مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

والتهذيب ـ في الصحيح ـ عن عمران بن عليّ (١) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان قبل الفجر ، قال : «إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس» (٢).

وعن الشيخ ـ في الصحيح ـ عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا مؤذّنا يؤذّن بليل ، فقال : «أما إنّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأمّا السنّة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلّا الركعتان» (٣).

وعن ابن سنان أيضا ـ في الصحيح ـ قال : سألته عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : «لا بأس ، وأمّا السنّة مع الفجر ، وإنّ ذلك لينفع الجيران» يعني قبل الفجر (٤).

وعن الصدوق ـ في الصحيح ـ عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلّا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا ، وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤذّنان ، أحدهما : بلال ، والآخر : ابن أمّ مكتوم ، وكان ابن أمّ مكتوم أعمى ، وكان يؤذّن قبل الصبح ، وكان بلال يؤذّن بعد الصبح ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال ، فغيّرت العامّة هذا الحديث عن جهته ، وقالوا : إنّه عليه‌السلام قال :إنّ بلالا يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أمّ مكتوم» (٥).

__________________

(١) في الكافي : «يحيى بن عمران [ بن علي ] الحلبي».

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٨ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٦ ، و ١٩٣ ـ ١٩٤ / ٩٠٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١ و ٢.

٣٠١

أقول : استقرب في الحدائق كون قوله : «فغيّرت العامّة» إلى آخره ، من كلام الصدوق ، لا من تتمّة الرواية. وحكى عن ظاهر الشهيد في الذكرى أيضا نسبته إلى الصدوق (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان بلال يؤذّن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أمّ مكتوم وكان أعمى يؤذّن بليل ، ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر» (٢).

وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال (٣) : «هذا ابن أمّ مكتوم وهو يؤذّن بليل ، فإذا أذّن بلال فعند ذلك فأمسك» يعني في الصوم (٤).

واحتج السيّد في المسائل [ الناصريّة ] للمنع ـ على ما حكي عنه ـ بأنّ الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها ، ففعله قبل وقتها وضع للشي‌ء في غير موضعه.

وبأنّه روي أنّ بلالا أذّن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعيد الأذان.

وروى عن عياض بن عامر (٥) عن بلال أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «لا تؤذّن حتى يستبين لك الفجر هكذا» ومدّيده عرضا (٦) (٧).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٣٩٦ ، وراجع : الذكرى ٣ : ١٩٨.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٣٠٠ ، الهامش (٥).

(٣) كذا قوله : «أنّه قال» في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة ، وفي المصدر : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال».

(٤) الكافي ٤ : ٩٨ / ١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٥) في سنن أبي داود : «شدّاد مولى عياض بن عامر».

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٤٧ / ٥٣٤ ، كنز العمّال ٧ : ٦٩٦ / ٢٠٩٧٥.

(٧) مسائل الناصريّات : ١٨٢ ـ ١٨٣ ، المسألة ٦٨ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، المسألة ٨٠.

٣٠٢

وأجيب عن الأوّل : بمنع حصر فائدة الأذان في الإعلام ؛ فإنّ له فوائد أخر ، كالتأهّب للصلاة واغتسال الجنب وامتناع الصائم من الأكل والجماع ونحو ذلك.

وعن الرواية الأولى : بالقول بالموجب ؛ إذ لا خلاف في استحباب إعادة الأذان.

وعن الثانية : بأنّه عليه‌السلام أمره بذلك ؛ لأنّ ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن قبل الفجر ، فجعل أذان بلال علامة على دخوله (١).

أقول : إن أراد السيّد منع تقديم الأذان على الفجر مطلقا وإن لم يقصد به الأذان المسنون الموظّف في الشريعة ، فالأخبار المتقدّمة حجّة عليه.

وإن أراد المنع عنه مع قصد التوظيف ، فهو غير بعيد عن ظاهر الروايات ، خصوصا بملاحظة ما في بعضها من التصريح بأنّ السنّة مع الفجر ، وأنّ ذلك ينفع الجيران ؛ فإنّه مشعر بأنّ المأتيّ به قبل الفجر ليس بمسنون ، بل هو عمل سائغ فيه منفعة الجيران.

