موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

وانصرف مصحوباً بالسلامة. ثمّ فرّ سنان إلى خراسان. فمن يومئذ كان امتحان الأطباء واختبارهم (١).

بداية دولة آل بويه الديالمة :

مرّ الخبر عن دولة مردآويج بن زياد الديلمي وجنوده ، ومن جنوده الديالمة ثلاثة إخوة : أحمد وعلي والحسن أبناء بُويه الديلمي ، خرجوا من الديلم إلى مردآويج في طبرستان ، فقبلهم أحسن قبول وخلع عليهم ، وقدّم منهم علياً وقلّده حكم كرج ، فاستمال أهلها بالصِلات والهبات فأحبّوه وقوي جانبه (٢).

وأورد ابن الوردي : أنّ مرداويج بن زياد حوّل جمعاً من قوّاده بمال على عماد الدولة في كرج ، فلمّا وصلوا لقبضه استمالهم بإحسانه إليهم حتى استوجبوا طاعته ، وهكذا حتى صار في عشرة آلاف عسكري ، وكان على اصفهان من بغداد محمد بن ياقوت في تسعمئة ، فقصده ابن بويه وقاتله وهزمه واستولى على إصفهان ، فعظم بذلك في عيون الناس ، وبلغ ذلك مرداويج فاستوحش منه إلّاأنه بقي يراسله ويلاطفه ، وابن بويه يعتذر ولا يحضر. وكان محمد بن ياقوت ارتحل من إصفهان إلى أرجّان ، فبعد شهرين ارتحل إليه ابن بويه فانهزم منها بغير قتال واستولى ابن بويه على ارّجان ، وذلك في ذي الحجة سنة (٣٢٠ ه‍) وفي ربيع الآخر من (٣٢١ ه‍) صار ابن بويه إلى توبيدگان واستولى عليها.

ثمّ أرسل أخاه الحسن ولقّبه ركن الدولة إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فاستخرج أموالها (٣).

__________________

(١) مختصر تاريخ الدول : ١٦٢.

(٢) تاريخ مختصر الدول : ١٦١.

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٥.

٦٠١

وعاد إلى أخيه سالماً غانماً ، فعاد معه أخوه علي عماد الدولة حتى استولى على شيراز وملكها سنة (٣٢٢ ه‍) (١). وقال السيوطي : أتى همدان ليملكها فقاتلوه ففتحها عنوة أو صلحاً ثمّ صار إلى شيراز ، وقلّ ما عنده من مال ، واستلقى على قفاه فرأى حية تحركت في السقف ، فأمر بنقضه وإذا بصناديق مليئة ذهباً ، فانفقها على جنده! وركب يوماً فساخت قوائم فرسه فأمر بحفره فوجدوه كنزاً! وكان قد أُودع عند خياط اثنا عشر صندوقاً لا يعلم ما فيها ، وأرسل ابن بويه عليه ليخيط له ، وكان أطرش أصمّ فظن أنه سُعى به إليه فقال : والله ما عندي سوى اثني عشر صندوقاً لا أعلم ما فيها! فأحضروها فوجدوا فيه مالاً عظيماً (٢)!

وفاة ابن دُريد اللغوي :

قال المسعودي : في شعبان من عام (٣٢١ ه‍) في خلافة القاهر كانت وفاة محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري العُماني في بغداد ، برع في الشعر وانتهى في اللغة إلى الغاية وقام فيها مقام شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري ، وأورد في اللغة أشياء لا توجد في المتقدمين ، ومن جيّد شعره قصيدته المقصورة (٣) وله كتاب الجمهرة في اللغة ، عاش (٩٣) عاماً (٤).

ولمّا سقطت البصرة بيد الزنوج فرّ منها إلى عُمان فأقام بها اثني عشر عاماً ، وكان على فارس شيراز بنو شاه مكيال فرحل إليهم فولّوه نظارة ديوانهم ،

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول : ١٦١.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤٩.

(٣) مروج الذهب ٤ : ٢٢٨ ، ٢٢٩.

(٤) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٥.

٦٠٢

حتى خُلعوا منها عام (٣٠٨ ه‍) فجاء إلى بغداد على عهد المقتدر ووزارة ابن الفرات فعيّن له وظيفة في كل شهر خمسين ديناراً! وله كتب عديدة في الأدب والشعر واللغة ، وكتابه الجمهرة في (٦) مجلدات. وعدّه رشيد الدين الحلبي الساروي المازندراني في شعراء أهل البيت المجاهدين عنهم ، آخذاً من شيخه الخليل الفراهيدي ، ومن شعره في ذلك في «معالم العلماء» :

أهوى النبيّ محمداً و «وصيّه»

وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل الولاء ، وإنني بولائهم

أرجو السلامة والنجا في الآخرة

وأرى محبة من يقول بفضلهم

سبباً يجير من السبيل الجائرة

أرجو بذاك رضا المهيمن وحده

يوم الوقوف على ظهور الساهرة

وذكره كذلك القاضي المرعشي في «طبقات الشيعة» والحرّ العاملي في «أمل الآمل» والأفندي في «رياض العلماء» والصدر الكاظمي في «تأسيس الشيعة» و «الشيعة وفنون الإسلام» والمحدث القمي في «الكنى والألقاب» و «هدية الأحباب» (١).

