مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

ولكنّك عرفت حلّه في صدر الكتاب عند البحث في وجوب الغسل لصوم اليوم ، فراجع (١).

ولو اغتسل المخالف غسلا صحيحا على وفق مذهبه ثمّ استبصر ، لا يعيد غسله ، للنصّ (٢) والإجماع [على] أنّه لا يعيد شيئا من عباداته ما عدا الزكاة.

وربما يتأمّل في شمولها للطهارات ، نظرا إلى أنّها ليست من العبادات المحضة ، وإنّما يدور وجوبها مدار بقاء الحدث ، وهو لا يرتفع إلّا بالغسل أو الوضوء الصحيح المتعذّر حصوله منه ، بناء على اشتراط صحّة عباداته بالإيمان ، كما ادّعي عليه الإجماع والنصوص المتواترة ، خصوصا إذا أخلّ بسائر الشرائط ، كاغتساله بعكس الترتيب ، أو بالمائع المضاف ، كالنبيذ ونحوه ، فإنّ وجوب اغتساله بعد استبصاره ليس لكونه إعادة لما مضى حتى ينافيه النصّ والإجماع على عدم إعادة عباداته ، بل لكون الطهارة من الحدث شرطا لصلاته فيما بعد ، فرفع حدثه بالغسل بالنبيذ ليس إلّا كتطهير ثوبه المتّخذ من جلد الميتة بالدباغة ، فما دلّ على صحّة عباداته السابقة من الصلاة والصوم ونحوهما لا يدلّ على كون ثوبه الذي صلّى فيه طاهرا وحدثه مرفوعا حتى لا يحتاج إلى الإعادة لما يستقبل.

__________________

(١) ج ١ ص ١٥ وما بعدها.

(٢) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١.

٢٨١

ويمكن التفصيل بين ما لو كان البطلان ناشئا من عدم الإيمان أو من الاختلال بسائر الشرائط ، فلا يعيد في الأوّل ، ويعيد في الثاني ، بدعوى : أنّه يستفاد من النصّ والإجماع ـ الدالّين على عدم إعادة عباداته ولو مع بقاء الوقت ـ كون إيمانه اللاحق ـ كإجازة الفضولي ـ مصحّحا لأعماله السابقة المشروطة بالإيمان ، فتكون شرطيّة الإيمان للأعمال كشرطيّة طيب نفس المالك لمضيّ التصرّفات الواقعة في ملكه ، فليتأمّل.

فرع : لو جامع الصبي ثمّ اغتسل قبل بلوغه ، فإن قلنا بشرعيّة عبادته ـ كما هو الأظهر ـ لا يعيد ، وإلّا أعاده بعد البلوغ ، لإطلاق سببيّة التقاء الختانين لوجوب الغسل ، وعموم قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١).

وعدم شموله قبل البلوغ غير ضائر ، فإنّه يندرج في موضوع الحكم بعد أن بلغ وهو جنب كما لو أجنب في نومه ، فإنّه يعمّه الخطاب بالغسل بعد انتباهه.

(وأمّا الحكم : فيحرم عليه) أي على الجنب (قراءة كلّ واحدة من) سور (العزائم) الأربع ، وهي : سورة اقرأ ، وسورة النجم ، وسورة حم السجدة ، وسورة السجدة ، الواقعة عقيب سورة لقمان.

ولعلّه لعدم معروفيّة هذه السورة باسم مخصوص اشتهر التعبير عنها بين علمائنا بسجدة لقمان.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

٢٨٢

وفي الحدائق نسبه إلى غفلتهم (١). وهو بعيد.

وكيف كان فلا اشتباه في المراد ، كما أنّه لا خفاء في أصل الحكم ، بل لا خلاف فيه. وعن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وعن المصنّف في المعتبر أنّه قال : يجوز للجنب والحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلّا سور العزائم الأربع ، وهي اقرأ باسم ربّك ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة. وروى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهو مذهب فقهائنا أجمع (٢). انتهى.

ولكنّه عبّر كثير من الأصحاب عنها بلفظ «العزائم» من دون ذكر لفظ «السورة» ولذا احتمل بعض إرادتهم خصوص آي السجدة.

