مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

غسل ما حول الجرح على من تمكّن من ذلك على الوجه المشروع بأن لا يتضرّر بغسله بالماء الطاهر ، وأمّا من تضرّر باستعمال الماء مطلقا ، أو بغسل خصوص ما حول الجرح أو الجبيرة ، أو تعذّر عليه تطهيره مقدّمة للغسل الصحيح ، فلا يستفاد حكمه من شي‌ء من الأخبار المتقدّمة ، فأخبار التيمّم بالنسبة إلى ما عدا هذين الموردين سليمة عن المزاحم ، بل لو لم يكن لنا هذه الأخبار الخاصّة ، لكنّا نلتزم بمفادها بمقتضى الأدلّة العامّة ، كما سيتّضح لك وجهه في بعض الفروع الآتية إن شاء الله ، وأمّا بالنسبة إليهما فهي قاصرة عن مزاحمة الأخبار المتقدّمة ، لكونها أخصّ مطلقا.

واختصاص أخبار التيمّم بالغسل على تقدير جواز التفصيل بين الوضوء والغسل ، وعدم مخالفته للإجماع لا يجدي في انقلاب النسبة ، لأنّ بعض الأخبار المتقدّمة ـ كصحيحة ابن الحجّاج وغيرها ـ نصّ في العموم ، فلا يمكن تخصيصها بالوضوء.

هذا ، مع أنّه لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة خصوصيّة الوضوء أو الغسل في شي‌ء من هذه الأخبار ولا في أسئلة السائلين ، وإلّا لكان على الإمام عليه‌السلام بيان الفرق بين الوضوء والغسل ولو في بعض هذه الأخبار ، دفعا لتوهّم المساواة ، كما أنّه كان على السائل بمقتضى العادة حين سأل عن حكم الجبائر في الوضوء أن يسأل عن حكمها في الغسل ، فيدور الأمر بين طرح الأخبار التي أجمعوا على العمل بها ، أو تقييد أخبار التيمّم ، ولا شبهة أنّ الثاني هو المتعيّن في مقام الجمع ، وحمل أخبار

٨١

الطرفين على التخيير ـ كما في المدارك (١) احتماله ـ في غاية الضعف ، حيث إنّ أكثر أخبار التيمّم نصّ في الوجوب التعييني.

اللهمّ إلّا أن يريد التخيير في غير موارد خوف الضرر ، وما كان نصّا في الوجوب التعييني ـ كأخبار الجدري ـ إنّما هو في موارد الضرر.

ولكن يتوجّه عليه أيضا أنّ التقييد أولى من هذا التصرّف ، مضافا إلى مخالفته لظواهر الأدلّة الدالّة على اختصاص مشروعيّة التيمّم بمن لم يتمكّن من الطهارة المائيّة.

هذا كلّه بعد الإغماض عن ضعف دلالة أخبار التيمّم بل قصورها عن شمول مورد الأخبار السابقة ، وإلّا فللتأمّل في أصل شمولها مجال ، حيث إنّ موردها بشهادة الغلبة مخصوصة بغير الأمن ، لأنّ من كان على جسده جراحات أو جدري ، وكان خائفا من وصول الماء إلى نفس عضوه المعيوب على وجه يتحقّق به أقلّ مسمّى الغسل حتى يشرع في حقّه التيمّم أو الغسل الناقص قلّما يحصل له الأمن من ضرر البرد بنزع ثيابه والإتيان بالغسل الناقص خصوصا إذا كان الجرح مكشوفا.

وكذا الكسير الخائف من البرد بإيصال الماء إلى موضع الكسر ـ كما هو مورد الرواية بقرينة جعله رديفا للمبطون ـ كيف يأمن من نزع ثيابه وغسل جميع بدنه ما عدا موضع الجبر!؟

وفيما تقدّم (٢) من تفسير العيّاشي ما يشهد أيضا بهذا الجمع ، فلاحظ.

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٩.

(٢) في ص ٧٥.

٨٢

وكيف كان ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب تقييد أخبار التيمّم بما إذا لم يتمكّن المكلّف من الوضوء الناقص الذي استفيد وجوبه من الأخبار السابقة.

فتحصّل من مجموع الأخبار : أنّ الكسير أو المجروح والمقروح إن استطاع أن يغسل نفس العضو المعيوب في وضوئه وغسله من دون أن يتضرّر به ، فعليه ذلك ، وإلّا فإن كان عليه جبيرة ونحوها ، فعليه مسحها بدلا من العضو المحجوب ما لم يتضرّر من استعمال الماء بغسل ما حول الجبيرة ، وإن لم يكن عليه جبيرة وكان الموضع مقروحا أو مجروحا ، فعليه غسل ما حوله لو لم يتضرّر بذلك ، وإن لم يتمكّن من الوضوء أو الغسل التامّين أو الناقصين على الوجه المذكور إمّا لخوفه من استعمال الماء مطلقا أو من غسل خصوص ما حول الجرح والجبيرة ، فليتيمّم ، والله العالم.

