مصباح الفقيه - ج ١١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

المعاطن هي المبارك التي تأوي إليها الإبل (١). انتهى.

والأصل في هذا الحكم أخبار مستفيضة :

منها : مرسلة عبد الله بن الفضل ، المتقدّمة (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في أعطان الإبل ، فقال : «إن تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه وصلّ ، ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» (٣).

وصحيحة علي بن جعفر ، المرويّة في كتابه عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال :سألته عن الصلاة في معاطن الإبل [ أتصلح؟ ] قال «لا تصلح إلّا أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثمّ انضح بالماء ثمّ صلّ» وسألته عن مرابض الغنم تصلح الصلاة فيها؟ قال : «نعم ، لا بأس» (٤).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم ، فقال : «إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها ، فأما مرابض الخيل والبغال فلا» (٥).

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ١٣٢ ، منتهى المطلب ٤ : ٣٢١ ، الفرع الأوّل ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٣٤١.

(٢) في ص ٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٧ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٤) مسائل عليّ بن جعفر : ١٦٨ و ١٦٩ ، ح ٢٨١ و ٢٨٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٦ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤.

١٠١

وصحيحة الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في مرابض الغنم ، فقال : «صلّ فيها ، ولا تصلّ في أعطان الإبل إلّا أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشّه بالماء وصلّ فيه» (١).

وخبر المعلّى بن خنيس ـ المرويّ عن محاسن البرقي ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في معاطن الإبل فكرهه ، ثمّ قال : «إن خفت على متاعك شيئا فرشّ بقليل ماء وصلّ» (٢).

وربما يستشعر من الأخبار المقيّدة لها بعدم تخوّف الضياع ، أنّ المراد بالمعاطن مطلق المبارك ، كما فهمه الأصحاب على ما حكي (٣) عنهم.

وربما يؤيّده أيضا المرويّ عن الفقيه في جملة المناهي أنّه «نهى أن يصلّي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابط الإبل» (٤) فإنّ المرابط بحسب الظاهر تعمّ المبارك مطلقا.

ويؤيّده أيضا التعليل الواقع في الخبر المرويّ عن دعائم الإسلام (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه «نهى عن الصلاة في أعطان الإبل ، لأنّها خلقت من الشياطين» (٦).

والنبويّ العاميّ قال : «إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٢) المحاسن : ٣٦٥ / ١١١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٣) الحاكي عنهم هو البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٠١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢ ـ ٥ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٥) كذا قوله : «دعائم الإسلام» في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وكذا في جواهر الكلام ٨ : ٣٤٢ ، ولم نعثر على الخبر فيه ، وهو مروي في غوالي اللآلى‌ء.

(٦) غوالي اللآلى‌ء ١ : ٣٦ / ٢٣ ، مستدرك الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

١٠٢

منها وصلّوا فإنّها جنّ من جنّ خلقت ، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ (١) بأنفها؟» (٢).

هذا كلّه ، مع أنّه حكي عن بعض اللغويّين تفسير المعاطن بالمعنى الأعمّ (٣) ، فلا ينبغي الاستشكال في الكراهة في مطلق مواطنها ، مع أنّه يكفي في ذلك فتوى الأصحاب ـ على ما نسب إليهم (٤) ـ من باب التسامح.

وكيف كان فما حكي عن المفيد والحلبي من القول بالمنع (٥) ، ضعيف ، إلّا أن يكون مقصودهما به الكراهة ؛ لأنّ في الأخبار قرائن كثيرة تشهد بإرادتها ، كالتعبير بلفظ «لا تصلح» والكراهة والرخصة فيه عند الخوف على المتاع من غير أن يأمره بنقل متاعه إلى مكان آخر مع الإمكان ، كما هو الغالب ، وتعليل المنع في النبويّين بما يناسب الكراهة ، ونفي البأس عنه وعن مرابض الغنم والبقر في موثّقة (٦) سماعة مطلقا إذا نضحه بالماء وكان يابسا ، بخلاف مرابض الخيل والبغال التي ستسمع أنّ النهي عنها أيضا على سبيل الكراهة لدى المشهور ، فتكون حينئذ نصّا في المدعى.

هذا ، مع أنّ تقييد هذه الموثّقة بما إذا كان له هناك متاع وخاف عليه التلف ؛

__________________

(١) أي : ارتفع وتكبّر. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٥٠٠ «شمخ».

