مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

(منيّا ، وجب) عليه (الغسل) إذا اطمأنّ بأنّه منه ولم يحتمل كونه من الجنابة التي اغتسل منها ، ولا كونه من شخص آخر ، كما هو الغالب فيما (إذا لم يشاركه في الثوب) أو الفراش ونحوه (غيره) ليتحقّق احتمال كونه من ذلك الغير ، وإلّا فلا يجب ، لاستصحاب الطهارة المتيقّنة.

ولا يعارضه في الفرض الأوّل استصحاب بقاء الجنابة ووجوب الغسل المعلوم تنجّزه في حقّه حال حدوث المنيّ ، وعدم اغتساله من هذا المنيّ عند احتمال كونه من الجنابة التي اغتسل منها ، لأنّ الشكّ في بقاء الوجوب وعدم الاغتسال منه مسبّب عن الشكّ في حدوث جنابة جديدة منتفية بالأصل.

وكذا لا يعارضه في الفرض الثاني استصحاب عدم كونه من الغير الذي يشاركه في الثوب ، لما عرفته في مسألة الإناءين اللذين اشتبه طاهرهما بنجسهما : أنّ العلم الإجمالي إنّما يمنع من إجراء الأصول في أطراف الشبهة إذا كان مؤثّرا في تنجيز التكليف على كلّ تقدير ، فحيث لا يجب عليه الغسل على تقدير كون الجنب غيره لا يمنع علمه الإجمالي بالجنابة المتردّدة بينه وبين الغير من استصحاب الطهارة والبناء على عدم وجوب الغسل عليه.

نعم ، لو كان لجنابة الغير بالنسبة إليه أثر فعليّ من بعض الجهات ، كما لو أراد أن يصلّي معه جمعة أو يقتدي به جماعة ، أو أراد ثالث أن يقتدي بهما أو بواحد منهما على تقدير كون الآخر أيضا في عرض هذا الشخص من موارد ابتلائه بالفعل ، يتعارض الأصلان بالنظر إلى هذا الأثر ،

٢٤١

كما تقدّم تحقيقه في الشبهة المحصورة.

ويدلّ على عدم وجوب الغسل عند عدم العلم بكونه منه أو احتمل كونه من الجنابات السابقة التي اغتسل منها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب بثوبه منيّا ولم يعلم أنّه احتلم ، قال :«ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضّأ» (١).

وقوله عليه‌السلام : «وليتوضّأ» بحسب الظاهر مسوق لبيان عدم وجوب الغسل وكفاية الوضوء لأجل صلاته ، لا أنّه يجب عليه الوضوء بسبب رؤية المنيّ في ثوبه.

وكيف كان فالرواية كادت أن تكون صريحة في عدم وجوب الغسل بمجرّد رؤية المنيّ في الثوب لو لم يعلم بأنّه احتلم ، وحيث إنّ ظاهر إضافة الثوب إليه في كلام السائل : اختصاصه به ، يتعذّر حمل جواب الإمام عليه‌السلام على إرادة نفي وجوب الغسل عليه إذا شاركه في الثوب غيره لا مطلقا ، كما عن الشيخ (٢) قدس سرّه ، جمعا بينها وبين الروايتين الآتيتين.

نعم ، المتبادر من قول السائل : ولم يعلم أنّه احتلم ، عدم علمه بكون المنيّ من احتلام حادث يوجب عليه الغسل بالفعل ، وغرضه بحسب

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٧ ـ ١١١٧ ، الإستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٦٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٢) حكاه عنه الحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل الحديث ٣ من الباب ١٠ من أبواب الجنابة ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٢ ، وانظر : التهذيب ١ : ٣٦٨ ذيل الحديث ١١١٩.

٢٤٢

الظاهر بيان كونه شاكّا في جنابته الفعليّة بحيث يكون مكلّفا بالغسل.

وإنّما عبّر بعدم علمه بأنّه احتلم ، لأنّ احتمال الاحتلام هو السبب العادي للشكّ في الجنابة ، واحتمال حصولها في حال اليقظة وغفلته عنها ليس احتمالا عقلائيّا يوجب تردّده ، فيدلّ جواب الإمام عليه‌السلام على عدم وجوب الغسل عليه ما لم يعلم بالجنابة ، سواء نشأ شكّه من احتمال كون المنيّ الذي أصاب ثوبه من الغير أو من بقيّة جناباته السابقة الصادرة منه في نومه أو يقظته ، التي اغتسل منها ، وخرجت من مورد تكليفه الفعلي.

