موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

قال المسعودي : وفيها : قدمت أُم الفضل ابنة المأمون من المدينة إلى عمّها المعتصم مع زوجها محمد بن علي بن موسى (١).

الجواد عليه‌السلام إلى بغداد :

كأنما عُرف المعتصم بأنّه ليس كأخيه المأمون في تفضيل علي عليه‌السلام وآل علي ، والناس على دين ملوكهم ولا سيّما عمّالهم ، ومن عُمّال المعتصم عامله على المدينة عمر بن فرج الرّخجي (٢).

كان الجواد عليه‌السلام صائماً وخاطبه الرُّخجي هذا في شيء وتجاسر فقال له : أظنّك سكراناً! فرفع الجواد عليه‌السلام يديه ودعا عليه قال : اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الحَرَب (الفقر) وذلّ الأسر! روى ذلك الهادي عليه‌السلام وقال : فوالله ما إن ذهبت االأيام حتى حُرب ماله وما كان له وأُخذ أسيراً (٣).

وسخط المعتصم على وزيره الفضل بن مروان ووجّه به إلى إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (مولاهم والي بغداد) وبطش بجماعة من أصحابه وأمر بطلب أموالهم ، فركب به إلى داره وأخرج منها مالاً عظيماً ، واستصفى أموالهم (٤).

ثمّ استوزر محمد بن عبد الملك الزيّات ، وأمره باستقدام الجواد عليه‌السلام من المدينة إلى بغداد. فأنفذ ابن الزيات إليه علي بن يقطين الأسدي مولاهم لذلك ، فتجهّز وخرج إلى بغداد (٥).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٦٤.

(٢) الرخج بلدة قرب كابل في أفغانستان اليوم.

(٣) أُصول الكافي ١ : ٤٩٦ ، الحديث ٩ باب مولد الجواد عليه‌السلام.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٢.

(٥) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤١٦.

٢٨١

فأسند الكليني عن إسماعيل بن مهران أنّه لما أُخرج أبو جعفر الجواد عليه‌السلام الدفعة الثانية من المدينة إلى المعتصم ببغداد ، قال : صرت إليه وقلت له : جعلت فداك ، أنت خارج (إلى هؤلاء) فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفت إليّ وقال : (نعم) عند هذه يخاف علي! الأمر من بعدي إلى ابني علي (١).

ثمّ لا نجد فيما بأيدينا تفصيلاً لكيفية الإخراج هذا ، كما رأيناه في إخراج والده الرضا عليه‌السلام ، ثمّ نراه في كيفية إخراج ولده الهادي عليه‌السلام. ويبدو أن هذا كان مع خروج أواخر الحُجّاج لعام (٢١٩ ه‍) فورد بغداد في (٢٨) من المحرم سنة (٢٢٠ ه‍) (٢) فوُضع في الإقامة الجبرية إلى أواخر السنة.

ويظهر من خبر بأنّ أموالاً لا بأس بها من أموال الخرّمية (/ خرّم دينان) كانت قد وصلت إلى قوم من موالي الإمام عليه‌السلام فأوجب عليهم تخميسها :

وكان من وكلائه في بغداد محمد بن الفرج الرخجي (٣) فكتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام : احملوا إليّ الخمس فإني لست آخذه منكم سوى عامي هذا (٤).

وبلغ هذا إلى وكلائه ومنهم علي بن مهزيار الأهوازي ، فكأنه كاتَبه مستفسراً عنه فأجابه :

__________________

(١) أُصول الكافي ١ : ٣٢٣ ، الحديث ١ ، باب النص على علي الهادي عليه‌السلام.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٩٥.

(٣) وقد مرّ خبر عمر بن فرج الرخجي عامل المعتصم على المدينة وتجاسره على الإمام ، فهل هذا أخوه؟! والرخج كما مر : بلدة قرب كابل من أفغانستان اليوم.

(٤) إعلام الورى ٢ : ١٠٠ عن نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي الوكيل أيضاً.