وزارة ابن مقلة للراضي ، والشلمغاني :

كان الراضي حسن الهيئة متطيّباً كثيراً ، مقرّباً لأهل العلم والأدب والمعرفة ، وحسن المذاكرة معهم بأخبار الناس وأيّامهم (٢) وكان أسمر أعين مسنون الوجه خفيف العارضين دحداحاً نحيفاً حسن الشعر محباً للأدب ، فاستوزر محمد بن علي بن مقلة وولده علي بن محمد يخاطَبان بالوزارة وتخرج الكتب باسمهما (٣).

__________________

(١) الشيعة وفنون الإسلام : ١١٨ ، ١١٩ ، وهدية الأحباب : ٦٧.

(٢) مروج الذهب ٤ : ٢٤٤.

(٣) التنبيه والإشراف : ٣٣٧.

٦٠٣

ولما أظهر أبو القاسم بن روح لعن الشلمغاني وتبرّأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك واشتهر أمره ، لم يمكنه التلبيس. وكأنّ ابن مقلة قصد تحقيق ذلك فعقد في داره مجلساً حافلاً جمع فيه رؤساء الشيعة ، واستحضر معهم الشلمغاني ، فكان كل منهم يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعن الشلمغاني والبراءة منه! فقال : اجمعوا بيني وبينه حتى آخذ بيده ويأخذ بيدي! فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه فجميع ما قاله فيَّ حق! وكان ذلك في دار ابن مقلة ، فرُقّى ذلك إلى الراضي ، فأمر بالقبض عليه وقتله.

وكان يقول : إنّه لا يتهيّأ إظهار فضيلة للولي إلّابطعن الضدّ فيه ؛ لأنه يحمل سامعي طعنه على طلب فضيلته! وإذن فهو أفضل من الوليّ! إذ لا يتهيّأ إظهار فضيلة إلّابه. وقال : كان قبل هذا العالم ست عوالم وسبع أوادم وهذا العالم السابع ، وساقوا الضدّية من لدن آدم إلى موسى وفرعون ، وعلي وأبي بكر ، والحسن ومعاوية والحسين ويزيد و... وأن باطن «القائم» هو إبليس ، فإنه قال : «لأقعدن» فدلّ على أنّه كان قائماً (١)!

ولمّا فشا شغبه وشاع أخذ يقول : أنا صاحب «الرجل» وقد امرت بإظهار العلم! وقد أظهرته ظاهراً و «باطناً»! وأنفذ إلى الشيخ النوبختي يقول له : باهلني! فأجابه الشيخ : أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم (٢)!

وقال لمحمد بن أحمد الكاتب الاسكافي : ما دخلت مع أبي القاسم الحسين بن روح في هذا الأمر ، إلّاونحن نعلم فيما دخلنا فيه : لقد كنّا نتهارش على هذا الامر تتهارش الكلاب على الجيف (٣)

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٤٠٦ ، الحديث ٣٧٨.

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٤٠٦ ، الحديث ٣٧٨.

(٣) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٩١ ، الحديث ٣٦١.

٦٠٤

وكان محمد بن عبد الله الحميري القمي قد كتب إلى الشيخ النوبختي القمي كتاباً فيه مسائل وأجاب عنها ، ثمّ حكي له أنّ الشلمغاني قال : أنا أجبت بهذه الأجوبة! فأعاد الحميري الكتاب المدرج المطوي إلى الشيخ النوبختي وكتب معه يسأل عنها : هل هي جوابات الفقيه عليه‌السلام أو جوابات الشلمغاني ، فقد حكي عنه أنه قال بأنه هو أجاب عنها! فكتب النوبختي إليه : قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمّنته ، فجميعه جوابنا ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه (١) والعزاقري هو الشلمغاني نسبة إلى جده وكان يقال له أيضاً : ابن أبي العزاقر.

وذكر ابن الوردي ما يبدو منه أنّ الشلمغاني كان يطلبه الوزير ابن مقلة فكان مستتراً ، ثمّ ظهر في شهر شوال عام (٣٢٢ ه‍) فأمسكه ابن مُقلة ، وكان أصحابه يقولون بأُلوهيته على التناسخ والحلول! وتبعه على ذلك أبو علي وأبو جعفر ابنا بسطام وأحمد بن محمد بن عبدوس وإبراهيم بن أبي عون والحسين بن القاسم بن عبيد الله وزير المقتدر ، وأحضره الوزير ابن مقلة ومعه ابن أبي عون وابن عبدوس ، وأمروهما بصفع الشلمغاني فامتنعا فأُكرها فصفعه ابن عبدوس ، وأما ابن أبي عون فإنّه أخذ برأس الشلمغاني وقبّل لحيته وهو يقول له : إلهي وسيدي ورازقي! فقالوا للشلمغاني : أما قلت إنك لا تدّعي الأُلوهية! قال : ما عليَّ من قول ابن أبي عون عنّي مثل هذا؟! وأنكر مذهبه ، فصُرفا.

