مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

خمر أو مسكر ، لأنّ الملائكة لا تدخله» (١) وسوقها بواسطة ما فيها من التعليل يشعر بإرادة الكراهة ، كما ربما يؤيّد ذلك ما رواه الصدوق في المقنع مرسلا حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ بعد أن قال : «لا يجوز أن يصلّى في بيت فيه خمر محصور في آنية» : «وروي أنّه يجوز» (٢).

وعنه في الفقيه أيضا القول بالمنع (٣).

قال في المدارك : ومنع الصدوق رحمه‌الله في «من لا يحضره الفقيه» من الصلاة في بيت فيه خمر مخزون في آنية ، مع أنّه حكم بطهارة الخمر ، واستبعده المتأخّرون لذلك ، ولا بعد فيه بعد ورود النصّ به (٤). انتهي.

أقول : إن كان مستنده في المنع المزبور الموثّقة المذكورة (٥) ، فالاستبعاد في محلّه ؛ فإنّ الموثّقة كما تدلّ على المنع عن الصلاة في بيت فيه خمر ، كذلك تدلّ على نجاسة الخمر ؛ حيث إنّه عليه‌السلام بعد الفقرة المذكورة قال : «ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى تغسله» (٦) فالتفكيك بين مفاديها لا يخلو عن بعد.

اللهمّ إلّا أن يقال بابتلائها في الفقرة الأخيرة بمعارضة بعض الأخبار التي هي صريحة في الطهارة ، كما عرفتها في محلّه ، بخلاف الفقرة الأولى ؛ فإنّها سليمة عن المعارض ، فلا مانع عن الأخذ بظاهرها.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٨ / ٨١٧ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٢) المقنع : ٨١ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢ و ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٤٣ ، و ١٥٩ ، ذيل ح ٧٤٤.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٢٣٣ ، وراجع الهامش (٣).

(٥) آنفا.

(٦) راجع الهامش (١).

١٤١

وكيف كان فالأقوى ما عرفت.

ثمّ إن مقتضى ظاهر الموثّقة : كراهة الصلاة في بيت فيه خمر مطلقا ، سواء صدق عليه عرفا بيت الخمر ، أم لا ، كما أنّ بيت الخمر قد يصدق على ما ليس فيه خمر بالفعل ، فبين المدّعى والدليل عموم من وجه ، فالذي ينبغي أن يقال هو كراهة الصلاة في بيت فيه خمر مطلقا ولو من باب الاتّفاق ، وأمّا ما يسمّى عرفا بيت الخمر وليس فيه خمر بالفعل فيمكن الالتزام بكراهته أيضا ؛ أخذا بظاهر كلمات الأصحاب من باب المسامحة ، والله العالم.

(و) كذا تكره الصلاة في (جوادّ الطرق) وهي الطرق العظمى التي يكثر سلوكها ، كما صرّح به غير واحد ـ على المشهور ، بل عن الغنية والمنتهي وظاهر التذكرة الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفر ، فقال : «لا تصلّ على الجادّة ، واعتزل على جانبيها» (٢).

وخبره الآخر ، قال : سألته عن الصلاة على ظهر الطريق ، فقال : «لا تصلّ على الجادّة ، وصلّ على جانبيها» (٣).

وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : «لا تصلّ

__________________

(١) الغنية : ٦٧ ، منتهى المطلب ٤ : ٣٢٨ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٠٨ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢١ / ٨٦٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٣) المحاسن : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ / ١٠٧ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٨.

١٤٢

على الجوادّ» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : سألته عن الصلاة في ظهر الطريق ، فقال : «لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ ، فأمّا على الجواد فلا تصلّ فيها» (٢).

أقول : المراد بالظواهر التي نفي البأس عن الصلاة فيها في الصحيحة وغيرها ـ كما صرّح في الجواهر (٣) وغيره (٤) ـ هي الأراضي المرتفعة عن الطريق حسّا أو جهة ، التي لا تندرج تحت اسم الطريق وإن كانت بينه ، ولكن يصحّ إطلاقها على نفس الجوادّ أيضا باعتبار ظهورها ووضوحها ، كما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : «لا بأس أن يصلّى بين الظواهر ، وهي الجوادّ جوادّ الطريق ، ويكره أن يصلّى في الجوادّ» (٥) كما أنّه يصحّ إطلاق ظهر الطريق على ما ليس بخارج عنه ، كما في خبر المعلّى بن خنيس ، قال :سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة على ظهر الطريق ، فقال : «لا ، اجتنبوا الطريق» (٦).

