤالا وجوابا ظاهرة في إرادة المنفرد ، وأنّه يجوز له الكلام بما شاء مطلقا.

وأبعد من هذا حمل أخبار الجواز على ما قبل قول المقيم : «قد قامت الصلاة» وأخبار المنع على ما بعده بشهادة صحيحة ابن أبي عمير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلّم في الإقامة ، قال : «نعم ، فإذا قال المؤذّن : قد قامت

__________________

(١) كذا قوله : «وعنه» في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة ، وفي المصدر : «عن جعفر بن بشير عن الحسن بن شهاب».

(٢) السرائر ٣ : ٦٠١ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ذيل ح ١٠ ، ونصّ الخبر فيهما كما في خبر الحسن بن شهاب ، المتقدّم في ص ٣٢٩.

(٣) تقدّم الخبر في ص ٣٢٧.

(٤) تقدّمت في ص ٣٢٨.

(٥) تقدّمت في ص ٣٢٨.

٣٣٠

الصلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان» (١) فإنّ أخبار المنع وإن كان بعضها ـ كصحيحة زرارة وموثّقة سماعة ـ لا يأبى عن هذا الحمل ، بل لعلّه ظاهر في ذلك ، وأمّا بعضها الآخر ـ كخبر أبي هارون وغيره ممّا فرّع المنع على كون الإقامة من الصلاة ـ ربما يأبى عن ذلك ، كما أنّ أخبار الجواز أغلبها إن لم يكن كلّها آبية عن ذلك ، بل بعضها نصّ في التعميم حتى بعد الإقامة.

ونظيره في البعد حمل أخبار المنع على الجماعة ، والجواز على المنفرد ؛ فإنّ بعض أخبار المنع أيضا ـ كأخبار الجواز ـ كاد أن يكون نصّا في المنفرد خصوصا ما فرّعه على كونه من الصلاة.

ويتلوه في البعد حمل أخبار الجواز على إرادة الحكم التكليفي ، والمنع على الوضعي ؛ بشهادة صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة (٢).

وفيه ـ مع قوّة ظهور أغلب أخبار المنع في إرادة الحكم التكليفي ـ : أنّ حمل أخبار الجواز على إرادة الإباحة المجامعة للبطلان أبعد من حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب ، كما هو واضح.

هذا ، مع مخالفة هذه المحامل بأسرها للمشهور أو المجمع عليه.

وكيف كان فالأقوى ما عرفت من حمل أخبار المنع على الكراهة ، وتنزيل ما في بعضها من التفصيل بين ما قبل قول : «قد قامت الصلاة» وما بعده ـ كما في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ١١١٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٢) في ص ٣٢٨.

٣٣١

صحيحة (١) ابن أبي عمير ، بل وصحيحة (٢) زرارة وموثّقة (٣) سماعة بناء على إرادته من إقامة الصلاة ، كما لعلّه الظاهر منه ـ على اختلاف مرتبتها ، فهي بعد قول : «قد قامت الصلاة» أشدّ ، ولا تختصّ كراهته حينئذ بالمقيم ، بل لكلّ من يصلّي بإقامته ، كما دلّ عليه تلك الأخبار.

تنبيه : ويكره أيضا الكلام فيما بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة ، كما صرّح به بعض (٤) ؛ لما عن الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة ، ونهى عنه» (٥).

(و) السادس : (أن يفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة) أو خطوة (إلّا في المغرب ، فإنّ الأولى أن يفصل بخطوة أو سكتة) على المشهور ، كما ادّعاه في المدارك (٦).

وعن المعتبر أنّه قال : ويستحبّ الفصل بينهما بركعتين أو بجلسة أو بسجدة أو خطوة ، خلا المغرب ، فإنّه لا يفصل بين أذانيها إلّا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، وعليه علماؤنا (٧). وعن المنتهى نحوه (٨).

__________________

(١) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٢) تقدّمتا في ص ٣٢٨.

(٣) تقدّمتا في ص ٣٢٨.

(٤) الشهيد الأوّل في النفليّة : ١٠٠ ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٧٢.

