موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

سنة وعلى وزارته العباس بن الحسن بن أيوب (١) كما كان عليها في أواخر أبيه المكتفي (٢).

ولأربعة أشهر من خلافته توافق جمع من كتّابه وقوّاده على خلعه والبيعة لعبد الله بن المعتز ، منهم الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي ووصيف بن سوار تكين الخزري وعلي بن عيسى ومحمد بن داود الجرّاح ، ومانعهم العباس بن الحسن الوزير ومعه فاتك العضدي فقتلوهما وخلعوا المقتدر وبايعوا ابن المعتزّ لمنتصف ربيع الأول سنة (٢٩٦ ه‍) وأقاموا على ذلك يوماً وليلة.

ثمّ ثار عدة من خواص الغلمان فقتلوا ابن المعتز وكثيراً من أنصاره وشتّتوا سائرهم وأعادوا المقتدر (٣).

ذلك ما ذكره المسعودي ، وقال ابن العبري : أنّ الحسين بن حمدان التغلبي لما غُلب على أمره بخلع المقتدر ، واقتدر أنصاره فأعادوه قاتلهم الحسين بن حمدان عامة النهار وانصرف عنهم آخره ، فلمّا جنّه الليل سار بأهله وماله عن بغداد إلى الموصل. فلمّا رأى ذلك ابن المعتزّ ركب بجمعه إلى الصحراء عسى أن يتبعه من بايعه ، فلمّا لم يلحقه أحد رجعوا واختفوا!

وثار العيّارون والسفلة ببغداد ينهبون الدور ويقتلون ، ووقعت الفتنة والقتل والنهب ببغداد ، حتى خرج المقتدر بعسكره فقبض على جماعة منهم وقتلهم ، فهدأت الفتنة.

ثمّ كتب إلى أبي الهيجاء بن حمدان أخ الحسين بن حمدان يأمره

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٢٠١ و ٢٠٢.

(٢) التنبيه والإشراف : ٣٢٩.

(٣) التنبيه والإشراف : ٣٢٦ ، ٣٢٧.

٥٦١

بطلب أخيه الحسين ، وكان مع الحسين أخوه إبراهيم فأرسله يطلب له الأمان فأُجيب إلى ذلك ، فعاد إلى بغداد وخلع عليه المقتدر وعقد له على قم وكاشان فسار إليهما.

وفي هذه السنة (٢٩٦ ه‍) سقط ببغداد ثلج كثير من بكرة إلى العصر حتى صار إلى أربع أصابع وجمدت المياه والخلّ والبيض ، وهلك النخل وكثير من الأشجار (١).

وأمر المقتدر بأن لا يركب اليهود والنصارى إلّابالإكاف فيعرفوا ، وأن لا يُستخدم أحد منهم (٢).

اتّهام الحلّاج بالحوادث :

قالوا : ولد لرجل يدعى المنصور الحلّاج في بلدة من فارس (شيراز) أسماها العرب (البيضاء) وَلد سمّاه حسيناً في سنة (٢٤٤ ه‍) ثمّ رحل به إلى واسط العراق ، ولمّا بلغ السادسة عشرة من عمره حضر حلقة الصوفي سهل بن عبد الله التستري (م ٢٨٣ ه‍) ثمّ رحل إلى بغداد وحضر حلقة الصوفي الآخر عمرو المكي (م ٢٩٧ ه‍) ثمّ تزوّج وانتقل إلى حلقة الصوفي الآخر جُنيد البغدادي ، وفي سنة (٢٧٠ ه‍) رحل إلى مكة وأقام بها سنة ، ثمّ عاد إلى الأهواز ثمّ رحل إلى طالقان فخراسان ثمّ عاد إلى بغداد وجمع حوله أربعمئة مريد وحجّ بهم! ثمّ بدأ رحلاته إلى خراسان فالأفغان فالهند وكشمير وحتى الصين! ثمّ عاد إلى مكة سنة (٢٩٤ ه‍) فأقام بها مدة عامين ، ثمّ عاد إلى بغداد (٢٩٦ ه‍) وبها بايع جمع

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول : ١٥٥.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤١.

٥٦٢

من القادة لابن المعتز وخلعوا المقتدر واتُّهم ابن الحلّاج أنها كانت بإشارته وإثارته وتدبيره وبلغه ذلك فهرب من بغداد إلى شوش مختفياً.

ولعلّه في رحلته هذه كان ما رواه الطوسي عن الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي : أنّ الحلّاج صار إلى قم ، وكان معه ابن عمه أو ابن عمّته فأَرسله الحلّاج بكتاب إلى بعض قرابة أبي : علي بن الحسين بن بابويه يدعوه إليه ويقول : إنه رسول الإمام ووكيله! وجاء الرجل بالكتاب وحامله إلى أبي : علي بن الحسين بن بابويه وعنده غلمانه وأصحابه فلمّا قرأ الكتاب خرقه وقال لحامله : ما أفرغك للجهالات! وهزأ به وضحكوا منه. ثمّ نهض إلى دكّانه مع جماعة غلمانه وأصحابه.

