موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

وكانت الأتراك تؤذي العوام بمدينة السلام بجريها الخيول في الأسواق وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك ، فكان أهل بغداد ربّما ثاروا على بعضهم فقتلوه عند صدمه لامرأة أو شيخ كبير أو صبيّ أو ضرير.

فعزم المعتصم على أن ينتقل منهم إلى فضاء من الأرض.

فنزل البراذان على أربعة فراسخ من بغداد ، فلم يستطب هواءها.

حتّى انتهى إلى الموضع المعروف بالقاطول عند قرية بهذا الاسم للنبَط والجرامقة على نهر بهذا الاسم من فروع دجلة ، واستطاب الموضع ، فبنى هناك قصراً ، وبنى الناس ، وانتقلوا من مدينة السلام وخلت من السكان إلّااليسير! ولكنهم تأذّوا بالبناء لصلابة الأرض وبرد الموضع ، فخرج المعتصم يتحرّى موضعاً آخر (١)!

وفي اليعقوبي : اختطّ موضع المدينة ، وأقطع الناس الإقطاعات ، وجدّ في البناء حتّى بنى الناس القصور والدور وقامت الأسواق ، وذلك في ذي القعدة سنة (٢٢٠ ه‍) ثمّ ارتحل منها (٢).

المعتصم وبناء سامراء :

قال المسعودي : ولمّا تأذّى المعتصم بالموضع وتعذّر البناء فيه خرج يتقرّى المواضع ، فانتهى إلى موضع كان فيه دير عادى (قديم) للنصارى ، فسألهم عن اسم الموضع فقالوا : سامرّا وأنّ في كتبهم هي سام اورا أي مدينة سام بن نوح!

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٢.

٣٠١

فأقام المعتصم هناك ثلاثة أيام يتصيد ، فوجد شهيّة زائدة للطعام ، رآها من تأثير التربة والماء والهواء ، فالأرض صحيحة والهواء طيب والفضاء واسع تسافى فيه الأبصار ، فاستطاب الموضع ودعا بأهل الدير فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار.

وارتاد لبناء قصره موضعاً عرف بالوزيرية فأسّس بنيانه فيه ، وأحضر له العمال والصّناع وأهل المهن من سائر الأمصار ، ونقل إليها من سائر البقاع أنواع الأشجار والغروس. وجعل للأتراك قطائع متحيّزة ، ثمّ جاورهم بالأشروشية وأهل فرغانة وغيرها من مدن خراسان على قدر اقترابهم في بلادهم! واختُطّت الخطط واقتُطعت القطائع والشوارع والدروب ، وأُفرد أهل كل صنعة بسوق ، وكذلك التجار! وأُجريت المياه من دجلة ، وكذا استُنبطت بالآبار ، فبنى الناس وارتفع البناء وشُيّدت القصور والدور وكثرت العمارة.

وتسامع الناس أنّها اتّخذت دار الملك فقصدوها وأجهزوا إليها أنواع الأمتعة ، وكثر العيش واتّسع الرزق والخصب. وكان بدء ذلك سنة (٢٢١ ه‍) (١).

وفي اليعقوبي : حُفرت الأنهار في شرقي دجلة ، ونصبت الدوالي والدواليب عليها ، وحمل إليها الناس من كل بلد ، وأمرهم أن يعمروها عمارة بلدهم. وحمل إليها قوماً من أرض مصر يعملون القرطاس فعملوها بأدون من جودتها (٢).

وعُرفت سامرّاء باسم العسكر ، والعسكر بالأتراك ، وقال السيوطي : بلغوا بضعة عشر ألفاً! فهجاهم دعبل الخزاعي وفرّ إلى مصر ثمّ غاب في المغرب :

ملوك بني العباس في الكتب سبعة

ولم يأتنا في ثامن منهم الكتبُ

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة

غداة ثووا فيه ، وثامنهم كلب!

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٣.

٣٠٢

وإني لأزهى كلبهم عنك رغبة

لأنك ذو ذنب وليس له ذنب!

