مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

الفصل (الأوّل : في) غسل (الجنابة) (والنظر) فيه (في) بيان أمور ثلاثة : (السبب) أي الأمور المؤثّرة في حدوثها (والحكم) أي الأثر الشرعي المترتّب عليها عند تحقّقها (و) كيفيّة (الغسل) المؤثّر في إزالتها.

(أمّا سبب الجنابة فأمران):)

أحدهما : (الإنزال) الذي هو عبارة عن خروج المنيّ إلى ظاهر الجسد مطلقا ، فيثبت به الجنابة (إذا علم أنّ الخارج منيّ) سواء قارنته الشهوة أو الدفق أو فتور الجسد أم لا.

والمناقشة بعدم انفكاكه عادة عن جميع هذه الأوصاف أو تعذّر حصول العلم بكون الخارج منيّا عند فقدها بعد التسليم ، خارجة من دأب المناظرة ، لأنّ صدق الشرطيّة لا يتوقّف على تحقّق الشرط ، والمقصود بيان أنّ خروج المنيّ بذاته سبب للجنابة ، وهذه الأوصاف معرّفات لا أنّ لها مدخليّة في التأثير بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل في الجواهر أنّ حكاية الإجماع عليه تقرب إلى التواتر (١) ، بل عن ظاهر بعضهم دعوى إجماع المسلمين عليه (٢) ، عدا أبي حنيفة على ما نقل عنه من اعتبار مقارنة

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٣.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣.

٢٢١

الشهوة والتلذّذ في وجوب الغسل (١).

فإن أراد المناقشة في الصغرى بدعوى توقّف تحقّق المنيّ على الشهوة ، ففيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ منع ظاهر ، خصوصا لو أراد توقّفه على الشهوة حين الخروج إلى ظاهر الجسد. وإن أراد المخالفة في الحكم الشرعي ـ كما هو الظاهر ـ فكفى مخالفته دليلا على صدق من خالفه.

ويدلّ على المدّعى ـ مضافا إلى الإجماع ـ : الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها سببيّة الإنزال من حيث هو لوجوب الغسل من دون تقييده بكونه مع الشهوة ، مثل الأخبار المستفيضة المعلّقة وجوب الغسل في بعضها بخروج الماء الأعظم ، وفي بعضها بالمنيّ ، وفي بعضها بالإنزال ، إلى غير ذلك من الأخبار التي سيمرّ عليك بعضها إن شاء الله.

ولا يعارضها ما ورد في بعض (٢) الأخبار الآتية في حكم المرأة من تعليق وجوب الغسل عليها بإنزالها من شهوة ، لأنّ كونه كذلك هو السبب العادي الذي به يعرف المنيّ عن غيره عند الملاعبة والتفخيذ ونحوهما ، كما هو مورد الأخبار ، فلا يدلّ التعليق في مثل المقام على التقييد حتى ينافي المطلقات.

ولا فرق في سببيّة الإنزال بين الرجل والمرأة بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل حكي (٣) عليه دعوى الإجماع عن جماعة ، بل عن المصنّف في المعتبر

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٣ ، وانظر : تحفة الفقهاء ١ : ٢٦ ، والهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦ ، والمبسوط ـ للسرخسي ـ ١ : ١٦٧ ، والمغني ١ : ٢٣١ ، والشرح الكبير ١ : ٢٣٠.

(٢) يأتي في ص ٢٢٤.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣.

٢٢٢

والعلّامة في المنتهى وعن غيرهما أنّ عليه إجماع المسلمين (١).

نعم ، حكي (٢) عن ظاهر الصدوق في المقنع خلافه ، لكن ذيل عبارته المحكيّة عنه في الحدائق (٣) ربما يعطي عدم مخالفته.

قال : إن احتلمت المرأة فأنزلت فليس عليها غسل ، وروي : أنّ عليها الغسل إذا أنزلت (٤).

وهو في الرجل مجمع عليه رواية وأمّا في المرأة فعلى أشهرها (٥).

