موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

يعزونه ، إذ جاء شاب مشقوق الجيب حتى وقف عن يمين أبي الحسن فنظر إليه أبو الحسن وقال له : «يا بُني ، أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً» فبكى الفتى واسترجع وقال : الحمد لله رب العالمين ، وأنا أسأل الله لنا تمام نعمته فيك. ولم نعرفه! فسألنا عنه فقيل : هذا ابنه الحسن ، وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح ، فعرفناه وعلمنا أنه قد أشار بالإمامة إليه ، وأنه يقوم مقامه (١) وقدّرنا الناس الجلوس على البساط في صحن داره من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مئة وخمسين رجلاً سوى مواليه وسائر الناس (٢).

ونقل الحلبي عن كتاب الكشي عن الفضل بن الحارث قال : رأيت أبا محمد العسكري عليه‌السلام ماشياً (في جنازة أخيه أبي جعفر محمد) قد شق ثوبه! وأنا أخذت أتعجب من جلالته وما هو أهل له ، ومن شدة ادمة لونه ، واشفق عليه من التعب (في التشييع).

فلمّا كان الليل رأيته في منامي فقال لي : أما اللون الذي تعجبت منه فهو اختيار من الله لخلقه يجريه كيف يشاء! وإنها لعبرة في الأبصار لا يقع فيها غير المختبر. (وأما التعب) فلسنا كالناس نتعب كما يتعبون. فاسأل الله الثبات ، وتفكّر في خلق الله فإنّ فيه متّسعاً. واعلم أنّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة.

وكتب إليه أبو عون الأبرس في شقه جيبه ، فكتب جوابه : ما أنت وذاك؟! وقد شق موسى على هارون .. وإنك لا تموت حتى تكبر ويتغيّر عقلك (٣).

__________________

(١) مرّ خبر بل هناك أخبار بنصّ الهادي عليه‌السلام على ابنه الحسن في المدينة قبل أن يُنقل إلى سامراء ، وإنما الحادث انصراف الناس عن أخيه محمد رحمه‌الله.

(٢) أُصول الكافي ١ : ٣٢٦ ، الحديث ٨.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٦٧ وتمامه : فما مات حتى ذهب عقله وحتى حجبه ابنه وحبسوه في منزله من ذهاب عقله! فهذه من دلائله عليه‌السلام قبل وفاة أبيه وفعلية إمامته.

٤٢١

المعتز وإخوته عام (٢٥٢ ه‍):

وفي سنة (٢٥٢ ه‍) رُفع إلى المعتز أنّ أخاه المؤيد قد استمال إليه جمعاً من الموالي وهم يدبّرون عليه ، فأحضره وطالبه بخلع نفسه من ولاية العهد فأبى ، فأمر المعتزّ بضرب أخيه المؤيد فضُرب أربعين عصاً! فأجاب الطلب ، فأحضر المعتزّ جمعاً وأشهدهم عليه بذلك ومع ذلك حبسه! فرُفع إليه أنّ جمعاً من الأتراك اتفقوا على إخراج المؤيد من حبسه ، فيقال : إنه أمر فأدرجوه في لحاف سمّور وشُدّ طرفاه حتى مات فيه خنقاً ، ثمّ أحضر الفقهاء والقضاة منهم حتى رأوه ولا أثر فيه لآخر شهر رجب (٢٥٢ ه‍) ورتّب في مكان المؤيد لولاية عهده أخاه لأبيه وأُمه إسماعيل بن المتوكل لأوائل شعبان سنة (٢٥٢ ه‍).

وكتب المعتزّ إلى أحمد بن طولون بقتل المستعين فامتنع ابن طولون (١) وقال : والله لا أقتل أولاد الخلفاء! فانتدب له حاجبه سعيد بن صالح المجوسي (أبوه) (٢) فطلب المعتزّ منه أن يحمل ابن طولون المستعين إليه إلى القاطول ويسلّمه إلى حاجبه سعيد بن صالح (٣).

ففي شهر رمضان سنة (٢٥٢ ه‍) بعث المعتز بالله حاجبه سعيد بن صالح ليتلقّى المستعين. وقبله كان قد أرسل شاهك الخادم ليكون في جملة حملته من واسط ، فذكر شاهك قال : كنت أنا عديله في المعمارية ، فلمّا وصلنا (القادسية من) القاطول تلقانا جيش كثير! فناداني المستعين : يا شاهَك انظر مَن رئيس القوم؟ قلت : هو سعيد بن صالح الحاجب ، فاسترجع وقال : والله لقد ذهبت نفسي وأخذ يبكي ، فلمّا قرب منه سعيد أخذ يقنّعه بسوطه حتّى أضجعه إلى الأرض

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٢٢.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٢٠.

