وإذا كانتْ النّفوسُ كِباراً |
|
تعبتْ في جِوارها الأجسامُ |
فانظر إليه كيف ثبت في هذا المقام الرهيب وسلّم نفسه للقتل ، ولم يبرأ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)! مقام عظيم وأيَم الله ، وأيُّ مقام! فتسليم النّفس للقتل ليس بالأمر الهيّن. ولم يكتفِ بتسليم نفسه للقتل حتّى قدّم ابنه للقتل أمامه ؛ خوفاً عليه من أنْ يرجع عن ولاية علي (ع). والولد قطعة من الكبد ، ولا يعدل النفس شيئاً إلاّ الولد. ولهذا لمّا برز علي الأكبر يوم كربلاء ، لم يملك أبوه الحسين (ع) دمعته مع ما اُوتيه من الصبر العظيم ، وأرخى عينيه بالدموع وبكى ، ثمّ رفع سبابتيه نحو السّماء ، وقال : «اللهمّ ، كُنْ أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه النّاس خَلْقاً وخُلقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيَّك نظرنا إليه».
يا كوكباً ما كان أقصرَ عُمرُهُ |
|
وكذا تكونُ كواكبُ الأسحارِ |
ولهذا أيضاً ، لمّا وصل الخبر إلى بشر بن عمرو الحضرمي يوم عاشوراء : أنّ ابنه اُسّر بثغر الري ، قال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحبّ أنْ يُؤسر وأبقى بعده. فسمع الحسين (ع) مقالته ، فقال له : «رحمك الله ، أنت في حلٍّ من بيعتي ، فاذهب واعمل في فكاك ابنك». فقال : أكلتني السباع حيّاً إنْ فارقتك. قال (ع) : «فأعطِ ابنك هذا هذه الأثواب البُرود ؛ يستعين بها في فداء أخيه». فأعطاه خمسة أثواب بُرود قيمتها ألف دينار ، فحملها مع ولده.
لقدْ صَبرُوا صبْرَ الكرامِ وقدْ قضَوا |
|
على رغبةٍ منهُمْ حقوقَ المكارمِ |
قساورةٌ يومَ القراعِ رماحُهُمْ |
|
تكفَّلنَ أرزاقَ النّسورِ القشاعمِ |