وأمّا لو نشأ شكّه في جنابته بالفعل عن علمه إجمالا بحصول جنابة مستقلّة مردّدة بين كونها قبل الغسل أو بعده ، فهو ـ مع أنّه فرض نادر التحقّق لا يلتفت إليه الذهن ـ خلاف ظاهر السؤال ، حيث حيث لا يعبّر في الاستفهام عن حكم مثل هذا الفرض بمثل هذه العبارة ، فلا يفهم حكمه من إطلاق الجواب.

وكيف كان فالرواية في أعلى مراتب الظهور في أنّ وجدان المنيّ في ثوبه ـ مختصّا كان أم مشتركا ـ لا يوجب الغسل ما لم يتيقّن بالجنابة.

ولا يعارضها موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه قد احتلم ، فوجد في ثوبه وعلى فخذه الماء ، هل عليه غسل؟ قال : «نعم» (١).

وموثّقته الأخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يرى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٣٦٨ ـ ١١١٩ ، الإستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٢٤٣

في ثوبه المنيّ بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم ، قال :«فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته» (١).

أمّا أوّلا : فلحصول الجزم في مورد السؤال غالبا بكون المنيّ منه وحصوله في نومته ، كما نجده من أنفسنا حيث نصبح كثيرا مّا ونجد المنيّ في ثوبنا ولا نتردّد في حدوثه في النوم خصوصا لو وجدناه رطبا على الفخذ ، كما هو ظاهر سؤاله الأوّل ، حيث عبّر عنه بالماء.

وثانيا : أنّ المسؤول عنه في الموثّقتين إنّما هو حكم من وجد المنيّ ولم ير في نومه أنّه قد احتلم ، لا حكم المتردّد في أصل الاحتلام ، كما في الرواية السابقة ، وظاهر سؤاله فيهما كون خروج المنيّ منه مفروغا منه عنده ولا أقلّ من إهماله من هذه الجهة ، فلا يستفاد من الجواب إلّا وجوب الغسل عليه في الجملة في مقابل ما حكي عن بعض العامّة من اشتراط تذكّر احتلامه في النوم (٢) ، وما هو لازم مذهب أبي حنيفة القائل باشتراط خروجه من شهوة (٣) ، المقتضي للرجوع إلى البراءة في مثل الفرض من حيث الشكّ في تحقّق شرط الوجوب ، وحيث إنّ الموثّقتين مسوقتان لبيان عدم اشتراط وجوب الغسل عليه برؤيته الاحتلام في النوم ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٧ ـ ١١١٨ ، الإستبصار ١ : ١١١ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٧.

(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١ : ٦٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦ ، المجموع ٢ : ١٣٩ ، حلية العلماء ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ١٨٢ ، المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٠.

٢٤٤

لا يجوز التشبّث بإطلاقهما لنفي شرطيّة العلم بخروجه منه في تنجّز التكليف ، لأنّ من شرط التمسّك بالإطلاق عدم وروده لبيان حكم آخر.

وعلى تقدير تسليم ظهورهما في وجوب الغسل عليه بمجرّد الرؤية ولو مع الشكّ في كونه منه أو من الجنابة السابقة ، يتعيّن صرفهما عن هذا الظاهر ، وتخصيصهما بغير الشاكّ ، جمعا بينهما وبين الرواية السابقة التي عرفت أنّها نصّ في عدم وجوب الغسل على غير العالم.

ودعوى أنّ النسبة بينهما العموم من وجه ، لظهور الموثّقتين في من رأى المنيّ في ثوبه بعد الانتباه بلا فصل ، وهذا بخلاف رواية أبي بصير ، فإنّ موردها مطلق الشاكّ في الاحتلام بعد تسليمها والإغماض عن أنّ الأمر بإعادة الصلاة في الجواب يدلّ على إرادة إطلاق الحكم ، غير مجدية ، لكون الرواية أقوى ظهورا في الإطلاق من الموثّقتين.

