مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

«اجهر به وارفع به صوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك» (١) الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه.

وهو إذا كان في منزله يفيد كثرة الولد وذهاب السقم ، كما يدلّ عليه خبر هشام بن إبراهيم : أنّه شكى إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام سقمه وأنّه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي سقمي ، وكثر ولدي (٢).

وعن محمّد بن راشد أنّه قال : وكنت دائم العلّة ما انفكّ منها في نفسي وجماعة خدمي ، فلمّا سمعت ذلك من هشام عملت به ، فأذهب الله عنّي وعن عيالي العلل (٣).

(وكلّ ذلك يتأكّد في الإقامة) بلا إشكال في بعضها ، كالاستقبال وترك الكلام في خلالها ، كما أنّه لا شبهة في مشاركة الإقامة للأذان في بعض الأمور المذكورة قبل هذه السبعة ، وكون استحبابه فيها آكد ، كالطهارة والقيام ، كما لا يخفى ذلك على من راجع الأخبار المتقدّمة الواردة فيها.

وأمّا بعضها الآخر كالوقف في أواخر الفصول ، ورفع الصوت بها ، وكونها حدرا بعكس الأذان فتأكّد استحبابها فيها لا يخلو عن تأمّل ، بل في المدارك نفى استحباب رفع الصوت في الإقامة حيث قال في شرح عبارة المتن : ويستثنى من ذلك رفع الصوت ، فإنّه ليس بمسنون في الإقامة (٤).

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٢٥ ، الهامش (١).

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٧.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٩.

٣٤١

أقول : ويمكن دعوى استفادة استحبابه في الجملة من قوله عليه‌السلام في الصحيحة المتقدّمة (١) : «وإذا أقمت فدون ذلك» وإن لا تخلو عن تأمّل.

وكيف كان فلا دليل على تأكّده فيها ، كغيره ممّا ذكره ، وكون استحباب الإقامة في حدّ ذاتها متأكّدا لا يقتضي تأكّد استحباب آدابها المسنونة ، والله العالم.

(ويكره الترجيع في الأذان إلّا أن يريد الإشعار) كما حكي عن غير واحد (٢) ، بل عن التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا (٣) ، ولكنّهم اختلفوا في تفسيره.

قال صاحب المدارك : اختلف العلماء في حقيقة الترجيع ، فقال الشيخ في المبسوط : إنّه تكرار التكبير والشهادتين من أوّل الأذان (٤). وقال الشهيد في الذكرى : إنّه تكرار الفصل زيادة على الموظّف (٥). وذكر جماعة (٦) من أهل اللغة أنّه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما ، وهو قول الشافعي (٧) ؛ فإنّه استحبّ

__________________

(١) في ص ٣٤٠ ـ ٣٤١.

(٢) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٩٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٦٢ ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (من الرسائل العشر) : ٧٢ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٧.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ٤٥ ، المسألة ١٥٩ ، منتهى المطلب ٤ : ٣٧٧ ، وحكاه عنهما الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٣٨١.

(٤) المبسوط ١ : ٩٥.

(٥) الذكرى ٣ : ٢٠١.

(٦) منهم : الفيروزآبادي في القاموس المحيط ٣ : ٢٨ «رجع».

(٧) الأم ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٦٢ ـ ٦٣ ، المجموع ٣ : ٩١ ، روضة الطالبين ١ : ٣١٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٤١٢ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٠.

٣٤٢

الترجيع بهذا المعنى ، تعويلا على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا محذورة بذلك (١).

وردّ بما رواه العامّة أيضا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما خصّ أبا محذورة بالشهادتين سرّا ثمّ بالترجيع جهرا ؛ لأنّه لم يكن مقرّا بهما (٢).

واختلف الأصحاب أيضا في حكم الترجيع ، فقال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنّه غير مسنون (٣). وقال ابن إدريس وابن حمزة : إنّه محرّم (٤). وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٥) ، وذهب آخرون إلى كراهته.

والمعتمد : التحريم ؛ لأنّ الأذان سنّة متلّقاة من الشارع كسائر العبادات ، فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما (٦). انتهى.

