مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

صورة الشكّ ـ إمّا لا ينعقد له ظهور في إرادة نفي البأس بالنسبة إلى حكم الشاكّ ، أو ليس بحيث يكافئ ظهور الصدر ، فلعلّ المراد من قوله عليه‌السلام :«إن علم أنّ الماء لا يدخله فليخرجه» أنّه إن علم أنّه ليس بحيث يدخله الماء على وجه لا يبقى معه الشكّ فليخرجه ، يعنى أنّه إن كان له شأنيّة أن لا يدخله الماء فليخرجه ، فتأمّل.

وقد يقال في تقريب أظهريّة الصدر وتقدّمه على ظهور الذيل : إنّ دلالة الصدر بالمنطوق ، والذيل بالمفهوم ، والأوّل أقوى ، وإنّ الأوّل نصّ في حكم الشاكّ ، والثاني ظاهر ، حيث إنّه يعمّ الشاكّ والعالم بعدم المانعيّة ، فيخصّص بغير الشاكّ.

وفيهما : أنّ السؤال في الصدر والذيل إنّما هو عن حكم الشاكّ ، فلا يجوز إخراج المورد من موضوع الجواب ، وحمله مفهوما ومنطوقا على حكم أجنبي ، فالذيل كالصدر نصّ في شمول الحكم للشاكّ.

فالأولى ما ذكرنا من أنّ ارتكاب التأويل في الذيل ـ على ما تقتضيه القرائن الداخليّة والخارجيّة ـ أهون من التصرّف في الصدر ، والله العالم. (وإن كان) ما في يده من الخاتم ونحوه (واسعا) بحيث يعلم وصول الماء إلى ما تحته بدون علاج ، لا يجب عليه شي‌ء ، لحصول المقصود ، ولكنّه (يستحبّ تحريكه).

وعن المعتبر نسبته إلى مذهب فقهائنا ، معلّلا له بالاستظهار (١).

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٢٩١ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٦١.

٦١

وقد يناقش في التعليل بأنّه إن حصل له القطع بالوصول ، لم يبق محلّ للاحتياط ، لأنّه فرع الاحتمال ، وإن لم يحصل له القطع ، يجب ، إلّا أن يقال : إنّ الاستظهار حكمة لتشريع الحكم ، لا أنّه علّة لنفس الفعل ، أو يقال : إنّ المستحبّ إنّما هو غسله بالتحريك حتى لا يبقى مجال للشكّ الطارئ في أثناء العمل ، الموجب لكلفة إعادة الفعل ، أو لتزلزل النفس ، لا أنّه يستحبّ التحريك بعد القطع بحصول الغسل.

ويدلّ على الاستحباب ـ مضافا إلى ما ذكر من الاستظهار ـ رواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الخاتم إذا اغتسلت ، قال : «حوّله من مكانه» وقال : «في الوضوء تديره ، فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» (١) بحملها ـ بقرينة نفي الإعادة ـ على الخاتم الواسع.

ويحتمل قويّا أن يكون نفي الإعادة من جهة كون الشكّ بعد الفراغ وإن كان في شمول القاعدة لمثل الفرض كلام سيجي‌ء التعرّض لتحقيقه إن شاء الله.

ولعلّ احتمال إرادة الاستحباب من الرواية وكونه منسوبا إلى مذهب فقهائنا يكفي في إثبات استحبابه مسامحة.

تكملة : لو شكّ في أصل وجود الحاجب لا في حاجبيّة الموجود ، لا يجب عليه الفحص ، بل لا يعتدّ بشكّه ويبني على عدمه ، للأصل ، بل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ ـ ١٤ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

٦٢

عن بعض (١) دعوى الإجماع عليه.

وقد ادّعى شيخنا الأكبر قدس‌سره في جواهره (٢) استمرار السيرة ـ التي يقطع فيها برأي المعصوم ـ على أنّه لا يجب على المتوضّئ والمغتسل الفحص عن الحواجب مع قيام الاحتمال ، كما هو الغالب ، إذ قلّما يحصل القطع للمكلّف بخلوّ بدنه عن دم البرغوث والبقّ وغيره من الحواجب مع أنّ الفحص عنه غير معهود من المتشرّعة ، بل لو صدر من أحد منهم ذلك ، ينسب إلى الوسواس.