وربما يؤيّد ذلك ـ مضافا إلى الخبرين المتقدّمين (٢) في كلام السيّد ـ ما عن المحدّث المجلسي في البحار من كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنّه سمع الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال : «شيطان» ثمّ سمعه عند طلوع الفجر فقال :«الأذان حقّا».

ومنه أيضا عن أبي الحسن عليه‌السلام [ قال ] (٣) : سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر ،

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «دخولها». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في ص ٣٠٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٣٠٣

فقال : «لا ، إنّما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع» قلت : فإن كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبّههم؟ قال : «فلا يؤذّن ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، يقولها مرارا ، وإذا طلع الفجر أذّن فلم يكن بينه وبين أن يقيم إلّا جلسة خفيفة بقدر الشهادتين وأخفّ من ذلك» (١).

ثمّ لو قلنا بجواز التقديم ، فهو رخصة من الشارع من باب التوسعة في وقته (لكن تستحبّ إعادته بعد طلوعه) أي الصبح ، كما يدلّ عليه أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلالا أن يعيد الأذان في الخبر المتقدّم (٢).

(والأذان على الأشهر) رواية والمشهور عملا وفتوى بل عن بعض دعوى الإجماع (٣) ، وعن آخر نسبته إلى علمائنا (٤) ، وعن الذكرى إلى عمل الأصحاب (٥) : (ثمانية عشر فصلا : التكبير أربعا ، والشهادة بالتوحيد ، ثمّ بالرسالة ، ثمّ يقول : حيّ على الصلاة ، ثمّ حيّ على الفلاح ، ثمّ حيّ على خير العمل ، والتكبير بعده ، ثمّ التهليل ، كلّ فصل مرّتان).

(والإقامة فصولها) على المشهور ، بل عن التذكرة : عندنا (٦) ، وعن

__________________

(١) أصل زيد النرسي (ضمن الأصول الستّة عشر) : ٥٤ ، بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٢ ، ذيل الرقم ٧٦ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٩٧.

(٢) في ص ٣٠٢.

(٣) السيّد ابن زهرة في الغنية : ٧٢ ـ ٧٣ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٣٩٨.

(٤) العلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٤١ ، المسألة ١٥٦ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤١١ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٠.

(٥) الذكرى ٣ : ١٩٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٠.

(٦) تذكرة الفقهاء ٣ : ٤٣ ، المسألة ١٥٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨١.

٣٠٤

المنتهى نسبته إلى علمائنا (١) ، وعن الذكرى إلى عمل الأصحاب (٢) : (مثنى مثنى ، ويزاد فيها) بين حيّ على خير العمل وبين التكبير (قد قامت الصلاة ، مرّتين ، ويسقط من التهليل في آخرها مرّة واحدة) فتكون سبعة عشر فصلا ، ومجموعهما خمسة وثلاثون فصلا.

وكفى دليلا لهما على التفصيل المزبور معروفيّة كونهما كذلك لدى الشيعة ؛ لقضاء العادة في مثل الأذان والإقامة بضبط فصولهما من الصدر الأوّل خصوصا بعد وقوع الخلاف بينهم وبين المخالفين ، الموجب لمزيد الالتفات وشدّة الاهتمام بالضبط ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عن الأصحاب قولا وعملا ، المعتضدة بالشهرة وعدم نقل الخلاف فيهما ، عدا ما عن الشيخ في الخلاف حاكيا عن بعض الأصحاب من أنّه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها : «قد قامت الصلاة» مرّتين (٣) ، وعن ابن الجنيد أنّه قال : التهليل في آخر الإقامة مرّة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد الأذان ، وإن كان قد أتى بها بغير أذان ، ثنّى «لا إله إلّا الله» في آخرها (٤).

ويشهد له أيضا خبر إسماعيل الجعفي ـ المرويّ عن الكافي ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا» ، فعدّد ذلك بيده واحدا واحدا ، الأذان ثمانية عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا (٥).

__________________

(١) منتهى المطلب ٤ : ٣٨٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨١.