أقول : تكرار الشهادتين أو التكبير أو مطلق شي‌ء من الفصول زيادة ، فإن كان بعنوان التوظيف والجزئيّة ، فهو تشريع محرّم ، والنبوي الذي عوّل عليه الشافعي في الحكم باستحبابه لا يصلح دليلا عليه وإن قلنا بقاعدة التسامح ؛ لما أشار إليه في المدارك (٧) من إمكان اختصاصه بمورده ، حيث حكى أنّ أبا محذورة كان مستهزئا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مقرّ بالشهادتين ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالترجيع ، فهو ليس

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٤ / ٧٠٨ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٦ / ٥٠٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٣ و ٣٩٤ ، مسند أحمد ٣ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٤ / ٧٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٥ ـ ٦ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٣ / ١ ، مسند أحمد ٣ : ٤٠٨ و ٤٠٩.

(٣) المبسوط ١ : ٩٥ ، الخلاف ١ : ٢٨٨ ، المسألة ٣٢.

(٤) السرائر ١ : ٢١٢ ، الوسيلة : ٩٢.

(٥) النهاية : ٦٧.

(٦) مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

(٧) مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٩.

٣٤٣

بمستحبّ ، فلا يجوز إتيانه بقصد التوظيف ، ومراد القائلين بكراهته على الظاهر ما لو أتى به لا بهذا القصد ، بل بزعم كونه زيادة خير ، أو بنيّة الإجادة أو التطويل أو التأكيد والمبالغة ، أو غير ذلك من الدواعي الموجبة له ، لا بعنوان التشريع ، كما يفصح عن إرادتهم لمثل هذه الفروض استثناؤهم صورة قصد الإشعار.

وكيف كان فمقتضى الأصل جوازه فيما إذا لم يكن بعنوان التشريع ، ولكن حيث حكم الأصحاب بكراهته فلا يبعد الالتزام به من باب المسامحة.

ولكن هذا فيما إذا لم يقصد به الإشعار ، وإلّا فلا شبهة في جوازه بل رجحانه ، كما يدلّ عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادة أو في «حيّ على الصلاة» أو «حيّ على الفلاح» مرّتين والثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» (١).

وفي المدارك بعد نقل هذه الرواية قال : وهي ضعيفة الإسناد ، ولكن ظاهر العلّامة في المختلف (٢) الاتّفاق على العمل بمضمونها ، فإن تمّ فهو الحجّة ، وإلّا ثبت المنع بما ذكرناه (٣). انتهى.

وفيه ـ بعد الغضّ عن انجبار ضعف الخبر بالعمل ، وكفاية الخبر الضعيف لإثبات الحكم في مثل المقام ـ : أنّ ما ذكره وجها للمنع من كون الزيادة تشريعا محرّما إنّما هو فيما لو قصد به التوظيف والجزئيّة ، لا الإشعار أو انتظار الجماعة و

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ـ ٦٤ / ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٩ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ١٤٥ ، ضمن المسألة ٧٩.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٠.

٣٤٤

نحوه ، كما هو واضح.

(وكذا يكره قول : الصلاة خير من النوم).

وفي المدارك قال : هذا هو المعبّر عنه بالتثويب على ما نصّ عليه الشيخ في المبسوط (١) وأكثر الأصحاب ، وصرّح به جماعة من أهل اللغة منهم : ابن الأثير في النهاية ، وقال : إنّما سمّي تثويبا لأنّه من ثاب يثوب إذا رجع ، فإنّ المؤذّن إذا قال :حيّ على الصلاة ، فقد دعاهم إليها ، فإذا قال بعدها : الصلاة خير من النوم ، فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها (٢). وقال الشيخ في النهاية : التثويب تكرير الشهادتين والتكبير (٣). وقال ابن إدريس : التثويب تكرير الشهادتين دفعتين ؛ لأنّه مأخوذ من ثاب إذا رجع (٤). وفسّره بعضهم بما يقال بين الأذان والإقامة من الحيّعلتين مثنى في أذان الصبح. (٥).

واختلف الأصحاب في حكم التثويب في الأذان الذي هو عبارة عن قول :«الصلاة خير من النوم» بعد اتّفاقهم على إباحته للتقيّة ، فقال ابن إدريس وابن حمزة بالتحريم (٦) ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٧) ، سواء في ذلك أذان

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٥.

(٢) النهاية ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ «ثوب».

