مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (١).

وصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : «يمضي» قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : «يمضي» قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال : «يمضي على صلاته» ثمّ قال : «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره فشككت فليس بشي‌ء» (٢).

وفيه : أنّ مفاد الروايتين ـ على ما يقتضيه ظاهرهما ـ عدم الاعتناء بالشكّ في وجود شي‌ء بعد تجاوز محلّه ، لا في صحّته ، فهي قاعدة أخرى غير قاعدة الصحّة.

نعم ، يستفاد حكم ما لو شكّ في صحّة الشي‌ء السابق من هذه القاعدة أيضا إمّا بالفحوى أو بإرجاع الشكّ في وصف الصحّة إلى الشكّ في وجود الشي‌ء الصحيح.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ هذه القاعدة مخصوصة بالصلاة ، لا أنّها كقاعدة الصحّة سارية جارية في جميع أبواب الفقه ، لقصور الروايتين عن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ١.

١٨١

إثبات عمومها ، حيث إنّ سوق هذه القاعدة بعد ذكر الشكوك المتعلّقة بجملة من أجزاء الصلاة ، خصوصا في جواب سؤال السائل ، حيث سأل عن حكم الأجزاء واحدا بعد واحد يوهن ظهورها في العموم ، بل يصلح أن يكون قرينة لإرادة أجزاء الصلاة من إطلاق الشي‌ء ، بل لعلّ هذا هو المتبادر من إطلاقه في مثل المقام ، فكيف يمكن إثبات مثل هذا الأصل بمثل هذا الظاهر!؟

وكيف كان ، فإن قلنا : إنّ هذه القاعدة غير مخصوصة بالصلاة ، بل هي قاعدة عامّة مخصّصة في خصوص الوضوء بالأدلّة المتقدّمة ، يشكل رفع اليد عنها بالنسبة إلى الغسل والتيمّم ، إذ لا معارض لها ، عدا ما يتوهّم من دلالة ذيل موثّقة ابن أبي يعفور على أنّ الشكّ في أثناء العمل معتبر مطلقا.

ويدفعه : عدم كون الموثّقة في مقام بيان حكم المنطوق حتى يصحّ التمسّك بالإطلاق ، وإطلاق الحكم في الوضوء ثبت من مفهوم الصدر وغيره ، لا من إطلاق الذيل ، فالشأن إنّما هو في إثبات عموم القاعدة الثانية ، وهو في غاية الإشكال.

فالأظهر كون الغسل والتيمّم كالوضوء في الحكم المذكور ، كما هو مقتضى الأصل.

ولكنّ الإنصاف أنّ منع جريان قاعدة الصحّة في بعض موارد الشكّ في الأجزاء السابقة في الغسل لا يخلو عن مجازفة ، كما لو فرّق بين الأجزاء بفصل يعتدّ به في العرف ، كأن غسل رأسه في الصبح ثمّ شكّ في

١٨٢

الظهر عند إرادة غسل سائر جسده في أنّه أسبغ غسل رأسه في الصبح أم لا ، فإنّ الظاهر مساعدة العرف في مثل الفرض على إجراء أصالة الصحّة ، حيث إنّ التفكيك بين الأجزاء يجعل كلّ جزء بنظر العرف عملا مستقلّا ، فلو أمكن التفصيل بأن يقال : لو أتى بإجزاء الغسل متوالية كالوضوء فكالوضوء في الحكم وإلّا فكلّ جزء بنفسه موضوع مستقلّ لقاعدة الصحّة ، لكان وجيها.

وما يقتضيه الاحتياط في جميع موارد الشكّ قبل الفراغ من الغسل وكذا التيمّم ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

ولا فرق في الحكم المذكور بين الشرط والجزء ، فلو شكّ في طهارة ماء الغسلات السابقة أو إطلاقه ، أو الترتيب بين الأجزاء أو التوالي قبل الفراغ من الوضوء ، تجب إعادتها ، تحصيلا للجزم بفراغ الذمّة من الواجب المعلوم.