ثمّ أُحضر بمحضر الفقهاء مراراً ، وآخر الأمر أفتى الفقهاء بحلّ دمه ، فصُلب هو وابن أبي عون في ذي القعدة من (٣٢٢ ه‍) ثمّ أُحرقا. وكانوا تاركَي الصلاة ويقولون بإباحة المحارم (٢)!

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٧٣ ، الحديث ٣٤٥.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٧.

٦٠٥

وقال السيوطي : في سنة (٣٢٢ ه‍) ظهر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وشاع عنه أنه يدّعي الأُلوهية وإحياء الموتى ، فأُخذ مع جماعة من أصحابه وقُتلوا وصلبوا (١) وهكذا تحقق ما قاله له الشيخ النوبختي : أينا تقدّم صاحبه فهو المخصوم!

حركة القرامطة عام (٣٢٣ ه‍):

قال المسعودي : من الحوادث العظيمة في أيام خلافة الراضي بالله : مسير سليمان القرمطي الأحسائي من الأحساء لقطع الطرق على الحجّاج ذهاباً لموسم الحج لسنة (٣٢٣ ه‍) ، خرج في شوال في تسعمئة فارس ومثلهم رجّالة! فلمّا وصل بعد ثلاثة أيام إلى الجابرية قسم عسكره نصفين ، نصفه معه والآخر عليهم الحسين بن سنبر ومعاذ الكلابي قاصدين طريق مكة ، وقصد القرمطي نفسه القادسية.

فسار ابن سنبر حتى وقع بناحية زبالة والعقبة في منتصف ذي القعدة ، فوقع على القوافل الخارزمية وغيرها. فانهزم كثير منهم راجعين يريدون العُذيب وقد سبقهم القرمطي إليها ، واستقبل فيها قافلة الشمسية فاستولى عليها بأسرها ، ثمّ سار القرمطي إلى خفّان وهو يريد القادسية ، ورجع مستقبلاً للمنهزمين من ابن سنبر الراجعين يريدون الكوفة فلقيهم بالعُذيب. فأمّا قافلة قرّة فقد بذل عن قافلته مالاً فلم يعرض له ، وأوقع بالباقين فقتل جمعاً وأسر آخرين ، وصار إليه من الأمتعة والأموال ما لا يُحاط بمبلغه ولا يوقف على تحديده (٢)!

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ٤٥٣ وراجه التنبيه والاشراف ٣٤٣

(٢) التنبيه والاشراف ٣٣٧ ٣٣٨

٦٠٦

وحركة الحنابلة عام (٣٢٣ ه‍):

وفي سنة (٣٢٣ ه‍) عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم ، فصاروا يكبسون الدور من العامة والقواد فإن وجدوا نبيذاً أراقوه أو مغنيّة ضربوها وكسروا آلة غنائها ، حتى شغبوا ببغداد.

فخرج توقيع الراضي ليُقرأ على الحنابلة وفيه : إنكم تارة تزعمون أنّ صورة وجوهكم السمجة القبيحة على مثال ربّ العالمين ، وتذكرون له الكفّ والأصابع والرجلين والنعلين الذهب والشعر القطط! والنزول إلى الدنيا! فلعن الله شيطاناً زيّن لكم هذه المنكرات.

فأمير المؤمنين (الراضي بالله) يُقسم بالله إليّةً يلزمه الوفاء بها لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوجّ طريقكم هذه ليوسعنّكم ضرباً وتشديداً وتبديداً وقتلاً! وليستعملن السيف في رقابكم والنار في محالّكم ومنازلكم (١).

مقتل مرداويج بيد جنده :

قال ابن الوردي : في ليلة الميلاد (؟) من هذه السنة (٣٢٣ ه‍) أمر مرداويج وهو في إصفهان أن يجمع في خارجها حطب مثل التلال بل الجبال ، وأمر بسماط عظيم يذبح له ألف رأس بقر ونحوه من الغنم ، وأن يجمع أكثر من ألفي غراب ليعمل في أرجلها النفط! للاحتفال. فلمّا أصبح وأراد أن يدخل إلى إصفهان اجتمع حول خيمته جنده الأتراك وكثر صهيل خيولهم ، فاغتاظ لذلك وأمر أن توضع سروجها على ظهور أصحابها فيدخلوا إصفهان كذا! ففُعل بهم ذلك فحنق الأتراك عليه. ورحل هو إلى إصفهان ودخل الحمام ، فانتهز الأتراك تلك الفرصة

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول لابن العبري : ١٦٢ ، ١٦٣ ، ومثله في تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٨.

٦٠٧

وهجموا عليه فقتلوه في الحمام (١) وكان يقول : أنا أمحق دولة العرب وأردّ دولة العجم فقيل إنه كان يريد بغداد (٢).