(٣) النهاية : ٦٧.

(٤) السرائر ١ : ٢١٢.

(٥) قاله أبو حنيفة ، كما في الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ٤١ ، والمغني ١ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

(٦) السرائر ١ : ٢١٢ ، الوسيلة : ٩٢.

(٧) النهاية : ٦٧.

٣٤٥

الصبح وغيره. وقال الشيخ في المبسوط ، والمرتضى في الانتصار بكراهته (١). وقال ابن الجنيد : إنّه لا بأس به في أذان الفجر خاصّة (٢). وقال الجعفي رحمه‌الله : تقول في أذان الصبح بعد قولك : «حيّ على خير العمل» : «الصلاة خير من النوم» مرّتين ، وليستا من أصل الأذان (٣).

والمعتمد : التحريم. لنا : أنّ الأذان عبادة متلقّاة من صاحب الشرع ، فيقتصر في كيفيّتها على المنقول (٤). انتهى.

أقول : وربما يشهد للجعفي ما عن المحقّق في المعتبر نقلا من كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «الأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله» وقال في آخره : «لا إله إلّا الله» مرّة ، ثمّ قال : «إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خير من النوم ، بعد حيّ على خير العمل ، وقل بعد الله أكبر : لا إله إلّا الله ، ولا تقل في الإقامة : الصلاة خير من النوم ، إنّما هو في الأذان» (٥).

وربما يؤيّده ما رواه الشيخ بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان أبي ينادي في بيته : الصلاة خير من النوم» (٦).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٥ ، الانتصار : ٣٩.

(٢) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٢٠١.

(٣) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٢٣٨.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٥) المعتبر ٢ : ١٤٥ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٩ ، والباب ٢٢ من تلك الأبواب ، ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٣ / ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٦ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٣٤٦

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «النداء والتثويب في الإقامة (١) من السنّة» (٢).

ولكن يحتمل أن يكون المراد بالتثويب في هذه الرواية تكرار الفصول زيادة على الموظّف بقصد الإشعار ، كما يؤيّد هذا الاحتمال روايته المتقدّمة (٣) في الترجيع.

وكذا صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتهليلتين وتكبيرتين ، وإن شئت زدت على التثويب حيّ على الفلاح ، مكان : الصلاة خير من النوم» (٤) إذ الظاهر أنّ المراد بها : إن شئت الزيادة على التكرار الموظّف في الأذان ، فكرّر «حيّ على الفلاح» مكان التثويب المبتدع.

كما أنّه يحتمل أن يكون ما حكاه أبو جعفر عن أبيه عليهما‌السلام في خبر (٥) محمّد ابن مسلم من أنّه كان ينادي في بيته : الصلاة خير من النوم ، هو قبل طلوع الفجر لأجل التنبيه ، لا في أثناء الأذان أو الإقامة ، كما يؤيّد هذا الاحتمال خبر زيد النرسي ـ المرويّ عن كتابه ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر ،

__________________

(١) في الاستبصار : «الأذان» بدل «الإقامة».

(٢) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٥ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٣) في ص ٣٤٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٣ / ٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٨ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢ ، والباب ٢٢ من تلك الأبواب ، ح ٢.

(٥) تقدّم الخبر في ص ٣٤٦.

٣٤٧

فقال : «لا ، إنّما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع» قلت : فإن كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبّههم؟ قال : «فلا يؤذّن ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، يقولها مرارا» (١).

وأمّا خبر (٢) ابن سنان : فهو صريح فيما قال به الجعفي (٣).

وقد حكي عن الشيخ أنّه حمل هذه الأخبار بأسرها على التقيّة ؛ لإجماع الطائفة على ترك العمل بها (٤). ولقد أجاد في ذلك.

ولكن حكي عن المصنّف في المعتبر الاعتراض عليه ، فإنّه ـ بعد أن روى خبر ابن سنان ، المتقدّم (٥) ، ونقل عن الشيخ في الاستبصار حمله على التقيّة ـ قال : ولست أرى في هذا التأويل شيئا ؛ فإنّ في جملة الأذان «حيّ على خير العمل» وهو انفراد الأصحاب ، فلو كان للتقيّة ، لما ذكره ، لكنّ الأوجه أن يقال : فيه روايتان عن أهل البيت عليهم‌السلام ، أشهرهما ، تركه (٦). انتهى.