ودعوى أنّ عدم اعتناء المتشرّعة بهذا الاحتمال غالبا إنّما هو لغفلتهم عن احتمال وجوده أو لاطمئنانهم بعدمه ، مدفوعة : بأنّ غفلتهم مسبّبة عن عدم اعتنائهم بالاحتمال ، كغفلتهم عن احتمال إرادة المجاز في مباحث الألفاظ ، المسبّبة عن عدم الاعتناء باحتمال القرينة.

ودعوى اطمئنانهم بعدمه غالبا ، مجازفة ، بل الغالب أنّا نراهم بحيث لو سألناهم عن خلوّ بدنهم عن مثل دم البرغوث وغيره ، لوجدناهم شاكّين.

وبما ذكرنا ظهر لك فساد ما قد يتوهّم من التفصيل بين ما إذا لم يكن لشكّه منشؤ عقلائي ، كما إذا احتمل ابتداء وجود مانع في بدنه من دون مباشرته لشي‌ء يحتمل لصوقه ببدنه ، وبين ما إذا كان لشكّه منشؤ عقلائي ، كما إذا باشر ما يغلب لصوقه ، كالشمع والقير وغيرهما.

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٤١.

(٢) جواهر الكلام ٢ : ٢٨٨.

٦٣

توضيح الفساد : أنّا نجد المكلّفين ربما يتعذّر عليهم النوم من أوّل الليل إلى الصبح من أذى البقّ والبرغوث ، ومع ذلك لا يتفحّصون عن دمهما عند إرادة الغسل والوضوء.

وتوهّم أنّ احتمال مانعيّتهما من وصول الماء لعلّه احتمال غير عقلائي ، مدفوع : بأنّا نجدهم لو علموا بوجود دمهما في موضع مخصوص ، لا يغتسلون إلّا بعد إزالتهما.

نعم ، في مثل احتمال لصوق الشمع والقير ونحوهما ممّا يظنّ بلصوق شي‌ء منه بالبدن حين المباشرة ويندر ابتلاء المكلّف به ربما يلتزمون بالفحص في مظانّ لصوقه من باب حسن الاحتياط لا غير ، كما يظهر وجهه عند ضيق الوقت وغيره من موارد الضرورة.

فالإنصاف أنّ دعوى السيرة في محلّها ، إلّا أنّه لا اختصاص لها بالمتشرّعة ، ولا خصوصيّة لها بالمقام ، بل هي سارية جارية في كلّ محتمل الوجود لدى جميع العقلاء بمعنى أنّ العقلاء بأسرهم استقرّت طريقتهم على ترك الاعتناء باحتمال وجود ما لوجوده أثر في رفع اليد عمّا كانوا عليه في أمور معاشهم ومعادهم.

ولأجل هذا الأمر المغروس في أذهانهم لا يعتنون باحتمال وجود المانع فيما نحن فيه ، وكذا لا يعتنون باحتمال وجود القرينة في رفع اليد عمّا يقتضيه ظاهر القول والفعل ، لا أنّ للمتشرّعة في خصوص ما نحن فيه وللعقلاء في خصوص مباحث الألفاظ قاعدة تعبّديّة واصلة إليهم من أسلافهم ، كما يشهد به صريح الوجدان ، وقد أوضحناه في الأصول بما لا

٦٤

مزيد عليه ، وحقّقنا فيه أنّ مقتضاه حجّيّة الاستصحاب فيما عدا الشكّ في المقتضي من باب بناء العقلاء ، والأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ كلّها منزّلة عليه ، وأثبتنا فيه أنّ مقتضاه لزوم ترتيب الأحكام المترتّبة على نفس المستصحب بنظر العرف ، لا الأحكام المترتّبة على ما هو من لوازم عدم الرافع في الواقع ، بمعنى أنّه لا يقتضي حجّيّة الأصول المثبتة بل يقتضي عدمها ، فلذا حكمنا فيما لو شكّ في حاجبيّة الخاتم بوجوب الإيصال ، لقاعدة الشغل واستصحاب الحدث ما لم يقطع بزواله.

والفرق بينه وبين الشكّ في أصل المانع بعينه هو الفرق بين الشكّ في وجود القرينة والشكّ في قرينيّة ما احتفّ بالكلام ، وليس الشكّ في مانعيّة الموجود مطلقا من هذا القبيل ، فإنّ الشكّ في ناقضيّة المذي من قبيل الشكّ في قرينيّة القرينة المنفصلة.