(٢) الذكرى ٣ : ١٩٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨١.

(٣) الخلاف ١ : ٢٧٩ ، المسألة ٢٠ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٢.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٥٠ ، المسألة ٨٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

٣٠٥

وما فيه من الإجمال في الحروف فغير قادح بعد معروفيّتها في الشريعة ودلالة سائر الأخبار عليه.

والحاجة إلى الاستشهاد بمثل هذا الخبر لإثبات أنّ التكبير في أوّل الأذان أربع ، لا مرّتان ، وفي الإقامة بالعكس ، وأنّ التهليل في آخر الإقامة مرّة ، لا مرّتان ؛ لوقوع الاختلاف في النصوص والفتاوى في خصوص هذين الموردين دون سائر فصولهما ، فبالتدبّر في سائر النصوص والفتاوى يستكشف المراد بالخبر المزبور وانطباقه على المذهب المشهور.

ويدلّ أيضا على فصول الأذان مفصّلا على النحو المذكور في المتن : خبر المعلّى بن خنيس ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يؤذّن ، فقال : «الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، لا إله إلّا الله» (١).

وخبر أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه حكى لهما الأذان ، فقال : «الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، لا إله إلّا الله ، والإقامة كذلك» (٢).

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٠٦ / ١١٣٦ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٨ / ٨٩٧ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٦١ / ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ / ١١٣٥ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

٣٠٦

وما في ذيل هذه الرواية من قوله : «والإقامة كذلك» لا يخلو عن تشابه ؛ فإنّ من مقوّمات ماهيّتها نصّا وفتوى قول : «قد قامت الصلاة» فلذا قد يحتمل أن تكون هذه الفقرة من كلام الراوي معطوفا على الأذان ، فمعناه أنّه عليه‌السلام حكى الإقامة أيضا كالأذان مفصّلا ، ولكن الراوي لم يتعرّض لتفصيلها ؛ لوضوحه عندهم.

ولكن سوق التعبير يشهد بأنّه من كلام الإمام عليه‌السلام ولكنّه لم يتعرّض لقول :«قد قامت الصلاة» تعويلا على وضوحه ، فعلى هذا تكون فصول الإقامة عشرين ، ويصير شاهدا للقول الذي حكاه الشيخ عن بعض الأصحاب كبعض الأخبار الآتية.

ويدلّ عليه أيضا في الأذان صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :«يا زرارة تفتح الأذان بأربع تكبيرات ، وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين» (١).

ولكن ربّما ينافي هذه الأخبار صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان ، قال : «تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، لا إله إلّا الله» (٢).

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة والفضيل بن يسار عن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٦١ / ٢١٣ ، و ٦٣ / ٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٨ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٢٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

٣٠٧

أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل وأقام ، فتقدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفّ الملائكة والنبيّون خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : فقلنا له : كيف أذّن؟ فقال : «الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله» إلى آخر ما في الخبر السابق ، ثمّ قال : «والإقامة مثلها إلّا أنّ فيها : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، بين حيّ على خير العمل وبين الله أكبر ، فأمر [ بها ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلالا فلم يزل يؤذّن بها حتّى قبض الله رسوله» (١).

وصحيحة صفوان الجمّال ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى» (٢).

وعن المعتبر نقلا من كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «الأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله الّا الله» وقال في آخره : «لا إله إلّا الله» مرّة (٣).

أقول : ربما تحمل هذه الرواية على أنّ المراد بالأذان فيها ما يعمّ الإقامة ، فما أخّره من قول : «لا إله إلّا الله ، مرّة» ليس مخالفا للمشهور.

وكيف كان فهذه الأخبار بظاهرها تدلّ على أنّ التكبير في أوّل الأذان كالإقامة مرّتان ، وهو مناف للأخبار المتقدّمة الدالّة على اعتبار الأربع.

وفي الوسائل ـ بعد أن روى عن الشيخ صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة (٤) ـ قال

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٠ / ٢١٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٤١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٣) المعتبر ٢ : ١٤٥ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٩.

(٤) في ص ٣٠٧.

