مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

والمنقوش نظرا كأنّه يريد قراءته ، وأمّا مجرّد وجوده بين يديه فلا يكاد يفهم كراهته من هذه الرواية.

وأمّا خبر عمّار فمقتضى إطلاقه كإطلاق الفتاوى هو كراهة كون المصحف (١) مفتوحا في قبلته ، سواء نظر إليه أم لا ، بل ولو تعذّر في حقّه النظر ؛ لظلمة أو عمى ونحوه ، فيتّجه حينئذ الفرق بين المصحف وغيره بذلك.

اللهم إلّا أن يدّعى انصراف خبر عمّار أيضا إلى الأوّل ، فليتأمّل.

(أو) بين يديه (حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها) كما يدلّ عليه ما رواه البزنطي عمّن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها ، فقال : «إن كان نزّه من البالوعة فلا تصلّ فيه ، وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس» (٢).

وخبر محمّد بن أبي حمزة عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : «إذا ظهر النزّ من خلف الكنيف وهو في القبلة ستره بشي‌ء» (٣).

وعن البحار عن كتاب الحسين بن عثمان ، أنّه قال : روي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «إذا ظهر النزّ إليك من خلف الحائط من كنيف في القبلة سترته بشي‌ء» (٤).

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : «مصحف».

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٢١ / ٨٧١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٩ / ٨٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٤) الأصول الستّة عشر : ١١٢ ، الحدائق الناضرة ٧ : ٢٣٦ ، ولم نجده في البحار ، ونقله أيضا الميرزا النوري في مستدرك الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١ عن كتاب الحسين بن عثمان.

١٦١

وكذا يكره أن يصلّي وبين يديه عذرة ؛ لخبر الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم في الصلاة فأرى قدّامي في القبلة العذرة ، فقال : «تنحّ عنها ما استطعت» (١).

ويكره أيضا أن يصلّي وبين يديه سيف ؛ لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : «لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم ، ولا يصلّي أحدكم وبين يديه سيف ، فإنّ القبلة أمن» (٢) بل مطلق الحديد ؛ لرواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد» (٣).

(وقيل : تكره) أيضا (إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح) وقد حكي هذا القول عن أبي الصلاح الحلبي (٤) ، ولكنّه لم يعرف مأخذه.

وعن المصنّف في المعتبر أنّه لمّا نسبه إلى الحلبي قال : وهو أحد الأعيان ، فلا بأس باتّباعه (٥) ، يعني العمل بقوله من باب المسامحة.

نعم ، ربما يستظهر من بعض الأخبار أنّه يكره للمصلّي أن يمرّ بين يديه إنسان ، بل وكذا سائر الحيوانات.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩١ / ١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩٣ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٥٣ (الباب ٦٣) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ / ٨٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩٦ / ١٥١٠ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٤) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١١٦ ، وفي الكافي في الفقه : ١٤١ : «وتكره .. ومقابلة وجه الإنسان».

(٥) المعتبر ٢ : ١١٦ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٣٩٩.

١٦٢

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل أيقطع صلاته شي‌ء ممّا يمرّ بين يديه؟ فقال : «لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء ، ولكن ادرأ ما استطعت» (١).

وموثّقة ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شي‌ء ممّا يمرّ بين يديه؟ قال : «لا يقطع صلاة المؤمن شي‌ء ، ولكن ادرؤوا ما استطعتم» (٢).

وخبر الحسين بن علوان ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن جعفر عن أبيه «أنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن الرجل يصلّي فيمرّ بين يديه الرجل والمرأة والكلب والحمار ، فقال : إنّ الصلاة لا يقطعها شي‌ء ، ولكن ادرؤوا ما استطعتم ، هي أعظم من ذلك» (٣).

إذ لو لا أنّ المرور بين يدي المصلّي موجب لنقص في صلاته لم يكن يكلّف بمنعه ، خصوصا مع ما يترتّب عليه من إيذاء المؤمن أحيانا ، وقد أشرنا آنفا إلى أنّ المراد بكراهة الصلاة ليس إلّا ذلك.

ومن هنا قد يدّعى دلالة هذه الأخبار على كراهة أن يكون بين يديه إنسان مواجه أيضا بالأولويّة القطعيّة.

وفيه نظر ، بل في دلالتها على كراهة الصلاة مع المرور تأمّل ؛ لجواز أن يكون الأمر بالدرء رعاية لحرمة الصلاة وتعظيمها ، لا لدفع منقصة عنها ، فيكون

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٧ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٩.