(٣) ابن الوردي ١ : ٢٢٢.

٤٢٢

وقعد على صدره واحتزّ رأسه وحمله معه إلى المعتزّ بالله! وترك جثته على الطريق فدفنه الناس! وذلك في أوائل شوال سنة (٢٥٢ ه‍) وله (٣٥) عاماً (١) ثمّ أمر المعتز بدفن رأسه (٢).

وبعد دخول أبي أحمد الموفق بن المتوكل إلى سامراء وما قوبل به من الإكرام لمحاربته للمستعين ببغداد وانتصاره عليه. وبعد قتل أخيه المؤيّد وهما لأب وأُم ، حبسه المعتزّ أيضاً وضيّق عليه ، ثمّ نُفي إلى البصرة بعد منتصف شهر رمضان سنة (٢٥٢ ه‍) أي بعد قتل المؤيد بخمسين يوماً وبعد إكرامه بستة أشهر (٣).

تمام خبر إسماعيل الحسني بمكة :

قال المسعودي : في سنة (٢٥٢ ه‍) مات إسماعيل بن يوسف (الحسني) الذي غلب على مكة ، فخلفه بعد وفاته أخوه الأكبر منه بعشرين سنة محمد بن يوسف (الحسني). فبعث المعتزّ إليه بأبي الساج الأشروسني فقاتله فقتل من أصحابه خلقاً ثمّ هرب (٤) ولمّا انكشف من بين يدي أبي الساج سار إلى اليمامة فالبحرين فغلب عليها (٥).

وكان قد عصى عيسى بن الشيخ الشيباني وأراد أن يعود إلى الطاعة والتزلف إلى الخلافة ، وكان قد خرج من الحجاز إلى مصر رجال من آل أبي طالب من ولد عقيل وجعفر وعلي عليه‌السلام من الجهد النازل بهم بالحجاز ، فقبض الشيباني

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٧٩.

(٢) تاريخ مختصر الدول : ١٤٧.

(٣) مروج الذهب ٤ : ٩٠.

(٤) المصدر السابق ٤ : ٩١.

(٥) المصدر السابق ٤ : ٩٤ وتمامه : وخلّفه بها عقبه المعروفون ببني الأخضر.

٤٢٣

بقواته على ستة وسبعين رجلاً منهم وحملهم معه إلى المعتز مع مال كثير ، فقدم بهم سامراء في هذه السنة (٢٥٢ ه‍) فلمّا وقف المعتز على أمرهم أمر بأخذ الكفلاء منهم وتخلية سبيلهم! وولّى عيسى الشيباني على فلسطين (١).

وتوفي في بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر الخزاعي (مولاهم) في أواخر سنة (٢٥٣ ه‍) فكتب المعتزّ إلى أخيه عبيد الله بولايته على ما كان لأخيه من الشرطة وغيرها. وكان طاهر بن محمد بن عبد الله على خراسان فلم يقبل بنصب عمّه عبيد الله ، وكان عنده عمّه الآخر سليمان بن عبد الله فصيّره في خلق كثير من جنود خراسان إلى سامرّاء ، فخلع عليه المعتزّ وأمره بالرجوع إلى بغداد ، فقدمها منتصف ربيع الآخر (٢٥٤ ه‍).

وكان عيسى بن الشيخ الشيباني لجأ إلى يزيد بن عبد الله في مصر ، فلمّا وجّه المعتزّ قائداً من الأتراك إلى مصر لبيعته بها ، بايعه يزيد بن عبد الله ومعه عيسى بن الشيخ. ثمّ صار إلى فلسطين وصاهر في بني كلب وجمع إليه خلقاً من ربيعة ووجد بها أموالاً حُملت من مصر فصادرها وفرض فروضاً على العرب واستولى على رملة وبنى له حصناً خارجها سمّاها الحسامي.

وخرج بديار ربيعة من بني شيبان أيضاً أبو صالح مساور بن عبد الحميد وصار إلى الموصل فطرد عاملها ، ثمّ سار إلى سامراء حتى نزل بالمحمدية على ثلاثة فراسخ من قصور الخليفة ، وكلّما ارسل إليه قائد ومعه جيش هزمهم حتى كثف جمعه واشتدت شوكته.

فلمّا كثر الاضطراب تأخرت أموال البلدان ونفد ما في بيوت الأموال ، فوثب الأتراك بكرخ سامراء يطالبون بأرزاقهم ، فخرج إليهم وصيف يسكّنهم

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٩١.

