مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

الترتيب وكفاية الارتماس بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل في الحدائق (١) نسبته إلى ظاهر الأصحاب.

وعن الذكرى أنّه لم يفرق أحد بين غسل الجنابة وبين غيره من الأغسال في ذلك (٢).

ولكنّ الإنصاف أنّ القول بكفاية الارتماس في غسل الميّت لا يخلو عن إشكال وإن ورد فيه أنّه كغسل الجنابة (٣) ، لعدم انسباق إرادة ذلك من التشبيه ، فيشكل رفع اليد عن ظواهر الأخبار الكثيرة الواردة لبيان كيفيّة غسل الميّت ، الدالّة على اعتبار الترتيب فيه.

وأمّا سائر الأغسال فلا ينبغي الارتياب في كفاية الارتماس فيها ، كما أنّه لا ينبغي التأمّل في لزوم مراعاة الترتيب فيها ما لم يرتمس ارتماسة واحدة ، كما في غسل الجنابة ، ضرورة أنّ كيفيّة الغسل وكذا الوضوء والتيمّم بل أغلب العبادات مثل الصلاة والصوم وغيرها من الماهيّات المخترعة التي تتوقّف معرفتها على بيان الشارع متى بيّن الشارع شيئا من هذه الأشياء في مورد من الموارد لا ينسبق إلى الذهن من الأمر به في سائر الموارد إلّا إرادة إيجاده بالكيفيّة المبيّنة ما لم يصرّح بإرادته على نحو خاصّ ، كصلاة جعفر مثلا.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٧٩.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٧٩ ـ ٨٠ ، وانظر : الذكرى : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٢٢ ـ ٥٨٦ ، التهذيب ١ : ٤٤٧ ـ ١٤٤٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب غسل الميّت ، الحديث ١.

٣٨١

ألا ترى أنّه لو قال المفتي لمقلّديه : اغتسل لرؤية المصلوب ، أو صلّ ركعتين عند طلب الحاجة ، أو قيل للجنب : توضّأ ، أو تيمّم عند إرادة النوم ، لا يفهم إلّا إرادة إيجاد هذه الأفعال بالكيفيّة المعروفة عندهم.

وممّا يدلّ على اتّحاد كيفيّة الأغسال مغروسيّته في أذهان المتشرّعة قديما وحديثا ، ولذا لم يسأل أحد من الرواة عن كيفيّة سائر الأغسال عدا غسل الجنابة ، الذي هو أعمّ ابتلاء ولم يتعرّض الأئمّة عليهم‌السلام لبيان شي‌ء منها ، ولم يكن ذلك إلّا لمعروفيّة كيفية الغسل لديهم.

وأمّا غسل الميّت فحيث إنّ متعلّقه غير نفس المكلّف ليس على حدّ سائر الأغسال بحيث يغني معرفة كيفيّة الغسل في الجملة عن معرفته بالخصوص.

ألا ترى أنّه لو قيل للعامي : اغسل الميّت يسأل لا محالة عن كيفيّته ، بخلاف ما لو قيل له : اغتسل لرؤية المصلوب ، ولذا أكثر الرواة في المسألة عن كيفيّة غسل الميّت دون غيره من الأغسال مع كثرتها ، وحيث إنّه ورد التصريح في جملة من الأخبار بكيفيّته لا يجوز التخطّي عن الكيفيّة المنصوصة إلّا بدليل معتبر ، ولذا استشكلنا في جوازه ارتماسا ، والله العالم.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الأقوى ما عليه المشهور من أنّ الغسل الارتماسي تدريجيّ الحصول ، وأنّ ابتداءه أوّل آنات الأخذ في الرمس ، ولكنّه لا يخفى عليك أنّ جزئيّة الجزء الأوّل مشروطة بصيرورته جزءا من

٣٨٢

المركّب الذي يصدق على مجموعه الارتماس ، فغسل الرّجل مثلا يتحقّق بوصول الماء إليها لكن صحّته مشروطة بأن يتعقّبه غسل سائر الجسد على وجه يتحقّق به الارتماس الدفعيّ عرفا بأن يبقى في الماء إلى أن يرتمس جميع بدنه ، فلو خرج بعض بدنه من الماء قبل أن يرتمس جميعه ، بطل غسله ، إذ لا يسمّى مثله ارتماسا.

