مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

فما ذهب إليه المشهور من أنّه يتوضّأ لكلّ صلاة لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنّه أحوط ، وحينئذ فيجب عليه المبادرة إلى فعل الصلاة عقيب الوضوء.

نعم ، لا يجب ذلك على القول الذي استظهرناه من الأخبار من عدم ناقضيّة القطرات الخارجة ، كما لا يخفى وجهه.

وليعلم أنّ مقتضى الأخبار : وجوب الاستظهار على المسلوس بمنع تعدّي النجاسة بأن يضع خريطة أو كيسا ، كما صرّح به جماعة ، بل عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب (١).

والظاهر أنّ الأمر بوضع الخريطة أو الكيس في الأخبار جار مجرى العادة ، فيكفي مطلق الاستظهار ولو بغير الخريطة والكيس ، كما نسب (٢) إلى ظاهر إطلاق الأصحاب.

ولكنّ الإنصاف أنّ التخطّي عن مورد الأخبار والالتزام بكفاية مطلق الاستظهار ولو بقيامه في ماء كثير أو بحفظ الفرج عن تعدية نجاسته إلى الثوب والبدن بوقوع القطرات على الأرض مثلا في غاية الإشكال ، لقوّة احتمال أن يكون للكيس ونحوه ممّا يشدّه على الحشفة مدخليّة في الحكم ، لاحتمال إناطة الحكم بصيرورة الحشفة لأجل دخولها في الكيس بمنزلة البواطن ، وكون ظاهر الكيس بمنزلة ظاهر الجسد في حال الاضطرار ، كما هو الشأن في الجبائر ، لا مجرّد عدم تعدية النجاسة ، والله

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٢٣٥.

(٢) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٣٥٠.

١٢١

العالم.

وهل يجب عليه تطهير مجرى البول وتغيير الخريطة عند كلّ صلاة بناء على عدم جواز الصلاة في مثلها اختيارا أم لا؟ وجهان : من إطلاق الأخبار ، ومن إمكان المناقشة فيها ببعض ما تقدّم ، كحمل المعذوريّة المستفادة منها على النجاسة العارضة في أثناء الصلاة.

ولكنّها في غاية الضعف ، بل صحيحة حريز صريحة في خلافه.

والأمر بالجمع بين الصلاتين لا يدلّ على عدم المعذوريّة من حيث الحدث أو الخبث في غير صورة الجمع ، بل الظاهر أنّ الرواية ليست مسوقة إلّا لبيان إدخال ذكره في الكيس إمّا للتحفّظ عن تعدية النجاسة ، أو لصيرورته بمنزلة ظاهر البدن.

وأمّا أمره عليه‌السلام بالجمع بين الصلاتين وتأخير الصلاة الاولى وتقديم الثانية فإنّما هو لبيان عدم البأس في الجمع ، وللإرشاد إلى ما هو الأصلح بحاله بحيث يدرك فضيلة الفرضين على وجه لا يشقّ عليه الاستظهار ، والله العالم. (وقيل) بل نسب (١) إلى المشهور : إنّ (من به البطن) وهو بالتحريك : داء لا يستمسك معه الغائط. قيل : أو الريح (إذا تجدّد حدثه في أثناء الصلاة ، يتطهّر ويبني) على صلاته.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما عرفت في حكم المسلوس من أنّه هو

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٢٥.

١٢٢

الذي يقتضيه الجمع بين القواعد على تقدير عدم كون الوضوء مطلقا فعلا كثيرا مبطلا للصلاة ـ موثّقة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي» (١).

وفي صحيحة عنه أيضا ، قال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته» (٢).

وعليهما تحمل صحيحته الأخرى ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المبطون ، فقال : «يبني على صلاته» (٣).