(٥) الأمالي ـ للصدوق ـ : ٢٤٨ (المجلس ٥٠) ح ٣ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢٨.

(٦) مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٦.

(٧) المعتبر ٢ : ١٤٢ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤١١.

(٨) منتهى المطلب ٤ : ٣٨٩ ، وحكاه عنه الحبراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤١١.

٣٣٢

أقول : وهذا هو عمدة المستند لهذا التفصيل ، وإلّا فاستفادته من أخبار الباب لا تخلو عن إشكال ، والأولى نقل الأخبار أوّلا ثمّ التكلّم فيما يقتضيه المقام.

فمنها : صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه‌السلام قال :«القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها» (١).

وخبر الحسن بن شهاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بدّ من قعود بين الأذان والإقامة» (٢).

وصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : سمعته يقول : «افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين» (٣).

وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن وأقم ، وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح» (٤).

ومقتضى عموم هذه الأخبار : عدم الفرق بين صلاة المغرب وغيرها في استحباب الجلوس بينهما.

ويدلّ عليه في المغرب بالخصوص : خبر إسحاق الجريري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحّط

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٨ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٧ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٧ ، التهذيب ٢ : ٤٩ / ١٦٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٣٣٣

بدمه في سبيل الله» (١).

وخبر رزيق ـ المرويّ عن المجالس والأخبار ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«من السنّة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ، ليس بين الأذان والإقامة سبحة ، ومن السنّة أن يتنفّل بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر» (٢).

وخبر الحسن بن معاوية بن وهب ـ المرويّ عن كتاب فلاح السائل للسيّد ابن طاوس ـ عن أبيه قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وقت المغرب فإذا هو قد أذّن وجلس وهو يدعو بدعاء ما سمعت بمثله ، فسكتّ حتى فرغ من صلاته ، ثمّ قلت : يا سيّدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قطّ ، قال : «هذا دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو : يا من ليس معه ربّ يدعى ، يا من ليس فوقه خالق يخشى ، يا من ليس دونه إله يتّقى ، يا من ليس له وزير يرشى ، يا من ليس له بوّاب ينادى ، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلّا كرما وجودا ، يا من لا يزداد على عظم الجرم إلّا رحمة وعفوا ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وافعل بي ما أنت أهله ، فإنّك أهل التقوى وأهل المغفرة وأهل الجود والخير والكرم» (٣).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٦٥ / ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ / ١١٥١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٠.

(٢) الأمالي ـ للطوسي ـ : ٦٩٥ / ١٤٨٠ ـ ٢٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٣.

(٣) فلاح السائل : ٢٢٨ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٤١٢ ـ ٤١٣.

٣٣٤

ولا يعارضها مرسلة سيف بن عميرة عن بعض أصحابنا عن ابن فرقد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب ، فإنّ بينهما نفسا» (٢) لقصورها عن المكافئة ، مع إمكان أن يكون قوله عليه‌السلام : «فإنّ بينهما نفسا» كناية عن فصل ما ، سواء حصل بقعدة خفيفة أو غيرها ممّا ستعرف ، وربّما يشهد لهذا الجمع خبر الدعائم ، الآتي (٣) ، فلا منافاة حينئذ بينها وبين سائر الأخبار.

كما أنّه لا ينافيها صحيحة ابن مسكان قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أذّن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (٤) ؛ لجواز اختياره تسبيحة أو كلاما ونحوه ممّا هو مخيّر بينها كما ستعرف ، مع أنّ الفعل لا يعارض القول.

ومنها : ما عن السيّد ابن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن بكر بن محمّد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول لأصحابه : من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده : سجدت (٥) خاضعا خاشعا ذليلا ، يقول الله تعالى : ملائكتي وعزّتي وجلالي لأجعلنّ محبّته في قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين» (٦).

وعنه أيضا فيه بسنده عن ابن أبي عمير عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) «ابن فرقد» لم ترد في التهذيبين.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٥٠ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٣) في ص ٣٣٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٣٨ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

(٥) في المصدر : «ربّ سجدت لك».

(٦) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٤.