٤٢٤

فقتل ، فتحرك ابنه صالح بن وصيف واجتمع إليه أصحاب أبيه فصار في منزلته ، وتفرّد بُغا بالتدبير ، وضعف أمر المعتزّ في سنة (٢٥٣ ه‍) (١).

وفي (٢٥٤ ه‍) وقع باجور ومفلح بأهل قم ، فقتلا منهم مقتلة عظيمة في شهر ربيع الأول (٢).

الهادي يزوج ابنه الحسن عليهما‌السلام :

قال الشيخ التقيّ الشوشتري في «رسالة في تواريخ النبيّ والآل» في فصل أزواجهم : لم نقف على ذكر زوجة (حرة) للأئمة من الكاظم إلى العسكري عليهم‌السلام (٣) إلّا أنّه في فصل امهاتهم نقل عن الشهيد قولاً بأن أُم الحجة زوج العسكري عليهما‌السلام هي مريم بنت زيد العلوي (٤) فهي اخت الحسن بن زيد العلوي الحسني الداعي الزيدي الذي مرّ خبر خروجه بالديلم وطبرستان وجرجان وامتدت الدعوة إليه إلى الري سنة (٢٥٠ ه‍) وأقدم مصدر لهذا القول هو الحسين بن حمدان الخصيبي (٥) الجنبلايي الواسطي الذي قال فيه النجاشي : فاسد المذهب وكتبه تخليط (٦).

ولذا قال الشيخ التقيّ الشوشتري : المشهور أنها ام ولد ، وذكر نقل الشهيد

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠١ ، ٥٠٢.

(٢) تاريخ الطبري ٩ : ٣٨١ كذا مجملاً.

(٣) الرسالة الملحقة بقاموس الرجال ١٢ : ٧٥.

(٤) قاموس الرجال ٢ : ٦١ ، عن الدروس ٢ : ١٦ ، وهو عن الهداية للخصيبي : ٣٢٨ أحد الأقوال.

(٥) الهداية الكبرى : ٣٢٨.

(٦) رجال النجاشي : ٦٧ برقم ١٥٩.

٤٢٥

وهو عن الخصيبي وقال : يردّه أخبار كثيرة في كون الحجة عليه‌السلام ابن أمة وكان يعلمه حتى بنو مروان. وذكر نماذج منها (١).

فإذا تجاوزنا هذا النقل ـ وليس خبراً ولا قولاً مختاراً ـ بقيت بأيدينا ثلاثة أخبار تتفق في أنها كانت جارية في بيت اخت الهادي عليه‌السلام (حكيمة بنت الجواد عليه‌السلام) فزوّجته الحسن العسكري بأمر أبيه الهادي عليهما‌السلام ، ويبدو لي أنّ ذلك كان بعد وفاة محمد بن الهادي عليه‌السلام في سنة (٢٥٢ ه‍) كما مرّ ، في الفترة بينها وبين وفاة الهادي عليه‌السلام في (٢٥٤ ه‍) كما يأتي.

وأقدم ما بأيدينا من هذه الأخبار ما جاء في «إثبات الوصية» قال : روى لنا الثقات من مشايخنا : أنّ بعض أخوات أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام كانت لها جارية تسمى نرجس ربّتها في بيتها حتى كبرت ، وجاء يوماً الحسن بن علي العسكري لزيارة عمّته فكأنما رأت عمّته منه التفاتة إلى نرجس فسألته : أراك تنظر إليها؟ فقال عليه‌السلام : إني إنما نظرت إليها متعجباً! فإنّ المولود الكريم على الله جلّ وعلا سيكون منها! ثمّ طلب منها أن تستأذن أباه لتدفعها إليه. فاستأذنته فأمرها بذلك ففعلته (٢) مما يكشف عن كون أمرها إلى أبي الحسن عليه‌السلام.

والظاهر أنه إلى هذا أشار الحسين بن عبد الوهاب إذ قال : قرأت في كتب كثيرة بروايات صحيحة كثيرة : أنّه كانت لحكيمة بنت أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام جارية في بيتها تسمى نرجس ربّتها حتّى كبرت ، فدخل أبومحمد الحسن ونظر إليها ، فسألته عمّته حكيمة : يا سيدي! أراك تنظر إليها! فقال عليه‌السلام : إني نظرت إليها متعجباً .. (٣).

__________________

(١) قاموس الرجال ١٢ : ٦١ و ٦٢.

(٢) إثبات الوصية : ٢١٨.

(٣) عيون المعجزات : ١٣٨.