٢٨٢

«إنّ الذي أوجبتُ في هذه السنة وهي سنة عشرين ومئتين فقط ، لمعنى أكره تفسيره كلّه خوفاً من الانتشار! وسأُفسّر لك بعضه : إنّ مواليّ أو بعضهم ـ أسأل الله صلاحهم ـ قصّروا في ما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أُطهركم وازكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا .. ولم أُوجب ذلك عليهم في كل عام ، إلّاالزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه. في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول. فأما الغنائم والفوائد : فهي واجبة عليهم (فيها) في كل عام. والغنائم والفوائد هي .. وما صار إلى مواليّ من أموال «الخرّمية» الفسقة ، فقد علمت أن أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ. فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليعمد لايصاله ولو بعد حين ، فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله ..» (١).

وكان للريّان بن شبيب الكوفي البغدادي وَلد قد وُلد في بلاد الشرك (؟) والريّان يريد هدايته وتعرّف الريّان على خيران القراطيسي الأسباطي وأنه موال للجواد عليه‌السلام وأراد الحج ، فقال الريان له : إن وصلت إلى أبي جعفر الجواد فقل له : إنّ مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام ويسألك الدعاء له ولولده.

وحجّ خيران والتقى ببعض خدم الجواد عليه‌السلام وله منزلة عنده ، فسأله أن يوصله إليه.

فلمّا صار إلى المدينة قال الخادم لخيران : تهيّأ فإني أُريد أن أمضي إلى أبي جعفر الجواد عليه‌السلام. قال خيران : فمضيت معه ، فلمّا وافينا الباب دخل ليستأذن فأبطأ عليَّ ، فطرقت الباب وسألت عنه فأخبرني الخادم أنّه قد خرج ومضى ، فبقيت متحيراً فبينا أنا كذلك إذ خرج خادم من الدار وقال لي : أنت خيران؟

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ٦٠ ، الحديث ١٩٨ ، والتهذيب ٤ : ١٤١ ، الحديث ٣٩٨ ، وعنهما في وسائل الشيعة ٩ : ٥٠١ ، الحديث ٥.

٢٨٣

قلت : نعم. قال : أدخل. فدخلت وإذا أبو جعفر عليه‌السلام قائم على دكة ليس عليه فراش يقعد عليه فجاءه غلام بمصلّى فألقاه له فجلس عليه. فذهبت لأصعد إلى الدكة من غير درجها فأشار لي إلى موضع الدرجة فصعدت وسلمت فرد السلام ومدّ يده إليّ ، فأخذتها وقبّلتها ووضعتها على وجهي ، فأقعدني بيده وأنا ماسك بيده ممّا داخلني من الدهش وتركها في يدي حتى إذا سكنتُ خلّيتها! فأخذ يسايلني.

فقلت له : مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام ويسألك الدعاء له ولولده.

فدعا له ولم يدعُ لولده! فأعدت عليه ، فدعا له ولم يدعُ لولده! فأعدت عليه ثالثة فدعا له ولم يدعُ لولده! فلمّا مضيت نحو الباب سمعته ولم أفهم ما قال ، فسألت الخادم عنه فقال : إنه قال : من هذا الذي يريد أن يهديه؟! هذا وُلد في بلاد الشرك فلمّا أُخرج منها صار إلى ما هو شر منهم! فلو أراد الله أن يهديه هداه (١)!

فلما أُحضر الجواد عليه‌السلام إلى بغداد كان خيران هذا يلزم بابه للخدمة التي وُكّل بها ، وكان هناك رسول يختلف بين أبي جعفر الجواد وبين خيران لحاجاته عليه‌السلام (٢) ، كما سيأتي الخبر بذلك.

حكم الجواد عليه‌السلام في المحاربين :

روى العياشي عن أحمد بن الفضل الخاقاني قال : قُطع الطريق في جلولا (٣) على المارّين من الحجّاج وغيرهم ، وأفلت قطّاع الطريق ، وبلغ ذلك إلى المعتصم.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٠٩ ، الحديث ١١٣٢.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٣٢٤ ، الحديث ٢ ، باب النص عليه.

(٣) ناحية في طريق العراق إلى إيران بينها وبين خانقين سبعة فراسخ (٤٠ كم تقريباً) معرّب گل ولاي.