٣٣٥

رأيته أذّن ثمّ أهوى للسجود ثمّ سجد سجدة بين الأذان والإقامة ، فلمّا رفع رأسه قال : «يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه» (١).

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : «وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل ، فإنّ فيه فضلا كثيرا ، وإنّما ذلك على الإمام ، وأمّا المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثمّ يقول : بالله أستفتح [ وبمحمّد استنجح ] (٢) وأتوجّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني [ بهم ] (٣) وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ، وإن [ لم تفعل ] (٤) أيضا أجزأك» (٥).

ومرفوعة [ جعفر بن ] (٦) محمّد بن يقطين (٧) إليهم عليهم‌السلام ، قال : «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهمّ اجعل قلبي بارّا ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله قرارا ومستقرّا» (٨).

وعن كتاب دعائم الإسلام : روي عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : «ولا بدّ من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو غير ذلك ، وأقلّ ما يجزى‌ء في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض بيده» (٩).

__________________

(١) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «لم تفصل». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٧ ـ ٩٨ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٤١٥ ـ ٤١٦.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٧) في الكافي والوسائل : «يقظان» بدل «يقطين».

(٨) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٣٠ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٩) دعائم الإسلام ١ : ١٤٥ بتفاوت ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٤١٤.

٣٣٦

ويظهر من هذه الرواية أنّ الفصل بين الأذان والإقامة في حدّ ذاته مستحبّ ، فما جرى ذكره في الأخبار ممّا يتحقّق به الفصل من صلاة أو جلوس أو كلام أو سجدة أو غير ذلك فهو إمّا من باب التمثيل ، أو لكونه أفضل ، أو لبيان أقلّ المجزى‌ء ، فربما يرتفع بهذا التدافع الذي قد يتراءى فيما بين الأخبار ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وربما يؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار ، المتقدّمة (١) : «وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح» فإنّه مشعر بإرادة التمثيل ، وأنّ المقصود بالأصالة هو حصول الفصل فيما بينهما.

كما يؤيّده أيضا بل يدلّ عليه موثّقته الأخرى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشى‌ء حتّى أخذ في الصلاة وأقام الصلاة ، قال : «ليس عليه شي‌ء ، وليس له أن يدع ذلك عمدا» سئل ما الذي يجزى‌ء من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال : «يقول : الحمد لله» (٢).

وما في هذه الموثّقة من أنّه «ليس له أن يدع ذلك عمدا» فهو محمول على تأكّد الاستحباب ، أو كراهة الترك ، وكذا ما في بعض الأخبار المتقدّمة (٣) من التعبير بلفظ الأمر أو اللّابدّيّة أو نحو ذلك ؛ إذ لم ينقل القول بوجوبه عن أحد ، بل يظهر من غير واحد دعوى الإجماع عليه ، مع أنّ التدبّر في الأخبار يعطي ظهورها في الاستحباب ، كما لا يخفى على المتأمّل.

__________________

(١) في ص ٣٣٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٣) في ص ٣٣٣ و ٣٣٦.

٣٣٧

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر رواية رزيق ، المتقدّمة (١) : اختصاص استحباب الفصل بالنافلة بالظهرين ، وأنّ السنّة في سائر الصلاة الجلسة لا التطوّع ، والمراد بها بحسب الظاهر استحباب الإتيان بشي‌ء من نافلتها بعد الأذان ، كما يشهد له صحيحة ابن أبي عمير عن أبي عليّ صاحب الأنماط عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليهما‌السلام ، قال : قال : «يؤذّن للظهر على ستّ ركعات ، ويؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر» (٢).

وهذا من خواصّ الظهرين ؛ إذ ليس للعشاءين صلاة قبلهما.

أمّا المغرب : فواضح.

وأمّا العشاء : فقبلها ليس إلّا الأربع ركعات التي هي نافلة المغرب ، ووقتها قبل دخول وقت العشاء ، فلا يستحبّ تأخيرها عن الأذان العشاء بلا شبهة.