ويظهر من هذه الرواية كراهة الصلاة في الطريق مطلقا.

وأوضح منها دلالة على ذلك : موثّقة الحسن بن الجهم عن أبي الحسن

__________________

(١) المحاسن : ٣٦٥ / ١٠٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٣) جواهر الكلام ٨ : ٣٧١.

(٤) كشف اللثام ٣ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧٥ / ١٥٦٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٦) المحاسن : ٣٦٥ / ١٠٨ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٩.

١٤٣

الرضا عليه‌السلام ، قال : «كلّ طريق يوطأ فلا تصلّ عليه» قال : قلت له : إنّه قد روي عن جدّك أنّ الصلاة على الظواهر لا بأس بها ، قال : «ذاك ربما سايرني عليه الرجل» قال : قلت ، فإن خاف الرجل على متاعه (١) ، قال : «فإن خاف (٢) فليصلّ» (٣).

أقول : المراد بالظواهر في هذه الرواية أيضا بحسب الظاهر كسابقتها ما ليس بخارج عن الطريق ، فكأنّ الإمام عليه‌السلام أراد بيان إطلاق الكراهة ، وأنّ المراد بنفي البأس فيما روي عن آبائه عليهم‌السلام إنّما هو فيما لو سايره الرجل ، فأريد بذلك مصاحبة ذلك الرجل وعدم التخلّف عنه ، أو تكليفه بالعدول عن الطريق ، يعني في مواقع الضرورات العرفيّة ، والله العالم.

وخبر محمّد بن الفضيل (٤) قال : قال الرضا عليه‌السلام : «كلّ طريق يوطأ ويتطرّق كانت فيه جادّة أم لم تكن لا ينبغي الصلاة فيه» قلت : فأين أصلّي؟ قال : «يمنة ويسرة» (٥).

وفي خبر الحسين بن زيد عن الصادق عليه‌السلام في حديث المناهي : «ونهى أن يصلّي الرجل في المقابر والطرق والأرحية» (٦) الحديث.

وفي مرسلة عبد الله بن الفضل ، المتقدّمة (٧) مرارا عدّ من جملة المواضع

__________________

(١) في التهذيب زيادة : «الضيعة».

(٢) في التهذيب زيادة : «الضيعة».

(٣) التهذيب ٢ : ٢١ / ٨٧٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦.

(٤) في الكافي : «الفضل».

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٦ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ١٢٥ ، الهامش (٢).

(٧) في ص ٩٦ وما بعدها.

١٤٤

العشرة التي نهي عن الصلاة فيها : مسانّ الطرق ، فكأنّها أخصّ من مطلق الطرق ، ولعلّ المراد بها جوادها ، وتخصيصها بالذكر لشدّة الكراهة ، كما أنّه يحتمل إرادة ذلك من «قارعة الطريق» في خبر محمّد بن الحسين ـ المرويّ عن الخصال ـ بإسناده رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «ثلاثة لا يتقبّل الله لهم بالحفظ : رجل نزل في بيت خرب ، ورجل صلّى على قارعة الطريق ، ورجل أرسل راحلته ولم يستوثق منها» (١).

ثمّ إنّ أغلب هذه الأخبار وإن وقع فيها التعبير بلفظ النهي ولكنّ المتعيّن حملها على الكراهة ؛ لما في كثير منها من القرائن المرشدة إليه ، كذكره في عداد المكروهات في بعضها ، والاكتفاء بأدنى عذر في رفع المنع في بعض آخر ، وتعميم الحكم في جملة منها لمطلق الطريق ، وتخصيصه في بعضها بمسانّه ، مع ظهور جملة منها ـ ممّا وقع فيها التعبير بلفظ «لا ينبغي» و «يكره» وغير ذلك خصوصا الرواية الأخيرة ـ في الكراهة ، مع شدّة المناسبة بينها وبين المورد ، بخلاف الحرمة ، كما يؤيّده فهم المشهور وفتواهم.

