مصباح الفقيه - ج ٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وفي مكاتبة علي بن يقطين : «تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا» (١) إلّا أنّ جريها مجرى التقيّة يوهن الاستشهاد بها.

بل ينبغي أن يكون كلّ مرّة بكفّ ، لكونه آكد في المبالغة المأمور بها ، وأبلغ في التنظيف المطلوب منهما ، بل لعلّه المنساق إلى الذهن من الأمر بالتثليث.

ويؤيّده الأمر بإسباغ الوضوء ، واستحباب كونه بمدّ.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ هذه الخصوصيّات كلّها من قبيل تعدّد المطلوب ، إذ لا داعي في تقييد المطلقات في المستحبّات بمقيّداتها ، لعدم التنافي ، بل لا يبعد القول باستحباب المضمضة والاستنشاق مطلقا ولو لغير الوضوء ، لعدم التنافي بين المطلقات ومقيّداتها ، والله العالم.

(و) الثامنة : (الدعاء) بالمأثور (عندهما) أي عند المضمضة والاستنشاق ، يعني بعد المجّ والجذب ، (و) كذا (عند غسل الوجه و) عند غسل كلّ واحد من (اليدين ، وعند مسح الرأس ، و) كذا عند مسح (الرّجلين) لما رواه الصدوق مرسلا ، والكليني عن عبد الرحمن بن كثير ، والشيخ عن عبد الله بن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات يوم جالس مع محمد بن حنفية إذ قال له : يا محمد ايتني بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى (٢) ، ثمّ قال : بسم الله وبالله

__________________

(١) الإرشاد ـ للمفيد ـ ٢ : ٢٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٢) عن التهذيب فأكفى بيده اليسرى على يده اليمنى. (منه قدس سرّه).

١٤١

والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، قال : ثمّ استنجى فقال : اللهم حصّن فرجي وأعفّه ، واستر عورتي وحرّمها على النار ، قال :ثمّ تمضمض فقال : اللهم لقّني حجّتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ، ثمّ استنشق فقال : اللهم لا تحرّم عليّ ريح الجنّة واجعلني ممّن يشمّ ريحها وروحها وطيبها ، قال : ثمّ غسل وجهه ، فقال : اللهم بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه ، ولا تسوّد وجهي يوم تبيضّ فيه الوجوه ، ثمّ غسل يده اليمنى فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني ، والخلد في الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا ، ثمّ غسل يده اليسرى فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطّعات النيران ، ثمّ مسح رأسه فقال : اللهم غشّني برحمتك وبركاتك وعفوك ، ثمّ مسح رجليه فقال : اللهم ثبّتني على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام ، واجعل سعيي فيما يرضيك عنّي ، ثمّ رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال : يا محمد من توضّأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله له من كلّ قطرة ماء ملكا يقدّسه ويسبّحه ويكبّره ، فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيامة» (١).

وفي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله بعد أن ذكر دعاء الرّجلين ، قال :وزاد في الفقيه : «يا ذا الجلال والإكرام» وعند الفراغ بقوله : «الحمد لله ربّ العالمين» (٢).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦ ـ ٨٤ ، الكافي ٣ : ٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٥٣ ـ ١٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) كتاب الطهارة : ١٥٦.

١٤٢

تكملة :

في الحدائق عن البحار من كتاب الفقه الرضوي ، قال :«أيّما مؤمن قرأ في وضوئه إنّا أنزلناه في ليلة القدر خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه».

وعنه أيضا من كتاب السيّد ابن الباقي وكتاب البلد الأمين أنّ من قرأ بعد إسباغ الوضوء إنّا أنزلناه وقال : اللهم إنّي أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك لم تمرّ بذنب [قد] (١) أذنبه إلّا محته (٢)».

وعنه أيضا عن كتاب الاختيار (٣) ، قال : قال الباقر عليه‌السلام : «من قرأ على أثر وضوئه آية الكرسي مرّة أعطاه الله ثواب أربعين عاما ، ورفع له أربعين درجة ، وزوّجه الله تعالى أربعين حوراء» (٤).