وكيف كان فممّا يدلّ على وجوب الغسل عليها ـ مضافا إلى الإجماع والأدلّة المطلقة ـ النصوص الخاصّة المستفيضة التي كادت تكون متواترة.

منها : صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام ، في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة هل عليها غسل؟ قال :«نعم» (٦).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٧٧ ، ومنتهى المطلب ١ : ٧٨ ، ومدارك الأحكام ١ : ٢٦٧.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٤.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ : ١٤.

(٤) المقنع : ٤٢.

(٥) قوله : «وهو في الرجل .. أشهرها» من كلام البحراني في الحدائق الناضرة ، لا الصدوق في المقنع.

(٦) الكافي ٣ : ٤٧ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٧ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

٢٢٣

ترى أنّ الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل ، قال :«تغتسل» (١).

وعن إسماعيل بن سعد الأشعري ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : «إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل» (٢).

وعن محمد بن الفضيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تعانق زوجها من خلفه فتحرّك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء عليها الغسل أو لا يجب عليها الغسل؟ قال : «إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل» (٣).

وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ، قال : «إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل» (٤).

وعن محمد بن الفضيل أيضا بسند آخر عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : قلت له : تلزمني المرأة أو الجارية من خلفي وأنا متّكئ على جنب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ١٢٤ ـ ٣٣٤ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٧ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ١٢٣ ـ ٣٢٧ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٧ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ١٢٢ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ١٢٣ ـ ٣٣١ ، الإستبصار ١ : ١٠٧ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

٢٢٤

فتتحرّك على ظهري فتأتيها الشهوة وتنزل الماء أفعليها غسل أم لا؟ قال :«نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل» (١).

وعن معاوية بن حكيم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة ، فإنّ عليها الغسل» (٢).

وعن أبي طلحة أنّه سأل عبدا صالحا عن رجل مسّ فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت عليها غسل أم لا؟ قال : «أليس قد أنزلت من شهوة؟» قال : بلى ، قال : «عليها غسل» (٣).

وعن محمد بن إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة ترى في منامها فتنزل ، عليها غسل؟ قال : «نعم» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار التي تدلّ على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال.

لكنّ في بعضها نهي عن تحديثهنّ بذلك كي لا يتّخذنه علّة.

مثل : صحيحة أديم بن الحرّ ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، عليها غسل؟ قال : «نعم ، ولا تحدّثوهنّ

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٥ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٢ ـ ٤٢٤ ، الإستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٢٢ ـ ٣٢٥ ، الإستبصار ١ : ١٠٥ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٤ ـ ٣٣٣ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٦.

٢٢٥

بذلك فيتّخذنه علّة» (١).

ولا يبعد أن يكون النهي عن تحديثهنّ ـ مع وجوب إعلامهنّ عند الحاجة ـ ندرة ابتلائهنّ بذلك مع ما في تعليمهنّ من خوف المفسدة.

وأمّا ندرة ابتلائهنّ بذلك : فلما قيل من أنّ منيّ المرأة قلّما يخرج من فرجها ، لأنّه يستقرّ في رحمها ، ولعلّه لذا نفى الإمام عليه‌السلام وجوب الغسل عليهنّ في عدّة أخبار :ففي رواية عمر بن يزيد ، قال : اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيّبت فمرّت بي وصيفة لي ففخذت لها فأمذيت أنا وأمنت هي ، فدخلني من ذاك ضيق ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «ليس عليك وضوء ولا عليها غسل» (٢).

وفي روايته الأخرى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني ، عليها غسل؟ فقال : «إن أصابها شي‌ء من الماء فلتغسله ، وليس عليها شي‌ء إلّا أن يدخله» قلت : فإن أمنت هي ولم يدخله؟ قال : «ليس عليها الغسل» (٣).

وخبر ابن أذينة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تحتلم في

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣١٩ ، الإستبصار ١ : ١٠٥ ـ ٣٤٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢٢ ، الإستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٤٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٢١ ـ ٣٢١ ، الإستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٨.

٢٢٦

المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال : «ليس عليها غسل» (١).