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٤٩٩ ، كنز العمّال ٧ : ٣٤٠ / ١٩١٦٧.

(٣) راجع : مقاييس اللغة ٤ : ٣٥٢ «عطن».

(٤) نسبه إليهم البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٠١.

(٥) المقنعة : ١٥١ ، الكافي في الفقه : ١٤١ ، وحكاه عنهما الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٩٠ و ٢٩٤.

(٦) تقدّمت الموثّقة في ص ١٠١.

١٠٣

جمعا بينها وبين الأخبار المتقدّمة ، مع عدم اعتبار هذا القيد في مرابض الغنم والبقر ، التي شاركت المعاطن في الحكم بمقتضى ظاهر الموثّقة ليس بأولى من حمل النهي في تلك الأخبار على الكراهة ، كما لا يخفى.

(و) كذا تكره في (مساكن النمل) المعبّر عنها في مرسلة عبد الله بن الفضل ، المتقدّمة (١) بـ «قرى النمل» وهو جمع قرية ، وهي مجمع ترابها ، كما عن القاموس وغيره (٢) ، وعن غير واحد من اللغويين تفسير قرى النمل بمأواها (٣). ولعلّ الاختلاف في التعبير.

ويدلّ عليه أيضا خبر عبد الله بن عطاء ـ المرويّ عن الكافي وعن كتاب المحاسن ـ قال : ركبت مع أبي جعفر عليه‌السلام وسار وسرت حتى إذا بلغنا موضعا قلت : الصلاة جعلني الله فداك ، قال : «هذه أرض وادي النمل لا يصلّى فيها» حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له مثل ذلك ، فقال : «هذه أرض مالحة لا يصلّى فيها» (٤).

وعن المجلسي في البحار أنّ في بعض النسخ : «نصلّي» في الموضعين بالنون ، وفي بعضها «يصلّى» بالياء (٥).

__________________

(١) في ص ٩٦.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣٧٧ «القرية» ، الصحاح ٥ : ١٨٨٦ «جرثم» ، أساس البلاغة : ٣٦٤ «قرو» ، شمس العلوم ٢ : ١٠٦١ «جرثومة» و ١٠٧٤ «تجرثم» ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٩٧.

(٣) المحيط في اللغة ٦ : ٨ «قرى» ، فقه اللغة : ٣١٤ ، السامي في الأسامي : ٢٨٩ ، الباب التاسع عشر في ذكر الحشرات والهوامّ ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٩٧.

(٤) الكافي ٨ : ٢٧٦ / ٤١٧ ، المحاسن : ٣٥٢ / ٤١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٥) بحار الأنوار ٨٣ : ٣٢١ ، ذيل ح ١٤ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٠٤.

١٠٤

وعن العيّاشي في تفسيره أنّه رواه هكذا : فسرنا حتّى زالت الشمس وبلغنا مكانا قلت : هذا المكان الأحمر ، فقال : «ليس يصلّى ها هنا ، هذه أودية النمال وليس يصلّى فيها» قال : فمضينا إلى أرض بيضاء ، قال : «هذه سبخة وليس يصلّى فيها (١)» (٢) الحديث.

أقول : مقتضى هذه الرواية عدم اختصاص الكراهة بخصوص مجمع ترابها ، بل كفاية كون الأرض وادي النمل ، فلعلّ هذا هو المراد بمساكنها في المتن ، كما أنّه يحتمل أن يكون مراد من فسّر «قرى النمل» بمأواها هو هذا المعنى ، لا خصوص مجمع ترابها حول جحرتها ، والله العالم.

(و) في (مجرى المياه) كما يدلّ عليه مرسلة عبد الله بن الفضل ، المتقدّمة (٣).

وفي حديث المناهي قال : «ونهى أن يصلّي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية» (٤) الحديث.

والأودية جمع واد ، وهو ـ على ما في مجمع البحرين (٥) ـ : الموضع الذي يسيل منه الماء بكثرة.

وربما يظهر من خبر أبي هاشم الجعفري صدق الصلاة في الوادي مع كونه في سفينة ونحوها ، فيعمّه الكراهة المستفادة من إطلاق خبر المناهي وإن كان

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : «بالسباخ» بدل «فيها».

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٢٨٦ / ٤١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢٠٤.

(٣) في ص ٩٦.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٠٢ ، الهامش (٤).

(٥) مجمع البحرين ١ : ٤٣٢ «ودا».