وفي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله عن تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ، المشتمل على ثواب الوضوء أنّه «إن قال في آخر وضوئه أو غسله من الجنابة : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك ، وأنّ عليّا وليّك وخليفتك بعد نبيّك ، وأنّ أولاده خلفاؤك وأوصياؤه ، تحاتت (٥) عنه

__________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : محقته. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في البحار عن كتاب جامع الأخبار.

(٤) الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٩ ، وانظر : البحار ٨٠ : ٣١٥ ـ ٥ ، و ٣١٧ ـ ٩ ، و ٣٢٨ ـ ١٤ ، والفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٧٠ ، والبلد الأمين : ٣ ، وجامع الأخبار :١٢٤ ـ ٢٣٩.

(٥) أي : تساقطت.

١٤٣

الذنوب كما تتحاتّ أوراق الأشجار ، وخلق الله بكلّ قطرة من قطرات وضوئه أو غسله ملكا يسبّح الله ويقدّسه ويهلّله ويكبّره ويصلّي على محمد وآله الطيّبين ، وثواب ذلك لهذا المتوضّي ، ثمّ يأمر الله بوضوئه وغسله ويختم عليه بخاتم من خزانة ربّ العزّة» (١).

(و) التاسعة من سنن الوضوء : (أن يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه) في الغسلة الاولى (وفي الثانية بباطنهما ، والمرأة بالعكس) لما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدأن بباطن أذرعهنّ ، وفي الرجال بظاهر الذراع» (٢).

والمراد من الفرض التقدير والتشريع لا الإيجاب ، بقرينة غيره من الأدلّة.

وهذه الرواية بظاهرها لا تدلّ إلّا على استحباب البدأة في غسل الذراع للنساء بباطنه وللرجال بظاهره ، وأمّا استحباب العكس في الغسلة الثانية فلا يستفاد منها ، بل ربّما يستظهر منها إطلاق الاستحباب بالنسبة إلى الغسلتين.

وفيه منع ظاهر ، لأنّ المتبادر منها استحباب الشروع في غسل الذراع من باطنه للنساء ، ومن ظاهره للرجال ، والغسلة الثانية ليس ابتداؤها ابتداء

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٥٦ ، وانظر : تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٣٠ ـ ٣١ ـ ١٠٠ ، التهذيب ١ : ٧٦ ـ ٧٧ ـ ١٩٣ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ١ و ٢.

١٤٤

غسل الذراع ، وليس مفاد الرواية استحباب الابتداء في كلّ غسلة ، فالرواية ساكتة عن حكم الغسلة الثانية.

وما يمكن الاستشهاد به لأرجحيّة العكس في الغسلة الثانية كون العكس أحوط في تحصيل غرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شرعه الغسلة الثانية لأجل ضعف الناس وقصورهم عن إسباغ الوضوء والإتيان بما هو وظيفته بغسلة واحدة.

والحاصل : أنّ الإسباغ الكامل لا يحصل إلّا بالصبّ من الطرفين ، فيكون راجحا.

وقد يقال : إنّ الغسلة الثانية حيث إنّها بمنزلة المتمّم للغسلة الأولى ـ كما يفصح عن ذلك التعبير عنها في غير واحد من الأخبار بكونها إسباغا للوضوء ـ ربّما يتبادر إلى الذهن من الأمر بالبدأة من الظاهر أو الباطن كون الثانية عكسها.

وكيف كان ، فقد نسب (١) القول باستحباب العكس في الغسلة الثانية إلى كثير من أساطين الأصحاب ، بل عن الغنية والتذكرة الإجماع عليه (٢) ، فلا بأس بالالتزام به ، لأخبار التسامح.

وأمّا دعوى الاستفادة من الرواية أو غيرها من المناسبات الذوقيّة كدعوى استفادة اتّحاد حكم الغسلتين من الرواية ، فهي كما ترى ، والله العالم.