وصحيحة ابن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف جعل على المرأة ـ إذا رأت في النوم أنّ الرجل يجامعها في فرجها ـ الغسل ، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت؟ قال : «لأنّها رأت في منامها أنّ الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل ، والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل ، لأنّه لم يدخله ، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أو لم تمن» (٢).

وخبر عبيد بن زرارة ، قال : قلت له : هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال : «لا ، وأيّكم يرضى أو يصبر على ذلك أن يرى بنته أو أخته أو زوجته أو واحدة من قرابته قائمة تغتسل فيقول :مالك؟ فتقول : احتلمت وليس لها بعل» ثمّ قال : «لا ، ليس عليهنّ ذلك وقد وضع الله ذلك عليكم ، فقال (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٣) ولم يقل ذلك لهنّ» (٤).

ولكنّ الإنصاف أنّ تنزيل هذه الأخبار على كثرتها وتظافرها على

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢٣ ـ ٣٢٩ ، الإستبصار ١ : ١٠٧ ـ ٣٥١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢١.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٢ ـ ٣٢٣ ، الإستبصار ١ : ١٠٦ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٩.

(٣) المائدة : ٦.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٤ ـ ٣٣٢ ، الإستبصار ١ : ١٠٧ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢٢.

٢٢٧

إرادة نفي الغسل إذا تحقّق الإنزال واستقرّ المنيّ في الرحم ولم يخرج إلى ظاهر الجسد بعيد جدّا.

اللهم إلّا أن يكون خروج منيّ المرأة في غاية الندرة ، وتكون حكمة إخفاء الحكم مخافة الفتنة.

والأولى ردّ علمها إلى أهله ، وأحسن محاملها في مقام التوجيه حملها على التقيّة ، كما في الوسائل (١) والحدائق (٢) وغيرهما (٣) احتمالها.

ولا ينافيه دعوى المصنّف والعلّامة إجماع المسلمين على الوجوب ، لا لمجرّد إمكان إظهار الحكم المخالف للواقع تقيّة لبعض المصالح ولو لم يكن مذهبا لأهل الخلاف ، بل لإمكان أن يكون مقصودهما الإجماع في عصرهما ، الذي انحصر فيه آراء المخالفين في المذاهب الأربعة ، وانقرض عصر من خالفهم من سابقيهم.

وقد صرّح في الوسائل (٤) بتحقّق الخلاف بينهم في ذلك ، وناقش بذلك في دعوى المصنّف إجماع المسلمين.

ولكنّك عرفت اندفاعها ، لعدم منافاة الخلاف في الأعصار السابقة لدعوى الإجماع بعد انقراض عصر المخالفين.

وكيف كان فممّا يؤيّد صدورها تقيّة بل يدلّ عليه : صحيحة ابن

__________________

(١) الوسائل ، ذيل الحديث ٢٢ من الباب ٧ من أبواب الجنابة.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦.

(٣) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٦٩.

(٤) الوسائل ، ذيل الحديث ٢٢ من الباب ٧ من أبواب الجنابة.

٢٢٨

مسلم (١) وخبر عبيد بن زرارة (٢).

أمّا صحيحة ابن مسلم : فتقريب دلالتها : أنّ ظاهر السؤال وصريح الجواب كون رؤية الجماع في الفرج في النوم مطلقا كاليقظة سببا لوجوب الغسل أمنت أو لم تمن.

وهذا الحكم كما تراه مخالف لضرورة المذهب ، مع أنّ سوق كلام السائل يعطي كونه من المسلّمات في عصره ، وذلك لا يكون ـ بحسب الظاهر ـ إلّا لأجل معروفيّته لديهم من قبل المخالفين ، فيستكشف من ذلك شيوع هذا القول بين المخالفين في زمان الباقر عليه‌السلام.

كما يستشعر ذلك من تعليل الإمام عليه‌السلام بما يناسب مذهبهم ممّا لا حقيقة له ، حيث علّل وجوب الغسل عليها حينئذ بكونه إدخالا في الفرج ، وهو كما تراه توجيه صوريّ لمطلب ظاهريّ ، فما ألجأه إلى أن يعلّل لوجوب الغسل بالاحتلام ولو لم تمن هو الذي ألجأه إلى التعليل لعدم الوجوب إذا أمنت بغير الجماع.

