مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يجلس في المساجد ، قال : «لا ، ولكن يمرّ فيها كلّها إلّا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وفي رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ولا بأس بأن يمرّ ـ أي الجنب ـ في سائر المساجد ، ولا يجلس في شي‌ء من المساجد» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

وفيه : أنّ استدراك المرور بعد النهي عن الجلوس فيما عدا الرواية الاولى من هذه الأخبار دليل على اختصاص الجواز بالمرور ، وهو لا يصدق عرفا على مطلق المشي.

وأمّا الرواية الأولى : فإن لم نقل بانصراف المشي فيها في حدّ ذاتها إلى المشي الذي يتحقّق به المرور والاجتياز ، فلا بدّ ـ بعد تسليم سندها ـ من صرفه إلى ذلك ، جمعا بينها وبين سائر الأدلّة ، لأنّ تقييد المشي بما يتحقّق به المرور والاجتياز أهون من تخصيص العمومات.

والظاهر عدم صدق المرور والعبور ـ الذي ثبت الرخصة فيه في النصوص والفتاوى ـ على الدخول من باب والخروج منه ، بل يتوقّف تحقّق عنوانه عرفا على الخروج من باب آخر ، وعلى تقدير الشكّ فالمرجع أصالة البراءة لا العمومات الناهية ، لأنّ إجمال المخصّص يسري

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠ ـ ٤ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٧ ـ ١٢٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

٣٠١

إلى عموم العامّ ، فلا يجوز التشبّث به في مورد الشكّ.

وكون المخصّص المجمل مردّدا بين الأقلّ والأكثر إنّما يجدي في الاقتصار على الأقلّ إذا كان في كلام منفصل لا في مثل المقام. (و) يحرم عليه أيضا (وضع شي‌ء فيها) دون الأخذ منها ، لصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ـ إلى أن قال ـ ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا» قال زرارة : قلت : فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : «لأنّهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلّا منه ، ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره» (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : «نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا» (٢).

وهل يحرم الوضع لذاته أو لأجل استلزامه الدخول واللبث في المسجد؟ ظاهر كلماتهم ـ حيث أفردوه بالذكر وجعلوه قسيما للدخول ـ هو الأوّل ، بل عن بعضهم (٣) التصريح بذلك والالتزام بحرمة الوضع حتى

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٨ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥١ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٥٣ ، وانظر : مسالك الأفهام ١ : ٥٢ ، ومدارك الأحكام ١ : ٢٨٢ ، ومستند الشيعة ٢ : ٢٩٤.

٣٠٢

من خارج المسجد.

والذي قوّاه شيخ مشايخنا قدس سرّه في جواهره هو الثاني ، وحكى التصريح به عن ابن فهد حيث قال : إنّ المراد بالوضع الوضع المستلزم للدخول واللبث ، لأنّ الرخصة في الاجتياز خاصّة ، فلا يباح الدخول لغير غرض الاجتياز (١). انتهى.

ويظهر إرادة هذا المعنى من كلّ من استدلّ له : بعموم قوله تعالى :(وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ) (٢) كالمصنّف في المعتبر والعلّامة في بعض كتبه على ما حكي (٣) عنهما ، كما لا يخفى وجهه.

وكيف كان فهذا هو الأقوى ، لأنّه هو الذي ينسبق إلى الذهن من الروايتين ، إذ المتبادر من سؤال السائل في صحيحة ابن سنان إنّما هو السؤال عن دخوله لأن يتناول المتاع ، فقوله عليه‌السلام : «نعم» يدلّ على جواز ذلك.

وقوله : «ولكن لا يضعان في المسجد شيئا» معناه ـ بقرينة المقابلة ـ أنّهما لا يدخلان لأن يضعا فيه شيئا.

وكذا المتبادر من التعليل في صحيحة زرارة ليس إلّا أنّ الضرورة العرفيّة أباحت له الدخول للأخذ دون الوضع حيث لا ضرورة فيه ، فلو

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٥٤ ، وانظر : المقتصر : ٤٩.

(٢) سورة النساء ٤ : ٤٣.

(٣) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٣ : ٥٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٨٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ٨٨.