٢٨٤

فكتب إلى عامله بها : «... يُقطع الطريق على طرف اذُن أمير المؤمنين! ثمّ ينفلت القطّاع؟! فإن أنت طلبت هؤلاء وظفرت بهم .. وإلّا أمرت بأن تُضرب ألف سوط ثمّ تصلب بحيث قُطع الطريق»!

قال : فطلبهم العامل حتى ظفر بهم واستوثق منهم ، ثمّ كتب بذلك إلى المعتصم.

فجمع المعتصم الفقهاء وأحمد بن أبي دؤاد القاضي وفي الفقهاء أبو جعفر محمد بن علي الرضا ، وسألهم عن الحكم فيهم. فقالوا : قد سبق حكم لله فيهم في قوله : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (١)) فلأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء فيهم.

فالتفت المعتصم إلى أبي جعفر عليه‌السلام وقال له : ما نقول فيما أجابوا فيه؟

قال : قد تكلم هؤلاء الفقهاء والقاضي بما سمع أمير المؤمنين! قال : وأخبرني بما عندك! قال : إنهم قد أضلوك فيما أفتوا به! والذي يجب في ذلك : أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق ، فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا أحداً ولم يأخذوا مالاً ؛ أمر بإيداعهم الحبس ، فإنّ ذلك معنى نفيهم من الأرض! وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس أمر بقتلهم ، وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس وأخذوا المال ؛ أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وصلبهم بعد ذلك.

فأمر المعتصم بأن يكتب إلى العامل بأن يمتثل ذلك فيهم (٢).

__________________

(١) المائدة : ٣٣.

(٢) تفسير العياشي : ٣١٤ ، الحديث ٩١.

٢٨٥

حكم الجواد عليه‌السلام في حدّ السرقة ، وآثاره :

كان المسلمون قد سمعوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ من نُفّذ فيه الحدّ الشرعي في الدنيا تائباً فقد طهُر من ذنبه ولا شيء عليه ، وسرق سارق على عهد المعتصم وندم فأقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، وأمر المعتصم بجمع الفقهاء لذلك بما فيهم الجواد عليه‌السلام.

فجُمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، واحضر فيهم محمد بن علي الجواد عليه‌السلام. فسألهم المأمون : في أي موضع يجب أن يُقطع؟

والراوي للخبر هو الزُرقان أبو جعفر الزيّات صاحب أحمد بن أبي دؤاد قاضي المعتصم ، قال :

فقلت : من الكُرسوع (أي الزند) قال : وما الحجة في ذلك؟ قال : لأنّ اليد في الأصابع والكفّ إلى الكرسوع لقول الله في التيمم : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ (١)) قال : واتفق قوم معي على ذلك.

وقال آخرون : بل يجب القطع من المِرفق! قال : وما الدليل على ذلك؟ قالوا : لأنّ الله لما قال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ (٢)) في الغَسل دل ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق!

قال : فالتفت المعتصم إلى محمد بن علي فقال له : ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال : قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين!

قال : دعني ممّا تكلموا به! أيّ شيء عندك؟

قال : أعفِني عن هذا يا أمير المؤمنين!

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) المائدة : ٦.

٢٨٦

قال : أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه!

فقال : فأمّا إذ أقسمت عليَّ بالله ، فإني أقول : إنهم أخطؤوا فيه السنة ؛ فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أُصول الأصابع ، فيُترك الكف.

قال : وما الحجة في ذلك؟ قال : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين» فإذا قُطعت يده من الكُرسوع أو المِرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله تبارك وتعالى : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ (١)) يعني بها هذه الأعضاء السبعة التي يُسجد عليها (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (٢)) وما كان لله لا يُقطع!

قال : فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

قال ابن أبي دؤاد : فقامت قيامتي وتمنّيت أن لم أكن حياً! وبعد ثلاثة أيام صرت إلى المعتصم فقلت له : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليَّ واجبة! قال : وما هو؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيّته وعلماءهم لأمر واقع من أُمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عنده من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثمّ يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الأُمة بإمامته ويدّعون أنّه أولى به بمقامه! ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء! قال : فتغيّر لونه! وانتبه لما نبّهته له وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً!

وفي اليوم الرابع أحضر فلاناً من كتّابه ووزرائه وأمره بأن يدعو محمد بن علي إلى منزله فيطعمه فيسمّه! فدعاه الرجل فأبى وقال له : قد علمت أني لا أحضر مجالسكم!