هذا إذا لم يكن في المقام أصل موضوعي رافع للشكّ ، كاستصحاب طهارة الماء أو إطلاقه ، وإلّا فهو المرجع ، كما هو ظاهر.

ومن هذا القبيل ما لو شكّ في عروض الحدث في أثناء الوضوء ، فإنّه لا يلتفت إليه ، لأصالة عدمه.

تنبيه : صرّح غير واحد من الأعلام في المقام ـ تبعا لما عن الحلّي في السرائر (١) ـ بأنّه لا عبرة بشكّ من كثر شكّه ، فإنّه يمضي على شكّه

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٥٨ ، وانظر : السرائر ١ : ١٠٤.

١٨٣

ويبني على صحّة عمله ، كما في الصلاة.

وفي الجواهر بعد أن حكى ذلك عن جملة من أصحابنا ، قال : بل لا أجد فيه خلافا ، كما في الصلاة (١). انتهى.

وربما استدلّ له : بأنّ اعتناءه بشكّه حرج منفيّ في الشريعة.

وفي كفايته لعموم المدّعى تأمّل.

ويدلّ عليه أيضا : ما يستفاد من الأخبار الواردة في الصلاة ، الدالّة على أنّ كثرة الشكّ من الشيطان.

مثل : صحيحة زرارة وأبي بصير ، الواردة في من كثر شكّه في الصلاة بعد أن أمر بالمضيّ في الشكّ ، قال عليه‌السلام : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه (٢) ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض الصلاة فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ» ثمّ قال : «إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (٣).

وقوله عليه‌السلام : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك ، فإنّه يوشك أن يدعك فإنّما ذلك من الشيطان» (٤).

__________________

(١) جواهر الكلام ٢ : ٣٥٨.

(٢) في «ض ١ ، ٩» والطبعة الحجريّة : «فتطيعوه» وما أثبتناه من المصادر.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ـ ٧٤٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الخلل ، الحديث ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الخلل ، الحديث ١.

١٨٤

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له :رجل مبتلى بالوضوء والصلاة ، وقلت : هو رجل عاقل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟» فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال :«سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي‌ء هو؟ فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان» (١).

وربما يظهر من بعض الأخبار أنّه يعمل ببعض الأمارات :كرواية الواسطي ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك أغسل وجهي ثمّ يدي فيشكّكني الشيطان أنّي لم أغسل ذراعي ويدي ، قال : «إذا وجدت برد الماء على ذراعيك فلا تعد» (٢).

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله بعد نقل الرواية : ويؤيّدها رفع الحرج ، ولكنّ القول بها مفقود (٣).

أقول : ولعلّ الإمام عليه‌السلام أراد بذلك حسم مادّة مرضه ، حيث إنّه عليه‌السلام علم أنّ شكّه غالبا يحصل بعد صدور الفعل منه ، كما هو الغالب في كثير الشكّ والوسواس ، فإذا رجع إلى الأمارات ووجد أمارة الغسل مرّات ، يزول مرضه.

وكيف كان ، فالمراد بكثير الشكّ بمقتضى معناه اللغوي والعرفي :كثير الاحتمال في مقام لا يحتمله غيره ، راجحا كان أم مرجوحا أم

__________________

(١) الكافي ١ : ١٢ ـ ١٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٦ ـ ١١٠٣ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) كتاب الطهارة : ١٦٢.

١٨٥

مساويا.

والعجب ممّن وجّه كون كثير الظنّ ككثير الشكّ بانصراف ما دلّ على اعتباره فيما كان من متعارفة الموافق للحاصل لأغلب الناس.

وفيه : أنّه لا دليل على اعتبار الظنّ في الوضوء حتى يدّعى انصرافه إلى المتعارف.

ودعوى الانصراف على تقدير وجود الدليل إنّما تنفع بعد إثبات أنّ المراد من الشكّ ـ الذي أخذ موضوعا للحكم المستفاد من الأدلّة المتقدّمة ـ مطلق الاحتمال الشامل للظنّ الغير المعتبر ، وإلّا فالمرجع أصالة عدم حصول الفعل في الخارج ، فالشأن إنّما هو في إثبات ذلك لا عدم حجّيّة ظنّه حتى يدّعى انصراف أدلّة الاعتبار ، كما لا يخفى.