وأمّا لو دخل في طين ونحوه أو أصابه في الماء مانع عارضي منعه من الاتّصال بالماء قبل أن يتحقّق الانغماس التامّ ، فالظاهر عدم منافاته للصدق العرفي الذي هو شرط للصحّة خصوصا إذا كان الجزء الممنوع يسيرا.

فما قيل من أنّه يشترط اتّصاله بالماء إلى أن يتحقّق الغسل ففيه : أنّه إن كان لتوقّف صدق الارتماس ، فقد عرفت عدم المنافاة للصدق العرفي على الإطلاق ، وإن كان لدليل آخر تعبّدي ، فلم نعثر عليه ، والله العالم.

ثمّ إنّه حكي عن الشيخ في المبسوط أنّه ألحق في سقوط الترتيب بالارتماس الجلوس تحت المجرى والمطر (١). وعن التذكرة إلحاق الميزاب وشبهه به (٢) أيضا. وعن بعض إلحاق الصبّ بالإناء دفعة به (٣) أيضا.

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٠٠ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٩.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٠٠ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٤.

(٣) كما في جواهر الكلام ٣ : ١٠٠.

٣٨٣

ولعلّ مستند الكلّ تنقيح المناط بدعوى القطع بعدم مدخليّة الرمس في الماء في صحّة الغسل ، وإنّما المناط إحاطة الماء بالبدن عرفيّة.

وفيه ـ مضافا إلى منع تحقّق الإحاطة دفعة في مثل المطر ونحوه إلّا إذا كان المطر غزيرا فجرى على جميع البدن ثمّ نوى الغسل ـ : أنّ دعوى القطع بذلك في مثل هذه الأحكام التعبّديّة عهدتها على مدّعيها ، ولا يمكن لنا الجزم بذلك.

نعم ، في نفسي شي‌ء ، وهو : احتمال عدم اعتبار الترتيب في الغسل رأسا ، وكون الأخبار الدالّة عليه جارية مجرى العادة أو محمولة على بيان أفضل الأفراد.

ولكنّك عرفت فيما سبق أنّه خلاف ما يقتضيه الجمود على ظواهر الأدلّة التعبّديّة ، فلا ينبغي الالتفات إليه.

فالأظهر هو الاقتصار في تخصيص ما دلّ على اعتبار الترتيب بالغسل الارتماسي.

اللهم إلّا أن يتشبّث في خصوص الوقوف تحت المطر بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ فقال : «إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك» (١).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤ ـ ٢٧ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ـ ٤٢٤ ، الإستبصار ١ : ١٢٥ ـ ٤٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٠.

٣٨٤

ومرسلة محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال : «نعم» (١) وفيه : أنّ حمل هاتين الروايتين على إرادة ما لو نوى الغسل عند إحاطة الماء بالبدن وجريانه بعيد ، فلا بدّ من حملهما على ما لا ينافي أدلّة الترتيب ، بل الظاهر عدم كون الروايتين مسوقتين إلّا لبيان كفاية المطر عن الماء ، فلا يجوز التشبّث بإطلاقهما لإثبات المطلوب ، والله العالم.

وهل يشترط في صحّة الغسل بنوعيه إزالة النجاسة عن محالّ الغسل عينيّة أو حكميّة قبل الشروع في أصل الغسل ، أو يعتبر جريان ماء الغسل على محلّ طاهر ، فيكفي إزالتها قبل غسل المحلّ الذي هي فيه ، أو يعتبر عدم بقائه نجسا بعد الغسل ، فيكتفى بغسل واحد لهما ، أو يفرق في ذلك بين الاغتسال في الماء الكثير وما إذا كانت في آخر العضو وبين غيرهما ، فيكتفى بالغسل الواحد لهما في الأوّلين ، أو أنّه لا يشترط شي‌ء من ذلك. نعم ، يعتبر أن لا تمنع عين النجاسة وصول الماء إلى البشرة فيكتفى به وإن بقي المحلّ نجسا؟ وجوه بل أقوال كما في الجواهر (٢) ، أوجهها : الثاني ، وهو اعتبار طهارة المحلّ حين غسله ، كما يدلّ عليه الأخبار المستفيضة الواردة في كيفيّة الغسل ، الآمرة بغسل الفرج واليدين قبل الغسل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤ ـ ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٤.