وكان الحلّاج قد سبقه إلى الدار التي فيها دكان أبي : ابن بابويه وقد جلس مع ناس جالسين هناك ، ولم يكن يعرفه أبي ، فلمّا دخل أبي إلى الدار نهض له من كان هناك غيره ، فلمّا جلس أبي وأخرج دواته ودفتر حسابه سأل بعض من حضره عن الحلّاج ، وسمعه الحلّاج فقال : تسأل عني وأنا حاضر! فقال أبي : أيها الرجل أكبرتك وأعظمت قدرك أن أسألك! فقال : أنا شاهدتك لما خرقت رقعتي! فقال له أبي : فأنت الرجل إذاً! ثمّ نادى غلامه قال : يا غلام جرّه برجله وقفاه! ثمّ قال له : اتدّعي المعجزات! عليك لعنة الله! وأخرجه الغلام من قفاه ، فما رأيناه بعدها بقم (١) فعاد إلى بغداد ، وفيها كان ما رواه قبله عن هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب قال : كان لأبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي في أنفس الناس قدر ومحل من العلم والأدب ، فراسله الحلّاج يقول له في مراسلته إياه : «إنّي وكيل صاحب الزمان وقد امرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من نصرتك لتقوى نفسك ولا ترتاب في هذا الأمر»!

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، الحديث ٣٧٧.

٥٦٣

فأرسل إليه أبو سهل يقول له : إني أسألك أمراً يسيراً يسهل مثله عليك في جَنب ما ظهر على يديك من البراهين والدلائل! وهو أني رجل أُحبّ الجواري وأصبوا إليهن ، ولي منهن عدة أتحظّاهن ، والشيب يبعدني عنهن ويبغّضني إليهن ، واحتاج أن اخضّبه في كل جمعة ، وأتحمّل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك ، وإلّا انكشف أمري عندهن ، فيصير القرب بعداً والوصل هَجراً ، وأُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤونته وتجعل لحيتي سوداء فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك ، مع مالي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.

فلما سمع ذلك الحلّاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته والخروج إليه بمذهبه ، فأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً.

وأما أبو سهل النوبختي فقد صيّرها أُحدوثة وضحكة ، وشهر أمره عند الكبير والصغير ، وأخذ يطنّز به عند كل أحد ، حتى كان هذا الفعل سبباً لكشف أمر الحلّاج وتنفير الجماعة عنه (١).

وعن ابن النديم عن عبيد الله بن أبي طاهر : أنّ الحسين الحلّاج كان رجلاً محتالاً مشعوذاً ، يتعاطى مذاهب الصوفية ويتحلّى بألفاظهم ، ويدّعي كل علم وهو صفر فيه ، وإنما كان يعرف شيئاً من صناعة الكيمياء. وكان جاهلاً مقداماً متهوّراً جسوراً على السلاطين مرتكباً للعظائم ، يروم انقلاب الدول ، ويُظهر لهم مذاهب الشيعة وللعامة مذاهب الصوفية. وفي تضاعيف ذلك يدّعى أنّ الأُلوهية قد حلّت فيه. بل يدّعي عند أصحابه الأُلوهية وأنه هو هو (٢)!

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٤٠١ ، الحديث ٣٧٦.

(٢) الفهرست لابن النديم ، وعنه في هدية الأحباب للقمي : ١٤٢ ، ١٤٣.

٥٦٤

وقال ابن العبري : كان الحسين الحلّاج قدم من خراسان إلى العراق ، ثمّ سار إلى مكة فأقام سنة في حجر إسماعيل عليه‌السلام لا يستظلّ تحت سقف صيفاً ولا شتاءً! ورُئي صيفاً على جبل أبي قبس على صخرة حافياً حاسراً مكشوف الرأس والعرق يجري منه على الأرض!

ثمّ عاد الحلّاج إلى بغداد ، وكان ابتداء حاله أنه كان يُظهر الزهد ويُظهر الكرامات ، قيل : إنه حرك يده يوماً على قوم فانتثر عليهم دراهم على الوجه الرائج ، فقال له بعض من تفهّم أمره : أرى دراهم معروفة معمولة ، أما أنا وخلق معي فسنؤمن بك إن نثرت علينا درهماً عليه اسمك واسم أبيك!

فقال : كيف وهذا لم يصنع بعد؟! فقال له : إنّ من يحضر ما ليس بحاضر يصنع ما ليس بمصنوع! فانقطع الحلّاج.

ومع ذلك افتتن به خلق كثير اعتقدوا فيه الربوبية بل الحلول ، وقال قومٌ : هو رجل محتال مشعبذ يتعاطى مذاهب الصوفية ، ومع ذلك يدّعي أحياناً : أنّ الأُلوهية قد حلّت فيه فهو هو!

ثمّ نُقل عنه إلى الوزير (حامد؟) أنه أحيا أمواتاً! فاستحضره الوزير وسأله عن ذلك فقال : أعوذ بالله أن أدّعي الربوبية أو النبوة بل إنما أنا أعبد الله! فلم يتمكّن الوزير من قتله (١) بل حبسه.