١٠٥

ظاهر خبر أبي هاشم اختصاصها بالصلاة جماعة ، لكن مقتضى الجمع بينهما حمل خبر أبي هاشم على شدّة الكراهة.

قال أبو هاشم : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في السفينة في دجلة فحضرت الصلاة فقلت : جعلت فداك نصلّي في جماعة ، فقال : لا يصلّى (١) في بطن واد جماعة» (٢).

ويحتمل قويّا أن تكون الصلاة في الأودية في حدّ ذاتها مكروها مستقلا ، لا من حيث كونها مجرى الماء الكثير ، أي المسيل ، فإنّهما على ما يظهر من بعض مفهومان متباينان قد يتصادقان في بعض الموارد.

نعم ، من شأن الوادي صيرورته مسيلا عند كثرة الأمطار ، لا أنّه يعتبر في قوام مفهومه صدق اسم المسيل عليه بالفعل.

وربما يؤيّد ما ذكرنا ما عن الصدوق في الخصال من تعليل المنع عن الصلاة في الوادي بأنّها مأوى الحيّات والشياطين (٣).

وعن كتاب العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم أنّه قال : والعلّة في بطون الأودية أنّها مأوى الحيّات والجنّ والسباع (٤). انتهى ، والله العالم.

(و) في (أرض السّبخة) بفتح الباء ، وإذا كانت نعتا للأرض كقولك :«الأرض السبخة» فهي بكسر الباء ، كذا نقل عن الخليل في كتاب العين (٥).

__________________

(١) فيما عدا الوسائل من المصادر : «لا تصلّ» بدل «لا يصلّى».

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٢ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩٧ / ٩٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ / ١٦٩٨ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٣) الخصال : ٤٣٥ ، ذيل ح ٢١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٤) أخرجه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٣ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ٢٩.

(٥) العين ٤ : ٢٠٤ «سبخ» ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٣ : ٣١١.

١٠٦

وعن الروض في تفسير السبخة ما صورته : بفتح الباء واحدة السباخ ، وهو الشي‌ء الذي يعلو الأرض كالملح ، ويجوز كون السبخة بكسر الباء ، وهي الأرض ذات السباخ ، فتكون إضافة الأرض إليها من باب إضافة الموصوف إلى صفته (١). انتهى.

والأصل في هذا الحكم أخبار مستفيضة :

منها : مرسلة عبد الله بن الفضل ، المتقدّمة (٢) في أخبار الحمّام ، وروايتا المحاسن والعيّاشي ، المتقدّمتان (٣).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في السبخة لم تكرهه؟ قال : «لأنّ الجبهة لا تقع مستوية» فقلت : إن كان فيها أرض مستوية؟فقال : «لا بأس» (٤).

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كره الصلاة في السبخة إلّا أن يكون مكانا ليّنا تقع [ عليه ] الجبهة مستوية» (٥).

وصحيحته الأخرى ـ المرويّة عن العلل ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في السبخة ، فكرهه ؛ لأنّ الجبهة لا تقع مستوية عليها ، فقلنا : فإن كانت

__________________

(١) روض الجنان ٢ : ٦٠٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٠.

(٢) في ص ٩٦.

(٣) في ص ١٠٤ و ١٠٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ / ٨٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ، الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٢٩ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٠٧

أرضا مستوية؟ فقال : «لا بأس بها» (١).

وخبر داود بن الحصين بن السري ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لم حرم الله الصلاة في السبخة؟ قال : «لأنّ الجبهة لا تتمكن عليها» (٢).

وخبر سدير الصيرفي أنّه سار مع أبي عبد الله عليه‌السلام إلى ينبع ، فحانت الصلاة ، فقال : «يا سدير انزل بنا نصلّي» ثمّ قال : «هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها» فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء فنزلنا وصلّينا (٣).

وفي خبر معمّر بن خلّاد عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «لا تسجد في السبخة» (٤).

وخبر معلّى بن خنيس قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السبخة أيصلّي الرجل فيها؟ قال : «إنّما تكره الصلاة فيها من أجل أنّها لا يتمكّن الرجل يضع وجهه كما يريد» قلت : أرأيت إن وضع وجهه متمكّنا؟ فقال : «حسن» (٥).

وخبر علي بن جعفر ـ المرويّ عن كتابه ـ عن أخيه ، قال : سألته عن الصلاة في الأرض السبخة أيصلّى فيها؟ قال : «لا ، إلّا أن يكون فيها نبت ، إلّا أن يخاف فوت الصلاة فيصلّى» (٦).