فظهر لك أنّ القول بأنّ رؤية المنيّ في الثوب المختصّ مطلقا أو بعد الانتباه من النوم أمارة شرعيّة تعبّديّة حاكمة على قاعدة عدم نقض اليقين بالشكّ ضعيف جدّا خصوصا لو كان وجه تخصيص الثوب بالمختصّ الجمع بين الروايات ، لعرائه عن الشاهد.

والعجب ممّن ادّعى الإجماع عليه ، نظرا إلى تعرّض العلماء لذكر هذا الفرع بالخصوص ، فلو لا أنّها أمارة تعبّديّة ، لكان ذكره بعد بيانهم وجوب الغسل بخروج المنيّ مطلقا مستدركا.

وفيه : أنّ كثيرا منهم بل جلّ أساطينهم ـ كالسيّد والشيخ والحلّي

٢٤٥

والعلّامة (١) وغيرهم فيما حكي (٢) عنهم ـ علّلوا وجوب الغسل عليه عند رؤيته المنيّ في الثوب المختصّ : بعدم احتمال كونه من غيره ، فهو منه ، ولا اعتبار بالعلم بالخروج في وقته ، فهذا التعليل منهم يدلّ على كون الحكم لديهم على القاعدة.

كما يؤيّده تعليلهم عدم الوجوب في صورة الاشتراك واحتمال كونه من الغير : بقاعدة عدم نقض اليقين بالشكّ من دون أن يكون في كلامهم إشعار بكون الحكم الأوّل على خلاف القاعدة.

وأمّا تعرّضهم لذكر هذا الفرع بالخصوص : فمن الجائز كونه لمكان تعرّض الروايات له ، ووقوع الخلاف فيه بين أهله ، والله العالم.

ثمّ إنّه بعد أن رأى المنيّ بثوبه وحصل له العلم بجنابته ، يعيد بعد الغسل من صلاته ما علم وقوعها حال الجنابة ، وأمّا ما احتمل سبقها عليها فلا ، لقاعدة الصحّة ، واستصحاب الطهارة السابقة التي لم يعلم بارتفاعها حين الإتيان بالصلوات التي احتمل سبقها على الجنابة.

وليس هذه المسألة من جزئيّات مسألة من عليه فرائض لم يحص عددها ، حيث نسب إلى المشهور أنّه يقضيها حتى يحصل له القطع بالبراءة أو الظنّ بها على الخلاف ، فإنّ موضوع تلك المسألة ما لو علم بفوت بعض صلواته أو بطلانها على سبيل الإجمال ، لا ما لو علم تفصيلا

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨ ، السرائر ١ : ١١٥ ـ ١١٦ ، وفيه أيضا حكاية التعليل عن السيّد المرتضى في مسائل خلافه. منتهى المطلب ١ : ٨٠.

(٢) انظر : جواهر الكلام ٣ : ١٧.

٢٤٦

ببطلان بعضها بالخصوص وشكّ في بطلان الزائد على ما يعلمه بالتفصيل ، كما فيما نحن فيه.

هذا ، مع أنّه قد يمنع وجوب الاحتياط في تلك المسألة أيضا بدعوى انحلال علمه الإجمالي إلى علم تفصيليّ وشكّ بدويّ ، فيكون بعد التحليل نظير ما نحن فيه ، فيرجع فيما زاد على المتيقّن إلى البراءة ، لرجوعه إلى الشكّ في أصل التكليف لا في المكلّف به.

لكنّه لا يخلو عن تأمّل ، وتحقيقه موكول إلى محلّه ، والله العالم.

ولو رأى بثوبه منيّا وعلم أنّه منه ولم يحتمل كونه من الجنابة التي اغتسل منها لكن شكّ في حدوثه قبل الغسل أو بعده ، وجب عليه الغسل لما يصلّي فيما بعد ، وأمّا ما صلّاها فقد مضت ، ولا إعادة عليه ، لقاعدة الصحّة.

وأمّا وجوب الغسل عليه لما يصلّي : فلقاعدة الاشتغال ، القاضية بوجوب تحصيل القطع بالطهارة التي هي شرط في الصلاة.

ولا يتمشّى استصحاب الطهارة المتيقّنة الحاصلة بالغسل ، لمعارضته باستصحاب الحدث المتيقّن عند خروج المني الموجود في الثوب.