فما عن الفقيه من أنّه لا تجوز في مسانّ الطرق وجوادّه (٢) ، والمقنعة والنهاية : لا تجوز في جوادّ الطرق ، وأمّا الظواهر فلا بأس (٣) ، ضعيف إن لم يريدوا بذلك أيضا الكراهة.

(و) كذا تكره الصلاة في (بيوت المجوس) على المشهور بين

__________________

(١) الخصال : ١٤١ / ١٦١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٦ ، ذيل ح ٧٢٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١٨.

(٣) المقنعة : ١٥١ ، النهاية : ١٠٠ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١٨.

١٤٥

الأصحاب ، كما في الجواهر (١) ، بل عن جامع المقاصد نسبته إليهم (٢).

وربما علّلوه بأنّها لا تنفكّ عن النجاسة.

ونوقش (٣) فيه : بأنّ مقتضاه عدم الاختصاص بالمجوس ، بل وعدمها على فراش المصلّي ونحوه ، وهو مخالف الظاهر العبارات ، ومن هنا ربما توقّف بعضهم فيها ، كما لعلّه ظاهر كاشف اللثام حيث قال : إنّما ظفرت بأخبار سئل فيها الصادق عليه‌السلام عن الصلاة فيها ، فقال : «رشّ وصلّ» (٤) (٥) وهي لا تقضي بالكراهة ، بل باستحباب الرشّ.

أقول : أمّا الأخبار التي ورد فيها الأمر بالرشّ :

فمنها : رواية أبي بصير ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في بيوت المجوس ، فقال : «رشّ وصلّ» (٦).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس ، فقال : «رشّ وصلّ» (٧).

ولا يخفى عليك أنّ المتبادر من الأمر بالصلاة في مثل هذه الموارد التي سبق الأمر فيها لدفع توهّم الحظر إنّما هو الرخصة ونفي البأس عنها ، لا الوجوب

__________________

(١) جواهر الكلام ٨ : ٣٧٥.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ١٣٠ ، وحكاها عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٠٩.

(٣) المناقش هو صاحب الجواهر فيها ٨ : ٣٧٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٥) كشف اللثام ٣ : ٢٩٣.

(٦) نفس المصدر في الهامش (٤).

(٧) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

١٤٦

أو الاستحباب ، والمنساق إلى الذهن من الأمر بالرشّ هو الوجوب المقدّمي الذي هو عبارة أخرى عن التعبير بالشرطيّة ، فيكون قوله عليه‌السلام : «رشّ وصلّ» بمنزلة ما لو قيل في جوابه : إن رششت فلا بأس بصلاتك ، نظير ما لو وقع السؤال عن الصلاة في ثوب أصابه شي‌ء من أبوال الدوابّ أو الدم أو غير ذلك ، فقيل في الجواب :اغسله وصلّ ، أو سئل عن الصلاة في سيف أو سكّين أو نحو ذلك ، فقيل : اجعله في غمده أو تحت ثيابك وصلّ ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا يتبادر منها إلّا إرادة الشرطيّة ، لا الطلب الشرعي المولويّ الوجوبي أو الاستحبابي ، ومقتضاه بطلان الصلاة عند ترك الرشّ ، وحيث علم من الخارج أنّ الصلاة لا تبطل بدونه ، لزم حمله على إرادة شرط الكمال ، أي كونها تامّة غير مشتملة على منقصة أصلا ، كما هو الشأن في أغلب الأمثلة المزبورة التي هي من نظائر المقام ، فترك الرشّ موجب لاختلال الصلاة في الجملة ، وصيرورتها ممّا فيه بأس ما ، أي خلل غير بالغ إلى حدّ يؤثّر في فسادها ، وهذا هو المقصود بكراهتها.

فما قيل (١) ـ من أنّ الأمر بالرشّ لا يقضي بالكراهة ، بل باستحباب الرشّ ـ كلام ظاهري ؛ لما أشرنا إليه من أنّ ظاهر هذه الأخبار إرادة نفي البأس عن الصلاة مع الرشّ ، لا استحبابها معه كي يكون الرشّ مستحبّا غيريّا ، أو استحبابه من حيث هو ، فيكون نفسيّا.