والظاهر أنّ مرادهم من العزائم مجموع السور ، كما يدلّ عليه بعض القرائن المنقولة عن كلماتهم.

ويؤيّده : دعوى الإجماع عليه عن غير واحد من الأساطين ، كالمصنّف والعلّامة والشهيد (٣) ونظرائهم ممّن يبعد أن يشتبه عليه مراد الأصحاب.

وفي المدارك : أنّ الأصحاب قاطعون بتحريم السور كلّها ، ونقلوا

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٥٥.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٧٩ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٣) حكاها عنهم صاحب الجواهر فيها ٣ : ٤٣ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٣٥ ، المسألة ٦٨ ، وروض الجنان : ٤٩.

٢٨٣

عليه الإجماع (١).

وكيف كان يدلّ عليه ـ مضافا إلى ما رواه المصنّف عن البزنطي (٢) ، المعتضد بفتوى الأصحاب ونقل إجماعهم ـ موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال : قلت له : الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : «نعم ، ما شاءا إلّا السجدة ، ويذكران الله على كلّ حال» (٣).

وعن حماد بن عيسى (٤) مثله.

وعن محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلّا السجدة» (٥).

ونوقش في دلالتهما : باحتمال أن يكون المراد من السجدة خصوص آياتها.

واحتمال إرادة السور المشتملة على الأمر بالسجدة وإن كان قريبا خصوصا بالنظر إلى أسامي السور القرآنية ـ كالبقرة وآل عمران ولقمان

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٨.

(٢) في «ض ٨» زيادة : في العبارة المتقدّمة.

(٣) علل الشرائع : ٢٨٨ (الباب ٢١٠) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦ ـ ٦٧ ، و ١٢٩ ـ ٣٥٢ ، الاستبصار ١ : ١١٥ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الجنابة ، ذيل الحديث ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣٧١ ـ ١١٣٢ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧.

٢٨٤

وغيرها ـ ولكنّه ليس بحيث يحمل عليه اللفظ في مقابل الأصل والعمومات ، ولذا تردّد بعض (١) المتأخّرين ، بل قوّى بعض (٢) اختصاص الحرمة بقراءة الآيات دون مطلق السورة.

ويدفعها : استثناء سور العزائم بأساميها فيما رواه المصنّف رحمه‌الله عن جامع البزنطي ، فإنّه ـ مع اعتضاده بفتاوى الأصحاب ونقل إجماعهم ـ قرينة لتعيين المراد من هاتين الروايتين ، كما أنّه بنفسه دليل لإثبات المطلوب.

وعن الفقه الرضوي (٣) ما هو بمضمونه ، فالقول بالاختصاص نظرا إلى ما عرفت ضعيف.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد إجماعاتهم بل تصريحات جملة منهم : عدم الفرق بين قراءة مجموع السورة (وقراءة بعضها حتى البسملة) والكلمات المفردة والآيات المشتركة (إذا نوى بها أحدها) دون ما إذا لم ينو ، لأعمّيّتها حينئذ عمّا هو موضوع الحكم ، فلا تعمّه الحرمة ، وأمّا الآيات المختصّة فلا تحتاج إلى النيّة ، لأنّ تعيّنها الواقعي يكفي في حرمة قراءتها.

وهل قراءة البسملة والآيات المشتركة في المصحف ونحوه بمنزلة

__________________

(١) انظر : كشف اللثام ٢ : ٣٢ ـ ٣٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٥٦.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، مستدرك الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٢٨٥

النيّة ولو لم يقصد إلّا قراءة خصوص البسملة؟ وجهان ، أظهرهما : ذلك ، لأنّ كتابتها جزءا من السورة تعيّنها في الجزئيّة ، فقراءتها ليست إلّا قراءة ما هو الجزء من السورة. وكونها مشتركة في حدّ ذاتها لا يجدي بعد أن تعلّق القصد بقراءة المكتوب.

نعم ، لو قصد من لفظه الإتيان بما ينطبق على المكتوب من دون أن ينوي قراءته ، كما لو قال مثلا : بسم الله يكتب هكذا ، فلا بأس به ، كما هو ظاهر.