__________________

(١) الجن : ١٨.

(٢) الجن : ١٨.

٢٨٧

فقال له : إني إنما أدعوك إلى الطعام وأُحبّ أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك ؛ وقد أحبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك!

فصار محمد بن علي إليه ، فلمّا طَعِم من طعامه أحسّ بالسمّ! فدعا بدابته ، فسأله رب المنزل أن يقيم! فقال له : خروجي من دارك خير لك (١)!

وصايا الجواد عليه‌السلام وتاريخ وفاته :

أسند الكليني عن أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر الجواد عليه‌السلام : أنه وزميله نصر الخادم ، مع الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين عليهما‌السلام حضروا عند الجواد عليه‌السلام فأشهدهم على وصية منسوخة (مكتوبة) فيها أنّه : «أوصى إلى ابنه علي ، بنفسه وأخواته (٢) وجعل أمر ابنه الآخر موسى إذا بلغ إليه (!) وجعل عبد الله بن المساور (المشاور خ ل؟) قيماً قائماً على تركته : من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك ، إلى أن يبلغ علي بن محمد (!) فيصيِّر عبد الله بن المساور (المشاور خ ل؟) ذلك اليوم الأُمور إليه فيقوم بأمر نفسه وأخواته ، ويصيّر أمر موسى إليه يقوم بنفسه بعدهما (علي عليهما‌السلام وعبد الله؟)

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، الحديث ١٠٩.

(٢) لم يذكر الفاريابي إلّاأُختاً واحدة هي أُم كلثوم ، وزاد في الهداية الكبرى للخصيبي : حكيمة وخديجة ، كما في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١١٠ والمفيد : أُمامة وفاطمة ، الإرشاد ٢ : ٢٩٥ وعنه في إعلام الورى ٢ : ١٠٦ ، والحلبي في مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤١١ ذكر البنات الخمس. والعمري في المجدي : ١٢٨ لم يذكر أُم كلثوم وذكر بريهة بدل خديجة ، وزاد محمداً والحسن! ولذا قال المفيد : ولم يخلّف ذكراً غير من سمّيناه علي وموسى. ونصّ هذه الوصية تؤيد قول المفيد.

٢٨٨

على شرط أبيهما (علي عليه‌السلام وموسى) في صدقاته التي تصدّق بها (؟) وذلك يوم الأحد لثلاث خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومئتين» وشهد الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين وهو الجوّاني (١) في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده. وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه. وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده (٢).

ثمّ أسند عن محمد بن سنان قال : توفي محمد بن علي ـ وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر ـ يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومئتين (٣).

فلعلّه عليه‌السلام أُشرب أو أُطعم السمّ في آخر ذي القعدة فقعد في منزله في رُحبة أسوار عند قنطرة البردان (٤) فأسند الكليني عن خيران الخادم الأسباطي القراطيسي : أنّه كان يلزم باب أبي جعفر عليه‌السلام للخدمة التي كان وُكّل بها (؟) وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي يجيء كل ليلة في السحر (!) ليعرف خبر «علة» أبي جعفر عليه‌السلام ولعله كان رسولاً لذلك للشيعة فكان إذا حضر الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه‌السلام وبين خيران الخادم ، يقوم أحمد ويخلو الرسول

__________________

(١) في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : أنّه من ولد الحسين الأصغر بن السجاد عليه‌السلام ، فالحسن في الكافي تصحيف الحسين وكذلك عبد الله مصحّف عن عبيد الله! وكان مع الرضا في خراسان كما في الكشي : ٥٠٦ سكن بغداد ، وترجمته في قاموس الرجال ٣ : ٣٦٩ برقم ٢٠٣٦.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٣٢٥ ، وبصدره : في نسخة الصفواني. أي ليس في سائر النسخ!

(٣) أُصول الكافي ١ : ٤٩٧.

(٤) كشف الغمة ٣ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧ عن ابن سعد في الطبقات.

٢٨٩

بخيران. فخرج الرسول ذات ليلة فقام أحمد عن المجلس وخلا خيران بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام! فقال الرسول لخيران : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك : «إني ماضٍ ، والأمر صائر إلى ابني علي ، فله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي» ثمّ مضى الرسول.