٤٢٦

وهو ما أسنده الصدوق إلى محمد بن عبد الله الطهوي (١) عن حكيمة بنت الجواد عليه‌السلام قالت : كانت لي جارية تسمى نرجس ، فزارني ابن أخي (الحسن) فأقبل ينظر إليها ، فقلت له : يا سيدي! لعلّك هويتها فارسلها إليك؟ فقال لي : يا عمّة إني أتعجب منها! فقلت له : وما أعجبك؟ فقال عليه‌السلام : «سيخرج منها الولد الكريم على الله عزوجل الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً» فقلت : فارسلها إليك يا سيدي؟! فقال : استأذني في ذلك أبي.

قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن فسلّمت وجلست ، فابتدأني قال : يا حكيمة! ابعثي نرجس إلى أبي محمد! يا مباركة ، إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يُشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً.

قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها وجمعت بينهما في منزلي أياماً ، ثمّ وجّهتها معه إلى (دار) والده. ثمّ مضى أبو الحسن وجلس أبو محمد مكان والده عليهما‌السلام (٢).

أخرج الصدوق هذا مسنداً في الباب (٤٢) في ميلاد القائم عليه‌السلام ، وفي الباب (٤١) قبله أخرج خبراً مسنداً عن النوفلي عن محمد بحر الشيباني عن بشر بن سليمان النخاس من بني أبي أيوب الأنصاري من موالي الهادي عليه‌السلام وجاره بسامرّاء ، أنه أنفذه في ابتياع أمة رومية وصفها له ، من بغداد وقال : معبر الفرات! من عمر بن يزيد النخاس ، وأنه تسلّم منه الجارية مستبشرة بل ضاحكة! وقالت : إنها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الروم (؟) وأُمها تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون (الصفا) وأنها كانت بعد الثالثة عشر من عمرها ، وأنها التحقت متنكّرة بزيّ الخدم

__________________

(١) ذكره جامع الرواة ٢ : ١٤٢ عن الرجال الكبير لميرزا محمد ، في أصحاب الرضا عليه‌السلام.

(٢) كمال الدين : ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، الحديث ٢ ، الباب ٤٢ ميلاد القائم عليه‌السلام.

٤٢٧

بالجيش الرومي المسرّب لقتال المسلمين مع وصائف اخريات ، فوقعن في أسر طلائع المسلمين يوم كذا (؟) وأنها هي تسمّت نرجس من أسماء الجواري (؟!) وأنها كانت قد تعلّمت العربية من امرأة ترجمان لجدها القيصر (؟) ومع ذلك كتب الهادي عليه‌السلام لها كتاباً بلغة رومية وخط رومي وطبع عليها بخاتمه وجعله كتاباً ملصقاً. وأنها حدّثت كلّ هذا لشاريها بشر بن سليمان الأيوبي الأنصاري السامرائي.

وأنّه انكفأ بها إلى سامرّاء فأدخلها على أبي الحسن عليه‌السلام فبشّرها بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً! ثمّ دعا اخته حكيمة فقال لها : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن ؛ فإنها (ستكون) زوجة أبي محمد وأُم القائم عليه‌السلام.

وأن بشراً حدّث بهذا سنة (٢٨٦ ه‍) في مشهد الكاظم والجواد عليهما‌السلام وهو شيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه (١) فذلك بعد الحادثة بأكثر من ثلاثين عاماً.

أخرج الصدوق هذين الخبرين في بابين متواليين ولم يعلق عليهما ممّا ظاهره جمعهما وعدم التنافي بينها.

وعلّق المحقق الغفاري على الأول قال : سيأتي ما ينافيه في الجملة. وفي آخر الثاني قال : قيل : لا منافاة بين هذا الخبر وبين الذي سبق ، ففي السابق : قال عليه‌السلام : «يا بنت رسول الله أخرجيها وعلّميها الفرائض والسنن» وعليه فهي كانت عند حكيمة فاضيفت إليها حتى اشتهرت بجارية حكيمة ، ثمّ جرى بعد ذلك ما جاء في هذا الخبر الثاني (٢).

__________________

(١) كمال الدين : ٤١٧ ـ ٤٢٣ ، الحديث ١ ، الباب ٤١ ما روى في نرجس.

(٢) كمال الدين : ٤٢٣ ه‍ ٥ و ٤٢٧ ه‍ ١.

٤٢٨

إلّا أنّ الشيخ التقي الشوشتري استظهر التنافي وأصحية الخبر السابق ، فإنّ بنت يشوعا بن قيصر الروم لا تكون سوداء ، والنعماني أسند عن الكناسي عن الباقر عليه‌السلام أنها «أمة سوداء» وروايته أخباراً اخر بمعناه ، وأنه تبنّاها (١) وذكر اختلاف الأخبار في اسمها ومصادرها (٢). وهي محمولة على استحباب تغيير أسماء الجواري السراري المولّدات باختلاف أحوالهن ، كما مرّ في أمثالها.