وربما يستدلّ للكراهة أيضا بخبر أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :«لا تصلّ في بيت فيه مجوسيّ ، ولا بأس بأن تصلّي وفيه يهوديّ أو نصراني» (٢)

__________________

(١) القائل هو صاحب الجواهر فيها ٨ : ٣٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

١٤٧

فإنّه يدلّ على كراهة الصلاة في بيوتهم بالفحوى.

وفيه تأمّل.

(ولا بأس بالبيع والكنائس) فلا تكره الصلاة فيها على الأشهر ، بل المشهور على ما نسب إليهم (١).

وقيل بالكراهة فيهما (٢) أيضا كبيوت المجوس ؛ للصحيحة المتقدّمة (٣) التي ورد فيها الأمر بالرشّ في الجميع.

ولكن قد ينافيها ظهور جملة من الأخبار في نفي البأس بالصلاة فيهما على الإطلاق.

كخبر حكم بن حكم (٤) ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس ، فقال : «صلّ فيها ، قد رأيتها ، ما أنظفها!» قلت : أيصلّى فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟ فقال : [ نعم ] أما تقرأ القرآن (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٥) صلّ إلى القبلة وغرّبهم» (٦).

وعن الصدوق بإسناده مثله ، إلّا أنّه ترك قوله عليه‌السلام : «قد رأيتها ، ما أنظفها!» و

__________________

(١) نسبه إلى المشهور الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦١٥.

(٢) ممّن قال بالكراهة فيهما الديلمي في المراسم : ٦٥ ، والقاضى ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٧٥ ـ ٧٦ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٧٠ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٥٤.

(٣) في ص ١٤٦.

(٤) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «حكيم». والمثبت من المصدر.

(٥) الإسراء ١٧ : ٨٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٤٨

قال في آخره : «وصلّ إلى القبلة ودعهم» (١).

وصحيحة العيص ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البيع والكنائس يصلّى فيها؟ قال : «نعم» وسألته هل يصلح نقضها مسجدا؟ فقال : «نعم» (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : سألته عن الصلاة في البيعة ، فقال : «إذا استقبلت القبلة فلا بأس بها» (٣).

وخبر أبي البختري ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسة ، الفريضة والتطوّع ، والمسجد أفضل» (٤).

فالمتّجه حمل الأمر بالرشّ في الصحيحة (٥) بالنسبة إليهما على إرادة شرط الفضيلة ، ولا ينافي ذلك إبقاؤها على ظاهرها من الكراهة بالنسبة إلى بيوت المجوس ، كما يعرف ذلك بالتدبّر فيما أسلفناه في مسألة جواز الصلاة في فرو السنجاب عند التكلّم في توجيه الموثّقة الدالّة على المنع عنه ، فراجع (٦).

ولكن قد يمنع صلاحيّة هذه الأخبار لصرف الصحيحة عن ظاهرها من الكراهة ؛ لورودها في مقام توهم الحظر ، فليس لها قوة ظهور في إرادة ما ينافي الكراهة ، فليتأمّل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ذيل ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٤) قرب الإسناد : ١٥٠ / ٥٤٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦.

(٥) أي صحيحة عبد الله بن سنان ، المتقدّمة في ص ١٤٦.

(٦) ج ١٠ ، ص ٢٧١ وما بعدها.

١٤٩

(ويكره أن تكون) في حال صلاته (بين يديه نار مضرمة) بل مطلقا (على الأظهر) كما يدلّ عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال :سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة ، قال : «لا يصلح له أن يستقبل النار» (١).

وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد» قلت : أله أن يصلّي وبين يديه مجمرة شبه (٢)؟ قال : «نعم ، فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتى ينحيها عن قبلته» وعن الرجل يصلّي وبين يديه قنديل معلّق وفيه نار إلّا أنّه بحياله ، قال : «إذا ارتفع كان أشرّ (٣) ، لا يصلّي بحياله» (٤).

وما في المتن وغيره بل ربما نسب إلى المشهور (٥) من تخصيص الكراهة بما إذا كانت النار مضرمة ممّا لم يتّضح وجهه.

ونقل عن أبي الصلاح القول بالحرمة (٦) ؛ أخذا بظاهر النهي في الخبرين.

