مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

وخبر أحمد بن عمر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد ، أو على ردائه إذا كان تحته مسح (١) أو غيره ممّا لا يسجد عليه ، فقال : «لا بأس به» (٢).

وخبر محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه‌السلام : هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشي‌ء يكره السجود عليه؟ فقال : «نعم ، لا بأس» (٣).

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال : «إذا كان مضطرّا فليفعل» (٤).

وهذه الأخبار بأسرها تدلّ على جواز السجود على الثوب إمّا مطلقا أو إذا كان قطنا أو كتّانا لدى الضرورة ، وأمّا أنّه هو المتعيّن لذلك كي يكون بدلا اضطراريّا من الأرض لا يعدل عنه إلى غيره من ظاهر الكفّ وغيره ـ كما هو ظاهر المتن وغيره ـ فلا يكاد يفهم من شي‌ء منها ممّا عدا الرواية الأولى ؛ إذ ليس في شي‌ء منها إشعار بتعيّنه ، بل غاية مفادها نفي البأس عنه ، فيحتمل أن يكون ذلك لإلغاء شرطيّة ما يصحّ السجود عليه رأسا ، وكون الثوب وغيره على حدّ سواء في ذلك.

__________________

(١) المسح : البلاس ، وهو كساء معروف. مجمع البحرين ٢ : ٤١٤ «مسح».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٧ / ١٢٤٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ / ١٢٥١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٧ / ١٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ / ١٢٥٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٤.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٨٩ ، الهامش (١).

٢٠١

وأمّا الرواية الأولى ـ وهي خبر أبي بصير ـ فظاهرها وجوب السجود على الثوب لدى التمكّن منه. وحملها على كونها مسوقة لبيان أصل السجود ، وأنّه لا يسقط بسقوط شرطه ، وتخصيص الثوب بالذكر للإرشاد إلى ما يتمكّن معه من السجود غالبا ، لا لكونه بالخصوص ملحوظا في الحكم تأويل بلا مقتض.

وربما يؤيّد ظاهرها من إرادة الخصوصيّة ما في ذيلها من تعليل السجود على ظهر الكفّ بأنّها إحدى المساجد ، فإنّ هذا التعليل وإن لا يخلو عن تشابه إلّا أنّ ظاهره كونه علّة لجواز وقوع السجود على الكفّ ، ومقتضاه كون الخصوصيّة مرعيّة لا ملغاة ، فليتأمّل.

والأحوط بل الأقوى تقديم ما كان من قطن أو كتّان على غيره ؛ لصحيحة منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : «لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتّانا» (١) فإنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار النافية للبأس عن السجود على الثوب تقييد تلك الأخبار بهذه الصحيحة ، ولكن المراد بالصحيحة ليس إلّا شرطيّته مع التمكّن ، لا مطلقا ، فهي لا تقتضي إلّا تقييد المطلقات في هذا الفرض ، فالثوب مطلقا مقدّم على ظهر الكفّ بمقتضى ظاهر خبر أبي بصير (٢) ، ولكن لدى التمكّن من قطن أو كتّان يشترط كونه منهما بمقتضى الصحيحة المزبورة.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٨٧ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم خبره في ص ١٩٩.

٢٠٢

ولكن قد يشكل التعويل على الصحيحة بما تقدّم في محلّه بأنّ ظاهرها جواز السجود على القطن والكتّان مطلقا ، وكون السائل في الأراضي الباردة التي يكثر فيها الثلج لا يصلح قرينة لإرادته مع الضرورة التي هي فرض نادر ، فهي حينئذ كغيرها من الروايات الدالّة على جواز السجود على القطن والكتّان ، اللتي حملناها على التقيّة ، فلا تصلح حينئذ مقيّدة لإطلاق الأخبار النافية للبأس عن السجود على الثوب لدى الضرورة.

اللهمّ إلّا أن يجعل خبر عليّ بن جعفر ، المتقدّم (١) شاهدا لصرف الصحيحة إلى إرادة الضرورة ، لا التقيّة ، كما ربما يناسبها السؤال الواقع فيها ، والله العالم.