ورجع أحمد إلى موضعه وسأل خيران : ما الذي قد قال لك؟ قال خيران : خيراً! قال أحمد : قد سمعت ما قال ، فلم تكتمه؟ وقال ما سمعه! فقال له خيران : فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ، وإياك أن تُظهرها إلى وقتها!

فلمّا أصبح خيران كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة (الشيعة) وقال : إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها!» (١).

وفاته أو قتله؟ والصلاة عليه ودفنه :

مع اسناد الكليني عن محمد بن سنان : وفاة الجواد عليه‌السلام في السادس من ذي الحجة (٢) وعن أحمد بن أبي خالد مولى الجواد عليه‌السلام نسخة وصيته في الثالث من ذي الحجة (٣) ممّا يؤيد ما أسنده عن ابن سنان ، أعرض عنهما في مولد الجواد عليه‌السلام ووفاته فقال : قُبض في آخر ذي القعدة سنة (٢٢٠ ه‍) (٤).

وكأن المفيد تبعه ، وسقطت منه كلمة (آخر) فقال : في ذي القعدة (٥).

__________________

(١) أُصول الكافي ١ : ٣٢٤.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٤٩٧ ، ومثله خبر الفاريابي في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ٨٤ ـ ٨٥.

(٣) أُصول الكافي ١ : ٣٢٥.

(٤) أُصول الكافي ١ : ٤٩٢.

(٥) الإرشاد ٢ : ٢٧٣ و ٢٩٥.

٢٩٠

وكذا ذكر الطبرسي : آخر ذي القعدة ، وهو غالباً ينقل عن المفيد (١) فجرى عليه العمل.

والحلبي قال : في آخر ذي القعدة ، وقيل : لست خلون من ذي الحجة (٢).

وفي علّة الوفاة : مرّ خبر العياشي عن ابن أبي دؤاد القاضي ، القاضي بسمّ الإمام عليه‌السلام في الطعام (٣).

وقال المسعودي : قيل : إنّ أُم الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة سمّته (٤).

ونُسب إليه تفصيله قال : لمّا ورد أبو جعفر العراق لم يزل المعتصم وابن أخيه جعفر ابن المأمون أخو أُم الفضل لأبيها وأُمها ، يعملان الحيلة لقتله! وكان جعفر أخوها قد وقف على انحرافها عنه وغيرتها منه لتفضيله أُم أبي الحسن الهادي عليها وشدة حبّه لها ، وهي لم ترزق منه ولداً! فقال جعفر لأُخته في ذلك فأجابته إليه. وكان أبو جعفر يعجبه العنب الرازقي ، فجعلوا له سمّاً في شيء من عنب رازقي ، فلمّا أكل منه ندمت وبكت! فقال لها : ما بكاؤك؟! والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر وببلاء لا ينستر!

فبليت هي بعلّة كما قال ، وسكر جعفر فتردّى في بئر وأُخرج ميتاً (٥).

__________________

(١) إعلام الورى ٢ : ٩١ و ١٠٦.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤١١.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، الحديث ١٠٩.

(٤) مروج الذهب ٣ : ٤٦٤.

(٥) إثبات الوصية المنسوب للمسعودي : ٢٠٩ و ٢٢٠ ، ونقله المجلسي عن عيون المعجزات في بحار الأنوار ٥٠ : ١٦ ، ونحوه في دلائل الإمامة : ٣٩٤.

٢٩١

واعتمد الصدوق على ذلك فقال : إنّ المعتصم سمّ محمد بن علي عليه‌السلام (١) ونقله الحلبي قال : قال ابن بابويه : سمّ المعتصم لمحمد بن علي. فقال هو : قبض ببغداد مسموماً (٢) وفي كيفيته قال :

أنفذ المعتصم إليه شراب حامض الأُترنج بختمه على يدَي خادمه الخاص التركي اشناس وقال له : قل له : قد ذاقه أمير المؤمنين وقاضيه أحمد بن أبي دؤاد وسعد بن الخصيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها ، وقد صُنع في الحال ، وإنما ينفع بارداً وقد ذاب الثلج! وأصرّ عليه! فشربها وهو عالم بفعلهم.