٣٠٨

ما لفظه : أقول : حمله الشيخ رحمه‌الله على أنّه قصد إفهام السائل كيفيّة التلفّظ بالتكبير وكان معلوما عنده أنّ التكبير في أوّل الأذان أربع مرّات ، وحمله غيره على الإجزاء وبقيّة الأحاديث على الأفضليّة ، ولذلك استقرّ عليه عمل الشيعة (١). انتهى.

أقول : الأوفق بظواهر النصوص ما نقله عن غير الشيخ من حمل هذه الأخبار على الإجزاء وبقيّة الأحاديث على الأفضليّة.

وربما يومئ إلى ذلك ما عن الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من العلل عن الرضا عليه‌السلام قال : «إنّما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة منها : أن يكون تذكيرا للساهي ، وتنبيها للغافل ، وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، ويكون المؤذّن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق ، ومرغّبا فيها ، مقرّا له بالتوحيد ، مجاهدا بالإيمان ، معلنا بالإسلام ، مؤذنا لمن ينساها ، وإنّما يقال له : مؤذّن ؛ لأنّه بالأذان يؤذن بالصلاة ، وإنّما بدأ فيه بالتكبير وختم بالتهليل ؛ لأنّ الله عزوجل أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه ، واسم الله في التكبير في أوّل الحرف ، وفي التهليل في آخره ، وإنّما جعل مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين مؤكّدا عليهم ، إن سها أحد عن الأوّل لم يسه عن الثاني ، ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أوّل الأذان أربعا ؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينّبه المستمع له ، فجعل الأوّلان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان ، وجعل بعد التكبير الشهادتان ؛ لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانيّة ، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنّ طاعتهما ومعرفتهما

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ذيل ح ٥.

٣٠٩

مقرونتان ، ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتين شهادتين ، كما جعل في سائر الحقوق شهادتان ، فإذا أقرّ العبد لله عزوجل بالوحدانيّة وأقرّ للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة فقد أقرّ بجملة الإيمان ، لأنّ أصل الإيمان إنّما هو إقرار بالله وبرسوله ، وإنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ؛ لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ، ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه» (١).

وأمّا الإقامة : فظاهر بعض الأخبار المتقدّمة (٢) ـ كرواية أبي بكر الحضرمي ، وخبر زرارة والفضيل بن يسار ، وصحيحة صفوان ـ كونها كالأذان بزيادة «قد قامت الصلاة» مرّتين ، كما في بعضها التصريح بهذه الزيادة المعلوم إرادتها من غيره أيضا ممّا لم يصرّح بها ، كما تقدّمت الإشارة إليه في ذيل خبر الحضرمي ، فعلى هذا تكون فصول الإقامة إمّا عشرين ، كما هو مقتضى رواية الحضرمي ، أو ثمانية عشر ، كما هو ظاهر الأخيرين.

وكيف كان فهو مخالف لصريح خبر (٣) إسماعيل الجعفي ، الناطق بنقصان فصول الإقامة عن الأذان بواحدة ، وأنّها سبعة عشر حرفا ، والأذان ثمانية عشر حرفا ، وقضيّة ذلك أن يكون التكبير في أوّلها مرّتين ، والتهليل في آخرها مرّة ، ولا تصلح تلك الروايات لمعارضة هذا الخبر ؛ لوجوب تقديم النصّ على الظاهر ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٥ ـ ١٩٦ / ٩١٥ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٤ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٢) في ص ٣٠٦ ـ ٣٠٨.

(٣) تقدّم الخبر في ص ٣٠٥.

٣١٠

فيحتمل أن يكون المقصود بقوله عليه‌السلام : «والإقامة كذلك» كما في الخبر الأوّل (١) ، أو : «مثلها» كما في الثاني (٢) ، أو : «مثنى مثنى» كما في الثالث (٣) كونها كذلك في جلّ فقراتها ، أي فيما عدا التهليل في آخرها والتكبير أربعا في أوّلها ، لا مطلقا ، ولكن لم يقع فيها التصريح به إمّا لمعهوديّته عندهم ، أو لعدم الداعي إلى التصريح بعدم إرادة الإطلاق في مثل المقام ؛ حيث إنّه لا يترتّب على توهّم الإطلاق إلّا زيادة التكبير أو التهليل ، التي ليست بقادحة في الإقامة ، بل هي زيادة حسنة يترتّب عليها الأجر.