وكيف كان فقد نوقش ـ بعد الغضّ عن الإجماع ـ في استفادة عموم الحكم من إطلاق الأخبار بدعوى أنّ المتبادر من النهي عن قراءة السورة قراءة مجموعها ، لأنّ السورة اسم للمجموع ، فلا يستفاد منه حرمة قراءة البعض.

وفيه : أنّ المتبادر من النهي عن قراءة السورة كقراءة القرآن إنّما هو قراءة أبعاضها كلّا أو بعضا ، بل المتبادر من النهي المتعلّق بالأفعال المركّبة خصوصا التدريجيّة منها ـ كالجلوس في المسجد يوم الجمعة ، واستماع الخطبة التي يقرؤها الإمام ، وقراءة المكتوب الذي أرسله إلى فلان ، وكتابة الكاغذ الموجود ، وأكل الطعام الموضوع بين يدي زيد ، إلى غير ذلك من الأمثلة ـ إنّما هو حرمة أبعاضها بحيث يكون كلّ بعض في حدّ ذاته موضوعا للحرمة ، إلّا أن تدلّ قرينة خارجيّة على إرادة المجموع من حيث المجموع.

٢٨٦

ويؤيّده : فهم جلّ العلماء من أخبار الباب ذلك.

وربّما نوقش في دلالة الأخبار على الحرمة : بأنّ قراءة القرآن مستحبّة ، فاستثناء سور العزائم منها لا يدلّ إلّا على عدم استحبابها لا حرمتها.

وفيه : أنّ المسؤول عنه في الروايات إنّما هو جواز قراءة القرآن في مقابل المنع منها ، وأمّا استحبابها فإنّما هو من لوازم مشروعيّتها إذا تحقّقت في الخارج قربة إلى الله تعالى ، وأمّا لو تحقّقت بدونها فهي من الأفعال المباحة ، فاستثناء السجدة عن مطلق القراءة معناه المنع منها ، كما هو ظاهر. (و) من جملة أحكامه : أنّه يحرم عليه (مسّ كتابة القرآن) بلا خلاف فيه ظاهرا.

قال في الحدائق : والظاهر أنّه إجماعيّ ، كما نقله غير واحد من معتمدي الأصحاب ، بل في المعتبر والمنتهى أنّه إجماع علماء الإسلام ، وعن العلّامة في النهاية أنّه لا خلاف هنا في تحريم المسّ وإن وقع الخلاف في الحدث الأصغر.

وفي الذكرى عن ابن الجنيد القول بالكراهة ، وذكر أنّه كثيرا مّا يطلق الكراهة ويريد التحريم ، فينبغي أن يحمل كلامه عليه.

وهو جيّد ، فإنّ إطلاق الكراهة على الحرمة في كلام المتقدّمين ـ كما في الأخبار ـ شائع.

٢٨٧

وأمّا نقل ذلك من المبسوط ـ كما في المدارك ـ فقد ردّه جمع ممّن تأخّر عنه بأنّه سهو ، فإنّه إنّما صرّح بذلك في الحدث الأصغر ، وأمّا الأكبر فقد صرّح فيه بالتحريم (١). انتهى.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ ظاهر الكتاب والسنّة المستفيضة التي تقدّم (٢) بعضها في حرمة المسّ مع الحدث الأصغر ، كما تقدّم جملة من الأبحاث المتعلّقة بالمقام ، فراجع. (أو) مسّ (شي‌ء عليه اسم الله سبحانه وتعالى) بلا نقل خلاف معتدّ به فيه ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٣). وعن نهاية الإحكام نفي الخلاف فيه (٤). وعن المنتهى وغيره نسبته إلى الأصحاب (٥).

ويدلّ عليه : موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا يمسّ الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله» (٦).

ويؤيّده : حسنة داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض ، قال : «نعم ، لا بأس» قال : وقال : «تقرأه

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٤٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٧ ، ومنتهى المطلب ١ : ٨٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٠١ ، والذكرى : ٣٣ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٢٧٩ ، والمبسوط ١ : ٢٣ و ٢٩.