(٣) قرب الإسناد ١١٣ / ٣٩٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٢.

١٦٣

مستحبّا ، لا الصلاة بدونه مكروهة ، كما أنّ في ذيل الخبر الأخير إشارة إلى ذلك ؛ بناء على كونه علّة للدرء لا لعدم الانقطاع.

وأوضح منه دلالة عليه : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يقطع الصلاة شي‌ء لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشي‌ء ، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت. والفضل في هذا أن تستتر بشي‌ء وتضع بين يديك ما تتّقي به من المارّ ، فإن لم تفعل فليس به بأس ، لأنّ الذي يصلّي له المصلّي أقرب إليه ممّن يمرّ بين يديه ، ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها» (١).

ولعلّ في مبالغة الإمام عليه‌السلام وتعبيره في جملة من الأخبار بأنّ الصلاة لا يقطعها شي‌ء من مرور إنسان أو كلب أو غير ذلك إيماء إلى أنّ مرور شخص أجنبيّ عن المكلّف لا يصلح أن يكون موجبا لقدح فيها ، ولكن ينبغي أن يدرأ رعاية لحرمة الصلاة ، فلو كان ذلك مكروها لكانت كراهته على المارّ إن كان مكلّفا ، كما يدلّ عليه بعض الأخبار الآتية ، لا على المصلّي ، فالذي يقوى في النظر إنّما هو استحباب الدفع ولو بوضع السترة التي هي دفع حكمي ، كما ستعرفه ، لا كراهة تركه.

وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار خبر ابن أبي عمير ـ المروي عن كتاب التوحيد ـ قال : رأى سفيان الثوري أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وهو غلام يصلّي والناس يمرّون بين يديه ، فقال له : إنّ الناس يمرّون بين يديك وهم في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٧ ، ذيل ح ٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٠ ، وفي التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣١٩ ، والاستبصار ١ : ٤٠٦ / ١٥٥١ ، إلى قوله : «فقد استترت».

١٦٤

الطواف ، فقال له : «الذي أصلّي له أقرب من هؤلاء» (١).

ومرفوعة عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن مسلم ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : رأيت ابنك موسى يصلّي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ادعوا لي موسى» فدعي ، فقال له :«يا بني إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك [ كنت ] صلّيت والناس يمرون بين يديك فلم تنههم» فقال : «نعم يا أبه ، إنّ الذي كنت أصلّي له كان أقرب إليّ منهم ، يقول الله عزوجل (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢)» قال : فضمّه أبو عبد الله عليه‌السلام إلى نفسه ثمّ قال : «يا بنيّ بأبي أنت وأمّي يا مستودع الأسرار» (٣).

وخبر سفيان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان يصلّي ذات يوم إذ مرّ رجل قدّامه وابنه موسى عليه‌السلام جالس ، فلمّا انصرف قال له ابنه : «يا أبه ما رأيت الرجل مرّ قدّامك؟» فقال : «يا بنيّ إنّ الذي أصلّي له أقرب إليّ من الذي مرّ قدّامي» (٤).

وخبر منيف عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام ، قال : «كان الحسين (٥) بن علي عليهما‌السلام يصلّي فمرّ بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه ، فلمّا

__________________

(١) التوحيد : ١٧٩ ـ ١٨٠ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٢) سورة «ق» ٥٠ : ١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٧ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ / ١٥٥٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦.

(٥) في التوحيد : «الحسن».

١٦٥

انصرف [ من صلاته ] قال له : لم نهيت الرجل؟ فقال : يا بن رسول الله خطر فيما بينك وبين المحراب ، فقال : ويحك إنّ الله عزوجل أقرب [ إليّ ] من أن يخطر فيما بيني وبينه أحد» (١).

فإنّ هذه الأخبار مع أنّه لا دلالة فيها على أنّه لم يكن في موردها بحيال وجه الإمام عليه‌السلام سترة من خطّ ونحوه ممّا ستعرف أنّه بمنزلة الدفع ، واحتمال ورود جميعها ـ كالخبر الأوّل ـ في مكّة المشرّفة التي اغتفر فيها هذا الحكم ؛ لمكان الضرورة ، كما شهد بذلك صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :أقوم أصلّي بمكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارّة ، قال : «لا بأس ، إنّما سمّيت بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء» (٢) أنّها حكاية فعل لا تصلح معارضة للقول.

