مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وكيف كان فلا يهمّنا التعرّض لتنقيح الأقوال ، وإنّما المهمّ التعرّض لمستندها ، وقد عرفت قوّة القول الأوّل ، وضعف الثاني.

وأمّا الثالث : فقد استدلّ له بالإجماع على أنّ الأمر بالغسل والمسح في الآية الشريفة للفور.

وبقوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي : «أتبع وضوءك بعضه بعضا» (١).

وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «تابع بين الوضوء كما قال الله تعالى» (٢).

وفيه : منع الإجماع على أنّ الأمر في الآية الشريفة للفور ، فإنّ القائل بمراعاة الجفاف لا يقول بالفوريّة بهذا المعنى ، كيف! ولو كان للفور ، لوجب غسل الوجه فورا عند إرادة الصلاة مع أنّه لا يقول به أحد.

والتفكيك بينه وبين غسل الأيدي غير جائز ، لكونها معطوفة على الوجه ، فلا يجب فيه أيضا ، كما في الوجه.

ولو استدلّ هذا القائل : بأنّ المتبادر عرفا من الأمر بالمركّب وجوب إيجاد جميع أجزائه دفعة ، لكان أولى وإن كان فيه أيضا تأمّل.

هذا ، مع أنّ الأمر المتعلّق بالأفعال إنّما هو للوجوب الشرطي ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ ـ ٢٥٩ ، الإستبصار ١ : ٧٤ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٩٧ ـ ٢٥١ ، الإستبصار ١ : ٧٣ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ، الباب ٣٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

٢١

فكون الأمر للفور لا يقتضي وجوبه الشرعي ، كما هو ظاهر.

وأمّا الروايتان : فقد عرفت أنّ ظاهرهما إرادة الترتيب من المتابعة.

هذا ، مع أنّ المتبادر من الأوامر المتعلّقة بكيفيّات العمل : الوجوب الشرطي لا الشرعي ، خصوصا مع شهادة سياق الروايتين بإرادة الشرطيّة ، بل وفي غيرهما من الروايات السابقة أيضا شهادة عليه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

واعلم : أنّ مقتضى إطلاق المصنّف رحمه‌الله كغيره في تفسير الموالاة بأنّها هي أن يغسل كلّ عضو قبل أن يجفّ ما تقدّمه : إناطة البطلان بالجفاف مطلقا من دون فرق بين أن يكون الجفاف مسبّبا عن التأخير أم لأمر آخر ، كقلّة ماء الوضوء أو حرارة البدن أو الهواء ، أو غير ذلك ، فلو أتى بالأفعال متتابعة وحصل الجفاف في الأثناء لشي‌ء من العوارض ، يجب عليه إعادة الوضوء ، إلّا أن يتعذّر إحراز الشرط ، لشدّة الحرارة أو غيرها من العوارض ، فيدخل حينئذ في مسألة أولي الأعذار.

إلّا أنّ الإنصاف عدم الوثوق بإرادتهم من العبارة ما استظهرناه ، بل الظاهر أنّ مرادهم بيان بطلان الوضوء بسبب الجفاف الحاصل من ترك التوالي لا غير ، فلو أتى بالأفعال متتابعة ، صحّ وضوؤه ، جفّ أو لم يجف ، فيكون المعتبر في صحّة الوضوء إمّا المتابعة الحقيقيّة أو عدم الجفاف ، كما نسب إلى الصدوقين (١).

__________________

(١) نسبه إليهما صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٥٣ ، وانظر : الفقيه ١ : ٣٥.

٢٢

ولعلّ منشأ النسبة ـ كما صرّح به بعضهم (١) ـ ما ذكره الصدوق في الفقيه ، قال فيما حكي (٢) عنه ناقلا عن أبيه في رسالته إليه أنّه قال : إن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمّه فأوتيت بالماء فتمّم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، وإن كان قد جفّ فأعد وضوءك ، فإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فاغسل ما بقي جفّ أو لم يجفّ. انتهى.

قوله قدس‌سره : «وانقطع بك الماء» بحسب الظاهر كناية عن عروض حاجة موجبة لتفريق الوضوء ، والتعبير به لكونه هو السبب للتفريق غالبا ، كما أنّ عدم انقطاعه يستلزم التوالي عادة في الغالب ، فالتعبير به للجري على الغالب. ولعلّه تابع في ذلك الرضوي الآتي (٣).

وقد صرّح في المدارك بعد اختياره هذا القول : بأنّ كلام الأصحاب لا ينافيه (٤).