انتصار الناصر في الموصل :

كان المكتفي بالله قد ولّى أبا الهيجاء عبد الله الحمداني على الموصل وديار ربيعة ، واستنصره القاهر بالله فاستناب ابنه الحسن بن عبد الله ولقّبه ناصر الدولة وارتحل هو بجنده إلى بغداد فقُتل بها في المدافعة عن القاهر ، فاستمر ناصر الدولة بها إلى سنة (٣٢٣ ه‍) حيث تقدم عمّه أبو العلاء بن حمدان إلى الراضي وأرضاه بمال يحمله إليه ويضمن ما بيد ابن أخيه من ديوان الخليفة ، وسار أبو العلاء إلى الموصل وقاتل ابن أخيه ناصر الدولة فقُتل ، فأرسل الخليفة عسكراً مع ابن مقلة لقتال ناصر الدولة ، فهرب ناصر الدولة ، وأقام ابن مقلة في الموصل مدة ثم عاد إلى بغداد ، فعاد ناصر الدولة إلى الموصل وكتب إلى الراضي يسترضيه ويضمن له الموصل بمال يحمله إليه ، فأجابه إلى ذلك ، فأصبح أمير ربيعة والموصل (٣).

والأخشيد على مصر :

من سنة (٣١٦ ه‍) إلى سنة (٣١٨ ه‍) تولّى مدينة الرملة من قبل المقتدر : محمد بن طغج التركي الفرغاني المشتهر بالأخشيد ، ثمّ كتب المقتدر إليه

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٨.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٥٣.

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٨ ، ٢٥٩.

٦٠٨

بولايته على دمشق فسار إليها وتولّاها ثمّ في عام (٣٢٣ ه‍) ولّاه الراضي على مصر مع الشام وعزل عنها أحمد بن كيغلغ ، فتوجه الأخشيد إليها ودخلها في أوائل رمضان (١).

تغيير الوزارة إلى إمارة العسكر :

كان حمل الراضي للأخشيد الفرغاني على ضمّ حكم مصر إلى حكم الشام ، آخر تصرّف للخليفة ، وبعدها مُنع من ذلك بتملك محمد بن الرائق ، وكان على البصرة وواسط وكانت عمدة أرزاق بغداد تحمل منهما إليها فمنعها وحتى قطع البريد ، فضاقت أرزاق بغداد ، واضطرّ الخليفة الراضي أن يسترضي ابن الرائق ويستقدمه إلى بغداد ويستميله ليقوم بالأُمور ، فجاء وقلّده إمارة الأُمراء على الجيش والوزارة ، فبطلت الوزارة (٢) وولّاه الخراج والدواوين في جميع البلاد ، وأمر أن يُخطب له على جميع المنابر ، فكان ابن رائق وكاتبه ينظران في كل الأُمور ، وصارت تحمل الأموال إلى خزائنهم فيتصرفون فيها كما يريدون وإنما يطلقون للخليفة ما أرادوا (٣) ولم يبقَ للخليفة غير بغداد وأعمالها ، والحكم حتى فيها لابن رائق وليس للخليفة معه حكم.

وتغلّب العمال على الأطراف : فالبصرة لابن رائق ، وخوزستان لابن البريدي ، وفارس لابن بويه عماد الدولة ، والري وإصفهان والجبل بين ابن بويه ركن الدولة ووشمگير أخي مرداويج يتنازعان عليها ، وكرمان لابن إلياس ،

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٨.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٩.

(٣) تاريخ مختصر الدول : ١٦٣.

٦٠٩

وديار مُضر وربيعة وديار بكر والموصل لبني حمدان ، والشام ومصر لابن الأخشيد ، وجرجان وطبرستان للديلم ، وخراسان وماوراء النهر للنصر بن أحمد الساماني ، والبحرين واليمامة للقرمطي ، والمغرب وأفريقية للقائم العلوي الفاطمي الاسماعيلي ، والأندلس لعبد الرحمن الناصر الأُموي (١).

وقال السيوطي : في سنة (٣٢٤ ه‍) تغلّب أمير واسط ونواحيها (إلى البصرة) محمد بن الرائق على حكم البلاد حتى أبطل أمر الوزارة والدواوين وتولّاها هو وكتّابه ، فصارت الأموال تحمل إليه ، وبقي للراضي من الخلافة الصورة والاسم .. ولم يبقَ بيده غير بغداد والسواد مع يد ابن الرائق عليهما!

قال : ولذا قال أمير الأندلس عبد الرحمن الأُموي المرواني : فأنا أولى الناس بالخلافة وتسمّى بأمير المؤمنين الناصر لدين الله! فصار المسمّون بها ثلاثة : هو والراضي والمهدي الفاطمي بالقيروان (٢).

آخر دلالة من النوبختي قبل أجله :

سيأتي أنّ وفاة الشيخ النوبختي كان في شهر شعبان سنة (٣٢٦ ه‍) ، فلموسم الحج لعام (٣٢٥ ه‍) كان محمد بن الحسن الدورقي الصيرفي مقيماً بأرض بلخ ، وأراد الخروج إلى الحج ، وكان بأرض بلخ بعض الشيعة وعرفوا الدورقي الصيرفي بالتشيع ، فدفعوا إليه أموالاً من ذهب وفضة ليسلّمها في طريقه إلى الشيخ النوبختي ، قال : فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك ، فلمّا نزلت سرخْس أقمت خيمتي على الرمال ، وجعلت أُميّز سبائك الذهب عمّا معي من الفضة ، ولمّا بلغت

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٩ ، ٢٦٠.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٥٤.

٦١٠

إلى همَدان قمت مرة أُخرى بتمييز تلك السبائك والفضة لاهتمامي بحفظها ، فرأيت أني قد فقدت منها سبيكة بوزن مئة وثلاثة مثاقيل ، فسبكت من مالي مكانها سبيكة بوزنها وجعلتها معها.