وما فيها من التعليل أريد منه بحسب الظاهر دفع توهّم كون المرور قاطعا للصلاة ، فكأنّهم كانوا يتوهّمون أنّ الصلاة تذهب بحيال صاحبها إلى القبلة ، فيكون المرور موجبا لا نقطاع بعضها عن بعض ، فأبطل الإمام عليه‌السلام هذا الوهم بقوله : «إنّ الذي أصلّي له أقرب إليّ من هؤلاء».

وقد أشير إلى هذا الوهم وفساده في خبر أبي سليمان مولى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام ، قال : سأله بعض مواليه ـ وأنا حاضر ـ عن الصلاة يقطعها شي‌ء ممّا يمرّ بين يدي المصلّي (٣)؟ فقال : «لا ، ليست الصلاة تذهب هكذا بحيال صاحبها ، إنّما

__________________

(١) التوحيد : ١٨٤ / ٢٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٦ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٥١ / ١٥٧٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «المصلّين». والمثبت كما في المصدر.

١٦٦

تذهب مساوية لوجه صاحبها» (١) فكأنّه أريد بقوله عليه‌السلام : «إنّما تذهب» إلى آخره ، أنّها لا تتعدّى عن وجه صاحبها ، فإنّ من يصلّي له أقرب إليه من حبل الوريد.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّها عمل صالح يرفعه الله ، فهي تصعد مساوية لوجه صاحبها ، ولا تذهب بحياله كي يقطعها المرور ، والله العالم.

فائدة : يستحبّ للمصلّي أن يجعل بين يديه شيئا من جدار أو غيره أو حجر أوسهم أو قلنسوة أو كومة تراب أو خطّ أو نحو ذلك ، ويسمّى ذلك في عرفهم بالسترة ، وحكي عن غير واحد دعوى الإجماع على استحبابها (٢).

قال صاحب الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في استحباب السترة ـ بضمّ السين ـ للمصلّي في قبلته ، ونقل عليه في المنتهى الإجماع عن كافّة أهل العلم (٣). انتهى.

ويدلّ عليه جملة من الأخبار.

منها : صحيحة محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام : في الرجل يصلّي ، قال :«يكون بين يديه كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ» (٤).

وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٤٩ (الباب ٥٨) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلي ، ح ٥.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٣٣ ، منتهى المطلب ٤ : ٣٣١ ، الذكرى ٣ : ١٠١ ، مدارك الأحكام ٣ : ٢٣٨ ، مفاتيح الشرائع ١ : ١٠١ ، مفتاح ١١٥ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٢٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٢٣٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ / ١٥٥٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

١٦٧

الرحل ، فإن لم يجد فحجرا ، فإن لم يجد فسهما ، فإن لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه» (١).

قال في محكيّ الوافي : «مثل مؤخّرة الرحل» يعني بتلك المماثلة ارتفاعه من الأرض (٢).

وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» (٣).

وفي الحدائق : والعنزة ـ بفتح العين المهملة ، وتحريك النون وبعدها زاي ـ : عصاة في أسفلها حربة. وفي الصحاح : أنّها أطول من العصا وأقصر من الرمح (٤).

وخبر غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع قلنسوة وصلّى إليها» (٥).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا ، وكان إذا صلّى وضعه بين يديه يستتر به ممّن يمرّ بين يديه» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ / ١٥٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤.

(٢) الوافي ٧ : ٤٨٢ ، ذيل ح ٦٤٠٣ ـ ٤ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٦ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٤) الحدائق الناضرة ٧ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، وراجع : الصحاح ٣ : ٨٨٧ «عنز».

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢٠ ، و ٣٧٩ / ١٥٧٨ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ / ١٥٥٠ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ / ١٣١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ / ١٥٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

١٦٨

ويستفاد من هذه الرواية أنّه إذا وضع المصلّي بين يديه شيئا ، يستغني بذلك عن دفع المارّ ، الذي عرفت استحبابه آنفا ، فهو دفع حكمي ، ولكنّه بالنسبة إلى من يمر من وراء السترة ، لا ممّا بينهما ؛ إذ المتبادر من قوله عليه‌السلام : «يستتر به» أنّه يجعله حائلا فيما بينهما.

ونحوه في الدلالة على ذلك خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن كتاب قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي وأمامه وحمار واقف؟ قال : «يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلّي ، ولا بأس» قلت : فإن لم يفعل وصلّى أيعيد صلاته أو ما عليه؟قال : «لا يعيد صلاته ، وليس عليه شي‌ء» (١).