ولا بأس بتوضيح المقام بالتكلّم في وجه حجّيّة الاستصحاب ، وبيان مقدار دلالة دليله حتى يرتفع به غشاوة الأوهام ، فإنّه من المهامّ.

فأقول وبالله الاستعانة : إذا راجعت أهل العرف وتتبّعت في طريقة العقلاء ، لوجدتهم لا يعتنون باحتمال وجود ما يقتضي خلاف ما بأيديهم من العمل الذي يعملونه بمقتضى أغراضهم العقلائيّة ، ويزعمون أنّ الاعتناء بالشكّ في ترك ما بأيديهم من العمل نقض لليقين بالمحتمل.

ألا ترى أنّ من قلّد مجتهدا لا يرفع اليد عن تقليده بمجرّد احتمال موت المجتهد ، وكذا أرباب الملل لا يعتنون باحتمال نسخ دينهم أو نسخ حكم خاصّ في شريعتهم ما لم يثبت لديهم نسخه ، ومن كان وكيلا عن

٦٥

شخص غائب قائما مقامه في دكّانه ملتزما بالقيام بالوظائف التي كانت عليه ـ كالإنفاق على زوجته وأولاده وحفظ أمواله ـ لا يعتزل عن عمله ما لم يعلم بموت موكّله ، بل لا يعهد عن عاقل رفع اليد عن شي‌ء من هذه الأمور بمجرّد الاحتمال ، بل لا يعملون بالظنّ أيضا ما لم يكن من طريق عقلائي معتبر ، كإخبار الثقة ونحوه.

وكذا العبد المأمور بعمل مدّة حياة مولاه ليس له رفع اليد عن عمله المأمور به بمجرّد احتمال موت المولى ، أو عتقه ، أو فسخ عزمه ، أو غير ذلك من روافع التكليف ، بل لو تركه متعذّرا باحتمال موت المولى أو فسخ عزمه ، يعدّ عند العقلاء مثل هذا العبد سفيها.

هذا إذا احتمل رفع الحكم الثابت ، وأمّا لو احتمل ابتداء صدور حكم من مولاه ، أو ثبوت شي‌ء يترتّب عليه حكم مولوي ، لا يجب عليه الالتفات إليه بحكم العرف وشهادة العقلاء ، وهذا هو الذي نسمّيه في الشرعيّات بالبراءة الأصليّة.

والوجه في ذلك كلّه ليس إلّا بناء العقلاء على عدم اعتدادهم بالشكّ أصلا ، وعدم ترتيب أثر الوجود على شي‌ء إلّا بعد إحراز موضوعه ، ولذا لو سئلوا عن علّة بقائهم على ما كانوا عليه ، يعلّلون بعدم ثبوت خلافه.

فما يتوهّم من أنّ عمل العقلاء بالاستصحاب لأجل إفادته الظنّ بالبقاء ، مدفوع أوّلا : بأنّا نجد من أنفسنا أنّ علّة البقاء أوّلا وبالذات ليس إلّا عدم الاعتداد بالشكّ.

وثانيا : بما ذكرنا من أنّ العقلاء نراهم يعلّلون بقاءهم على ما كانوا

٦٦

عليه : بعدم ثبوت خلافه ، لا بظنّ بقائه.

وثالثا : بأنّ العمل بالظنّ في حدّ ذاته عند العقلاء من المنكرات ، كما يفصح عن ذلك الآيات الناهية عن العمل بالظنّ ، مثل قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) (١) فإنّه بحسب الظاهر تعيير على العاملين بالظنّ ، فلو لم يكن العمل بالظنّ من المنكرات لدى العقلاء ، لما كان للتعيير به وجه.

وأمّا ما نرى من أنّهم يعملون بظواهر الألفاظ وقول الثقة وغيرهما من الأمارات التي لا تفيد إلّا الظنّ فوجهه أيضا ليس إلّا عدم الاعتناء باحتمال قرينة المجاز وكذب الثقة ، لا الاتّكال على الظنّ الحاصل من الأمارة من حيث كونه ظنّا ، ولذا لا يعدّ العامل بمثل هذه الأمور لديهم عاملا بالظنّ ، بل يزعمونه آخذا باليقين بنحو من المسامحة والاعتبار.