وقال ابن الوردي : قدم من خراسان إلى العراق ثمّ إلى مكة فأقام سنة في حجر إسماعيل عليه‌السلام صائماً يفطر بثلاث عضّات من خبز وشربة ماء! ثمّ عاد إلى بغداد صوفيّاً من الزّهاد ، يُخرج للناس في الصيف فاكهة الشتاء وفي الشتاء

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول : ١٥٦.

٥٦٥

فاكهة الصيف! ويمدّ يده في الهواء فيعيدها وفيها دراهم مكتوب عليها : قل هو الله أحد ، ويسمّيها دراهم القدرة. ويخبر الناس بما يأكلون وما يدّخرون بل وما يُضمرون! فاعتقد قوم فيه بالحلول! وقال قوم : هو وليّ الله! وقيل : بل هو مشعبذ بل ساحر ماهر (١) فحبسوه.

ظهور المهدي الفاطمي ، وأخبار أُخر :

وفي هذه السنة (٢٩٦ ه‍) تغلّب المهدي (الاسماعيلي) بالمغرب على أمير افريقية زيادة الله بن الأغلب ، فهرب هذا منها إلى مصر ثمّ العراق ، فخرجت المغرب عن أمر بني العباس يومئذٍ ، ودعي بالخلافة فيها للمهدي (الاسماعيلي) وسُلّم عليه بالإمامة ، وتمهّدت له المغرب وعظم ملكه وبنى بلدة (المهدية) وبسط في الناس العدل والإحسان فمالوا إليه (٢).

وذكر ابن الوردي قال : على عهد زيادة الله بن عبد الله قوى أمر أبي عبد الله الشيعي (الاسماعيلي) القائم بدعوة الدولة الفاطمية بالمغرب ، فأرسل إليه زيادة الله عسكره أربعين ألفاً مع بني عمّه ، فهزمهم الشيعي (الاسماعيلي) فضعف زيادة الله ولجأ إلى النوشري عامل العباسيين على مصر ، فكتب النوشري بأمره إلى المقتدر ، فكتب المقتدر إليه بإمداد زيادة الله بالأموال والعساكر ، فماطله النوشري حتى مرض وسقط شعر لحيته وأيس من النوشري حتى تفرق أصحابه عنه ، فسار إلى القدس ومات في الرملة فدفن بها (٣).

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤٧.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤١.

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤١.

٥٦٦

الجرّاح والنوبختي والعقيقي :

في سنة (٢٩٨ ه‍) بمصر كادت ضيعة لعلي بن أحمد العقيقي أن تضيع من حقّه ، وكأنّه لم ير لحاجته قضاءً إلّالدى علي بن عيسى الجرّاح وزير المقتدر ببغداد ، فرحل إلى بغداد وعاد مقضيّ المرام إلى مصر ، وفي بلدة نصيبين بشمال العراق في طريقه إلى مصر ، التقى بالحسن بن محمد العلوي فحكى له أمره قال : ذهبت إلى الوزير الجرّاح وسألته حاجتي بشأن ضيعتي بمصر ، فقال لي الوزير : إن أهل بيتك كثير فإن ذهبنا نعطي كل ما سألونا طال ذلك! قال : فغضبتُ وقلت له : فإنّي أذهب لأسأل من يكون قضاء حاجتي على يده! فقال الوزير : ومَن هو؟ قلت : الله عزوجل! وخرجت وأنا أقول : في الله درك من كل فائت وعزاء من كل هالك ، وانصرفت.

وجاءني رسول من قبل الحسين بن روح فشكوت إليه شكايتي ، فذهب وجاءني بمنديل فيه أكفان وحنوط ومئة درهم عدداً ووزناً وقال لي : إنّ مولاي يُقرئك السلام ويقول لك : إنّ هذا منديل مولاك عليه‌السلام فإذا أهمّك أمر أو غمّ فامسح وجهك بهذا المنديل ، وخذ هذه الدراهم وهذه الأكفان وهذا الحنوط ، وستُقضى حاجتك هذه الليلة ، فإذا عُدت إلى مصر يكون قد مات قبلك محمد بن إسماعيل (؟) بعشرة أيام ، ثمّ تموت أنت بعده فيكون هذا كفنك وهذا حنوطك وجهازك! وانصرف الرسول.

وإذا بالباب يُدق وعليه المشاعل ، وكان معي غلامي «خير» فقلت له : يا خير ، انظر مَن هو ذا؟ فعاد وقال : هذا غلام حُميد بن محمد الكاتب ابن عمّ الوزير الجرّاح ، ثمّ أدخله عليَّ فقال لي : يقول لك مولاي حُميد الكاتب : اركب إليّ فقد طلبك الوزير! فركبت فأخذ بي وفُتحت لنا دروب الشوارع إلى شارع الرزّازين فإذا بحُميد ينتظرني فلما رآني ركب وأخذني حتى أدخلني على الوزير الجرّاح فقال لي : يا شيخ ، قد قضى الله حاجتك واعتذر إليّ ودفع إليّ كتاباً مختوماً (بشأن حاجتي في ضيعتي) فأخذته وخرجتُ من عنده.