وعدم العلم بكونه مؤثّرا في إثبات التكليف ، لاحتمال حدوثه قبل الغسل غير ضائر ، لأنّ المناط في الاستصحاب إحراز وجوده في هذا الحين سواء حدث التكليف به أو بسبب سابق ، ولا شبهة في ثبوت الجنابة حال خروج هذا المني ، ووقوع الغسل عقيب الجنابة ، المعلوم

٢٤٧

ثبوتها في هذا الحين غير معلوم.

والفرق بين هذه المسألة ومسألة من رأى بثوبه منيّا واحتمل كونه من الجنابة التي اغتسل منها مع اشتراكهما في كون الشكّ في البقاء مسبّبا عن الشكّ في وحدة التكليف وتعدّده هو : أنّ رؤية المني في تلك المسألة لا توجب العلم بثبوت التكليف في زمان مغاير للزمان الذي علم ثبوته فيه تفصيلا ، وعلم وقوع الغسل عقيبه ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الرؤية موجبة للعلم بثبوت التكليف في زمان لم يحرز وقوع الغسل عقيبه ، فاحتمال وحدة التكليف في تلك المسألة أورث الشكّ في ثبوت تكليف وراء ما علم سقوطه ، واحتمال تعدّده فيما نحن فيه أوجب الشكّ في سقوط ما علم ثبوته ، ففي الأوّل يرجع إلى قاعدة البراءة ، وفي الثاني إلى الاشتغال.

وقد تقدّم الكلام في توضيح المقام ـ بإيراد ما يتوجّه عليه من النقض والإبرام ـ بما لا مزيد عليه في باب الوضوء في مسألة من تيقّنهما وشكّ في المتأخّر ، فراجع.

(و) الأمر الثاني : (الجماع ، فإن جامع امرأة في قبلها) وجب عليهما الغسل وإن لم يتحقّق الإنزال بلا خلاف فيه فتوى ونصّا ، بل النصوص عليه لو لم تكن متواترة ففي أعلى مراتب الاستفاضة ، لكنّ الأخبار الواردة في الباب في جملة منها علّق الحكم على الإدخال والإيلاج.

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته متى

٢٤٨

يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ قال : «إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (١).

وعن نوادر البزنطي صاحب الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : «إذا أولجه وجب الغسل والمهر والرجم» (٢).

وهذه الطائفة من الأخبار لا تخلو عن شوب من الإجمال والإهمال ، لإمكان أن يراد منها إدخال جميع الذكر في الفرج أو إدخاله في الجملة ولو ببعضه أيّ بعض ، أو إدخال البعض المعتدّ به ، الذي أقلّه مقدار الحشفة.

ولا يبعد دعوى أنّ الأخير هو الذي يتبادر إلى الذهن وينصرف إليه الإطلاق ، وعلى تقدير منع الانصراف ، يتعيّن صرفها إليه بقرينة غيرها من الأخبار المعتبرة المستفيضة الدالّة على عدم اعتبار إدخال الكلّ وعدم كفاية مطلقه ، بل إنّما (يجب الغسل إذا التقى الختانان).

ففي صحيحة علي بن يقطين «إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل» (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١١٨ ـ ٣١٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٢) السرائر ٣ : ٥٥٧ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ١١٩ ـ ٣١٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

٢٤٩

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل» (١).

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ما تقولون في الرجل أتى أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فقال عمر لعليّ عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليّ عليه‌السلام : أتوجبون عليه الحدّ والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر :القول ما قال المهاجرون ، ودعوا ما قالت الأنصار» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا ما عن نوادر محمد بن علي بن محبوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام متى يجب على الرجل والمرأة الغسل؟ فقال عليه‌السلام : «يجب عليهما الغسل حين يدخله ، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجيهما» (٣) فلا بدّ من تأويله بما لا ينافي الأخبار المعتبرة المستفيضة المعمول بها.

ويحتمل قويّا أن يكون المراد من التقاء الختانين تلاقيهما من الظاهر من دون إدخال بقرينة صدره ، فيكون غسل الفرجين مستحبّا.

وكيف كان فربّما أشكل تصوّر ما أريد من التقاء الختانين ، نظرا إلى

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ١ : ١١٩ ـ ٣١٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

(٣) السرائر ٣ : ٦٠٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٩.