(٢) جواهر الكلام ٣ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٣٨٥

وفي صحيحة حكم بن حكيم ، قال عليه‌السلام : «ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمّ اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك (١) فاغتسل» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها في مطاوي المباحث المتقدّمة.

وهذه الأخبار وإن كان مفادها وجوب تطهير البدن قبل الشروع في الغسل لكن شدّة المناسبة بين تطهير الموضع النجس مقدّمة لغسل نفس هذا الموضع وبعد مدخليّة تطهيره في صحّة غسل سائر الأجزاء مانعة عن استفادة التقييد ، فلا يفهم منها إلّا وجوب تطهير المحلّ قبل غسله ، وإنّما تعلّق الأمر به قبل الشروع في الغسل جريا مجرى العادة.

كما يؤيّده ـ مضافا إلى الفهم العرفي الناشئ من المناسبة المغروسة في الأذهان ـ ما في صحيحة حكم بن حكيم عن الصادق عليه‌السلام في حديث كيفيّة غسل الجنابة ، قال : «فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرّك أن لا تغسل رجليك ، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك» (٣).

وهذه الصحيحة كما تراها صريحة في عدم اعتبار طهارة الرّجل حال غسل سائر الأعضاء ، فالقول باعتبار تطهير البدن قبل الشروع في الغسل ضعيف.

وأضعف منه القول بعدم اعتبار طهارة المحلّ حيث غسله سواء

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «وأفض على سائر جسدك» وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٣٨٦

اعتبر عدم بقائه نجسا بأن تحقّق الغسل والتطهير بغسلة واحدة ، أم لم يعتبر ذلك أيضا ، لما عرفت من دلالة الأخبار المستفيضة على اشتراط طهارة المحلّ.

مضافا إلى انصراف أدلّة الغسل إلى إرادة الغسل بالماء الطاهر ، بل الإجماع على أنّ النجس لا يكون مطهّرا.

ولا يقاس رفع الحدث بإزالة الخبث في عدم المنافاة بين انفعال الماء بملاقاة النجس وحصول التطهير به ، لما عرفت في مبحث نجاسة الغسالة من عدم شمول القاعدة المسلّمة المستفادة من النصوص والفتاوى ـ من أنّ النجس لا يكون مطهّرا ـ للماء الطاهر الذي تنجّس باستعماله في إزالة النجاسة بالنسبة إلى هذه النجاسة التي استعمل الماء في إزالتها ، وأمّا من حيث استعماله في رفع الحدث فليست النجاسة الموجودة في البدن بالنسبة إليه إلّا كالنجاسة الخارجيّة الملاقية للماء حين الاستعمال ، فلا مانع من كونه مشمولا للقاعدة المسلّمة.

نعم ، لو كانت نجاسة الماء من لوازم الاغتسال ، كما في غسل الميّت وغسالة الجنب على القول بنجاستها ، لامتنع اندراجه بالنسبة إلى هذه النجاسة الملازمة له تحت تلك القاعدة ، وأمّا بالنسبة إلى النجاسة العارضيّة التي يمكن حفظ ماء الغسل عن الانفعال بها ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا.

والحاصل : أنّه لا ينبغي الارتياب في بطلان الغسل بالماء النجس ،

٣٨٧

سواء كان مسبوقا بالنجاسة ، أو عرضه النجاسة حين الاغتسال من دون فرق بين كون النجاسة الطارئة في الأثناء مسبّبة عن ملاقاة نجاسة خارجيّة أو ملاقاة النجاسة الموجودة في بدن المغتسل.

وكونه مؤثّرا في زوال النجاسة في الفرض الأخير لا يصلح فارقا بالنسبة إلى رفع الحدث الذي هو مفهوم مغاير لإزالة الخبث.

ثمّ إنّ قضيّة اشتراط صحّة الغسل بطهارة الماء إنّما هو اشتراط طهارة البدن عند غسله بالماء القليل دون ما إذا اغتسل بالماء العاصم ، كالكرّ والجاري ، ولعلّه لذا فصّل بعضهم (١) بين الاغتسال بالماء الكثير وبين غيره ، إلّا أنّه نسب إلى هذا المفصّل ـ كما عرفت ـ عدم اشتراط الطهارة فيما إذا كان الموضع النجس آخر العضو (٢).