(٢) في ص ١٠٨.

(٣) حكاها عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٤٦ ، وانظر : الغنية : ٣٧

(٤) كما في جواهر الكلام ٣ : ٤٦ ، وانظر نهاية الإحكام ١ : ١٠١.

(٥) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٤٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٨٧.

(٦) التهذيب ١ : ٣١ ـ ٨٢ ، و ١٢٦ ـ ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ـ ٣٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٢٨٨

وتكتبه ولا تصيبه يدها» (١).

وفي رواية أخرى عنه عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثلها ، إلّا أنّه قال فيها : «تقرأه وتكتبه ولا تمسّه» (٢).

والظاهر أنّ النهي عن مسّه إنّما هو لما فيه من اسم الله تعالى أو الآيات القرآنيّة.

والروايتان وإن كانتا في الحائض إلّا أنّهما مؤيّدتان للمطلوب ، لاشتراك الجنب والحائض في كثير من الأحكام.

ويؤيّده أيضا : أنّه هو المناسب للتعظيم ، بل لا يبعد دعوى كون مسّ الجنب والحائض بنظر أهل الشرع توهينا.

وربما يستدلّ له : بفحوى النهي عن مسّ كتابة القرآن في ظاهر الآية (٣). والأخبار المستفيضة ، كما مرّ توجيهه عند التكلّم في حرمة المسّ مع الحدث الأصغر ، فراجع (٤).

ثمّ إنّ المتبادر من النهي عن مسّ دينار أو درهم عليه اسم الله تعالى إنّما هو حرمة مسّ الموضع الذي عليه الاسم لا مطلقا ، كما أنّ المتبادر من عبارة المتن ونحوه أيضا ذلك ، ولذا عبّروا بها مع أنّ المقصود منها بيان حرمة مسّ نفس الاسم ، كما يفصح عن ذلك تعبير المصنّف في محكيّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٦ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٣ ـ ٥٢٦ ، الوسائل ، الباب ٣٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٣) سورة الواقعة ٥٦ : ٧٩.

(٤) ص ١١١.

٢٨٩

المعتبر بقوله : ويحرم مسّ اسم الله سبحانه وتعالى ولو كان على دراهم أو دنانير أو غيرهما (١) ، فلا يحرم مسّ الموضع الخالي عن الاسم.

وعليه تحمل رواية أبي الربيع عن الصادق عليه‌السلام في الجنب يمسّ الدراهم وفيها اسم الله تعالى واسم الرسول ، قال : «لا بأس به ربما فعلت ذلك» (٢).

وموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الجنب والطامث يمسّان بأيديهما الدراهم البيض ، قال : «لا بأس» (٣).

ورواية محمد بن مسلم ، المحكيّة عن جامع البزنطي عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته هل يمسّ الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟

فقال : «إي والله فإنّي لأوتى بالدرهم فآخذه وأنا جنب ، وما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا إلّا أنّ عبد الله بن محمد كان يعيبهم عيبا شديدا يقول :جعلوا سورة من القرآن في الدراهم ، فيعطى الزانية وفي الخمر ، ويوضع على لحم الخنزير» (٤).

ويحتمل قويّا صدور هذه الأخبار تقيّة ، كما يشعر بها الرواية الأخيرة.

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٧ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وفيهما على درهم أو دينار.

(٢) المعتبر ١ : ١٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٢٦ ـ ٣٤١ ، الإستبصار ١ : ١١٣ ـ ٣٧٥ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٤) المعتبر ١ : ١٨٨.

٢٩٠

ويؤيّدها ما قيل من اختصاص القول بحرمة مسّ كتابة القرآن بالإماميّة وعدم معروفيّتها عند العامّة وإن كان فيه نظر ، نظرا إلى ما عن المعتبر والمنتهى من دعوى إجماع المسلمين عليها (١).

وكذا يؤيّدها كون النهي عن مسّ الدراهم بمنزلة التعريض على سلاطينهم.

هذا ، مع أنّ مقتضى ظاهر هذه الرواية : جواز مسّ كتابة القرآن ، وقد عرفت مخالفته لظاهر النصّ والإجماع.