وأعجب من ذلك : ما ذكره بعد ذلك بقوله : وأمّا كثير القطع فإن كان متعلّق قطعه الترك ، فلا يلتفت أيضا ، لنظير ما ذكر ، إلّا إذا تبيّن نشؤه ممّا يفيد القطع لصحيح المزاج ، وإن كان الفعل ، فهو معتبر إلّا إذا تبيّن نشؤه ممّا لا يفيد القطع لسليم المزاج (١).

وفيه ما لا يخفى ، لأنّ وجوب متابعة القطع إنّما هو بإلزام العقل ، فلا يعقل دعوى الانصراف في دليله.

وعلم القاطع بأنّه لم يتوضّأ عقيب الحدث أو لم يغسل يديه بعد غسل وجهه علّة تامّة لإلزام عقله بوجوب إيجاد المأمور به.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢ : ٣٥٩.

١٨٦

وليس لخصوصيّة الأشخاص وأسباب القطع مدخليّة في موضوع حكم العقل بوجوب ترتيب آثار الأمر المقطوع به ، لأنّ ملاك إلزام العقل إنّما هو إدراك الواقع ، والقطع بذاته طريق لإدراك متعلّقة ، فالقطّاع بعد أن رأى الواقع باعتقاده بحيث لا يحتمل الخطأ في حقّه في خصوص هذا المورد الشخصي يرتّب على ما أدركه جميع آثار الواقع بإلزام عقله ، ويرى منع الشارع من اتّباع قطعه مناقضا لأمره الواقعي ، وترخيصا في ارتكاب المعصية ، فلا يحتمل صدوره من الشارع الحكيم.

وأمّا ما ذكره من التفصيل بين ما إذا تبيّن أنّ قطعه نشأ ممّا يفيد القطع لصحيح المزاج دون غيره ففيه ـ مضافا إلى ما عرفت من عدم إمكان التصرّف في طريقيّه القطع ـ أنّه لا يرجع إلى محصّل ، إذ غاية الأمر أنّ القطّاع يقطع بحصول قطعه من سبب عادي أو بحصوله من سبب غير عادي ، إلّا أنّ اعتبار هذا القطع أيضا مشروط بكونه من سبب عادي وهكذا فيتسلسل.

وكيف كان ، فضعف هذا الكلام بمكان وإن صدر من غير واحد من الأعلام ، ولتمام الكلام مقام آخر ، والله مقيل العثرات. (ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث) أي لم يستيقن الحدث بعدها ، لم يعد الوضوء بلا خلاف فيه نصّا وفتوى.

نعم ، يظهر من المحكي عن شيخنا البهائي رحمه‌الله خلافه فيما لو ظنّ بالحدث حيث قال فيما حكي عن حبله المتين ـ بعد أنّ صرّح أوّلا بأنّ ما ذكروه من أنّ اليقين لا يرفعه الشكّ يرجع إلى استصحاب الحال إلى أن

١٨٧

يعلم الزوال ، فإنّ العاقل إذا التفت إلى ما يحصل بيقين ولم يعلم ولم يظنّ ما يزيله ، حصل له الظنّ ببقائه ـ ما صورته :ثمّ لا يخفى أنّ الظنّ الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لا يبقى على نهج واحد ، بل يضعف بطول المدّة شيئا فشيئا ، بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان ، بل ربما يصير الطرف الراجح مرجوحا ، كما إذا توضّأ عند الصبح مثلا وذهل عن التحفّظ ثمّ شكّ عند الغروب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت.

والحاصل : أنّ المدار على الظنّ ، فما دام باقيا فالعمل عليه وإن ضعف (١). انتهى.

ويدفعه ـ مضافا إلى عدم القول بإناطة اعتبار الاستصحاب بالظنّ الشخصي ولو من القائلين باعتباره من باب الظنّ كما تقرّر في الأصول ـ الأخبار المستفيضة :

منها : قوله عليه‌السلام في ذيل موثّقة عبد الله بن بكير : «وإيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنّك أحدثت» (٢).

