مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

معتبر ، وإنّما المعتبر تأثيرها في حصول جميع الأجزاء في الخارج ، فلو ذهل عنها بالمرّة وأتى ببعض الأفعال من باب الاتّفاق من دون أن تكون الإرادة السابقة سببا لحصول هذا الفعل ، أو لم يذهل ولكنّه رجع عن قصده وأتى به لا بقصد كونه من الغسل ، أو لم يرجع ولكنّه بنى على أن لا يكون هذا الفعل من أجزائه ، لا يقع هذا الفعل جزءا من الغسل ، فلو اقتصر عليه ، لا يصحّ غسله ، ولكنّه إن عاد إلى قصده وأعاده ثانيا ، صحّ بلا إشكال ، وقد استوفينا الكلام فيما يتعلّق بالمقام فيما سبق ، فلا نطيل بالإعادة ، فراجع.

(و) منها : (غسل البشرة بما يسمّى غسلا) حقيقة وإن خفي صدقه عليه بنظر العرف ، كما إذا كان مثل الدهن ، فإنّه يجزئه ، لخبر إسحاق بن عمّار عن جعفر (١) عن أبيه أنّ عليّا عليه‌السلام ، قال : «الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأه من الدهن الذي يبلّ الجسد» (٢).

وموثّقة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، قال :«أفض على رأسك ثلاث أكفّ وعن يمينك وعن يسارك ، إنّما يكفيك مثل الدهن» (٣).

ويمكن استفادته من الأخبار الدالّة عليه ، الواردة في خصوص

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : أبي جعفر. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٨ ـ ٣٨٥ ، الإستبصار ١ : ١٢٢ ـ ٤١٤ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

٣٤١

الوضوء ، لعدم الفرق بين الغسل والوضوء في اعتبار مفهوم الغسل وكفاية مسمّاه ، وقد تقدّم (١) تحقيق كفاية مثل الدهن وعدم المنافاة بين ما دلّ عليه وبين غيره من الأدلّة في مبحث الوضوء.

ولا يجزئ غسل ما أحاط على البشرة ـ من الشعر ونحوه ـ عن غسلها (٢) ، بل يجب غسل جميع أجزاء البشرة بنفسها

(و) لذا يجب مقدّمة (تخليل ما لا يصل إليه الماء إلّا به).)

لكن في عدّه واجبا مستقلّا قسيما لغسل البشرة كعدّ استدامة النيّة قسيما للنيّة مناقشة.

وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في وجوب التخليل واستيعاب غسل البشرة ، بل في الجواهر دعوى الإجماع عليه تحصيلا ونقلا مستفيضا كاد أن يكون متواترا (٣).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ جلّ الأخبار الآمرة بغسل الرأس والجسد ، فإنّ المتبادر من الأمر بغسلهما إنّما هو غسل بشرتهما لا ما أحاط بهما من الشعر ونحوه.

نعم ، لو أمر بمسح الرأس ونحوه ممّا عليه الشعر ، لا يتبادر منه إلّا مسح ما عليه من الشعر ، وهذا بخلاف الأمر بالغسل ، كما هو ظاهر.

هذا ، مع أنّ جملة من الأخبار كادت أن تكون صريحة في وجوب

__________________

(١) في ص ٥٥.

(٢) في «ض ٨» زيادة : كما في الوضوء.

(٣) جواهر الكلام ٣ : ٨٠.

٣٤٢

إيصال الماء إلى جميع أجزاء البشرة وعدم كفاية غسل ما عليها من الشعر :

مثل : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثمّ تمضمض واستنشق ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء ، وكلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته» (١) الحديث.

وفي موثّقة سماعة «ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه» (٢).

وفي مرسلة الفقيه «لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده ، فلذلك وجب تطهير جسده كلّه» (٣).

وصحيحة زرارة «إذا مسّ جلدك الماء فحسبك» (٤).

وفي صحيحته الأخرى «في الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه» (٥).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار المستفيضة الآمرة بمبالغة النساء في غسل

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٨ ـ ٤٢٢ ، و ٣٧٠ ـ ١١٣١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٨.