نعم ، صرّح الشهيد قدس‌سره باعتبار عدم الجفاف في غير الضرورة وعدم كفاية التوالي مع الجفاف ، بل يظهر منه أنّ القول بالكفاية مخصوص بابن بابويه.

قال في محكي الذكرى : ظاهر ابن بابويه أنّ الجفاف لا يضرّ مع

__________________

(١) صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٥٣.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٥٣ ، وانظر : الفقيه ١ : ٣٥.

(٣) يأتي في ص ٢٧.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٠.

٢٣

الولاء ، والأخبار الكثيرة بخلافه. مع إمكان حمله على الضرورة (١).

وفي الدروس : والأقرب أنّها ـ أي الموالاة ـ مراعاة الجفاف ، وقد حقّقناه في الذكرى ، فلو والى وجفّ ، بطل وضوؤه إلّا مع إفراط الحرّ وشبهه. ولو فرّق ولم يجفّ ، فلا إثم ولا إبطال ، إلّا أن يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار (٢). انتهى.

والظاهر أنّ المتابعة العرفية عنده واجب شرعي مستقلّ ، وأنّ التفريق الغير المتفاحش غير قادح في الصدق العرفي ، فلا يكون ما اختاره رحمه‌الله في الدروس مخصوصا به ، كما قد يتوهّم.

هذا ، ولكنّه مع ذلك لا وثوق بإرادة العلماء من ظواهرهم ما اختاره الشهيد ، كيف وقد قيّد كثير من الأصحاب ـ على ما نسب (٣) إليهم ـ بل الأصحاب بأسرهم ـ كما عن ظاهر الذكرى (٤) ـ عدم الجفاف بكونه في الهواء المعتدل. وظاهره التحرّز به عن صورة تعجيل الجفاف ، لحرارة الهواء وغيرها من الأمور الموجبة للتجفيف ، وهي بإطلاقها أعمّ من صورة تعذّر إبقاء البلّة إلى زمان غسل اللاحق.

وتنزيله عليها ـ كما في ظاهر المحكي عن الذكرى (٥) ـ ممّا لا شاهد عليه ، بل الشواهد على خلافه ، إذ لا يحسن التحرّز عن صورة التعذّر

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ٣٥١ ، وانظر : الذكرى : ٩٢.

(٢) الدروس ١ : ٩٣.

(٣) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ٣٥٦.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٥ ، وانظر : الذكرى : ٩٢.

(٥) الذكرى : ٩٢.

٢٤

ـ التي قلّما يتحقّق لها مصداق خارجي ـ بمثل هذا القيد الموهم لخلاف المقصود ، بل الظاهر المتبادر من هذا التقييد ليس إلّا التحرّز عن صورة تعجيل الجفاف لأمر عارضي بلا فصل معتدّ به عرفا بحيث تنتفي المتابعة العرفيّة.

وكيف كان ، فالأقوى ما ذهب إليه الصدوقان ، وفاقا لصريح جماعة منهم : أصحاب المدارك والحدائق والمشارق (١) وجميع مشايخنا المتأخّرين الذين عثرنا على أقوالهم ، بل في طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله :لم نعثر على مصرّح بخلافه ممّن وصل إلينا كلماتهم المحكيّة في الذكرى وغيرها (٢) ، لا لما ذكره في المدارك (٣) ـ في ردّ الشهيد المدّعي لمخالفته للأخبار الكثيرة ـ من اختصاص مورد أخبار قدح الجفاف بالجفاف الحاصل بالتفريق حتى يتوجّه عليه بأنّ العبرة بعموم التعليل في قوله عليه‌السلام :«إنّ الوضوء لا يتبعّض» (٤) وقوله عليه‌السلام : «إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» (٥) لا بخصوصيّة المورد ، بل لمنع اقتضاء عموم التعليل بطلان الوضوء في الفرض ، بل العموم قاض بصحّته ، لصدق المتابعة وعدم التبعيض.

وما ادّعينا سابقا من أنّ المراد من المتابعة وعدم التبعيض أن يضمّ

__________________

(١) انظر : مدارك الأحكام ١ : ٢٣٠ ، والحدائق الناضرة ٢ : ٣٥١ ، ومشارق الشموس :٢٧.