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٤٠.

(٢) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٤٠ ، وانظر : الغنية : ٦١ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٠٢.

١٤٥

(و) العاشرة (أن يكون الوضوء) بجميع غرفاته الواجبة والمستحبّة ، وهي اثنتا عشرة أو ثلاث عشرة أو أربع عشرة غرفة (بمدّ) بلا خلاف ظاهرا ، بل عن جماعة الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة :ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ بمدّ من ماء ويغتسل بصاع» (٢).

ومثله في صحيحة زرارة ، وزاد فيها «والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال» (٣).

في الوسائل : قال الشيخ : يعني أرطال المدينة ، فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي (٤).

وفي الحدائق عن شيخنا البهائي قدس سرّه أنّه اعتبر المدّ لا يزيد على ربع المنّ التبريزي المتعارف في زماننا هذا بشي‌ء يعتدّ به (٥).

وقال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : المراد بالرطل فيها المدني ، وهو يزيد عن العراقي بنصفه ، فالمدّ رطلان وربع بالعراقي ، وهو مائتان واثنان

__________________

(١) حكاه عنهم صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٤١.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٧ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٤) الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، ذيل الحديث ١ ، وانظر : التهذيب ١ : ١٣٧ ذيل الحديث ٣٧٩.

(٥) الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، وانظر : الحبل المتين : ٢٧.

١٤٦

وتسعون درهما ونصف ، نسبه في الذكرى إلى الأصحاب ، وهي مائة وثلاثة وخمسون مثقالا وكسر (١).

وروي في الفقيه مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «الوضوء بمدّ والغسل بصاع ، وسيأتي أقوام من بعدي يستقلّون ذلك فأولئك على خلاف سنّتي ، والثابت على سنّتي معي في حظيرة القدس» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمّ إنّ ظاهر التحديد بمدّ أنّ الزائد ليس مستحبّا ، بل ربّما يكون مكروها ، لما روي من «أنّ لله جلّ ذكره ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه» (٣).

وقوله عليه‌السلام في ذيل الرواية السابقة (٤) : «وسيأتي أقوام يستقلّون ذلك» وظاهره أنّهم يعدّونه قليلا.

ويحتمل بعيدا أن يكون المراد أنّهم يقتصرون على أقلّ منه.

وكيف كان فقد يتراءى التنافي بين استحباب المدّ وبين الوضوءات المرويّة من فعل الأئمّة عليهم‌السلام في مقام البيان وغيره.

ففي صحيحة الحذّاء ، المرويّة عن التهذيب قال : «وضّأت أبا جعفر عليه‌السلام وقد بال وناولته الماء فاستنجى ثمّ صببت عليه كفّا فغسل وجهه ، وكفّا

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٥٦ ، وانظر : الذكرى : ٩٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣ ـ ٧٠ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢ ـ ٩ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٤) أي مرسلة الفقيه ، المتقدّمة آنفا.

١٤٧

غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر ، ثمّ مسح بفضل الندى رأسه ورجليه» (١).

ويدفع التنافي قصور الفعل عن معارضة القول ، لإجمال وجهه ، إذ ربّما يترك الإمام عليه‌السلام الفعل الراجح لمراعاة أمر أرجح.

ولكنّ الإنصاف أنّه لو لا الإجماع على استحباب المدّ ، لأمكن الالتزام بكون المدّ نهاية لحدّ الرخصة ، وعدم كونه من السرف المنهيّ عنه ، وأنّ حكاية فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للتعريض على من يستقلّه ، فليتأمّل ، والله العالم.

وقد ذكروا في المقام مستحبّات أخر لم يتعرّض لذكرها المصنّف رحمه‌الله.

منها : السواك ، وهو مستحبّ مطلقا ، ويتأكّد استحبابه قبل الوضوء والصلاة.

وفي الحدائق : والظاهر أنّه لا خلاف بين أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ في استحبابه مطلقا وخصوصا للوضوء والصلاة ، لاستفاضة الأخبار بذلك (٢).