وحكي عن بعض (٢) القول بجواز المسّ في خصوص الدرهم ، للروايات المتقدّمة. وهو ضعيف.

وأضعف منه : ما يظهر من بعض من الحكم بالكراهة مطلقا ، نظرا إلى قصور مستند المانعين ، وضعف سند الموثّقة التي هي عمدة أدلّتهم.

هذا ، مع معارضتها بالأخبار المتقدّمة الدالّة بظاهرها على الجواز ، فيجمع بين الأخبار بحمل النهي على الكراهة.

ولا يخفى عليك أنّه لا مجال للجمع بين الأخبار بعد الخدشة في إسنادها لو لا المسامحة في دليل الكراهة.

وكيف كان فيتوجّه عليه : أنّ رواية عمّار في حدّ ذاتها موثّقة ، بل

__________________

(١) حكاها عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤٨ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٧ ، ومنتهى المطلب ١ : ٨٧.

(٢) لم نعثر على الحاكي فيما لدينا من المصادر ، وانظر : روض الجنان : ٥٠.

٢٩١

هي حجّة معتمدة ، وعلى تقدير تسليم ضعف سندها فهو منجبر بعمل الأصحاب ونقل إجماعهم عليه ، إذ الظاهر أنّ عمدة مستند القول بالحرمة التي نقل عليها الإجماع ليست إلّا الموثّقة.

وأمّا الأخبار الدالّة على الجواز فلا تصلح لمعارضتها بعد إعراض الأصحاب عنها وقصور أسانيدها ، فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، أو حملها على بعض جهات التأويل وإن بعدت ، وعلى تقدير صلاحيّتها للمعارضة فالمتعيّن في مثل المقام هو الأخذ بالترجيح لا الجمع ، لعرائه عن الشاهد ، وقد عرفت أنّ العمل بالموثّقة أرجح.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الرواية وغيرها من الأدلّة : عدم اختصاص الحكم بلفظة «الله» بل يعمّ كلّ اسم من أسمائه سبحانه وتعالى ، المختصّة به تعالى ، من أيّ لغة كانت.

وكون المتعارف في أزمنة الأئمّة عليهم‌السلام نقش لفظ خاصّ على الدينار والدرهم لا يقتضي قصر الحكم عليه ، خصوصا مع وضوح مناطه ، بل المتبادر من اسم الله تعالى في الرواية ـ ولو لأجل وضوح المناسبة بين الحكم وموضوعه ـ مطلق ما أنبأ عن الذات المقدّسة ، سواء كان بالوضع أو بانضمام القيود والقرائن ، فيعمّ الأوصاف المختصّة والمشتركة ، بل مطلق الألفاظ العامّة ، وصفا كان أم غيره بشرط احتفافها بما يعيّن إرادة الذات المقدّسة منها ، كـ «العالم بكلّ شي‌ء» أو «خالق كلّ شي‌ء» أو «يا من لا يشتبه عليه الأصوات» ونحوها.

٢٩٢

وأمّا الألفاظ العامّة الغير المحفوفة بالقرائن المعيّنة : فلا إشكال في جواز مسّها ما لم يعلم إرادة الكاتب منها الذات المقدّسة ، وأمّا لو علم إرادتها منها ، ففي مسّها إشكال وإن كان الأظهر جوازه ، لأنّ المكتوب في حدّ ذاته أعمّ ممّا يحرم مسّه ، والقصد لا يصلح لتعيينه بحيث يصدق عليه أنّه اسم الله تعالى ، فهو ليس إلّا كإرادة الله تعالى من لفظ أجنبي.

ونظيره ما لو كتب بعض اسم الله تعالى فبدا له في إتمامه ، أو كتب اسم الله تعالى ثمّ حرّفه بزيادة أو نقصان ، أو خرقه بحيث يخرج من مصداق كونه اسم الله تعالى ، فإنّ الأظهر في جميع الصور جواز مسّه.