ولا يرد على الاستشهاد به للمدّعى بخروجه عن محلّ الكلام ؛ حيث إنّ المفروض فيه كون الحمار واقفا ؛ لأنّ الحمار الواقف قد يمشي ويمرّ بين يديه وهو في الصلاة ، فالمقصود بالرواية ليس إلّا بيان كفاية وضع شي‌ء فيما بينهما حائلا ، سواء بقي الحمار على حالته أم أخذ في المشي ، كما لا يخفى.

وأوضح منهما دلالة على قيامه مقام الدفع : ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا يقطع الصلاة شي‌ء كلب ولا حمار ولا امرأة ، ولكن استتروا بشي‌ء ، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت» (٢) الحديث.

قوله : «فإن كان» إلى آخره ، مسوق لبيان أنّ المراد بالاستتار ليس حقيقته ، بل

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٨٧ ـ ١٨٨ / ٧٠١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١ و ٢.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦٤ ، الهامش (١).

١٦٩

ما يعمّ وضع حائل فيما بينهما ولو بقدر ذراع.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر هذه الرواية بل وكذا سابقتها : اعتبار كون السترة بقدر ذراع رافع من الأرض فما زاد ، وهو ينافي بظاهره ظاهر كلمات الأصحاب بل صريحها من الاكتفاء بخطّ أو سهم أو رمح ونحوه.

ومستندهم في ذلك بحسب الظاهر هي الأخبار المتقدّمة الدالّة على استحباب أن يجعل المصلّي بين يديه شيئا من حجر أو عنزة أو كومة تراب أو يخطّ بين يديه خطّا.

وفي دلالتها عليه تأمّل ؛ لإمكان كون ذلك ـ أي جعل شي‌ء بين يديه ـ في حدّ ذاته مستحبّا مستقلا وإن لم يكن هناك من يمرّ بين يديه بل ولا مظنّته ، اللهمّ إلّا أن يجعل فهم الأصحاب كاشفا عن أنّ المراد بها هي السترة.

ولا ينافي ذلك ظهورها في استحباب وضع شي‌ء مطلقا وإن لم يكن مار ؛ إذ الظاهر أنّ الاستتار بالسترة حكمة لشرعيّتها ، فلا يعتبر فيه الفعليّة ، بل ولا الاطّراد ، والله العالم.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ المقصود بالدفع الذي حكمنا باستحبابه إنّما هو ما لا يترتّب عليه مفسدة من ظلم أو إيذاء مؤمن ونحوه ؛ ضرورة أنّ المستحبّ ، لا يعارض الحرام.

وما في بعض الروايات من جوازه ولو بقتال (١) فهو من الروايات العاميّة ، أو الروايات المشابهة لروايتهم (٢) ، وقد أمرنا بأن نذرها في سنبلها ، والله العالم.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٠٧ / ٩٥٤ ، مسند أحمد ٣ : ٦٣.

(٢) في «ض ١٢» : «لرواياتهم».

١٧٠

(المقدّمة السادسة : فيما يسجد عليه)

(لا يجوز السجود على ما ليس بأرض) ولا نباتها عدا ما ستعرف (كالجلود والصوف والشعر والوبر) والريش ونحوها (ولا على ما هو من الأرض) بنحو من الاعتبار ممّا هو خارج عن مسمّاها حقيقة ، كما (إذا كان معدنا) يصحّ سلب اسم الأرض عنه (كالملح والعقيق والذهب والفضّة والقير إلّا عند الضرورة).

والتقييد بصحّة سلب اسم الأرض عنه للتنبيه على إناطة المنع بهذا ، لا بصدق اسم المعدن عليه ، فلا يهمّنا البحث عن تحقيق معنى المعدن ، وأنّه هل يصدق على حجر الرحى وطين الغسل وأرض الجصّ والنورة ونحوها ممّا لا تأمّل في صحّة إطلاق الأرض عليه؟ ؛ إذ بعد تسليم صدق اسم المعدن على مثل هذه الأمور وعدم انصراف إطلاقه عنها فهو غير قادح في جواز السجود عليها بعد اندراجها في الموضوع الذي أنيط به الحكم في النصوص والفتاوى ، وهو مسمّى الأرض.

١٧١

(ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولا بالعادة ، كالخبز والفواكه).