(٣) الفقيه ١ : ٤٤ ـ ١٧١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ـ ٣٨١ ، الإستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤١٧ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢١ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ـ ٣٨٠ ، الإستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤١٦ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

٣٤٣

رؤوسهنّ ، فإنّ المتبادر منها ليس إلّا إرادة الاهتمام في إيصال الماء إلى أصول الشعر :ففي حسنة جميل : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا تصنع النساء في الشعر والقرون ، فقال : «لم تكن هذه المشطة إنّما كنّ يجمعنه» ثمّ وصف أربعة أمكنة ، ثمّ قال : «يبالغن في الغسل» (١).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «حدّثتني سلمى خادم رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت : كانت أشعار نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرون رؤوسهنّ مقدّم رؤوسهنّ ، فكان يكفيهنّ من الماء شي‌ء قليل ، فأمّا النساء الآن فقد ينبغي لهنّ أن يبالغن في الماء» (٢).

ويدلّ عليه أيضا : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة» (٣).

وعن الفقه الرضوي : «ميّز الشعر بأنامك عند غسل الجنابة فإنّه يروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّغ الماء تحتها في أصول الشعر كلّها ، وانظر إلى أن لا يبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلّا وتدخل تحتها الماء» (٤).

ولا يعارض هذه الأدلّة صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ ـ ٤٦ ـ ١٧ ، التهذيب ١ : ١٤٧ ـ ٤١٨ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٧ ـ ٤١٩ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٣) كنز العمال ٩ : ٥٥٣ ـ ٢٧٣٧٩.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٣.

٣٤٤

قلت له : أرأيت ما كان تحت الشعر؟ قال «كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء» (١) ، لإجمال الرواية ، وقوّة احتمال ورودها بعد بيان كيفيّة الوضوء ، فلا يستفاد منها حكم الغسل.

وعلى تقدير تسليم ظهورها في كفاية غسل الشعر عن غسل محلّه ونيابته عنه مطلقا فلا بدّ من تخصيصها بالوضوء ، للأدلّة المتقدّمة.

فما عن المحقّق الأردبيلي بعد نقله الإجماع على عدم إجزاء غسل الشعر عن غسل بشرة ما تحته من التأمّل في ذلك استبعادا من كفاية إجزاء غرفتين أو ثلاث لغسل الرأس ـ كما نطق به غير واحد من الأخبار ـ خصوصا إذا كان شعر الرأس كثيرا ، كما في الأعراب والنساء ، أو كانت اللحية كثيرة (٢) ، ممّا لا ينبغي أن يلتفت إليه ، بل الاستبعاد في غير محلّه ، لأنّ الشعر إذا كان كثيرا ، يجتمع الماء فيه ، ويسهل إيصاله إلى خلاله بإعانة اليد ، فليس غسل مجموع بشرة الرأس بغرفتين أشكل من غسل مجموع الطرف الأيمن وكذا الأيسر بغرفة واحدة ، كما ورد التنصيص على كفاية الغرفة لغسل كلّ من الطرفين في تلك الأخبار ، ولا ريب أنّ استيعاب غسل الطرفين بغرفتين أبعد ، مع أنّه لا تأمّل في وجوب الاستيعاب نصّا وإجماعا ، كما يدلّ عليه صحيحة زرارة وغيرها من الأخبار المتقدّمة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٨ ، التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣. وفي الفقيه : أرأيت ما أحاط به الشعر؟ وفي التهذيب مضمرا.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣١٢ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٣٧.

٣٤٥

وفي الصحيح عن حجر بن زائدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال :«من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النار» (١).

ولا ينافيها ما في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : الرجل يجنب فيصيب رأسه وجسده الخلوق والطيب والشي‌ء اللزق مثل علك الروم والطرار وما أشبهه فيغتسل ، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره ، فقال : «لا بأس» (٢) وخبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «كنّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهنّ وذلك لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهنّ» (٣) لأنّ ما يعدّ في العرف أثرا وصفرة لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة ، كأثر النورة والطين ، الذي يبقى في المحلّ بعد الغسل غالبا.