وأمّا خبر عبيد : فمفاده سببيّة إنزال المرأة كالرجل للجنابة ، ولكنّ الله تعالى وضع عنها التكليف ولم يكلّفها بالتطهّر عنها ، حيث وجّه الخطاب بالتطهّر عن الجنابة إلى خصوص الرجل ، وهذا المعنى بإطلاقه مخالف للسنّة القطعيّة.

والاستشهاد بظاهر الآية (٣) ـ بحسب الظاهر ـ استدلال صوريّ

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢٧ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢٧ ، الهامش (٤).

(٣) المائدة : ٦.

٢٢٩

إقناعيّ بمقتضى مذاق القوم ، وإلّا فالظاهر أنّ المقصودين بالخطاب بالوضوء والغسل والتيمّم في الآية جميع المؤمنين لا خصوص الرجل منهم.

وممّا يؤيّد كون الاستدلال صوريّا : استشهاده عليه‌السلام أوّلا بعدم رضاهم باغتسالها ، فإنّ هذا النحو من التعبير والاستدلال أشبه شي‌ء بمذاق من يعمل بالاستحسانات في معرفة الأحكام الشرعيّة التعبّديّة.

وكيف كان فهذه الرواية كسابقتها ـ مع قطع النظر عن شذوذها ، وإعراض الأصحاب عنها ، ومعارضتها بالأخبار المعتبرة المشهورة المعمول بها عند الأصحاب ـ من الروايات التي يشكل الاعتماد عليها ، بل لا يبعد دعوى كونها ممّا أمرنا بطرحها خصوصا بملاحظة ما في بعض الروايات من قوله عليه‌السلام : «ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه» (١).

وبما ذكرنا اتّضح لك فساد ما حكي (٢) عن بعض متأخّري المتأخّرين ، الذي لا يعتني بفتاوي الأصحاب ولا يبالي مخالفة إجماعهم ، حيث مال أو قال باستحباب الغسل وعدم وجوبه عليهنّ ، لكثرة الأخبار النافية وصراحتها وتأكّد دلالتها بالتعليل في بعضها بأنّه «أيّكم يرضى أن يرى» إلى آخره ، وبالتعليل «بأنّ الله تعالى وضعه عليكم فقال (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٣) ولم يقل ذلك لهنّ» (٤) إلى غير ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٨ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٦.

(٢) انظر : مستند الشيعة ٢ : ٢٥٥ ، والوافي ٦ : ٤١٠ ذيل الحديث ٤٥٧٥.

(٣) المائدة : ٦.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢٧ ، الهامش (٤).

٢٣٠

توضيح ما فيه : أنّ هذه المؤكّدات التي اعتمد عليها في ترجيح الدلالة أوهنتها على وجه يشكل الاعتماد عليها على تقدير سلامتها من المعارض ومخالفة الأصحاب فضلا عن إعراض الأصحاب عنها ومعارضتها بما هو أرجح منها بوجوه من الترجيحات المنصوصة.

وليست المعارضة بين الأخبار من قبيل النصّ والظاهر حتى يمكن الجمع بينها بتأويل الظاهر بالنصّ ، كما تخيّله هذا البعض ، إذ لو بني على الجمع بين قوله عليه‌السلام في عدّة من الأخبار : «وجب عليها الغسل» (١) وفي بعضها : «فإنّما عليها الغسل ـ أو ـ عليها غسل» (٢) وبين قوله عليه‌السلام :«لم يجب عليها الغسل ـ أو ـ ليس عليها الغسل» (٣) مع كونهما من قبيل المتناقضين في الظاهر ، فعلى أيّ مورد تنزّل الأخبار الكثيرة الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات عند تعارض الخبرين؟ فالمتعيّن في مثل المقام هو الرجوع إلى المرجّحات.

هذا على تقدير حجّيّة مثل هذه الأخبار الشاذّة وعدم سقوطها عن مرتبة الحجّيّة بإعراض الأصحاب عنها ، وإلّا فالكلام ساقط عن أصله.