والحاصل : أنّ الجري على ما تقتضيه الحالة السابقة في جميع الموارد التي تقدّمت الإشارة إليها على ما يشهد به الوجدان ليس إلّا لأجل عدم الاعتداد بالشكّ.

نعم ، في موارد احتمال صدور حكم مولوي أو ثبوت حكم شرعي ، العقل أيضا مستقلّ بقبح العقاب من دون برهان ، إلّا أنّ العبد يتركه أوّلا وبالذات بمحض طبعه اعتمادا على عدم الثبوت من دون التفاته إلى هذه القضيّة العقليّة.

ومن يزعم أنّ الاستصحاب ليس حجّة لدى العقلاء ، وأنّ جواز

__________________

(١) سورة النجم ٥٣ : ٢٨.

٦٧

الترك في هذه الصورة إنّما هو لحكومة العقل بقبح العقاب بلا بيان ، يلزمه الترخيص في ترك الفعل المأمور به بمجرّد الشكّ في زوال التكليف بعروض ما يقتضي رفعه ، كموت المولى ، أو فسخ عزمه ، أو حصول غايته أو غيرها من الروافع ، وهو كما ترى.

واعترض على ما ادّعيناه من اعتبار الاستصحاب وحجّيّته لدى العقلاء : بالنقض بأنّ التجّار لا يرسلون البضائع إلى شريكهم لو شكّوا في حياته ، ولا يجعلونه وصيّا في الأموال أو قيّما على الأطفال ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تحصى.

وفيه : أنّ الاعتناء بالشكّ في هذه الموارد إنّما هو من باب مراعاة الاحتياط ، والتحرّز عن الضرر المحتمل.

ألا ترى أنّه لو أخبره ثقة عدل بل ثقات عدول ولم يطمئنّ بحياته وعدم ضياع أمواله ، لا يعتني بقولهم. وكذا لو قال لشريكه : أعط كلّ فقير من أهل بلدك درهما وعليّ أداؤه ، واحتمل الشريك إرادة بعض الفقراء لا جميعهم ، وعلم من حاله أنّه لا يؤدّي إلّا ما قصده في الواقع ، لا يعمل بأصالة العموم وعدم قرينة المجاز.

وهذا لا ينافي حجّيّة أصالة العموم وعدم القرينة ، وكذا إخبار الثقة ، لأنّ أثر الحجّيّة إنّما يظهر فيما لا يمكنهم فيه التخطّي على تقدير الحجّيّة ، كما هو الشأن في أحكام الموالي بالنسبة إلى عبيدهم ، لا في مثل هذه الأمور التي يحسن فيها الاحتياط لدى العقلاء ما لم ينكشف الواقع انكشافا جزميّا ، كما هو ظاهر.

٦٨

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مقتضى ما ذكرنا إنّما هو حجّيّة الاستصحاب لدى العقلاء فيما عدا الشكّ في المقتضي ، وأمّا فيه فمقتضاه عدم الحجّيّة ، لأنّ مآل كلامنا إلى دعوى أنّ العقلاء لا يرتّبون الأثر على مشكوك الوجود أصلا ، فلو كان المشكوك مؤثّرا في زوال شي‌ء ، فمقتضى عدم الاعتناء بالشكّ : ترتيب آثار الموضوع الذي يشكّ في زواله.

وأمّا إذا تعلّق الشكّ أوّلا وبالذات بنفس الموضوع ، كما هو الشأن في الشكّ في المقتضي ، فمقتضى عدم الاعتناء بالشكّ : عدم الالتفات إلى وجوده في الزمان الثاني ، لأنّ وجوده في الزمان الثاني أيضا ممّا لا بدّ من إحرازه في مقام ترتيب الأثر عليه ، وليس وجوده السابق طريقا لإثبات وجوده في زمان الشكّ.

مثلا : إذا علم العبد أنّ المولى أوجب عليه إكرام زيد ، وشكّ بعد مضيّ الزمان الأوّل في بقاء الوجوب ، فإن كان شكّه ناشئا عن حصول غايته أو رافعه ، لا يعتني باحتمال وجود المشكوك ، فيمضي على ما كان عليه من إكرام زيد ، وأمّا إن كان مسبّبا عن زوال وصف يحتمل مدخليّته في الحكم ، كما إذا كان «زيد» في الصبح ضيفا ، فأوجب إكرامه ، وشكّ العبد ـ بعد خروجه من دار المولى وتبدّل عنوان ضيفيّته ـ هل يجب عليه إكرامه أم لا؟ ففي هذه الصورة ليس للعبد أن يشتغل بخدمة «زيد» امتثالا لأمر المولى ، حيث إنّ أمر المولى بالنسبة إلى الزمان الثاني نفس وجوده أوّلا وبالذات متعلّق الشكّ.