ويحتمل أن يكون غرض السائل في الصحيحة ما إذا كان رؤية الأثر موجبا للشكّ في وصول الماء إلى البشرة ، فيكون الجواب دليلا على عدم الاعتناء بالشكّ الساري بعد الفراغ من العمل.

وكيف كان فلا يظهر من الروايتين ما ينافي الأدلّة المتقدّمة.

فما عن المحقّق الخوانساري رحمه‌الله من نفي البعد عن القول بعدم

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٥ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥١ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٠ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٣) علل الشرائع : ٢٩٣ (الباب ٢٢٣) ، التهذيب ١ : ٣٦٩ ـ ١١٢٣ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

٣٤٦

الاعتداد ببقاء شي‌ء يسير لا يخلّ عرفا بغسل جميع البدن إمّا مطلقا أو مع النسيان ، نظرا إلى الصحيحة المتقدّمة لو لا الإجماع على خلافه (١) ، ضعيف.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر المتن بل صريحه ـ كصريح غيره من كلمات الأصحاب ـ : عدم وجوب غسل الشعر لذاته وإنّما يجب غسله مقدّمة إذا توقّف غسل البشرة عليه.

لكن في الحدائق ـ بعد أن صرّح بأنّه هو الذي يفهم من كلام الأصحاب ـ رضي‌الله‌عنهم ـ تصريحا وتلويحا ، وحكى عن ظاهر المعتبر والمنتهى والخلاف (٢) دعوى الإجماع عليه ، ونقل استدلال بعضهم عليه بالأصل وصحيحة الحلبي عن رجل عن الصادق عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «لا تنقض المرأة شعرها إن اغتسلت من الجنابة» (٣) ـ قال : وللنظر في ذلك مجال.

أمّا أوّلا : فلمنع خروجه من الجسد ولو مجازا ، كيف! وقد حكموا بوجوب غسله في يدي المتوضّئ معلّلين تارة بدخوله في محلّ الفرض ، واخرى بأنّه من توابع اليد ، فإذا كان داخلا في اليد بأحد الوجهين المذكورين ، فاليد داخلة في الجسد البتّة.

ولو سلّم خروجه من الجسد ، فلا يخرج من الدخول في الرأس

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٨٢ ، وراجع : مشارق الشموس : ١٧٠.

(٢) كذا ، وفي الحدائق حكى عن ظاهر المعتبر ١ : ١٩٤ ، والذكرى : ١٠٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٥ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

٣٤٧

والجانب الأيمن والأيسر المعتبر بها في جملة من الأخبار.

وأمّا ثانيا : فلأنّه لا يلزم من عدم النقض في صحيحة الحلبي عدم وجوب الغسل ، لإمكان الزيادة في الماء حتى (١) يروّى ، إلى أن قال :

وأمّا ثالثا : فلما روي في صحيحة حجر بن زائدة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النار» (٢) والتأويل بالحمل على أنّ المراد بالشعرة ما هو قدرها من الجسد ، لكونها مجازا شائعا ـ كما ذكروا ـ وإن احتمل إلّا أنّه خلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلّا بدليل.

إلى أن قال : ويزيدك بيانا وتأكيدا : ما روي عنه مرسلا من قوله :«تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة» (٣).

واستدلّ أيضا بالأمر بمبالغة النساء في غسل رؤوسهنّ في حسنة جميل وصحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدّمتين (٤).

وبقول الصادق عليه‌السلام في حسنة الكاهلي : «مرها أن تروّي رأسها من الماء وتعصره حتى يروّى ، فإذا روّي فلا بأس» (٥) (٦) انتهى ملخّصا.

أقول : دعوى صدق الجسد على الشعر حقيقة ممنوعة ، ومجازا غير

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : حيث ، بدل حتى. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٣٤٦ ، الهامش (١).

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٣٤٤ ، الهامش (٣).

(٤) تقدّمتا مع الإشارة إلى مصادرهما في ص ٣٤٤.