ثمّ إنّه لا ريب ولا إشكال ـ كما هو ظاهر النصوص والفتاوى بل صريح بعضها ـ في أنّ وجوب الغسل معلّق على خروج المنيّ إلى خارج الجسد.

والظاهر عدم الفرق بين خروجه من الموضع المعتاد وغيره ، انسدّ

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٢٢٤ و ٢٢٥.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٢٢٤ و ٢٢٥.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢٦ و ٢٢٧.

٢٣١

الطبيعيّ أم لا ، لإطلاقات الأدلّة ، بل قوّة ظهورها في إناطة الحكم بخروج الماء الأعظم من حيث ذاته من دون اعتبار وصف فيه.

وقيل باعتبار الاعتياد (١) بدعوى انصراف المطلقات إلى المتعارف المعتاد ، فالأصل براءة الذمّة فيما عداه من وجوب الغسل.

وليس بشي‌ء ، لأنّ الانصراف لو سلّم فهو بدويّ منشؤه انس الذهن ، إذ ليس انصراف الموضع المعتاد من مثل قوله عليه‌السلام : «إذا أمنت المرأة ـ أو ـ إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء» (٢) أو «إنّما الغسل من الماء الأكبر» (٣) إلى غير ذلك من العبائر المطلقة الواردة في النصوص إلّا كانصراف ذهن المخاطب المأمور بشراء اللحم بدينار إلى الدينار الموجود في كيسه بالفعل ، لأنس ذهنه إليه ، ولا اعتداد بمثل هذه الانصرافات أصلا.

وقد عرفت في مبحث الحدث الأصغر أنّ الأقوى عدم اعتبار الاعتياد هناك مع كثرة الأخبار الواردة المقيّدة للناقض بـ «ما يخرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك» (٤) ففي المقام أولى بعدم اعتبار الاعتياد.

__________________

(١) من القائلين به : الشهيد في الذكرى : ٢٧ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ :٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢٥ و ٢٢٥ ، الهامش (٢ و ٣).

(٣) التهذيب ١ : ١١٩ ـ ٣١٥ ، الإستبصار ١ : ١٠٩ ـ ٣٦١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٠ ـ ١٧ ، الإستبصار ١ : ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٢٧١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

٢٣٢

ولعلّه لذا أطلق المصنّف قدس سرّه ـ كغيره ـ القول بسببيّة الخارج في المقام مع تقييده بالاعتياد هناك.

واحتمال كون إطلاقهم منزّلا على ما بيّنوه في الحدث الأصغر بعيد في الغاية.

فما صدر من بعض من نسبة هذا القول إلى المشهور استنباطا من مقالتهم في الحدث الأصغر ليس على ما ينبغي ، لجواز التفصيل بين المسألتين.

وليت شعري هل القائل باعتبار الاعتياد في غير المخرج الطبيعي اعتبر العادة في خصوص المنيّ أو اكتفى باعتياد خروج ما من شأنه أن يخرج من الفرج فكونه معتادا للبول يكفي في ذلك؟ولا يظنّ بهم إرادة المعنى الأوّل وإن كان أوفق بظاهر كلامهم ، إذ من المستبعد جدّا أن لا يقولوا بجنابة من خرج منيّه في ابتداء بلوغه من المخرج الغير الطبيعي الذي صار معتادا لبوله من حداثة سنّه.

وكيف كان فيتفرّع على الخلاف حكم الخنثى المشكل ، فيجب عليه الغسل بخروج المنيّ مطلقا على الأوّل ، ولا يجب على الثاني إلّا إذا خرج من كلا المخرجين ، المعلوم كون أحدهما طبيعيّا ، أو من أحدهما بشرط الاعتياد.