وهمّك تركيّ عليه مهانة

فأنت له أُمٌّ وأنت له أبُّ!

لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم

وصيف وأُشناس ، وقد عظم الخطبُ

وإني لأرجو أن ترى من مغيبها

مطالع شمس قد يَغَصَّ بها الشِرب (١)

المعتصم وبابك الخرّمي :

كان خروج بابك في خلافة المأمون سنة (٢٠٠ ه‍) أو (٢٠١ ه‍) في أتباع صاحبه جاودان بن شهرك الخرّمي ، في جبال البدين من بلاد آذربايجان (٢) وهزم عدّة من جيوش السلطان وقتل جماعة من قوّادها ، واجتمع إليه قُطّاع الطرق وأصحاب الفتن فتكاثفت جموعه حتّى بلغ فرسانه عشرين ألفاً سوى الرَجّالة! فكان جنوده لا يتركون رجلاً ولا امرأة ولا صبياً ولا طفلاً مسلماً أو ذمياً إلّاقتلوه وقطّعوه! واحصي عدد قتلاهم فكانوا مئتين وخمسة وخمسين ألفاً وخمسمئة إنسان! فاستعظمه الناس وداخلهم منه رعب شديد وهول عظيم (٣).

وشايعه عصمت الكردي صاحب مرند ، ومحمد البعيث المبعوث لقتاله! فأرسل المعتصم لقتاله طاهر بن إبراهيم أخا إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (مولاهم) عامل بغداد ، وأمره بمحاربة القوم.

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٩٤ ، عن الأغاني ١٨ : ١٠ ، ودعبل في الأخير يترجّى قيام قائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) التنبيه والإشراف : ٣٠٥ ، ٣٠٦.

(٣) مختصر تاريخ الدول : ١٣٩.

٣٠٣

ودخل ابن البعيث من باب المكر بعصمة الكردي فصار إليه إلى مرند وتزوّج ابنته ودعاه إلى منزله وأسكرهم وحملهم ليلاً إلى قلعته شاهي ، وأخبر طاهر بن إبراهيم الخزاعي (مولاهم) بما كان منه وسأله أن يبعث إليه بالبغال والحديد ليحملهم إليه ، ففعل طاهر ذلك. ولكنه كتب إلى المعتصم يُعلمه بخبرهم وأنه في طاعته والتدبير على أصحاب بابك ، وأنفدهم إلى المعتصم فأجازه المعتصم وحباه وأعطاه ، وقال لإسحاق بن إبراهيم : لا أرى الرجلة إلّاعند ابن البعيث وما أرى عند أخيك شيئاً!

ووجّه إلى بابك الأفشين حيدر بن كاووس الأسروشنيّ ، وعقد له على جميع ما يجتاز به من الأعمال ، وحُملت معه خزائن السلاح والأموال! فلمّا صار الأفشين إلى الجبل أخذ من كان به من وجوه الصعاليك ، وأقام في حرب الأفشين عاماً حتّى كثرت الثلوج فرجع إلى برزند فخندق خندقاً وبنى سوراً ، وكمّن الكمناء وزحف إلى مركز بابك في رمضان (٢٢٢ ه‍) واشتدت الحرب ودخل المسلمون إلى بلدته وهرب بابك وستة من أصحابه ، وكان عنده سبعة آلاف وستمئة من أسرى المسلمين فأخرجوهم.

وكتب الأفشين إلى البطارقة بأرمينية وأذربايجان في طلبه وضمن لمن جاء به الصفح عن بلادهم مع ألف ألف (مليون) درهم! وصار بابك إلى سهل بن شباط أو سنباط من البطارقة فأخذه وكتب إلى الأفشين بخبره فأنفذ فأخذه ، وكتب بالفتح إلى المعتصم فقرئ في الآفاق.