وأجاب عنه غير واحد (٧) ممّن تأخّر عنه : بأنّه ليس في الرواية تصريح بأنّه يقول : «حيّ على خير العمل» جهرا ، فيحتمل قويّا معهوديّة الإتيان بقول : «حيّ

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٤ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم الخبر في ص ٣٤٦.

(٣) تقدّم تخريج قوله في ص ٣٤٦ ، الهامش (٣).

(٤) التهذيب ٢ : ٦٣ ، ذيل ح ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ، ذيل ح ١١٤٦ ، وحكاه عنه العاملي في الوسائل ، ذيل ح ٤ من الباب ٢٢ من أبواب الأذان والإقامة.

(٥) في ص ٣٤٦.

(٦) المعتبر ٢ : ١٤٥ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٢.

(٧) كالعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٢ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢١.

٣٤٨

على خير العمل» لدى الشيعة سرّا من باب التقيّة ، فأمره الإمام بأن يقول بعده جهرا : «الصلاة خير من النوم» لأجل التقيّة ، كما يؤيّده اشتمالها على التهليل في آخر الأذان مرّة واحدة ، فإنّ العامّة أجمعوا على الوحدة ، كما أنّ الشيعة أجمعت على التثنية على ما ادّعاه في محكيّ البحار (١) ، كما أنّ ما في أوّلها من التكبير مرّتين أيضا لا يخلو عن تأييد ، مضافا إلى شهادة بعض الأخبار بكونه من مبتدعات العامّة المقتضية للتقيّة.

كخبر زيد النرسي ـ المرويّ عن كتابه ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «الصلاة خير من النوم ، بدعة بني أميّة ، وليس ذلك من أصل الأذان ، ولا بأس إذا أراد [ الرجل ] أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك ، ولا يجعله من أصل الأذان ، فإنّا لا نراه أذانا» (٢).

وعن الفقه الرضوي : «ليس في الأذان : الصلاة خير من النوم» (٣).

وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة ، فقال : «ما نعرفه» (٤).

وكيف كان فلا شبهة في أنّه ليس من أصل الأذان ، فإتيانه بعنوان الجزئيّة تشريع محرّم ، وأمّا بقصد التنبيه ونحوه فمقتضى الأصل جوازه ، ولكن ربما

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٤ : ١١٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢١.

(٢) أصل زيد النرسي (ضمن الأصول الستّة عشر) : ٥٤ ـ ٥٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٢ ، ذيل الرقم ٧٦.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٤٩ / ٤٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٨ / ٨٩٥ ، التهذيب ٢ : ٦٣ / ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ / ١١٤٧ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

٣٤٩

يستشعر من صحيحة معاوية ومن خبر زيد كراهته ، ويؤيّده فتوى الأصحاب بذلك ، فهو لا يخلو عن وجه.

وأمّا خبر ابن سنان وغيره ممّا يظهر منه استحبابه : فإن أمكن تأويله فهو ، وإلّا فالمتعيّن ردّ علمه إلى أهله بعد استقرار المذهب على خلافه ، والله العالم.

٣٥٠

(الرابع) من الأمور التي يقع النظر فيها في هذا المبحث : (في أحكام الأذان).

(وفيه مسائل) :

(الأولى : من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثمّ استيقظ) بنى على أذانه وإقامته ؛ إذ لا دليل على بطلانهما بالنوم ، والمرجع لدى الشكّ في اشتراطهما بأن لا يتخلّل بينهما النوم أصالة البراءة ، كما تقرّر في محلّه.

نعم ، بناء على اشتراط الطهارة في الإقامة ـ كما ذهب إليه غير واحد (١) ـ أمكن دعوى استفادة مانعيّة الحدث الواقع في خلالها من نوم وغيره من بعض أدلّته التي (٢) نزّلها منزلة الصلاة (٣) التي يبطلها الحدث في أثنائها ولو في غير حال التشاغل بأجزائها.

ولكنّك عرفت في محلّه ضعف المبنى ، فالأقوى عدم اختلالهما بالنوم الواقع في خلالهما.