ولعلّ التفصيل بين كون النجاسة في آخر العضو وبين غيره للبناء على عدم انفعال الغسالة إلّا بعد الانفصال عن الموضع النجس ، فإن كانت في آخر العضو ، فلا يتحقّق الغسل إلّا بالماء الطاهر ، وأمّا إذا لم تكن في آخر العضو ، فينجس غسالته عند الانفصال وينجّس سائر الأعضاء فلا يكون مطهّرا.

ويحتمل أن يكون اعتماده في هذا التفصيل على صحيحة حكم بن حكيم ، المتقدّمة (٣) ، الآمرة بغسل الرّجلين اللتين هما آخر العضو ، فإنّ

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٠٩.

(٢) الناسب هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩٤ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٠٩.

(٣) في ص ٣٨٦.

٣٨٨

مقتضى إطلاق الأمر بغسلهما كفاية غسلة واحدة لرفع الحدث والخبث.

وفي الجميع ما لا يخفى ، لعدم انحصار المدرك في اشتراط طهارة الماء ، بل العمدة فيه الأخبار المتقدّمة.

مضافا إلى فساد القول بعدم انفعال الغسالة إلّا بعد الانفصال ، كما تحقّق في محلّه.

وأمّا الصحيحة فهي مسوقة لبيان حكم آخر ، أعني وجوب غسل الرّجلين على تقدير نجاستهما ، لا لبيان كفاية غسلة واحدة للتطهير والغسل ، فلا ظهور لها في المدّعى ، فضلا عن إمكان التصرّف بها في سائر الأدلّة.

وربما يستدلّ لبطلان الغسل لو نواه بغسلة يتحقّق بها إزالة النجاسة :بلزوم التداخل ، وهو خلاف الأصل ، لأنّ كلّ واحد من الحدث والخبث سبب لوجوب غسل البدن ، فإذا تحقّق السببان ، وجب أن يتعدّد حكمهما ، وإلّا للزم أن لا يكون كلّ منهما سببا ، وهو باطل بديهة ، لا لمجرّد مخالفته لإطلاق ما دلّ على سببيّتهما ، بل للعلم بتأثير كلّ منهما في إيجاب مسبّبه ، ضرورة أنّه لو تعذّر عليه الغسل ، يجب عليه إزالة النجاسة ، وكذا لو تعذّر عليه الإزالة ، يجب عليه رفع الحدث ولو بالتيمّم ، ومقتضى تعدّد الوجوبين تعدّد الواجبين ، لامتناع اجتماع حكمين متماثلين ـ كالمتضادّين ـ في موضوع واحد شخصي ، فلا يعقل أن تكون غسلة واحدة معروضة لوجوبين.

٣٨٩

وفيه : أنّ المسبّب عن كلّ من السببين لو كان طبيعة غسل الجسد من حيث هي من دون اعتبار قيد زائد في شي‌ء منهما ، لتمّ ما ذكر ، ولكنّه ليس كذلك ، بل المسبّب عن نجاسة البدن ليس إلّا وجوب إزالتها ، وعن الحدث ليس إلّا وجوب رفعه ، وهما ماهيّتان مختلفتان ، فإن أمكن إيجادهما بغسلة واحدة بأن لم يستلزم ذلك الإخلال بشي‌ء من شرائطهما ، فلا مانع منه أصلا ، كما سبق (١) تحقيقه في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء ، وإنّما الممتنع تعلّق وجوبين بطبيعة الغسل من حيث هي لا بلحاظ أفراده المتعدّدة.