وقد وقع التصريح بالتخصيص في الخبر المرويّ عن كتاب دعائم الإسلام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى ، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة [ تقول : لا إله إلّا الله ، مرّة واحدة ] (٤)» (٥).

ويمكن إبقاء الأخبار المزبورة على ظاهرها من الإطلاق ، وحملها على الأفضليّة ، ولعلّ هذا أولى ، خصوصا مع كون المقام قابلا للمسامحة ، ولا سيّما مع اعتضادها ببعض الأخبار المرسلة الكافية لإثبات مضمونها من باب التسامح.

ففي الوسائل حكى عن نهاية الشيخ أنّه قال : قد روي أنّ الأذان والإقامة سبعة وثلاثون فصلا يضيف إلى ما ذكرناه التكبير مرّتين في أوّل الإقامة. قال : وقد روي ثمانية وثلاثون فصلا يضيف إلى ذلك أيضا «لا إله الّا الله» مرّة أخرى في

__________________

(١) أي : خبر الحضرمي ، المتقدّم في ص ٣٠٦.

(٢) أي : خبر زرارة والفضيل بن يسار ، المتقدّم في ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٣) أي : خبر صفوان الجمّال ، المتقدّم في ص ٣٠٨.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «بقول لا إله إلّا الله وحده». والمثبت كما في المصدر.

(٥) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٠.

٣١١

آخر الإقامة. قال : وقد روي اثنان وأربعون فصلا يضيف إلى ذلك التكبير في آخر الأذان مرّتين ، وفي آخر الإقامة مرّتين.

قال الشيخ : فمن عمل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأئوما. انتهى.

وفي المصباح قال : وروي اثنان وأربعون فصلا بجعل التكبير في أوّل الأذان وفي آخره أربع مرّات ، وأوّل الإقامة وآخرها كذلك ، والتهليل مرّتين فيهما. قال : وروي سبعة وثلاثون فصلا يجعل في أوّل الإقامة «الله أكبر» أربع مرّات (١) (٢). انتهى ما في الوسائل.

فائدتان :

الأولى : حكي عن الصدوق في الفقيه أنّه ـ بعد ما ذكر حديث أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ـ قال : هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا بها في الأذان : «محمّد وآل محمّد خير البريّة» مرّتين ، وفي بعض رواياتهم بعد «أشهد أنّ محمّدا رسول الله» :«أشهد أنّ عليّا وليّ الله» مرّتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : «أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا» مرّتين ، ولا شكّ أنّ عليّا عليه‌السلام وليّ الله وأنّه أمير المؤمنين حقّا وأنّ محمّدا وآله خير البريّة ولكن ذلك ليس في أصل الأذان ، وإنّما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا (٣). انتهى.

__________________

(١) النهاية ٦٨ ـ ٦٩ ، مصباح المتهجّد : ٢٩.

(٢) الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، الأحاديث ٢٠ ـ ٢٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، ذيل ح ٨٩٧ ، وحكاه عنه العاملي في الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ، الرقم ٢٥.

٣١٢

وعن الشيخ في [ النهاية ] (١) أنّه قال : فأمّا ما روي من شواذّ الأخبار من قول : «إنّ عليّا وليّ الله ، وإنّ محمّدا وآله خير البريّة» فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا (٢).

وعن المنتهى أنّه قال : ما روي من الشاذّ من قول : «إنّ عليّا وليّ الله وآل محمّد خير البريّة» فممّا لا يعوّل عليه (٣). انتهى.