تنبيه : ربما يظهر من غير واحد من الأخبار جواز السجود على القير والقفر ،وظاهرها جوازه اختيارا ، وقد تقدّم الكلام فيه فيما سبق ، وعرفت فيما تقدّم أنّ المتّجه حمل تلك الأخبار على التقيّة.

ويحتمل أن يراد بها الضرورة ، فعلى هذا يكون مقدّما في الرتبة على الثوب ؛ إذ الغالب في مواردهما تمكّن المكلّف من أن يصلّي على شي‌ء من قطن أو كتّان ، فضلا عن مطلق الثوب.

ولكن لا شاهد لتعيّن هذا الاحتمال كي يصحّ الالتزام بمقتضاه من تقديم القير على الثوب خصوصا مع مخالفته لظاهر الفتاوى بل صريح بعضها.

ولكنّ الأحوط لدى التمكّن منه الجمع بينه وبين الثوب في المسجد بحيث يحصل مسمّى السجود على كلّ منهما ، أو تكرار الصلاة ، بل قد يشكل ترك هذا

__________________

(١) في ص ٢٠١.

٢٠٣

الاحتياط لو قلنا بقاعدة الشغل لدى الشكّ في الشرطيّة ، فإنّ إطلاق ما دلّ على جواز السجود على الثوب قاصر عن شمول فرض التمكّن من القير وأشباهه ، فليتأمّل.

(و) كيف كان فـ (الذي ذكرناه) شرطا فيما يسجد عليه (إنّما يعتبر في موضع الجبهة لا بقيّة المساجد) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في الجواهر :إجماعا ونصوصا مستفيضة أو متواترة ، بل ضرورة من المذهب أو الدين (١).

أقول : وربما يشهد له بعض الأخبار المتقدّمة (٢) الدالّة على أنّه عليه‌السلام كان قد يأخذ كفّا من الحصى ويضعه على فراشه ويسجد عليه ؛ فإنّ ظاهره إرادة وضعه على موضع الجبهة.

وفي صحيحة زرارة ، الطويلة : «وإن كان تحتهما ـ أي اليدين ـ حال السجود ثوب فلا يضرّك ، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» (٣).

وفي رواية أبي حمزة : «لا بأس أن تسجد وبين كفّيك وبين الأرض ثوبك» (٤).

وعن الرضوي : «ولا بأس بالقيام ووضع الكفّين والركبتين والإبهامين على غير الأرض» (٥).

__________________

(١) جواهر الكلام ٨ : ٤٤٤.

(٢) في ص ١٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٨٤ / ٣٠٨ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ / ١٢٥٤ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب ما يسجد عليه ، ح ٢.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١١٤ ، بحار الأنوار ٨٥ : ١٥٠ / ١٠.

٢٠٤

إلى غير ذلك من الروايات التي لا يهمّنا استقصاؤها بعد وضوح الحكم وموافقته للأصل.

(ويراعى فيه) كغيره ممّا يقع فيه الصلاة (أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه) على حسب ما سمعته في مكان المصلّي ، الذي منه موضع السجود.

(وأن يكون خاليا من نجاسة) وإن لم تكن متعدّية ، كما تقدّم البحث فيه مفصّلا في أوائل المبحث عند التكلّم في أنّه لا بأس بأن يصلّي الرجل في الموضع [ النجس ] (١) إذا كان موضع الجبهة طاهرا ، فراجع (٢).

(وإذا كانت النجاسة في موضع محصور [ كالبيت وشبهه ] ) وجهل موضع النجاسة ، لم يسجد على شي‌ء منه ، و) لكن بشرط أن يكون علمه الإجمالي بوجود النجس صالحا لتنجيز التكليف بالاجتناب عنه على كلّ تقدير بأن لم يكن بعض أطراف الشبهة معلوم النجاسة بالتفصيل ، أو خارجا عن مورد ابتلاء المكلّف ، أو غير ذلك من الفروض التي تقدّمت الإشارة إليها في صدر الكتاب عند البحث عن حكم الإناءين المشتبه طاهرهما بنجسهما (٤) ، وقد تبيّن فيما تقدّم مستند أصل الحكم ، فلا نطيل بالإعادة.