وممّا يدلّ على استحبابه مطلقا : موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أخلاق النبيّين السواك» (٣).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٨ ـ ١٦٢ ، الإستبصار ١ : ٥٨ ـ ١٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٢ : ١٥٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤٩٥ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب السواك ، الحديث ٣ ، وفيهما :«الأنبياء» بدل «النبيّين».

١٤٨

وروايته أيضا عنه قال : «السواك من سنن المرسلين» (١).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفي أو أدرد» (٢) و «أحفى» بالحاء المهملة «وأدرد» بالدالين المهملتين عبارة عن إذهاب الأسنان ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي فوق حدّ التواتر.

وممّا يدلّ على استحبابه قبل الوضوء : قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «وعليك بالسواك عند كلّ وضوء» (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام في رواية المعلّى بن الخنيس حين سأله عن الاستياك بعد الوضوء ، قال : «الاستياك قبل أن يتوضّأ» قال : قلت : أرأيت إن نسي حتى يتوضّأ؟ قال : «يستاك ثمّ يتمضمض ثلاث مرّات» (٤).

وفي مرسلة الصدوق : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «يا علي عليك بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» قال : وقال : «السواك شطر الوضوء» قال :وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٩٥ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب السواك ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٣ ـ ٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب السواك ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٨ : ٧٩ ـ ٣٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب السواك ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٣ ـ ٦ ، المحاسن : ٥٦١ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب السواك ، الحديث ١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢ ـ ١١٣ و ١١٤ ، و ٣٤ ـ ١٢٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب السواك ، الأحاديث ٢ ـ ٤.

١٤٩

وفي رواية السكوني «التسويك بالمسبحة والإبهام عند الوضوء سواك» (١).

وممّا يدلّ على استحبابه قبل الصلاة رواية محمد بن مروان عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام «عليك بالسواك لكلّ صلاة» (٢).

وفي رواية ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك» قال : «وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك مع كلّ صلاة» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ومنها : صفق الوجه بالماء ،لرواية عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا توضّأ الرجل فليصفق وجهه بالماء ، فإنّه إن كان ناعسا فزع واستيقظ ، وإن كان البرد فزع ولم يجد البرد» (٤).

وعورضت بما رواه الشيخ والكليني عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضّأتم ، ولكن شنّوا الماء شنّا» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٧ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب السواك ، الحديث ٤ ، وفيه :«التسوّك» بدل «التسويك».

(٢) الكافي ٦ : ٤٩٦ ـ ١٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب السواك ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٢ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب السواك ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٧ ـ ١٠٧١ ، الإستبصار ١ : ٦٨ ـ ٦٩ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٧ ـ ١٠٧٢ ، الإستبصار ١ : ٦٩ ـ ٢٠٨ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

١٥٠

وبما روي في قرب الإسناد عن أبي جرير الرقاشي ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : كيف أتوضّأ للصلاة؟ فقال : «لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا» (١).

وقيل (٢) في الجمع بينهما : بحمل الخبر الأوّل على الناعس والبردان كما هو نصّ فيهما ، والأخيرين على ما عداهما ، أو الأوّل على الجواز والأخيرين على الكراهة.

واحتمل بعض أن يكون المراد من صفق الوجه بالماء فعلا خارجيّا قبل الوضوء للغرض المذكور في الرواية (٣).

أقول : ومن المحتمل قويّا أن يكون المراد من الرواية الأولى إيصال الماء إلى الوجه بمل‌ء كفّه في مقابل الدهن ، فلا ينافيها الرواية الثانية.

وأمّا الرواية الأخيرة : فقد عرفت في مبحث غسل الوجه أنّها أجنبيّة عمّا نحن فيه ، فراجع.