وفيه : أنّ الخبر الأوّل إن لم نقل بأنّه ظاهر في الكراهة فلا أقلّ من عدم ظهوره في الحرمة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩١ / ١٦ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ / ٨٨٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٢) الشّبه ـ بفتحتين ـ : ما يشبه الذهب بلونه من المعادن ، وهو أرفع من الصفر. مجمع البحرين ٦ : ٣٥٠ «شبه».

(٣) فيما عدا الوسائل : «شرّا».

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ / ٨٨٨ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٥) نسبه إلى المشهور العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٢٥ ، المسألة ٦٦.

(٦) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٢٤ ، المسألة ٦٦ ، ولم نجده في الكافي في الفقه.

١٥٠

وأمّا الموثّقة فهي وإن كانت ظاهرة في ذلك في بادى‌ء الرأي ولكن ربما يوهن هذا الظاهر ـ مضافا إلى مخالفته للمشهور ـ عطف الحديد عليه في صدر الرواية ، مع أنّه لم يفت أحد بحرمته على ما صرّح به بعض (١).

وقوله عليه‌السلام في ذيلها : «إذا ارتفع كان أشرّ» الدالّ على اختلافه في الشرّيّة من حيث المرتبة وغير ذلك ممّا يناسب الكراهة ، كما أنّها هي [ التي يقتضيها ] (٢) الجمع بينها وبين مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس أن يصلّي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه» (٣) فكأنّ هذه الرواية هي التي قصدها الكليني والشيخ حيث قالا بعد نقل موثّقة عمّار (٤) ـ على ما حكي عنهما ـ : وروي أيضا أنّه «لا بأس به ؛ لأنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من ذلك» (٥).

والتوقيع المرويّ عن كتاب إكمال الدين عن محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من محمّد بن عثمان العمري رحمه‌الله عن صاحب الزمان في جواب مسائله :«وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته؟ فإنّ الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك ، فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران» (٦).

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الذي يقتضيه». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩٠ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤.

(٤) ما قاله الكليني والشيخ إنّما هو في ذيل صحيحة علي بن جعفر ، المتقدّمة في ص ١٥٠.

(٥) راجع الهامش (١) من ص ١٥٠.

(٦) إكمال الدين : ٥٢٠ ـ ٥٢١ / ٤٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

١٥١

وعن احتجاج الطبرسي نحوه ، وزاد في آخره : «ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران» (١).

وما في التوقيع من التفصيل بين أولاد عبدة الأوثان وغيرهم فمحمول على شدة الكراهة ، وإلّا فلم ينقل القول بهذا التفصيل عن أحد.

(أو) بين يديه (تصاوير) وربما وقع التعبير عنها في عبائرهم بالتماثيل أو بالصورة ، والمراد من الجميع بحسب الظاهر واحد ، كما أوضحناه في اللباس.

ويدلّ عليه جملة من الأخبار.

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن التماثيل في البيت ، فقال : «لا بأس إذا كانت عن يمينك و [ عن ] شمالك ومن خلفك أو تحت رجلك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا» (٢).

وصحيحته الأخرى ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلّي والتماثيل قدّامي وأنا أنظر إليها؟ قال : «لا ، اطرح عليها ثوبا ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا وصلّ» (٣).

أقول : الظاهر اتّحاد هذه الروايات الثلاث ، وما فيها من الاختلاف فمنشؤه الاختلاف في مقام التعبير ونقل المضمون.

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلّي ، ذيل ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ / ٢٠ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩١ ، و ٣٧٠ / ١٥٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٤ / ١٥٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣٢ أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

١٥٢

وصحيحته الثالثة ـ المرويّة عن المحاسن ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :«لا بأس بالتماثيل أن تكون عن يمينك وعن شمالك وخلفك وتحت رجليك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا إذا صلّيت» (١).

وصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ربما قمت فأصلّي وبين يديّ الوسادة ، فيها تماثيل طير ، فجعلت عليها ثوبا» (٢).

وخبر ليث ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال ، فقال : «لا بأس ما لم تكن تجاه القبلة ، فإن كان شي‌ء منها بين يديك ممّا يلي القبلة فغطّه وصلّ ، وإذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك ، واجعلها من خلفك» (٣).

وصحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلّي فيها؟ فقال : «لا تصلّ فيها وفيها شي‌ء يستقبلك إلّا أن لا تجد بدّا فتقطع رؤوسها ، وإلّا فلا تصلّ فيها» (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها.