٣٠٣

جعلناها علّة لحرمة الوضع وجواز الأخذ في حدّ ذاتهما ، للزم حمل العلّة على التعبّد ، إذ لا نتعقّل علّيّة عدم الضرورة لحرمة الوضع ، إذ كثير من الأفعال لا يضطرّ إليها الجنب ولا يحرم عليه ، وتنزيل العلّة على التعبّد بعيد.

هذا ، مع أنّ المناسبة المغروسة في الذهن توجب انصراف النهي عن الوضع إلى ذلك.

ألا ترى هل يتوهّم أحد من العوامّ الذين بلغهم حرمة وضع الجنب شيئا في المساجد أنّه إذا اضطرّ الجنب إلى البقاء في المسجد ولم يتمكّن من التيمّم أنّه لا يجوز له وضع ما معه فيه.

فالأظهر جواز الوضع الذي لا يستلزم اللبث المحرّم ، كما لو وضع من خارج المسجد ، أو اجتاز وطرح فيه شيئا ، أو اضطرّ إلى البقاء ووضع ما معه فيه.

وممّا يؤيّد إناطة الحكم بالدخول لا الوضع وأنّه لا بأس بالوضع من غير الدخول : ما أرسله علي بن إبراهيم في تفسيره عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : «يضعان فيه الشي‌ء ولا يأخذان منه» فقلت : ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟ فقال : «لأنّهما يقدران على وضع الشي‌ء من غير دخول ، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتى يدخلا» (١).

لكن هذه الرواية لمعارضتها بالنسبة إلى الفقرة الثانية بما هو أقوى

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ١٣٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

٣٠٤

منها لا بدّ من طرحها ، أو حمل النهي عن الأخذ على الكراهة.

وأمّا بالنسبة إلى الفقرة الاولى : فلا معارض لها ، لأنّ المراد منها الرخصة في الوضع من غير دخول ، كما يدلّ عليه العلّة المنصوصة ، وهذا ممّا ينصرف عنه الصحيحتان (١) المتقدّمتان ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصّ وفتاوى الأصحاب : جواز الأخذ من المسجد وإن استلزم اللبث أو الجلوس.

وما يقال من أنّ الإطلاق مسوق لبيان حكم الأخذ من حيث هو ، يدفعه ـ مضافا إلى ما عرفت من أنّ المتبادر من الروايتين كونهما مسوقتين لجواز الدخول الذي يستلزمه الوضع والأخذ ـ أنّ الدخول واللبث في الجملة من مقدّماته العاديّة ، فلا ينفكّ الرخصة فيه عن الإذن في الدخول واللبث بالمقدار المتعارف.

اللهم إلّا أن يدّعى أنّ الغالب المتعارف في الأخذ هو الدخول والخروج بسرعة من غير مكث ، وهو من مصاديق المرور والعبور الذي تثبت الرخصة فيهما ، وإطلاق الروايتين منزّل عليه.

وفيه : أنّ صدق (عابِرِي سَبِيلٍ) (٢) على أغلب مصاديق الأخذ المتعارف ـ وهو ما لو دخل من باب وخرج منه ـ ممنوع.

ودعوى صدق المرور في المسجد عليه ـ كما وقع التعبير به في

__________________

(١) أي : صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم ، وعبد الله بن سنان ، المتقدّمتان في ص ٣٠٢.

(٢) سورة النساء ٤ : ٤٣.

٣٠٥

غير واحد من الأخبار (١) ـ على تقدير تسليمها غير مجدية ، لوجوب تقييد المرور على تقدير أعمّيّته من (عابِرِي سَبِيلٍ) بما لا ينافي عموم الآية ، لأنّ التقييد (٢) أهون من تخصيص العموم.

فظهر لك أنّه كما استثني العبور والمرور من عمومات الأدلّة كذلك استثني منها الدخول للأخذ مطلقا بمقتضى إطلاق الروايتين.