٢٥٠

ما قيل (١) من أنّ موضع ختان المرأة من أعلى الفرج ، ومدخل الذكر أسفله ، وهو مخرج الولد والحيض ، وبينهما ثقبة البول ، فالختانان لا يتلاقيان ، فلذا حملوا التلاقي والتماسّ على إرادة المحاذاة وشدّة المقاربة مجازا.

وفي الحدائق قال : ولعلّ توسّط ثقبة البول بين الموضعين المذكورين لا يكون مانعا من المماسّة والملاصقة ، لانضغاطها (٢) بدخول الذكر ، فتحمل الأخبار كملا (٣) على ظاهرها (٤). انتهى.

ولا يهمّنا تحقيق ما استعمل فيه اللفظ من إرادة معناه الحقيقي أو المجازي بعد وضوح المراد وورود تفسيره في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال عليه‌السلام : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : «نعم». (٥) فالمدار على غيبوبة الحشفة في الفرج ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه.

هذا في من له الحشفة ، وأمّا من لا حشفة له ، كما إذا قطعت جميعها أو بعضها ، فالمدار على غيبوبة مقدارها ، كما عن المشهور ، بل

__________________

(١) في «ض ٦ ، ٨» والطبعة الحجريّة : وانضغاطها. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في «ض ٦» والطبعة الحجريّة : كلّها.

(٣) انظر : الحدائق الناضرة ٣ : ٣ ، وجواهر الكلام ٣ : ٢٨.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ : ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ ـ ٣١١ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

٢٥١

عن بعض عدم الخلاف فيه (١) ، لا لدعوى أنّ المراد من التقاء الختانين التقاء موضعهما المقدّر ، ومن غيبوبة الحشفة غيبوبة مقدارها حتى يتوجّه عليها أنّها مخالفة للظاهر ، بل لما أشرنا إليه من أنّه يستفاد من هذه الأخبار أنّ المراد من إدخال الذكر في الأخبار المطلقة ليس إدخال جميعه ، ولا مطلق الإدخال بحيث يصدق بإدخال جزء منه ، بل المراد منها إدخال مقدار معتدّ به يتّحد ذلك المقدار في المصاديق الخارجيّة بالنسبة إلى الأفراد المتعارفة مع غيبوبة الحشفة ، نظير ما لو قيل في جواب أهل البلاد التي لها سور إذا سألوا عن الحدّ الذي يقصر فيه المسافر : إذا خفي عليكم سور البلد يجب القصر ، فيفهم من هذا الجواب اعتبار تقدير هذا المقدار بالنسبة إلى أهل القرى والبوادي وغيرهم ممّن ليس لبلدهم سور حيث يستفاد منه عدم إرادة إطلاق وجوب القصر على المسافر من الأدلّة المطلقة بحيث يجب عليه بمجرّد الأخذ في السير ، بل لا بدّ من اشتغاله بالسير اشتغالا يعادل هذا المقدار.

وكيف كان فاستفادة التقدير في مثل هذه الموارد ممّا يساعد عليه الفهم العرفي.

فما عن بعض من احتمال تحقّق جنابته بمطلق الإدخال ، نظرا إلى الأخبار المطلقة ، المقتصر في تقييدها بالأخبار المقيّدة في من له الختان كاحتمال توقّف جنابته على إدخال تمام الذكر بدعوى كونه هو المتبادر من

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٢٩.

٢٥٢

قوله في بعض تلك الأخبار : «إذا أدخله» (١) وفي آخر : «إذا أولجه» (٢) ضعيف.

وأضعف منهما : احتمال القول بعدم تحقّق الجنابة فيه أصلا ، أخذا بمفهوم قوله : «إذا التقى الختانان» (٣) الصادق بسلب الموضوع.

وفيه : أنّ الشرطيّة بمنطوقها تدلّ على وجوب الغسل على من له الختان بشرط أن يمسّ ختانه ختانها ، وأمّا من لا ختان له فهو خارج من موضوع المنطوق ، فلا يفهم حكمه من المفهوم ، لأنّ قضيّة التعليق على الشرط ليس إلّا عدم ثبوت الحكم المذكور للموضوع المذكور عند انتفاء شرطه.