هذا كلّه فيما إذا علم بأنّ الخارج منيّ (فإن) اشتبه ذلك ، فلا شي‌ء عليه ، كما لو اشتبه نفس الخروج ، لأنّ اليقين لا ينقضه الشكّ ، لكن

٢٣٣

لا يعدّ من موارد الاشتباه ما إذا (حصل ما يشتبه) كونه منيّا (وكان) واجدا للأوصاف الملازمة له عادة بأن كان (دافقا تقارنه الشهوة وفتور الجسد) فإنّه إذا اجتمع فيه هذه الأوصاف ، فقد (وجب الغسل) والامتناع من دخول المساجد وقراءة العزائم وغيرها من الأحكام التي سيأتي تفصيلها ، لقضاء الوجدان بشهادة العرف والعادة ، مضافا إلى تصريح جلّ الأعلام لو لا كلّهم بأنّ ما اجتمع فيه الأوصاف هو الماء الأعظم الذي رتّب الشارع عليه أحكامه.

ويفصح عن ذلك ـ مضافا إلى ما عرفت ـ : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبّلها فيخرج منه المنيّ فما عليه؟ قال : «إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه ، فعليه الغسل ، وإن كان إنّما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس» (١).

وما استشكله بعض (٢) في مفاد الرواية لأجل موافقته لمذهب العامّة من حيث اعتبار مقارنة الشهوة في وجوب الغسل ، مدفوع : بأنّ الشرطيّة جارية مجرى العادة ومسوقة لبيان تحقّق الموضوع ، كما نبّه عليه في التهذيب حيث قال : إنّ قوله عليه‌السلام : «وإن كان إنّما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس» معناه إن لم يكن الخارج الماء الأكبر ، لأنّ [من] (٣)

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢٠ ـ ٣١٧ ، الإستبصار ١ : ١٠٤ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٢) انظر : الوسائل ، ذيل الحديث ١ من الباب ٨ من أبواب الجنابة.

(٣) أضفناها من المصدر.

٢٣٤

المستبعد [في] (١) العادة والطبائع أن يخرج المنيّ من الإنسان ولا يجد له شهوة ولا لذّة (٢). انتهى.

وفرض السائل كون الخارج منيّا لا ينافي إرادة تشخيص ماهيّته بذكر أوصافه المختصّة به في طيّ الجواب بحيث ينحسم به مادّة الإشكال في موارد الاشتباه.

هذا ، مع أنّه حكى في الوسائل عن كتاب علي بن جعفر أنّه قال في سؤاله : فيخرج منه الشي‌ء (٣) ، فعلى هذا يكون الأمر أهون ، وعلى تقدير تسليم ظهوره في إرادة التقييد فلا بدّ من صرفه عن هذا الظاهر بقرينة الأدلّة المتقدّمة.

وكيف كان فقد نسب (٤) إلى العلماء في المقام أقوال متكثّرة :

فعن بعضهم : اعتبار اجتماع الأوصاف الثلاثة السابقة ، وكفايتها في الحكم بالجنابة ، كظاهر المتن وغيره وصريح بعض متأخّري المتأخّرين.

وعن ظاهر بعضهم : اعتبار كون رائحته كرائحة الطلع والعجين رطبا ، وبياض البيض جافّا مع الأوصاف السابقة.

وعن ظاهر بعض : الاكتفاء بالدفق والشهوة.

وعن بعض آخر : الاكتفاء بالدفق وفتور البدن.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة والحجريّة : من. والمثبت من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ١٢٠ ذيل الحديث ٣١٧.

(٣) الوسائل ، ذيل الحديث ١ من الباب ٨ من أبواب الجنابة.

(٤) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٨ ـ ٩.

٢٣٥

وعن ظاهر آخرين : اعتبار الدفق خاصّة.

وعن صريح جماعة : الاكتفاء بحصول واحد من الأوصاف الثلاثة.

وعن بعض : الاكتفاء بالرائحة فقط مع نفي الخلاف عنه.

والذي يقوى في نفسي أنّ أكثر من تعرّض لذكر الأوصاف لم يتعلّق غرضه إلّا بذكر أوصاف المنيّ بحيث يمتاز به عن غيره ، ويرتفع بملاحظتها الشكّ في موارد الاشتباه ، لا أنّه يجب الالتزام تعبّدا بكون ما وجد فيه الأوصاف منيّا ولو لم يحصل الوثوق بذلك ، فلا يتوجّه عليهم الاعتراض بعدم الدليل على اعتبار الرائحة أو اللون أو كفاية بعض الأوصاف. فمقصودهم أنّ هذه الأوصاف لمّا كانت من أوصاف المنيّ ، التي لا تنفكّ عنه عادة ربما يحصل الوثوق عند إحساس شي‌ء منها بكونه منيّا.