وهذا بخلاف الفرض الأوّل ، فإنّ الشكّ فيه إنّما تعلّق أوّلا وبالذات

٦٩

بوجود ما يزيله ، فوجوب الإكرام في هذا الفرض حيث إنّ له وجودا تقديريّا كأنّه أمر محقّق بالفعل ، وبهذه الملاحظة يطلق عرفا على رفع اليد عنه بملاحظة الشكّ الطارئ أنّه نقض لليقين بالشكّ.

ونظيره في مباحث الألفاظ : لو أمر المولى عبده بشي‌ء وشكّ في مراده ، فإن كان منشؤ شكّه احتمال إرادة معنى مجازي اتّكالا على قرينة منفصلة ، لا يعتدّ بالمشكوك ، فيبني على ما يقينه بصدور الخطاب الدالّ على ما يقتضيه اللفظ بحسب وضعه.

وأمّا لو كان منشؤ شكّه احتفاف نفس الخطاب بما يصلح أن يكون قرينة ، فليس له أن يرفع اليد عن الحالة التي كان عليها قبل صدور الخطاب ، حيث إنّ احتفافه بذلك يجعل مفاده مشكوكا ، فلا يعتني به.

وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ الشكّ في حاجبيّة الموجود من هذا الباب من دون فرق بين أن يكون ما يشكّ في حاجبيّته من قبيل الخاتم الضيّق أو من قبيل الجسم الرقيق الملتصق بالبدن ، الذي يشكّ في مانعيّته من نفوذ الماء لرقّته ، لا لعدم لصوقه ، فمقتضى القاعدة في مثل المقام :استصحاب الحدث لا غير.

وليعلم أنّ مقتضى ما ذكرنا من عدم اعتداد العقلاء بالشكّ في رفع اليد عن الأمر الثابت : عدم جواز ترتيب أثر المقتضي ـ بالفتح ـ بمجرّد إحراز مقتضية مع الشكّ في وجود ما يمنعه من التأثير ، كما لو علم أنّ زيدا شرب سمّا أو أصابه سهم قاتل واحتمل عدم تأثيره في مزاجه ، لبعض الموانع من التأثير ، فإنّه لا يكفي ذلك في ترتيب آثار قتل «زيد»

٧٠

من القصاص ، وأخذ الدية ، وتقسيم تركته ، وغيرها.

وكذا مقتضاه عدم جواز ترتيب الآثار المرتّبة على موضوع جديد ملزوم لبقاء المستصحب في الواقع ، كطول لحيته على تقدير حياته ، فإنّه لا يعتدّ باحتمال وجود هذا الموضوع حتى يترتّب عليه آثاره ، كاحتمال حصول المقتضى ـ بالفتح ـ في الفرض السابق.

وكون الشكّ في حصول المقتضي ووجود هذا الموضوع الجديد مسبّبا عن الشكّ في وجود المانع والرافع لا يجدي في إثبات الموضوع الذي أنيط به الحكم ، إذ ليس معنى أصالة عدم المانع أو الرافع ـ على ما عرفت ـ إلّا أنّ العقلاء لا يعتنون باحتمال وجوده في رفع اليد عمّا كانوا عليه ، لا أنّهم يلتفتون إليه ويبنون على عدمه في الواقع حتى يكون الشكّ في المانع طريقا عقلائيّا لإحراز عدمه الواقعي فيترتّب عليه آثاره ولوازمه ، كثبوت المقتضي ووجود الملزوم.

نعم ، لو كان المقتضي بنظرهم شديد الاقتضاء بحيث يكون مجرّد إحرازه كإحراز نفس المقتضى بحيث لا يلتفت الذهن حال الشكّ إلّا إلى احتمال وجود المانع لا عدم وجود المقتضي ، أو كانت الواسطة ـ التي يترتّب عليها الحكم الذي يراد ترتيبه بالاستصحاب ـ من الوسائط الخفيّة التي لا يلتفت العرف في مقام ترتيب الأثر إليها ، بل يرون الأثر أثرا لنفس المستصحب ، فالظاهر اعتبار أصالة عدم المانع والرافع في مثل هذه الموارد ، بل ربّما يساعد عليه الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ ، فإنّ المراد من اليقين فيها ـ بحسب الظاهر ـ هو اليقين التقديري الذي يعمّ مثل

٧١

الفرض ، نظير قول القائل : رفعت اليد عن يقيني بقول فلان.