والمناقشة في ظهورها في المدّعى خصوصا في الموثقة منها ممّا لا ينبغي أن يلتف إليها ، فالقول بكون المبطون كالمسلوس في أنّه لا يجدّد وضوءه في أثناء الصلاة للحدث المتجدّد ، كما عن العلّامة في أكثر كتبه (٤) ، ضعيف.

واستدلّ العلّامة لمختاره : بأنّه لا فائدة في التجديد ، لأنّ هذا المتكرّر إن نقض الطهارة ، نقض الصلاة ، لما دلّ على اشتراط الصلاة باستمرارها (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٠ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٥ ـ ٩٤١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٣.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٥٣ ، وانظر : إرشاد الأذهان ١ : ٢٢٣ ، وقواعد الأحكام ١ : ١٢ ، ومختلف الشيعة ١ : ١٤٦ ، ذيل المسألة ٩٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٦٨.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ١٤٦ ذيل المسألة ٩٨.

١٢٣

وفيه أوّلا : أنّ قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) وكذا غيره ممّا دلّ على كون الطهارة كالاستقبال شرطا في الصلاة إنّما يدلّ على وجوب مقارنة مجموع أفعال الصلاة للطهارة ، والكون المتخلّل حال الوضوء ليس منها.

وعدم جواز الاستدبار أو إيجاد الحدث في أثناء الصلاة حين عدم اشتغاله بفعل من أفعالها ليس لأجل كون هذه الأكوان جزءا لها حتى يشترط فيها ما يشترط في سائر الأجزاء ، بل لكون الحدث والاستدبار كالقهقهة والتكلّم قاطعا للهيئة الاتّصالية المعتبرة بين أجزائها ، وقد علم بالنصّ والإجماع أنّ الحدث الصادر من المبطون ليس بقاطع ، فيجب عليه تحصيل الطهارة التي هي شرط بالنسبة إلى الأجزاء الباقية.

وثانيا : سلّمنا أنّ الأكوان أيضا من أجزاء الصلاة ، إلّا أنّ الأخبار المتقدّمة دلّت على اختصاص شرطيّة الطهارة بما عدا هذا الجزء.

لا يقال : إنّ الحدث المتجدّد لو كان ناقضا ، لجاز له إيجاد سائر النواقض اختيارا قبل الأخذ في الوضوء ، إذ لا تكرّر في الأحداث.

لأنّا نقول : إنّ الحدث الاختياري لا أثر له في تجدّد الحدث ، إلّا أنّه مؤثّر في انقطاع الصلاة ، فلا يجوز.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مورد الأخبار وموضوع كلام الأصحاب إنّما هو فيما إذا كان للمبطون فترة تسع الطهارة وبعض أفعال الصلاة على وجه

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١١٣ ، الهامش (٥).

١٢٤

لا يكون تجديد الطهارة عند كلّ حدث مؤدّيا إلى الحرج ، وإلّا فلا يجب عليه إلّا الوضوء عند كلّ صلاة ، وليس الحدث الخارج في أثناء الصلاة والطهارة المتّصلة بها ناقضا لوضوئه ، لأنّ «ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر» وتكليفه بتجديد الوضوء عند كلّ حدث في الفرض حرج منفي في الشريعة.

وقد ظهر لك ممّا بيّنّاه فيما تقتضيه القواعد العامّة في المقام : حكم سلس النوم أو الريح لو لم يعمّه لفظ «المبطون» من أنّ مقتضى القواعد الشرعيّة : تجديد الطهارة عند كلّ صلاة وكذا في أثنائها ما لم يؤدّ إلى الحرج لو لم نقل بأنّ الوضوء فعل كثير مبطل ، وإلّا فتستصحب طهارته ، وعلى تقدير المناقشة في الاستصحاب ، يحتاط بتكرار الصلاة مع تخلّل الوضوء وبدونه ، والله العالم.

وهل يجب عليه إزالة الخبث عند تجديد الطهارة؟ فيه تردّد من عموم أدلّته ، ومن معارضتها بما دلّ على أنّ الفعل الكثير في أثناء الصلاة يبطلها ، فيرجع بعد التساقط إلى البراءة.