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٢٧ (الباب ٢١) ح ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٢) علل الشرائع : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ (الباب ٢١) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٣) الكافي ٢ : ٢٤٣ ، قطعة من ح ٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٠ / ١٢٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦.

(٥) المحاسن : ٣٦٥ / ١١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٠ بتفاوت يسير.

(٦) مسائل علي بن جعفر : ١٧٢ ـ ١٧٣ / ٣٠١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١١.

١٠٨

ثمّ إن مقتضى ظاهر أغلب هذه الأخبار اختصاص المنع بما إذا لم يتمكّن من وضع الجبهة على الأرض ، فيمكن حينئذ إبقاء النهي الوارد فيها على ظاهرها من الحرمة بحملها على ما إذا لم يتمكّن من وضعها على الأرض مستقرّة بحيث يتحقّق به أقل ما يجزى‌ء في السجود ، كما يؤيّد ذلك ما في بعضها من التعبير بلفظ الحرمة (١).

ولكنّه في غاية البعد ، بل ينبغي الجزم بخلافه ؛ إذ لا تكاد توجد أرض لا يتمكّن المصلّي من أن يضع جبهته عليها على وجه يحصل به مسمّى الوضع المعتبر في السجود ولو بتعديل موضع سجوده قبل أن يسجد عليها ، فكيف يجوز حينئذ إطلاق المنع عنها في بعض تلك الأخبار وتعليلها في الأخبار بهذه العلّة الغير المطّردة بل نادرة التحقّق إن أريد بها ما ذكر من عدم التمكّن من وضعها على وجه يتحقّق معه صدق مسمّى الوضع!؟ بل كيف يكون هذا منشأ لتأخير الإمام عليه‌السلام صلاته من أوّل الوقت حتى يخرج من تلك الأرض لأجل هذه العلّة التي علاجها من أسهل الأمور!؟ فالمقصود بالتعليل الواقع في الأخبار ـ بحسب الظاهر ـ بيان حكمة الحكم ، الموجبة رفعها لخفّة الكراهة أو رفعها ، وهي عدم استواء الأرض وخشونتها المانعة عن التمكّن التامّ من وضع جبهته على حسب إرادته على الوجه الكامل ، لا من مطلقه الذي يتوقّف عليه اسم السجود.

والذي يقتضيه التدبّر في الأخبار ويعضده إطلاق كلمات علمائنا الأبرار :أنّ الصلاة في أرض السبخة مكروهة مطلقا ، ولكن تخفّ كراهتها عند اعتدالها أو

__________________

(١) كما في خبر داود بن الحصين بن السري ، المتقدّم في ص ١٠٨.

١٠٩

تسويتها على وجه يتمكّن من وضع الجبهة عليها مستوية ، لا أنّه ترتفع كراهتها رأسا ، ولذا لم يكن يصلّي عليها نبي أو وصي نبي ، كما شهد به بعض الأخبار.

مثل : الخبر المرويّ عن العلل مسندا عن أمّ المقدام الثقفيّة عن جويرية بن مسهر ، قال : قطعنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام جسر الفرات (١) في وقت العصر ، فقال : «إنّ هذه أرض معذّبة لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ نبيّ أن يصلّي فيها ، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصلّ» (٢).

وعن بصائر الدرجات نحوه (٣).

وعن الفقيه بإسناده عن جويرية بن مسهر ، قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل وحضرت صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين عليه‌السلام ونزل الناس ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أيّها الناس إنّ هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرّات» وفي خبر آخر : «مرّتين ، وهي تتوقّع الثالثة» ـ وهى إحدى المؤتفكات ، وهى أوّل أرض عبد فيها وثن ، وأنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها ، فمن أراد أن يصلّي فليصلّ» ثمّ ذكر حديث ردّ الشمس وأنّ جويرية لم يصلّ في أرض بابل حتّى ردّت الشمس فصلّى مع عليّ عليه‌السلام (٤) ، مع ورود الأخبار ـ على ما ذكره في الجواهر (٥) ـ بأنّ

__________________

(١) في العلل : «الصراط» بدل «الفرات».

(٢) علل الشرائع : ٣٥٢ (الباب ٦١) ح ٤ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٣) بصائر الدرجات : ٢٣٩ / ٤ ، وفيه مثله ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب مكان المصلّي ، ذيل ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٣٠ ـ ١٣١ / ٦١١ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١ و ٢.