بقي في المقام أمور ينبغي التنبيه عليها :

الأوّل : أنّك قد عرفت أنّ مقتضى الأخبار المتقدّمة : كفاية غسل ما حول الجرح المجرّد ، وعدم وجوب وضع خرقة أجنبيّة عليه والمسح عليها بدلا من العضو المجروح.

ولكن بقي في المقام شي‌ء ، وهو : أنّه لو تمكّن من شدّ الجرح على وجه يندرج في موضوع الأخبار الآمرة بمسح الجبيرة ، هل يجب عليه ذلك؟ بدعوى : أنّ الشارع لم يرفع اليد عن العضو المجروح إلّا للضرورة وهي تتقدّر بقدرها ، أم لا؟ ، لمنع هذه الدعوى خصوصا لو

٨٣

توقّف الشدّ على ترك بعض ما حول الجرح ممّا يجب غسله لولاه ، فإنّ الأظهر فيه عدم الجواز ، فضلا عن الوجوب.

نعم ، لو عصّب الجرح بخرقة بعد غسل ما حوله على وجه يكون عاملا بكلتا الوظيفتين ، لكان أحوط.

هذا إذا تمكّن من غسل ما حول الجرح ، وأمّا لو تضرّر بذلك وتمكّن من أن يعصّبه بالخرقة ويمسح عليها ، فالظاهر وجوبه حيث إنّ أمره يدور بين أن يتيمّم أو يعصّب جرحه بخرقة ويتوضّأ ، فيجب عليه ذلك ، لأنّ التيمّم إنّما يشرع في حقّه لو تعذّرت عليه الطهارة المائيّة ، وهو متمكّن في الفرض ، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور.

فعلى هذا لو كان كسيرا وتضرّر من إيصال الماء إلى موضع الكسر وتمكّن من الجبيرة والمسح عليها ، يجب عليه ذلك ، ولا يشرع له التيمّم.

وهذا بخلاف الوضوء الناقص ، فإنّه لا ترتّب بين قسميه بمقتضى ظواهر أدلّته ، بل مطلقه (١) تكليف عذري لمن لم يتمكّن من الوضوء التامّ من دون ترتّب بين القسمين حتى يجب عليه السعي مهما أمكن في تحصيل مقدّمات ما هو المتقدّم بالرتبة ، كالوضوء التامّ بالنسبة إلى الناقص ، ومطلقة بالنسبة إلى التيمّم ، فلاحظ وتأمّل.

الثاني : يشترط طهارة الجبيرة واستيعابها بالمسح إن كان في محلّ الغسل ، والترتيب بين مسحها وسائر أفعال الوضوء والغسل ، لكونها

__________________

(١) أي مطلق الوضوء.

٨٤

بمنزلة محلّها في الحكم على ما يتبادر من أخبارها ، فإن كانت الجبيرة طاهرة ، مسح عليها (سواء كان ما تحتها طاهرا أو نجسا) وإن لم تكن طاهرة ، طهّرها أو بدّلها أو وضع عليها خرقة طاهرة على وجه تعدّ عرفا من أجزاء الجبيرة.

وأمّا كفاية مجرّد وضع خرقة أجنبيّة حال المسح بحيث لا تعدّ عرفا من أجزائها ـ كما هو مقتضى إطلاق كلام صاحب المدارك رحمه‌الله في معقد إجماعه (١) ـ في غاية الإشكال ، لعدم اندراج مثل هذه الخرقة في موضوع الأخبار الآمرة بالمسح على الجبيرة.

وأشكل منه : ما عن الذكرى احتماله من الاكتفاء بغسل ما حوله (٢) ، لما عرفت من اختصاص هذا الحكم بالجرح المجرّد.

والذي تقتضيه الأدلّة أنّه إن تمكّن من مسح الجبيرة بعد تطهيرها بأحد الوجوه المتقدّمة ، فعليه ذلك ، وإلّا فليتيمّم.

ولكنّك خبير بأنّ جعل الخرقة الخارجيّة من أجزاء الجبيرة ليس أمرا متعسّرا في الغالب ، ولعلّ إطلاق الأصحاب القول بوضع الخرقة الطاهرة منزّل على ذلك.