نعم (يجوز السجود في المواضع المتّسعة) وغيرها ممّا ليس بمحصور ؛ لما عرفت في المبحث المتقدّم إليه الإشارة من أنّ العلم الإجمالي بوجود نجس أو حرام مردّد بين أمور إنّما يؤثّر في وجوب الاجتناب عنه إذا كان

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) ص ٨٥ و ٩٠ وما بعدها.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من كتاب «شرائع الإسلام».

(٤) راجع : ج ١ ، ص ٢٤٧.

٢٠٥

أطراف الشبهة محصورة ، وأمّا إذا كانت غير محصورة ، فلا يجب الاجتناب عنه إجماعا ، كما عن جماعة (١) نقله ، بل عن بعض دعوى الضرورة عليه (٢).

ولكنّهم اختلفوا في ضابط غير المحصور ، وقد بيّنّا في محلّه أنّ الأشبه بالقواعد تحديد المحصور بما إذا كان أطراف الشبهة أمورا معيّنة مضبوطة بأن يكون الحرام المشتبه مردّدا بين أن يكون هذا أو هذا أو هذا ، وهكذا بحيث يكون إجراء أصالة الحلّ والطهارة في كلّ منها معارضا بجريانها فيما عداه ، وغير المحصور ما لا إحاطة بأطراف الشبهة على وجه يجعل الحرام مردّدا بين هذا وهذا وهذا ، كما لو علم إجمالا بحرمة أموال بعض التجّار الذي في بلده ، ولم يعلم بانحصارهم في من يعلمهم ويبتلي بمعاملتهم ، فيكون حكم الشبهة الغير المحصورة ـ وهو جواز الارتكاب في أطرافها التي أحاط بها وأراد تناولها بناء على هذا التفسير ـ على وفق الأصل السليم عن المعارض ، ولكن جعل المواضع المتّسعة التي علم إجمالا بنجاسة جزء منها من هذا الباب لا يخلو عن خفاء ، إلّا أنّه لا خفاء في عدم كون جميع أجزاء مثل هذه الأراضي على حدّ سواء في كونه صالحا لتنجيز التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بنجاسته تفصيلا ؛ لخروج سائر أجزائه ـ التي لا يقع عليها عبوره أو لا يناسبها السجود ـ عن مورد ابتلائه ، فعدم وجوب الاجتناب عن مثل هذه الأراضي منشؤه هذا ، لا كون الشبهة غير محصورة.

__________________

(١) منهم : الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٩٩ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤٧ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٥٣ ، والشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٤٣٠.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٤٣٠.

٢٠٦

ولكن حدّد غير المحصورة بعضهم بما كان كثرة المحتملات إلى حدّ يعسر الاجتناب عنه (١) ، وآخر بما كان في اجتناب نوعه حرج (٢) ، وبعض بما يعسر عدّه أو يمتنع عدّه في زمان قليل (٣) ، وبعض بما كان كثرة المحتملات إلى حدّ يوهن احتمال مصادفة كلّ منها لذلك الحرام المعلوم بالإجمال بحيث لا يعتنى به لدى العقلاء (٤). وربما أوكل بعض تشخيصه إلى العرف (٥). وعن كاشف اللثام تحديده في هذا الباب بما يؤدّي اجتنابه إلى ترك الصلاة غالبا (٦).

ولا يخفى عليك أنّ إثبات الرخصة في ارتكاب الشبهة على أغلب هذه التفاسير لا يخلو عن إشكال.

نعم ، بناء على تفسيره بما لزم من اجتنابه الحرج ، اتّجه الالتزام بعدم وجوبه (دفعا للمشقّة) أخذا بعمومات أدلّة نفي الحرج.

ولكنّك خبير بأنّه لا مشقّة في الاجتناب عن كثير من موارد الشبهة الغير المحصورة التي أمكن تحصيل الإجماع على عدم وجوب الاجتناب عنه. وتمام التحقيق فيه موكول إلى محلّه.