نعم ، لو لا أنّ الغالب المتعارف تحقّق الجماع ممّن له الختان ، لكان مقتضى الجمع بين الأخبار الدالّة على سببيّة التقاء الختانين للوجوب والأخبار الدالّة على سببيّة مطلق الإدخال بعد العلم باتّحاد السببين : تقييد المطلقات بها ، ومقتضاه عدم وجوب الغسل على من لا ختان له ، لأصالة البراءة ، لا لمفهوم الشرط ، لكن جري المقيّدات مجرى العادة منعها من الظهور في إرادة التقييد.

والحاصل : أنّه يستفاد من الأخبار المطلقة الإطلاق من جهتين :

إحداهما : العموم الأحوالي لو سلّم.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٤٩ ، الهامش (١).

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٤٩ ، الهامش (٢).

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ٢٥٠ ، الهامش (٢).

٢٥٣

وأخراهما : العموم بحسب الأشخاص.

أمّا إطلاقها من الجهة الاولى فلا بدّ من تقييده بمنطوق الأخبار المقيّدة فضلا عن مفهومها.

وأمّا من الحيثيّة الثانية وإن كان مقتضى القاعدة تقييدها بمنطوق هذه الأخبار بأن يقيّد سبب الغسل بالإدخال الذي يتحقّق به التقاء الختانين إلّا أنّها لورودها مورد الغالب لا يستفاد منها التقييد خصوصا في مثل المقام الذي هو بمنزلة التخصيص ، كما هو ظاهر.

والغرض من إطالة الكلام التنبيه على أنّ ما قيل في تضعيف الاحتمالات المذكورة بأنّ الشرطيّة في مثل قوله عليه‌السلام : «إذا التقى الختانان» لورودها مورد الغالب لا ظهور لها في الاشتراط ، ليس على ما ينبغي ، كيف! وقد التزمنا بمفهوم الشرط وقلنا بعدم كفاية مطلق الإدخال ، وإنّما منعنا اختصاص الحكم بمن له الختان بدعوى أنّ التحديد بالتقاء الختانين إنّما هو بملاحظة الغالب ، فلا يستفاد منه مدخليّة الحدّ في موضوع الحكم ، كما يشهد به الفهم العرفي في كثير من المقامات التي هي من هذا القبيل.

ولذا لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل لوطي المرأة في قبلها لو لم يكن لها ختان ، لأنّها حينئذ كالرجل الذي قطعت حشفته ، بل الأمر فيه أوضح بالنظر إلى ما ستعرف من وجوب الغسل بالوطي في دبرها.

ثمّ إنّه لا فرق في سببيّة الجماع لوجوب الغسل بين كونه صغيرا أو كبيرا ، عاقلا أو مجنونا ، مختارا أو مكرها ، ولا بين كون الموطوءة كذلك ،

٢٥٤

لعموم السببيّة المستفادة من نحو قوله عليه‌السلام : «إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل» (١).

ولا ينافي عدم وجوب الغسل على الصبي والمجنون بالفعل عموم سببيّته ، لأنّ مقتضاه وجوبه عليهما كغيرهما عند اجتماع شرائط التكليف كسائر الأسباب الشرعيّة التي لا تختصّ سببيّتها بالبالغين.

بل لا فرق في سببيّته بين كون الموطوءة حيّة أو ميّتة ، فيجب عليه الغسل (وإن كانت الموطوءة ميّتة) بلا خلاف فيه ظاهرا بيننا حيث نسب الخلاف فيه إلى الحنفيّة (٢) ، الظاهر في اختصاصهم به ، بل عن الرياض دعوى الإجماع عليه (٣) ، لإطلاقات الأدلّة.

ودعوى انصرافها إلى وطء الأحياء غير مسموعة بعد عدم الخلاف فيه ، مع إمكان أن يدّعى أنّ انصرافها بدويّ منشؤه ندرة الوجود ، وإلّا فعلى تقدير الوجود لا خفاء في الصدق.

بل وكذا يجب على المرأة الغسل لو استدخلت حشفة الميّت ، لصدق التقاء الختانين.

وما في بعض الأخبار من تعليق إيجاب الغسل بالإدخال والإيلاج ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ١١٨ ـ ١١٩ ـ ٣١٢ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٢) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٧ ، وانظر : المغني ١ : ٢٣٧ ، والشرح الكبير ١ : ٢٣٥ ، وحلية العلماء ١ : ٢١٦ ، والمجموع ٢ : ١٣٦ ، والعزيز شرح الوجيز ١ : ١٧٩.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٧ ، وانظر : رياض المسائل ١ : ٢٩.