وهل يختصّ جواز الأخذ ـ كجواز المرور ـ بما عدا المسجدين الآتيين أم يعمّهما؟ وجهان : من إطلاق الروايتين ، ومن إمكان دعوى سوقهما لبيان حكم سائر المساجد ، كما يدلّ عليه الاستثناء في صدر صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٣) ، والله العالم. (و) يحرم على الجنب (الجواز) أيضا ، كاللبث (في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة) للأخبار المعتبرة المستفيضة التي تقدّم بعضها وسيأتي بعض آخر. (ولو أجنب فيهما ، لم يقطعهما إلّا بالتيمّم) لصحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمّما ، ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد ، ولا يجلس في شي‌ء من المساجد» (٤).

__________________

(١) انظر : الوسائل ، الأحاديث ١ ـ ٣ و ٥ و ٦ و ١٨ من الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

(٢) في «ض ٦ ، ٨» : لأنّ تقييد الإطلاق.

(٣) علل الشرائع : ٢٨٨ (الباب ٢١٠) الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٧ ـ ١٢٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

٣٠٦

وعن الكافي روايتها عن أبي حمزة بسند فيه رفع ، ولكنّه زاد فيها :«وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد» (١) إلى آخره.

ولا فرق في وجوب التيمّم عليه بين ما لو احتلم أو أجنب اختيارا أو اضطرارا ، كما يدلّ عليه الصحيحة على ما رواها في المعتبر بعطف» أو أصابته جنابة» (٢).

وكذا لا فرق بين عروض الجنابة في المسجد أو في خارجه فدخل فيه عصيانا أو نسيانا ، لا لدعوى القطع بعدم الفرق بين أفراد الجنابة حتى يمكن المناقشة فيها ، بل لكون الحكم على طبق القواعد المقرّرة في الشريعة ، إذ بعد أن ثبت بالأخبار المستفيضة أنّ هذين المسجدين أعظم حرمة عند الله ، وأنّ الجواز فيها كاللبث محرّم ، يحكم العقل بأنّه يجب عليه إذا اضطرّ إلى الجواز أو المكث فيهما أن يزيل جنابته حقيقة أو حكما.

والذي تقتضيه القاعدة ـ مع قطع النظر عن الصحيحة ـ : أنّه يجب عليه الغسل إن تمكّن من أن يغتسل في المسجد في زمان يقصر عن زمان الخروج ولا يزيد عن زمان التيمّم ، ولم يترتّب على غسله تصرّف غير سائغ ، كتنجيس المسجد أو تخريبه.

ولو ساوى زمان الغسل زمان الخروج ، فهو مخيّر بينهما ، إذ لم يثبت أهونيّة أحد الأمرين من الآخر حتى يترجّح.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٣ ـ ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٢) المعتبر ١ : ١٨٩.

٣٠٧

لكنّك خبير بأنّ هذين الفرضين متعذّر الحصول عادة ، فعليه أن يتيمّم ، لأنّه أحد الطهورين بشرط أن يقصر زمانه عن زمان الخروج ، وإلّا يجب عليه الخروج فورا ، ولا يشرع له التيمّم ، لأنّه بالنسبة إلى زمان التيمّم معذور في بقائه جنبا ، ولا يعقل أن يكون مكلّفا بالطهارة في هذا الحين ، والمفروض أنّه متمكّن من الخروج من المسجد في زمان معذوريّته ، فلا ضرورة له في التطهير حتى يشرع في حقّه التيمّم.

ولو قصر زمان التيمّم عن زمان الخروج ، وتمكّن من الاغتسال في المسجد في زمان يزيد عن زمان التيمّم ، يجب عليه التيمّم لا الغسل ، لأنّ الغسل يستلزم زيادة المكث في المسجد ، وهي ـ كأصل المكث ـ محرّمة ، فيجب عليه تحصيل الطهارة الترابيّة لأجل هذه المدّة الزائدة التي لا يمكنه تحصيل الطهارة المائيّة لأجلها.

وكونه واجدا للماء حال التيمّم غير مجد بعد كون استعماله مستلزما لارتكاب اللبث المحرّم.

فإذا تيمّم ، فإن طال زمان الخروج عن زمان الغسل ، فالظاهر أنّه يجب عليه الغسل ، تحصيلا للطهارة المائيّة للجزء الزائد من الزمان ، لتمكّنه منها ، فلا أثر لتيمّمه بالنسبة إليه.