ثمّ قال : وروي فيه وجه آخر سنذكره إن شاء الله (٣).

ثمّ قال : وروى : أنّ أُم الفضل بنت المأمون سمّته بمنديل مسموم للتنظيف بعد اجتماعه بها! فلمّا أحسّ بذلك قال لها : أبلاكِ الله بداء لا دواء له ، فاعتلّت كذلك (٤).

ولعلّه لعلة قلة التوفيق بين هذه الأقوال قال المفيد : قيل إنه مضى مسموماً ، ولم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به (٥) والطبرسي نقل قبله وأهمل قوله! ولكنه ترك (٦)!

__________________

(١) الاعتقادات للصدوق : ٩٨.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤١١ وليس عن ابن عياش!

(٣) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤١٦.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٢٣.

(٥) الإرشاد ٢ : ٢٩٥.

(٦) إعلام الورى ٢ : ١٠٦.

٢٩٢

وبعث المعتصم ابنه وولّي عهده هارون الواثق بالله فصلّى عليه عند منزله في رحبة أسوار عند قنطرة البردان (١) ولا خلاف في أنّه حُمل إلى مقابر قريش فدفن خلف جدّه الكاظم عليه‌السلام (٢).

مؤتمر الشيعة للإمامة بعده :

أسند الكليني عن خيران القراطيسي الأسباطي خادم الجواد عليه‌السلام : أنّ محمد بن الفرج الرُّخجي (كان وكيل الإمام عليه‌السلام) فاجتمع رؤساء العصابة (الشيعة) عنده يتفاوضون في أمر الإمامة بعد الجواد عليه‌السلام ، وفيهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي.

وقد مرّ في الخبر أنّ رسول الجواد عليه‌السلام كان قد قال لخيران : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك : «إنّي ماض ، والأمر صائر إلى ابني علي ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي» فلمّا أصبح خيران كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

وكأنهم اجتمعوا وفيهم هؤلاء العشرة ، فكتب محمد بن الفرج إلى خيران يُعلمه باجتماعهم عنده ، وأنّه لولا مخافة شهرة الأمر لصار معهم إلى خيران ، لكن الآن يسأله أن يأتيه.

__________________

(١) كشف الغمة ٣ : ٤٨٦ ، ٤٨٧ عن ابن سعد في الطبقات.

(٢) وفي حرائق الفتن بين الشيعة وشانئيهم أحرقوا قبة مرقد الإمامين الكاظمين الجوادين وأرادوا حفر قبرهما لنقل عظامهما إلى مقبرة ابن حنبل! فحال الحريق وزناده وتراب الهدم بينهم وبين معرفة المرقدين فتركوهما! انظر المناقب ٤ : ٤٢٩.

٢٩٣

فركب خيران وصار إلى دار محمد بن الفرج الرّخجي فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا له : ما تقول في أمر الإمامة بعد أبي جعفر الجواد عليه‌السلام؟

وكأنّ من كتب إليه خيران برسالة الجواد عليه‌السلام ووصيّته لهم بولده الهادي عليه‌السلام ، كانوا حاضرين ، فقال خيران لهم : أحضروا الرقاع. فأحضروها. فقال لهم :

هذا ما أُمرت به!

فقال بعضهم : ونحبّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر!

فقال لهم : قد أتاكم الله عزوجل به ؛ هذا أبو جعفر (أحمد بن عيسى) يشهد لي بسماع هذه الرسالة. ثمّ سأله أن يشهد بما عنده ، وإلّا فليباهله على ذلك!

فلمّا تحقق عليه ذلك قال : قد سمعت ذلك ، ولكن هذه مكرمة كنت أُحبّ أن تكون لرجل من «العرب» لا لرجل من «العجم»! فلم يبرح القوم حتى قالوا جميعاً بالحق.

وفي الخبر : أنّ خيران لم يخرج من منزله حتى قَطع على يديه بموت أبي جعفر الجواد ووصيته إلى ابنه الهادي عليهما‌السلام نحو من أربعمئة إنسان (١) ممّا يشير إلى كثرة الشيعة يومئذٍ ببغداد.