وكيف كان ، فلو تعذّر عليه التطهير بأحد الوجوه المتقدّمة وتمكّن من وضع خرقة أجنبيّة ، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينه وبين التيمّم ، كما أنّ مقتضى الاحتياط عند فقد الخرقة الطاهرة أو نظائرها : الجمع بين

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٧.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٤٤ ، وانظر : الذكرى : ٩٧.

٨٥

التيمّم وغسل ما حول الجبيرة ، والله العالم.

الثالث : لو التصق بالبشرة الصحيحة شي‌ء يتعذّر نزعه ، فهو بحكم الجبيرة ،كما عن الذكرى (١) تصريحه بذلك ، لعموم قوله عليه‌السلام في رواية عبد الأعلى ، المتقدّمة (٢) : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) امسح عليه».

وقوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٤).

مضافا إلى إمكان دعوى القطع بأنّ مناط الحكم المستفاد من أخبار الجبيرة موجود في الفرض ، إلّا أنّ عهدتها على مدّعيها.

ولكنّ الإنصاف أنّه ليس بالبعيد ، خصوصا بملاحظة أسئلة السائلين حيث إنّ سؤالهم ابتداء عن كفاية المسح على الجبيرة لم يكن بحسب الظاهر إلّا لأجل كون المسح على الجبيرة لديهم ميسور المتعذّر ، لصيرورة الجبيرة لأجل لصوقها بالعضو بمنزلة جزئه بنحو من الاعتبار والتسامح العرفي.

وكيف كان ففي القاعدة المستفادة من الروايتين غنى وكفاية.

والمناقشة في سنديهما ـ بعد كون القاعدة المستفادة منهما مسلّمة عند جلّ العلماء حيث إنّهم لا زالوا يتمسّكون بها في أبواب العبادات

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٤٤ ، وانظر : الذكرى : ٩٦.

(٢) في ص ٧٥.

(٣) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٤) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

٨٦

والمعاملات ـ ممّا لا يلتفت إليها.

نعم ، ربّما يناقش في دلالتهما.

أمّا في رواية الميسور : فبأنّ القاعدة المستفادة منها مجراها إنّما هو المركّبات الخارجيّة التي تعذّر بعض أجزائها ، دون الشرائط المعتبرة في الماهيّة التي هي أجزاء ذهنيّة ، كما فيما نحن فيه.

ويدفعها : ما عرفت غير مرّة في بعض المباحث السابقة ـ كمسألة المسح على الحائل ونظائرها ـ من أنّ مناط جريان قاعدة الميسور إنّما هو كون الشي‌ء بنظر العرف ذا مراتب بحيث يعدّ المأتيّ به بنظرهم ميسور المتعذّر ، ولا شبهة في أنّ المأتيّ به فيما نحن فيه بنظر العرف ميسور المتعذّر حيث إنّ الجسم الملتصق بالعضو يعدّ بنظرهم بنحو من الاعتبار بمنزلة بشرة العضو.

ألا ترى أنّه لو احتاج المستفتي إلى معرفة حكم مثل الفرض ، يسأل ابتداء بمقتضى طبعه عن كفاية غسله عن غسل محلّه ، لا كفاية غسل ما حوله في حصول الوضوء.

ويفصح عن ذلك أسئلة السائلين في بعض الروايات المتقدّمة وغيرها من الأخبار التي تقدّم بعضها في مسألة المسح مع وجود الحائل مثل الحنّاء وغيره.

والحاصل : أنّ جريان قاعدة الميسور لا يتوقّف على كون مجراها مركّبا فضلا عن اختصاص جريانها بما إذا تعذّر بعض أجزاء المركّب.

٨٧

نعم ، قد تجري القاعدة في المركّب الذي تعذّر بعض أجزائه الغير المقوّمة للصدق العرفي من حيث إنّ المأتيّ به بنظرهم على هذا التقدير ميسور المتعذّر ، وهذا لا يقتضي انحصارها فيه ، كما هو ظاهر.

واعترض أيضا على القاعدة : بالنقض بما إذا تعذّر عليه الماء لبعض الأعضاء ، فإنّهم اتّفقوا على أنّه يتيمّم ولا يشرع له الوضوء ، فلو كانت القاعدة جارية في باب الطهارة الحدثيّة ، لما جاز له التيمّم في الفرض ، فإجماعهم كاشف عن عدم جريان القاعدة فيها.

وفيه : ما عرفت من أنّ ملاك جريان القاعدة ليس تعذّر الجزء حتى يدلّ إجماعهم المذكور على عدم جريان القاعدة في الوضوء مطلقا ، بل الملاك كون المأتيّ به ميسور المتعذّر ، وإجماعهم لا يدلّ إلّا على أنّ الطهارة لا تتبعّض ، كما وقع التصريح به في بعض كلماتهم على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات ، وهذا لا يقتضي إلّا عدم جواز الاستدلال في أمثال المقام بقوله عليه‌السلام : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (١) وقوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) لا عدم جريان قاعدة الميسور في الفرض الذي لا يتحقّق معه التبعيض ، كما فيما نحن فيه.