وما في هذه الأخبار من النهي محمول على الكراهة ، كما يشهد له مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني والتوقيع ، المتقدّمتان (٥) في المسألة السابقة.

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن محاسن البرقي وكتاب قرب الإسناد ـ

__________________

(١) المحاسن : ٦٢٠ / ٥٨ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩٢ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٣ / ١٥٠٤ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١١.

(٤) الكافي ٦ : ٥٢٧ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٥) في ص ١٥١.

١٥٣

عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن البيت فيه صورة سمكة أو طير أو شبههما يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ قال : «لا ، حتى يقطع رأسه منه ويفسده ، وإن كان قد صلّى فليست عليه إعادة» (١) وفي بعض النسخ : «قد صوّروا فيه طير أو سمكة» (٢) إلى آخره ؛ إذ الظاهر أنّ قوله : «وإن كان قد صلى» إلى آخره مسوق لبيان أنّ النهي عنه على سبيل التنزيه الذي لا يترتّب على مخالفته الإعادة ، وحمله على خصوص صورة الغفلة والنسيان ممّا لا داعي عليه مع اعتضاده بالشهرة ونقل الإجماع ، بل لم ينقل القول بالحرمة فيما عثرنا عليه عن أحد.

نعم ، حكي عن أبي الصلاح القول بعدم حلّ الصلاة على البسط والبيوت المصوّرة وأنّ له في فسادها نظرا (٣).

وهو بإطلاقه مخالف لصريح هذه الأخبار ، فلا يصحّ استناده إليها.

هذا كلّه ، مع ما في إرادة الحرمة من النواهي الواردة في أمثال هذه الموارد من البعد ، ولعلّه هو العمدة في عدم فهم المشهور منها إلّا الكراهة.

وكيف كان فقد أغنتنا عن كلفة مثل هذه الدعاوي الأخبار المتقدّمة المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بغيرها ممّا عرفت ، مع اعتضادها بما عرفته في اللباس ؛ إذ الظاهر أنّ النواهي الواردة في هذا الباب المتعلّقة بالصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة أو درهم كذلك أو بيت فيه تصاوير كلّها من واد واحد ، فما يصلح قرينة لإرادة الكراهة من بعضها أمكن الاستشهاد به فيما عداه أيضا ، فليتأمّل.

__________________

(١) المحاسن : ٦٢٠ / ٦٠ ، قرب الإسناد : ١٨٥ / ٦٩٠ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٢.

(٢) في قرب الإسناد : «قد صوّر فيه طير أو سمكة».

(٣) الكافي في الفقه : ١٤١ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٩ ، المسألة ٦١.

١٥٤

ثمّ إنّ ظاهر خبر علي بن جعفر ، المتقدّم (١) : كراهة الصلاة في بيت فيها صورة سمكة وشبهها مطلقا ، سواء كانت بين يدي المصلّي أم لم تكن.

ونحوه خبره الآخر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل يصلّى فيه؟ فقال : «تكسر رؤوس التماثيل وتلطخ رؤوس التصاوير ، ويصلّي فيه ، ولا بأس» (٢).

وخبر سعد بن إسماعيل عن أبيه قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام : عن المصلّي والبساط يكون عليه التماثيل أيقوم عليه فيصلّي ، أم لا؟ فقال : «والله إنّي لأكره» (٣).

فمقتضى الجمع بينها وبين الأخبار المتقدمة إمّا حمل «نفي البأس عمّا إذا لم يكن بين يديه» في الأخبار المتقدّمة على خفّة الكراهة ، أو تقييد هذه الأخبار بما إذا كانت الصورة بين يديه ، وهو لا يخلو عن بعد بالنسبة إلى خبري عليّ بن جعفر.

واعلم أنّ المراد بالتصاوير والتماثيل إنّما هو صور ذوات الأرواح لا غير ، كما أوضحناه في اللباس ، وفي جملة من الأخبار إشارة إلى ذلك ، كما تقدّمت (٤) الإشارة إليه في ذلك المبحث.

وترتفع الكراهة بتغيير الصورة ، كما يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيّرت الصورة

__________________

(١) في ص ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٢) قرب الإسناد : ٢٠٥ / ٧٩٣ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٠ / ١٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٤ / ١٥٠٣ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٤) في ج ١٠ ، ص ٤٩٤ ـ ٤٩٥.