وأرّخ ابن الوردي لوفاة الإمام قال : في سنة (٢٢٠ ه‍) توفي محمد الجواد بن علي بن موسى ، تاسع الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية ، وصلّى عليه الواثق (٢).

__________________

(١) أُصول الكافي ١ : ٣٢٤.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٢.

٢٩٤

عهد

الإمام الهادي عليه‌السلام

٢٩٥
٢٩٦

الإمام الهادي بعد أبيه عليهما‌السلام :

مرّ الخبر عن سهل بن زياد الادمي : أنّ علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام ولد في شهر رجب عام (٢١٤ ه‍) (١) فعمره يوم شهادة أبيه الجواد ببغداد في ذي الحجة (٢٢٠ ه‍) : ست سنين. فجاء فزعاً مرعوباً حتّى جلس في حجر عمّته أُم أبيها بنت الكاظم عليه‌السلام ، فسألته : ما بك؟ فقال : مات أبي ـ والله ـ الساعة! فقالت له : لا تقل هذا! قال : هو والله ما أقول لك!

قالت أُم أبيها بنت الكاظم عليه‌السلام : فسجّلنا ذلك اليوم ، فجاء نعيه بعدها في ذلك اليوم (٢).

__________________

(١) تاريخ أهل البيت : ٨٦ ، والكافي ١ : ٤٩٧.

(٢) إثبات الوصية المنسوب للمسعودي : ٢٢٢ ، وعيون المعجزات للحسين بن عبد الوهاب (ق ٤ : ١٣٣) ودلائل الإمامة للطبري الإمامي : ٤١٣ ، الحديث ٣٧٤ ، وعن دلائل الحميري في كشف الغمة ٤ : ٢٢.

٢٩٧

ثمّ ظهر للرجال وفيهم هارون بن الفضل قال : استرجع أبو الحسن الهادي عليه‌السلام وقال : مضى أبو جعفر! فقيل له : وكيف عرفت ذلك؟ قال : تداخلتني ذلة لله لم أكن أعرفها (١).

ومع كل التكتّم علم المعتصم بالمنصوص عليه بالإمامة بعد الجواد عليه‌السلام ابنه علي بن محمد الهادي عليه‌السلام وأنّه في أوائل عمر التعليم : السابعة ، فأوعز إلى عامله على المدينة عمر بن فرج الرّخجي (الأفغاني) أن يطلب بها رجلاً معلّماً قارئاً أديباً لا يوالي أهل البيت ، فيوكله بتعليم علي بن محمد عليهما‌السلام ، ويتقدّم إليه بأن يمنع منه «الرافضة» الذين يقصدونه!

فبعد موسم الحج أحضر عمر الرّخجي (الأفغاني) جماعة من المخالفين والمعاندين لأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل المدينة وقال لهم : اطلبوا لي رجلاً من أهل القرآن والعلم والأدب لا يوالي أهل هذا البيت! لأضمّ إليه هذا الغلام (ابن الإمام) وأوكله بتعليمه ، وأتقدم إليه بأن يمنع منه «الرافضة» الذين يقصدونه!

فسمّوا له أبا عبد الله الجُنيدي متقدماً عند أهل المدينة في الفهم والأدب وظاهر «النصب» والعداوة «لأهل البيت» فأحضره عمر بن الفرج وعرّفه : أنّ السلطان (المعتصم) أمره باختيار مثله وتوكيله بهذا الغلام (ابن الإمام) وتقدّم إليه بما أراد وعيَّن له مشاهرة من مال السلطان.

فأصبح الجُنيدي يلازم أبا الحسن عليه‌السلام ومكث على ذلك مدة ، وانقطعت «الشيعة» عنه وعن القراءة عليه! والاستماع منه.

قال الراوي محمد بن جعيد : ثمّ لقيت ابن جُنيد يوم جمعة فقلت له : ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدّبه؟! فأنكر علي وقال : أُنشدك الله! هل تعلم بالمدينة

__________________

(١) بصائر الدرجات بطريقين : ٤٦٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٥٠ : ١٣٨ و ١٣٩.