وعن جملة من الأصحاب (١) إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام باسمه تعالى ، بل عن الغنية إدخالهما في معقد إجماعه (٢). وعن جامع المقاصد نسبته إلى كبراء الأصحاب (٣). وعن الطالبيّة إلى الأصحاب (٤).

__________________

(١) الحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٥ ، وصاحب الجواهر فيها ٣ : ٤٨ ، وانظر على سبيل المثال : المبسوط ١ : ٢٩ ، والوسيلة : ٥٥ ، والسرائر ١ : ١١٧.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٥ ، وصاحب الجواهر فيها ٣ : ٤٩ ، وانظر : الغنية : ٣٧.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٥ ، وصاحب الجواهر فيها ٣ : ٤٨ ـ ٤٩ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

(٤) نسبه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٥ إلى شرح الجعفرية. ولم نعثر على عنوان «الطالبية» في الذريعة. نعم ذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني تحت عنوان «الجعفرية في أحكام الصلاة» قائلا : «شرح الجعفرية» للسيّد الأمير محمد بن أبي طالب الأسترابادي .. إلى أن قال : وقد سمّاه بـ «المطالب المظفرية». انتهى. انظر : الذريعة ٥ : ١١٠ ـ ١١١ ، و ١٢ : ١٧٤.

٢٩٣

وعن بعض إلى المشهور (١).

وقد عرفت في مبحث الوضوء أنّه لا يخلو عن وجه غير خال عن نظر.

وعلى تقدير الحرمة فلا إشكال فيما لو اختصّ الاسم أو اشترك ولكنّه انضمّ إلى ما يعيّنه ، وأمّا لو اشترك ولم يحتف بما يعيّنه ، فالأظهر دوران حرمة المسّ مدار قصد الكاتب.

والفرق بينه وبين الألفاظ المشتركة الصادقة على الله تعالى وعلى غيره حيث قوّينا في تلك المسألة عدم مدخليّة قصد الكاتب في حرمة المسّ ، هو : أنّ صدق الألفاظ العامّة كـ «الموجود» و «العالم» و «القادر» على مصاديقه من قبيل إطلاق الكلّي على الفرد ، فالمكتوب في حدّ ذاته أعمّ ممّا قصده الكاتب ، والقصد لا يجعله اسما لخصوص هذا الفرد حتى يلحقه حكمه.

وأمّا أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام فهي من مقولة الأعلام ، وصدقها على المصاديق المتكثّرة إنّما هو بالاشتراك لا بالعموم ، فإذا أراد القائل من اللفظ المشترك بعض معانيه ، فلفظة موضوع لنفس ما أراده ، غاية الأمر أنّه يحتاج إلى قرينة معيّنة للمراد ، وعند فقدها يعرضه الاشتباه والإجمال لأجل تعدّد الوضع لا لعدم انطباق لفظه على ما أراده ، وهذا بخلاف العامّ ، فإنّ دلالته على خصوص بعض مصاديقه ليست بالوضع ، بل لا بدّ فيها

__________________

(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٥ عن الشهيدين في اللمعة الدمشقيّة : ٢٠ و ٣١٢ ، والروضة البهيّة ١ : ٣٥٠.

٢٩٤

من ضمّ قيود تخصّص مدلوله على وجه ينطبق على الفرد ، وعلى تقدير فقدها يكون اللفظ أعمّ من خصوص هذا الفرد ، فلا يكون اسما له ، سواء قصده اللافظ بالخصوص أم لا ، فلاحظ وتدبّر ، كي يتّضح لك الفرق بين المقامين.

ولو اشتبه مراد الكاتب ، جاز المسّ ، لأصالة البراءة وإن كان الأحوط تركه ، بل الأولى الترك مطلقا حتى مع العلم بإرادة غيرهم خصوصا لو كان التسمية باسمهم بقصد التشرّف.

وأولى بمراعاة الاحتياط فيما لو جعل اسم الله تعالى اسما لشخص أو جزءا من اسمه كـ «عبد الله» علما ، بل القول بحرمة المسّ في الأخير لا يخلو عن وجه وإن كان الأوجه خلافه.