(٢) كتاب الطهارة : ١٣٤.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥ ـ ٧ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٥) علل الشرائع : ٢٨٩ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

٢٥

اللاحق إلى سابقه قبل ذهاب أثره ـ أي : حصول الجفاف ـ لا نعني به أنّ عدم الجفاف اعتبر قيدا في مفهوم المستعمل فيه ، بل المقصود أنّه يستفاد من القرائن الداخليّة والخارجيّة أنّه يكفي في حصول المتابعة المعتبرة في الوضوء وعدم انقطاع بعضه عن بعض بقاء أثر السابق حال وجود اللاحق ولو مع تخلّل فصل معتدّ به عرفا بحيث لا يصدق المتابعة العرفيّة ، فالتصرّف الشرعي إنّما هو في تعميم موضوع المتابعة وعدم التبعيض بحيث يعمّ هذا الفرد الذي لا يساعد عليه العرف ، لا في استعمال المتابعة في معنى لا يعرفه العرف.

هذا ، مع ما عرفت من نفي البعد من صدق المتابعة عرفا ما دام وجود الأثر ، لأنّ له تأثيرا بنظر العرف على ما يشهد به الوجدان ، فإنّ الفعل الذي انقطع أصله وارتفع فرعه بنظر العرف كأن لم يكن ، بخلاف ما لو كان أثره موجودا ، فإنّه بمنزلة الحادث بالفعل.

ويمكن توجيه كلام صاحب المدارك في ردّ الشهيد رحمه‌الله : بأنّه بعد أن علم أنّ المراد من العلّة المنصوصة ليس ما يتبادر منها عرفا ـ كما عليه مبنى الاستدلال ـ لا يصحّ التشبّث بعموم العلّة إلّا بعد تعيين ما أريد منها.

والقدر المتيقّن الذي يمكن إثبات إرادته منها بقرينة المورد وغيره ليس إلّا أنّ الجفاف المسبّب عن التفريق موجب لتبعّض الوضوء وانتفاء متابعة بعضه بعضا ، وأمّا كون مطلق الجفاف موجبا لذلك فلا دليل عليه ، فالشكّ إنّما هو في حصول التبعيض وترك المتابعة بالمعنى الذي أريد منهما ، فكيف يتشبّث بعموم العلّة لإثبات البطلان في موارد الشكّ!؟ فيرجع فيها

٢٦

إلى إطلاقات الأدلّة ، وهي قاضية بالصحّة.

وممّا يؤيّد المطلوب بل يدلّ عليه لو لا الخدشة في سنده : ما في الفقه الرضوي : إيّاك أن تبعّض الوضوء ، وتابع بينه كما قال الله تعالى ، ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثمّ بالمسح على الرأس والقدمين ، فإن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمّه ثمّ أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء ، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّ الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي ، جفّ وضوؤك أم لم يجف (١).

وقوله عليه‌السلام : «وإن فرغت» إلى آخره ، هو عين ما نقله الصدوق عن والده قدس سرّهما ، فيظهر منه اعتماد الصدوقين على الأخذ منه ، فهو من قرائن صحّته لو لم يحتمل أن يكون لأكبرهما ، والله العالم.

وقد يستدلّ أيضا بصحيحة حريز : قلت : إنّ جفّ الأوّل من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال : «إذا جفّ أو لم يجفّ فاغسل ما بقي» (٢) فإنّها بعد تقييدها ـ بالإجماع وغيره ـ بما إذا لم يكن الجفاف حاصلا من التفريق تدلّ على المطلوب.

وفيه : أنّ ما بعدها يمنع من الاستدلال بها ، وهو قوله بعد ذلك :

قلت : وكذلك غسل الجنابة؟ قال : «هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثمّ

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٦٧ ـ ٦٨.

(٢) التهذيب ١ : ٨٨ ـ ٢٣٢ ، الإستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

٢٧

أفض على سائر جسدك» قلت : وإن كان بعض يوم؟ قال : «نعم» فإنّ تنزيله منزلة غسل الجنابة وترخيصه في التبعيض في بعض اليوم مخالف للإجماع والأخبار المستفيضة ، فهي محمولة على التقيّة.

ودعوى احتمال عود ضمير «كان» إلى إكمال غسل الجنابة فمعناه ولو كان إفاضة الماء على الجسد في بعض يوم ، فجوابه عليه‌السلام ليس مخالفا للإجماع على هذا التقدير ، مدفوعة : بأنّ الرواية كالصريحة في اتّحاد الوضوء والغسل من حيث الحكم ، فإبداء مثل هذه الاحتمالات لا يجعلها حجّة في مقام الاستدلال ، كما هو ظاهر.