ولو انحصر الحال في السجود على النجس ، ففي سقوط حكم النجاسة

__________________

(١) الشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٨٠ ـ ١٨١.

(٢) صاحب الجواهر فيها ٨ : ٤٤٥.

(٣) المحقّق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان ، ضمن موسوعة (حياة المحقّق الكركي وآثاره ٩ : ٧٢) وحاشية شرائع الإسلام ضمن الموسوعة المشار إليها ، ج ١٠ ، ص ١٤١.

(٤) الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٤٣٨.

(٥) المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٩٩ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٥٣.

(٦) كشف اللثام ٣ : ٣٤٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٥٣.

٢٠٧

كما إذا كانت في البدن ، أو الانتقال إلى الإيماء ، أو الإتيان بما يتمكّن من السجود عدا مباشرة الجبهة وجوه أقواها : الأوّل ؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، مع أنّ عمدة مستند اشتراط طهارة المسجد الإجماع القاصر عن إثباته في مثل هذه الفروض.

ومن هنا يظهر أنّه لو دار الأمر بين أرض نجسة بنجاسة غير متعدّية وبين غيرها ممّا لا يصحّ السجود عليه بالذات كالثوب أو ظهر الكفّ أو غير ذلك ، يسجد على الأرض ؛ لقصور دليل الاشتراط عن شمول مثل الفرض ، فلا مخصّص حينئذ لعمومات الأخبار الناهية عن السجود إلّا على الأرض أو نباتها ، فليتأمّل.

ولو سجد على النجس جهلا أو نسيانا ، مضت صلاته ، لا لعموم قوله عليه‌السلام :«لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) الحديث ؛ لإمكان الخدشة فيه بإجمال لفظ «الطهور» الذي هو أحد الخمسة ، واحتمال أن يكون المراد به ما يعمّ الطهارة الخبثيّة ، ولا لفحوى ما دلّ على عدم الإعادة من نفس السجود ؛ لأنّ الفحوى لو سلّمناها فإنّما يتّجه الاستشهاد بها لو كان في سجدة لا في السجدتين ، إلّا أن يتمّم ذلك بعدم القول بالفصل ، بل لما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ غاية ما يمكن إثباته إنّما هو شرطيّة الطهارة في حال العمد والالتفات ، لا مطلقا.

نعم ، لو سجد نسيانا أو جهلا على ما لا يصحّ السجود عليه ، صحّ الاستدلال لصحّة صلاته بعموم الخبر المزبور ، وبالفحوى المزبورة أيضا لو سلّمناها ، والله العالم.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨١ / ٨٥٧ ، و ٢٢٥ / ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الوضوء ، ح ٨ ، والباب ٩ من أبواب القبلة ، ح ١.

٢٠٨

(المقدّمة السابعة في الأذان والإقامة)

الأذان لغة : الإعلام. ويطلق في عرف الشارع والمتشرّعة على الأذكار الخاصّة التي شرّعت أمام الفرائض اليوميّة ، وللإعلام بدخول الوقت.

والإقامة في الأصل : الإدامة. وفي عرف أهل الشرع : الأذكار التي قبل الفرائض.

وقد تواترت النصوص في فضل المؤذّنين وما يستحقّونه من الأجر.

وقد روي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للمؤذّن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحّط بدمه في سبيل الله» قال : «قلت : يا رسول الله إنّهم يجتلدون (١) على الأذان ، قال : كلّا إنّه ليأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم ، وتلك لحوم حرّمها الله على النار» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتضمّن بعضها لبيان ما يستحقّه المؤذّن من الأجر ممّا يبهر منه العقول.

__________________

(١) أي : يتضاربون ويتقاتلون. مجمع البحرين ٣ : ٢٦ «جلد».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٣ / ١١٣٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٢٠٩

(والنظر) فيهما يقع (في أربعة أشياء) :

(الأوّل : فيما يؤذّن له ويقام).