ويدلّ على المنع عن جميع ما ذكر صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال له : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز ، قال :«السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» (١).

وعن الصدوق في العلل نحوه ، وزاد عليه : فقلت له : جعلت فداك ، ما العلة في ذلك؟ قال : «لأن السجود خضوع لله عزوجل ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها ، والسجود على الأرض أفضل ، لأنّه أبلغ من التواضع والخضوع لله عزوجل» (٢).

وخبر الأعمش ـ المرويّ عن الخصال ـ عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام في حديث شرائع الدين ، قال : «لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا المأكول والقطن والكتّان» (٣).

وبهذين وغيرهما يقيّد إطلاق «ما أنبتت الأرض» في خبر أبي العباس الفضل بن عبد الملك ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تسجد إلّا على الأرض أو ما

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٧ / ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٤١ (الباب ٤٢) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١ وذيله ، والباب ١٧ من تلك الأبواب ، ح ١.

(٣) الخصال : ٦٠٤ / ٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٣.

١٧٢

أنبتت الأرض إلّا القطن والكتّان» (١).

ويدلّ عليه أيضا في الجملة : صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار الآتية.

فهذه الروايات كما تدلّ على أنّه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها ولا على المأكول أو الملبوس الذي وقع التصريح به أيضا فيها ، كذلك تدلّ على جواز السجود على الأرض ونباتها عدا ما أكل ولبس مطلقا.

كما يدلّ على ذلك أيضا ـ مضافا إلى ذلك ـ ما رواه الفضيل بن يسار وبريد ابن معاوية جميعا عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «لا بأس بالقيام على المصلّى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، وإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه» (٣).

والعبرة بكونه أرضا كونه بعضا من تلك الطبيعة المعهودة المسمّاة بالأرض ، فتعمّ أجزاءها المنفصلة مع بقائها على حقيقتها وإن خرجت بواسطة الانفصال عن مسمّاها عرفا.

كما يشهد لذلك ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، بل قضاء الضرورة به ـ ما

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ / ١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ / ١٢٤١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٤ ، و ٣١٣ / ١٢٧٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣١ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ / ١٢٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ / ١٢٦٠ ، الوسائل الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٥.

١٧٣

رواه حمران عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «كان أبي يصلّي على الخمرة (١) يجعلها على الطنفسة (٢) ويسجد عليها ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» (٣).

وما رواه الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفّا من حصى فجعله على البساط ثمّ سجد» (٤).

ويؤيّده أيضا بل يدلّ عليه : المستفيضة الدالّة على جواز السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام بل استحبابه.

مثل : خبر معاوية بن عمّار ـ المرويّ عن مصباح الشيخ ـ قال : كان لأبي عبد الله عليه‌السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه‌السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه ، ثمّ قال : «إنّ السجود على تربة أبي عبد الله عليه‌السلام يخرق الحجب السبع» (٥).

وعن إرشاد الديلمي قال : كان الصادق عليه‌السلام لا يسجد إلّا على تربة الحسين عليه‌السلام تذلّلا لله واستكانة إليه (٦).

__________________

(١) الخمرة : سجّادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط. مجمع البحرين ٣ : ٢٩٢ «خمر».

(٢) الطنفسة : البساط الذي له خمل رقيق. مجمع البحرين ٤ : ٨٢ «طنفس».

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ / ١٢٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ / ١٢٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣١ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ / ١٢٣٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٣.

(٥) مصباح المتهجّد : ٧٣٣ ـ ٧٣٤ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٣.

(٦) إرشاد القلوب : ١١٥ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٤.

١٧٤

وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمّد بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه ، أنّه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر هل فيه فضل؟ فأجاب عليه‌السلام «يجوز ذلك ، وفيه الفضل» (١).

وعن الصدوق مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : «السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام ينور إلى الأرضين السبعة (٢) ، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين عليه‌السلام كتب مسبّحا وإن لم يسبّح بها» (٣).