(٥) جواهر الكلام ٨ : ٣٤٧.

١١٠

الأرض كانت سبخة.

ولعلّه لهذا الخبر قال الصدوق في الخصال ـ على ما حكي عنه ـ : إنّه لا يصلّي في السبخة نبيّ ولا وصيّ نبيّ ، وأمّا غيرهما فإنّه متى دقّ مكان سجوده حتى تتمكّن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس (١).

وربما يؤيّد ذلك بعض الأخبار المتقدّمة (٢) الدالّة على أنّ الباقر والصادق عليهما‌السلام لم يصلّيا عند حضور وقت الصلاة حتى خرجا من أرض السبخة.

وربما يشهد بأنّ علّة كراهة الصلاة في أرض بابل كونها سبخة ، وأنّه لهذه الجهة لم يصلّ فيها عليّ عليه‌السلام : خبر يحيى بن العلاء (٣) ، المرويّ عن أمالي الشيخ ، قال : سمعته عليه‌السلام (٤) يقول : «لمّا خرج [ أمير المؤمنين عليه‌السلام ] إلى نهروان وظعنوا في [ أوّل ] أرض بابل حين دخل وقت العصر فلم يقطعوها حتّى غابت الشمس فنزل الناس يمينا وشمالا يصلّون إلّا الأشتر وحده ، [ فإنّه ] قال : لا أصلّي حتى أرى أمير المؤمنين عليه‌السلام قد نزل [ يصلّي ، قال : ] فلمّا نزل قال : «يا مالك هذه أرض سبخة ، ولا تحلّ الصلاة فيها ، فمن كان صلّى فليعد الصلاة» (٥).

وهذه الرواية ظاهرها الحرمة وبطلان الصلاة الواقعة فيها ، لكنّها قاصرة عن إثبات هذا الحكم ؛ فإنّها ـ مع ضعف سندها ـ لو لم تحمل على الكراهة و

__________________

(١) الخصال : ٤٣٥ ، ذيل ح ٢١ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٩٨.

(٢) في ص ١٠٤ و ١٠٥ و ١٠٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «يحيى بن أبي العلاء». والمثبت كما في المصدر.

(٤) في المصدر : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام».

(٥) الأمالي ـ للطوسي ـ : ٦٧١ ـ ٦٧٢ / ١٤١٥ ـ ٢٢ ، مستدرك الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١١١

استحباب إعادة الصلاة الواقعة فيها ، لعارضها الأخبار المستفيضة المتقدّمة المصرّحة بنفي البأس مع التمكّن من السجود ، كما هو الغالب في موردها ، فلا يصحّ حينئذ إطلاق قوله عليه‌السلام : «لا تحلّ الصلاة فيها فمن كان صلّى فليعد الصلاة» كما هو واضح.

وممّا يؤيّد أيضا بل يشهد بأنّ المراد من هذه الرواية وغيرها من الأخبار الناهية عن الصلاة في الأرض السبخة ليس إلّا الكراهة : مضمرة سماعة ، النافية للبأس عنه ، قال : سألته عن الصلاة في السباخ ، قال : «لا بأس» (١) فإنّ مقتضى الجمع بينها وبين غيرها حمل نفي البأس في المضمرة على بيان الجواز الغير المنافي للكراهة.

ويؤيّده أيضا عموم قوله عليه‌السلام في خبر النوفلي : «الأرض كلّها مسجد إلا الحمّام والقبر» (٢) وقوله عليه‌السلام في خبر عبيد بن زرارة : «الأرض كلّها مسجد إلّا بئر غائط أو مقبرة أو حمّام» (٣) فإنّ ما فيهما من الاستثناء يجعلهما قويّة الدلالة على إرادة العموم بالنسبة إلى كلّ أرض ، كما تعضده المستفيضة الواردة في مقام الامتنان ، الدالة على طهوريّة الأرض ومسجديّتها على الإطلاق.

وكيف كان فالأقوى كراهة الصلاة في السبخة مطلقا ؛ لإطلاق جملة من الأخبار المتقدّمة بل ظهورها في ذلك ، مضافا إلى إطلاق فتاوى الأصحاب ومعاقد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢١ / ٨٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٨ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٨.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٩٦ ، الهامش (٤).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٩٦ ، الهامش (٦).