وكذا يجب عليه أن يغتسل في المسجد بعد أن تيمّم لو اشتغل ذمّته بواجب مشروط بالطهور ، وانحصر تمكّنه من الغسل في المسجد ، طال زمانه عن زمن الخروج أم قصر ، بل يجب عليه في مثل الفرض أن يدخل في المسجد متيمّما لو كان في خارجه ويغتسل فيه ، لأنّه بالنسبة إلى ما

٣٠٨

عدا المكث في المسجد من الغايات متمكّن من الطهارة المائيّة ، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور ، فلا يستباح شي‌ء منها بالتيمّم.

وما يقال من أنّ التمكّن من الغسل في المسجد ممّا يقتضي وجوده عدمه ، فإنّه متى استبيح بالتيمّم المكث للغسل انتقض التيمّم ، للتمكّن من الماء ، ومتى انتقض التيمّم حرم الكون للغسل ، مغالطة ، لأنّ التمكّن من الماء إنّما هو بالنسبة إلى سائر الغايات ، وأمّا بالنسبة إلى اللبث الواجب عليه مقدّمة لتحصيل الطهارة المائيّة ، التي هي شرط في الصلاة ونحوها من الواجبات فلا.

وليس مطلق وجدان الماء ناقضا للتيمّم ، بل بشرط التمكّن من إيجاد الغاية الواجبة عليه بعد انتقاض التيمّم متطهّرا ، وإلّا فلا أثر للوجدان بالنسبة إلى هذه الغاية التي لا يتمكّن من إتيانها إلّا مع التيمّم ، نظير من صلّى مع التيمّم لضيق الوقت ، فإنّ كونه في المسجد بمنزلة الصلاة عند الضيق في عدم التمكّن من الاغتسال له.

هذا ، مع أنّ لنا قلب الدليل حيث إنّ مقتضاه وجوب الصلاة متيمّما.

فنقول : متى جاز له الدخول في الصلاة متيمّما جاز له الكون في المسجد ، ومتى جاز له الكون في المسجد لم يجز له الصلاة مع التيمّم ، لتمكّنه من الغسل.

وإن قصر زمان الخروج عن زمان الغسل وكان متمكّنا من الغسل في خارج المسجد ، يتعيّن عليه الخروج ، ولا يجوز الاغتسال في المسجد ،

٣٠٩

لاستلزامه بالنسبة إلى الجزء الزائد المكث في زمان يتمكّن فيه من استعمال الماء.

وتوهّم أنّ عدم إمكان تحصيل الطهارة في خارج المسجد إلّا بعد مضيّ زمان يمكن أن يتحقّق فيه الغسل يجعله بالنسبة إلى زمان مقدار الاغتسال في خارج المسجد من اولي الأعذار ، فيستباح بتيمّمه اللبث في المسجد بمقدار زمان الخروج والاغتسال في الخارج ـ كما سنشير إليه في الفرع الآتي ـ فيجوز له الاغتسال في المسجد إن لم يكن زمانه أطول من مجموع الزمانين ، مدفوع بأنّه بعد التمكّن من الاغتسال يرتفع أثر التيمّم ، ولا يشرع التلبّس بشي‌ء من الغايات المشروطة بالطهور ، إلّا إذا ضاق وقته ، فيخرج من فرض التمكّن.

ولو تيمّم للخروج وصادف عدم وجدان الماء لا في المسجد ولا في خارجه ، جاز له البقاء ، لأنّه يستباح بالتيمّم ـ كالوضوء والغسل ـ جميع غاياته وإن لم ينوها ، كما سيجي‌ء إن شاء الله. هذا كلّه هو الذي تقتضيه القواعد.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : غلبة تعذّر الغسل في المسجدين ـ بعد معروفيّة طهوريّة التيمّم وبدليّته من الغسل بالضرورة من الدين ـ مانعة من استفادة الوجوب الأصلي من الصحيحة المتقدّمة للتيمّم من حيث هو لا من حيث كونه طهارة اضطراريّة ، بل لا ينسبق إلى الذهن من الأمر به إلّا الماهيّة المعهودة التي هي بدل عن الغسل ، ورافعة لأثر الجنابة عند الضرورة.