وفاة الإمام الهادي عليه‌السلام :

في (٢٥) جمادى الثانية عام (٢٥٤ ه‍) مضى أبو الحسن علي بن محمد بن الرضا عليه‌السلام وله أربعون عاماً (٣) وروي أنّه عليه‌السلام قبض في شهر رجب بسامرّاء ، ودُفن في داره ، رواه الكليني (٤) ونقله المفيد وزاد :

خلف أبا محمد الحسن الإمام ، والحسين ، ومحمداً ، وجعفر ، وابنته عائشة (٥).

ونقله الطبرسي ثمّ ذكر الخلفاء المعاصرين حتى المعتزّ بن المتوكل ثماني سنين وأشهراً ، وفي آخر ملكه استشهد ودفن في داره عليه‌السلام (٦) وسمّى الأبناء والبنت سمّاها عالية (٧).

__________________

(١) قاموس الرجال ١٢ : ٦٣ ، ٦٤ عن الغيبة للنعماني : ١٠٩

(٢) قاموس الرجال ٢ : ٦٢ من رسالة التواريخ

(٣) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ٨٦.

(٤) أُصول الكاص : ٤٩٧ ، ٤٩٨

(٥) الإرشاد ٢ : ٣١١ ، ٣١٣.

(٦) إعلام الورى ٢ : ١٠٩ ، ١١٠.

(٧) إعلام الورى ٢ : ١٢٧.

٤٢٩

ونقل الحلبي عن ابن عياش : قبض بسامرّاء في الثالث من رجب نصف النهار. وليس عنده غير ابنه أبي محمد الحسن. فلعلّه تأكّد من وفاة الحسين ومحمد في حياة أبيهما الهادي عليه‌السلام ، وغفل عن جعفر فإنه كان حياً لا خلاف فيه. ثمّ نقل عن ابن بابويه أنّه استشهد مسموماً وسمّى الأبناء والبنت سمّاها عُليّة (١) والتاريخ الأخير عن ابن عياش هو المعمول به اليوم.

واليعقوبي كأنما تأكّد من أنّه عليه‌السلام لم يبقَ له عند وفاته من ولده الذكور غير اثنين : الحسن وجعفر. واختار وفاته في (٢٧) جمادى الآخرة وزاد : بعث المعتزّ بأخيه أحمد بن المتوكل (الموفق) فصلّى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم فرُد النعش إلى داره فدُفن فيها ، وسنّه أربعون سنة (٢).

والطبري قال : في (٢٧) جمادى الآخرة (مات) علي بن محمد بن الرضا عليه‌السلام وصلّى عليه أبو أحمد بن المتوكل في الشارع المنسوب إليه ، ودُفن في داره (٣).

والمسعودي قال : في (٢٧) جمادى الآخرة كانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا في خلافة المعتزّ بالله سنة (٢٥٤ ه‍) وهو ابن أربعين سنة ، وصلّى عليه أحمد بن المتوكل في شارع أبي أحمد ، وكان يوم الاثنين فسُمعت جارية تقول في جنازته : ماذا لقينا في يوم الاثنين قديماً وحديثاً (٤)! ثمّ ذكر ما مرّ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٢٣ ، وقال : في آخر أمر المعتمد العباسي. والصحيح : المعتز.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣ ، ولبحث غسل المعصوم والصلاة عليه يراجع جدّه الرضا عليه‌السلام.

(٣) تاريخ الطبري ٩ : ٣٨١.

(٤) مروج الذهب ٤ : ٨٤ وقديم يوم الاثنين وفاة خاتم المرسلين.

٤٣٠

من خبر يحيى بن هرثمة عن إشخاصه للإمام إلى سامرّاء ، وقال : وقيل : إنه مات عليه‌السلام مسموماً (١).

فالمسعودي هنا ذكر خبر الجارية المنادية في جنازة الهادي عليه‌السلام بلا ذكر لموقف العسكري عليه‌السلام من ذلك ، وفي كتاب منسوب إليه أو إلى سميّه ومعاصره ، حدّث عن جماعة حكوا أنّه كان قد اجتمع في جنازته جلّة بني هاشم من العباسيين والطالبيين وخلق من شيعتهم ، فكانوا في حيرة المصيبة إذ خرج من داخل الدار (الدخلاني) خادم ، ثمّ فُتح باب من صدر الرواق وخرج خادم أسود وخرج بعده أبو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام حاسراً مكشوف الرأس بثوب مشقوق وعليه مبطَّنة بيضاء وجهه كوجه أبيه لا يخطئ منه شيئاً ما كان يخرم من أبي الحسن شيئاً حتى كأنهم لم يفقدوا منه إلّاشخصه!