ولا فرق في الكتابة بين أن تكون بمداد أو بحفر أو بتطريز أو بغيرها ، بل المدار على صدق اسم القرآنيّة واسم الله كيفما تكون الكتابة من أيّ كاتب تكون حتى الريح ونحوها.

والاستشكال في تحقّق المسّ إذا كانت الكتابة بالحفر ممّا لا وجه له بعد مساعدة العرف على إطلاق اسم مسّ القرآن على اللوح المنقوش فيه آياته. (و) يحرم على الجنب أيضا (الجلوس في) مطلق (المساجد) بل اللبث فيها مطلقا ولو من غير جلوس بل ولا استقرار ، فيعمّ المشي في جوانبها من غير مكث ما لم يصدق عليه اسم المرور والاجتياز.

٢٩٥

ويدلّ عليه : قوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ) (١) بمعونة الأخبار الدالّة على أنّ المراد منه النهي عن إتيان المساجد جنبا.

فعن الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى :(وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ) أنّ معناه : «لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب إلّا مجتازين» (٢).

وفي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قالا :قلنا له : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : «الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول : (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)» (٣).

وعن علي بن إبراهيم أنّه رواه في تفسيره مرسلا (٤).

والخدشة في دلالة الآية ـ كما عن بعض (٥) ـ بعد ورود تفسيرها عن أهل البيت عليهم‌السلام ممّا لا وجه لها ، اللهم إلّا أن يراد المناقشة في دلالتها من حيث هي.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الآية والأخبار الواردة في تفسيرها ـ أخبار

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٤٣.

(٢) مجمع البيان ٣ ـ ٤ : ٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢٠.

(٣) علل الشرائع : ٢٨٨ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٠.

(٤) تفسير القمّي ١ : ١٣٩ ، وفيه عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ذيل الحديث ١٠.

(٥) حكاها عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٥١.

٢٩٦

كثيرة سيمرّ عليك بعضها إن شاء الله.

فما نقل من سلّار من القول بالكراهة (١) ضعيف.

ولعلّ مستنده ما يتراءى من ظاهر ما في عدّة من الأخبار المرويّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كره إتيان المساجد جنبا (٢).

وفيه : أنّ الكراهة الواردة في الأخبار أعمّ من الكراهة المصطلحة ، كما يؤيّده ما في نفس هذه الأخبار من الجمع بين الأشياء المكروهة والمحرّمة ، كالضحك بين القبور ، والرفث في الصوم ، والمنّ بعد الصدقة ، فلا تنافي غيرها ممّا دلّ على التحريم من ظاهر الآية والأخبار المعتبرة المعمول بها.

وربما يستدلّ له : بصحيحة محمد بن القاسم (٣) ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجنب ينام في المسجد ، فقال عليه‌السلام : «يتوضّأ ، ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه» (٤) فيجمع بين هذه الصحيحة وبين الأخبار الناهية : بحملها على الكراهة.

وفيه : أنّه إن اقتصرنا في هذه الصحيحة على موردها ، فهي أخصّ مطلقا من سائر الأدلّة يجب في مقام الجمع تخصيصها بها ، وهو ينافي

__________________

(١) كما في الحدائق الناضرة ٣ : ٥٠ ، وفي المراسم : ٤٢ جعله من المندوب تركه.

(٢) الفقيه ١ : ١٢٠ ـ ٥٧٥ ، و ٤ : ٢٥٨ ـ ٨٢٢ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧ و ٩.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : محمد بن مسلم. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ١ : ٣٧١ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٨.

٢٩٧

مطلوب سلّار.

وإن تخطّينا عن موردها واستفدنا منه جواز المكث مطلقا ولو لغير النوم والمرور ، فيعارضها ظاهر الآية والأخبار الناهية.

والجمع الذي يمكن ارتكابه ولا يحتاج إلى شاهد خارجي إنّما هو تقييد مطلقات الأخبار الناهية بما إذا لم يتوضّأ ، فيجوز له أن يلبث في المسجد بعد أن توضّأ ، كما نقل القول به عن أحمد بن حنبل (١) ، ولا قائل به منّا.