فالعمدة في المقام إنّما هي إطلاقات الأدلّة السالمة ممّا يصلح لتقييدها ، مضافا إلى إمكان الاستدلال بمفهوم العلّة في الروايتين بالتقريب الذي تقدّم ، والله العالم.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما قوّيناه من حصول الموالاة المعتبرة في الوضوء بأحد الأمرين ـ أعني المتابعة العرفيّة لو غسل العضو اللاحق قبل جفاف ما تقدّمه ـ مبنيّ على عدم الالتزام بأنّ الجفاف المبطل هو الجفاف التقديري ، وإلّا فلو قلنا بأنّ المدار على تقدير الجفاف في الهواء المعتدل ، لم يبق لهذا الكلام مجال ، كما أنّه لا يبقى للفرع الذي وقع التصريح به في كلمات بعض القدماء وجملة من المتأخّرين ـ وهو : ما لو والى وجفّ هل يصحّ وضوؤه أم لا؟ ـ أصل ، كما هو ظاهر ، فالمهمّ إنّما هو التعرّض لهذا القول.

٢٨

فنقول : قد ذهب بعض (١) مشايخنا قدس سرّهم إلى أنّ المناط في صحّة الوضوء عدم تخلّل زمان يقتضي الجفاف في صنفه.

وحاصله : أنّ الموالاة المعتبرة فيه أن لا يتخلّل بين غسل الأعضاء في كلّ زمان مقدار من الزمان يقتضي الجفاف في زمانه على تقدير اعتدال الهواء ، وهذا المقدار يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، كما هو واضح.

وفيه : أنّ اعتبار التقدير ـ مع أنّه إحالة على مجهول لا طريق للمكلّف إلى إحرازه غالبا ، فلا ينبغي تنزيل الأخبار وكلمات الأصحاب عليه ـ ممّا لا يساعد عليه دليل ، بل الأدلّة بأسرها ناطقة بخلافه ، لأنّ تقييد الأخبار المستفيضة الآمرة بأخذ ناسي المسح من بلّة وضوئه والمسح به ، والأمر بالإعادة على تقدير عدم بقاء البلّة ، الظاهر في إرادة عدم البقاء حقيقة لا تقديرا ، وكذا الأمر بالإعادة في أخبار الباب على تقدير الجفاف ، الظاهر في إرادة نفس الجفاف لا المقدار الذي من شأنه التجفيف أو الجفاف التقديري ممّا لا دليل عليه ، فهذه الإطلاقات بأسرها قاضية بالصحّة على تقدير وجود البلّة ، سواء كان لرطوبة الهواء أو غيرها.

ودعوى جري الأخبار مجرى الغالب ـ وهو ما لو حصل الجفاف في الهواء المعتدل ـ مع ما فيها من المجازفة غير مجدية في إثبات إناطة الحكم بالجفاف التقديري ، لعدم اقتضائها إلّا خروج غير الغالب من منصرف الأخبار ، لا إناطة الحكم بمقدار الجفاف الغالبيّ ، فيرجع فيما

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٢ : ٢٦١.

٢٩

يدّعى صرف الأخبار عنه إلى إطلاقات الأدلّة العامّة السالمة ممّا يصلح لتقييدها.

نعم ، ربّما يؤيّد هذا القول ما أشرنا إليه فيما تقدّم (١) من أنّ كثيرا من الأصحاب بل الأصحاب بأسرهم ـ كما عن ظاهر الذكرى ـ قد قيّدوا عدم الجفاف بصورة اعتدال الهواء ، وظاهره في بادئ الرأي أنّه تقدير لمقدار زمان جواز التفريق ، وأنّ تأخير الجفاف في الهواء الرطب ممّا لا ينفع ، كما أنّ تعجيله في الهواء الحارّ لا يضرّ. إلّا أنّ التأمّل في كلمات أكثر من تعرّض لهذا التقيد ، خصوصا بالنظر إلى إطلاق كلامهم في حكم ناسي المسح ـ من أنّه يأخذ من بلل وضوئه ما دام بقاؤه ـ ربما يورث الجزم بعدم إرادتهم إلّا ما صرّح به الشهيد قدس‌سره في الذكرى ـ على ما حكي (٢) عنه ـ من أنّ هذا القيد للاحتراز عن إفراطه في الحرارة ، وأنّه لو بقي البلل في الهواء المفرط في الرطوبة والبرودة لكفى في صحّة الوضوء ، وكذا لو أسبغ وضوءه بماء كثير فبقي البلل.

وممّا يشهد بأنّ التقييد ليس إلّا للتحرّز عن صورة تعجيل الجفاف لا لتقدير زمان جواز التفريق : ما عن المبسوط ، قال : وإن انقطع عنه الماء انتظره ، فإذا وصل إليه وكان ما غسله عليه نداوة ، بنى عليه (٣) ، وإن لم تبق عليه نداوة مع اعتدال الهواء ، أعاد الوضوء (٤). انتهى ، فإنّه صريح في أنّ

__________________

(١) في ص ٢٤.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٥ ، وانظر : الذكرى : ٩٢.