وكيف كان فالأقوى إنّما هو اعتبار العلم أو ما هو بمنزلته.

وأمّا اجتماع الأوصاف الثلاثة : فهو طريق علميّ بشهادة العرف والشرع ، ومعه لا اعتداد بالترديد الشخصيّ الحاصل ممّن يتردّد.

نعم ، كلّ واحد من الأوصاف حتى الرائحة واللون ربما يورث الوثوق والاطمئنان بكون الخارج منيّا لو لم يعلم بانفكاكه عمّا عداه من الأوصاف ، بل الإنصاف أنّه قلّما ينفكّ خروجه من شهوة يقارنها الفتور عن الجزم بكون الخارج منيّا ، ولذا لا ينبغي ترك الاحتياط بالغسل عند عدم العلم بالانفكاك خصوصا بالنظر إلى ما في غير واحد من الأخبار

٢٣٦

الدالّة على وجوب الغسل عند إنزال الماء من شهوة.

بل لو لا ورود هذه الأخبار مورد العادة القاضية بحصول العلم غالبا بأنّ ما ينزل من شهوة هو الماء الأعظم الذي تعلّق به الحكم وعدم انفكاك إنزاله من شهوة من سائر الأوصاف في معتدلي المزاج ، لكان ظاهرها كفاية الخروج من شهوة ولو مع الانفكاك عن سائر الأوصاف في الحكم بالجنابة تعبّدا ، لكن جريها مجرى الغالب منعها من هذا الظهور.

وممّا يشهد بورودها مورد الغالب : صحيحة علي بن جعفر ، التي هي أظهر في كونها مسوقة لبيان الضابط ، الدالّة على اعتبار مجموع الأوصاف في تشخيص موضوع الحكم ، وذيلها يشهد بالملازمة بين الأوصاف حيث اعتبر في موضوع الشرطيّة الثانية ـ التي هي في الحقيقة تعبير عمّا يفهم من الشرطيّة الاولى ـ عدم وجدان شي‌ء من الأوصاف ، وهذا لا يستقيم إلّا بملاحظة الملازمة الغالبيّة.

ثمّ لو قلنا بظهور هذه الأخبار في كفاية الشهوة المجرّدة ، وعدم صلاحيّة الصحيحة لتقييدها لجريها مجرى الغالب ، يجب رفع اليد عن هذا الظاهر ، للأخبار المستفيضة الدالّة منطوقا ومفهوما على أنّه لو كان صحيحا ، اعتبر الدفق في وجوب الغسل. (ولو كان مريضا ، كفت الشهوة وفتور الجسد) الذي لا ينفكّ عنها عادة خصوصا في المريض (في وجوبه).

ففي صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له :الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا ثمّ

٢٣٧

يمكث الهوين بعد فيخرج ، قال : «إن كان مريضا فليغتسل ، وإن لم يكن مريضا فلا شي‌ء عليه» قلت : فما فرق بينهما؟ قال : «لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قويّة ، وإن كان مريضا لم يجي‌ء إلّا بعد» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللا قليلا ، قال : «ليس بشي‌ء إلّا أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل» (٢).

وصحيحة زرارة ، قال : «إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربما كان هو الدافق لكنّه يجي‌ء مجيئا ضعيفا ليس له قوّة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه» (٣).

ثمّ إنّ مفاد هذه الأخبار أنّه يجب على المريض ترتيب أثر المنيّ على الماء الخارج الذي تقارنه الشهوة ولو لم يعلم بكونه منيّا ، عملا بظاهر حاله الذي يقتضيه مرضه ، فيكون خروج الماء من شهوة طريقا شرعيّا تعبّديّا في حقّ المريض لمعرفة المنيّ ، فتكون هذه الأخبار حاكمة على قاعدة عدم نقض اليقين بغير اليقين.