١١٢

إجماعاتهم المحكيّة.

ولا ينافيه المضمرة المتقدّمة (١) النافية للبأس ؛ فإنّها محمولة على بيان الرخصة الغير المنافية للكراهة ، كما أنّه لا ينافيه رواية (٢) الأمالي ، الظاهرة في الحرمة ؛ لما أشرنا إليه من قصورها عن الحجّية فضلا عن صلاحيّتها لمعارضة غيرها من الأدلّة.

وأمّا ما عداها من الأخبار الناهية لو سلّمنا ظهورها في الحرمة وعدم صلاحيّة القرائن ـ التي تقدّمت الإشارة إليها ـ من صرفها عن هذا الظاهر فلا بدّ من حملها على ما إذا لم يتمكن من السجود عليها ، كما وقع التصريح به في جملة من تلك الأخبار.

وما ذكرنا من أنّ المتعيّن حمل هذه الأخبار على إرادة عدم التمكّن من السجود على الوجه الكامل لا عدم التمكّن من مسمّى السجدة فلو سلّم فهو مانع عن إبقائها على هذا الظاهر ؛ إذ لا يمكن الالتزام بأنه يشترط في صحّة السجود على أرض السبخة ما لا يشترط في غيرها ، كما لا يخفى.

وتكره الصلاة أيضا في مواضع بين الحرمين : البيداء ، وهي ذات الجيش ، على ما وقع التصريح به في الأخبار وفي كلمات علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم ، وذات الصلاصل ، وضجنان ، ووادي الشقرة ، كما يشهد له في الجميع ما عن الصدوق مرسلا قال : وروي أنّه «لا يصلّى في البيداء ولا ذات الصلاصل ولا

__________________

(١) في ص ١١٢.

(٢) تقدّمت الرواية في ص ١١١.

١١٣

وادي الشقرة ولا وادي ضجنان» (١).

ويدلّ عليه أيضا فيما عدا وادي الشقرة : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق : البيداء ، وهي ذات الجيش ، وذات الصلاصل ، وضجنان» (٢) الحديث.

وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «اعلم أنّه تكره الصلاة في ثلاثة أمكنة من الطريق : البيداء ، وهي ذات الجيش ، وذات الصلاصل وضجنان» وقال :«لا بأس بأن يصلّي بين الظواهر وهي الجواد جواد الطرق ، ويكره أن يصلى في الجوادّ» (٣).

ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام ، قال : «ولا تصلّ في ذات الجيش ولا في ذات الصلاصل ولا في ضجنان» (٤).

وعن المفيد مرسلا قال : قال عليه‌السلام : «تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع : أحدها : البيداء ، والثاني : ذات الصلاصل ، والثالث : الضجنان» (٥).

وعن محاسن البرقي بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يصلّى (٦) في

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٦ / ٧٢٦ ، الوسائل ، الباب ٢٣ ، من أبواب مكان المصلّي ، ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢٥ / ١٤٧٥ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٦٥ / ٨٢٤ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٨.

(٥) المقنعة : ٤٤٧ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٩.

(٦) في المحاسن : «لا تصلّ».

١١٤

ذات الجيش ولا في ذات الصلاصل ولا البيداء ولا ضجنان» (١).

ويدلّ عليه أيضا في خصوص الأوّل صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّا كنّا في البيداء في آخر الليل فتوضّأت واستكت وأنا أهمّ الصلاة ثمّ كأنّه دخل قلبي شي‌ء فهل يصلّى في البيداء في المحمل؟ فقال : «لا تصلّ في البيداء» فقلت : وأين حدّ البيداء؟ فقال : «كان جعفر (٢) عليه‌السلام إذا بلغ ذات الجيش جدّ في السير ثمّ لا يصلّي (٣) حتّى يأتي معرّس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» فقلت : وأين ذات الجيش؟ فقال : «دون الحفيرة بثلاثة أميال» (٤).

ويدلّ عليه في خصوص وادي الشقرة : مرسلة ابن فضّال ـ المرويّة عن الكافي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تصلّ (٥) في وادي الشقرة» (٦).

وعن الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد مثله (٧).

وخبر عمّار الساباطي ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تصلّ في وادي الشقرة ، فإنّ فيه منازل الجنّ» (٨).

وما في بعض هذه الأخبار من النهي يتعيّن حمله على الكراهة ، كما يشهد

__________________

(١) المحاسن : ٣٦٥ / ١١٣ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١٠.