٥٦٧

قال الراوي الحسن بن محمد العلوي : حدثني علي بن أحمد العقيقي بهذا في نصيبين في طريقه إلى مصر ، ثمّ خرج إلى مصر وأخذ ضيعته بكتاب الوزير الجرّاح ، وكان قد مات قبله بعشرة أيام محمد بن إسماعيل (؟) ثمّ توفي العقيقي فكفّن في الأكفان التي دُفعت إليه (١).

مناوشات الروم والمسلمين :

في سنة (٢٩٨ ه‍) هجم الروم بمراكبهم إلى ساحل الشام وحاصروا حصن القبة قبل اللاذقية طويلاً ولم يغثهم من المسلمين أحد ، فافتتحها الروم ، ثمّ افتتحوا بلدة اللاذقية وسبوا منها خلقاً كثيراً.

وكانت مناوشات الروم قبلها برّية ، فلمّا قدموا هذه المرة بحراً كان المظنون أنّ أهل جزيرة قبرص قد أعانوهم ، وقد كان في العهد معهم صدر الإسلام : أن لا يعينوا الروم على المسلمين ولا المسلمين على الروم ، وكان من المسلمين على الغزو بالبحر الرومي (الأبيض المتوسط) رجل يدعى دمنانة ، فغزا دمنانة في مراكب المسلمين جزيرة قبرص وأقام بها أربعة أشهر يفتح حصونها ويحرق ويسبي منهم في سنة (٢٩٩ ه‍).

وفي شهر رمضان من هذه السنة هبّت في الكوفة ريح سوداء مظلمة وهطلت ثلوج وبَرد بثقل رطل بالبغدادي ، وكان فيها رجفة وزلزلة عظيمة انهدم بها كثير من بنيان المنازل فهلك بها خلق كثير من الناس (٢).

__________________

(١) كمال الدين : ٥٠٥ و ٥٠٦ ، الحديث ٣٦ باب التوقيعات ، وفي الخبر ما يظهر منه أن هذا الإكرام له كان لمكان عمةٍ له كانت في بيت النوبختي.

(٢) مروج الذهب ٤ : ٢١٨.

٥٦٨

دفاع العلويين عن قبر علي عليه‌السلام :

كان في وسط المسجد الجامع بالكوفة موضع كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يجلس فيه للقضاء ، فعمد أبو الحسن علي بن إبراهيم العلوي إليه فبنى عليه بناءً ، فأنكره العباسيون وهدموه ، ثمّ صاروا إلى قبر أمير المؤمنين يريدون هدمه! وثلموا حائطه! فخرج إليهم الطالبيون فقاتلوهم ، فقُتل رجل من العباسيين ورجل من الطالبيين.

فحينئذٍ عمد عاملهم على الكوفة ورقاء بن محمد بن ورقاء (الخزاعي) إلى جماعة من الطالبيين فحملهم وحُرمهم وأولادهم مقيّدين إلى بغداد ليُشهروا ثمّ يُحبسوا! فصادف ورودهم وزارة أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات ، فأحسن إليهم وخلّى سبيلهم (١) في أواخر عام (٢٩٩ ه‍) (٢).

وفي سنة (٣٠٠ ه‍) ظهر بالشام محسن بن جعفر (الكذّاب) بن علي ابن الرضا وجمع إليه جمعاً وواقع بهم عامل العباسيين أحمد بن كيغلغ فقاتله فقتله في المعركة أو صبراً وحمل رأسه إلى بغداد فنصب على غربي الجسر الجديد (٣).

بداية الخلافة الفاطمية :

وبدأ ملك العلويين (الفاطميين الاسماعيليين) بافريقية ومصر ، أوّلهم :

عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٤٩.

(٢) مروج الذهب ٤ : ٢١٣.

(٣) المصدر السابق : ٢١٧ ، وقارن بمقاتل الطالبيين : ٤٤٩.

(٤) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤١ ، ٢٤٢.

٥٦٩

وفي (٣٠١ ه‍) سار المهدي الفاطمي في قبائل البربر أربعين ألفاً إلى الاسكندرية من مصر فقتل فيها وأفسد ثمّ خرج منها إلى بَرقة فسار إليه الجيش العباسي فجرت بينهم حروب حتى انهزم العباسيون ، فملك الفاطمي الاسكندرية والفيّوم في هذا العام (١).

وكان جيش المهدي الفاطمي مع ابنه أبي القاسم ، فبعث المقتدر إليهم جيشاً فأجلاهم فعادوا.

وفي (٣٠٢ ه‍) أرسل المهدي العلوي جيشاً من البحر إلى الاسكندرية ، فأرسل المقتدر جيشاً مع يونس الخادم ، فاقتتلوا خارج الاسكندرية أربع مرات وقُتل بينهم خلق حتى انهزم المغاربة وعادوا إلى بلادهم.

وفي هذه الحال كان كبير القرامطة أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي مستولياً على سائر بلاد البحرين إلى الأحساء والقطيف وهجر ، دخل الحمّام ومعه خادم له صقلي فقتل مولاه ، ثمّ استدعى بلسانه أحد كبرائهم فقتله ، ثمّ استدعى آخر منهم فقتله ، ثمّ استدعى آخر فقتله حتى قتل أربعة منهم ثمّ علموا به فقتلوه ، وتغلّب بعده ابنه الثاني أبو طاهر سليمان (٢) ولم يُعلم بين الاسماعيلية وهؤلاء القرامطة أيّة رابطة.