فلمّا وردت بغداد قصدت الشيخ النوبختي وسلّمتها إليه ، فمدّ يديه إلى السبيكة من مالي ورمى بها إليّ وقال لي : سبيكتنا ضيّعتها في سرخس حيث ضربت خيمتك في الرمل ، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت سابقاً ، واطلب هناك السبيكة تحت الرمل فإنك ستجدها ؛ وستعود إلى هاهنا فلا تراني!

قال الدورقي الصيرفي ، فلمّا انصرفت رجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت فوجدت السبيكة تحت الرمال وقد نبت عليها الحشيش ، فأخذتها وانصرفت بها إلى بلدي بلخ.

وتوفى الشيخ النوبختي في شعبان سنة (٣٢٦ ه‍) وفي خبر الدورقي الصيرفي ما يدلّ على أنّ النوبختي قد أشار عليه بالعودة إلى بغداد وتسليم السبيكة بعده إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري الصيمري البصري ، قال : فلمّا كان موسم الحج القادم عام (٣٢٦ ه‍) حججت فدخلت بغداد ، فكان الشيخ النوبختي قد مضى رضى الله عنه ، فلقيت الشيخ السمري فسلّمت السبيكة إليه (١).

روى الصدوق ذلك ثمّ روى نحوه عن الحسين بن علي القمي البغدادي البخاري أنه كان ببخارى واستلم من ابن جاوشير عشرة سبائك ذهب للشيخ النوبختي فلمّا دخل بغداد وجدها قد نقصت واحدة فاشترى مكانها سبيكة بوزنها وجعلها معها ، فعرفها النوبختي وقال : خذها وقد وصلت التي ضيّعتها في آمل طبرستان (٢).

__________________

(١) كمال الدين : ٥١٦ ، الحديث ٤٥.

(٢) كمال الدين : ٥١٨ ، الحديث ٤٧.

٦١١

وتوفى الشيخ حسين بن روح النوبختي في شعبان سنة (٣٢٦ ه‍) ودفن في مقبرة النوبختية في درب علي بن أحمد النوبختي النافذ من ناحية إلى قنطرة الشوك ومن ناحية أُخرى إلى التلّ (١) وكأن تعيين النوبختي للشيخ علي بن محمد السمُري الصيمري والدلائل التي ظهرت منه كانت بحيث لم يُنقل أي خلاف فيه.

معتقل ابن مقلة ومقتله :

في سنة (٣٢٦ ه‍) كتب أبو علي ابن مقلة الوزير السابق إلى الراضي يشير عليه بإقامة القائد بَجكَم التركي مكان ابن رائق والقبض على ابن رائق وأصحابه ، ويضمن أنه يستخرج له منهم ثلاثة آلاف ملايين الدنانير ، فعرض الراضي خطّ ابن مقلة على ابن الرائق ، فاعتقلوه ، ثمّ أمر ابن الرائق بقطع يده فقُطعت ، ثمّ عولج فبرأ ، فكان يشدّ القلم على يده المقطوعة ويكتب إلى الراضي ويهدّد ابن رائق حتّى أمر الراضي بقطع لسانه ، وحُبس وضيّق عليه بلا من يخدمه ، فأصابه شقاء شديد حتى مات (٢).

وفي سنة (٣٢٦ ه‍) تمرّد ابن البريدي في خَوزستان ، فأرسل ابن رائق بَجَكَم بعسكره لقتال ابن البريدي ، فقاتلوه فانهزم إلى عماد الدولة في فارس وطمّعه في العراق ، فأرسل عماد الدولة أخاه معزّ الدولة بن بويه إلى بلاد الأهواز فاستولى عليها (٣).

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي ٣٨٦ ٣٨٧ الحديث ٣٥٠

(٢) تاريخ مختصر الدول ١٦٣ وانظر تاريخ ابن الوردي ١ ٢٦٠ ٢٦١ قال والصحيح ان صاحب الخط المليح ليس هو بل اخوه الحسن بن علي بن مقلة

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ ٢٦٠

٦١٢

فعاد بجكم إلى بغداد ثائراً على ابن رائق فاختفى ، ودخل على الراضي فأكرمه وقلّده إمارة بغداد وخراسان ولقّبه بأمير الأُمراء (١).

وكان ناصر الدولة الحمداني قد تمرّد بالموصل ، فخرج بجكم إليه وأخرج معه الراضي ، فحمل ناصر الدولة أمواله وهرب منها ، ثمّ تصالحوا فعاد ناصر الدولة إلى الموصل ، وعاد الراضي وبجكم إلى بغداد ، وقبل وصولهما ظهر ابن رائق بجماعته ببغداد ، فولّاه الراضي العواصم والرّها وحرّان وقنّسرين ، فاستولى عليها (٢).

ولموسم الحج لسنة (٣٢٧ ه‍) أعلن القرامطة أنهم يأخذون من كل جمل من جمال الحجّاج خمسة دنانير ويطلقون طريقهم للحجّ ، فحجّ الناس ، فكان أول تعشير للحجّاج.