ولا يكفي في الأجزاء المنفصلة كالمتّصلة مجرّد كونه من الأرض ، بل يعتبر بقاؤها على حقيقتها وعدم استحالتها إلى طبيعة أخرى بنظر العرف ، ولذا وقع الكلام في جواز السجود على الجصّ والنورة والخزف والآجر وأشباهها ، وقد تقدّم في باب التيمّم تفصيل الكلام في جميع ما ذكر ، وعرفت فيما تقدّم أنّ الأقوى جواز التيمّم بالجصّ والنورة ـ بل وكذا في الخزف ـ وشبههما ، فإنّهما بنظر العرف ليسا إلّا مشويّ ما كانا قبل أن يوقد عليهما النار ، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك ، فتستصحب (٤) أرضيّتهما ، فكذلك الكلام في المقام ؛ إذ المقامان من واد واحد ، بل ربما يظهر من غير واحد عدم الخلاف فيه في باب السجود ، بل ربما يظهر من المصنّف رحمه‌الله في محكيّ المعتبر كونه من المسلّمات التي لا مجال لإنكارها ؛ فإنّه ـ بعد أن منع عن التيمّم بالخزف بدعوى خروجه بالطبخ عن كونه

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٩ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٢.

(٢) في الفقيه : «إلى الأرض السابعة».

(٣) الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٥ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

(٤) في «ض ١٢» : «فلتستصحب».

١٧٥

أرضا ـ قال : ولا يعارض بجواز السجود عليه ؛ لأنّه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض ، كالكاغذ (١). انتهى ، فمستند جواز السجود لديه بحسب الظاهر هو الإجماع ، فجعله مخصّصا للأخبار الناهية عن السجود على ما ليس بأرض.

ويرد عليه : أنّ المجمعين جلّهم إن لم يكن كلّهم لا يلتزمون باستحالته ، ولذا يجوزون السجود عليه ، فلا ينهض إجماعهم حجّة لمن يرى استحالته.

وكيف كان فالأقوى هو الجواز ؛ لما عرفت.

وربّما يؤيّده بل يشهد له في خصوص الجصّ : صحيحة الحسن بن محبوب ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه «إنّ الماء والنار قد طهّراه» (٢) فإنّ ظاهرها كون جواز السجود عليه على تقدير طهارته مفروغا عنه لديهم ، فتدلّ على جواز السجود عليه من وجهين :

أحدهما : من حيث التقرير حيث إنّ السائل زعم أنّه ليس فيه جهة منع إلّا جهة النجاسة ، فأقرّه الإمام عليه‌السلام على ذلك.

والثاني : الاقتصار في الجواب عن سؤاله عن جواز السجود عليه بأنّ الماء والنار قد طهّراه.

وقد تقدّم في مبحث التطهير بالماء القليل شرح قوله عليه‌السلام : «إنّ الماء والنار

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٧٥ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٤٤ ، وكذا صاحب الجواهر فيها ٨ : ٤١٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٠ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

١٧٦

قد طهّراه» فراجع (١).

وما في خبر [ محمّد بن ] (٢) عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام من منع السجود على الصاروج (٣) قال : «لا تسجد على القفر (٤) ، ولا على القير ، ولا على الصاروج» (٥) لا ينافي جوازه على النورة ؛ إذ الصاروج ليس نورة محضة ، بل ربّما يكون معظم أجزائه الرماد الذي لا يصحّ السجود عليه ، فإنّه ليس بأرض ، كما وقع التصريح بذلك وبجواز التيمّم على الجصّ والنورة المستلزم لجواز السجود عليهما أيضا في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ؟ فقال : «نعم» فقيل : بالنورة؟ فقال : «نعم» فقيل : بالرماد؟ فقال : «لا ، إنّه ليس يخرج من الأرض ، إنّما يخرج من الشجر» (٦).

والمرويّ عن الراوندي بسنده عن عليّ عليه‌السلام قال : «يجوز التيمّم بالجصّ والنورة ، ولا يجوز بالرماد ، لأنه لم يخرج من الأرض» فقيل له : أيتيمّم بالصفا العالية (٧) على وجه الأرض؟ قال : «نعم» (٨).

__________________

(١) ج ٨ ، ص ١٤٧.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الصاروج : النورة وأخلاطها ، فارسيّ معرّب. الصحاح ١ : ٣٢٥ «صرج».

(٤) القفر : كأنّه ردي‌ء القير المستعمل مرارا. وفي عبارة بعض الأفاضل : القفر : شي‌ء يشبه الزفت ، ورائحته كرائحة القير. مجمع البحرين ٣ : ٤٦٣ «قفر».

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ / ١٢٥٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التيمم ، ح ١.

(٧) في المصدر : «البالية» بدل «العالية».