وكيف كان ، فلا ينبغي التأمّل في استحباب هذا المعنى ولو لأجل التأسّي برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما يظهر من الأخبار الحاكية لفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو أريد من صفق الوجه بالماء صفقة بالكفّ المملوءة من الماء ـ كما لعلّه هو المنساق إلى الذهن من الرواية ـ فلا بأس بالالتزام به ، ولا ينافيه شي‌ء من

__________________

(١) قرب الإسناد : ٣١٢ ـ ١٢١٥ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٢) القائل هو البحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٧.

(٣) كما في الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٧.

١٥١

الأدلّة ، بل لعلّه يعضده الأخبار البيانيّة.

وإن أريد منه ضرب الماء على الوجه بالعنف ، لعارضها رواية السكوني ، مضافا إلى ما يظهر من الأخبار البيانيّة من مخالفته لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله العالم.

ومنها : فتح العينين عند الوضوء ،لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا ، وفي العلل وثواب الأعمال مسندا عن ابن عباس «افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنّم» (١).

وعن الراوندي أنّه روى في نوادره بإسناده عن الكاظم عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اشربوا عيونكم الماء لعلّها لا ترى نارا حامية» (٢).

ولكن عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع على عدم استحباب إيصال الماء إلى داخل العينين (٣).

وفي محكيّ الذكرى : عدم المنافاة بين الحكمين ، لعدم التلازم بين الفتح وبين إيصال الماء إلى الداخل (٤).

أقول : أمّا الروايتان ففي سنديهما ضعف وقصور ، حتّى أنّ صاحب

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١ ـ ١٠٤ ، علل الشرائع : ٢٨٠ ـ ٢٨١ (الباب ١٩٢) الحديث ١ ، ثواب الأعمال : ٣٣ (باب ثواب فتح العيون ..) الحديث ١.

(٢) نوادر الراوندي : ٣٩ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٥.

(٣) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ٩٥ ، وانظر : الخلاف ١ : ٨٥ ، المسألة ٣٥.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٥٧ ، وانظر : الذكرى : ٩٥.

١٥٢

الحدائق طعن فيهما بضعف السند (١) ، فلولا موافقة مضمونهما للمحكيّ عن الشافعي (٢) ، لاتّجه القول بالاستحباب مسامحة ، ولكنّ الله تعالى جعل الرشد في خلافهم (٣) ، والله العالم.

(ويكره) في الوضوء أمور :

منها : إيقاعه في المسجد من حدث البول والغائط ،لرواية رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء في المسجد ، فكرهه من البول والغائط (٤).

ويحتمل قريبا أن يكون المراد من الوضوء في هذه الرواية الاستنجاء ، أو مطلق غسل البول والغائط ، دون الوضوء الرافع للحدث ، فالمراد من الكراهة حينئذ الحرمة ، فإنّ إطلاقها عليها كإطلاق الوضوء على الاستنجاء أو مطلق الغسل في الأخبار شائع.

ويدلّ عليه أيضا : مفهوم رواية بكير بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد» (٥).

وربما تحمل هذه الرواية ـ بقرينة فرض الحدث في المسجد ـ على

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٥.

(٢) كما في الحدائق الناضرة ٢ : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، وانظر : المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣ ، والحاوي الكبير ١ : ١١١ ، والمجموع ١ : ٣٦٩ ، وروضة الطالبين ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٣) انظر : الكافي ١ : ٨ و ٦٧ ـ ٦٨ ـ ١٠ ، والتهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ ـ ٨٤٥ ، والوسائل ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١ و ١٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٩ ـ ٩ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ ـ ١٠٦٧ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٦ ـ ١٠٦٦ ، الوسائل ، الباب ٥٧ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

١٥٣

غير الحدثين.

وفيه : منع المنافاة ، إذ ربما لا يكون الحدث اختياريّا ، فلا وجه للتخصيص ، وبها يقيّد إطلاق الرواية السابقة ، والله العالم.

(أن يستعين في طهارته) بأن يكل بعض مقدّماته القريبة ـ كصبّ الماء في اليد ونظائره ـ إلى الغير ، للأخبار المستفيضة المتقدّمة في مسألة عدم جواز التولية.