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، توجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : «يا

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٥٤٦ ، وانظر : الحبل المتين : ٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ ـ ٢٦٨ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

١٨٨

زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، وإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء» قلت : فإن حرّك إلى جنبه شي‌ء ولم يعلم به؟ قال : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي‌ء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ، وإنّما ينقضه بيقين آخر» (١).

وكذا لو شكّ في الحدث في أثناء الوضوء مطلقا (أو) شكّ (في شي‌ء من أفعال الوضوء) أو الشرائط المعتبرة فيها (بعد انصرافه) عن حالة الوضوء (لم يعد) الوضوء.

أمّا الأول : فلما أشرنا إليه فيما سبق من حكومة الأصل الموضوعي ـ وهو أصالة عدم خروج أسباب الحدث ، كاستصحاب طهارة الماء وإطلاقه ـ على قاعدة الشغل واستصحاب الحدث الذي توضّأ عنه.

وأمّا الثاني : فلقاعدة الصحّة وعدم الاعتناء بالشكّ في الشي‌ء بعد الفراغ منه ، كما يدلّ عليها في خصوص المورد ـ مضافا إلى الإجماع وغيره من الأدلّة ـ الأخبار المستفيضة التي تقدّم بعضها فيما سبق.

تنبيهات :

الأوّل : هل يكفي في عدم الالتفات إلى الشكّ مجرّد الفراغ من الوضوء ،أم يعتبر انصرافه عن حال الوضوء واشتغاله بما عداه ولو حكما؟ فيه وجهان : من إناطته في صحيحة زرارة (٢) بالقيام من الوضوء

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

١٨٩

والفراغ منه ، وصيرورته في حال اخرى من صلاة وغيرها ، وكذا في موثّقة ابن أبي يعفور (١) بالدخول في غير الوضوء. ومن تعليق الاعتناء بالشكّ في ذيل الموثّقة ، المسوق لبيان ضابط الحكم بكونه في الشي‌ء الذي يشكّ فيه ، وعدم تجاوزه عنه من دون تقييده بالدخول في غيره ، فيحتمل قويّا جري القيد في صدر الموثّقة وكذا في الصحيحة مجرى العادة ، إلّا أنّه يمكن أن يقال : إنّ ترك التقييد في ذيل الموثّقة إنّما هو لجريه مجرى العادة ، إذ الغالب أنّ المتوضّي بعد فراغه من الوضوء ينتقل عن حالة إلى حالة اخرى.

ولكنّ الإنصاف أنّ ظهور الذيل في إناطة الحكم وجودا وعدما بكونه مشغولا بالعمل وفراغه منه أقوى.

ويعضده : إطلاق قوله عليه‌السلام : «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فأمضه كما هو» (٢).

وقوله عليه‌السلام في خبر بكير بن أعين في الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ :«هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٣).

بل ولعلّه يمكن استفادة ذلك من صحيحة زرارة أيضا ، حيث إنّ المنسبق إلى الذهن من قوله عليه‌السلام : «فإذا قمت من وضوئك وفرغت منه وصرت في حال اخرى» (٤) أنّ هذه الجمل المتعاطفة المترادفة عبارات

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

١٩٠

مختلفة عن المعنى الذي أنيط به الحكم ، فأوّل الوجهين أظهرهما ولكنّ الثاني أحوط.

ولا فرق في عدم الالتفات إلى المشكوك بمجرّد الفراغ بين الجزء الأخير وغيره ، إلّا أنّ إحراز الفراغ في الجزء الأخير يتوقّف على تخلّل فصل يعتدّ به بحيث تنتفي الموالاة أو دخوله في غير الوضوء ممّا هو مترتّب عليه شرعا أو عادة.

وهذا هو السرّ في تفصيل جماعة من الأساطين بين الجزء الأخير وغيره ، وإلّا فليس قولهم تفصيلا في المسألة.