وكان في الدار من العباسيين أولاد المتوكل ومنهم ولاة عهده ، ومنهم أبو أحمد الموفّق (٢) فلم يبقَ أحد إلّاقام على رجله وأمسكوا عن الأحاديث والكلام ووثب إليه أبو أحمد الموفق فقصده أبو محمد العسكري فعانقه ثمّ قال له : مرحباً بابن العم! وجلس بين بابي الرواق ، والناس بين يديه ساكتين لا نسمع إلّاالسعال والعطاس!

وخرجت جارية تندب أبا الحسن عليه‌السلام فقال أبو محمد : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة! فبادر إليها بعض شيعته فأعادها إلى داخل الدار (الدخلاني).

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٨٦.

(٢) في الكتاب : أبو محمد ، وبقرينة لقب الموفق فهو أبو أحمد كما في ساير الأخبار والتواريخ.

٤٣١

وكان أبو محمد عليه‌السلام قد صلّى على أبيه قبل أن يُخرج إلى الناس ، وخرج خادم إلى أبي محمد عليه‌السلام فوقف بحذائه ، فنهض واخرجت الجنازة ، فخرج يمشي حتى اخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بُغا ، فصلّى عليها المعتمِد (كذا ولعلّه الموفّق) ثمّ ردّ إلى بيت من بيوت داره فاشتغلوا بدفنه.

وبعد الصلاة على الجنازة اشتدّ الحرّ من ضغطة الناس على أبي محمد عليه‌السلام في طريق منصرفه من الشارع ، وكان في طريقه دكان بقال مرشوش ، فلمّا رآه سلّم عليه واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ووقف الناس حوله ونحن فيهم ، إذ أتاه شابّ حسن الوجه نظيف الثياب على بغلة شهباء مسرّجة ، يقود له برذوناً أبيض ، فنزل وسأله أن يركب ، فركب إلى الدار. ثمّ خرج إلى الناس في عشية ذلك اليوم (١) الثالث من رجب عام (٢٥٤ ه‍).

ونختم الفصل بكلام ابن الوردي قال : في (٢٥) جمادى الآخرة توفي في سامرّاء علي بن الجواد ، الملقّب بالنقي الزكي الهادي ، أحد الأئمة الاثني عشر برأي «الإمامية» ثمّ أورد خبر السعي به إلى المتوكل وحمله إليه ليلاً وهو على الشراب والخمر ، وطلبه الشعر من الإمام عليه‌السلام ، ثمّ قال : وقيل له العسكري أيضاً لسكناه بسامرّاء فهي عسكر لسكنى العسكر بها. وهو والد الحسن العسكري وهو والد محمد المنتظر وهو ثاني عشرهم ، ويلّقب بالقائم والمهدي والحجة (٢) عجلّ الله تعالى فرجه.

__________________

(١) اثبات الوصية : ٢٣٤.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٢٣.

٤٣٢

عهد

الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام

٤٣٣
٤٣٤

أوائل عهد العسكري عليه‌السلام :

مرّ خبر مولد الحسن العسكري عليه‌السلام بالرواية عنه قال : كان مولدي بالمدينة في ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومئتين (١) من مولَّدة في العرب اسمها سليل ، أو أسماء أو سمانة أو سوسن (٢) ولعلّها كلّها ، للسنّة في الجواري السراري والمولّدات. وعليه فعمره لإمامته بعد أبيه (٢٣) عاماً.

ولما مضى أبو الحسن الهادي عليه‌السلام اشتغل أبو محمد ابنه (الأكبر) بغسله وشأنه ، وأسرع بعض الخدم إلى أشياء من ثياب ودراهم وغيرها فاحتملوها!

فلمّا فرغ أبو محمد من شأنه صار إلى مجلسه فجلس فيه ، ثمّ دعا أُولئك الخدم فقال لهم :

إن صدقتموني عمّا احدّثكم به وأسألكم عنه فأنتم آمنون من عقوبتي!

__________________

(١) دلائل الإمامة للطبري : ٢٢٣.

(٢) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٢٤ ، وأُصول الكافي ١ : ٥٠٣.

٤٣٥

وإن أصررتم على الجحود دللت على كل ما أخذه كل واحد منكم ، وعاقبتكم عند ذلك بما تستحقّونه مني!

ثمّ سأل كل واحد منهم من ذكر أو أُنثى عمّا أخذه : أنت يا فلان أو يا فلانة أخذت كذا ، أكذلك هو؟ فيقول أو تقول : نعم يابن رسول الله ، فيرده أو ترده (١).