وكيف كان ، فقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ مفاد أخبار الاستصحاب ليس إلّا الإمضاء لطريقة العقلاء ، بل المتأمّل في نفس تلك الأخبار لا يكاد يرتاب في ذلك ، فلو لم يحصل له وثوق بما ادّعيناه من استقرار طريقة العقلاء على عدم الاعتناء بالشكّ في الرافع ، فليجعل الإخبار كاشفة عن طريقتهم ، وقد أوضحنا ذلك في الأصول مستشهدين بقرائن كثيرة داخليّة وخارجيّة ، من أراده فليراجع ما علّقناه على ما صنّفه شيخنا المرتضى رحمه‌الله في مبحث الاستصحاب ، والله العالم.

المسألة (الخامسة : من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر) جمع جبيرة.

وهي في الأصل ـ كما في الحدائق (١) ـ تقال للعيدان والخرقة التي تشدّ على العظام المكسورة.

والظاهر من كلام الفقهاء إطلاقها على ما يشدّ على القروح والجروح أيضا.

وفي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله بعد أن حكى عن شارح الدروس أنّ الفقهاء يطلقونها على ما يعمّ الألواح المشدودة على العضو المكسور وما يشدّ به القروح والجروح ، قال : ولا يبعد أن يراد بها هنا الأعمّ منها ومن كلّ ما يجعل على المكسور أو المجروح أو المقروح شدّا أو لطوخا أو ضمادا ، ولم أعثر في الأخبار على استعمالها في غير الكسر ، فالتعدّي

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ : ٣٧٧.

٧٢

عنه في موارد مخالفة الأصل يحتاج إلى تتبّع دليل له (١). انتهى.

وكيف كان ، فلا شبهة في أنّه إن كان على أعضاء طهارته جبائر أو غيرها من الحواجب مطلقا (فإن) كانت في محلّ المسح و (أمكنه) إزالتها والمسح على البشرة ، أو كانت في مواضع الغسل وأمكنه إيصال الماء إلى محلّها على وجه يتحقّق معه غسل البشرة إمّا بـ (نزعها أو تكرار الماء عليها) أو غمس العضو في الماء (حتى يصل البشرة) أو غير ذلك من أنحاء المعالجات ، (وجب) عليه ذلك ما لم يتضرّر أو يشقّ عليه ذلك ، وإلّا فهو معذور ، وسيتّضح حكمه إن شاء الله.

وقد ظهر لك في المسألة السابقة أنّ مجرّد إيصال الماء إلى المحلّ يجزئ في حصول غسله ، ولا يعتبر فيه الجريان بالفعل ، وأنّ اعتبار الجريان في مفهوم الغسل إنّما هو في مقابل إيصال البلل بمسّ اليد الرطبة للمحلّ على نحو الوضع أو الإمرار ، وإلّا فلا إشكال في كفاية مجرّد استيلاء الماء على العضو من دون إجراء ، كما في الغمس ، أو وضع قطرة من الماء على جزء من العضو بحيث لا يتحرّك عنه.

وربّما يؤيّده الموثّق في من انكسر ساعده ولا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذا جبر ، قال عليه‌السلام : «يضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده وقد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه» (٢).

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٤٢ ، وانظر : مشارق الشموس : ١٤٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٦ ـ ١٣٥٤ ، الإستبصار ١ : ٧٨ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

٧٣

فعلى هذا لا ينبغي الارتياب في أنّه مخيّر بين أنحاء الإيصال.

فما يوهمه بعض العبائر من عدم كفاية إيصال الماء بالتكرار ونحوه إلّا إذا تعذّر نزعها ، نظرا إلى عدم حصول الجريان المعتبر في مفهوم الغسل ، ضعيف.

هذا ، إذا أمكنه الإتيان بما وجب عليه من المسح والغسل من دون أن يشقّ عليه ذلك في العادة أو يتضرّر به (وإلّا أجزأه المسح عليها) أي على الجبيرة وما بحكمها ، أعني ما يوضع على العضو المجروح والمقروح شدّا أو لطوخا أو ضمادا بشرط لصوقها بالعضو وصيرورتها كظاهر البشرة بنحو من الاعتبار بنظر العرف ، وإلّا فسيجي‌ء حكمه إن شاء الله.