(٥) الكافي ٣ : ٨١ ـ ٨٢ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

(٦) الحدائق الناضرة ٣ : ٨٨ ـ ٨٩.

٣٤٨

مجدية ، وكذا دعوى صدق الرأس على الشعر المتدلّي عليه وعلى اللحية ، غير مسلّمة ، بل الرأس اسم للعضو المخصوص.

نعم ، إطلاقه عليه وعلى ما عليه من الشعر مسامحة شائعة ، ولأجلها لا نستبعد إرادة غسل المجموع من الأمر بغسل الرأس ، بل لا يبعد دعوى ظهوره في إرادة ذلك ، لكنّ الأخبار الآمرة بغسل الرأس والجانبين مسوقة لبيان الترتيب ، فلا يفهم منها إلّا وجوب غسل الأعضاء في الجملة ، وأمّا غسل ما هو خارج من مسمّى الجسد فلا ، فبهذا يفرق بين اليد في الوضوء والغسل.

ولكنّ الإنصاف أنّ الشعر وإن كان خارجا من حقيقة الرأس والجسد لكنّ المتبادر من الأمر بغسل الجسد كلّه عرفا كالأمر بغسل الرأس والجانبين ليس إلّا إرادة غسل جميع هذا الجسم المشاهد المحسوس ، أعني الجسد وما عليه من الشعر ، والمنكر لذلك مكابر.

لكنّه إنّما يفهم إرادة غسل ما هو من توابع الجسد إرادة تبعيّة لا أصليّة ، كما لو أمر المولى عبده بإضافة زيد ، فإنّه يدلّ بالدلالة الالتزاميّة العرفيّة على أنّ المراد إضافة زيد مع من لا ينفكّ عنه عادة من خدمه وحواشيه لكنّه لا يفهم من ذلك وجوب من عدا زيد إلّا تبعا ، فلو فرض حضور زيد بانفراده بخلاف عادته ، لا يجب على العبد إحضار خدمه وإضافتهم وإن قصدهم المولى حين الأمر ، كما هو ظاهر ، فإرادة غسل الشعر عند الأمر بغسل الجسد والرأس من هذا القبيل.

٣٤٩

وعلى هذا يشكل الفرق بين الوضوء والغسل ، فإن تمّ الإجماع على وجوب الغسل في الوضوء ، فهو الفارق ، وإلّا ففي وجوب غسل الشعر في يد المتوضّي أصالة بحيث لو بقي رأس شعرة جافّا بطل الوضوء أيضا تأمّل بل منع ، خصوصا لو فرض استقلالها بالملاحظة ، كما لو تعلّق بشعرة جسم خارجيّ مانع من وصول الماء إليها ، فإنّ الأقوى في مثل الفرض صحّة الوضوء ، كما تقدّمت الإشارة إليها في محلّه.

وأمّا ما أورده ثانيا فالإنصاف أنّه لا يخلو عن وجه.

وأمّا الأخبار التي استشهد بها فظهورها بل صراحة بعضها في وجوب غسل الشعر في الجملة غير قابل للإنكار.

وما ذكره من أنّ ارتكاب التأويل في الصحيحة خلاف الأصل مسلّم ، لكن الوجوب أعمّ من النفسيّ والغيريّ والأصليّ والتبعيّ ، وإنّما يحمل لفظ الوجوب وكذا صيغة الأمر عند الإطلاق على الوجوب النفسيّ الأصليّ ، لا للوضع ، بل لقبح إرادة الوجوب الغيريّ وعدم بيان الغير ، فإنّ الأمر بالمطلوب الغيريّ والسكوت عن ذكر الغير ينافي المقصود ، فيحمل الطلب المتعلّق بشي‌ء عند الإطلاق على أنّ هذا الشي‌ء هو المكلّف به لذاته لا للتوصّل به إلى واجب آخر.