هذا ، مضافا إلى إمكان دعوى استفادتها من إطلاق الأخبار الآمرة بالوضوء والبناء على ما مضى ، إلّا أن يقال : إنّ إطلاقها مسوق لبيان حكم آخر ، وهو : عدم انقطاع الصلاة ، لا لبيان تمام ما هو تكليف المبطون. أو يقال بإجمال التوضّؤ المأمور به ، واحتمال إرادة مطلق التطهير الشامل لرفع الحدث والخبث.

وكيف كان ، فالقول بالبراءة ولو لأجل الرجوع إلى الأصل أظهر ، إلّا

١٢٥

أن يمنع كون الإزالة ولو بالنظر إلى بعض أفرادها ـ كالاستجمار ـ فعلا كثيرا ، فالأحوط بل الأقوى حينئذ وجوبها ما لم تستلزم حرجا.

واعلم أنّه ذكر الحلّي ـ فيما حكي عن سرائره ـ إنّ مستدام الحدث يخفّف الصلاة ولا يطيلها ، ويقتصر فيها على أدنى ما يجزئ المصلّي عند الضرورة. وقال : إنّه يجزئه أن يقرأ في الأوليين بأمّ الكتاب وحدها ، وفي الأخيرتين بتسبيح في كلّ واحدة أربع تسبيحات ، فإن لم يتمكّن من قراءة فاتحة الكتاب ، سبّح في جميع الركعات ، فإن لم يتمكّن من التسبيحات الأربع ، لتوالي الحدث منه ، فليقتصر على ما دون التسبيح في العدد ، ويجزئه منه تسبيحة واحدة في قيامه ، وتسبيحة في التشهّد ، ويصلّي على أحوط ما يقدر عليه في بدار الحدث من جلوس أو اضطجاع ، وإن كان صلاته بالإيماء أحوط له في حفظ الحدث ومنعه من الخروج ، صلّى مومئا ، ويكون سجوده أخفض من ركوعه (١). انتهى.

أقول : مقتضى إطلاق أخبار السلس والمبطون : عدم كون الحكم بهذا النحو من الضيق ، بل ظاهرها أنّه يصلّي بصلاته المتعارفة ، وأنّ هذا المرض موجب للعفو عن الحدث ، لا الرخصة في ترك سائر الواجبات تحفّظا عنه.

نعم ، كون الحكم عذريّا يوجب انصراف أدلّته عمّا لو كان له فترة

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٥٤ ، وانظر : السرائر ١ : ٣٥١.

١٢٦

تسع الطهارة والصلاة على الوجه المتعارف.

هذا ، مع أنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج وغيرها من الأدلّة العامّة : إنّما هو سقوط الشرط والقيد الذي نشأ منه التعذّر دون غيره ، فمقتضاه انتفاء مانعيّة الحدث الذي لا يقدر على إمساكه ، لا سقوط غيره من الواجبات التي لا حرج في فعلها من حيث هي ، والله العالم.

(وسنن الوضوء) على ما صرّح به المصنّف قدس‌سره ـ عشر :

الاولى : (وضع الإناء على اليمين) كما عن المشهور (١) ، بل عن غير واحد من الأساطين ـ كالمصنّف رحمه‌الله في المعتبر والشهيد في الذكرى (٢) ـ نسبته إلى الأصحاب ، وكفى به دليلا للحكم الاستحبابي بعد انضمام أخبار التسامح إليه.

واستدلّ له : بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه «كان يحبّ التيامن في طهوره وتنعّله (٣) وشأنه كلّه» (٤).

وربّما علّل أيضا : بأنّه أسهل وأيسر وأمكن للاستعمال ، أي الاغتراف باليمين ، الذي هو المطلوب ، ومن هنا صرّح بعضهم باختصاص الحكم بالإناء الذي يغترف منه ، فإذا كان نحو الإبريق ، فيستحبّ وضعه

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٤٤ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٥٤.