ولو رأى المتوضّي نفسه فارغا من الوضوء قبل انتقاله من حاله ثمّ شكّ فيه وهو قاعد على وضوئه ، فمقتضى الأدلّة المتقدّمة : وجوب تدارك المشكوك والالتفات إلى شكّه ، لأنّ عدم الالتفات موقوف على إحراز الفراغ وهو مشكوك. ومجرّد الاعتقاد لا ينفع في ذلك ، خلافا للمحكيّ (١) عن جماعة من عدم الالتفات إلى شكّه.

ويمكن الاستدلال لهم : ببعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ ، مثل : ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من كان على يقين ثمّ شكّ فليمض على يقينه ، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» (٢) وفي رواية أخرى «من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٦٤.

(٢) الخصال : ٦١٩ ـ ١٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

١٩١

بالشكّ» (١) ، فإنّ ظاهر هاتين الروايتين : عدم جواز رفع اليد عن اليقين السابق بمجرّد زوال الاعتقاد وصيرورة المتيقّن مشكوكا ، فمفادهما : اعتبار قاعدة اليقين.

ودعوى أنّ المراد بهما أنّ الشي‌ء الذي أحرز وجوده باليقين في الزمان السابق لا يرفع اليد عنه بصيرورته مشكوكا في الزمان اللاحق ، يعني أنّه لا يرفع اليد عن الموجود السابق الذي شكّ في بقائه ، فيكون مفادهما حجّيّة الاستصحاب ، ويكون ذكر لفظ «اليقين» في القضيّة على هذا التقدير لأجل كونه طريقا محضا لإحراز متعلّقه من دون أن يكون له مدخليّة في الحكم ببقاء المتيقّن وعدم انتقاضه بالشكّ ، مدفوعة :بمخالفتها لظاهر الروايتين من وجوه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وحمل بعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ على إرادة المعنى المنطبق على الاستصحاب لبعض القرائن المحفوفة بها ، المستلزمة لارتكاب التأويل في بعض ألفاظ الرواية ، كحمل اليقين على اليقين التقديري ، أو التصرّف في متعلّقه بتجريده عن التقييد بالزمان حتى يعقل تعلّق الشكّ واليقين به ، إلى غير ذلك من التمحّلات لا يقتضي حمل الأخبار التي لا قرينة فيها عليه.

هذا ، ولكنّ الذي يوهن ظهور الروايتين : أنّ هذه القاعدة بعمومها ممّا لا يمكن الالتزام به ، إذ لا يظنّ بأحد القول بعدم الاعتناء بالشكّ في

__________________

(١) الإرشاد ـ للمفيد ـ ١ : ٣٠٢ ، مستدرك الوسائل ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

١٩٢

وجود شي‌ء بمجرّد كونه في الزمان السابق متيقّن الوجود ، فلا يبعد أن يكون المراد من الروايتين أنّه إذا شكّ في صحّة شي‌ء بعد أن كان على يقين من صحّته ، فليمض على يقينه ، لا الشكّ في أصل وجوده ، فلا يبعد الالتزام بمفادهما على هذا التقدير وإن كان أعمّ من مجرى قاعدة الصحّة ، فلو تمّت هذه القاعدة ، يكون دليلها حاكما على جميع الأدلّة المثبتة للشاكّ حكما شرعيّا ، كما لا يخفى وجهه ، فلا يعارضها ظهور الأدلّة المتقدّمة في وجوب الالتفات إلى الشكّ في المقام.

الثاني : لا فرق في جريان قاعدة الصحّة بعد الفراغ من العمل بين ما لو احتمل الإخلال بشي‌ء من أجزائه وشرائطه نسيانا أو عمدا ، لإطلاق الأخبار المتقدّمة.

ودعوى الانصراف إلى الأوّل غير مسموعة.

وأمّا لو احتمل ترك شي‌ء جهلا بأن نشأ شكّه عن الجهل بالحكم أو موضوعه ـ كما لو شكّ في أنّه غسل المرفقين من الذراعين أم لا ، لعدم علمه بوجوبه أو عدم تعيّن موضوعه لديه ـ ففيه إشكال.