فلمّا عاد حجّاج بغداد لسنة (٣٢٨ ه‍) فاضت بها دجلة فيضاناً عظيماً بلغ ارتفاعه (١٩) ذراعاً ، فانهدم به كثير من الدور وغرق به كثير من البهائم والناس (٣).

وفاة الشيخ ابن بابويه :

في سنة (٣٢٨ ه‍) اعتل الشيخ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي والد الصدوق بقم ، وبلغ خبر علّته إلى بغداد إلى الشيخ علي بن محمد السمُري الصيمري البصري البغدادي ، فكان يسأل كل قريب عنه.

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٥٥.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٦٢.

(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٥٥.

٦١٣

فروى الطوسي عن جماعة عن الحسين بن علي بن بابويه أخ الصدوق عن جماعة من أهل قم كانوا قد رحلوا حينئذٍ إلى بغداد ، قالوا : كان الشيخ أبو الحسن السمُري يسأل عنه فنقول له : قد ورد الكتاب باستقلاله وتحسّنه. حتى سأَلنا يوماً فذكرنا له مثل ذلك فقال : آجركم الله في علي بن الحسين فقد قُبض في هذه الساعة!

قالوا : وبعد سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ورد الخبر بوفاته في تلك الساعة (١).

وروى الصدوق بسنده عن أحمد بن إبراهيم بن مخلّد ، قال : حضرت في بغداد عند الشيخ علي بن محمد السمُري فقال مبتدئاً : رحم الله علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي! فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم ، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم.

وبعد ذلك مضى أبو الحسن السمُري في النصف من شعبان سنة (٣٢٨ ه‍) (٢).

ورواه عنه الطوسي إلّاأنّه قال : سنة (٣٢٩ ه‍) (٣) ونقله عنه الشيخ التقي الشوشتري وقال : إلّا أنّ الصدوق أعرف وأضبط ، فنقله مقدّم (٤).

مصير آخر سفير :

كان خاتمة السفراء الأربعة الخواص لصاحب الأمر «عجل الله فرجه» هو الشيخ السمُري الآنف الذكر ، وقبل وفاته حضر الشيعة لديه وسألوه عن

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ٣٩٦ ، الحديث ٣٦٦ و ٣٩٤ ، الحديث ٣٦٤.

(٢) كمال الدين : ٥٠٣ ، الحديث ٣٢.

(٣) الغيبة للطوسي : ٣٩٤ ، الحديث ٣٦٤.

(٤) قاموس الرجال ٧ : ٤٣٨ برقم ٥١١٢.

٦١٤

مَن يقوم مقامه ومَن الموكَّل بعده؟ فذكر لهم : أنه لم يؤمر بأن يوصي في هذا الشأن إلى أحد بعده (١).

ثمّ اعتلّ فحضروه قبل وفاته بأُسبوع تقريباً في اليوم السابع من شهر شعبان سنة (٣٢٨ ه‍) فأخرج لهم توقيعاً فيه : «بسم الله الرحمنِ الرحيم ، يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام! فاجمع أمرك. ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت «الغيبة التامة».

فلا ظهور إلّابعد إذن الله «تعالى ذكره» وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً!

وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر! ولا حول ولا قوة إلّابالله العلي العظيم».

أخرجه الصدوق عن الحسن بن أحمد المكتّب قال : نسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عُدنا إليه وإذا هو يجود بنفسه ، فقال له بعض من لم يحضره قبل هذا : مَن وصيّك بعدك؟ قال : لله أمر هو بالغه. فكان هذا آخر كلام سُمع منه (٢) ثمّ مضى رضى الله عنه في النصف من شعبان سنة (٣٢٨ ه‍) (٣).

ذلك ما أخرجه الصدوق ، ورواه عنه الطوسي إلّاأنّه قال : سنة (٣٢٩ ه‍) (٤) ونقله عنه الشيخ التقي الشوشتري وقال : إلّا أنّ الصدوق أعرف منه وأضبط ، فنقْله مقدَّم (٥) كما تقدم.

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ٣٩٤ ، الحديث ٣٦٣.

(٢) كمال الدين : ٥١٦ ، الحديث ٤٤ باب التوقيعات.

(٣) كمال الدين : ٥٠٣ ، الحديث ٣٢ باب التوقيعات.

(٤) الغيبة للطوسي : ٣٩٤ ، الحديث ٣٦٤.

(٥) قاموس الرجال ٧ : ٤٣٨ برقم ٥١١٢.

٦١٥

وصلّوا عليه وشيعوه ودفنوه على شاطئ نهر أبي عتّاب في ربع باب المحوّل من أبواب بغداد ، في شارع الخُلنجي (١).

وبعده كانت نهاية خلافة الراضي العباسي وبداية أَخيه المتقي ، ثمّ وفاة الشيخ الكليني في (٣٢٩ ه‍) فنختم كتابنا بنهاية الكلام عن الكليني.

نهاية الراضي ، وبداية المتقي :

في العاشر من ربيع الأول عام (٣٢٩ ه‍) توفي الراضي بالله ابن المقتدر ببغداد حتف أنفه (٢) وله (٣٢) سنة (٣) بمرض الاستسقاء (٤).