(٢) الحاكي عنهما صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٢٨ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٥٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٦٤ ، والذكرى : ٩٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : وشغله. والظاهر أنّها مصحّفة. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٥٣.

١٢٧

على اليسار ، لكونه أمكن في الصبّ منه في الكفّ اليمنى.

ولكنّك خبير بأنّ مثل هذه الأمور في حدّ ذاتها لا ينهض لإثبات الاستحباب الشرعي ما لم ينضمّ إليها دليل آخر ، كأخبار التسامح ونقل الإجماع المعتضد بعدم وجدان المخالف وغيرهما ممّا يمكن الاعتماد عليه.

ولعلّ المستدلّ بها ناظر إلى ما ورد في بعض الأخبار ـ على ما قيل ـ : «إنّ الله يحبّ ما هو الأيسر والأسهل» (١).

ولا بأس بالاستدلال بمثل هذه المراسيل بضميمة أخبار التسامح.

(و) الثانية : (الاغتراف بها).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما عن المعتبر والذكرى من نسبته إلى الأصحاب (٢) ، وبعض الوضوءات البيانيّة ـ ما عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لمّا اسري بي إلى السماء أوحى الله إليّ يا محمد ادن من صاد ، فاغسل مساجدك وطهّرها وصلّ لربّك ، فدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صاد ، وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين» (٣).

__________________

(١) أورده صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٢٩.

(٢) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٢٩ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٦٤ ، والذكرى : ٩٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٥ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

١٢٨

وفي الحدائق (١) استوجه الحكم بالنسبة إلى ما عدا غسل اليمنى نفسها ، لاتّفاق الأخبار عليه ، وأمّا بالنسبة إلى غسلها فقد تردّد فيه ، بل رجّح القول بالتخيير دون أفضليّة الاغتراف باليمين ، لاختلاف الأخبار.

فقد ورد في بعض الأخبار البيانيّة «أنّه عليه‌السلام أخذ كفّا من الماء بيمينه فصبّه على يساره ثمّ غسل به ذراعه الأيمن» (٢).

وكذا في موثّقة الأخوين : «ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى» (٣).

وقد ورد في غير واحد منها أنّه عليه‌السلام اغترف باليسرى لغسل اليمنى (٤) ، إلّا أنّ احتمال كون الطائفة الثانية للجري على مجرى العادة يمنع من مزاحمتها لظهور الأخبار السابقة في إفادة الاستحباب.

مضافا إلى اعتضادها بالشهرة ونقل الإجماع ، خصوصا في الحكم المستحبّي الذي يتسامح في دليله ، والله العالم.

(و) الثالثة : (التسمية) إجماعا ، كما عن غير واحد نقله ، للأخبار المستفيضة.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ : ١٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٤ ـ ٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٥٦ ـ ١٥٨ ، الإستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١١.

(٤) انظر على سبيل المثال : الكافي ٣ : ٢٤ ـ ١ ، والتهذيب ١ : ٥٥ ـ ٥٦ ـ ١٥٧ ، والاستبصار ١ : ٥٨ ـ ١٧١ ، والوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦ و ١٠.

١٢٩

منها : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا سمّيت في الوضوء طهر جسدك كلّه ، وإذا لم تسمّه لم يطهر من جسدك إلّا ما مرّ عليه الماء» (١). ومثلها رواية أبي بصير (٢).

وفي صحيحة عيص بن القاسم عنه عليه‌السلام «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنّما اغتسل» (٣).

وفي الخصال عن علي عليه‌السلام «لا يتوضّأ الرجل حتى يسمّي يقول قبل أن يمسّ الماء : بسم الله وبالله اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين. فإذا فرغ من طهوره قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله. فعندها يستحقّ المغفرة» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وروى الشيخ في التهذيب عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ رجلا توضّأ وصلّى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل فتوضّأ وصلّى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل وتوضّأ وصلّى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعد

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٤ ، الإستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٦ ، الإستبصار ١ : ٦٨ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٣ ، الإستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٤) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٠.