وممّا يدلّ على عدم كون ما نحن فيه من هذا القبيل مع وضوحه في حدّ ذاته : عدم كون كلّ غسلة غسلا ، وعدم اعتبار كون الغسل واجدا للشرائط المعتبرة في إزالة النجاسة ، فيعلم من ذلك أنّ المأمور به عند حصول كلّ من السببين ليس طبيعة الغسل من حيث هي ، وقد عرفت فيما تقدّم أنّه إذا تغاير المسبّبان ذاتا وتصادقا على فرد ، يجوز إيجاد الفرد الجامع بقصد امتثال الأمر المتعلّق بكلتا الطبيعتين ، نظير إعطاء درهم على ذي رحم عالم فقير هاشميّ ، فإنّه يتحقّق بهذا الفعل الشخصيّ امتثال جميع الأوامر المتعلّقة بالعناوين الراجحة المقصودة المتحقّقة به.

ثمّ لو تمّ هذا الاستدلال ، لكان مقتضاه أنّه لو أتى بالفعل أوّلا بقصد الغسل أن تجب إعادته ثانيا لغسل جسده لا بقصد الغسل ، كما هو مقصود

__________________

(١) في ج ٢ ص ٢٦٨ وما بعدها.

٣٩٠

المستدلّ ، إذ لا يعقل بقاء الأمر الذي نوى امتثاله وسقوط ما لم ينوه.

ودعوى أنّ الغرض من الأمر بغسل الجسد ، المسبّب عن نجاسة البدن يحصل بفعله قهرا وإن لم يقصده ، فوجب أن يبقى الأمر بالغسل ، لأصالة عدم التداخل ، مدفوعة : بأنّ أصالة عدم التداخل لا تصيّر الممتنع ممكنا ، لأنّ سقوط الأمر الذي نوى امتثاله بعد إيجاد متعلّقه بقصد امتثاله قهريّ ، سواء حصل به المقصود من الأمر الآخر أم لم يحصل ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء عقلا ، فلا مجال حينئذ للشكّ في بقائه حتى يتشبّث بأصالة عدم التداخل ، وإنّما يشكّ في بقائه ، لاحتمال اشتراطه بطهارة البدن وعدم كون المسبّب طبيعة الغسل من حيث هي ، فالمتعيّن في مثل الفرض على تقدير فقد الأدلّة الاجتهاديّة هو الرجوع إلى الأصل المقرّر عند الشكّ في الشرطيّة من البراءة أو الاحتياط على الخلاف في المسألة ، لا أصالة عدم التداخل ، كما لا يخفى.

تنبيه : لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الموالاة في الغسل ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه : صحيحة محمد بن مسلم ، المتقدّمة (٢) الواردة في قضيّة أمّ إسماعيل.

وحسنة إبراهيم بن عمر اليماني عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ عليّا عليه‌السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند

__________________

(١) حكاها عنهم صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٠٥.

(٢) في ص ٣٦٠.

٣٩١

الصلاة» (١).

وفي صحيحة حريز ، الواردة في الوضوء ، قال : قلت : وكذلك غسل الجنابة؟ قال عليه‌السلام : «هو بتلك المنزلة ابدأ بالرأس وأفض على سائر جسدك» قلت : وإن كان بعض يوم؟ قال : «نعم» (٢).

وعن الفقه الرضوي «ولا بأس بتبعيض الغسل تغسل يديك وفرجك ورأسك وتؤخّر غسل سائر جسدك إلى وقت الصلاة ثمّ تغسل إذا أردت ذلك» (٣).

وقضيّة الأصل وإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ومعاقد الإجماعات المنقولة : عدم الفرق في ذلك بين الأعضاء والعضو الواحد ، فلا تعتبر الموالاة في الغسل أصلا.

نعم ، يمكن الالتزام باستحبابها مسامحة ، لما في الحدائق من أنّ الأصحاب صرّحوا باستحبابها (٤).

وربما يستدلّ له بمواظبة السلف والخلف من العلماء والفقهاء بل الأئمّة عليهم‌السلام.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ـ ٣٧٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٨٨ ـ ٢٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٧٢ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) كما في جواهر الكلام ٣ : ١٠٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٨٣ ـ ٨٤ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٥.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ : ٨٤.

٣٩٢

وفي دلالتها على المدّعى تأمّل ، كما أنّ في الاستدلال له بعموم آيات المسارعة إلى المغفرة (١) والاستباق إلى الخيرات (٢) مناقشة ، والله العالم.

(وسنن الغسل) أمور :

منها : (تقديم النيّة عند غسل اليدين) بناء على كون غسل اليدين من الأجزاء المستحبّة ، كما سيأتي التعرّض لتحقيقه.