ظهور الأُطروش العلوي :

وفي بلاد الديلم وطبرستان ظهر الحسن بن علي العلوي الأُطروش ، وأخرج منها العباسيين سنة (٣٠١ ه‍) وكان ذا فهم وعلم ومعرفة بالآراء ، والنحل ،

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤٢.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤٥.

٥٧٠

وأقام في بلاد الديلم والجيل سنين وأكثرهم على الجاهلية والمجوسية ، فدعاهم إلى الإسلام فاستجابوا له وأسلموا ، فبنى لهم في بلادهم المساجد (١).

وقال السيوطي : في سنة (٣٠٢ ه‍) أسلم الديلم على يد الحسن بن علي الأُطروش ، وكانوا مجوساً.

قال : وفي هذه السنة ولي وزارة المقتدر علي بن عيسى الجرّاح ، فأبطل عن الناس من المكوس ما يعادل في العام خمسمئة ألف دينار! وأبطل الخمور! وسار بالتقوى والعدل والعفّة.

وركب المقتدر فظهر للناس لأول مرة من قصره إلى الشماسية ببغداد ، فختن خمسة من أبنائه وحشر معهم طائفة من الأيتام وأحسن إليهم ، فغرم على ذلك ستمئة ألف دينار (٢).

دخول النسأي إلى الشام وقتله :

قال ابن الوردي : في سنة (٣٠٣ ه‍) دخل أحمد بن علي النسأي إلى دمشق فامتُحن في معاوية! طُلب منه أن يروى شيئاً من فضائله فقال : ما يرضى معاوية أن يكون رأساً برأس حتى يُفضَّل؟! فأوقعوا به مكروهاً؟! فحُمل إلى مكة وتوفي بها في هذه السنة ودفن في المَسعى ، وهو صاحب كتاب السنن إمام حافظ محدّث (٣) وكتابه في السنن أحد الصحاح الستّ. حكى : أنه لما أتى دمشق وكتب كتاب «خصائص أمير المؤمنين» قيل له : لِمَ لا صنّفت في فضائل الشيخين؟! فقال : دخلت دمشق فوجدت الكثير بها منحرفاً عن علي عليه‌السلام فصنّفت كتاب

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٣١٧.

(٢) تاريخ السيوطي : ٤٤٢.

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤٥.

٥٧١

الخصائص رجاء أن يهديهم الله تعالى به! فدفعوا في خصييه حتى أخرجوه من المسجد! ثمّ ما زالوا به حتى أخرجوه من دمشق! فرحل إلى الرملة من فلسطين محمولاً مريضاً حتى توفي فيها فدفن بها. أو حُمل إلى مكة فتوفي فيها ودفن بها سنة (٣٠٣ ه‍) (١).

وخروج ابن حمدان بالعصيان :

في سنة (٣٠٣ ه‍) كان الحسين بن حمدان التغلبي غالباً على أرض الجزيرة في شمال العراق إلى ثغور الشام على طاعة المقتدر فخرج عن طاعته ، فجهّز وزيره القائد رائق الكبير في جيش وسيّره إليه ، حتى التقيا واقتتلا قتالاً شديداً حتى انهزم رائق وسواده ، فاستدركه مؤنس الخادم بعسكر أكثر ، وخافه الحسين الحمداني وعسكره فتفرقوا عنه ورحل هو بأهله وأولاده إلى أرمينية ، وأدركه جيش مونس فأسروه وعادوا به إلى بغداد فحُبس بها إلى سنة (٣٠٥ ه‍) حيث اطلق فيها أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته (ومنهم الحسين) وأهل بيته (٢).

نهاية نيابة النائب الثاني :

يظهر من الخبر التالي أنه بعد (٣٠٠ ه‍) بدأ النائب الثاني الشيخ محمد بن عثمان العمري يأمر بعض من يحمل إليه مالاً أن يحمله إلى صاحبه أبي القاسم الحسين بن روح القمي (٣) النوبختي (من قِبل أُمه).

__________________

(١) هدية الأحباب : ٢٧٢ وقال : ونَسأ بفتح النون اسم بلدة بين أبيورد وسرَخس من خراسان.

(٢) تاريخ مختصر الدول : ١٥٥ و ١٥٦.

(٣) اختيار معرفة الرجال : ٥٥٧ ، الحديث ١٠٥٢.

٥٧٢

روى الصدوق عن محمد بن علي الأسود القمي قال : كنت أحمل الأموال التي تحصل من باب الوقف إلى أبي جعفر العمري ، وقبل موته بثلاث سنين أو سنتين حملت إليه شيئاً من الأموال فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي ، فحملته إليه وطالبته بالقبض ، فشكى ذلك إلى أبي جعفر فأمرني أن لا اطالبه وقال : كلّ ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليّ (١).