(وهما مستحبّان في الصلوات الخمس المفروضة) أي عند فعلها (أداء وقضاء للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة) لدى غير واحد من القدماء وأكثر المتأخّرين ، بل كافّتهم على ما قيل (١) ، بل عن طائفة (٢) دعوى الشهرة المطلقة عليه ، و (لكن يشترط أن تسرّ المرأة) على ما صرّح به غير واحد.

(وقيل : هما شرطان في الجماعة) وقد حكي هذا القول عن الشيخين وابن البرّاج وابن حمزة ، إلّا أنّ ما حكي عنهم هو القول بوجوبهما في صلاة الجماعة (٣) ، فليس فيه تصريح بالشرطيّة ، فلعلّهم يقولون بوجوبهما تعبّدا.

نعم ، حكي عن أبي الصلاح القول بأنّهما شرطان في الجماعة (٤).

وعن السيّد في الجمل القول بأنّه تجب الإقامة على الرجال في كلّ فريضة ، والأذان والإقامة على الرجال والنساء في الصبح والمغرب والجمعة ، وعلى الرجال خاصّة في الجماعة (٥).

__________________

(١) كما في مستند الشيعة ٤ : ٥١٦.

(٢) كالسيوري في التنقيح الرائع ١ : ١٨٩ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٧ ، والبهائي في الحبل المتين : ٢٠٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٦٣ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٥١ ، والحاكي عنهم هو النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٥١٦.

(٣) المقنعة : ٩٧ ، النهاية : ٦٤ ، المبسوط ١ : ٩٥ ، الاقتصاد : ٢٥٩ ، الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٧٨ ، المهذّب ١ : ٨٨ ، شرح جمل العلم والعمل : ٧٩ ، الوسيلة : ٩١ ، وحكاه عنهم العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٣٥ ، المسألة ٧٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٣ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٣٥ ، المسألة ٧٢.

(٥) جمل العلم والعمل : ٦٣ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٣٥ ، المسألة ٧٢.

٢١٠

وعن ابن أبي عقيل أنّه قال : يجب الأذان في الصبح والمغرب ، والإقامة في جميع الخمس (١).

وعن ابن الجنيد أنّه قال : يجيان على الرجال جماعة وفرادى ، سفرا وحضرا في الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة في باقي المكتوبات. وقال :وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط (٢).

(والأول أظهر) كما يشهد له ـ مضافا إلى استصحاب عدم وجوبهما شرعا وشرطا الثابت قبل نزول جبرئيل عليه‌السلام بهما على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ المستفيضة الدالّة على أنّ من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلّى بإقامة صلّى خلفه صفّ واحد.

كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أنت أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة ، وإن أقمت إقامة بغير أذان صلّى خلفك صفّ واحد» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة عليه ، التي وقع في بعضها نوع اختلاف في تحديد من يصلّي معه من الملك عند اقتصاره على إقامة واحدة ، فقد ورد في جملة منها مثل ما في الصحيحة المزبورة (٤) ، مع ما في بعضها من تحديد

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٣٦ ، ضمن المسألة ٧٢.

(٢) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٣٥ ، المسألة ٧٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣ و ١.

٢١١

الصفّ بما بين المشرق والمغرب (١) ، وفي بعضها الآخر : أقلّه بذلك ، وأكثره بما بين السماء والأرض (٢) ، وفي بعضها : بما لا يرى طرفاه (٣) ، وفي خبر ابن أبي ليلي عن عليّ عليه‌السلام «ومن صلّى بإقامة صلّى خلفه ملك» (٤).

ولعلّه أريد به الجنس ، كما في خبر المفضّل بن عمر ، المرويّ عن ثواب الأعمال : «من صلّى بإقامة صلّى خلفه ملك صفّا واحدا (٥)» (٦) فلا ينافي التحديد الواقع في غيرهما من الروايات.

ولكن قد ينافيه ما في خبر العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : «وإن أقام بغير أذان صلّى عن يمينه [ واحد ] وعن شماله واحد» ثمّ قال : «اغتنم الصفّين» (٧).