هذا إذا كان بيان وجوبه الغيريّ متوقّفا على بيان زائد ، وأمّا لو تعلّق الطلب بشي‌ء ربما يتوقّف عليه هذا الشي‌ء ، كما لو قال المولى لعبده :اذهب إلى السوق واشتر اللحم ، فلا يفهم من الأمر المتعلّق بذهاب السوق

٣٥٠

ـ الذي هو مقدّمة عاديّة لشراء اللحم ـ وجوب مستقلّ غير وجوبه المقدّمي حيث لا يترتّب على ترك التقييد في الفرض قبح أصلا ، بل المتبادر عرفا من الأوامر المتعلّقة بمقدّمات الواجب ـ داخليّة كانت أم خارجيّة ، عرفيّة كانت أم عقليّة أم شرعيّة ـ ليس إلّا الوجوب الغيريّ.

فلو فرض في المثال أنّه اشترى اللحم بسبب غير عادي من دون أن يدخل السوق ، فشكّ في تكليفه ، لتردّده في أنّ ذهاب السوق بنفسه هل هو ممّا تعلّق به الغرض أم لم يتعلّق الغرض به إلّا لكونه مقدّمة للشراء ، ينفى وجوبه النفسيّ بأصل البراءة.

ولا مسرح في مثل الفرض للتشبّث بإطلاق الأمر ، لأنّ الإطلاق على تقدير كونه واجبا غيريّا جار مجرى العادة ، وحيث إنّ غسل شعر الرأس وبلّه وإكثار الماء عليه من المقدّمات العاديّة لغسل مجموع البشرة التي تحته لا يفهم من الأمر به وجوب مغاير لوجوبه المقدّمي ، بل المرسلة المتقدّمة كادت أن تكون صريحة في إرادة الوجوب المقدّمي ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة» بعد قوله : «إنّ تحت كلّ شعرة جنابة» (١) بمنزلة ما لو أخبر المولى عبده بأنّ عنده ضيوفا ، ثمّ أمره مفرّعا على ذلك بأن يدخل السوق ويشتري اللحم لإطعامهم ، فإنّه لا يتوهّم في مثل الفرض إلّا إرادة الوجوب الغيريّ ، وفي الأمر ببلّ الشعر دون غسله أو إنقائه إشعار بذلك.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٣٤٤ الهامش (٣).

٣٥١

ويؤيّده الرضوي المتقدّم (١) الذي هو بمنزلة التفسير لهذه الرواية.

فإن اعتمدنا على الرضوي ـ ولو بملاحظة انجباره بالشهرة ونقل الإجماع ـ فهو في حدّ ذاته حجّة كافية لإثبات المدّعى ، وإلّا فشاهد عدل على ظهور النبوي فيما ادّعيناه من إرادة الوجوب الغيريّ.

والتوعيد في الصحيحة (٢) على ترك غسل شعرة باستحقاق النار لا يدلّ على أزيد من وجوب غسل كلّ شعرة أعمّ من أن يكون نفسيّا أو غيريّا ، لأنّ الواجب الغيريّ أيضا يستحقّ تاركه العقاب باعتبار ترتّب ترك الغير عليه.

ألا ترى أنّه يصحّ أن يقول المولى لعبده المأمور بذهاب السوق لشراء اللحم : فإن لم تذهب اعاقبك كذا وكذا.

فمن الممكن أن يكون استحقاق العقاب بترك غسل الشعرة لأجل ما هو ملزوم له من جفاف ما حولها ، وليس في اللفظ ما ينفي هذا الاحتمال.

نعم ، فيه إشعار أو ظهور بدويّ في كون استحقاق العقاب لأجل ترك غسل الشعرة لذاته ، ولكنّه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الظهور البدويّ في إثبات الحكم المخالف للأصل والإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة مع منافاته لما يستشعر من أكثر أخبار الباب ويستظهر

__________________

(١) في ص ٣٤٤.

(٢) أي : صحيحة حجر بن زائدة ، المتقدّمة في ص ٣٤٦.

٣٥٢

من بعض ، كالمرسلة والرضوي المتقدّمتين (١).