نعم ، لو لم يتمكّن من غسل الحاجب أو بعض مواضع الوضوء لنجاسته أو تضرّره بالماء كوجع العين ونظائره ، يجب عليه التيمّم ، كما وقع التصريح به في كلام جماعة ، ولا يجوز له الاقتصار على غسل ما

__________________

(١) كنز العمّال ٥ : ٢١ ـ ١١٨٧٢.

(٢) غوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٧.

٨٨

حول العضو المتعذّر ، وترك غسل العضو وما هو قائم مقامه عرفا ، لما عرفت من الإجماع على أنّ الطهارة لا تتبعّض ، ولو لا ثبوت عدم قابليّة الوضوء والغسل للتبعيض ، لكان مقتضى قاعدة الميسور : صحّتهما في بعض صور التبعيض ، كما سبقت الإشارة إليه ، فالإجماع أوجب تخصيص القاعدة بغير الموارد التي يصدق فيها التبعيض ، لا طرحها رأسا.

وأمّا المناقشة في دلالة رواية عبد الأعلى : فبأنّه لو بني على الأخذ بعمومها ـ أعني سقوط شرطيّة الشرط المتعذّر ، كقيد المباشرة في المسح ، ووصول الماء إلى البشرة في الغسل ، كما هو مقتضى إحالة الإمام عليه‌السلام معرفة حكمه إلى آية نفي الحرج ـ للزم تأسيس فقه جديد ، حيث إنّ اللازم منه ارتفاع مشروعيّة التيمّم بالنسبة إلى المتضرّر بالغسل لبرد أو مرض أو نحوهما ، لأنّ كلّ مريض متمكّن ـ بمباشرة أو تولية ـ من مسح ما عليه من اللباس الساتر لبدنه بل من مسح بدنه تدريجا بيده المبلولة.

ويدفعها أوّلا : أنّ مقتضى المناقشة المذكورة على تقدير تسليمها ليس إلّا عدم جواز التخطّي عن مورد الرواية وإثبات وجوب الوضوء والغسل على المريض بغسل ثيابه أو اللحاف الملتفّ به بدعوى سقوط قيد وصول الماء إلى البشرة ، وأمّا طرح الرواية رأسا وعدم الأخذ بمضمونها في خصوص موردها فلا ، إذ لا إجمال فيها من هذه الجهة ، وإنّما عرضها الإجمال من حيث مناط الحكم وكيفيّة استفادته من كتاب الله.

وحينئذ نقول : الرواية صريحة في كفاية المسح على المرارة

٨٩

المجعولة على الإصبع ، وعدم وجوب نزعها إذا كان حرجا عليه ، وكذا ما هو من أشباهها حيث قال الإمام عليه‌السلام : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله» (١) ولا شبهة أنّه لو التصق بالإصبع الصحيحة شي‌ء كالمرارة ، وتعذّر نزعه ، دخل في الموضوع الذي يستفاد حكمه من منطوق الرواية حيث إنّه بنظر العرف من أشباه مورد سؤاله ، وليس خصوصيّة كونها للتداوي من القيود في أشباهه عرفا ، فإذا جاز المسح على الجسم الملتصق بالإصبع ، جاز في غيره ، لعدم القول بالفصل.

وثانيا : أنّ استفادة حكمه من كتاب الله تعالى إنّما هي بضميمة مقدّمة مغروسة في ذهن السائل بل جميع العقلاء في مقاصدهم العقلائيّة من أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، إذ لا يستفاد من آية نفي الحرج ، إلّا عدم وجوب مسح البشرة ، وأمّا وجوب مسح الجسم الملتصق بها فهو للقاعدة المغروسة في ذهن السائل ، كما يشعر بذلك سؤاله حيث قال : كيف أصنع بالوضوء؟ فإنّ ظاهر سؤاله يعطي أنّ وجوب الوضوء وعدم سقوطه في حقّه كان عنده مسلّما مفروغا عنه ، فالرواية تدلّ بالالتزام على أنّ قاعدة الميسور ممضاة لدى الشارع في الأحكام الشرعيّة ، كالأغراض العقلائيّة.

وكيف كان ، فلا يستفاد من الرواية إلّا وجوب الإتيان بما هو بنظر العرف من مراتب المأمور به ، وأمّا غسل ثياب المريض واللحاف الملتفّ به فهو ماهيّة أجنبيّة عن ماهيّة المأمور به.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٧٥ ، الهامش (٦).