١٥٥

منه» (١) إذ لا خصوصيّة للثوب في ذلك ، كما هو واضح.

ويشهد له أيضا الخبر المرويّ ـ عن مكارم الأخلاق ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قد أهديت إليّ طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر ، فأمرت به فغيّر رأسه فجعل كهيئة الشجر» (٢) ولا يبعد أن يكون المراد بالتغيير في الصحيحة ما يصدق بنقص عضو منه من عين أو يد أو رجل أو نحو ذلك ، كما ربما يؤيّد ذلك مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في التمثال يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلّي ، قال : «إن كان بعين واحدة فلا بأس ، وإن كان له عينان فلا» (٣).

وأوضح من ذلك ما إذا كان التغيير بقطع رأسه أو قدّه نصفين أو نحو ذلك.

وقد صرّح بنفي البأس عنه في مثل الفرض روايتا علي بن جعفر ، المتقدّمتان (٤) المرويّتان عن كتاب المحاسن وقرب الإسناد.

ولكن قد يستظهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة عليّ بن جعفر ، المتقدّمة (٥) «إلّا أن لا تجد بدّا فتقطع رؤوسها» خفّة الكراهة بقطع الرؤوس ، لا ارتفاعها بالمرّة ، وإلّا لم يكن وجه لقصر الرخصة معه على صورة الضرورة.

اللهمّ إلّا أن يقال بجريه مجرى العادة من عدم تحمّل مثل هذه الكلفة إلّا لدى الضرورة ، لا أنّ الضرورة أباحت الصلاة معه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٣ / ١٥٠٣ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٣.

(٢) مكارم الأخلاق : ١٣٢ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب أحكام المساكن ، ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٢ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦.

(٤) في ص ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٥) في ص ١٥٣.

١٥٦

(و) تكره الفريضة في جوف الكعبة ، كما عرفته في مبحث القبلة ، وقد عرفت في ذلك المبحث أنّه (كما تكره الفريضة في جوف الكعبة) كذلك (تكره على سطحها) بل الأحوط والأولى ترك الصلاة على ظهر الكعبة مطلقا لا (١) لضرورة ؛ لقوله عليه‌السلام في خبر المناهي : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة على ظهر الكعبة» (٢).

(و) كذا (تكره في مرابط الخيل والحمير والبغال) على المشهور ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٣).

ويشهد له مضمرة سماعة ، قال : سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم ، فقال : «إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها ، فأمّا مرابض (٤) الخيل والبغال فلا» (٥).

ومقطوعته ، قال : «لا تصلّ في مرابط الخيل والبغال والحمير» (٦).

وقد أشرنا مرارا إلى أنّه لا يكاد يفهم من النواهي الواردة في مثل هذه الموارد إلّا الكراهة ، كما يشهد لذلك فهم الأصحاب وفتواهم.

هذا ، مع ضعف الروايتين بالإضمار ، وعدم صلاحيّتهما إلّا لإثبات الكراهة

__________________

(١) في «ض ١٢» : «إلّا» بدل «لا».

(٢) الفقيه ٤ : ٥ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٣) الغنية : ٦٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١١.

(٤) في التهذيبين : «مرابط» بدل «مرابض».

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٦ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

١٥٧

خصوصا الثانية منهما ، التي هي أوضح دلالة على النهي ؛ لما فيها من القطع ، بل لم يعلم كونها رواية ، فلعلّها ممّا استنبطها سماعة باجتهاده من روايته الأولى ، فيشكل مع هذا الاحتمال الالتزام بكراهة الصلاة في مرابط الحمير ؛ لعدم ورودها إلّا في هذه العبارة التي لم يثبت كونها رواية.

اللهمّ إلّا أن يعوّل في ذلك على الشهرة ونقل الإجماع من باب المسامحة.

فما عن الحلبي ـ من الالتزام بعدم حلّ الصلاة في هذه المواضع ولا في مرابض البقر والغنم. والتردّد في فسادها (١) ـ ضعيف ، خصوصا بالنسبة إلى الأخير الذي ورد فيه التصريح بخلافه في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :سألته عن الصلاة في مرابض الغنم ، قال : «صلّ فيها ، ولا تصلّ في أعطان الإبل ، إلّا أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشّه بالماء وصلّ فيه» (٢).