٣١٠

ألا ترى أنّه لو قيل للمسافر الجنب الذي ليس عنده الماء وهو يعلم في الجملة أنّ الجنابة مانعة من الدخول في الصلاة وأنّ التيمّم طهارة اضطراريّة : يجب عليك الصلاة مع التيمّم ، لا يخطر بباله أصلا أن يكون التيمّم لذاته شرطا لصلاة المسافر الجنب.

فالقول بوجوب التيمّم تعبّدا ولو مع إمكان الغسل في زمان لا يزيد عن زمان التيمّم نظرا إلى إطلاق الرواية ، ضعيف في الغاية.

وأمر الحائض بالتيمّم كالجنب في مرفوعة الكافي (١) لا يمنع من انسباق الماهيّة المعهودة إلى الذهن بالنسبة إلى الجنب ، بل بالنسبة إلى الحائض أيضا ، لأنّ عدم فهم البدليّة عن الغسل بالنسبة إلى الحائض مسبّب عن العلم بعدم قابليّة المحلّ لأن يؤثّر الغسل فيه أثره ، لا لإرادة مفهوم آخر من التيمّم غير المفهوم الذي أثره رفع الحدث حكما على تقدير صلاحيّة المحلّ ، كما يؤيّد ذلك : أنّ الذهن لأجل أنسه بتلك الماهيّة ومعهوديّتها لديه لا يفهم من أمر الحائض بالتيمّم أيضا إلّا تأثيره في حقّها خفّة الحدث ، وحصول مرتبة ضعيفة من الطهارة لأجلها أبيحت الغاية التي أمرت بالتيمّم لأجلها ، ولو لم يكن المسبوق إلى الذهن تلك الطبيعة التي علمنا أثرها ، لما كان لهذه الاستفادة منشؤ.

ولأجل هذه الاستفادة ربما يقوى القول بصحّة التيمّم لو تيمّمت باعتقاد الحيض فانكشف الخلاف وصادفت الحاجة إليه لو لم نعتبر في صحّته عدا قصد البدليّة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٣ ـ ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

٣١١

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأمر بالتيمّم والنهي عن المرور في المسجد إلّا متيمّما في الصحيحة : عدم الفرق بين كون زمان الخروج أطول من زمان التيمّم أو بالعكس.

ودعوى انصرافه إلى الأوّل غير مسموعة.

ولا سبيل لنا إلى القطع بكون الخروج في الفرض الثاني أولى من المكث للتيمّم حتى تخصّص الصحيحة بالفرض الأوّل ، لأنّ من الجائز أن يكون المكث في المسجد للتيمّم أهون لدى الشارع من السير في المسجد ، فلا مقتضي لصرف الصحيحة عن ظاهرها.

نعم ، لو توقّف التيمّم على مكث زائد على المتعارف ، أو توقّف على المرور في المسجد بمقدار لو سعى بهذا المقدار إلى طرف الباب لخرج منه ، لم يفهم حكمه من الصحيحة ، لانصرافها عن مثل الفرضين جزما ، فيعمل فيهما على ما تقتضيه القواعد.

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على ظاهر النهي عن المرور : عدم جواز التشاغل بالسير ما دام متشاغلا بالتيمّم فضلا عن وجوبه كما تقتضيه القاعدة.

اللهم إلّا أن يقال بجريها مجرى العادة ، فلا تنافي جواز الإتيان به وهو آخذ في السير ، والله العالم.

وقد اتّضح لك الفرق بين الاستناد إلى الصحيحة أو الاتّكال على القاعدة في حكم بعض الفروع المتقدّمة ، وحينئذ فإن قلنا بأنّ تخصيص

٣١٢

المحتلم بالذكر في الصحيحة إنّما هو لكون الاحتلام سببا عاديّا للجنابة لا لإرادته بالخصوص ، كما يؤيّده ـ مضافا الى ما عرفته من رواية المعتبر بعطف أصابه الجنابة على الاحتلام ـ مقابلته بالحائض في المرفوعة ، فإنّها تشعر بإرادة مطلق الجنب ، فحكم الجميع ما عرفت أوّلا ، ففي غير مورد النصّ يجب العمل بما تقتضيه القواعد ، والله العالم.

تنبيه : نقل عن جماعة إلحاق الضرائح المقدّسة والمشاهد المشرّفة بالمساجد.