(و) منها : (أن يمسح بلل الوضوء من أعضائه) بالمنديل ، كما عن الشيخ في أكثر كتبه (١) ، وكذا عن جمع من الأصحاب (٢) ، بل نسب (٣) إلى المشهور القول بكراهته. وعن الخلاف دعوى الإجماع على أفضليّة تركه (٤).

والمستند فيه : ما روي بعدّة طرق في الكافي وثواب الأعمال والمحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «من توضّأ وتمندل كتبت له حسنة ، ومن توضّأ ولم يتمندل حتّى يجفّ وضوؤه كتب له ثلاثون حسنة» (٥).

وتقريب دلالتها على الكراهة : ظهورها في كون الثلاثين حسنة على

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٥٢ ، وانظر : النهاية : ١٦ ، والمبسوط ١ :٢٣ ، والجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٥٨.

(٢) حكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٢٥٢.

(٣) الناسب هو الشهيد في الدروس ١ : ٩٣ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٢ : ٤١٣ وغيرهما ، انظر : مفتاح الكرامة ١ : ٢٧٦.

(٤) حكاها عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٢٧٦ ، وانظر : الخلاف ١ : ٩٧ ، المسألة ٤٤.

(٥) الكافي ٣ : ٧٠ ـ ٤ ، ثواب الأعمال : ٣٢ (باب ثواب التمندل ..) الحديث ١ ، المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

١٥٤

أصل الوضوء الذي لم يجفّف ماؤه بالمنديل ، فيكون التمندل موجبا لإدخال نقص فيه يوجب قلّة ثوابه.

ويحتمل أن يكون إبقاء أثر الوضوء في حدّ ذاته مستحبّا ، فتكون زيادة الثواب لأجله ، وعلى هذا لا يستفاد من الرواية كراهة التمندل ، إذ لا ملازمة بين استحباب الترك وكراهة الفعل.

وكيف كان ، فهذه الرواية صريحة في رجحان بقاء أثر الوضوء.

ولا يعارضها رواية الحضرمي عنه عليه‌السلام «لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضّأ إذا كان الثوب نظيفا» (١) ونظيرها صحيحة ابن مسلم (٢) ، ورواية المحاسن (٣) ، إذ ليس مفادها إلّا جواز الفعل ، فلا ينافيها رجحان الترك.

نعم ، يعارضها الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه كان لعليّ عليه‌السلام خرقة يعلّقها في مسجد بيته لوجهه ، إذا توضّأ تمندل بها (٤). وظاهرها مداومته عليه‌السلام على ذلك ، وهو ينافي الكراهة.

وفي موثّقة إسماعيل بن الفضل قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام توضّأ للصلاة ثمّ مسح وجهه بأسفل قميصه ، ثمّ قال : «يا إسماعيل افعل هكذا فإنّي أفعل هكذا» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦٤ ـ ١١٠٢ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٦٤ ـ ١١٠١ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٣) المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٤٦ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٤) المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الأحاديث ٧ ـ ٩.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٧ ـ ١٠٦٩ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

١٥٥

وفي صحيحة منصور بن حازم ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام وقد توضّأ وهو محرم ، ثمّ أخذ منديلا فمسح به وجهه (١).

وهذه الأخبار وإن كانت أصحّ سندا وأكثر عددا إلّا أنّ مخالفتها للمشهور وموافقتها للجمهور الذين جعل الله الرشد في خلافهم أوهنها ، فيحتمل جري هذه الأخبار مجرى التقيّة.

وهذا الاحتمال وإن كان بعيدا بالنسبة إلى بعضها إلّا أنّ في بعضها الآخر ـ كموثّقة إسماعيل ـ إيماء إليها.

ولعلّ قوله عليه‌السلام في ذيل الموثّقة : «يا إسماعيل افعل هكذا» تعريض على أبي حنيفة القائل بنجاسة ماء الوضوء على ما حكي (٢) عنه ، والله العالم.