(٢) في التهذيب : «أبو جعفر».

(٣) في التهذيب : «ولا يصلّي» بدل «ثمّ لا يصلّي».

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٥ / ١٥٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٥) في المصدر : «لا يصلّي».

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٧٥ / ١٥٦١ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مكان المصلّي ، ذيل ح ١.

(٨) المحاسن : ٣٦٦ / ١١٥ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢.

١١٥

له ـ مضافا إلى ظهور جملة منها ـ ممّا وقع فيها التعبير بلفظ الكراهة ـ في ذلك ، مع اعتضاده بعموم الأخبار الدالة على مسجديّة الأرض كلّها ـ صحيحة أيّوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير عليه‌السلام ، قال : قلت له : تحضر الصلاة والرجل في البيداء ، قال :

«يتنحّى عن الجوادّ يمنة ويسرة ويصلي» (١) فإن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار التي وقع فيها النهي عن الصلاة في البيداء : حمل النهي على الكراهة ، ومعه لا يبقى له ظهور في الحرمة بالنسبة إلى ما عداها ، خصوصا في مثل هذه الموارد التي لا يناسبها إلّا الكراهة.

ونحوها صحيحة علي بن مهزيار أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الرجل يصير في البيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها كيف يصنع بالصلاة وقد نهي أن يصلّي في البيداء؟ فقال : «يصلي فيها ، ويتجنّب قارعة الطريق» (٢).

ولكن هذه الصحيحة حيث إن موردها الضرورة يشكل جعلها شاهدة لإثبات الجواز بلا ضرورة.

وممّا يشهد لإرادة الكراهة في الأخير : التعليل الواقع في رواية (٣) عمّار :«بأنّ فيه منازل الجنّ» فإنّه يجعلها ظاهرة في إرادة الكراهة ، كما لا يخفى على المتتبّع في أخبار الأئمّة عليهم‌السلام ، المشتملة على هذا النحو من التعليلات ، كما أنّه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٧٥ / ١٥٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٧ ـ ١٥٨ / ٧٣٤ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٦.

(٣) تقدّمت الرواية في ص ١١٥.

١١٦

يؤيّد الكراهة بالنسبة إلى ما عداه أيضا ما وقع في كلمات الأصحاب من تعليل كراهة الصلاة في تلك الأماكن [ بكونها ] (١) معذّبة وأرض خسف ؛ حيث يفهم منها استفادته من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام ، وكونها كذلك ممّا يناسب الكراهة ، وقد ورد في وادي ضجنان أنّه من أودية جهنّم.

ففي رواية علي بن المغيرة ـ المرويّة عن كتاب بصائر الدرجات ـ قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في ضجنان وذكر حديثا يقول في آخره : «وإنّه ليقال : إنّه واد من أودية جهنّم» (٢).

وعن كتاب الخرائج والجرائح عن عليّ بن المغيرة ، قال : نزل أبو جعفر عليه‌السلام وادي ضجنان ، فسمعناه يقول ثلاث مرّات : «لا غفر الله لك» فقال [ له ] أبي : لمن تقول؟ جعلت فداك ، قال : «مرّ بي الشامي ـ لعنه الله ـ يجرّ سلسلته التي في عنقه وقد دلع لسانه يسألني أن أستغفر له ، فقلت : لا غفر الله لك» (٣).

وعن عبد الملك القمّي عن أخيه قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «بينا أنا وأبي متوجّهين إلى مكّة فتقدّم أبي في موضع يقال له : ضجنان إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرّها ، فأقبل عليّ فقال : اسقني ، فسمعه أبي فصاح بي فقال :لا تسقه لا سقاه الله ، فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة والحجريّة : «كونها». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بصائر الدرجات : ٣٠٥ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١١.

(٣) الخرائج والجرائح ٢ : ٨١٥ / ٢٤ ، وأورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١١٧

أسفل درك من النار ، فقال أبي : هذا الشامي لعنه الله» (١).

وفي الحدائق : المراد بالشامي في الخبرين المذكورين هو معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله عزوجل في سورة الحاقّة (٢) (٣). انتهى.

وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في أصل الحكم ، وأنّه على سبيل الكراهة.

وأمّا موضوعه فأمّا البيداء : فهي ـ على ما صرّح به غير واحد ـ على ميل من ذي الحليفة ممّا يلي مكة.