وعن الشهيد أنّه نقله في الذكرى عن المفيد في العزّية وابن الجنيد ، واستحسنه (١). وعن بعضهم نقله عن الشهيد الثاني (٢). وعن بعض المتأخّرين من أصحابنا الميل إليه (٣).

وفي الجواهر : أنّه لا يخلو عن قوّة (٤).

واستدلّ له بتحقّق معنى المسجديّة فيها وزيادة ، وللتعظيم (٥).

وفيه : أنّ الحكم معلّق في ظواهر الأدلّة بعنوان المسجديّة لا بمعناها ، فمن المحتمل أن لا يكون مجرّد شرافة المكان وأفضليّة الصلاة فيه مناطا للحكم حتى يدّعى الاشتراك ، لأنّ من الجائز أن يكون لعنوان المسجديّة وكون المكان موضوعا لعبادة الله وتسميته ببيته تعالى مدخليّة في الحكم.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٥٢ ، وانظر : الذكرى : ٣٥ ، وروض الجنان : ٨١.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٥٢ ، وانظر : الذكرى : ٣٥ ، وروض الجنان : ٨١.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٥٢ ، وانظر : الذكرى : ٣٥ ، وروض الجنان : ٨١.

(٤) جواهر الكلام ٣ : ٥٢.

(٥) جواهر الكلام ٣ : ٥٢.

٣١٣

وأمّا التعظيم فلا تجب مراعاته إلّا إذا استلزم تركه التوهين ، وكونه كذلك فيما نحن فيه غير مسلّم ، خصوصا إذا تعلّق بدخوله في المشاهد غرض صحيح ، بل ربما يكون دخوله تعظيما ، كما لو ضاق عليه وقت التشرّف ولم يتمكّن من التطهير وإن كان ترك الدخول في مثل هذا الفرض أيضا بقصد التعظيم لعلّه أعظم ، ولا منافاة بينهما ، لأنّ اتّصاف الفعل بكونه تعظيما من الأمور التي تختلف بالقصود وملاحظة الجهات والأحوال والأزمنة والأمكنة ، كما لا يخفى.

واستدلّ له أيضا : بأنّ حرمة الأئمّة عليهم‌السلام بعد وفاتهم كحرمتهم أحياء ، وقد ورد النهي عن دخول الجنب بيوتهم في حال الحياة في عدّة من الأخبار : ففي رواية بكر (١) بن محمد ، قال : خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : فرفع رأسه إلى أبي بصير فقال : «يا أبا محمد أما تعلم أنّه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء؟» قال : فرجع أبو بصير ودخلنا (٢).

وفي رواية الإرشاد عن أبي بصير ، قال : دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ثمّ خرجت إلى الحمّام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : بكير. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) بصائر الدرجات ٢٦١ ـ ٢٣ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٣١٤

الدخول إليه ، فمشيت معهم حتى دخلت الدار ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبد الله عليه‌السلام نظر إليّ ، ثمّ قال : «يا أبا بصير أما علمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب؟» فاستحييت فقلت : إنّي لقيت أصحابنا فخشيت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها وخرجت (١).

وفي رواية الحميري عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أريد أن يعطيني من دلالة الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر عليه‌السلام ، فلمّا دخلت وكنت جنبا فقال : «يا أبا محمد ما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل عليّ وأنت جنب» فقلت : ما عملته إلّا عمدا ، قال : «أو لم تؤمن؟» قلت : بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ، وقال : «يا أبا محمد قم فاغتسل» فقمت واغتسلت وصرت إلى مجلسي وقلت عند ذلك إنّه إمام (٢).

وعن جابر الجعفي عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، أنّه قال : «أقبل أعرابي إلى المدينة ، فلمّا قرب المدينة خضخض (٣) ودخل على الحسين عليه‌السلام وهو جنب ، فقال له : يا أعرابي أما تستحي الله؟ تدخل إلى إمامك وأنت جنب ، ثمّ قال : أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم» (٤) الحديث.

__________________

(١) الإرشاد ـ للمفيد ـ ٢ : ١٨٥ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) كشف الغمّة ٢ : ١٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٣) الخضخضة : الاستمناء باليد. القاموس المحيط ٢ : ٣٢٩.