وفي خبر أبي ذرّ ـ المرويّ عن المجالس ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أقام ولم يؤذّن لم يصلّ معه إلّا ملكاه اللّذان معه» (٨).

وهذا النحو من الاختلاف في الأخبار غير عزيز ، فيحمل على بعض جهات التأويل ، والأمر فيه سهل بعد أنّه لا تعلّق له بكيفيّة العمل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٢) يأتي تخريجه في الهامش (٦).

(٣) يأتي تخريجه في الهامش التالي.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٩ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٥) كذا قوله : «ملك صفّا واحدا» في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة وجواهر الكلام ٩ : ١٨ ، وفي ثواب الأعمال بدلها : «صفّ واحد». وفي الوسائل : «صفّ واحد من الملائكة».

(٦) ثواب الأعمال : ٥٤ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) الأمالي ـ للطوسي ـ : ٥٣٥ / ١١٦٢ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

٢١٢

وكيف كان فدلالة هذه الأخبار على استحباب الأذان وجواز تركه أبلغ من التصريح به ، بل وكذا في الإقامة ؛ فإنّ المتبادر منها ليس إلّا أنّ فعل الإقامة موجب لكمال الصلاة ، وصيرورة المصلّي مقتدى لصفّ من الملائكة ، وأنّه بفواتها تفوت هذه الفائدة العظمى من غير أن تبطل به الصلاة أو يستحقّ المصلّي بواسطته العقاب.

ويدلّ عليه أيضا خبر زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : «فليمض في صلاته ، فإنّما الأذان سنّة» (١) فإنّ المتبادر من إطلاق السنّة إرادة الندب ، خصوصا في مثل المقام الذي يناسبه التعليل.

والمراد بالأذان في الجواب ما يعمّ الإقامة بقرينة السؤال ، كما هو واضح.

والخدشة في دلالته ـ بأنّ السنّة قد تطلق في الأخبار على ما ثبتت مشروعيّته بغير الكتاب ، سواء كان واجبا أم ندبا ، فيمكن أن يكون المراد بها في المقام هو هذا المعنى ، ولا ينافيه جعلها علّة لنفي الإعادة ؛ حيث إنّ السنّة بهذا المعنى أيضا لا يوجب الإخلال بها سهوا نقض الصلاة ، كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار التي منها صحيحة زرارة ، التي وقع فيها التصريح بأنّ الصلاة لا تعاد إلّا من خمس ، وأنّ التشهّد سنّة ، والقراءة سنّة ، والسنّة لا تنقض الفريضة (٢) ـ مدفوعة : بأنّ مقتضاه حمل التعليل على التعبّد ، وهو خلاف ظاهر التعليل ، كما أنّ حمل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ / ١١٣٠ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٨ ، الهامش (١).

٢١٣

السنّة على المعنى المزبور خلاف ما يتبادر من إطلاقها.

ويشهد له أيضا في الجملة : الخبر المرويّ عن الدعائم عن عليّ عليه‌السلام ، قال :«لا بأس بأن يصلّي الرجل بنفسه (١) بلا أذان وإقامة» (٢).

ويدلّ أيضا في الأذان للمنفرد : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (٣).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام «أنّه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن» (٤).

وصحيحته الأخرى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : «نعم ، لا بأس به» (٥).

ويمكن الاستشهاد بإطلاق هذه الصحيحة للجامع أيضا ، كما أنّه يشهد له صريحا خبر الحسن بن زياد ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» (٦).

وصحيحة عليّ بن رئاب ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال : «نعم» (٧).

__________________

(١) في الدعائم : «لنفسه».

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٤٦ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٥ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ٥٢ / ١٧١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٤ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٧) قرب الإسناد : ١٦٣ / ٥٩٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١٠.

٢١٤

ويدلّ عليه للمسافر : صحيحة محمّد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «يجزئك إقامة في السفر» (١).

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «يجزئ في السفر إقامة بغير أذان» (٢).

وخبره الآخر عنه أيضا ، قال : سمعته يقول : «يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة ، تجزئ إقامة واحدة» (٣).