١٣٠

وضوءك وصلاتك ، فأتى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فشكى ذلك إليه ، فقال له :هل سمّيت حين توضّأت؟ فقال : لا ، قال : سمّ على وضوئك ، فسمّى وتوضّأ وصلّى ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يأمره أن يعيد» (١).

والظاهر ـ على ما يشهد به سياق الرواية ، مضافا إلى القرائن الخارجيّة ، كما عن تصريح بعض متأخّري المتأخّرين (٢) ـ كون ذلك على جهة التأديب والإرشاد ، ومقتضاه جواز إعادة الصلاة لإدراك فضيلة التسمية ، كما عن بعض المتأخّرين استظهاره (٣).

وعن الذكرى أنّ فيه دلالة على استحباب الإعادة (٤).

وقد أشكل ذلك على بعض مشايخنا (٥) قدس‌سره حتى أنّه استقرب تنزيل الرواية على التقيّة أو تنزيلها على ما عن الشيخ قدس سرّه من حمل التسمية في الخبر على النيّة ، وكون العمل لله تعالى في القصد معلّلا بأنّ الألفاظ ليست بفريضة حتى يعاد من تركها الوضوء ، وإلّا لم تطهر مواضع الوضوء بتركها ، لأنّه لا يكون قد تطهّر تاركها.

وفيه : أنّ تنزيلها على ما عن الشيخ رحمه‌الله متعذّر ، بناء على كفاية الداعي في صحّة العبادة ، وعدم وجوب الإخطار ، كما هو التحقيق.

وعلى القول بوجوب الإخطار أيضا في غاية البعد ، إذ العادة قاضية

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٥ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٥٢.

(٣) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٥٢.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٥٥ ، وانظر : الذكرى : ٩٣.

(٥) انظر : جواهر الكلام ٢ : ٣٣٠ ، وانظر : التهذيب ١ : ٣٥٨ ذيل الحديث ١٠٧٥.

١٣١

بأنّه في الدفعة الثانية والثالثة كان ملتفتا إلى أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو لا ينفكّ عن قصد امتثال أمر الله تعالى ، إلّا أن لا يكتفي القائل بوجوب الإخطار بهذا المعنى أيضا في صحّة العبادة ويعتبر الالتفات التفصيلي ، كحديث النفس.

وكيف كان ، فهذا الحمل من البعد بمكان ، وأبعد منه احتمال كونه منسوخا ، كما في الوسائل (١) إبداؤه.

وأمّا حملها على التقيّة فكذلك أيضا ، إذ ـ مع بعده في حدّ ذاته خصوصا في مثل هذه الرواية التي حكى الإمام عليه‌السلام أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرّات بالإعادة ، ومع عدم ثبوت التزام العامّة ببطلان الوضوء ووجوب إعادة الصلاة بترك التسمية ـ يتوجّه عليه : أنّه لا داعي لارتكاب التأويل.

وما قيل من أنّ إثبات مشروعيّة إعادة الوضوء والصلاة لترك هذا المستحبّ مشكل ، ففيه : أنّه لا وجه لإشكال بعد ورود النصّ الصحيح وانتفاء ما يعارضها نقلا وعقلا.

أمّا نقلا : فواضح.

وأمّا عقلا : فلأنّ من الجائز أن تكون المزيّة الموجبة لأفضليّة الفرد وتأكّد طلبه أمرا قابلا للتدارك بعد حصول الطبيعة في الخارج ، فحصولها يؤثّر في سقوط الطلب الإلزامي المتعلّق بالطبيعة ، وأمّا الطلب الخاصّ المتعلّق بالفرد لما فيها من المزيّة فلا ، بمعنى أنّ تصادق المصلحتين في

__________________

(١) الوسائل ، ذيل الحديث ٦ من الباب ٢٦ من أبواب الوضوء.

