المجلس السّادس والسّبعون بعد المائة
لمّا بعث زياد بن أبيه بحِجر بن عدي الكندي وأصحابه إلى معاوية بالشام ، أمر معاوية بأخذهم إلى عذراء ـ وهي قرية شرقي دمشق ـ وقتلهم هناك ، فحُملوا إليها. قال المُرزُباني : فلمّا أرادوا قتلهم ، اجتمع إلى حِجر أصحابه ليودّعوه ، فأنشأ حِجر يقول :
فمَنْ لكُمُ مثلي لدَى كلِّ غارةٍ |
|
ومَنْ لكمُ مثلي إذا البأسُ أصحَرا |
ومَن لكُمُ مثلي إذا الحربُ قُلّصتْ |
|
وأوضع فيها المُسْتميتُ وشمَّرا |
ولمّا حُمل عبد الرحمن بن حسّان العنزي ، وكريم بن عفيف الخثعمي ـ وكانا من أصحاب حجر ـ ، قال العنزي : يا حِجر ، لا تبعُد ولا يبعُد ثوابك ، فنعم أخو الإسلام كنت! وقال الخثعمي : يا حِجر ، لا تبعُد ولا تُفقد ، ولقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ثمّ ذُهب بهما إلى القتل ، فأتبعهما حِجر بصره ، وقال :
كفَى بسفاهِ القبرِ بُعداً لهالكٍ |
|
وبالموتِ قطّاعاً لحبلِ القرائِنِ |
قال المُرزُباني : لمّا قُتل حِجر بنُ عدي ، قالت امرأة من كندة ترثيه :
ترفَّعْ أيُّها القمرُ المُنيرُ |
|
لعلّكَ أنْ ترَى حِجْراً يسيرُ |
يسيرُ إلى معاويةَ بنِ صخرٍ |
|
ليقتلُهُ كما زعمَ الأميرُ |
ألا يا حجْرُ حجْرَ بني عديٍّ |
|
ومَنْ أخلاقُهُ كرمٌ وخيرُ (١) |
ألا يا ليتَ حِجراً مات موتاً |
|
ولمْ يُنحرْ كما نُحرَ البعيرُ |
تجبَّرتْ الجبابرُ بعد حِجْرٍ |
|
وطابَ لها الخورنقُ والسَّديرُ |
_____________________
(١) هذا البيت لم يذكره المُرزُباني ، وأورد ابن الأثير بدل الشطر الأخير : (تلقّتك السلامة والسُّرور). ـ المؤلّف ـ