ومرجع استحباب تقديم النيّة إلى استحباب غسل اليدين قبل الغسل بقصد الجزئيّة ، فلو غسل يديه لا لكونه جزءا مستحبّا بل لإزالة نجاستها أو غيرها من الأغراض ، لا يستحبّ التقديم ، بل لا يجوز إن اعتبرنا مقارنة النيّة التفصيليّة لأوّل العبادة ، كما هو المشهور. (ويتضيّق) وقت النيّة (عند غسل الرأس) الواجب في الغسل الترتيبي وعند الشروع في غسل الجسد في الارتماسي ، إذ لو أخّرها عن ذلك ، لوقع بعض الأجزاء الواجبة بلا نيّة ، فلا يصحّ غسله. (و) منها : (إمرار اليد على الجسد) لو لم يتوقّف غسله عليه أو لم يختر في مقام الامتثال إيصال الماء إلى الجسد بإمرار اليد عليه ، وإلّا فيجب معيّنا في الفرض الأوّل ومخيّرا في الثاني.

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٣٣.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٤٨ ، سورة المائدة ٥ : ٤٨.

٣٩٣

وفيما عدا الفرضين ليس بواجب بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل والإجماع ـ الأخبار المستفيضة ـ التي تقدّم أغلبها ـ الدالّة على كفاية مسّ الجلد للماء وصبّ الماء على الجسد وجريانه عليه والاجتزاء بالارتماسة الواحدة وإن لم يدلك جسده.

نعم ، يستحبّ ذلك ، كما وقع التصريح به في كلام الأصحاب ، بل عن المعتبر وغيره دعوى الإجماع عليه (٢).

ويدلّ عليه : ما روي عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام في السؤال عن الاغتسال بالمطر ، قال : «إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه إلّا أنّه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ، ويمرّ يده على ما نالت من جسده» (٣).

وعن الفقه الرضوي بعد ذكر صفة الغسل ترتيبا ، ثمّ قال : «تمسح سائر بدنك بيديك» (٤).

وفي خبر عمّار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام الواردة في غسل

__________________

(١) حكاها عنهم صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٠٧.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١١٣ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٥ ، ومنتهى المطلب ١ : ٨٥.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٨٣ ـ ٣٥٤ و ٣٥٥ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١١.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١١٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨١.

٣٩٤

المرأة ، قال عليه‌السلام : «تمرّ يدها على جسدها كلّه» (١).

لكنّ الأخبار موردها الغسل الترتيبي ، فيشكل إثبات الاستحباب في الارتماسي ، لكن قضيّة إطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعهم المحكيّ : عموم الاستحباب ، فيمكن الالتزام به مسامحة.

اللهم إلّا أن يدّعى انصراف كلماتهم إلى الترتيبي.

وربما علّل استحباب إمرار اليد مطلقا : بالاستظهار.

ونوقش : بأنّه لا معنى له بعد حصول العلم ، وقبله يجب.

وفيه : أنّ المدار في مقام الامتثال عند العرف والعقلاء ليس على القطع الذي لا يحتمل الخطأ ، بل على الاطمئنان وسكون النفس بحيث لا يلتفت النفس إلى احتمال الخلاف.

ألا ترى أنّه ربما يحصل الفراغ من الغسل أو الوضوء ثمّ نجد بعض المواضع جافّا.

نعم ، يتوجّه على هذا النحو من الاستدلال أنّه لا يثبت به الاستحباب الشرعيّ بعنوانه المخصوص ، ولكنّه ليس بضائر فيما نحن بصدده من إثبات رجحانه في الجملة وكونه من السنن ، والله العالم. (و) منها : (تخليل ما يصل إليه الماء استظهارا).

وأمّا ما لا يصل الماء إليه إلّا بالتخليل فقد عرفت وجوبه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٥ ذيل الحديث ٢٠٨ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

٣٩٥

والمناقشة في استحباب الاستظهار بالتخليل فيما يصل إليه الماء بدونه بما عرفت ، مدفوعة : بما عرفت. (و) منها : (البول أمام الغسل) إذا كانت الجنابة بالإنزال ، كما أنّ من سنن الجنابة بالإنزال البول بعده تحرّزا عن أن يبقى المنيّ في المجرى فيورث المرض ، فإنّه قد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من ترك البول على أثر الجنابة أو شك أن يتردّد بقيّة الماء في بدنه فيورثه الداء الذي لا دواء له» (١).