وأسند الطوسي عن جعفر بن محمد المدائني البغدادي : أنه حمل إلى الشيخ محمد العمري أربعمئة دينار ، فقال له : امض بها إلى الحسين بن روح .. وقال له : فقد أقمت أبا القاسم مقامي ونصبته منصبي ، فقم عافاك الله كما أقول لك (٢).

هذا وقد كان له من يتصرّف عنه ببغداد عشرة أنفس ، كلّهم كان أخصّ به من أبي القاسم بن روح ، ولكنه وقع الاختيار عليه والوصية إليه. حتى أنّ كثيراً من الشيعة ببغداد كانوا لا يشكّون أنه إن حدث بأبي جعفر العمري حدث فلا يقوم مقامه إلّاجعفر بن أحمد بن متّيل أو أبوه ، لمّا رأوا فيهما من الخصوصية به وكثرة تواجده في منزله وكان طعامه في منزل جعفر وأبيه (٣).

وحدّث هبة الله بن محمد عن علي بن أحمد الدلّال القمي قال : دخلت يوماً على أبي جعفر محمد بن عثمان فرأيته قد أحضر نقّاشاً ينقش له على خشبة ساجة آيات من القرآن الكريم ، وعلى حواشيها أسماء الأئمة عليهم‌السلام.

قال علي بن أحمد : فقلت له : يا سيّدي! ما هذه الساجة؟ قال : هذه لقبري تكون فيه فاوضع عليها ، وقد فرغت من القبر ، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ

__________________

(١) كمال الدين : ٥٠١ ، الحديث ٢٨.

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٦٨ ، الحديث ٣٣٥.

(٣) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٦٩ ، الحديث ٣٣٦ و ٣٣٧.

٥٧٣

جزءاً من القرآن فيه ثمّ أصعد. ثمّ أخذ بيدي وأرانيه. قال : فإذا كان يوم كذا من شهر كذا صرت إلى الله عزوجل.

وقال محمد بن علي بن الأسود القمي : أنّ أبا جعفر العمري كان قد حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج ، فسألته عن ذلك فقال : قد امرت أن أجمع أمري ، فمات بعد ذلك بشهرين (١).

وفي هذين الشهرين قبل وفاته في آخر جمادى الأُولى ، لمّا مرض واشتدت حاله جمع إليه جماعة من وجوه الشيعة منهم : أبو علي محمد بن همّام ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو عبد الله بن الوجناء وأبو عبد الله الباقطاني وأبو عبد الله بن محمد الكاتب وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فلمّا دخلوا عليه قالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم :

إن حدث عليَّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد امرت أن أجعله في موضعي بعدي .. فهذا أبو القاسم هو القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه‌السلام ، والوكيل له والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في أُموركم وعوّلوا عليه في مهمّاتكم فبذلك أُمرت ، وقد بلّغت (٢).

ولمّا حضرته الوفاة كان جعفر بن أحمد بن متّيل القمي جالساً عند رأسه يسأله ويحدّثه ، وأبو القاسم بن روح عند رجليه ، وكأنّ جعفر بن متّيل لم يكن قد اطّلع على وصية أبي جعفر إلى أبي القاسم ، فالتفت أبو جعفر إليه وقال له : أُمرت أن أُوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال جعفر بن متّيل : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه (٣).

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٦٥ ، الحديث ٣٣٢ ، و ٣٦٦ ، الحديث ٣٣٤.

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٧١ ، الحديث ٣٤١ و ٣٤٢.

(٣) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٧٠ ، الحديث ٣٣٩.

٥٧٤

ثمّ توفى أبو جعفر العَمري ، وكان قد دفن والدته في بيته وحفر لنفسه عندها في منزله وداره في شارع باب الكوفة ، فدفن هناك (١) في آخر جمادى الأُولى عام (٣٠٥ ه‍) كما مرّ.

بداية نيابة النائب الثالث :

روى الطوسي عن هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب عن جدّته لأُمّه أُم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت : كان أبو القاسم الحسين بن روح وكيلاً لأبي أبي جعفر ، سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ، ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً ، ويصل إليه من رؤساء الشيعة ومن وزرائهم مثل آل الفرات وغيرهم صلات وعطايا ، لجاهه ولموضعه وجلالة محلّه عندهم ، فحلّ في أنفس الشيعة محلاً جليلاً ، لمعرفتهم باختصاص أبي إيّاه وتوثيقه عندهم ، ونشره فضله ودينه ، وما كان يحتمله من هذا الأمر. فمُهّدت له الحال في طول حياة أبي ، إلى أن انتهت الوصية إليه بنصّه عليه ، فلم يُختلف في أمره ولم يشك إلّاجاهل بأمر أبي ولست أعلم أنّ أحداً من الشيعة شكّ فيه (٢).

نعم ، نقل المفيد عن محمد بن أحمد الصفواني الآذربايجاني قال : كان في سنة (٣٠٧ ه‍) في بغداد ، ووافاها الحسن بن علي الوجناء النصيبي ومعه محمد بن الفضل الموصلي ، وكان رجلاً شيعيّاً يقرّ بوكالة العمريَّين الأب والابن ويتوقف عليه وينكر وكالة أبي القاسم بن روح ويقول في الأموال التي توصل إليه أنها تُخرج إلى غير موردها! ويقول له الحسن بن الوجناء : يا ذا الرجل! اتقِ الله ،

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٦٦ ذيل الحديث ٣٣٤ وقال : وهو الآن في وسط الصحراء!