فاتّضح لك أنّ الأقوى ما عليه المشهور ، ولكنّ الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه خصوصا لو قيل بوجوب الاحتياط عند الشكّ في جزئيّة شي‌ء لواجب ، كما هو قول بعض ، والله العالم.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ المراد بوجوب غسل البشرة إنّما هو غسل الظاهر منها دون الباطن ، كما صرّح به غير واحد من الأصحاب ، بل عن المنتهى والحدائق نفي الخلاف فيه (٢).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجنب يتمضمض ويستنشق ، قال : «لا ، إنّما يجنب الظاهر» (٣).

وعن الصدوق أنّه روى عن أبي يحيى عمّن حدّثه ، قال : قلت لأبي عبد الله (٤) عليه‌السلام : الجنب يتمضمض ، قال : «إنّما يجنب الظاهر ولا يجنب الباطن ، والفم من الباطن» (٥).

__________________

(١) في ص ٣٤٤.

(٢) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٣ : ٨٤ ـ ٨٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٨٥ ، والحدائق الناضرة ٣ : ٩١.

(٣) التهذيب ١ : ١٣١ ـ ٣٦٠ ، الإستبصار ١ : ١١٨ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : لأبي الحسن. وما أثبتناه من المصدر.

(٥) علل الشرائع : ٢٨٧ (الباب ٢٠٨) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧.

٣٥٣

قال : وروي في حديث آخر أنّ الصادق عليه‌السلام قال في غسل الجنابة : «إن شئت [أن] (١) تتمضمض وتستنشق فافعل وليس بواجب ، لأنّ الغسل على ما ظهر لا على ما بطن» (٢).

ويمكن استفادته أيضا من الأخبار المتقدّمة في الوضوء ، فلاحظ.

ولو شكّ في كون بعض المواضع من الظاهر أو الباطن ـ كأوائل الأنف ومطبق الشفة وداخل الأذن وعكن (٣) البطن ونحوها ـ لا يجب غسله على الأظهر ، لأصالة البراءة.

وقيل : يجب ، لقاعدة الشغل (٤).

وفيه : أنّه لم يثبت اشتغال الذمّة بأزيد ممّا علم كونه من الظاهر ، وقد تقرّر في محلّه أنّ المرجع عند دوران التكليف بين الأقلّ والأكثر البراءة لا الاحتياط.

نعم ، لو قلنا بأنّ المكلّف به هو التطهير وإزالة الجنابة وهو مفهوم مبيّن ، والأمر بالغسل ، لكونه ممّا يتحقّق به هذا المفهوم المبيّن ، لاتّجه القول بوجوب الاحتياط ، لكن فيه كلام تقدّمت الإشارة إليه في مبحث الوضوء (٥) ، والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، خصوصا لو توقّف القطع بغسل

__________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) علل الشرائع : ٢٨٧ (الباب ٢٠٨) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الجنابة ، الحديث ٨.

(٣) عكن جمع واحدها : عكنة ، وهي الطيّ الذي في البطن من السمن. الصحاح ٦ :٢١٦٥ «عكن».

(٤) انظر جواهر الكلام ٣ : ٨٥.

(٥) راجع ج ٢ ص ٣٠٦.

٣٥٤

الظاهر على غسله ، فإنّه يجب حينئذ جزما من باب المقدّمة العلميّة ، كما أنّه يجب على القول بوجوب غسل المواضع المشكوكة غسل مقدار من البواطن التي يتوقّف العلم بحصول الغسل الواجب على غسلها.

(و) الخامس من واجبات الغسل : (الترتيب) بأن (يبدأ بالرأس ثمّ بالجانب الأيمن ثمّ) بـ (الأيسر) على المشهور.

أمّا وجوب تقديم الرأس على الجانبين فلم ينقل التصريح بالخلاف فيه من أحد.

نعم ، عن ظاهر الصدوقين : عدم الوجوب (١) ، لوقوع عطف البدن على الرأس بالواو في عبارتهما عند بيان الكيفيّة ، ولكنّه نقل عنهما التصريح في آخر المسألة بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس (٢) ، ومع هذا التصريح يشكل الاعتماد على ظهور عبارتهما في صدر المسألة في المخالفة وإن أمكن التزامهما بالبطلان عند التأخير لا فيما لو فرغ من غسل الرأس قبل إكمال البدن ، كما يشهد له حسنة زرارة ، الآتية ، فتأمّل.