ونظيره في الإشكال ما لو نشأ شكّه عن سبب سابق مقارن للعمل بحيث لو كان ملتفتا إليه حال الفعل لكان شاكّا ، كما لو قطع بأنّه لم يخلّل الحائل الذي قد يمنع من وصول الماء إلى البشرة وقد لا يمنع ، فشكّ في منعه في الوضوء الصادر منه ، أو رأى بعد الفراغ شيئا فشكّ في حاجبيّته وعدمها.

ومنشؤ الإشكال إطلاق الفتاوى وأغلب النصوص المتقدّمة ،

١٩٣

كموثّقتي سماعة (١) وموثّقة ابن أبي يعفور (٢) ، ومن اختصاص التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٣) بما عدا هاتين الصورتين ، حيث إنّ الظاهر من هذه الرواية أنّ وجه حمل العمل على الصحيح تقديم الظاهر على الأصل.

وقد علّل غير واحد من الأعلام الحكم بالصحّة في مثل المقام :بظهور الحال ، حيث إنّ العاقل الكامل لا ينصرف عن العمل إلّا بعد إكماله ، ومن المعلوم أنّه لا ظهور لفعل الجاهل والغافل المعلوم من حالهما عدم تذكّرهما حال الفعل.

ولكنّ الأظهر هو الحمل على الصحيح في جميع صور الشكّ ، لعدم انحصار وجه الحمل في ظهور الحال ، وليس مدرك الحكم منحصرا في الأدلّة اللفظيّة حتى يدّعى الانصراف ، أو يؤخذ بمفهوم العلّة على تقدير تسليم استفادة العلّيّة وانحصارها منها ، بل العمدة في حمل الأعمال الماضية الصادرة من المكلّف أو من غيره على الصحيح إنّما هي السيرة القطعيّة ، ولولاه لاختلّ نظام المعاش والمعاد ، ولم يقم للمسلمين سوق ، فضلا عن لزوم العسر والحرج المنفيّين في الشريعة ، إذ ما من أحد إلّا إذا التفت إلى إعماله الماضية من عباداته ومعاملاته إلّا ويشكّ في أكثرها لأجل الجهل بأحكامها أو اقترانها بأمور لو كان ملتفتا إليها ، لكان شاكّا ،

__________________

(١) تقدّمتا في ص ١٧٨ و ١٧٩ ، وتقدّمت الإشارة هناك إلى أنّ الروايتين عن محمد بن مسلم لا سماعة.

(٢) تقدّمت في ص ١٧٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

١٩٤

كما أنّه لو التفت إلى إعمال غيره ، يشكّ في صحّتها غالبا ، فلو بنى على الاعتناء بشكّه ، لضاق عليه العيش ، كما لا يخفى.

ولقد استدلّ بعض الأعلام في وجه حمل فعل الغير على الصحيح أيضا : بظاهر الحال (١) ، مع أنّ من الواضح عدم انحصار مدركه فيه ، وإلّا لاختصّ الحمل بفعل من عرف أحكامه دون الجاهل فضلا عن المعتقد للخلاف ، مع أنّ من المعلوم من سيرة الأئمّة عليهم‌السلام وأصحابهم أنّهم كانوا يعاملون مع العامّة في معاملاتهم وتطهيراتهم الخبثيّة معاملة الصحيح مع ابتناء مذهبهم على مباشرة أعيان بعض النجاسات وعدم التحرّز عنها ، وكذا كانوا يحملون أعمال أهل السواد الذين لا يعرفون أحكامهم الشرعيّة أصلا على الصحيح مع أنّ الظاهر من حالهم خلافه.

وإذا ثبت عدم اختصاص مجرى القاعدة بما إذا كان الظاهر من حال الفاعل إيجاده الفعل على الوجه الصحيح ، ظهر لك عدم جواز رفع اليد عن ظواهر الأخبار المطلقة بسبب التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٢) لأنّ كونه قرينة على التصرّف في سائر الأخبار فرع استفادة العلّيّة المنحصرة منه ، والمفروض أنّا علمنا من الخارج عدم الانحصار ، فالأقوى جريان القاعدة في جميع موارد الشكّ ، ولذا لم يستثن أحد من الأعلام من مجراها شيئا من هذه الصّور المشكلة.