وأمّا الصبح وإن كان قبلها الركعتان ويجوز الإتيان بهما فصلا بين الأذان والإقامة ولكن الإتيان بهما كذلك ليس بمستحبّ ، بل الأفضل تقديمهما في الفجر الأوّل ، كما عرفته في المواقيت.

ولا ينافيه قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان في حديث أذان الصبح : «السنّة أن تنادي مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلّا الركعتان» (٣) فإنّ المقصود بالصحيحة بحسب الظاهر ليس إلّا بيان وقت أذان الفجر ، والمبادرة إلى فعل الفريضة في أوّل وقتها وعدم تأخيرها عن الأذان الذي نودي مع طلوع الفجر

__________________

(١) في ص ٣٣٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٤ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٧ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٣٣٨

إلّا بمقدار أداء النافلة لمن لم يفعلها في الفجر الأوّل ، لا استحباب الفصل بها بين الأذان والإقامة من حيث هو.

نعم ، ربّما يظهر ذلك بالنسبة إلى الإمام من خبر عمران الحلبي ، ولكن لا من حيث هو ، بل من حيث انتظاره للجماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال : «إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما ، وإن كنت وحدك فلا يضرّك أقبلهما [ أذّنت ] أو بعدهما» (١).

والحاصل : أنّه لا منافاة بين مثل هذه الأخبار وبين خبر (٢) رزيق على التفسير المزبور.

ولكن قد ينافيه إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة سليمان ، المتقدّمة (٣) : «افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين».

ويمكن دفعه إمّا بحمل الصحيحة على إرادة الجلوس فيما عدا الظهرين والركعتين على الظهرين ، أو بحملها على أنّ ذكر الركعتين فيها لكونهما من أفضل الأشياء التي يتحقّق بها الفصل المستحبّ من حيث إنّ «الصلاة خير موضوع» واختيارها أولى ، فلا ينافيه عدم كون الفصل بهما من حيث هو مستحبّا ، كما هو مفاد خبر رزيق ، بناء على التفسير المتقدّم ، أو حمل قوله عليه‌السلام في خبر رزيق : «ليس بين الأذان والإقامة سبحة» على إرادة شي‌ء من النوافل المرتّبة بعنوان التوظيف ، أو حمله على عدم تأكّد الاستحباب.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤٢ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) تقدّم الخبر في ص ٣٣٤.

(٣) في ص ٣٣٣.

٣٣٩

ولكنّ الحمل الأوّل مخالف للمشهور ، فالأولى الجمع بينهما بسائر الوجوه ، أو ردّ علم خبر رزيق إلى أهله ، والأخذ بإطلاق الصحيحة.

ولكنّ الأولى في المغرب الاقتصار على جلسة خفيفة أو خطوة ونحوها ، كما هو المشهور ، ويدلّ عليه بعض الأخبار المتقدّمة (١). وهذا لا يوجب ارتكاب التخصيص بالنسبة إلى المغرب ؛ لجواز كونها من قبيل المستحبّات المتزاحمة التي بعضها أفضل.

ولكن بناء على حرمة التطوّع في وقت الفريضة الأحوط ترك الفصل بركعتين في المغرب ، إلّا إذا كانتا قضاء فريضة ، كما أنّ الأحوط في غيرها أيضا إمّا الفصل بشي‌ء من النوافل المرتّبة ، أو من قضاء الفرائض.

ولكنّك عرفت في محلّه ضعف هذا البناء ، والله العالم.

(و) السابع : (أن يرفع الصوت به إذا كان ذكرا) كما يدلّ عليه جملة من الأخبار المتقدّمة في مطاوي المباحث السابقة.

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «لا يجزئك من الأذان إلّا ما أسمعت نفسك أو فهمته ، وافصح بالألف والهاء ، وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره ، وكلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم» (٢).

وصحيحة معاوية بن وهب أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان ، فقال :

__________________

(١) في ص ٣٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ١٨٥ / ٨٧٥ ، الوسائل ، الأبواب ١٥ و ١٦ و ٤٢ من أبواب الأذان والإقامة ، الأحاديث ٦ و ٢ و ١ ، وتقدّم بعضها في ص ٣٢٤.

٣٤٠