أقول : ولو لا رمي الشيخ والعلّامة لهذه الأخبار بالشذوذ وادّعاء الصدوق وضعها ، لأمكن الالتزام بكون ما تضمّنته هذه المراسيل ـ من الشهادة بالولاية والإمارة وأنّ محمّدا وآله خير البريّة ـ من الأجزاء المستحبّة للأذان والإقامة ، لقاعدة التسامح ، كما نفى عنه البعد المحدّث المجلسي في محكيّ البحار تعويلا على هذه المراسيل ، وأيّده بما في خبر القاسم بن معاوية ـ المرويّ عن احتجاج الطبرسي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين» (٤) وغيره من العمومات الدالّة عليه (٥).

ولكنّ التعويل على قاعدة التسامح في مثل المقام ـ الذي أخبر من نقل إلينا الخبر الضعيف بوضعه أو شذوذه ـ مشكل ، فالأولى أن يشهد لعليّ عليه‌السلام بالولاية وإمرة المؤمنين بعد الشهادتين قاصدا به امتثال العمومات الدالّة على استحبابه ،

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «المبسوط». والصحيح ما أثبتناه ، حيث إنّ العبارة المنقولة في النهاية ، لا المبسوط.

(٢) النهاية : ٦٩ ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ١١١.

(٣) منتهى المطلب ٤ : ٣٨١ ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ١١٢.

(٤) الاحتجاج : ١٥٨.

(٥) بحار الأنوار ٨٤ : ١١١ ـ ١١٢ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

٣١٣

كالخبر المتقدّم (١) ، لا الجزئيّة من الأذان أو الإقامة ، كما أنّ الأولى والأحوط الصلاة على محمّد وآله بعد الشهادة له بالرسالة بهذا القصد ، والله العالم.

الثانية : حكي ) عن جملة من الأصحاب التصريح بأنّ الأذان والإقامة يقصران مع العذر وفي السفر ،أي يجوز الاقتصار فيهما على كلّ فصل مرّة.

ويشهد له صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : «لا بأس به إذا كنت مستعجلا» (٣).

وخبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة واحدة» (٤).

وخبر نعمان الرازي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر» (٥).

وما في بعض الأخبار من إطلاق أنّ الإقامة مرّة مرّة إمّا مطلقا ـ كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة

__________________

(١) أي : خبر القاسم بن معاوية ، المتقدّم في ص ٣١٣.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٤٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٤ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

٣١٤

واحدة» (١) ـ أو فيما عدا التكبير ـ كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«الإقامة مرّة مرّة إلّا قول : الله أكبر ، فإنّه مرّتان» (٢) ـ فيحتمل صدوره تقيّة ، ويحتمل كونه منزّلا على صورة الاستعجال.

وكيف كان فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله ؛ لعدم صلاحيّة مثل هذه الأخبار لمعارضة غيرها من الأخبار الدالّة على أنّهما مثنى مثنى ، والله العالم.

(والترتيب) بين الفصول (شرط في صحّة الأذان والإقامة) بلا خلاف فيه على الظاهر ؛ لأنّ الآتي بهما على خلاف الترتيب لم يكن آتيا بهما على النحو الذي تعلّق بهما التكليف ، فلا يصحّان.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سها في الأذان فقدّم أو أخّر أعاد على الأوّل الذي أخّره حتى يمضي على آخره» (٣).

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «تابع بين الوضوء ـ إلى أن قال ـ وكذلك الأذان والإقامة ، فابدأ بالأوّل فالأوّل ، فإن قلت : حيّ على الصلاة قبل الشهادتين تشهّدت ثمّ قلت : حيّ على الصلاة» (٤).

وكما يفسدان بمخالفة الترتيب ، كذلك يفسدان بترك شي‌ء من فصولهما من

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦١ / ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٣٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٦١ / ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٣٩ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ١١١٥ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٢٩ / ٨٩ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

٣١٥

غير فرق بين العمد والسهو ؛ فإنّ المركّب ينتفي بانتفاء جزئه أو شرطه ، سواء كان عمدا أو سهوا ، اللهمّ إلّا أن يدلّ دليل تعبّديّ على عدم الإخلال به سهوا ، نظير ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة.

كما ربما يظهر ذلك من موثّقة عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، أو سمعته يقول : «إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شي‌ء ، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثمّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة» (١) الحديث ؛ فإنّ ظاهرها الاجتزاء بذلك الأذان ، وعدم الحاجة إلى تدارك المنسي فضلا عن الإتيان به مع ما بعده على وجه يحصل معه الترتيب.