بل ربما يظهر من صحيحة ابن مسلم : كفاية مجرّد الاحتلام في وجوب الغسل على المريض ولو لم ير في ثوبه شيئا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٤ ، الإستبصار ١ : ١١٠ ـ ٣٦٥ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٨ ـ ١١٢٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٩ ـ ٣٦٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨ ـ ٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

٢٣٨

قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل رأى في منامه ، فوجد اللذّة والشهوة ، ثمّ قام فلم ير في ثوبه شيئا ، قال ، فقال : «إن كان مريضا فعليه الغسل ، وإن كان صحيحا فلا شي‌ء عليه» (١).

ولكنّه لا بدّ من حملها على ما لا ينافي اعتبار العلم بخروج شي‌ء منه في الحكم بالجنابة ، لعدم إمكان الأخذ بظاهرها ، كما صرّح به في الحدائق ، حيث قال : إنّ هذه الرواية لا تخلو من إشكال ، لتضمّنها وجوب الغسل على المريض بمجرّد وجود اللذّة والشهوة مع عدم رؤية شي‌ء بعد انتباهه ، ولم يذهب إليه ذاهب من الأصحاب ، ولم يرد به خبر آخر في الباب ، بل ربما دلّت الأخبار بخلافه (٢). انتهى.

أقول : لا يبعد أن يكون المراد بالرواية ما لو أحسّ وجود شي‌ء في المجرى بحيث يعلم عادة بأنّه يخرج فيما بعد ولو مع البول ، كما هو الغالب في مفروض السائل ، إذ قلّما ينفكّ وجدان اللذّة والشهوة ما لم يخرج الماء عن إحساس انتقاله إلى محلّ سيخرج بالبول ونحوه ويمكن حمل الرواية على الاستحباب ، والله العالم. (و) قد ظهر ممّا تقدّم أنّه (لو تجرّد) الماء الخارج (عن الشهوة والدفق) في الصحيح ، وعن خصوص الشهوة في المريض (مع اشتباهه ، لم يجب) الغسل.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٥ ، الإستبصار ١ : ١١٠ ـ ٣٦٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٢١.

٢٣٩

والظاهر عدم الفرق بين الرجل والمرأة في الأحكام المذكورة ، ففي حال صحّتها لا يجب عليها الغسل مع الاشتباه إلّا إذا اجتمعت الأوصاف الثلاثة المذكورة التي هي طريق علميّ لمعرفة المنيّ بشهادة الشرع والعرف ، فلا يلتفت معه إلى التردّد الشخصي ، الذي مرجعه إلى التشكيك في الموضوع العرفي ، الذي يشهد بتحقّقه جميع أهل العرف. وفي حال مرضها كفت الشهوة ، للأخبار المتقدّمة. واختصاص موردها بالرجل لا يوجب قصر الحكم عليه خصوصا مع عموم العلّة المنصوصة المقتضية لعموم الحكم.

بل ربما يقال بكفاية الشهوة في حقّها مطلقا تعبّدا ولو في حال صحّتها ، لاستفاضة الأخبار بأنّه «إذا أنزلت المرأة من شهوة فعليها الغسل» (١).

ولكنّك عرفت أنّ هذه الأخبار مسوقة لبيان وجوب الغسل عليها بالإنزال ، وأنّ تقييد الموضوع بما أنزلته من شهوة إنّما هو لكونها طريقا عاديّا للعلم بتحقّق الموضوع ، وكونها كذلك مانع من ظهورها في إرادة التعبّد بطريقيّة الشهوة في الأفراد النادرة التي لا يحصل بسببها العلم بكونه هو الماء الأعظم. ولكنّ الاحتياط في حقّها ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم. (وإن وجد على جسده أو ثوبه) أو فراشه أو غيرها ممّا يخصّه

__________________

(١) انظر على سبيل المثال : الكافي ٣ : ٤٧ ـ ٥ و ٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة. الحديث ٢ و ٤.

٢٤٠