وما في هذه الأخبار من التعبير بلفظ الإجزاء المشعر بعدم جواز الاجتزاء بإقامة واحدة في الحضر إنّما يراد به الاجتزاء بها في مقام الخروج عن عهدة التكليف المتعلّق بهما في الشريعة على حسب مشروعيّتهما ، وجوبيّا كان أم ندبيّا ، فلا دلالة في مثل هذه الروايات على وجوب الأذان في الموارد التي دلّت على عدم الاجتزاء فيها بإقامة واحدة. ولو سلّمت دلالتها عليه ، فلا بدّ من صرفها عنه بشهادة صحيحة الحلبي ، المصرّحة بنفي البأس بالاكتفاء بإقامة ليس معها أذان في السفر والحضر (٤) ، كما أنّه يتعيّن حمل بعض الأخبار التي يستشعر أو يستظهر منها وجوبه في الغداة والمغرب على شدّة الاهتمام به فيهما وتأكّد مطلوبيّته.

مثل : ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «أدنى ما يجزئ من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، و

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٩ / ٩٠٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٧٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٩.

(٤) راجع : الهامش (٥) من ص ٢١٤.

٢١٥

يجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان» (١).

وعن صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى ، ولا بدّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر ، لأنّه لا يقصّر فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزئك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل» (٢).

وما رواه الشيخ بإسناده عن الصباح بن سيابة ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تدع الأذان في الصلوات كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنّه ليس فيهما تقصير» (٣).

وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلّا الغداة والمغرب» (٤).

وعن سماعة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تصلّ الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة ، ورخّص في سائر الصلوات بالإقامة ، والأذان أفضل» (٥).

فإنّ رفع اليد عن ظاهر هذه الأخبار في الوجوب أهون من صرف المطلقات الكثيرة الدالّة على جواز الاكتفاء بإقامة واحدة إلى ما عدا الفجر و

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٣٧ (الباب ٣٥) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٩ / ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ / ١١٠٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ / ١١٠٧ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ / ١١٠٦ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

٢١٦

المغرب ، مع ما في ظهور ما عدا الأخيرة من هذه الروايات في الوجوب من نظر بل منع ، بل ربما يستشعر أو يستظهر من بعضها إرادة تأكّد الاستحباب ، مثل خبر الصباح ، فهو بنفسه صالح لأن يكون شاهدا للجمع بين الروايات.

كما أنّه ربما يشهد له أيضا صحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : «ليس به بأس ، وما أحبّ أن يعتاد» (١).

ورواية أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام في حديث ، قال : «إن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة إلّا الفجر والمغرب فإنّه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم من أجل أنّه لا يقصّر فيهما ، كما يقصّر في سائر الصلوات» (٢).

فإنّ ظاهر هذه الرواية كصريح سابقتها : الاستحباب ، وكون الاهتمام به في صلاة الفجر والمغرب أشدّ ، فلا بدّ حينئذ من حمل النهي في خبر سماعة والتعبير باللّابدّيّة في رواية صفوان على تأكّد الاستحباب ، أو مع كراهة الترك.

ويدلّ على جواز تركهما للنساء : صحيحة جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل عليها أذان وإقامة؟ فقال : «لا» (٣).

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق عليه‌السلام : «ليس على المرأة أذان ولا إقامة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ / ١١٠٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ / ١١٠٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٨ ، التهذيب ٢ : ٥٧ / ٣٠٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٣.

٢١٧

إذا سمعت أذان القبيلة ، وتكفيها الشهادتان ، ولكن إذا أذّنت وأقامت فهو أفضل» (١).

قال : وقال الصادق عليه‌السلام : «ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة (٢)» (٣).

وخبر أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام ، قال : «ليس على المرأة (٤) أذان ولا إقامة» (٥).

وخبر زرارة بن أعين ـ المرويّ عن العلل ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : المرأة عليها أذان وإقامة؟ فقال : «إن كانت سمعت (٦) أذان القبيلة فليس عليها (٧) أكثر من الشهادتين» (٨).

وخبر أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إقامة المرأة أن تكبّر وتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» (٩).