ولكن قد يعارضها موثّقته الأخرى ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة ، قال : «يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ، ولا يعيد الأذان كلّه ولا الإقامة» (٢).

ومقتضى الجمع بينهما إمّا حمل الخبر الأوّل على كونه مسوقا لدفع توهّم لزوم التدارك ، فأريد به بيان عدم كون الاهتمام به إلى حدّ يلزم رعايته بعد الأخذ في الإقامة ، لا أنّ ما صدر منه أذان صحيح ممضى شرعا ، أو حمل الخبر الثاني على الاستحباب ، والأوّل أوفق بالقواعد.

وكيف كان فالموثّقة الثانية بظاهرها بل صريحها تدلّ على أنّه إن نسي حرفا

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٣١٦

من الأذان ، يأتي بذلك الحرف مع ما بعده إلى آخر الأذان ، ولا يعيد الإقامة ، وهذا هو الذي يقتضيه الأصل ؛ لأنّ الإقامة وقعت صحيحة ؛ لأنّها ليست مشروطة بأن يسبقها أذان ، ولذا يجوز الاكتفاء بها بلا أذان ، وتأثير الأذان اللاحق في بطلانها كي تكون صحّتها مراعاة بأن لا يلحقها أذان خلاف الأصل.

ولكن ادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على اشتراط الترتيب بين الأذان والإقامة ، وأنّه لو نسي حرفا من الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى الآخر.

واستدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ بالأصل والتأسّي ، وإمكان دعوى القطع باستفادته من تصفّح النصوص.

ثمّ قال : فما في خبر الساباطي من الاقتصار على إعادة الأذان وحده دون الإقامة لا بدّ من طرحه ، إلى أن قال : فمن أقام عازما على الاقتصار عليها ثمّ بدا له بعد فراغها الإتيان بالأذان وجب عليه إعادة الإقامة أيضا إن كان أراد حوز الفضيلتين ، وإلّا اقتصر على الأذان ، وكان كالمصلّي به ابتداء بلا إقامة ، كما هو واضح (١). انتهى.

أقول : من الواضح أنّه كان حين الإتيان بالإقامة مكلّفا بها ولم يكن فعلها مشروطا بأن يسبقه الأذان وقد أتى بها بداعي الامتثال ، فسقط التكليف بها ؛ لقاعدة الإجزاء.

واشتراط الترتيب بينهما لو سلّم حتى مع السهو أو العزم على ترك الأذان فهو لا يقتضي تخصيص القاعدة العقليّة وانقلاب الإقامة عمّا وقعت عليه من

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٩١.

٣١٧

الصحّة ، بل مقتضاه عدم مشروعيّة الأذان بعدها بفوات محلّه ، فلو دلّ دليل شرعيّ من نصّ أو إجماع أو أصل ـ كاستصحاب بقاء التكليف بالأذان ـ على جواز تداركه ما لم يدخل في الصلاة ، فمقتضاه : إمّا انتفاء شرطيّة الترتيب في مثل الفرض وصحّة وقوع الأذان بعد الإقامة ، أو استحباب إعادة الإقامة بعده مقدّمة لتحصيل إدراك فضيلة الأذان ووقوعه في محلّه ، أي ما قبل الإقامة ، أو تحصيل صفة كمال في الإقامة ، وهي ترتّبها على الأذان ، فتكون إعادتها بعد الأذان كإعادة المنفرد صلاته جماعة لإدراك فضيلة الجماعة.

وعلى أيّ تقدير فلا يعقل أن يؤثّر الأذان اللاحق في بطلان الإقامة السابقة وانقلابها عمّا هي عليه من الصحّة وجواز الاكتفاء بها.