وأمّا كفاية المسح عليها عن غسل محلّها أو مسحه في الفرض فممّا لا خلاف فيه ظاهرا.

ويدلّ عليه حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة فيتوضّأ ويمسح عليها إذا توضّأ ، فقال عليه‌السلام : «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها» قال :وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال : «اغسل ما حوله» (١).

وفي رواية كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا كان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ـ ١٠٩٥ ، الإستبصار ١ :٧٧ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

٧٤

كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : «إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ» (١).

وعن تفسير العياشي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : «سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها؟وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال : يجزئه المسح عليها في الجنابة والوضوء ، قلت : فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟ فقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢)» (٣).

ورواية ابن عيسى عن الوشّاء عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الدواء يكون على يدي الرجل أيجزئه أن يمسح في الوضوء على الدواء المطليّ عليه؟ قال : «نعم يجزئه أن يمسح عليه» (٤).

ورواية عبد الأعلى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال عليه‌السلام :«يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٥) امسح عليه» (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٨.

(٢) سورة النساء ٤ : ٢٩.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٩.

(٥) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٦) التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٧ ، الإستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

٧٥

وهذه الأخبار بأسرها تدلّ على وجوب مسح الجبيرة وما بحكمها ، أعني الخرقة التي يشدّ بها القرحة ونحوها والدواء المطليّ عليها.

وأمّا القروح والجروح المجرّدة عن الدواء أو ما هو بمنزلته ، وكذا الكسر المجرّد عن الجبيرة إذا فرض تضرّره بالغسل ، فلا يكاد يستفاد حكمها من هذه الأخبار عدا ما يستفاد من ذيل حسنة الحلبي ، السابقة (١) ، كما سيجي‌ء تقريبه.

فالقول بوجوب وضع خرقة أجنبيّة على الموضع المكسور والمجروح والمقروح والمسح عليها نيابة عن محلّها ، استنادا إلى وجوب المسح ، المستفاد من هذه الأخبار ، ضعيف ، لأنّ مورد هذه الأخبار إنّما هو فيما إذا كان الشي‌ء الموضوع على العضو له نحو تعلّق وارتباط بالعضو بحيث لا يعدّ غسله أجنبيّا عن غسل محلّه.

ولعلّ وجهه كونه من مراتبه الميسورة ، كما يساعد عليه العرف ، بل لعلّه يمكن استفادته من بعض الأخبار ، وربما يستشمّ ذلك من بعض أسئلة السائلين ، فإلحاق الخرقة الأجنبيّة به يحتاج إلى دليل ، كما لا يخفى.

ولا يعارض هذه الأخبار صحيحة ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الكسير تكون به الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال عليه‌السلام : يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك ممّا

__________________

(١) في ص ٧٤.

٧٦

لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته» (١) لأنّ مفادها عدم وجوب غسل ما لا يستطيع غسله من البشرة ، وأمّا عدم وجوب المسح على الجبيرة والخرقة الملتصقة بالجراحة على تقدير كونها معصّبة بها فلا يستفاد منها إلّا من حيث السكوت في مقام البيان ، وهو لا يقاوم ظهور الأخبار المتقدّمة في وجوب المسح عليها ، فيجب تقييدها بتلك الأخبار.

فما استجوده صاحب المدارك من حمل تلك الأخبار على الاستحباب لو لا الإجماع على خلافه (٢) ، ضعيف.

وأضعف من ذلك : ما يتوهّم من معارضة تلك الأخبار برواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال : «يغسل ما حوله» (٣) وما في ذيل حسنة الحلبي ، المتقدّمة (٤) ، قال : وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال عليه‌السلام :«اغسل ما حوله» لأنّ السؤال فيهما بحسب الظاهر إنّما هو عن حكم الجرح المجرّد ، وقد عرفت خروجه من موضوع الأخبار المتقدّمة ، فلا معارضة أصلا.

وربّما يتوهّم معارضة مجموع الأخبار المتقدّمة بإطلاقات الأخبار

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ـ ١٠٩٤ ، الإستبصار ١ : ٧٧ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٤) في ص ٧٤.