٢٥٥

الظاهر في استناد الفعل إلى الفاعل دون القابل جار مجرى العادة ، وإلّا للزم أن لا يجب عليهما الغسل باستدخال حشفة النائم والمغمى عليه ، مع أنّه يجب إجماعا ، كما عن بعضهم (١) التصريح به ، فهذا كاشف عن إطلاق موضوع الحكم في النصوص والفتاوى من دون تقييده بعرف أو عادة ، كما يفصح عن ذلك تصريحهم بوجوب الغسل عليهما لو لفّ ذكره بخرقة ونحوها ، تشبّثا بصدق غيبوبة الحشفة في الفرج عرفا ، مع أنّه من المصاديق الخفيّة التي يمكن دعوى انصراف الأدلّة عنها لو لا اعتضاد إطلاقها بفهم الأصحاب ، الكاشف عن قرينة داخليّة أو خارجيّة أرشدتهم إليه.

نعم ، لا يكفي استعمال الآلة المنفصلة عن الحيّ أو الميّت ، لانصراف الأدلّة عنها جزما.

وهل يعرض وصف الجنابة للميّت كالحيّ فيلحقه أحكامه ، مثل حرمة مسّ القرآن على بدنه ، وإدخاله في المسجد إن قلنا بهما في غيره؟

وجهان : من عموم سببيّة الجماع للجنابة ، ومن قصور الأدلّة عن إثبات تأثيره في حقّ من ليس من شأنه أن يجب عليه الغسل ولو معلّقا على البلوغ والعقل والقدرة. وهذا هو الأشبه خصوصا لو لم نقل بأنّ الجنابة قذارة معنويّة ، بل هي منتزعة من الأحكام التكليفيّة.

وربما يستدلّ له : بأنّ الجنابة معروضها النفس الناطقة ، فلا يتّصف بها الميّت.

__________________

(١) انظر : كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٧٤ ، ومستند الشيعة ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٢٥٦

وفيه : أنّه مجرّد دعوى لا دليل عليها ، لأنّ من الجائز أن يكون معروض الحدث كالخبث جسد المكلّف لا روحه.

وربما يستدلّ للأوّل : بما روي في نبّاش نبش قبرا من قبور بنات الأنصار وسلبها أكفانها فجامعها ، فسمع قائلا يقول من ورائه بعد أن فارقها : يا شابّ ويل لك من ديّان يوم الدين يوم يقفني وإيّاك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي فويل لشبابك من النار (١).

وفيه على تقدير صحّة الرواية : أنّه لا يصحّ الاستناد إلى مثل هذا الصوت ـ الذي أنشأه الله في جماد لأن يهدي به هذا الشابّ ـ في إثبات الحكم الشرعي وترتيب آثار الجنب عليها في الظاهر.

ثمّ إن قلنا بصيرورة الميّت جنبا ، فلا يجب غسله على الأحياء ، إذ ـ مع أنّه لا دليل عليه ـ لا دليل على تأثيره في رفع الجنابة ، والله العالم. (وإن جامع) امرأة (في الدبر ولم ينزل ، وجب الغسل على) الأشهر بل المشهور على ما نسب إليهم (٢) ، بل عن ابن إدريس أنّه إجماع بين المسلمين (٣).

وعن السيّد أنّه قال : لم أعلم خلافا بين المسلمين في أنّ الوطء في الموضع المكروه من ذكر وأنثى يجري مجرى الوطء في القبل مع الإيقاب

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٣.

(٢) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٤.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٢ ، وانظر : السرائر ١ : ١٠٨.

٢٥٧

وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به وإن لم يكن إنزال ، ولا وجدت في الكتب المصنّفة لأصحابنا الإماميّة إلّا ذلك ، ولا سمعت ممّن عاصرني منهم من الشيوخ نحوا من ستّين سنة يفتي إلّا بذلك ، فهذه مسألة إجماع من الكلّ.

ولو شئت أن أقول : معلوم ضرورة من دين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم ، فإنّ داود وإن خالف في أنّ الإيلاج في القبل إذا لم يكن معه إنزال لا يوجب الغسل (١) ، فإنّه لا يفرّق بين الفرجين ، كما لا يفرّق باقي الأمّة بينهما في وجوب الغسل بالإيلاج في كلّ واحد منهما.