ويدلّ على كونه من سنن الغسل : صحيحة أحمد بن محمد ، قال :سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، قال : «تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ثمّ تدخل يدك في الإناء» (٢) إلى آخره.

ورواية أحمد بن هلال ، قال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب عليه‌السلام «إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل» (٣).

وفائدته عدم انتقاض الغسل بالبلل المشتبه المحتمل كونه من بقيّة

__________________

(١) أورد نصّه الصدوق في الفقيه ١ : ٤٦ نقلا عن رسالة أبيه. وبتفاوت في الجعفريّات :٢١ ، وعنها في المستدرك ، الباب ٣٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٣١ ـ ١٣٢ ـ ٣٦٣ ، الإستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤١٩ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٥ ـ ٤١٠ ، الإستبصار ١ : ١٢٠ ـ ٤٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٢.

٣٩٦

المنيّ ، إذ لو لا البول لكان البلل الخارج بحكم المنيّ ، كما يدلّ على كلا الحكمين جملة من الأخبار التي سنذكرها في المسألة الاولى من المسائل الثلاث الآتية إن شاء الله. (و) أمّا (الاستبراء) بالاجتهاد بعد البول فهو من آداب الخلوة ، وفائدته عدم كون الرطوبة المشتبهة بالبول بحكمه ، كما تقدّم في محلّه.

وأمّا بعد إنزال المنيّ فلم يرد الأمر به في شي‌ء من الأخبار ، ولم يثبت تأثيره في عدم ناقضيّة البلل المشتبه بالمنيّ ، بل سيتّضح لك فيما سيأتي أنّ مقتضى إطلاق الأخبار الآمرة بإعادة الغسل بخروج البلل لمن لم يبل : وجوب الإعادة عليه مطلقا ، كما أنّه يفهم منها مفهوما ومنطوقا عدم وجوب إعادة الغسل على من بال ، سواء استبرأ عقيب البول أم لم يستبرئ.

نعم ، إذا لم يستبرئ ، يكون البلل الخارج عند احتمال كونه بولا بحكم البول لا المنيّ ، كما ستعرف.

فما يظهر من بعض من كون الاستبراء عقيب الإنزال بمنزلة البول مطلقا أو عند تعذّر البول محلّ نظر.

اللهم إلّا أن يتشبّث بعدم ناقضيّة البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء بالأصل بعد دعوى انصراف الأخبار الآمرة بالإعادة إلى غير مثل الفرض الذي فيه أمارة نقاء المحلّ ، لكنّ الدعوى غير مسموعة.

نعم ، لو حصل القطع بنقاء المجرى بسبب الاستبراء ، خرج البلل

٣٩٧

المشتبه بالمنيّ ، الخارج بعده من مورد الأخبار الآمرة بالإعادة ، لأنّ موضوعها ـ على ما يتبادر منها ـ ليس إلّا ما إذا احتمل كون البلل الخارج من بقيّة المنيّ السابق ، والمفروض حصول القطع بعدم بقاء شي‌ء في المجرى ، فلا تعمّه تلك الروايات ، ولكنّ الفرض نادر التحقّق ، إذ قلّما يحصل اليقين بذلك ، بل غايته إفادة الظنّ ، فظهر لك ممّا ذكرنا أنّ عدّ الاستبراء بنفسه من سنن الغسل ـ كما في المتن ـ لا يخلو عن إشكال.

نعم ، عدّ الاستبراء عقيب البول من سننه بالنظر إلى تأثيره في الجملة في عدم انتقاض الطهارة الحاصلة منه بالرطوبة المشتبهة بالبول لا يخلو عن مناسبة.

وكيف كان فقد نقل عن الجعفي القول بوجوب البول والاستبراء كليهما قبل الغسل (١).

وعن جملة من الأصحاب القول بوجوب البول فقط (٢).

وعن بعضهم التصريح بأنّه عند تعذّر البول يكتفى بالاجتهاد ، أي الاستبراء (٣).