ولكن هذا إذا لم يكن مخلّا بالتوالي بأن لم يتحقّق به فصل معتدّ به مانع عن

__________________

(١) كالسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل : ٦٤ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٩٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٦٦ ، والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٤ : ٤٠٠.

(٢) كذا ، والظاهر : «الذي».

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٥ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٢.

٣٥١

ارتباط بعض الأجزاء ببعض بحيث يعدّ المجموع بنظر العرف عملا واحدا ، وإلّا بطل من حيث فوات الموالاة ، كما صرّح به غير واحد (١).

وعلّله في المدارك بأنّه لم ينقل عنهم عليهم‌السلام الفصل بين فصولهما ، والعبادة سنّة متلقّاة من الشارع ، فيجب الاقتصار فيها على ما ورد به النقل (٢).

وفيه : أنّ الذى يتوقّف على النقل والتلقّي من الشارع إنّما هي الأجزاء والشرائط المعتبرة في العبادة ، فلا يجوز إقحام شي‌ء فيها بعنوان الجزئيّة أو الشرطيّة ما لم يرد به النقل ، وأمّا ما يحتمل اعتباره فيه فينفى بالأصل ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وربما يستدلّ له بمرسلة الفقيه عن أبي جعفر عليه‌السلام : «تابع بين الوضوء ـ إلى أن قال ـ وكذلك الأذان والإقامة ، فابدأ بالأوّل فالأوّل ، فإن قلت : حيّ على الصلاة ، قبل الشهادتين ، تشهّدت ثمّ قلت : حيّ على الصلاة» (٣).

وفيه : أنّ الرواية كالنصّ في إرادة الترتيب من المتابعة.

وما يقال ـ من أنّ ذكر الترتيب فيها لا يقتضي بكونه المراد من المتابعة خاصّة سيّما بعد إفادة الفاء له وللتعقيب أيضا ـ ففيه : أنّ سوق الرواية يشهد بأنّ ما ذكر فيها من الترتيب أريد به تفسير المتابعة التي أمر بها في صدر الكلام ، ولفظة الفاء في قوله : «الأوّل فالأوّل» جارية مجرى العادة في مقام التعبير ، فلا تدلّ على

__________________

(١) كالعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٣٦ ، ومنتهى المطلب ٤ : ٣٩٤ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤١٣ ـ ٤١٤ ، والشهيد الأوّل في البيان : ٧٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٨٠ ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام ١ : ١٩٠ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٢.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٢٩ / ٨٩ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

٣٥٢

إرادة التعقيب بلا مهلة ، كما أنّ ما وقع في ذيل الرواية وكذا في صدرها في الوضوء من التعبير بلفظ «ثمّ» في جلّ الفقرات التي هي بمنزلة التفسير لهذا المجمل لا تدلّ على عكسه ، أي إرادة التعقيب مع المهلة.

فالأولى الاستدلال له بظهور الأمر المتعلّق بمثل هذه العبادات المركّبة في إرادة الإتيان بأجزائها متوالية ، كما تقدّم (١) توضيحه في مبحث التيمّم ، ولكنّه لا يخلو عن تأمّل ، كما أنّ تنزيل إطلاق المتن ونحوه على النوم الغير المنافي للموالاة لا يخلو عن إشكال ؛ لكونه تقييدا بالفرد الخفي الذي قد ينصرف عنه الإطلاق ، مع إمكان أن يدّعى أنّ النوم المستولي على القلب الموجب لتعطيل الحواسّ ـ الذي هو نوم حقيقي ـ هو في حدّ ذاته ـ كالفصل الطويل ـ مانع عرفا عن حصول التوالي وإن لا يخلو عن نظر بل منع.

وكيف كان فالأحوط إن لم يكن أقوى هو الاستئناف إن أخلّ بالمتابعة العرفيّة.

وإن لم يخلّ أيضا (استحبّ له استئنافه) رعاية للاحتياط الذي تقدّمت الإشارة إليه ، بناء على استحباب الاحتياط شرعا ، كما ليس بالبعيد (و) لكن (يجوز البناء) كما عرفت.

(وكذا لو أغمي عليه) في خلال الأذان أو الإقامة ، فحاله حال ما لو نام في أثنائهما.

(الثانية : إذا أذّن ثمّ ارتدّ ، جاز) للإمام أو غيره (أن يعتدّ به ويقيم

__________________

(١) في ج ٦ ، ص ٢٥٣ وما بعدها.