(٣) نسخة بدل : صحّ وضوؤه.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٣.

٣٠

القيد للاحتراز عمّا لو لم تبق النداوة ، لعدم الاعتدال.

وعن المهذّب : وإن ترك الموالاة حتى يجفّ المتقدّم ، لم يجزئه ، اللهم إلّا أن يكون الحرّ شديدا أو الريح يجفّ منه العضو المتقدّم (١). انتهى.

والظاهر أنّ الاستدراك الواقع في كلامه عبارة أخرى عمّا أراده غيره من التقييد باعتدال الهواء.

وعن التحرير : لو فرّق لعذر ، لم يعد إلّا مع الجفاف في الهواء المعتدل ، ولو جفّ لعذر ، جاز البناء ، ولا يجوز استئناف ماء جديد (٢).

يعني لو جفّ لعذر آخر غير التفريق في الهواء المعتدل ، جاز البناء إلّا أن يكون الجفاف حاصلا بعد غسل اليسرى وقبل المسح ، فإنّه لا يجوز البناء ، لأنّه يستلزم استئناف ماء جديد للمسح ، وهو غير جائز.

وكيف كان ، فظاهر كثير من عبائرهم بل صريحها : أنّ التقييد ليس إلّا لبيان أنّ الجفاف المخلّ بالتوالي هو الجفاف المسبّب عن التفريق في الهواء المعتدل تنبيها على حكم الفرع الذي صرّح به الصدوق وغيره من أنّه لو جفّ مع الولاء يصحّ وضوؤه ، لا أنّ غرضهم بيان إناطة الحكم بالجفاف التقديري ، أعني مقدار زمان الجفاف في الهواء المعتدل ، كيف وإلّا لكان عليهم التنصيص في مقام التفريع على البطلان لو لم يجفّ ، لشدّة البرودة ، كما أنّهم نصّوا على عدم البطلان لو جفّ ، لشدّة الحرّ ، مع

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٥ ، وانظر : المهذّب ١ : ٤٥.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٥ ، وانظر : تحرير الأحكام ١ : ١٠.

٣١

أنّه لم ينقل عن أحد منهم التعرّض لحكمه في هذه الصورة.

نعم ، قد تعرّض غير واحد ممّن تأخّر عن الشهيد تبعا له لبيان حكم هذا الفرع مصرّحين بصحّة الوضوء من دون تردّد على وجه يظهر كونه مسلّما عندهم ، ولكان عليهم أيضا تعيين مرادهم الذي هو موضوع الحكم ، لكونه مجملا في غاية الإجمال ، ضرورة اختلاف مقدار زمان الجفاف في الهواء المعتدل بقلّة ماء الوضوء وكثرته ، وباختلاف الأمكنة والأزمنة ، وباعتبار كون المتوضّي تحت ظلّ أو في قبال الشمس ، إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للاختلاف ممّا لا تحصى.

ودعوى أنّه يتبادر من قيد الاعتدال في عبائرهم إرادة مقدار زمان الجفاف في الهواء المعتدل بالمقايسة إلى حال المتوضّي من حيث مكانه وزمانه ، وما يستعمله من الماء في وضوئه المتعارف ، مدفوعة : بأنّ الانصراف بعد تسليمه ليس بحيث يغني عن التنبيه عليه ولو في بعض كتب الفتاوى ، المعمولة للتقييد ، وكذا كان عليهم التنبيه على حكم المقلّد في صورة الشكّ في أصل الاعتدال ، أو في أنّه لو كان معتدلا ، لجفّ ، أو لو كان معتدلا ، لم يجفّ من أنّه هل يعيد الوضوء أو يبني على صحّته أو يعمل بظنّه؟ إلى غير ذلك من الأمور التي تورث القطع بعدم إرادة العلماء من الجفاف إلّا نفسه لا الجفاف التقديري.

نعم ، قد يوهم عبائر بعضهم في تفسير الموالاة : أنّ الحكم معلّق على مقدار زمان الجفاف لا نفسه ، كما عن السيّد في الناصريّات ، قال :ومن فرّق بمقدار ما يجفّ معه غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع منه

٣٢

الموالاة في الهواء المعتدل ، وجب عليه إعادة الوضوء (١). انتهى.