وصحيحة عليّ بن جعفر ـ المرويّة عن كتابه ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال :سألته عن الصلاة في معاطن الإبل [ أتصلح ]؟ قال : «لا تصلح إلّا أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثمّ انضح بالماء ثمّ صلّ» وسألته عن مرابض (٣) الغنم تصلح الصلاة فيها؟ قال : «نعم ، لا بأس» (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤١ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٩ ، المسألة ٦١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٣) في المصدر : «معاطن» بدل «مرابض».

(٤) مسائل عليّ بن جعفر : ١٦٨ ـ ١٦٩ / ٢٨١ و ٢٨٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٥٨

أعطان الإبل ، فقال : «إن تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه وصلّ ، ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» (١) (و) ظاهر هذه الأخبار خصوصا بملاحظة ما فيها من التفصيل بين المرابض والمعاطن ، كظاهر المتن وغيره ، بل عن المنتهى نسبته إلى أكثر علمائنا (٢) : أنّه (لا بأس) ولا كراهة (بمرابض الغنم).

ولكن عن المختلف أنّ المشهور الكراهة (٣) ، بل عن الغنية الإجماع على ذلك وعلى الكراهة في مرابط البقر أيضا (٤).

ولعلّ مستنده مضمرة سماعة ، المتقدّمة (٥) ، والله العالم.

(و) تكره أيضا (في بيت فيه مجوسيّ ، ولا بأس باليهوديّ والنصرانيّ) كما يدلّ عليه خبر أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تصلّ في بيت فيه مجوسيّ ، ولا بأس بأن تصلّي وفيه يهوديّ أو نصرانيّ» (٦).

(وتكره) الصلاة أيضا و (بين يديه مصحف مفتوح) على المشهور ؛ لرواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته ، قال : «لا» قلت : فإن كان في غلاف؟ قال : «نعم» (٧) المحمولة على الكراهة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٧ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٢) منتهى المطلب ٤ : ٣٢٣ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١٢.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ١١٩ ، المسألة ٦١ ، وحكاه عنه العاملى في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١٢.

(٤) الغنية : ٦٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢١١ ـ ٢١٢.

(٥) في ص ١٥٧.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٦ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ / ٨٨٨ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

١٥٩

كما يشهد له ـ مضافا إلى عدم انسباق الحرمة إلى الذهن من النواهي الواردة في مثل هذه الموارد الغير المناسبة إلّا للكراهة ـ ما عن الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل [ يصلح ] له أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنّه يريد قراءته ، أو في المصحف أو كتاب في القبلة؟ فقال : «ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها» (١) ولا نعني بكراهة الصلاة إلّا اشتمالها على ما يوجب نقصها ، فهذه الرواية تدلّ على عدم اختصاص الحكم بالمصحف ، وكراهة النظر إلى ما عداه أيضا من كتاب أو نقش خاتم ونحوه ولعلّه لذا قال في محكيّ البيان عاطفا على «مصحف مفتوح» : «أو كتاب مفتوح» (٢).

وعن المبسوط : أو شي‌ء مكتوب (٣) ، بل عن الفاضل وثاني المحقّقين والشهيدين وغيرهم التعدّي إلى كلّ منقوش (٤).

ولعلّه لقوله : «نقش خاتمه» ؛ إذ لا مدخليّة لخصوصيّة المورد في الحكم.

وهو لا يخلو عن تأمّل ؛ إذ الظاهر أنّ النقش الذي وقع عنه السؤال كان كتابة ، كما يشير إلى ذلك قوله : «كأنّه يريد قراءته».

وكيف كان فالذي يستفاد من هذه الرواية إنّما هو كراهة النظر إلى المكتوب

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٩٠ / ٧١٥ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) البيان : ٦٥ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٢٢.

(٣) المبسوط ١ : ٨٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٢٢.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٣٣ ، منتهى المطلب ٤ : ٣٤٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٤٨ ، جامع المقاصد ٢ : ١٣٩ ، الروضة البهيّة ١ : ٥٥٢ ، مسالك الافهام ١ : ١٧٦ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٢٢.

١٦٠