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٧٢ ، الحديث ٣٤٣.

٥٧٥

فإنّ وكالة أبي القاسم كوكالة أبي جعفر العمري .. فقال الموصلي : من لي بصحة ما تقول في وكالة الحسين بن روح؟ فاتّفق الحسن بن الوجناء مع الموصلي على شيء بينهما ، ثمّ تناول منه دفتر حساباته وقطع منه نصف ورقة كان فيه بياض ، وتناول منه القلم وجعل يكتب ما اتّفقا عليه في تلك الورقة بذلك القلم بلا مداد! حتى ملأ الورقة ، ثمّ ختمه. وكان مع الموصلي شيخ أسود يخدمه. فأعطاه الحسن الورقة البيضاء المختومة! لينفذها إلى أبي القاسم الحسين بن روح.

وحضرت صلاة الظهر فصلينا هناك ، ورجع الشيخ الأسود الرسول فقال : قال لي : امضِ فإنّ الجواب يجيء. وقُدّمت المائدة ، فنحن في الأكل إذ ورد الجواب في تلك الورقة مكتوباً بمداد! فلمّا قرأه الموصلي موافقاً لما اتفق عليه مع الحسن بن الوجناء خجل من موقفه فلطم وجهه ندماً ، وطلب من ابن الوجناء أن يأخذه إلى الشيخ النوبختي فأخذه معه إليه ، فلمّا دخل عليه أخذ يبكي لديه ويقول له : يا سيدي أقلني أقالك الله! وقال له الشيخ : يغفر الله لنا ولك إن شاء الله (١).

مولد الصدوق بدعاء الحجّة (عجل الله تعالى فرجه):

كان من فقهاء قم يومئذ الشيخ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، وكأنّه بعد وفاة الشيخ محمد العمري وأوائل توكيل النوبختي أراد أن يتبيّن الأمر بنفسه ، فقدم إلى بغداد واجتمع مع الشيخ النوبختي وسأله مسائله (٢).

__________________

(١) المصدر السابق : ٣١٥ ـ ٣١٧ ، الحديث ٢٤١.

(٢) رجال النجاشي : ٢٦١ برقم ٦٨٤.

٥٧٦

وكان للشيخ أحمد بن علي السيرافي البصري من كتبه : كتاب أخبار الوكلاء الأربعة (١) فنقل الطوسي عنه عن ابن سورة عن ابن الدلّال وابن الصائغ القمّيين : أنّ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كان قد تزوّج بابنة عمّه محمد بن موسى ، فلم يُرزق منها ولداً (فلمّا توفي الشيخ العمري وتوكَّل النوبختي) كتب إليه يسأله أن يسأل الحجة أن يدعو له الله أن يرزقه أولاداً فقهاء! فجاءه الجواب : «إنّك لا تُرزق من هذه! وستملك جارية ديلمية وتُرزق منها ولدين فقيهين» فرُزق محمداً (الصدوق) والحسن والحسين ، فأصبح محمد والحسين فقيهين ماهرين ، والحسن الأوسط كان عابداً زاهداً منحازاً عن الناس (٢).

أما الصدوق نفسه فاكتفى بالحديث عن محمد بن علي الأسود القمي قال : بعد موت محمد العمري سألني (أبوك) علي بن الحسين بن موسى بن بابويه : أن أسأل أبا القاسم الروحيّ أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام أن يدعو له الله عزوجل أن يرزقه ولداً ذكراً! (وليس أولاداً فقهاء) قال الأسود القمي : فسألت (الشيخ النوبختي) فأنهى ذلك (إلى الحجّة) وبعد ثلاثة أيام أخبرني : أنّه عليه‌السلام قد دعا لعليّ بن الحسين ، وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به ، وبعده أولاد! قال : فولد لعليّ بن الحسين (أنت وبعدك أولاده إخوانك).

قال الأسود القمي : وكنت سألته لنفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً! فأجابني : ليس إلى هذا سبيل! فوُلد لابن بابويه ولم يولد لي (٣).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٦ برقم ٢٠٩ وهو شيخ النجاشي.

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، الحديث ٢٦١ عن كتاب أخبار الوكلاء الأربعة للسيرافي البصري.

(٣) كمال الدين : ٥٠٢ ، الحديث ٣١ ، باب التوقيعات.

٥٧٧

ولذا قال المحقق الرباني في ترجمة الصدوق : لم يعيّن أحد ممن ترجم له سنة ولادته ، فلا نعلمها على التحقيق ، ولكن الذي يستفاد من أخباره والنجاشي والطوسي : أنها كانت بعد وفاة الشيخ العمري الثاني سنة (٣٠٥ ه‍) في أوائل سفارة الثالث : ابن روح النوبختي (١).