وعن السيّد أبي المكارم قدس‌سره في الغنية في الموالاة هي أن لا يؤخّر غسل الأعضاء بمقدار ما يجفّ ما تقدّم في الهواء المعتدل (٢). انتهى.

وقال في الكامل ـ على ما حكي عنه ـ : هي متابعة بعض الأعضاء ببعض ، فلا يؤخّر المؤخّر عمّا يتقدّم بمقدار ما يجفّ في الزمان المعتدل (٣). انتهى.

ولكنّك خبير بأنّ غلبة التعبير عن نفس الفعل بزمانه تمنع ظهور مثل هذه العبارات في إرادة إناطة الحكم بنفس الزمان.

ألا ترى أنّك لو قلت لصاحبك : توقّف عندي بمقدار أن يجفّ ثوبي ، أو بمقدار أن أشرب الماء ، أو أن أفرغ من العمل الذي بيدي ، لا يخطر بباله إلّا أنّك أمرته ببقائه في الزمان الشخصي الذي يصدر منك الفعل فيه ، لا الأمر بوقوفه هذا المقدار من الزمان من حيث هو.

وممّا يؤيّد إرادتهم ذلك : ما في عبارة الحلّي حيث إنّه قدس‌سره علّق الحكم في صدر عبارته بنفس الجفاف ، وعبّر في ذيلها بما يوافق الجماعة.

قال في السرائر : حدّ الموالاة على الصحيح من أقوال أصحابنا

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٦ ، وانظر : مسائل الناصريّات :١٢٦ ، المسألة ٣٣.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٦ ، وانظر : الغنية : ٥٩.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٣٦ ، وكتاب الكامل مفقود.

٣٣

المحصّلين هو أن لا يجفّ غسل العضو المتقدّم ، في الهواء المعتدل ، ولا يجوز التفريق بين الوضوء بمقدار ما يجفّ غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل (١). انتهى.

وكيف كان ، فإن أرادوا من كلماتهم ما ذكرناه ، فنعم الوفاق ، وإلّا فعليهم إقامة البيّنة على إناطة الحكم بنفس الزمان من حيث هو ، وأنّى لهم بها ، مع أنّ الحكم في ظاهر النصوص والفتاوى معلّق بالجفاف واليبس وفقد البلّة.

والعجب من بعض مشايخنا ـ الذي سبقت الإشارة إليه ـ أنّه قدس‌سره بعد ادّعائه ظهور عبائر الأصحاب في إرادة التقدير الزماني ، قال : وإلّا لو أريد بالموالاة بمعنى مراعاة الجفاف بقاء البلل حسّا من غير مدخليّة للزمان ، فهو مع منافاته لاستصحاب الصحّة لا دليل عليه ، كما أنّه لا دليل على التقدير عند إفراط الحرّ ، بل ينبغي القول بالرجوع إلى التيمّم أو بسقوط هذا الشرط في مثل هذا الحال ، فلا يقدح التأخير حينئذ يوما أو أيّاما ، إذ لا دليل على التقدير بعد فهمهم من الأدلّة وجود البلل حسّا (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما تقدّم ، فإنّه يتوجّه عليه أوّلا المعارضة بالمثل ، لأنّا نقول : لو أريد من مراعاة الجفاف مراعاة زمانه من دون مدخليّة للجفاف الحسّي ، فهو مع منافاته لاستصحاب الصحّة لا دليل

__________________

(١) السرائر ١ : ١٠١.

(٢) جواهر الكلام ٢ : ٢٦١.

٣٤

عليه ، كما أنّه لو ادّعي انصراف الأدلّة إلى المتعارف لا دليل على التقدير عند إفراط البرد ، بل ينبغي القول بصحّة إتمام الوضوء وبقاء شرطه ، لإطلاقات الأدلّة العامّة.

وحلّه : ما عرفت مفصّلا من أنّه يستفاد من الأدلّة أنّ الشارع عمّم موضوع الموالاة بحيث عمّ لحوق العضو اللاحق بأثر العضو السابق ، فلا يتوجّه علينا إشكال أصلا.

نعم ، يتوجّه على القائل بإناطة الحكم وجودا وعدما بالجفاف : أنّه يلزمه عند التعذّر إمّا القول بانتقال الفرض إلى التيمّم أو القول بسقوط الشرط ، وجواز التأخير مطلقا ، إلّا أنّه له أيضا في التفصّي عن هذا الإلزام طرق.

منها : التزامه بوجوب الاحتياط في الشكّ في الشرطيّة ولو في خصوص الوضوء ، لكونه مصداقا للطهور ، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتأمّل.