٩٠

الرابع : مقتضى الجمود على ما يتراءى من ظاهر النصوص وأكثر الفتاوى : وجوب المسح على الجبيرة ولو في محلّ الغسل ، وعدم كفاية غسلها ، ومجرّد إيصال الماء إليها من دون مسح.

ولكنّ المتأمّل في الأخبار وأسئلة السائلين لا يكاد يرتاب في عدم إرادة الإمام عليه‌السلام ـ حيث أمر بمسح الجبيرة بدلا من غسل محلّها ـ إلّا بيان انتقال حكم المحلّ إلى الحالّ وكفاية إيصال الماء إلى ظاهر الجبيرة بدلا من محلّها ، والتعبير بالمسح إنّما هو لبيان كفاية مجرّد إيصال البلّة إليها بسبب المسح وعدم وجوب إجراء الماء عليها ، كما هو المتبادر من الأمر بغسل الجبيرة والخرقة.

واحتمال إرادة اعتبار ماهيّة المسح ـ أعني إمرار الماسح على الممسوح ـ تعبّدا ، فيكون الوضوء في حقّ ذي الجبيرة غسلتين ومسحات حتى نحتاج إلى التكلّم في أنّه هل يعتبر أن يكون المسح بباطن الكفّ ، أم يكفي مطلقها؟ في غاية البعد ، كيف! وإلّا لكان اعتبار وجوب اشتمال الماسح على نداوة الوضوء أو غيرها فضلا عن وصولها إلى الممسوح محتاجا إلى الدليل ، كما ثبت ذلك في مسح الرأس والرّجلين ، مع أنّا لا نرى أحدا من العوامّ يتردّد في وجوب إيصال البلّة إلى ظاهر الجبيرة بعد أن أفتى مجتهده بالمسح عليها ، وليس ذلك إلّا لفهمه من الأمر بمسح الجبيرة نيابتها عن محلّها فيما هو وظيفته ، لا أنّه حكم تعبّدي محض لا يعلم حكمته.

ولذا تراهم يعتبرون فيها جميع الشرائط المعتبرة في محلّها ، مثل

٩١

الطهارة والاستيعاب والترتيب بينها وبين سائر الأعضاء ، مع أنّه لم يرد في شي‌ء منها نصّ بالخصوص.

وليس الوجه في جميع ذلك إلّا أنّه ينسبق إلى الذهن من هذه الأخبار انتقال حكم البشرة إلى ظاهر الجبيرة ، وأنّ وجوبه ليس إلّا لكونه ميسور المتعذّر ، لا تعبّديّا محضا حتى يقتصر على مدلول صيغة الأمر بمسح الجبيرة.

فالقول بوجوب خصوص المسح ، المستلزم لعدم جواز الوضوء والغسل الارتماسيّين لأرباب الجبيرة في غاية الضعف.

نعم ، لا يعتبر إجراء الماء على الجبيرة ، بل يكفي مجرّد إيصال الماء إليها على وجه لو كان في المحلّ لأمكن نقله من جزء إلى آخر ولو بإعانة اليد ، كما عرفته في حكم المحلّ من كفاية مسّ الماء للبشرة عرفا في حصول غسلها ، المستلزم لإمكان نقله من جزء إلى آخر ، فالجبيرة أيضا بحكمها في كفاية مسّ الماء لظاهرها.

وليس غرض السائل بحسب الظاهر في رواية ابن عيسى وحسنة الحلبي حيث سأل عن كفاية المسح على الدواء المطليّ على يدي الرجل أو المسح على الخرقة التي عصّب بها القرحة التي في أذرعه إلّا معرفة ذلك ، حيث إنّ الذي يخطر بباله ـ بمقتضى ما هو المغروس في ذهنه من أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ـ ليس إلّا احتمال كفاية إيصال الماء إلى ظاهر الجبيرة بدلا من محلّها ، وأمّا كفاية ماهية مسح البدل ـ التي هي عبارة عن إمرار الماسح على الممسوح ـ بدلا من غسل المبدل فلا منشأ

٩٢

لتوهّمها قبل الاطّلاع على تعبّد الشارع به ، كما لا يخفى.

ولكنّك خبير بأنّه بعد أن وقع التعبير عن وجوب إيصال الماء إلى الجبيرة بالأمر بالمسح في الأخبار وفي كلمات علمائنا الأبرار خصوصا مع تصريح غير واحد منهم بوجوب المسح ولو في محلّ الغسل لا ينبغي ترك الاحتياط بإيصال الماء إلى الجبيرة بالمسح على وجه يتحقّق به أقلّ مسمّى الغسل على تقدير كونه في المحلّ المحجوب بل وبالنسبة إلى الحاجب أيضا ناويا بفعله امتثال ما هو الواجب عليه في علم الله تعالى ، والله العالم.