٣٥٣

غيره) ولو رجع هو بنفسه اجتزأ به ولم يعده ؛ لسقوط التكليف به حين فعله ، فلا مقتضى لإعادته.

(ولو ارتدّ في أثناء الأذان ثمّ رجع ، استأنف على قول) نسبه في المدارك إلى الشيخ في المبسوط (١).

وهو ضعيف ؛ فإنّ الارتداد في الأثناء ـ كالارتداد بعد العمل ـ لا يؤثّر في انقلاب ما وقع عمّا هو عليه من الصحّة ، فالأقوى جواز البناء ما لم تفت الموالاة ، ومع فواته الاستئناف ، بناء على شرطيّة الموالاة ، كما لا يخلو عن قوّة ، والله العالم.

(الثالثة : يستحبّ لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه) بمعنى أنّه لا يقصد بفعله إنشاء الأذان الذي حكمة مشروعيّته الإعلام ، بل يقصد به الحكاية التي هي بمنزلة المخاطبة مع نفسه ، فالمراد بالحكاية مع نفسه الكلام معها قاصدا به الحكاية.

وربما يستشعر بل يستظهر من العبارة إرادة الإسرار به.

وهو ممّا لا دليل عليه ، بل ينافيه إطلاق النصوص والفتاوى ، كما ستعرف ، ولذا حمله المحقّق الكركي ـ فيما حكي عن فوائده على الكتاب ـ على أنّ المراد بحكايته مع نفسه أن لا يرفع صوته كالمؤذّن (٢).

وهذا أيضا لا يخلو عن نظر ، فالأولى تفسيره بما عرفت.

وكيف كان فيدلّ على استحباب حكاية الأذان ـ كما هو مذهب العلماء كافّة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٣ ، وراجع : المبسوط ١ : ٩٦.

(٢) حاشية شرائع الإسلام (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره) ١٠ : ١٤٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٩١.

٣٥٤

على ما ادّعاه في محكيّ المنتهى (١) ـ جملة من الأخبار.

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقوله في كلّ شي‌ء» (٢).

وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا ، قال له : «يا محمّد بن مسلم لا تدعنّ ذكر الله عزوجل على كلّ حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل ، وقل كما يقول المؤذّن» (٣).

وعن الصدوق مرسلا قال : وروي «أنّ من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذّن زيد في رزقه» (٤).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذّن ، ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال ، لأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال» (٥).

وخبر سليمان بن [ مقبل ] (٦) قال : قلت لموسى بن جعفر عليه‌السلام : لأيّ علّة يستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذّن وإن كان على البول والغائط؟ قال : «إنّ ذلك يزيد في الرزق» (٧).

__________________

(١) منتهى المطلب ٤ : ٤٣٢ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٧ / ٢٩ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٧ / ٨٩٢ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٩ / ٩٠٤ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٥) علل الشرائع : ٢٨٤ (الباب ٢٠٢) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٢.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «مقاتل». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٧) علل الشرائع : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ (الباب ٢٠٢) ح ٤ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٣.

٣٥٥

وصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أقول إذا سمعت الأذان؟قال : «اذكر الله مع كلّ ذاكر» (١).

ولكن في استفادة استحباب حكاية جميع الفصول حتى الحيّعلات من هذه الصحيحة لا يخلو عن تأمّل ؛ لانصراف اسم الذكر (٢) عنها ، بل قد يتأمّل في دلالتها على استحباب حكاية شي‌ء منها من حيث هي حتّى الأذكار ، فإنّه يصدق ذكر الله مع كلّ ذاكر على التعبير بالمرادف ونحوه ، ولا يتوقّف على حكاية ألفاظه بعينها.

اللهمّ إلّا أن يجعل بعض الأخبار المتقدّمة ـ كصحيحة محمّد بن مسلم ، ورواية أبي بصير ، المتقدّمتين (٣) ـ مبيّنا لما أريد من الذكر في هذه الصحيحة ، وهو «أن يقول كما يقول المؤذّن» لظهورهما في أنّ المراد بالذكر المأمور به عند سماع الأذان هو هذا ، فيشمل الحيّعلات أيضا وإن انصرف عنها إطلاق الذكر ؛ فإنّ ظاهر الخبرين كغيرهما ممّا دلّ على استحباب حكاية الأذان : إرادة جميع فصوله ، فعدّ الحيّعلات من الذكر إمّا من باب التغليب ، أو بواسطة اقترانها بقصد التقرّب المصحّح لإطلاق الذكر عليها ببعض الملاحظات ، كإطلاقه على الدعاء ونحوه.