واختصره الاربلي عن «دلائل الإمامة» لعبد الله بن جعفر الحميري القمي بأنّه لمّا مضى أبو الحسن عليه‌السلام انتُهبت خزانته ، فاخبر بذلك أبو محمد العسكري عليه‌السلام ؛ فأمر بغلق الباب ثمّ دعا بحرمه وعياله! فجعل يخبر كل واحد منهم بما أخذ ويقول له : ردّ كذا ، فردّوا حتى ما فُقد شيء (٢).

تأكّد الوكيل من خطّ الإمام عليه‌السلام :

كان أحمد بن إسحاق الرازي النيشابوري من وكلاء الهادي عليه‌السلام بنيشابور (٣) فلمّا بلغه نعي الهادي عليه‌السلام كأ نّما أراد تجديد وكالته والتأكّد من رسم خط الإمام الحاضر المعاصر ، ولذا سافر إلى سامراء وتوصّل إلى العسكري عليه‌السلام قال : دخلت على أبي محمد عليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد (عليّ) فدعا بالدواة وكتب ، فقلت في نفسي : أستوهبه القلم. فلمّا فرغ أخذ يمسح القلم ثمّ قال : هاك يا أحمد وناولنيه!

__________________

(١) إثبات الوصية : ٢٣٩ مسنداً ، وفي الخرائج والجرائح مرسلاً ١ : ٤٢٠ ، الباب ١٢ ، الحديث ١.

(٢) كشف الغمة ٤ : ٨٢ عن دلائل الإمامة للحميري مختصراً نقلاً بالمعنى بزيادة الحرم والعيال؟!

(٣) انظر قاموس الرجال ١ : ٣٩١ برقم ٢٨٩.

٤٣٦

فقلت له : جُعلت فداك ، أردت أن أسأل أباك فلم يُقضَ لي ذلك ، قال : وما هو؟ قلت : يا سيدي ؛ روي لنا عن آبائك : أن نوم الأنبياء على قفاهم ، ونوم المؤمنين على أيمانهم ، ونوم الشياطين على وجوههم ، والمنافقين على شمائلهم؟! قال : كذلك هو ، قلت : يا سيدي ، فأنا أجهد أن أنام على يميني فلا يأخذني النوم عليها!

فقال لي : ادن مني ، فدنوت منه ، فأخرج يده من ثيابه وأدخلها في ثيابي ومسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرّات.

فمنذ فعل بي ذلك ما يأخذني نوم على يساري وما أقدر أن أنام عليها (١).

بقايا أحداث عام (٢٥٤ ه‍):

في شهر رمضان عام (٢٥٤ ه‍) صيّر المعتزّ بايكباك التركي معاونه لأعمال مصر ، فولّاها بايكباك إلى أحمد بن طولون التركي ، فترك سامرّاء إلى الفسطاط.

وحيث آثر المعتزّ بايكباك وتنكّر لبُغا الصغير بلغه أن بُغا يحاول البغي عليه فأخذ المعتزّ يدبّر لقتله ، وبلغ ذلك إلى بُغا فهرب إلى ناحية الموصل وهو يقدّر أن أكثر الأتراك لا يتركونه بل سيلتحقون به! فلمّا لم يلحقه أحد منهم عاد راجعاً في زورق فعرفه أصحاب مسلحة الجسر (المخفر) وكاتبوا إلى المعتزّ بخبره فأمر بقتله فقتلوه ، ونفى ابنه فارس إلى المغرب. ونُهبت دورهم (٢).

__________________

(١) أُصول الكافي ١ : ٥١٣ ، باب مولد العسكري عليه‌السلام ، الحديث ٢٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

٤٣٧

وكان بُغا الصغير قد عزم على أن ينحدر إلى سامرّاء سرّاً فيصل إليها ليلاً ، وكان يحمل معه أموالاً يريد أن يصرف بها الأتراك عن المعتزّ عليه. وكان المعتزّ في حياة بُغا يلازم سلاحه لا يخلعه عن نفسه ليلاً ولا نهاراً خوفاً منه ويقول : لا أزال على هذه الحال حتى أعلم هل رأسي لبُغا أو رأسه لي! فإني لأخاف أن ينزل عليَّ بُغا من السماء أو يخرج عليَّ من الأرض! فلمّا حصل على رأسه أحدره إلى بغداد فنُصب على الجسر بها (١) وكان ذلك في آخر ذي القعدة سنة (٢٥٤ ه‍) وبقتل بُغا غلب على المعتزّ صالح بن وصيف الأحمر (٢).