هذا ، مع أنّ ارتكاب التقييد بالنسبة إلى الآية الشريفة وما هو بمنزلتها بمثل هذه الرواية في حدّ ذاتها مشكل جدّا ، لأنّ ذكر الاغتسال غاية للنهي يؤكّد إطلاقه ، ويدلّ على انحصار السبب المبيح بالغسل ، فلا يساعد العرف على الجمع بينهما بتقييد إطلاق النهي وتنزيل الغاية المذكورة في الآية على كونها أحد فردي العلّة المبيحة.

ألا ترى أنّ قولنا : لا يجوز للجنب أن يدخل في المسجد حتى يغتسل ، ويجوز للجنب أن يتوضّأ ويدخل في المسجد ، يعدّ في العرف منافيا.

وكيف كان فهذه الرواية ـ بعد إعراض الأصحاب عنها ومخالفتها لظاهر الكتاب والسنّة المستفيضة وموافقتها لمذهب بعض العامّة ـ ممّا

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥١٤ ذيل المسألة ٢٥٨ ، وانظر : المغني ١ : ١٦٨ ، والشرح الكبير ١ : ٢٤٢ ، والمجموع ٢ : ١٦٠ ، وحلية العلماء ١ : ٢٢٢ ، والجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٠٦.

٢٩٨

يجب ردّ علمه إلى أهله.

وقد صرّح المصنّف رحمه‌الله في محكيّ المعتبر بعد نقل الرواية بأنّها متروكة بين أصحابنا ، لأنّها منافية لظاهر التنزيل (١). انتهى.

نعم ، يظهر من الصدوق رحمه‌الله العمل بمضمونها حيث قال ـ فيما حكي عنه ـ بعد أن ذكر أنّ الجنب والحائض لا يجوز أن يدخلا المسجد إلّا مجتازين : ولا بأس أن يختضب الجنب أو يجنب وهو مختضب ـ إلى أن قال ـ وينام في المسجد ويمرّ فيه (٢).

ولكنّك خبير بأنّه لا تخرج الرواية بذلك من الشذوذ بحيث تصلح لتخصيص سائر الأدلّة التي كادت تكون صريحة في العموم ، بل لا يبعد دعوى القطع بإرادة مورد الاجتماع ـ أعني نوم الجنب في المسجد ـ من بعض هذه الأدلّة التي ورد فيها النهي عن بيتوتة الجنب في المسجد.

هذا ، مع أنّ المحكي عن الصدوق غير منطبق على تمام مدلول الرواية حيث لم يوجب الوضوء في ظاهر كلامه مع كونه مذكورا في الرواية ، فهذا القول أيضا كسابقه ضعيف ، والله العالم.

وقد أشرنا إلى أنّ مقتضى عموم الآية وجملة من الأدلّة : حرمة كون الجنب في المسجد مطلقا ما لم يصدق عليه اسم المرور والاجتياز.

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٥١ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٩.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٥١ ، وانظر : المقنع : ٤٥ ، والفقيه ١ : ٤٨ ذيل الحديث ١٩١.

٢٩٩

ولكنّه حكي عن بعض (١) : القول بجواز بقائه في المسجد ماشيا في جوانبه من غير مكث ولا جلوس.

والذي يمكن أن يستدلّ له في ذلك أمران :

أحدهما : دعوى صدق المرور والاجتياز عرفا على مطلق المشي.

وفيها منع ظاهر ، ولا أقلّ من انصراف إطلاق (عابِرِي سَبِيلٍ) (٢) ونحوه عن مثل ذلك.

وثانيهما : الالتزام باختصاص الحرمة بالجلوس دون مطلق الكون كما وقع التعبير به في جملة من عبائر القوم.

ومنشؤ توهّم الاختصاص : تعلّق النهي بالجلوس في مقابل المشي والمرور في عدّة من الأخبار.

ففي رواية جميل عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «للجنب أن يمشي في المساجد كلّها ، ولا يجلس فيها إلّا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

ورواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الجنب يجلس في المسجد؟ قال : «لا ، ولكن يمرّ فيه إلّا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤).

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٥١.

(٢) سورة النساء ٤ : ٤٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠ ـ ٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥ ـ ٣٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

٣٠٠