اللهمّ إلّا أن يدلّ دليل شرعيّ تعبّديّ على اشتراط الإقامة بأن لا يقع بعدها الأذان ، وهذا ممّا لا تفي بإثباته الأدلّة التي استظهروا منها شرطيّة الترتيب ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فكأنّه قدس‌سره جعل ما نحن فيه كسائر المقامات التي يعتبر فيها الترتيب ، كأجزاء الأذان والإقامة والوضوء ونحوها ، أو كالظهرين ونحوهما ممّا لا يتنجّز التكليف بالمتأخّر إلّا بعد الفراغ من المتقدّم ، فلو عكس الترتيب يقع المتأخّر الذي قدّمه باطلا ، دون المتقدّم الذي أخّره ، كما لا يخفى وجهه ، ومن الواضح أنّ ما هو مناط بطلان الذي قدّمه في سائر المقامات ـ وهو عدم تنجّز التكليف به حين فعله ـ منتف في المقام ، فالترتيب بين الأذان والإقامة ليس إلّا كالترتيب بين الفرائض اليوميّة ونوافلها ، أو الترتيب بين نافلة الليل وركعات الوتر ونافلة الفجر

٣١٨

وغير ذلك من التكاليف المرتّبة التي يجوز للمكلّف الإتيان بالمتأخّر ابتداء عند إرادة ترك المتقدّم ، فالإشكال في مثل هذه الموارد إنّما هو في جواز تدارك المتروك بعد الإتيان بما تأخّر عنه في الرتبة حيث إنّ قضيّة الترتيب فيما بينهما تعذّره بفوات محلّه ، ولكن مقتضى استصحاب بقاء التكليف به جوازه وحصول الإجزاء بفعله ، المستلزم لسقوط شرطيّة الترتيب فيما بينهما ، ولكن لو أراد إحراز فضيلة حصولهما على الوجه الموظّف ، فعليه إعادة المتقدّم بعده لإدراك هذه الفضيلة لو قلنا بجواز الإعادة للإجادة ، كما ليس بالبعيد ، وإلّا فمقتضى الأصل عدم مشروعيّتها ، والله العالم.

(ويستحبّ فيهما سبعة أشياء) : الأوّل : (أن يكون مستقبل القبلة) حالهما على المشهور ، بل عن غير واحد (١) دعوى الإجماع عليه في الأذان.

وعن بعض دعواه في الإقامة (٢) أيضا.

ولعلّ مراده الإجماع على رجحانه ، لا على خصوص الاستحباب ، فلا ينافيه ما سيأتي (٣) من حكاية القول بوجوبه في الإقامة عن غير واحد.

وكيف كان فعمدة مستنده في الأذان هو ما عرفت ، وكفى به دليلا بعد البناء على المسامحة.

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٢٩٢ ، ذيل المسألة ٣٧ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ٦٩ ، المسألة ١٧٨ ، والحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٣.

(٢) الغنية : ٧٣ ، الذكرى ٣ : ٢٠٦ ، مدارك الأحكام ٣ : ٢٨٣ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٣.

(٣) في ص ٣٢١.

٣١٩

ويمكن الاستدلال له فيهما أيضا بالمرسل المرويّ عن دعائم الإسلام عن عليّ عليه‌السلام قال : «يستقبل المؤذّن القبلة في الأذان والإقامة ، فإذا قال : حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ، حوّل وجهه يمينا وشمالا» (١).

وما فيه من الأمر بتحويل الوجه يمينا وشمالا يحتمل كونه جاريا مجرى التقيّة ، مع أنّه لا ينافي الاستقبال.

وربما يستدلّ له أيضا بإطلاق قوله عليه‌السلام : «خير المجالس ما استقبل به القبلة» (٢).

وفيه : أنّه لا يدلّ على استحبابه حالهما من حيث هو ، كما هو ظاهر كلماتهم.

ويدلّ عليه أيضا في الإقامة قول الصادق عليه‌السلام في خبر سليمان بن صالح ، المتقدّم (٣) عند التكلّم في اشتراط القيام في الإقامة : «وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة».

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجّهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة» (٤).

وفي خبر الشيباني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ / ٥٧.

(٢) الفردوس ٢ : ١٧٩ / ٢٩٠١ ، مفتاح الفلاح : ٧٩ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٧٦ من أبواب أحكام العشرة ، ح ٣.

(٣) في ص ٢٧٦.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٧٠ ، الهامش (٤).

٣٢٠