وهل يلحق بالمسح تجفيف البلل بالنار أو الشمس؟ في المدارك :قيل : نعم ، لاشتراكهما في إزالة أثر العبادة ، ولإشعار قوله عليه‌السلام : «حتى يجفّ وضوؤه» بذلك. وقيل : لا ، اقتصارا على مدلول اللفظ. وهو قويّ بل لا يبعد اخ تصاص الكراهة [بالمسح] (٣) بالمنديل كما هو منطوق الرواية (٤). انتهى ، والله العالم.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٢ : ٣٤٦ ، وانظر : المبسوط ـ للسرخسي ـ ١ : ٥٣ ، والهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٩ ـ ٢٠ ، وحلية العلماء ١ : ٩٦ ، والمجموع ١ : ١٥١ ، والمغني ١ : ٤٨ ، والشرح الكبير ١ : ٤٣.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٢٥٣ ، وتقدّمت الإشارة إلى مصادر الرواية في ص ١٥٤ الهامش (٥).

١٥٦

الفصل (الرابع : في أحكام الوضوء) الطارئة عليه باعتبار عروض الشكّ المتعلّق به من حيث وجوده أو صحّته. (من تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة) أو ظنّ بها من غير طريق معتبر ، تطهّر لما يوجده من الأفعال المشروطة بالطهارة إجماعا.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع والأخبار المستفيضة الناهية عن نقض اليقين بالشكّ ـ الاستصحاب المتّفق عليه في مثل المقام بين العلماء الأعلام ، بل بين قاطبة أهل الإسلام على ما صرّح به شيخنا المرتضى (١) قدس سرّه ، بل عن المحدّث الأسترابادي المنكر لحجّيّة الاستصحاب عدّ مثله في بعض فوائده من ضروريّات دين الإسلام (٢).

نعم ، يظهر من شيخنا البهائي رحمه‌الله ـ فيما حكي عنه من حبله المتين في عكس المسألة ، أعني لو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث ـ إناطة جريان الاستصحاب بعدم الظنّ على خلاف الحالة السابقة.

ولكنّه ـ مع ضعفه في حدّ ذاته ومخالفته لصريح الأخبار الناهية عن نقض اليقين إلّا بيقين مثله ـ لا يدلّ على مخالفته فيما نحن فيه في الحكم الفرعي ، لعدم انحصار المدرك في الاستصحاب ، إذ لو لم نقل بحجّيّة

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٥٨.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٥٥٧ ، وكتاب الطهارة : ١٥٨ ، وانظر :الفوائد المدنيّة : ١٤٣.

١٥٧

الاستصحاب ولم يكن في المسألة إجماع وخبر ، لكنّا نلتزم أيضا بوجوب الطهارة ، لقاعدة الاشتغال. (أو تيقّنهما وشكّ في المتأخّر) منهما فكذلك (تطهّر) أيضا ، وفاقا للمشهور ، لا لاستصحاب الحدث ، لمعارضته بالمثل ، بل لحكم العقل بوجوب القطع بتفريغ الذمّة من التكاليف المشروطة بالطهور ، فلا فرق في وجوب الطهارة في الصور المتقدّمة بين القول بحجّيّة الاستصحاب وعدمه.

نعم ، إجراء الاستصحاب إنّما يؤثّر بالنسبة إلى الأحكام الثابتة للمحدث من حيث هو ، كحرمة الدخول في المساجد أو قراءة العزائم ، لا بالنسبة إلى التكاليف المنجّزة على المكلّف ، المشروطة بإزالة الحدث.

وسرّه أنّ موضوع الأحكام ـ أعني الحدث ـ يحرز باستصحابه ، فيترتّب عليه جميع أحكامه.

وأمّا قاعدة الاشتغال : فإنّها لا تقتضي إلّا وجوب الاحتياط بالنسبة إلى التكاليف المنجّزة على المكلّف ، المشروطة بالطهارة ، وأمّا الأحكام الثابتة للمحدث في حدّ ذاته فلا ، بل المرجع فيها أصل البراءة ، لكون الشكّ بالنسبة إليها شكّا في أصل التكليف ، وأمّا بالنسبة إلى الأوّل فالشكّ إنّما هو في المكلّف به.