وفي الأذان خاصّة : صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة ، فقال : «حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر و

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٥.

(٢) «ولا جماعة» لم ترد في الفقيه.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٦.

(٤) في الفقيه : «النساء» بدل «المرأة».

(٥) الفقيه ٤ : ٢٦٣ ، ضمن ح ٨٢١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٧.

(٦) في العلل : «تسمع».

(٧) في العلل زيادة : «شي‌ء ، وإلّا فليس».

(٨) علل الشرائع : ٣٥٥ (الباب ٦٨) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٨.

(٩) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٤.

٢١٨

تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله» (١).

وصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : النساء عليهنّ أذان؟ فقال : «إذا شهدت الشهادتين فحسبها» (٢).

بل ربما يستشعر من بعض هذه الأخبار عدم مشروعيّتهما لهنّ ، ولكنّه لا بدّ من حمل ذلك على عدم تأكّد استحبابهما لهنّ ، كما يشهد له بعض الأخبار المتقدّمة (٣) الدالّة على أنّها إن أذّنت وأقامت فهو أفضل.

فما عن السيّد في الجمل ـ من القول بوجوبهما على الرجال والنساء في الصبح والمغرب والجمعة (٤) ـ ضعيف.

وأضعف منه ما حكي عن ابن أبي عقيل من أنّه قال : «من ترك الأذان والإقامة متعمّدا بطلت صلاته إلّا الأذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ؛ فإنّ الإقامة مجزئة عنه ، ولا إعادة عليه في تركه ، وأمّا الإقامة فإنّه إن تركها متعمّدا بطلت صلاته ، وعليه الإعادة» (٥) إن أريد به شموله للنساء ؛ فإنّ فيه إلغاء للمستفيضة المتقدّمة رأسا بلا مقتض.

نعم ، لو أراده في حقّ الرجال ، أمكن الاستشهاد له بإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، وإن كان فيه أيضا ما لا يخفى بعد الإحاطة بما أسلفناه ، كما أنّ ما

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٢٠١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢.

(٣) في ص ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢١٠ ، الهامش (٥).

(٥) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٣٦ ، ضمن المسألة ٧٢.

٢١٩

تقدّمت (١) حكايته عن ابن الجنيد ـ من القول بأنّهما يجبان على الرجال جماعة وفرادى ، سفرا وحضرا في الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة في باقي المكتوبات ، وأنّ على النساء التكبير والشهادتين ـ ربما ينطبق عليه ظواهر كثير من أخبار الباب.

ولكنّك عرفت أنّ مقتضى الجمع بينها وبين غيرها : حمل ما كان ظاهره وجوب الأذان في الفجر والمغرب على الاستحباب المتأكّد ، فهذا القول أيضا ضعيف.

وأضعف منه القول بوجوبهما في الجماعة إمّا مطلقا أو للرجال خاصّة ، كما حكي التصريح بالاختصاص عن بعض (٢) القائلين به ؛ إذ لا شاهد لهذا القول عدا رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته أيجزئ أذان واحدا؟ قال : «إن صلّيت جماعة لم يجزئ إلّا أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة إلّا الفجر والمغرب فإنّه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم من أجل أنّه لا يقصّر فيهما ، كما يقصّر في سائر الصلوات» (٣) لما تقدّمت الإشارة اليه آنفا من أنّ التعبير بعدم الإجزاء لا يدلّ على الوجوب ؛ فإنّ مفاده ليس إلّا عدم الإجزاء في الخروج عن عهدة التكليف المتعلّق به على حسب مشروعيّته ، وجوبيّا كان أم ندبيّا ، فليس في هذا التعبير دلالة على كون ذلك التكليف وجوبيّا ، خصوصا مع ظهور لفظ «ينبغي» ـ الوارد في ذيل الرواية ـ في الاستحباب ، فيصلح شاهدا

__________________

(١) في ص ٢١١.

(٢) هو السيّد المرتضى كما تقدّم في ص ٢١٠.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢١٧ ، الهامش (٢).

٢٢٠