وبويع أخوه إبراهيم بن المقتدر ولقّب بالمتقي بالله (٥) من أُم ولد تسمّى خَلوب ، فكان أشهل العين أشقر الشعر أبيض صافي اللون (٦) وكانت بيعته في العشرين من ربيع الأول ، حيث كان الحكم مع بَجكَم التركي وكان في واسط.

وكان له كاتب يدعى أبا عبد الله أحمد بن علي الكوفي ، فأرسله بجكم إلى بغداد بكتاب معه يأمره فيه أن يجتمع مع سليمان بن الحسن وزير الراضي ويجمع معه كل من تقلد الوزارة قبله ، وأصحاب الدواوين والعباسيين والعلويين! والقضاة

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ٣٩٦ ، الحديث ٣٦٧.

(٢) مروج الذهب ٤ : ٢٣١.

(٣) التنبيه والإشراف : ٣٣٧.

(٤) تاريخ مختصر الدول : ١٦٣ ، وتاريخ ابن الوردي ١ : ٢٦٣.

(٥) مروج الذهب ٤ : ٢٤٧.

(٦) التنبيه والإشراف : ٣٤٤.

٦١٦

ووجوه البلد ، فيشاورهم الكوفي في الخليفة ، فاتّفقوا على بيعة إبراهيم بن جعفر المقتدر فبايعوه. ولقّبوه المتقي بالله ، فأَرسل اللواء والخلع إلى بجكم ، وأقرّ سليمانَ بن الحسن وزير الراضي على اسم الوزارة ، والتدبير في الواقع للكوفي كاتب بجكم التركي (١).

وكان على الريّ يومئذ وشمگير بن زياد أخو مرداويج ، واستولى القائد ماكان بن كالي على جرجان وكانت جرجان من قبل للسامانية بخراسان ، فقصد قائد منهم يدعى أبا علي بن مظفر بن محتاج إلى ما كان على جرجان فهزم ماكان ، ثمّ سار ابن المحتاج إلى وشمگير على الريّ فاستمد وشمگير له بماكان فخرج بجمعه إلى الريّ لنجدة وشمگير على ابن المحتاج الساماني ، وقدم ابن المحتاج فقاتلاه فقُتل ماكان وهرب وشمگير إلى طبرستان ، واستولى ابن المحتاج الساماني على الري (٢).

ولعلّه لعلّة هذه الاضطرابات بالريّ كان الشيخ الكليني الرازي هجرها إلى بغداد ، بدون تاريخ معيّن معلوم ، فتوفى في بغداد كما يلي.

وفاة الشيخ الكليني الرازي :

سبق الشيخ الطوسي في كتابه «الفهرست» بترجمة الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي قال : صنّف كتابه «الكافي» في عشرين سنة ، وهو مشتمل على ثلاثين كتاباً. ثمّ عدّها وذكر طريقين إليه ، ومنها :

شيخه أبو عبد الله أحمد بن عُبدون. وقال : توفي في سنة (٣٢٨ ه‍) ببغداد ،

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول : ١٦٤ ، وتاريخ ابن الوردي ١ : ٢٦٥.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٦٤.

٦١٧

ودُفن في مقبرة باب الكوفة من بغداد ، وقال ابن عُبدون : كنت رأيت قبره في صَراه الطائي وعليه لوح فيه اسمه واسم أبيه (١).

واطّلع على هذا الشيخ النجاشي الأسدي الكوفي البغدادي ، فكتب «فهرستاً» آخر ، وترجم فيه للكليني فأتى فيها بما ذكره الطوسي وقال في تاريخ وفاته : مات أبو جعفر الكليني رحمه‌الله ببغداد في سنة (٣٢٩ ه‍) وزاد : صلّى عليه أبو قيراط محمد بن جعفر الحسني ، ودُفن بباب الكوفة ، ونقل قول شيخه أحمد بن عبدون وأكمله بقوله : وقد دُرس (٢)!

فعاد الشيخ الطوسي في كتابه «الرجال» لذكر الكليني في من لم يرو عن الأئمة مباشرة ، إلى التاريخ الذي ذكره النجاشي : (٣٢٩ ه‍) وقال : في شهر شعبان. وزاد في وصفه : أنه كان عالماً بالأخبار جليل القدر أعور (٣).

وفي ضبط لفظ «صراه» صرّحوا أنها تختم بالهاء وليس التاء القصيرة ، وهو فرع من نهر عيسى بن علي العباسي من شطّ دجلة عند بلدة المحوّل على بعد فرسخ (٥ كم) من بغداد بعد باب الكوفة منها في جانبها الغربيّ ، عند منطقة الجعيفر اليوم في الكرخ كما عن مصطفى جواد. وليس بها اليوم قبر للشيخ الكليني.

وإنما القبر الوحيد المنسوب للشيخ الكليني ببغداد على شاطئ دجلة عند الجسر العتيق المجدّد باسم جسر المأمون ، على يسار القادم من الرصافة في شرق دجلة إلى الكرخ بغربها ، في أول السوق بجنب المدرسة المستنصرية. وأقدم ما بأيدينا عمّن أشار إليه هنا الشيخ المجلسي الأول (١٠٧٠ ه‍) قال :

__________________

(١) الفهرست : ٣٢٦ برقم ٧٠٩. وصراه معرّب : سه راه : مثلّث الطريق.