وكيف كان فظاهر الأخبار المتقدّمة خصوصا بعضها : استحباب حكاية جميع الفصول.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٤ (الباب ٢٠٢) ح ٣ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٢) في «ض ١٢» : «اسم ذكر الله».

(٣) في ص ٣٥٥.

٣٥٦

ولا ينافيها ما عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان (١) يقول إذا قال المؤذّن : حيّ على الصلاة : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٢) ورواه في المدارك (٣) حاكيا عن المبسوط هكذا : إنّه قال يقول إذا قال ، الحديث ، بإبدال لفظ «كان» بـ «قال» لا لضعف سنده ؛ لكفاية مثل هذا الخبر في إثبات الاستحباب.

ويحتمل أن يكون مراد الشيخ بالرواية التي أرسلها هي ما حكي عن كتاب دعائم الإسلام مرسلا أنّه قال : روينا عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا سمع المؤذّن قال كما يقول ، فإذا قال : حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح حيّ على خير العمل ، قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٤) أو الخبر العاميّ الذي رواه مسلم في صحيحه ، وغيره في غيره ـ على ما حكي (٥) عنهم ـ بأسانيد عن عمر ومعاوية أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إذا قال المؤذّن : الله أكبر الله أكبر ، قال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، ثمّ قال : أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، قال : أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، ثمّ قال : حيّ على الصلاة ، قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، ثمّ قال : حيّ على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، ثمّ قال : الله أكبر الله أكبر ، قال : الله أكبر الله أكبر ، ثمّ قال : لا إله إلّا الله ، قال : لا إله

__________________

(١) في المبسوط : «قال» بدل «كان».

(٢) المبسوط ١ : ٩٧ ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٦ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢٣ ، وفيهما «كان» كما في المتن.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٤.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٩ / ١١.

(٥) الحاكي هو المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٦ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٢٣.

٣٥٧

إلّا الله ، من قلبه ، دخل الجنّة» (١).

وهذه الرواية وإن كانت عامّية ، وما تضمّنه من كيفيّة الأذان مخالف للمذهب ، ولكن مع ذلك أمكن الالتزام بمضمونها من إبدال الحيّعلات بالحوقلة ، كما أنّه يمكن الالتزام به ، تعويلا على مرسلتي المبسوط والدعائم من باب المسامحة ، ولكن لا يصلح مثل هذه الأخبار قرينة لصرف الأخبار المتقدّمة عن ظاهرها ، كما لا يخفى.

مع أنّا قد أشرنا آنفا إلى أنّ مثل هذه الروايات على تقدير صحّتها أيضا لا تكون معارضة للأخبار المتقدّمة الدالّة على استحباب أن يقول مثل ما يقول المؤذّن في كلّ شي‌ء ؛ لعدم التنافي في المستحبّات ، فمن الجائز استحباب كلّ منهما ، وكون الحوقلة أفضل ، أو كونه أحد فردي المستحبّ التخييري ، أو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجمع بين الحوقلة وحكاية الحيّعلة ، والله العالم.

وهاهنا فوائد :

الأولى : حكي عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : من كان خارج الصلاة قطع كلامه وحكى قول المؤذّن ،وكذا لو كان يقرأ القرآن قطع وقال كقوله ؛ لأنّ الخبر على عمومه (٢). انتهى.

وفي المدارك بعد أن حكى كلام الشيخ قال : ومقتضى كلامه أنّه لا تستحبّ حكايته في الصلاة ، وبه قطع العلّامة في التذكرة ، وكأنّه لفقد العموم المتناول

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٨٩ / ٣٨٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٥ / ٢٥٧ ، سنن البيهقي ١ : ٤٠٩.

(٢) المبسوط ١ : ٩٧ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٤.

٣٥٨

لحال الصلاة ، ولو حكاه ، لم تبطل صلاته إلّا أن يحيعل (١). انتهى.