١٣٢

الفرد الأفضل أوجب تأكّد الطلب الإلزامي بالنسبة إليه. وحصول الطبيعة في ضمن فرد آخر لا يقتضي إلّا ارتفاع الإلزام بإيجاد الطبيعة ، وأمّا ارتفاع محبوبيّة إيجادها في ضمن هذا الفرد لإحراز ما فيها من المصلحة بعد فرض إمكان تداركها فلا ، بل العقل قاض في مثل الفرض ببقاء مرتبة من الطلب مقتضية لحسن إيجاد الفعل بداعي الامتثال ، كيف! وقد أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى إمكان القول بأنّ مقتضى القاعدة مشروعيّة الإعادة للإجادة (١) ، إلّا أن يدلّ دليل خاصّ على خلافها. وتمام الكلام في محلّه.

ويكفي في إثبات جواز الإعادة عقلا : وروده شرعا ، كإعادة المنفرد صلاته جماعة.

والحاصل : أنّه لا مقتضي لطرح الرواية المعتبرة أو تأويلها خصوصا في الحكم المستحبّي ، وليس مفادها جواز قطع الصلاة وإعادة الوضوء حتى يزاحمها دليل حرمة القطع ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأخبار : كفاية مطلق التسمية.

وعن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر أنّه لو اقتصر على ذكر اسم الله ، أتى بالمستحبّ (٢).

ولكن ربّما يدّعى انصراف الأخبار إلى لفظ «بسم الله» فذكره بالخصوص أحوط ، بل وأحوط منه قول : بسم الله الرحمن الرحيم ،

__________________

(١) ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة : للإجارة. والظاهر هو ما أثبتناه.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٥٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٦٥.

١٣٣

لإمكان دعوى كونه هو المتبادر من التسمية.

مضافا إلى ورود التصريح به في رواية محمد بن قيس ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فاعلم أنّك إذا ضربت يدك الماء وقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ، تناثرت الذنوب التي اكتسبها يداك» (١) الحديث.

ولا ينافيها ما في بعض الأخبار من الاقتصار على «بسم الله» (٢) ، لكون الحكم مستحبّا ، والاختلاف منزّل على مراتب الفضل ، والله العالم.

(و) الرابعة : (الدعاء) للأخبار الكثيرة.

منها : خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال :«فإذا توضّأت فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله ، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين والحمد لله ربّ العالمين» (٣).

وقد روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : «يا علي إذا توضّأت فقل :بسم الله ، اللهمّ إنّي أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك. فهذا زكاة الوضوء» (٤).

ويحتمل أن يكون مورد هذه الرواية بعد الفراغ من الوضوء.

وفي رواية الخصال ، المتقدّمة (٥) أيضا دلالة على المطلوب.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٣٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٢.

(٢) الكافي ٣ : ٧١ ـ ٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٦ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٢٥ ـ ٦٣ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٤) جامع الأخبار : ١٦٥ ـ ٣٩٤ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ٩.

(٥) في ص ١٣٠.

١٣٤

وفي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله : ويستحبّ الدعاء بعد التسمية وقراءة الحمد والقدر ، حكاه في الذكرى عن المفيد (١).

(و) الخامسة : (غسل اليدين) من الزندين على الأظهر ، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر الأصحاب (٢) (قبل إدخالهما الإناء) الذي يغترف منه (من حدث النوم أو البول مرّة ومن الغائط مرّتين).)

ويدلّ على الأخيرين : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال : «واحدة من حدث البول ، واثنتان من حدث الغائط ، وثلاث من الجنابة» (٣).