هذا ، مع أنّ الالتزام بما ألزم به هيّن بعد أنّ المورد قلّما يتحقّق له مصداق إلّا على سبيل الفرض ، لأنّ حفظ نداوة العضو السابق إلى أوّل الشروع في غسل اللاحق على ما هو مناط حصول المتابعة بمقتضى ظواهر الأدلّة في أيّ زمان يفرض أمر هيّن ، كما هو ظاهر.

والإنصاف أنّي أجد من نفسي أنّ تنزيل عبارة المصنّف وغيره ممّن عبّر كعبارته في تفسير الموالاة ـ من أنّها هي أن يغسل كلّ عضو قبل أن يجفّ ما تقدّمه ـ على إرادة التقدير الزماني مصادمة للضرورة ، فإن كان

٣٥

ولا بدّ من الالتزام بهذا القول ، فليقف قبال القوم ، وليأت ببرهان ، مع أنّه ما عثرنا على برهان له إلّا ظواهر كلماتهم التي عرفتها ، والله العالم.

تنبيه : لا شبهة في رجحان الموالاة بمعنى المتابعة ولو لحسن الاحتياط ، خروجا من شبهة الخلاف ، فضلا عن رجحان المسارعة والاستباق إلى الطاعة ، فلو نذر التوالي في وضوئه ، ينعقد نذره ، ويحرم مخالفته ، فلو أخلّ بالمتابعة ، لا يترتّب عليه إلّا الكفّارة ، وأمّا بطلان الوضوء فلا.

وقد يتوهّم البطلان ، لكون المأتيّ به من حيث حصول مخالفة النذر به محرّما ، فلا يكون عبادة.

وفيه : أنّ المحرّم إنّما هو ترك المتابعة ، وهو خارج من ماهيّة الوضوء ، فلا يؤثّر في بطلانه.

وقد يتخيّل التفصيل ـ كما عن المدارك (١) ـ بين ما لو نذر المتابعة في الوضوء وأخلّ بها ، صحّ وضوؤه ، لما ذكرنا ، وبين ما لو كان المنذور هو الوضوء المتتابع فيه فيبطل ، لأنّ المأمور به في حقّ هذا الشخص هو الوضوء الخاصّ ، لتعيّنه بسبب النذر ، فالمأتيّ به مخالف لما وجب في حقّه ، ولا معنى للبطلان إلّا ذلك ، أعني مخالفة المأتيّ به للمأمور به.

وفيه : أنّ مخالفة المأتيّ به للمأمور به بالأمر النذري العارضي مسلّمة ، وهي لا تقتضي إلّا بطلانه من هذه الجهة ، وأمّا من حيث وقوعه امتثالا للأمر الأصلي المتعلّق بماهيّة الوضوء من حيث هي فلا ، بل المأتيّ به عين المأمور به ، والأمر يقتضي الإجزاء ، والأمر الأصلي والعارضي ليسا

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٣٧ ، وانظر : مدارك الأحكام ١ : ٢٣١.

٣٦

من قبيل المطلق والمقيّد ، بل كلّ منهما تكليف مستقلّ بنفسه يترتّب على موافقته ومخالفته الثواب والعقاب.

فلو نذر أن يعطي صدقته الواجبة لذي رحمه ، فإن أعطاها له ، يستحقّ أجرين : أجر المزكّي وأجر الموفين بالنذر ، وإن خالف النذر وأعطى سائر الفقراء ، لا يعاقب بترك التزكية ، وإنّما يعاقب على مخالفة النذر ، ووجهه ظاهر.

وغاية ما يمكن أن يقال في المقام وجها للبطلان : أنّه بعد أن غسل وجهه ولم يتبعه بغسل اليدين يجب عليه رفع اليد عمّا غسله أوّلا ، وإعادته ثانيا مقدّمة لامتثال الأمر بالنذر ، وغسل اليدين بقصد امتثال الأمر بالوضوء يضادّه ، فلا يصحّ جزء من العبادة إمّا لحرمته لو قلنا بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه ، أو لعدم الأمر به ولو لم نقل بالاقتضاء ، لأنّ الأمر بالضدّين قبيح ، فلا يعقل صدوره من الشارع.

وفيه : ما تقرّر في الأصول من أنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي حرمة ضدّه الخاصّ ولا بطلانه إذا كان عبادة ، فراجع.

هذا إذا تمكّن من الوفاء بالنذر بإعادة غسل الوجه ، وأمّا لو تعذّر عليه ذلك لضيق الوقت أو لتعيّن زمان النذر ، فلا خفاء في صحّة الوضوء وإن قلنا بالاقتضاء ، كما لا يخفى وجهه.