(٢) رجال النجاشي : ٣٧٧ برقم ١٠٢٦.

(٣) رجال الطوسي : ٤٩٥ برقم ٢٧.

٦١٨

سمعت من جماعة من أصحابنا ببغداد أنّ قبره يُعرف بقبر شيخ المشايخ! لدى الخاصة والعامة! في «مولوي خانه» وزرته هناك (١) نقله المرحوم محفوظ في مقدمته للكافي ثمّ نقل عن هامش الفهرست للطوسي عن الأفندي (١١٣١ ه‍) قال : قبره ببغداد ، ولكن ليس في المكان الذي يُعرف الآن (٢)!

و «مولوي خانه» في ما مرّ عن المجلسي الأول ، جاء في «روضات الجنات» بعنوان : تكية المولوية (٣). وفي «مراقد المعارف» بعنوان : جامع الصفوية الذي عُرف بجامع الآصفية! ثمّ بتكية المولوية (٤).

فأرى أنّ الصفوية لمّا دخلوا بغداد بعد الألف الهجرية ، وبنوا هذا الجامع هناك ، وجدوا في أرضه قبراً منسوباً إلى الشيخ الكليني ، فشهروا نسبته إليه «إحياءً لذكره ، وإخلاداً لاسمه ، واستبقاءً له» كما ذكره الدكتور محفوظ (٥).

وإنما دُفن بباب الكوفة لأنه كان يسكن في درب السلسلة من محلة باب الكوفة ببغداد ، بعد أن كان في وقته شيخ أصحابنا بالريّ ووجههم (٦) وكانت له رحلات في طلب أخبار الأئمة الأطهار عليهم‌السلام إلى قم وقزوين ونيشابور وتنيس وهمدان ، وبغداد ، والكوفة ، والحجاز ، وصور ، وسورا ، ثمّ عاد إلى بغداد فسكن بها. ومرّ أنه كتب كتابه الكافي في عشرين عاماً ، ولكن بلا تاريخ

__________________

(١) شرح مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه ، وعنه في مقدمة أُصول الكافي ١ : ٤١.

(٢) مقدمة أُصول الكافي ١ : ٤١ ، وليس في رياض العلماء المنشور!

(٣) روضات الجنات ٦ : ١١٧.

(٤) مراقد المعارف لحرز الدين ٢ : ٢١٤ زاره عام (١٣٠٥ ه‍).

(٥) مقدمة أُصول الكافي ١ : ٤٢ ، وراجع العميدي في الشيخ الكليني وكتابه الكافي : ٨٢ ـ ٨٦ ، ودفاع عن الكافي ١ : ٣٥ ـ ٤٢.

(٦) رجال النجاشي : ٣٧٧ برقم ١٠٢٦.

٦١٩

للبداية والنهاية ، ولعلّها كانت منذ أوائل ما بعد الثلاثمئة إلى (٣٢٠ ه‍) أي قبل وفاته بنحو عشر سنين تقريباً ، ولا يُعلم كم منها كان في بغداد ، إلّا أنّ عمدة من تلقّى عنه الكافي بغداديون ، وممّن اختصّ به فيها فكان يبيّض له كتابه الكافي هو محمد بن إبراهيم النعماني (١).

كما لم يُعلم تاريخ مولده في قريته كُلين على بُعد خمسة كيلومترات من بلدة حسن آباد على طريق الريّ إلى قم ، والمظنون مولده في أوائل عهد إمامة العسكري عليه‌السلام أو أوائل ما بعد مولد المهديّ عجل الله فرجه «فكانت حياته في زمن وكلاء المهدي عليه‌السلام : عثمان بن سعيد العَمري ، وابنه محمد ، وأبي القاسم حسين بن روح ، وعليّ بن محمد السمري ، وتوفّى قبله» (٢) ولم يعلم منه أي اتصال وارتباط بهم ، ممّا يدل على شدة التقية يومئذ ، حتى أنّ الصلاة عليه صلّاها السيّد أبو قيراط الحسني كما مرّ خبره.

واستند ابن الأثير (٦٣٠ ه‍) في تاريخ وفاته على «الفهرست» للطوسي فذكر تاريخه (٣٢٨ ه‍) (٣) فتبعه أبو الفداء الأيوبي (٧٣٢ ه‍) في تاريخه «المختصر في أخبار البشر» وعنه ابن الوردي (٧٤٩ ه‍) في تتمّته له قال في سنة (٣٢٨ ه‍) : فيها توفي محمد الكليني من أئمة الإمامية (٤) وقد مرّ أنّ الصحيح (٣٢٩ ه‍). وقد مرّ خبر التوقيع الشريف الدال على المراجعة في الحوادث الواقعة إلى فقهاء رواة أخبار الأئمة الأطهار عليهم‌السلام.

__________________

(١) انظر مرآة العقول ١ : ٣٩٦.

(٢) كشف المحجة : ١٥٩.

(٣) الكامل في التاريخ ٤ : ٣٦٤ ولم يعلم بعدوله في رجاله.

(٤) المعروف بتاريخ ابن الوردي ١ : ٢٦٢.

٦٢٠