الخامس : لو كانت الجبيرة وما بحكمها على مواضع المسح ، يعتبر في مسحها ما يعتبر في مسح البشرة ، فيجب أن يكون بنداوة الوضوء ، وغيرها من الشرائط التي تقدّمت في محلّها.

ولو تمكّن من إيصال الماء إلى ما تحتها بتكرير الماء عليها ، قيل بوجوبه وعدم كفاية المسح على الجبيرة عنه ، لكونه أقرب إلى الواجب.

وفيه : منع ظاهر ، خصوصا لو لم يتمكّن من إيصال نداوة الوضوء إلى ما تحت الجبيرة ، وتوقّف على أخذ ماء خارجي ، والله العالم.

السادس : لو عمّت الجبيرة وما بحكمها معظم أعضاء الوضوء أو الغسل ، فهل يتيمّم أو يأتي بالطهارة الناقصة؟ فيه إشكال ، لإمكان دعوى انصراف أخبار الجبيرة عن مثله ، وعدم مساعدة العرف على كون المأتيّ به هو المرتبة الناقصة من الماهيّة المأمور بها في أغلب صوره حتى تعمّها قاعدة الميسور ، فمقتضى الاحتياط اللازم من حيث دوران الأمر بين المتباينين : الجمع بين الطهارتين ، والله العالم.

٩٣

السابع : لا يجب إيصال الماء إلى ما لا يصل إليه الماء إلّا بالمبالغة ممّا بين الخيوط ، بل يكفي إيصاله إلى ما يصل إليه ممّا ظهر بالمسح على الوجه المتعارف على ما هو المتبادر من أخبار الباب.

الثامن : لا يجزئ المسح على الجبيرة المغصوبة مع الالتفات ، لكونه تصرّفا في ملك الغير ، فلا يكون جزء عبادة.

ولو لفّ عليها خرقة محلّلة ومسح عليها ، لا يجديه ، إذ لا يخرج بذلك من كون المسح تصرّفا فيه.

نعم ، لو أمكن إجراء الماء على ظاهر الجبيرة المفروض كونه مباحا على وجه لا يحصل به تصرّف في المغصوب حتى يكون من مقدّماته المنحصرة وقلنا بكفايته وعدم وجوب إمرار اليد ، فالأقوى صحّته ، لأنّ المنهي عنه على هذا التقدير ليس جزءا من العبادة ، ولا ممّا يتوقّف عليه على وجه الانحصار ، وتمام التحقيق فيما سيأتي إن شاء الله.

التاسع : لا يعيد الصلاة التي صلّاها بالطهارة الناقصة بعد زوال السبب المسوّغ إجماعا ، كما عن المنتهى وغيره نقله (١). (و) أمّا (إذا زال العذر) قبل الصلاة على تقدير صحّة الطهارة وعدم منافاتها لعدم جواز البدار إن قلنا به ، فعن المبسوط وظاهر المعتبر وبعض متأخّري المتأخّرين : (استأنف الطهارة) ) ولذا لو زال العذر بعد

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣١٠ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٧٢ ، وكشف اللثام ١ : ٥٧٩ ، وذخيرة المعاد : ٣٩.

(٢) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٤٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٣ ، والمعتبر ١ : ١٦٢ ، وإيضاح الفوائد ١ : ٤٢.

٩٤

الصلاة ، استأنفها للصلاة المتجدّدة.

وفي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله أنّه لو زال العذر في أثناء الصلاة ، أعاد الوضوء واستأنف الصلاة أيضا على تردّد فيه (١).

ولكنّك عرفت فيما سبق فيما هو نظير ما نحن فيه ـ أعني فيما لو توضّأ تقيّة وزال سببها قبل دخوله في الصلاة ـ أنّ الأظهر عدم وجوب إعادتها فضلا عمّا لو زال في أثناء الصلاة ، فكذا لا تجب إعادتها في المقام ، لعين ما مرّ فيما سبق ، فراجع.

نعم ، لو زال قبل الفراغ عن الوضوء بل قبل مضيّ زمان إمكان تداركه ، رجع إلى ما يحصل معه الشرط الواقعي (على تردّد) ينشأ من إطلاقات الأدلّة ، ومن إمكان دعوى انصرافها عن مثل الفرض ، حيث إنّ التكليف لمّا كان عذريّا يشكل استفادة مثل الفرض من الأدلّة المطلقة ، لأنّ الذهن ـ لأجل ما هو المغروس فيه من معرفة مناط الحكم ـ مهما ورد عليه إطلاق يصرفه إلى غير مثل المفروض ، والله العالم.