٧٧

الكثيرة الآمرة بالتيمّم :

كصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في رجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه البرد ، فقال :«لا يغتسل ويتيمّم» (١).

ومثلها رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وكصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : «لا بأس بأن لا يغتسل ، يتيمّم» (٣).

ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه‌السلام «المبطون والكسير يؤمّمان (٤) ولا يغتسلان» (٥).

وكحسنة ابن أبي عمير عن محمد بن مسكين (٦) وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قيل له : إنّ فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسّلوه فمات ، فقال : «قتلوه ألا سألوا؟ ألا يمّموه؟ إنّ شفاء العيّ السؤال» (٧).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٦ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ٧.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ٥٣١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ٨.

(٣) الفقيه ١ : ٥٨ ـ ٢١٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ١١ ، وفيهما «.. لا بأس بأن يتيمّم ولا يغتسل».

(٤) في هامش الطبعة الحجريّة : الظاهر : «يتيمّمان».

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ ـ ٢١٧ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ١٢ ، وفيهما «.. ولا يغسلان».

(٦) في المصادر : سكين.

(٧) الكافي ٣ : ٦٨ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ١.

٧٨

وعن مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن ابن أبي عمير مثله ، إلّا أنّه قال : «قيل : يا رسول الله» (١) وذكر الحديث.

وكرواية جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له أنّ رجلا أصابته جنابة على جرح كان به ، فأمر بالغسل ، فاغتسل فكزّ (٢) فمات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتلوه قتلهم الله ، إنّما كان دواء العيّ السؤال» (٣).

وكموثّقة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة ، قال : «يتيمّم» (٤).

وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :«يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته جنابة» (٥).

وقد ذكروا للجمع بين الأخبار وجوها ، كحمل أخبار التيمّم على غير ذي الجبيرة ، وحمل ما عداها على ذي الجبيرة ، أو حمل أخبار التيمّم على المستوعب ، وغيرها على غيره ، أو حمل أخبار التيمّم على ما لا يمكن مسحه أو مسح خرقة تشدّ عليه ، وحمل غيرها على ما يمكن ، أو حمل أخبار التيمّم على الغسل ، وغيرها على الوضوء أو غسل ذي

__________________

(١) السرائر ٣ : ٦١٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ٢.

(٢) كزّ الرجل فهو مكزوز : إذا تقبّض من البرد. الصحاح ٣ : ٨٩٣ «كزز».

(٣) الكافي ٣ : ٦٨ ـ ٤ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ٦.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ٥٣٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٦٨ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ٤.

٧٩

الجبيرة والخرقة ، كما هو مورد صحيحة (١) عبد الرحمن بن الحجّاج ، أو حمل أخبار الطرفين على التخيير ، أو حمل أخبار التيمّم على صورة التضرّر بغسل الصحيح ، وما عداها على غيرها.

وأنت خبير بما في هذه الوجوه ـ عدا الوجه الأخير ـ من الضعف ، لاستلزام كلّها إمّا طرح جلّ أخبار الطرفين ، أو ارتكاب التقييد والتخصيص الذي لا يساعد عليه دليل.

هذا ، مع ما في بعضها من مخالفة الإجماع ظاهرا.

وأمّا الوجه الأخير فهو المتعيّن للحمل ، بل هو الظاهر من نفس الأخبار بحيث لا يبقى للمتأمّل فيها مجال توهّم المعارضة بينها ، فضلا عن شهادة القرائن الخارجيّة بذلك.

توضيحه يتوقّف على تنقيح موضوع الأخبار ، فنقول : قد عرفت أنّ مفاد أخبار الجبيرة ليس إلّا أنّه يجب على من كان على بعض أعضائه جبيرة ونحوها ولم يتمكّن من إيصال الماء إلى ما تحتها أن يغسل ما عدا موضع الجبيرة ويمسح عليها بدلا من محلّها بشرط الاستطاعة وعدم خوف الضرر من استعمال الماء في غسل ما عدا موضع الجبيرة ، ولا يستفاد منها حكم ما عدا هذه الصورة أصلا.

وأمّا حكم الجرح المجرّد فإنّما يستفاد من صحيحة ابن الحجّاج وذيل حسنة الحلبي ورواية ابن سنان ، وهي أيضا لا تدلّ إلّا على وجوب

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٧٧ ، الهامش (١).

٨٠