(٤) الخرائج والجرائح ١ : ٢٤٦ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢٤ ، وكذا في الباب ١٦ من تلك الأبواب ، الحديث ٤ بدون الذيل.

٣١٥

وفي مرسلة بكير ، قال : لقيت أبا بصير المرادي ، فقال : أين تريد؟ قلت : أريد مولاك ، قال : أنا أتبعك ، فمضى فدخلنا عليه وأحدّ النظر إليه وقال : «هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب؟» فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضبك ، وقال : أستغفر الله ولا أعود (١).

والإنصاف أنّ استفادة الحرمة من هذه الأخبار ـ مع ما فيها ممّا يشعر بالكراهة ـ في غاية الإشكال ، لإمكان دعوى القطع بأنّه لم يزل يبيت الجنب والحائض من أهل بيتهم ومواليهم والواردين عليهم في بيوتهم ولم يكونوا يكلّفونهم بالخروج أو المبادرة إلى الغسل أو التيمّم ، كيف! ولو كان الأمر كذلك ، لشاع الحكم بين مواليهم ، وصار لأجل معروفيّته من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عصر الصادقين من ضروريّات الدين ، فكيف يختفى عن مثل أبي بصير الذي لم يزل يتردّد إلى بيتهم!؟

هذا ، مع أنّ الذي يساعده الاعتبار ويؤيّده ألفاظ الروايات : أنّ هذا الفعل لم يصدر من أبي بصير إلّا مرّة أو مرّتين : مرّة للاختبار ، واخرى مخافة فوت الدخول ، فمن المحتمل أن لم تكن العبارة الصادرة من الإمام عليه‌السلام إلّا بلفظ «لا ينبغي» الظاهر في الكراهة ، كما في الرواية الاولى.

وعلى تقدير صدور الفعل منه مرارا فهو من أقوى الشواهد على الكراهة ، إذ لو فهم من النهي في الواقعة الاولى الحرمة ، لما عاد إلى مثلها أبدا ، بل مقتضى كلامه في الواقعة التي صدرت منه للاختبار كونه عالما

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٧٠ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

٣١٦

بمرجوحيّة الفعل ، وإنّما صدر منه عمدا ، تحصيلا لاطمئنان القلب ، الذي لا يحصل إلّا بالمشاهدة ، فلو علم حرمة الدخول في البيت ، لاختبره بشي‌ء آخر ممّا يجوز له ارتكابه ، ولأمره الإمام عليه‌السلام بالتوبة كما أمره بالغسل ، فتأمّل.

وليس غضب الإمام عليه‌السلام ـ على ما يشعر به الرواية الأخيرة ـ دليلا على حرمة الفعل واستحقاق العقاب عليه ، لإمكان أن يكون غضبه لكراهة الفعل ومنافاته لمرتبة أبي بصير الذي لا ينبغي أن يصدر منه ما ينافي الأدب.

ثمّ لو سلّمت دلالتها ، فغاية مفادها حرمة الدخول في بيوتهم احتراما ، كما يشعر به سياق الأخبار ومقتضى إطلاقها ، بل ظاهر التعبير بقوله : «هكذا تدخل بيوت الأنبياء» حرمة الدخول في بيتهم مطلقا بعد تحقّق النسبة سواء كان في حياتهم أو بعد مماتهم ، فلا يحتاج الاستدلال إلى المقدّمة الخارجيّة من أنّ حرمتهم بعد مماتهم كحرمتهم أحياء.

ولكنّك خبير بأنّ التخطّي عن بيوتهم إلى قبورهم ـ مع أنّه لا يصدق عليها البيت عرفا ـ قياس لا نقول به.

اللهم إلّا أن يدّعى القطع باشتراكهما فيما أنيط به الحكم ، وعهدتها على مدّعيه.

ثمّ إنّ شيخنا قدس سرّه بعد أن استدلّ في جواهره بهذه الأخبار لحكم الجنب بالتقريب المتقدّم أشكل في إلحاق الحائض به من كونه قياسا ومن

٣١٧

اشتراكهما في غالب الأحكام (١).