تنبيه : قال الشهيد رحمه‌الله في محكي الذكرى تفريعا على قول الشيخ بالإعادة : لو توهّم البرء فكشف فظهر عدمه ، أمكن وجوب إعادة الوضوء ، لظهور ما يجب غسله ، ووجه العدم : ظهور بطلان ظنّه (٢). انتهى.

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٤٨.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٤٩ ، وانظر : الذكرى : ٩٧.

٩٥

وفيه : أنّه إن كان عذره المسوّغ للمسح على الجبيرة تضرّره من نزعها وتعذّر إيصال الماء إلى ما تحتها بدون النزع لا تضرّره من نفس الغسل من حيث هو ، فلا مجال لتوهّم عدم الوجوب على قول الشيخ ، لأنّ بطلان ظنّه لا يوجب عجزه عن الوضوء الصحيح بعد الكشف.

وإن كان عذره تضرّره من نفس الغسل ، فلا مجال لتوهّم الإعادة ببقاء عذره المسوّغ بعد الكشف أيضا كقبلة.

وقيل تفريعا على القول بعدم وجوب الإعادة : لو ظهر سبق البرء ولمّا يعلم به حين الوضوء ، اتّجه الإعادة (١).

وفيه : أنّه مبني على كون ظنّ الضرر أو خوفه حال الوضوء طريقا لإحراز موضوع الحكم حتى تندرج المسألة بذلك في موضوع من أدّى تكليفه بالطريق الظاهري فانكشف خلافه ، الذي تحقّق في محلّه أنّ الأقوى فيه الإعادة ، إلّا أنّ في كون المسألة من هذا القبيل تأمّلا ، إذ لا يبعد أن يكون ظنّ الضرر بل خوفه بنفسه عذرا واقعيّا في حقّه ، فتكليفه الواقعي حال الوضوء لم يكن إلّا الوضوء الناقص ، فالمسألة في غاية الإشكال تحتاج إلى مزيد تتّبع وتأمّل ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

المسألة (السادسة : لا يجوز) ولا يجزئ (أن يتولّى) شيئا من (وضوئه غيره) لأنّه المخاطب بفعله ، وظاهر الخطاب وجوب إيجاد

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٤٩ ، وانظر : جواهر الكلام ٢ : ٣١١.

٩٦

المكلّف الفعل المأمور به بنفسه لا بالتسبيب ، كما أنّه يتبادر من إسناد الفعل إلى الفاعل في الجملة الخبريّة ، نحو قولك : ضرب زيد عمروا : كون زيد بنفسه فاعلا ، ككون عمرو مفعولا ، فلا يجوز رفع اليد عمّا هو ظاهر الخطاب إلّا بقرينة داخليّة ، كما لو طلب منه فعلا ليس من شأنه صدوره من شخص الفاعل عادة إلّا بالتسبيب ، مثل ما لو كلّفه ببناء المساجد وحفر الآبار والأنهار. ومن هذا القبيل : قوله تعالى حاكيا عن فرعون (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) (١) أو بقرينة خارجيّة ، كما لو علم من الخارج أنّ مقصود الآمر ليس إلّا مجرّد حصول متعلّق الأمر في الخارج ، كما في الواجبات التوصّليّة.

وبهذا ظهر لك أنّه لا فرق فيما يتفاهم من الخطاب بين الأوامر التوصّليّة والتعبّديّة ، غاية الأمر أنّه علم من الخارج في التوصّليّات أنّ قيد المباشرة التي يستفاد من ظاهر الخطاب ليس قيدا لما تعلّق به غرضه في الواقع ، لا بمعنى أنّ القيد غير مراد من مدلول الخطاب ، بل بمعنى أنّ العقل بعد أن أدرك أنّ الغرض ليس إلّا حصول المتعلّق في الخارج يعمّم موضوع الواجب الواقعي بحيث يعمّ كلّ ما يحصل به غرض المولى ، فيكون المأمور به بالخطاب اللفظي أحد أفراد الواجب المخيّر بحكم العقل.

ألا ترى أنّه لو قال المولى لعبده : قم من مكانك وانطلق إلى المكان

__________________

(١) سورة غافر ٤٠ : ٣٦.

٩٧

الفلاني وائتني بالماء الذي في ذلك المكان ، يجوز للعبد ـ إذا علم أنّ مقصوده ليس إلّا إحضار الماء ـ مخالفة هذه الأوامر إذا أمكنه إحضار الماء بوجه آخر ولو بسبب غير عادي ، لأنّ عنوان الواجب الواقعي حينئذ بنظر العقل أعمّ من الفعل الواقع في حيّز الطلب وما يقوم مقامه في التوصّل إلى تحصيل الغرض ، فله بحكم العقل إيجاد متعلّق الأمر في التوصّليّات بالتسبيب ناويا فيه امتثال الأمر الواقعي المنجّز في حقّه.