وخاف المعتزّ من محمد بن هارون الواثق الملقّب بالمهتدي ، فاعتقله وحمله إلى بغداد سجيناً (٣).

بل وخاف المعتزّ من وثوب الأتراك عليه فلكي لا يختلس الأتراك أحد العباسيين من أولاد الخلفاء ومن غيرهم ، أشخص من كان منهم بسامرّاء إلى بغداد (٤).

المصريون وأحمد بن طولون :

قال اليعقوبي : كان بمصر أبو صحبة شقير الخادم يتولّى ضياعاً في أقطار مصر والبريد وما يستعمل للسلطان من المتاع ، وكان عامل الخراج بها أحمد بن المدبّر ، فلمّا قدمها أحمد بن طولون أفسد أبو صحبة بصحبته ما بينهما

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٩١ ، ٩٢.

(٢) التنبيه والإشراف : ٣١٦.

(٣) مروج الذهب ٤ : ٩٢.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

٤٣٨

وكتب كل منهما في صاحبه إلى بايكباك الغالب على أمر الخليفة المعتزّ ، فنصر بايكباكُ التركي أحمدَ بن طولون التركيَّ وكتب بعزل ابن المدبّر عن خراج مصر وتوليته لمصري يُدعى محمد بن هلال ، فتولّى هذا الخراج ، وقبض ابن طولون على ابن المدبّر فقيّده وألبسه جبّة صوف وألزم بإيقافه في الشمس ثلاثة أشهر (١)!

وكان ابن طولون عالي الهمّة يستقل بعقول الأتراك وديانتهم ، وهم يثقون به في العظائم ، وتشاغل هو بالخير والصلاح حتى تمكّنت محبّته في القلوب فاستولى على جميع مدن مصر والشام (٢).

أمر يعقوب بن الليث الصفّار :

مرّ صدر خبر علي بن الحسين بن قريش وأنّه تغلّب بجيشه على شيراز بفارس ، قال اليعقوبي : ثمّ قوى أمر يعقوب بن الليث الصفّاري فسار إلى فارس فهزم جيش ابن قريش وأسره ، وتغلّب هو على فارس (٣).

وقال ابن الوردي : إنّ يعقوب بن الليث الصفّار استولى على كرمان ، ثمّ على فارس ودخل شيراز ونادى بالأمان ، ثمّ كتب إلى الخليفة بطاعته مع هدايا جليلة منها مئة فارة مسك وعشرة بزاة بيض (٤)!

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

(٢) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١٤٧ وله آثار خالدة من عمرانه بالمسجد النبوي الشريف منها المنبر الحجري المعروف ولا زال قائماً حتى اليوم.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٤.

(٤) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٢٤.

٤٣٩

موت الجاحظ البصري :

قال ابن الوردي : في المحرم من عام (٢٥٥ ه‍) توفي بالبصرة أبو عمران عمرو بن بحر الجاحظ العينين. كثير التصانيف ، كثير الهزل ، نادر النادرة ، نادَم الخلفاء وأخذ العلم عن النظّام البصري المتكلم ، وكانت له علاقة بمحمد بن عبد الملك الزيات فلمّا قتل المتوكلُ الزيات أُخذ الجاحظ وقيّد ثمّ اطلق. وفي مرضه دخل عليه المبرِّد البصري فسأله : كيف أنت؟ قال : كيف يكون من نصفه مفلوج ولو نُشر ما أحسّ به! ونصفه الآخر منقرس فلو طار به الذباب آلمه ، وقد جاوز التسعين؟! ثمّ أنشد :

أترجو أن تكون وأنت شيخ

كما قد كنت أيامَ الشباب

لقد كذبتك نفسك ، ليس ثوب

دَريس كالجديد من الثياب

وفي مرضه هذا وقد صفّ عند رأسه مجلداته فوقعت عليه فقتلته (١)!

وكان يميل إلى العثمانية ، ومن تأليفاته رسالة «العثمانية» التي نقضها عدّة ، منهم الشيخ أبو جعفر الاسكافي المعتزلي البغدادي ، والمفيد البغدادي ، وابن طاووس الحلّي ، وله «كتاب الحيوان» وغيره (٢).

ابن وصيف يُذلّ المعتزّ! :

قال اليعقوبي : كان أحمد بن إسرائيل الكاتب وزير المعتزّ ، وعلي بن الحسن بن مخلّد صاحب ديوان الضياع ، ومعه علي بن نوح وعيسى بن إبراهيم من أعوان بايكباك التركي الغالب على المعتزّ ، فوثب عليهم صالح بن وصيف

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٢٥.

(٢) هدية الأحباب : ١٣١.

٤٤٠