ولا فرق في وجوب الطهارة بمقتضى القاعدة بين القول بكون الطهارة شرطا للغايات المشروطة بها وكون الحدث مانعا ، ولا بين القول بكون الطهارة هي الحالة الأصليّة في الإنسان وكون الحدث كذلك ،

١٥٨

لاستقلال العقل بوجوب القطع بتفريغ الذمّة من التكاليف المعلومة ، فكما أنّ الشكّ في الشرط مانع من الجزم بحصول الامتثال ، فكما يجب إحراز الشرط يجب إحراز عدم المانع ، إذ كما أنّ صحّة الفعل تتوقّف على وجود الشرط ، كذا تتوقّف على عدم المانع ، فعدم المانع أيضا بمنزلة الشرط في وجوب إحرازه عقلا.

نعم ، بين عدم المانع وسائر الشرائط الوجوديّة فرق في الجملة ، وهو : أنّ عدم المانع كثيرا مّا يحرز باستصحاب العدم الأزلي ، بخلاف الشرائط الوجوديّة ، فإنّها غالبا مسبوقة بالعدم ، إلّا أنّ هذا الفرق غير مجد فيما نحن فيه ، للقطع بانقطاع العدم الأزلي ، ووجود الحدث قبل زمان الشكّ ، فيستصحب وجوده لو لا معارضته باستصحاب بقاء أثر الوضوء.

وما يقال من أنّ عدم العلم بوجود المانع كاف في البناء على عدمه إنّما يتمّ لو قيل باستقرار بناء العقلاء على ترتيب أثر المقتضي بمجرّد إحرازه.

ولكنّك عرفت ـ فيما سبق عند التكلّم في مسألة الشكّ في مانعيّة الخاتم من وصول الماء إلى البشرة ـ فساد هذا المبنى ، فكيف يرخّص العقل في الاقتصار على الشكّ في مقام الإطاعة!؟

وبما ذكرنا ظهر لك أنّ القول بكون الطهارة هي الحالة الأصليّة أو الحدث ممّا لا يجدي أصلا ، للعلم بانقلاب الحالة الأصليّة والشكّ في زوال الحالة الطارئة ، فمقتضى القاعدة استصحابها لو لا معارضتها

١٥٩

باستصحاب أثر الوضوء أو الحدث المؤثّر في عود الحالة الأصليّة.

لا يقال : إنّا لو بنينا على أنّ الحالة الأصليّة هي الطهارة ، يجب الرجوع إليها بعد تعارض الأصلين وتساقطهما.

لأنّا نقول : الأصل الثالث الذي يرجع إليه بعد تساقط الأصلين إنّما هو الأصل العملي المقرّر للشاكّ ، لا الحالة الأصليّة التي يتوقّف عودها على سبب حادث ، لأنّ تساقط الأصلين لا يوجب القطع بعود الحالة الأصليّة حتى يجوز الاقتصار عليه في مقام امتثال التكاليف المشروطة بها ، كما هو ظاهر ، فالمرجع إنّما هو قاعدة الاشتغال لا غير.

ويؤيّد ما ذكرنا من وجوب الطهارة مطلقا على من تيقّنهما وشكّ في المتأخّر : ما في الفقه الرضوي «وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ» (١) بل ربما يستدلّ به له بدعوى : انجباره بالشهرة المحقّقة ، وظهور الاتّفاق المفهوم من نسبته في الذكرى (٢) إلى ظاهر الأصحاب.

وربما يستدلّ له أيضا بإطلاق قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (٣) إلى آخره ، وقوله عليه‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور» (٤) ، إذ لم يعلم خروج المفروض من إطلاقهما.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٦٧.

(٢) الذكرى : ٩٨.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢ ـ ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ـ ٥٤٦ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

١٦٠