أقول : وتبعه بعض من تأخّر عنه في دعوى عدم تناول العموم لحال الصلاة ، وعلّله بأنّ الإقبال على الصلاة أهمّ من حكاية الأذان (٢).

وفيه ـ بعد الغضّ عن عدم التنافي ، وإمكان الجمع ـ أنّ الأهمّيّة لا تصلح مانعة عن أصل الاستحباب ، ولا موجبة لانصراف دليله ، كما في سائر المستحبّات المتزاحمة التي بعضها أهمّ.

فالحقّ أنّ حال الصلاة كغيره من الأحوال التي لا يقصر عن تناولها العموم لو لم يكن نقل الحيّعلات موجبا لقطعها ، أو لم يكن قطعها محرّما.

ولكن دلّت الأدلّة المعتبرة على أنّ الكلام عمدا مطلقا حتى الأنين ـ كما هو صريح بعضها ـ موجب لبطلان الصلاة ، ولم يستثن من ذلك إلّا الكلام الذي يناجى به الربّ جلّ ذكره من ذكر أو دعاء أو قراءة ، ومن الواضح أنّ قول : «حيّ على الصلاة» أو : «حيّ على الفلاح» أو نحو ذلك ليس من شي‌ء من ذلك ، ولذا لا يجوز التكلّم به في غير مقام الحكاية بلا خلاف.

وصحّة إطلاق الذكر على حكايته ببعض الملاحظات ـ كما تقدّمت الإشارة إليه في مقام توجيه خبري محمّد بن مسلم وأبي بصير ، المتقدّمين (٣) ـ لا يصحّح إرادته من إطلاق الذكر المستثنى من الكلام العمدي المبطل للصلاة ، كما هو

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩٤ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ٣ : ٨٣ ، الفرع «ب» من المسألة ١٨٥.

(٢) العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٨٣ ، الفرع «ب» من المسألة ١٨٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٢٩.

(٣) في ص ٣٥٥.

٣٥٩

واضح.

فما قد يتوهّم ـ من حكومة الخبرين على العمومات الدالّة على أنّ من تكلّم في صلاته متعمّدا فعليه الإعادة حيث يعمّم بهما موضوع الذكر الذي خصّص به هذه العمومات ـ في غير محلّه.

وأضعف من ذلك توهّم تخصيص هذه العمومات بعموم ما دلّ على استحباب حكاية الأذان على كلّ حال ، كما يخصّص به عموم ما دلّ على كراهة الكلام في الخلاء ؛ إذ لا تنافي بين هذه العمومات من حيث هي ، وبين عموم ما دلّ على استحباب الحكاية على كلّ حال ؛ ضرورة أنّ شمول استحبابها لحال الصلاة لا يقتضي ارتفاع أثرها الوضعي ، أي البطلان الحاصل بنقل الحيّعلات ، الموجب للإعادة ، كما أنّه قد يجب الكلام في أثناء الصلاة من باب الأمر بالمعروف ؛ لعموم أدلّته ، ولا يرتفع به أثره الوضعي ، ولا يقاس ذلك بما لو دلّ عليه دليل بالخصوص ، كما لا يخفى وجهه ، فالتنافي أوّلا وبالذات يقع بين عموم دليل استحباب الحكاية ، وبين الحكم التكليفي الثابت للكلام العمدي ، وهو الحرمة الناشئة من سببيّتها للقطع ، ومن الواضح عدم صلاحيّة عموم أدلّة المستحبّات لصرف أدلّة العزائم ، ولذا لم ينازع أحد في حرمتها على تقدير سببيّتها للقطع ، ومن قال بجوازها زعم أنّها ليست بقاطعة ، فحرمة إبطال الصلاة غير مخصّصة بأدلّة الحكاية بلا خلاف في ذلك ولا إشكال.

فمن هنا قد يتخيّل أنّ المعارضة حينئذ تقع بين عموم استحباب الحكاية وعموم «من تكلّم في الصلاة متعمّدا فعليه الإعادة» حيث يعلم إجمالا أنّ هذا الكلام إن كان مستحبّا ، لا يقطع الصلاة ، وإن كان قاطعا ، لا يجوز ، فلا بدّ في

٣٦٠