وتقييد السائل يده باليمنى لا يدلّ على اختصاص الحكم بها حتى يقيّد بها مطلقات الأخبار ، خصوصا مع ما في الأخبار من الدلالة على أنّ حكمة الحكم صيانة ماء الوضوء عن الانفعال بالنجاسة المحتملة ، وهي مقتضية لاستحباب غسل اليدين لا خصوص اليمنى.

ويدلّ على الأوّلين : إطلاق الأمر بالغسل في رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شي‌ء أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : «لا ، حتى

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٥٥ ، وانظر : الذكرى : ٩٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢ : ١٤٩.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦ ـ ٩٦ ، الإستبصار ١ : ٥٠ ـ ١٤١ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

١٣٥

يغسلها» قلت : فإنّه استيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : «لا ، لأنّه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها» (١).

ويدلّ على الأوّل بل والأخير أيضا : صحيحة حريز عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يغسل الرجل يده من النوم مرّة ، ومن الغائط والبول مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا» (٢).

قال في الوسائل : اعتبار المرّتين في البول محمول على الأفضليّة ، أو على صورة اجتماع الغائط والبول ، كما هو الظاهر من العطف ، فيدلّ على التداخل (٣). انتهى.

ويدلّ على الجميع : ما أرسله الصدوق عن الصادق عليه‌السلام : «اغسل يدك من البول مرّة ، ومن الغائط مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا» قال : وقال عليه‌السلام :«اغسل يدك من النوم مرّة» (٤).

ثمّ إنّ ظاهر المتن وغيره كصريح بعض : اختصاص استحباب غسل اليدين بما إذا كان الوضوء من الإناء الواسع الرأس دون الضيّق الرأس ، والكثير والجاري.

وهذا هو الذي يستفاد من الأخبار الناهية عن إدخال اليد في الماء

__________________

(١) الكافي ٣ : ١١ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ـ ١٠٦ ، الإستبصار ١ : ٥١ ـ ١٤٥ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦ ـ ٩٧ ، الإستبصار ١ : ٥٠ ـ ١٤٢ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ، ذيل الحديث ٢ من الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩ ـ ٩١ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤ و ٥.

١٣٦

قبل غسلها ، إلّا أنّه لو قيل باستحباب الغسل مطلقا ، نظرا إلى إطلاق الأمر بغسل اليدين من الأحداث المذكورة ، لإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، فلعلّه لا يخلو عن وجه.

نعم ، كون الغسل قبل إدخالها في الإناء مخصوص بالآنية الواسعة الرأس ، لاختصاص الأدلّة المقيّدة بها.

قال في الحدائق ـ بعد استظهاره من كلام البعض تخصيص الاستحباب بالوضوء من الإناء الواسع الرأس ، لما ورد من التعليل بالنجاسة الوهميّة في موثّقة عبد الكريم ـ : والظاهر كما صرّح به آخرون : التعميم ، نظرا إلى إطلاق رواية حريز ، وأنّ الأمر بذلك محض تعبّد ، لا للنجاسة ، مع انحصار مورد التوهّم في حدث النوم خاصّة (١). انتهى. والأمر سهل.

ثمّ لا يخفى عليك اختصاص الحكم بالأحداث المذكورة ، فلا يستحبّ من حدث الريح ، لعدم الدليل.

وهل غسل اليدين من الأجزاء المستحبّة للوضوء ، أو أنّه مستحبّ خارجي؟ فيه بحث تقدّمت الإشارة إليه في بعض مباحث النيّة.

وعلى تقدير كونه مستحبّا خارجيّا ، فالأظهر كونه توصّليّا ، فيرتفع طلبه بمجرّد حصول الغسل في الخارج ولو لم يقصد الوضوء ، والله العالم.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ : ١٤٩ ـ ١٥٠.

١٣٧

(و) السادسة : (المضمضة) وهي إدارة الماء في الفم.

(و) السابعة : (الاستنشاق) وهو جذبه إلى الأنف.