ويتوجّه عليه : أنّه إن كان مناط الحكم ما نتعقّله من منافاته للاحترام ، فلا نرى فرقا من هذه الجهة بين الجنب والحائض ، وإن كان شيئا آخر ، فلا وجه للتخطّي عن مورد النصّ إلى ما لا يسمّى بيتا في العرف على سبيل الحقيقة بالنسبة إلى الجنب فضلا عن الحائض ، فتأمّل.

والذي أجده من نفسي أنّ القول بحرمة دخول الجنب والحائض في المشاهد المشرّفة أهون من الالتزام بحرمة الدخول في بيتهم حال حياتهم ، لأنّ المشاهد من المشاعر العظام ، التي تشدّ الرحال للتشرّف بها ، فلا يبعد دعوى كون دخول الجنب والحائض هتكا لحرمتها عند المتشرّعة وإن كان في إطلاقها نظر ، وهذا بخلاف بيوتهم حال حياتهم ، فإنّها لم يعهد كونها من حيث هي في عصرهم بهذه المكانة من الشرف في أنظار أهل العرف حتى يكون دخول الجنب والحائض فيها هتكا لحرمتها ، وقد أشرنا ـ فيما سبق ـ أنّ الإهانة والتعظيم من الأمور الاعتباريّة التي تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمنة.

وكيف كان فالاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم بحقائق أحكامه.

(ويكره له) أي للجنب أمور :

منها : (الأكل والشرب) على المشهور ، بل عن الغنية دعوى

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٥٢ ـ ٥٣.

٣١٨

الإجماع عليه (١) ، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا (٢).

وعن ظاهر الصدوق : الحرمة (٣) ، لكن عبارته المحكيّة (٤) عنه مشعرة بالكراهة ، حيث إنّه بعد أن نفى الجواز علّله بخوف البرص ، وظاهر تعليله ـ كبعض الأخبار الآتية المعلّلة به وبغيره ـ إرادة الكراهة.

ويدلّ عليها : رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنّه يخاف منه الوضح» (٥).

في الحدائق : الوضح البرص (٦).

وعن الفقه الرضوي قال : «إذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثمّ كل واشرب ـ إلى أن قال ـ إذا أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص» (٧).

وفي رواية الحسين بن زيد (٨) عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث المناهي ، قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الأكل على الجنابة» وقال : «إنّه يورث الفقر» (٩).

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٦٤ ، وانظر : الغنية : ٣٧.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٦٤ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٤٢.

(٣) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٦ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٦ ، والهداية : ٩٤.

(٤) الحاكي هو الخوانساري في مشارق الشموس : ١٦٦ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٦ ـ ٤٧ ، والهداية : ٩٤ ـ ٩٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥١ ـ ١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٦) الحدائق الناضرة ٣ : ١٣٨.

(٧) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٣ : ١٣٨.

(٨) في النسخ الخطيّة والحجريّة : الحسن بن زياد. وما أثبتناه من المصدر.

(٩) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

٣١٩

وصحيحة عبد الرحمن ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيأكل الجنب قبل أن يتوضّأ؟ قال : «إنّا لنكسل ولكن ليغسل يده فالوضوء أفضل» (١).

وصحيحة زرارة ، قال : «الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب» (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضّأ» (٣).

ولا بدّ من حمل النهي في هذه الصحيحة ، وكذا عدم جواز الأكل إلّا بعد غسل اليد والمضمضة والاستنشاق المفهوم من صحيحة زرارة وغيرها على الكراهة ، جمعا بينهما وبين موثّقة ابن بكير ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام : الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : «نعم يأكل ويشرب ويقرأ ما شاء» (٤) الحديث.

كما يشهد به الإجماع والأخبار المتقدّمة ، المعلّلة المشعرة بالكراهة بل الظاهرة فيها ، كما لا يخفى على المتتبع في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر الصحيحة الأخيرة : عدم ارتفاع الكراهة إلّا

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧٢ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٢٩ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٣) الفقيه ١ : ٤٧ ـ ١٨١ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٠ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١٢٨ ـ ٣٤٦ ، الإستبصار ١ : ١١٤ ـ ٣٧٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

٣٢٠