قال ابن إدريس في السرائر في تعداد ما يكره فيه الصلاة : والبيداء ، لأنّها أرض خسف على ما روى في الأخبار إنّ جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيخسف الله تعالى به تلك الأرض ، وبينها وبين ميقات أهل المدينة ـ الذي هو ذو الحليفة ـ ميل واحد ، وهو ثلاث فرسخ فحسب. قال : وكذلك تكره الصلاة في كلّ أرض خسف ، ولهذا كره أمير المؤمنين عليه‌السلام الصلاة في أرض بابل (٤). انتهى.

وأمّا ذات الصلاصل : ففي السرائر : الصلاصل جمع صلصال ، وهي الأرض التي لها صوت ودوي (٥).

وعن المنتهى أيضا تفسيرها بذلك (٦).

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٨١٤ / ٢٤ ، وأورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٢) الحاقّة ٦٩ : ٣٢ ، وانظر الكافي ٤ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ / ١.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٦.

(٤) السرائر ١ : ٢٦٥.

(٥) السرائر ١ : ٢٦٥.

(٦) منتهى المطلب ٤ : ٣٥٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٣.

١١٨

وقيل : إنّه الطين الحرّ المخلوط بالرمل ، فصار يتصلصل (١). وبه فسّره الشهيد (٢) على ما حكي عنه ، وعن الجوهري نقله عن أبي عبيدة (٣) ، وكذا عن القاموس (٤).

أقول : فكأنّ غرض الأصحاب بذكر هذه التفسيرات بيان وجه المناسبة ، وإلّا فظاهر كلماتهم كظواهر النصوص أنّها اسم لموضع مخصوص فيما بين الحرمين.

وفي الحدائق ـ بعد أن أشار إلى ما ذكر ـ قال : إلّا أنّي لم أقف على تعيينه في الأخبار ، ولا في كلام أحد من أصحابنا الأبرار (٥). انتهى.

أقول : فالأحوط ترك الصلاة في كلّ موضع اتّصف بشي‌ء من الوصفين اللّذين عرف بهما ذات الصلاصل ممّا هو واقع فيما بين الحرمين ، والله العالم.

وأمّا وادي ضجنان : ففي الحدائق : ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة ، اسم جبل بناحية مكة (٦). انتهى.

وفي السرائر : هو جبل بتهامة (٧).

وأمّا وادي الشقرة : ففي السرائر : بفتح الشين وكسر القاف ، وهي واحدة

__________________

(١) كما في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) غاية المراد ١ : ١٢٦ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٤.

(٣) الصحاح ٥ : ١٧٤٥ «صلل» ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٤.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٣ «الصلصال» ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٤.

(٥) الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٤.

(٦) الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٥.

(٧) السرائر ١ : ٢٦٤.

١١٩

الشقر ، وهو شقائق النعمان ، قال الشاعر (١).

وعلا الخيل دماء كالشقر (٢) يريد كشقائق النعمان.

والأولى عندي أنّ وادي الشقرة موضع بعينه مخصوص ، سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن ، وليس كلّ واد يكون فيه شقائق النعمان تكره الصلاة فيه ، بل الموضع المخصوص فحسب ، وهو بطريق مكّة ، لأنّ أصحابنا قالوا : تكره الصلاة في طريق مكّة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة. ثمّ استشهد لمختاره بما ذكره ابن الكلبي النسّابة حيث جعل ذا الشقرة اسما لموضع (٣). انتهى.

وعن العلامة في المنتهى : الشقرة بفتح الشين وكسر القاف ، واحدة الشقر ، وهو شقائق النعمان ، وكلّ موضع فيه ذلك تكره الصلاة فيه. وقيل : وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة ، ذكره ابن إدريس. والأوّل أقرب ؛ لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليها ، وقيل : هذه مواضع خسف فتكره الصلاة فيها ؛ لذلك (٤). انتهى.

أقول : قد تقدّم (٥) في خبر عمّار تعليل النهي «بأنّ فيه منازل الجنّ» فهو المعوّل عليه ، وظاهره إرادة موضع مخصوص وإن أمكن حمله على إرادة

__________________

(١) هو طرفة بن العبد ، راجع ديوانه : ٥٥.

(٢) صدر البيت هكذا :وتساقى القوم كأسا مرّة

(٣) السرائر ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٤) منتهى المطلب ٤ : ٣٥٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٢١٤.

(٥) في ص ١١٥.

١٢٠