واستحبابهما هو المعروف نصّا وفتوى ، بل لم ينقل خلاف فيه ، إلّا عن ظاهر العماني حيث قال : إنّهما ليسا عند آل الرسول بفرض ولا سنّة (١).

وكلامه بحسب الظاهر تعبير عن مضمون رواية زرارة «ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة ، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (٢) فيحتمل من التوجيه ما تحتمله الرواية.

ولعلّ المراد منها أنّهما ليسا بواجبين في كتاب الله ولا في سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما الواجب غسل ما ظهر ، وإطلاق الفريضة والسنّة على هذا المعنى شائع في الأخبار.

ويمكن حملها على إرادة عدم كونهما من الأجزاء المستحبّة للوضوء ، بل هما نظير السواك وغيره مستحبّ خارجي عند الوضوء.

ويؤيّد هذا الحمل : ما في رواية أبي بصير حيث سأله عنهما ، قال عليه‌السلام : «ليس هما من الوضوء ، هما من الجوف» (٣).

وفي رواية زرارة : «المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء» (٤).

__________________

(١) كما في الجواهر ٢ : ٣٣٥ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ١١١ ، المسألة ٦٨.

(٢) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٢ ، الإستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٤ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٩.

(٤) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ١٩٩ ، الإستبصار ١ : ٦٦ ـ ١٩٩ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

١٣٨

ورواية الحضرمي «ليس عليك مضمضة ولا استنشاق لأنّهما من الجوف» (١).

ولكن يردّه : وجوب ارتكاب التأويل في هذه الأخبار بحملها على عدم كونهما من الأجزاء الواجبة بشهادة غيرها من الروايات المعتبرة المعمول بها عند الأصحاب.

مثل : موثّقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عنهما ، فقال :«هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلا تعد» (٢).

وفي رواية سماعة ، قال : سألته عنهما ، قال : «هما من السنّة ، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة» (٣).

وفي رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام أنّه سأله عن المضمضة والاستنشاق ، قال : «ليس بواجب ، وإن تركهما لم يعد لأجلهما الصلاة» (٤).

وظاهر هذه الرواية كصريح ما تقدّمها كونهما من الأجزاء المستحبّة.

وممّا يدلّ على استحبابهما ـ مضافا إلى ما تقدّم ـ ما في الخصال

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٠ ، الإستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ١٩٧ ، الإستبصار ١ : ٦٦ ـ ١٩٧ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٤) قرب الإسناد : ١٧٦ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٤.

١٣٩

عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة ، قال : «والمضمضة والاستنشاق سنّة وطهور للفم والأنف» (١) إلى آخره.

ورواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «المضمضة والاستنشاق ممّا سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

ورواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عن النبي صلّى الله عليه وعليهم أجمعين ، قال : «ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق ، فإنّه غفران لكم ومنفرة للشيطان» (٣).

وينبغي أن تكون المضمضة قبل الاستنشاق ، للرواية الآتية (٤) الحاكية لفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام مقدّما للمضمضة على الاستنشاق ، وقوله عليه‌السلام بعد الفراغ : «من توضّأ مثل وضوئي وقال مثل قولي كان له كذا وكذا».

وينبغي أن يكون كلّ منهما ثلاثا ، لما روي عن أمالي المفيد الثاني ولد شيخ الطائفة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في عهده إلى محمد بن أبي بكر حين ولّاه مصر ، وفيه : «وانظر إلى الوضوء فإنّه من تمام الصلاة تمضمض ثلاث مرّات واستنشق ثلاثا ـ إلى أن قال ـ فإنّي رأيت رسول الله يفعل ذلك» (٥).

__________________

(١) الخصال : ٦١١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٣.

(٢) التهذيب ١ : ٧٩ ـ ٢٠٣ ، الإستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٣) ثواب الأعمال : ١٩ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ١١.

(٤) تأتي في ص ١٤١ ـ ١٤٢.

(٥) أمالي الطوسي ١ : ١٩ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١٩.

١٤٠