ولا فرق في صحّة الوضوء بين ما لو بنى من أوّل الأمر على مخالفة النذر ونوى بفعله امتثال الأمر الأصلي في ضمن فرد غير متتابع ، وبين ما لو قصد أوّلا إتيان الفرد المتتابع وفاء بالنذر ، لأنّ قصد امتثال الأمر بالكلّي

٣٧

في ضمن فرد خاصّ لا يعيّنه في مقام الامتثال ، فلو بدا له في الأثناء وترك بعض الخصوصيّات الموجبة لفضيلة الفرد وإن كانت مقصودة في أوّل العمل لا يقدح ذلك في امتثال الأمر بالطبيعة الغير المقيّدة بهذه الخصوصية ، كما هو ظاهر. وأمّا قصد وقوعه وفاء للنذر فليس في عرض قصد امتثال الأمر الأصلي حتى يعارضه ، ويقال : ما نواه لم يقع ، وما وقع لم ينوه ، لأنّ قصد امتثال أمره الأصلي مأخوذ في متعلّق النذر ، فقصد إيجاد الفرد وفاء بالنذر مشتمل على قصد امتثال الأمر الأصلي أيضا ، والله العالم.

المسألة (الثالثة : الفرض في الغسلات) أي : غسل كلّ عضو بتمامه (مرّة واحدة) ولو بغرفات متعدّدة بلا خلاف ولا إشكال ، كما في طهارة شيخنا المرتضى (١) رحمه‌الله ، للكتاب والسنّة المتواترة معنى. (و) أمّا المرّة (الثانية) فالأقوى ـ كما عن المشهور (٢) ، بل عن غير واحد من قدماء أصحابنا دعوى الإجماع عليه (٣) ـ أنّها (سنّة) للأخبار المستفيضة :

منها : ما في صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام «الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يؤجر» (٤).

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٣٧.

(٢) نسبه إليه البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ٣١٩.

(٣) انظر : جواهر الكلام ٢ : ٢٦٦.

(٤) التهذيب ١ : ٨٠ ـ ٨١ ـ ٢١٠ ، الإستبصار ١ : ٧٠ ـ ٢١٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

٣٨

وفي الصحيح عن صفوان (١) ومعاوية بن وهب (٢) مثله.

وفي موثّقة يونس «لمن جاء من الغائط أو بال يغسل ذكره ويذهب الغائط ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين» (٣).

وفي مرسلة مؤمن الطاق «فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس اثنتين اثنتين» (٤).

وفي مرسلة عمرو بن أبي المقدام «إنّي لأعجب ممّن يرغب أن يتوضّأ اثنتين اثنتين وقد توضّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتين اثنتين» (٥).

وفي خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال في كتاب إلى المأمون : «إنّ الوضوء مرّة فريضة واثنتان إسباغ» (٦).

وفي كتابة القائم عجّل الله فرجه إلى العريضي «الوضوء كما أمر به :غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرّجلين واحد ، واثنان إسباغ الوضوء ، وإن زاد أثم» (٧).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨٠ ـ ٢٠٩ ، الإستبصار ١ : ٧٠ ـ ٢١٤ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢٩.

(٢) التهذيب ١ : ٨٠ ـ ٢٠٨ ، الإستبصار ١ : ٧٠ ـ ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢٨.

(٣) التهذيب ١ : ٤٧ ـ ١٣٤ ، الإستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٥١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥ ـ ٧٧ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥ ـ ٨٠ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٦.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٧ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢٣.

(٧) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر الحديثيّة ، وأورده النراقي في مستند الشيعة ٢ : ١٨٣.

٣٩

وفي الوسائل عن إرشاد المفيد أنّ علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام يسأله عن الوضوء ، فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلّل شعر لحيتك وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كلّه وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره» فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب بما رسم له أبو الحسن عليه‌السلام فيه ممّا جميع العصابة على خلافه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال وأنا أمتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ويخالف ما عليه جميع الشيعة ، امتثالا لأمر أبي الحسن عليه‌السلام ، وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد وقيل : إنّه رافضي ، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر ، فلمّا نظر إلى وضوئه ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه‌السلام «ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين توضّأ كما أمرك الله تعالى ، اغسل وجهك مرّة فريضة ، واخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنّا نخاف منه عليك ، والسلام» (١).

وعن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي في كتاب الرجال بسنده فيه عن داود الرقّي ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٩.

٤٠