وهذا بخلاف التعبّديّات ، فإنّه لا يجوز فيها مخالفة ظاهر الطلب إلّا بعد ورود دليل خاصّ على أنّ المقصود يحصل بإيجاد الفعل مباشرة أو تسبيبا.

نعم ، ربّما يستفاد ذلك من نفس الطلب ، كما في أمر الشارع ببناء المساجد ونحوها.

والحاصل : أنّ المتبادر من طلب فعل من شخص وجوب إيجاده بنفسه ، وجواز التخطّي عن هذا الظاهر يحتاج إلى دليل ، وهو في التوصّليّات موجود ، وفي التعبّديّات يدور مدار الأدلّة الخاصّة ، وليس فيها دليل عامّ يقتضيه على الإطلاق ، فالأصل فيها عدم جواز التسبيب بل وكذا الأصل فيها عدم قبولها للاستنابة ، لما عرفت من ظهور الأدلّة في وجوب المباشرة المتعذّر حصولها بفعل النائب.

فما قيل (١) من أنّ الأصل في العبادات قبولها للنيابة ، لعمومات أدلّة

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٢ : ٣١١.

٩٨

النيابة ، ضعيف ، حيث إنّ شمول العموم فرع إمكان صدور الفعل المأمور به من النائب حتى يعقل إمضاؤه شرعا بعمومات الوكالة ، وهو موقوف على عدم كون المباشرة قيدا في المأمور به ، وهو خلاف ظواهر الأدلّة.

والفرق بين الاستنابة والتسبيب : أنّ موضوع الوجوب فيما يجوز فيه التسبيب هو مطلق الفعل الصادر من الشخص مباشرة أو تسبيبا ، فلا يعتبر في حصول الامتثال فيه إلّا قصد المكلّف ، وأمّا المباشر فهو بمنزلة الآلة ، فيجوز أن يكون صبيّا أو مجنونا أو كافرا ، وأمّا موضوع الوجوب في العبادات القابلة للنيابة فليس إلّا الفعل الصادر من نفس المكلّف وإنّما دلّ الدليل الخارجي على جواز تنزيل الغير نفسه منزلة المكلّف في امتثال الأمر المتعلّق به والقيام بوظيفته ، فالمتصدّي للنيّة إنّما هو النائب بعد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه ، لا المكلّف ، فالدليل الدالّ على جواز النيابة حاكم على ما دلّ على وجوب إيجاد الفعل على المكلّف مباشرة بمعنى أنّه يدلّ على جواز تنزيل غير المكلّف نفسه منزلة المكلّف في إيجاد ما يجب عليه إيجاده بالمباشرة.

ولكنّك خبير بأنّ جواز الاستنابة بالمعنى المذكور أمر لا تفي بإثباته العمومات الدالّة على صحّة عقد الوكالة حتى يدّعى حكومتها على ظواهر الأدلّة ، بل الظواهر حاكمة عليها ، كما لا يخفى.

فظهر لك أنّ مقتضى القاعدة : عدم جواز التولية والاستنابة في الوضوء.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ الإجماعات المحكيّة المستفيضة.

٩٩

وربّما يستدلّ له بقوله تعالى (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١).

وفيه : أنّ ظاهر الآية بشهادة سياقها بملاحظة صدرها ـ وهو قوله تعالى (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) (٢) ـ إرادة الإخلاص في العبادة ، وأن لا يكون مشركا في عبادة ربّه بأن يجعل غير الله تعالى شريكا له في المعبودية.

وقد ورد في تفسيرها ما يدلّ على هذا المعنى.

ففي رواية جرّاح المدائني ، الواردة في تفسير الآية عن أبي عبد الله عليه‌السلام «الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله تعالى ، إنّما يطلب تزكية النفس يشتهي أن يسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه» (٣).

وعن علي بن إبراهيم في تفسيره ، قال : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير قول الله عزوجل : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٤) فقال : من صلّى مراءاة الناس فهو مشرك ـ إلى أن قال ـ من عمل عملا ممّا أمر الله به مراءاة الناس فهو مشرك ، ولا يقبل الله عمل مراء» (٥).

نعم ، ربّما يقال : إنّ المتبادر من ظاهر الآية أن يجعل غيره شريكا له في عبادة ربّه ، فيعمّ ما نحن فيه.

__________________

(١) سورة الكهف ١٨ : ١١٠.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ١١٠.

(٣) الكافي ٢ : ٢٩٣ ـ ٤ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٦.

(٤) سورة الكهف ١٨ : ١١٠.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٧ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١٣.

١٠٠