واتّصل بي في هذه الأزمان من بعض الشيعة الإماميّة أنّ الوطء في الدّبر لا يوجب الغسل تعويلا على أنّ الأصل عدم الوجوب ، أو على خبر يذكر أنّه في منتخبات سعد أو غيرها ، فهذا ممّا لا يلتفت إليه.

أمّا الأوّل : فباطل ، لأنّ الإجماع والقرآن ، كقوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) (٢) يزيل حكمه.

وأمّا الخبر : فلا يعتمد عليه في معارضة الإجماع والقرآن ، مع أنّه لم يفت به فقيه ولا اعتمده عالم ، مع أنّ الأخبار تدلّ على ما أردناه ، لأنّ كلّ خبر تضمّن تعليق الغسل بالجماع والإيلاج في الفرج فإنّه يدلّ على ما

__________________

(١) حلية العلماء ١ : ٢١٦ ، المجموع ٢ : ١٣٦ ، المغني ١ : ٢٣٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٠٥.

(٢) النساء : ٤٣.

٢٥٨

ادّعيناه ، لأنّ الفرج يتناول القبل والدّبر ، إذ لا خلاف بين أهل اللغة وأهل الشرع في ذلك (١). انتهى.

واستدلّ له أيضا ـ مضافا إلى نقل الإجماع وعدم الخلاف فيه بين المسلمين من السيّد وابن إدريس ، وظاهر الآية والأخبار التي تشبّث بها السيّد ـ بقوله عليه‌السلام : «أتوجبون عليه الحدّ ولا توجبون عليه صاعا من ماء!؟» (٢).

ومرسل حفص بن سوقة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها ، قال : «هو أحد المأتيّين فيه الغسل» (٣).

ويمكن المناقشة في الجميع.

أمّا في نقل الإجماع : فبعدم الحجّيّة ، كما تحقّق في الأصول ، خصوصا مع معلوميّة المخالف ، ولا سيّما مع تصريح الناقل بسماع الخلاف من بعض أهل عصره.

وأمّا الأخبار التي علّق الغسل فيها بالجماع والإيلاج في الفرج :ففيها أنّ الفرج وإن عمّ الدّبر بمقتضى تصريح اللغويّين لكنّه منصرف عنه في مثل هذه الأخبار ، لأنّ الفرج الذي يتعارف وطؤه القبل. مضافا إلى

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٣٢ ـ ٣٣ ، ونقله عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ :١٦٦ ـ ١٦٧ ذيل المسألة ١١٠.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٢٥٠ ، الهامش (٢).

(٣) التهذيب ٧ : ٤٦١ ـ ١٨٤٧ ، الإستبصار ١ : ١١٢ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٢٥٩

شيوع إطلاقه عليه.

وأمّا الآية : فظاهرها غير مراد قطعا ، وقد ورد في تفسيرها عن الباقر عليه‌السلام «أنّه ما يريد بذلك إلّا المواقعة في الفرج» (١) وقد عرفت انصرافه إلى القبل.

وأمّا الرواية الدالّة على الملازمة بين الحدّ والغسل : فليس المراد منها الملازمة بين الغسل ومطلق ما عليه الحدّ ، كما هو ظاهر ، بل المراد منها ـ بحسب الظاهر ـ أنّ مجامعة المرأة ـ التي هي مورد الرواية ـ ملزومة لأمرين : أحدهما : استحقاق حدّ الزنا على تقدير الحرمة ، والآخر :وجوب الغسل ، فلا وجه للتفكيك وإيجاب الحدّ مع أنّه يدرأ بالشبهة وعدم إيجاب الغسل الذي هو أهون ، مع أنّهما محمولان على موضوع واحد.

وأمّا الرواية الأخيرة : فمع ضعف سندها بالإرسال معارضة بما سيأتي.

ولكنّ الإنصاف أنّه لا ينبغي الالتفات إلى دعوى الانصراف في الروايات بعد فهم المشهور منها العموم ، وتصريح اللغويّين بذلك.

وأمّا الآية : فظاهرها ـ بعد العلم بعدم إرادة مطلق الملامسة ـ هي الملامسة المعهودة التي يكنّى عنها ، أعني الوطء في الموضع المستهجن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٥ ، الإستبصار ١ : ٨٧ ـ ٢٧٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

٢٦٠