وعن المبسوط والغنية إيجابهما عليه مخيّرا مع زيادة الثاني إيجاب الاستبراء من البول بل ادّعى الإجماع على ما ذهب إليه (٤).

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ١٠٣.

(٢) كما في مدارك الأحكام ١ : ٣٠٠ ، وجواهر الكلام ٣ : ١٠٩.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٠٩ عن المراسم : ٤١.

(٤) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٠٩ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢٩ ، والغنية : ٦١.

٣٩٨

وفيه : أنّه إن أريد الوجوب الشرطي بمعنى اشتراط صحّة الغسل بوقوعه عقيب البول أو الاستبراء ، ففيه ـ مع مخالفته للأصل والإجماع كما ادّعاه في محكيّ المختلف (١) على عدم وجوب إعادة الغسل على من أخلّ بالبول ووجد بللا يعلم أنّه ليس بمنيّ ـ يردّه مفهوم قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله» (٢).

وكذا الأخبار المستفيضة المعلّقة إعادة الغسل لمن لم يبل بخروج البلل المشتبه ، فيفهم منها صحّة الغسل لولاه ، بل يفهم من التعبير بانتقاض الغسل صحّته قبل وجدان البلل.

هذا ، مع خلوّ أكثر الأخبار الواردة في كيفيّة الغسل عن ذكر البول.

وما في بعضها من الأمر بالبول قبل الغسل ـ كصحيحة أحمد بن محمد ورواية أحمد بن هلال ، المتقدّمتين (٣) ـ ليس إلّا للإرشاد إلى ما هو الأصلح بحال المكلّف صونا لطهارته عن الانتقاض.

وإن أبيت إلّا عن ظهورهما في شرطيّة البول للغسل ، فلا بدّ من رفع اليد عنهما بقرينة الإجماع وغيره من الأدلّة المتقدّمة.

وإن أريد من وجوب البول أو الاستبراء قبل الغسل وجوبه تعبّدا من

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ١١٠ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ١٧٣ ، المسألة ١١٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٤ ـ ٤٠٧ ، الإستبصار ١ : ١١٩ ـ ٤٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧.

(٣) في ص ٣٩٦.

٣٩٩

دون أن يكون له مدخليّة في صحّة الغسل ، ففيه ما لا يخفى ، لأنّ المتبادر من الأمر المتعلّق به في بعض الأخبار المسوقة لبيان آداب الغسل وكيفيّته ـ كالصحيحة المتقدّمة (١) ـ ليس إلّا مطلوبيّته لأجل الغسل لا الوجوب النفسيّ ، كالأمر بغسل اليد وإدخال اليد في الإناء وغيرهما من التفاصيل المذكورة في الصحيحة ، وبعد أن علم بواسطة القرائن الداخليّة والخارجيّة أنّه ليس للبول ـ كغسل اليد ـ مدخليّة في صحّة الغسل يفهم من الرواية أنّ له مدخليّة في كماله إمّا لكون الغسل عقيب البول في حدّ ذاته هو الفرد الأفضل ، فيكون البول قبل الغسل كغسل اليدين قبله مستحبّا غيريّا ، أو لكونه موجبا للاطمئنان ببقاء أثر الغسل وعدم كونه في عرضة الانتقاض ، فيكون الأمر به إرشاديّا محضا.

ولعلّ هذا هو المتبادر منه في مثل المقام ، لأنّه بعد أن علم أنّ بقاء شي‌ء من المنيّ في المجرى ليس مانعا من صحّة الغسل لكن خروجه سبب لانتقاض الغسل ، لا ينتقل الذهن عند الأمر بالبول ـ الذي هو سبب عادي لخروج البقيّة ـ إلّا إلى إرادة تنقية المجرى ، لئلّا ينتقض الغسل فيما بعد.

فعلى هذا يشكل القول باستحبابه قبل الغسل ، إذ المفروض عدم كون الأمر المتعلّق به مولويّا حتى يثبت به الاستحباب الشرعيّ.

وأشكل منه القول باستحباب الاستبراء قبل الغسل.

__________________

(١) أي : صحيحة أحمد بن محمد ، المتقدّمة في ص ٣٩٦.

٤٠٠