واحتمال غفلتهم عنها مع عموم البلوى بها في غاية البعد ، والله العالم.

__________________

(١) نسبه الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٧٢١ إلى العلّامة وجماعة ممّن تأخّر عنه.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

١٩٥

الثالث : قد أشرنا فيما سبق إلى أنّه يعتبر في جريان أصل الصحّة إحراز أصل الفعل بعنوانه القابل للاتّصاف بالصحيح والفاسد ، فإذا أحرز صدور هذا المعنى ، يحمل على الصحيح ما لم يعلم خلافه ، فلو شكّ في أصل صدور الفعل أو في تتميمه ، لا يجري الأصل ، فلو دخل في الحمّام بقصد الغسل ثمّ خرج وشكّ في أنّه اغتسل في الحمّام أم غفل وترك الغسل ، أو علم أنّه أتى ببعض أجزائه ، كغسل الرأس وطرفه الأيمن ، وشكّ في الباقي ، أتى بما شكّ فيه.

وأمّا لو علم إجمالا بصدور فعل منه بعنوان الغسل بحيث لو سئل عنه ، يقول : شككت في صحّة غسلي وفساده ، لا يلتفت إلى شكّه.

ولا فرق فيما ذكرنا بين معتاد الموالاة وغيره ، لأنّ المدار على إحراز حصول الفعل بعنوانه الإجمالي لا على العادة أو ظهور الحال.

نعم ، للعادة مدخليّة في تعلّق الشكّ ابتداء بماهيّة الغسل ، القابلة للاتّصاف بالصحيح والفاسد ، وعدم ملاحظة كلّ جزء بنفسه فعلا مستقلّا شكّ في وجوده حتى لا يكون من مجاري أصل الصحّة ، فلاحظ وتأمّل.

(ومن ترك غسل موضع النجو) أي تطهيره ولو بالأحجار (أو) غسل موضع (البول وصلّى ، أعاد الصلاة) مطلقا في الوقت أو في خارجه (عامدا كان أو ناسيا) للموضوع أو الحكم (أو جاهلا) بالحكم

١٩٦

لا بالموضوع ، لكونه معذورا فيه على الأقوى ، كما سيجي‌ء في أحكام النجاسات من أنّ الجاهل بها لا يعيد صلاته مطلقا من دون فرق بين الجهل بنجاسة موضع النجو وغيره ، لعموم أدلّته ، وعدم اختصاص المقام بدليل يخصّه فيخصّص به الأدلّة العامّة النافية للإعادة ، وهذا بخلاف الناسي ، فقد ورد له في خصوص المقام أخبار مستفيضة يمكن لأجلها الالتزام بوجوب الإعادة عليه في خصوص نسيان الاستنجاء ، وعدم وجوبها فيما عداه وإن كان الأشهر بل المشهور عدم التفصيل ، والقول بالإعادة مطلقا.

وكيف كان ، فلا ريب في أنّه يجب على العامد إعادة صلاته ، لما دلّ على اشتراطها بطهارة البدن ، فتنتفي بانتفاء شرطها عقلا ، فيجب عليه إعادتها في الوقت وفي خارجه.

وكذا لا إشكال بل لا خلاف ظاهرا في أنّ الجاهل بالحكم الشرعي يعيد صلاته ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

نعم ، للمحقّق الأردبيلي (١) وأتباعه (٢) كلام في كون الجاهل بالحكم مكلّفا بالواقع.

ومحصّله : أنّ تكليف الجاهل قبيح ، فلا يكون مكلّفا بالواقع حتى يجب عليه الإعادة.

وفيه : ما تقرّر في محلّه من أنّ تخصيص الأحكام الشرعيّة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٤٢.

(٢) انظر على سبيل المثال : مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٤ و ٣٤٥.

١٩٧

بالعالمين بها غير معقول.

وفي بعض الموارد التي ثبت الاختصاص بهم ـ كمسألة الجهر والإخفات ـ لا بدّ من توجيهها.