تبادل الأسرى والتهدئة مع الروم :

وفي سنة (٣٠٥ ه‍) وصل رسولان من ملك الروم (؟) إلى بغداد يطلبان الهدنة وفداء الأُسراء ، فاكرما وادخلا إلى الوزير (علي بن محمد بن الفرات في وزارته الثانية) وهو على أتمّ هيئته ، فأدّيا إليه الرسالة. ثمّ ادخلا إلى المقتدر وقد اصطفّت الأجناد بالسلاح والعتاد والزينة التامة ، فأدّيا إليه الرسالة. فأجابهما المقتدر إلى ما طلب منه ملك الروم (؟) من فداء الأُسراء (والهدنة) وسيّر معهما مؤنس الخادم بمئة وعشرين ألف دينار لفداء الأُسراء المسلمين (٢).

وفصّل ابن الوردي قال : اصطفّ الجنود بالأسلحة وأنواع الزينة مئة وستون ألفاً! ما بين خيّالة ورجّالة ، وأُوقف الغلمان بالمناطق والأحزمة المحلّاة بالزينة ، وأُوقف الخدّام الخصيان كذلك أربعة آلاف خادم أبيض وثلاثة آلاف خادم أسود! وأُوقف الحُجّاب وهم سبعمئة! وسُيّرت المراكب في دجلة بأعظم زينة! وزُيّنت دار الخلافة باثني عشر ألف وخمسمئة ديباج مذهّب ، واثنين وعشرين ألف بساط ، ومئة سبع مع كل سبع سبّاع!

وكان من الزينة شجرة من ذهب وفضَّة لها ثمانية عشر غصناً ، وأوراقها

__________________

(١) مقدمة معاني الأخبار : ٧٣.

(٢) تاريخ مختصر الدول : ١٥٥ ، ١٥٦.

٥٧٨

من الذهب والفضة ، وعليها طيور وعصافير من الذهب والفضة ، وهي تتمايل بها بحركات موضوعة ، والعصافير تصفّر بحركات مرتّبة!

فشاهد الرسل ما يطول شرحه من العظمة! ولمّا احضر الرسولان بين يدي المقتدر كان الوزير (ابن الفرات) يبلِّغ كلامهما إلى الخليفة ويردّ الجواب عن الخليفة عليهما (١).

وتبرّعت ام المقتدر ببناء (البيمارستان / المستشفى) وافتتحته هذه السنة (٣٠٥ ه‍) فكانت تنفق عليه في العام سبعة آلاف دينار (٢) ويديره محمد بن زكريا الرازي (٣).

ثمّ وقعت الفتنة ببغداد :

في أواخر جمادى الأُولى من أوائل سنة (٣٠٦ ه‍) خُلع علي بن محمد بن الفرات من وزارته الثانية ، وكان الوزير الأسبق علي بن عيسى الجرّاح محبوساً فاطلق وفُوّضت الأُمور إليه (٤) وفُوّضت الشرطة إلى يجح الطولوني (التركي) فاستعمل الفقهاء على الشرطة ببغداد يعملون بفتاواهم ، على أرباع بغداد ، فضعفت هيبة السلطنة وطمع العيّارون حتى جعلوا يأخذون في الطرق ثياب الناس (٥).

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤٦ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤٣.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤٣.

(٣) تاريخ مختصر الدول : ١٥٨ وستأتي ترجمته.

(٤) مروج الذهب ٤ : ٢١٤.

(٥) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٤٦.

٥٧٩

وآل الأمر أنّ امّ المقتدر أمرت قهرمانتها ثمل أن تجلس أيام الجمعات للمظالم وتنظر في رقاع الناس ، فكانت تجلس وتستحضر القضاة والأعيان ، وتصدّر الأوامر بخطّها وتوقيعها.

وانتهى الأمر إلى أن غلت الأسعار ببغداد وأصاب الناس مجاعة عامة ، وتجدّدت المظالم وفتح الناس السجون وأحرقوا المحابس فنهبوا الناس واختلَّت أحوال الدولة العباسية جداً حتى ركب الجند والوزير فرجمهم العامة وقاتلوهم ودام القتال أياماً (١) عام (٣٠٨ ه‍).

قتل الحسين الحلّاج :

في سنة (٣٠٩ ه‍) كان على الوزارة حامد بن العباس ، وكان الحلّاج في الحبس ، وأراد الوزير قتله فلم يتمكّن من ذلك حتى رأى له كتاباً فيه : إنّ الإنسان إذا أراد الحجّ ولم يمكنه ، أفرد من داره بيتاً طاهراً ، فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله وفعل ما يفعل الحجّاج بمكة! ثمّ يطعم ثلاثين يتيماً ويكسوهم ويعطى كل واحد منهم سبعة دراهم ، فإنه يكون حاجّاً!

فأحضر الوزير وجوه الفقهاء والقضاة واستفتاهم فيه ، فكتبوا بإباحة دمه ، فسلّموا الوزير إلى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط ، فما تأوّه لها ، ثمّ قطع يده ثمّ رجله ثمّ رجله الأُخرى ثمّ يده ثمّ قتل واحرق جسده والقي رماده في دجلة ، ونُصب رأسه ببغداد (٢).

وقال ابن الوردي : التمس الوزير حامد بن العباس من المقتدر أن يسلّم

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٤٣.

(٢) تاريخ مختصر الدول : ١٥٦.

٥٨٠