وربما نسب (٣) الخلاف إلى الإسكافي مستشعرا من كلامه من دون أن يكون له تصريح بذلك ، ولذا قال في الجواهر : يمكن تحصيل الإجماع عليه (٤).

__________________

(١) حكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٩٣ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٦.

(٢) نقله عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣١٤ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٩.

(٣) الناسب هو الشهيد في الذكرى : ١٠١.

(٤) جواهر الكلام ٣ : ٨٥.

٣٥٥

وفي المستند بعد أن وجّه ظاهر الصدوقين ونفى تصريح الإسكافي بالخلاف ، قال : فيكون إجماعا من الكلّ ، فهو الحجّة (١).

وعن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والتذكرة والذكرى وظاهر المنتهى والروض وغيرهما دعوى الإجماع عليه (٢).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماعات المستفيضة المعتضدة في الوضوء بالشهرة المحقّقة ـ جملة من الأخبار المعتبرة : ففي صحيحة حريز ، الواردة في الوضوء ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ، قال : «جفّ أو لم يجفّ اغسل ما بقي» قلت : وكذلك غسل الجنابة؟ قال : «هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثمّ أفض على سائر جسدك» قلت : وإن كان بعض يوم؟ قال : «نعم» (٣).

وحسنة زرارة «من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدّا من إعادة الغسل» (٤).

وهذه الرواية وإن اختصّ موردها بما لو غسل الرأس بعد البدن ، ولكن نقل عدم القول بالتفصيل ، فيتمّ بها الاستدلال.

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٣٢٢.

(٢) كما في مفتاح الكرامة ١ : ٣١٣ ، وجواهر الكلام ٣ : ٨٥ ، وانظر : الخلاف ١ : ١٣٢ ، المسألة ٧٥ ، والانتصار : ٣٠ ، والغنية : ٦١ ، والسرائر ١ : ١٣٥ ، وتذكرة الفقهاء ١ :٢٣١ ، والذكرى : ١٠٠ ، ومنتهى المطلب ١ : ٨٣ ، وروض الجنان : ٥٣.

(٣) التهذيب ١ : ٨٨ ـ ٢٣٢ ، الإستبصار ١ : ٧٢ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٣٥٦

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ بكفّيك ثمّ تغسل فرجك ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثا ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين ، فما جرى عليه الماء فقد طهّره» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيمرّ عليك بعضها إن شاء الله.

وكون الغسل بثلاث أكفّ مستحبّا لا يقتضي حمل الأمر المتعلّق به في جملة من الأخبار على الاستحباب ، كما توهّم ، بل الأمر فيها محمول على ظاهره من الوجوب ، غاية الأمر أنّ متعلّقه أفضل فردي الواجب ، وقد تقدّم توضيحه في نظير المقام في مسألة غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله في الوضوء.

وكيف كان فلا إشكال في أصل الحكم بملاحظة الإجماعات المستفيضة والأخبار المتكاثرة المتظافرة.

نعم ، ربما يتراءى التنافي بينها وبين جملة من الأخبار التي يستشعر منها بل يستظهر من بعضها أنّ المقصود من الغسل إنّما هو غسل جميع البدن ، ولا يعتبر فيه أمر زائد عليه.

فمنها : رواية قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال في غسل الجنابة : «تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ثمّ تدخلها في الإناء ثمّ اغسل ما

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ـ ٣٦٥ ، الإستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٣٥٧

أصابك منه ثمّ أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه» (١).

ومنها : مرسلة محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال : «نعم» (٢).

ومنها : ما في صحيحة زرارة ، المتقدّمة ، قال عليه‌السلام : «ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء ، وكلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته ، ولو أنّ رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بذلك أو الظاهرة فيه ، كالصحيحة الأخيرة وما سبقها.