(٨) النوادر ـ للراوندي : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٤٣٧ ، وأورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٩٧ ، والميرزا النوري في مستدرك الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

١٧٧

وأمّا الزجاج ، فلا ينبغي التأمّل في انقلابه عمّا كان عرفا ، فلا يجوز السجود عليه ، سواء كان في الأصل من أجزاء الأرض محضة من حجارة أو حصى ونحوه ، أو ممتزجة مع غيرها ممّا ليس بأرض من ملح ونحوه.

ويشهد له أيضا ـ مضافا إلى عدم صدق اسم الأرض عليه ـ صحيحة محمّد ابن الحسين ، قال : [ إنّ ] بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إلي : «لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض ، ولكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان» (١).

أقول : ولعلّ المراد بقوله عليه‌السلام : «إنّهما ممسوخان» حال صيرورتهما زجاجا ، أي غير باقيين على حقيقتهما ، لا أنّهما من حيث هما ممسوخان ، كما يوهمه ظاهر العبارة.

وربما التزم بعض (٢) بكراهة السجود على الرمل ؛ أخذا بهذا الظاهر.

وهذا وإن كان مقتضاه الحرمة خصوصا بعد وقوعه تعليلا للنهي عن السجود على الزجاج ولكنّه لا بدّ من حمله على الكراهة بعد العلم بدخوله في مسمّى الأرض ، وشهادة النصّ والإجماع على جواز السجود عليه بالخصوص ، مضافا إلى العمومات الدالّة عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٣١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٣٦ ، ذيل المسألة ١٠١ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٦٣.

١٧٨

ولا ينافيه إبقاء النهي عن السجود على الزجاج على ظاهره من الحرمة بعد كونه مركّبا منه ومن الجزء الآخر الذي لا يجوز السجود عليه بلا شبهة ، وهو الملح ، مع أنّ المقصود بهذا الكلام دفع ما توهّمه السائل من كونه من الأرض ، لا أنّ سبب المنع عن السجود على الزجاج منحصر في ذلك ، فلا ينافيه كون استحالته في حدّ ذاته أيضا سببا للمنع ، فلا يصلح حينئذ أن تكون كراهة السجود على الرمل قرينة صارفة للنهي عن ظاهره من الحرمة ، فتأمّل.

وأمّا القير : فهو كغيره من الملح والعقيق والذهب والفضّة ونحوها ممّا لا شبهة في خروجه عن مسمّى الأرض.

ولكنّه ربما يظهر من بعض الأخبار جواز السجود عليه.

مثل : ما عن الصدوق في الفقيه ـ في الصحيح ـ قال : سأل معاوية بن عمّار أبا عبد الله عليه‌السلام عن السجود على القار ، قال : «لا بأس به» (١).

وعنه ـ في الصحيح ـ عن منصور بن حازم أنّه قال : «القير من نبات الأرض» (٢).

وعن كتاب المسائل لعليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل يجزئه أن يسجد في السفينة على القير؟ قال : «لا بأس» (٣).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٢ / ١٣٢٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٨.

(٣) مسائل عليّ بن جعفر : ١٨١ / ٣٤٦ ، وأورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٥٦ ، وكذا الميرزا النوري في مستدرك الوسائل ، الباب ٥ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

١٧٩

وفي خبر معاوية بن عمّار عن المعلّى بن خنيس أنّه سأل (١) أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا عنده ـ عن السجود على القفر وعلى القير ، فقال : «لا بأس» (٢).

وعن معاوية بن عمّار أيضا ـ في الصحيح ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة ، إلى أن قال : «وتصلّي على القير والقفر وتسجد عليه» (٣).

ولكن هذه الأخبار معارضة لصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام :أسجد على الزفت ، يعني القير؟ فقال : «لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش» (٤).

وقوله عليه‌السلام في خبر [ محمّد بن ] (٥) عمرو بن سعيد ، المتقدّم (٦) : «لا تسجد على القفر ، ولا [ على ] (٧) القير ، ولا على الصاروج».

وقد حكي عن الشيخ رحمه‌الله حمل أخبار الجواز على الضرورة أو التقيّة (٨).

__________________

(١) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة زيادة : «رجل». والصحيح عدمها ؛ حيث إنّ السائل هو نفس المعلّى بن خنيس ، لا حظ المصادر في الهامش التالي.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ / ١٢٥٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ / ٨٩٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٠ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ / ١٢٤٢ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٦) في ص ١٧٧.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٠٣ ، ذيل ح ١٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ، ذيل ح ١٢٥٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٥٦.

١٨٠