٢٩٨

أعلم مني؟! قلت : لا! قال : فإنّي ـ والله ـ أذكر له الحزب من الأدب أظن أني قد بالغت فيه ، فيملي علي فيه باباً أستفيده منه! ويظن الناس أني أُعلّمه! وأنا ـ والله ـ أتعلّم منه! فوالله إنه خير أهل الأرض وأفضل من برأ الله! ثمّ قال : إنّه مات أبوه بالعراق وهو صغير بالمدينة ونشأ بين الجواري السود فمن أين علم هذا؟!

قال الراوي ابن جعيد : ثمّ مرّت الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد عرف الحق وقال به وبإمامته (١).

وفاة أحمد البزنطي :

في سنة (٢٢١ ه‍) توفي أحمد بن محمد بن أبي نصر الكوفي السكوني (مولاهم) البزنطي (٢) وليست نسبته إلى البيزنطة الروم بل إلى بيع الثياب البزنطية (٣).

حجّ مع صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وعبد الله بن جندب أو ابن المغيرة ، قبل استقدام الرضا عليه‌السلام إلى مرو ، وكان في قرية أبيه الكاظم عليه‌السلام : صُريا بضواحي المدينة ، فدخلوا عليه عصراً قال : فجلسنا عنده ساعة ثمّ قمنا ، فقال لي : أمّا أنت يا أحمد فاجلس! فجلست ، فأقبل يحدّثني وأسأله فيجيبني حتّى ذهب عامة الليل! ثمّ قال لي : يا أحمد ، تنصرف؟ أو تبيت؟ قلت : جعلت فداك ، ذاك إليك ، إن أمرت بالانصراف انصرفت وإن أمرت بالإقامة أقمت. فقال : أقم فقد هدأ الليل ونام الناس. فأقمت.

__________________

(١) شرح الشافية لأبي فراس الحمداني : ٢٥ وعنه في إيقاد القلوب للسيد الشاه عبدالعظيمي.

(٢) الفهرست : ٣٧ ، ورجال النجاشي : ٧٥ برقم ١٨٠.

(٣) قاموس الرجال ١ : ٥٧٣ برقم ٥٠٣.

٢٩٩

فنادى جارية : هاتي مضربي ووسادتي فافرشي لأحمد في ذلك البيت!

فجاءت بها وفرشتها ، وقام وانصرف ، وصِرت إلى البيت وأخذ يخطر ببالي : مَن مثلي في بيت وليّ الله وعلى مِهاده! وخررت ساجداً لله وقلت! الحمد لله ، حجة الله ووارث علم النبيين أنس بي من بين إخواني وحبّبني! فأنا في سجدتي وشكري فما علمت إلّاوقد رفسني برجله فقمت فأخذ بيدي فغمزها ثمّ قال لي : يا أحمد! إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام عاد صعصعة بن صوحان في مرضه ، فلمّا قام من عنده قال له : يا صعصعة! لا تجعل عيادتي إياك فخراً على قومك وإخوانك ، اتقِ الله وتواضع لله يرفعك الله! ثمّ انصرف عني (١).

ولم يلقَ الجواد عليه‌السلام وتوفي في أول إمامة الهادي عليه‌السلام بلا رواية له عنهما.

المعتصم والأتراك والقاطول؟! :

مرّ أنّ الرشيد لمّا عزم على العودة بالعاصمة إلى الحيرة ، تخيّر مولّدة منها هي ماردة بنت شبيب الكوفي وحظيت عنده ، وحظى منها بولده المعتصم ، فأُمه مولّدة كوفية (٢) ولم أجد فيما بأيدينا أنها كانت تركية ، واشتهر هذا في المتأخرين فنسبوا إليه أنّه كان يميل إلى أخواله الأتراك ، وإنّما قال المسعودي : أمر المعتصم بشراء الأتراك وجمعهم لجنده حتّى اجتمع له منهم أربعة آلاف ، ألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهّبة والحلى المذهّبة ، فأبانهم بذلك عن سائر جنوده ، واستمد رجال خراسان من الأشروسية ومن فرغانة. واصطنع أقواماً من حوف قيس ومن حوف مصر ومن حوف اليمن وسمّاهم المغاربة! فكثر جيشه.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٥٨٧ ـ ٥٨٨ ، الحديث ١٠٩٩ و ١١١٠.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٤٥٩.

٣٠٠