ومقتضى الجمع بينها وبين الأخبار السابقة : تقييد هذه الأخبار بما يحصل معه الترتيب ، لأظهريّة بعض الأخبار السابقة في وجوب الترتيب ، كصحيحة (٤) حريز ، التي ورد فيها الأمر بالبدأة بالرأس مع ما فيه من الإشعار بإرادة عموم المنزلة من التشبيه لا خصوص الجهة التي سيق لأجلها الكلام ، وحسنة (٥) زرارة ، الآمرة بإعادة الغسل عند الإخلال

__________________

(١) ورد نصّ الحديث في التهذيب ١ : ١٣١ ـ ٣٦٣ ، والاستبصار ١ : ١٢٣ ـ ٤١٩ ، والوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦. وبنقيصة في قرب الإسناد :٣٦٨ ـ ١٣١٩ ، والوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤ ـ ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٨ ـ ٤٢٢ ، و ٣٧٠ ـ ٣٧١ ـ ١١٣١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٣٥٦ الهامش (٣).

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٣٥٦ ، الهامش (٤).

٣٥٨

بالترتيب.

نعم ، سائر الأخبار المتقدّمة لا تكافئ ظهورها في وجوب الترتيب ، لظهور هذه الأخبار في العدم ، لقوّة احتمال وقوع العطف بلفظة «ثمّ» للجري مجرى العادة ، فيشكل التصرّف لأجلها في الصحيحة الدالّة على كفاية الارتماس ، مع ما فيها من قوّة الدلالة على عدم اعتبار الترتيب وكون الغسل الارتماسي والترتيبي ماهيّة واحدة حيث إنّه يستشعر من قوله عليه‌السلام : «وإن لم يدلك جسده» أنّ منشأ توهّم عدم الكفاية إنّما هو احتمال مدخليّة الدلك ، فيتقوّى بذلك ظهور الصدر في الإطلاق ، لكنّه مع ذلك لا يلتفت إلى مثل هذا الظاهر بعد إعراض الأصحاب عنه ومعارضته بالصحيحة والحسنة المتقدّمتين المعتضدتين بظهور سائر الأخبار وبالإجماعات المنقولة والشهرة المتحقّقة.

وقد اتّضح لك من ذلك أنّه يتعيّن ارتكاب التأويل أو الطرح فيما رواه هشام بن سالم ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان فيما بين مكة والمدينة ومعه أمّ إسماعيل ، فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها ، وقال لها : «إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك» ففعلت ذلك فعلمت بذلك أمّ إسماعيل فحلقت رأسها ، فلمّا كان من قابل انتهى أبو عبد الله عليه‌السلام إلى ذلك المكان ، فقالت له أمّ إسماعيل : أيّ موضع هذا؟ قال : «هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجّك عام أوّل» (١).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧٠ ، الإستبصار ١ : ١٢٤ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

٣٥٩

وعن الشيخ أنّ هذا الحديث قد وهم الراوي فيه واشتبه عليه فرواه بالعكس ، لأنّ هشام بن سالم راوي هذا الحديث روى ما قلناه بعينه (١).

وعنى بذلك ما رواه هشام بن سالم عن محمّد بن مسلم ، قال :دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فسطاطه وهو يكلّم امرأة فأبطأت عليه ، فقال : «ادنه هذه أمّ إسماعيل جاءت وأنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّها عام أوّل كنت أردت الإحرام ، فقلت : ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها ، فقلت : اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك ، فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك ، فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها : هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّك» (٢).

وكيف كان فلا ينبغي التأمّل في وجوب تقديم غسل الرأس على الجانبين بالنظر إلى ما تقتضيه الأدلّة الاجتهاديّة ، والله العالم بحقائق أحكامه.

وأمّا الترتيب بين الجانبين بتقديم الأيمن على الأيسر فهو المشهور

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الجنابة ، ذيل الحديث ٤ ، وانظر : التهذيب ١ : ١٣٤ ذيل الحديث ٣٧٠ ، والاستبصار ١ : ١٢٤ ذيل الحديث ٤٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٤ ـ ٣٧١ ، الإستبصار ١ : ١٢٤ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٣٦٠