وما يقال من أنّ تكليف الجاهل قبيح ، فإن أريد به قبح توجيه الخطاب إليه وطلب الفعل أو الترك منه ، ففيه : أنّ الخطاب إنّما يتوجّه ابتداء إلى الجاهل ، فإن فهم تكليفه منه ، فليعمل به ، وإلّا فهو معذور في الامتثال لو لم يكن منشؤه التقصير ، وإلّا ففيه كلام مذكور في محلّه.

وإن أريد قبح تنجيزه عليه بمعنى مؤاخذته على ترك امتثاله ، فهو في الجملة مسلّم ، كما أشرنا إليه ، ضرورة كون العلم شرطا عقليّا للتكاليف في مقام التنجّز ووجوب الإطاعة ، إلّا أنّه لا دخل له فيما نحن بصدده من إثبات وجوب الإعادة على الجاهل ، لأنّها من آثار الوجوب الواقعي لا تنجّزه عليه فعلا. ولتمام الكلام مقام آخر.

فمقتضى عموم الحكم ـ أعني شرطيّة الطهارة للصلاة ـ وجوب الإعادة على الجاهلين بالحكم أيضا كالعالمين.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ صحيحة ابن أذينة ، قال : ذكر أبو مريم الأنصاري أنّ الحكم بن عيينة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمّدا ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : «بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ، ولا يعيد وضوءه» (١) لأنّ الظاهر أنّ مورده الجهل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٨ ـ ١٣٧ ، الإستبصار ١ : ٥٣ ـ ١٥٤ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤ ، وفيها : الحكم بن عتيبة.

١٩٨

بالحكم الشرعي ، لبعد وقوعه من العالم بالحكم ، ولا أقلّ من استفادة حكم الجاهل بالحكم من الرواية لأجل ترك الاستفصال.

وأمّا الناسي : فقد اختلفت الأخبار في حكمه ، ففي جملة منها أنّه يعيد مطلقا.

منها : صحيحة عمرو بن أبي نصر عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له :أبول وأتوضّأ وأنسى استنجائي ثمّ أذكر بعد ما صلّيت ، قال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك» (١).

ومنها : مرسلة ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضّأ ويصلّي ، قال : «يغسل ذكره ويعيد الصلاة ، ولا يعيد الوضوء» (٢).

ومنها : صحيحة زرارة : قال : توضّأت يوما ولم اغسل ذكري ثمّ صلّيت فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك» (٣).

وفي الحدائق : إنّ هذه الصحيحة محمولة على ترك الغسل نسيانا ، لبعد التعمّد من مثل زرارة في الصلاة بغير استنجاء (٤).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦ ـ ١٣٣ ، الإستبصار ١ : ٥٢ ـ ١٥٠ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٨ ـ ١٦ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٥١ ـ ١٤٩ ، الإستبصار ١ : ٥٦ ـ ١٦٤ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٧.

(٤) الحدائق الناضرة ٢ : ٢٣.

١٩٩

أقول : لا شبهة في استفادة حكم الناسي منها ولم لم نقل باختصاصها به ، لأنّ ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال دليل العموم.

ومنها : خبر سماعة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثمّ توضّأت ونسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صلّيت ، فعليك الإعادة ، وإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك ، لأنّ البول مثل (١) البراز» (٢).

وممّا يؤيّد مضمون هذه الروايات : الأخبار الكثيرة الآتية في محلّها إن شاء الله ، الدالّة على أنّ ناسي النجاسة مطلقا يعيد صلاته. وفي جملة منها أنّه لا يعيد صلاته :كرواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : «يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة» (٣).

ورواية عمرو بن أبي نصر ، قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صلّيت أفأعيد؟ قال : «لا» (٤).

__________________

(١) في الكافي : «ليس مثل».

(٢) الكافي ٣ : ١٩ ـ ١٧ ، علل الشرائع : ٥٨٠ ـ ١٢ ، التهذيب ١ : ٥٠ ـ ١٤٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٨ ـ ١٤٠ ، الإستبصار ١ : ٥٤ ـ ١٥٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٥١ ـ ١٤٨ ، الإستبصار ١ : ٥٦ ـ ١٦٣ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

٢٠٠