وقدم الأفشين على المعتصم بسامرا ، فتلقاه القوّاد والناس على مراحل ، ودخلها ثاني صفر (٢٢٣ ه‍) وقد قدّم بابك بين يديه على فيل ، فقطعت يداه ورجلاه وصُلب (١).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٣ ، ٤٧٤.

٣٠٤

وصف المسعودي لنكبة بابك :

قال المسعودي : كثرت حروب الأفشين لبابك وأخيه ، واسمه الحسن وأخوه عبد الله! واتصلت ، حتّى قُتل رجاله وانفضّ جمعه وضاقت به بلاده فامتنع بجبل بدين ، ثمّ تنكّر هو وأخوه وولده وأهله ومن تبعه من خواصه بزيّ أهل قوافل التجارة والسفر وسافر إلى أرمينية من أعمال سهل بن سنباط الأرميني من بطارقتها. فخشى الأفشين أن يعتصم ببعض الجبال المنيعة أو بعض القلاع فيكثر جمعه ويعود إليه فُلّال عسكره ويرجع إلى ما كان من أمره ، فأخذ عليه الطرق وكاتب البطارقة في الحصون والمواضع من بلاد أرمينية وأذربايجان والران وحتّى البيلقان ، وضمن لهم الرغائب.

ومرّ راعي غنم بجمع بابك فساموه شراء شاة وزاد ، فعرف بابك ، فمضى من فوره إلى سهل الأرميني فأخبره الخبر وقال : هو بابك لا شك فيه! فلمّا سمع سهل ذلك من الراعي جمع إليه من حضره من أصحابه وعدده إلى موضع بابك ، فترجّل ودنا منه وسلّم عليه وقال له : أيها الملك! قُم إلى قصرك وموضع يمنعك الله من عدوك! فسار معه إلى قلعته فأجلسه على سريره ، ووطّأ منزله لمن معه. وقدّم له المائدة وقعد إليه ليأكل معه ، فقال له بابك : أمثلك يأكل معي! فقام سهل وعاد بحدّاد وقال له : مدّ رجليك! فأوثقه بالحديد ثمّ قيّد من كان معه.

وأرسل إلى الأفشين يخبره الخبر ، فسرّح إليه الأفشين أربعة آلاف فارس عليهم الحديد! وعليهم خليفة له يقال له : أبو مادّة! فتسلّموا بابك ومن معه ، وأتوا به إلى الأفشين وجاء معهم سهل ، فرفع الأفشين منزلة سهل وتوجّه وخلع عليه وجمّله وأسقط عنه الخراج!

ثمّ كتب بالفتح واطلقت بها الطيور إلى المعتصم! فلمّا انتشر الخبر ضجّ الناس بالتكبير!

٣٠٥

وسار الأفشين ببابك بعساكره حتّى نزل القاطول على خمسة فراسخ من سامراء ، فتلقاه هارون الواثق ابن المعتصم ورجال الدولة وأهل بيت الخلافة ، وحملوا معهم للأفشين دُرّاعة من الديباج الأحمر منسوجة بالذهب قد رُصّع صدرها بأنواع اليواقيت والجواهر ، وقلنسوة عظيمة كالبرنس ذات سفاسك بألوان مختلفة ، وعليها كثير من اللؤلؤ والجوهر!

وكان بعض ملوك الهند قد حمل إلى المأمون فيلاً عظيماً ، فاليوم أُتي به وقد جُلّل بالديباج الأحمر والأخضر وأنواع الحرير الملوّن ، ومعه ناقة بُختية عظيمة قد جُلّلت بمثل ذلك فقدم الفيل إلى بابك وإلى أخيه الناقة ، وألبس بابك دُرّاعة جليلة وأخوه أُخرى ، وجعلت القلنسوة على رأس بابك وعلى رأس أخيه أُخرى نحوها. وضرب له المصاف صفين في الخيل والرجال والسلاح والحديد والرايات والبنود من القاطول إلى سامرّاء! مدداً واحداً متصلاً حتّى دخلوا سامراء في الثاني من صفر سنة (٢٢٣ ه‍).

ثمّ نقل المسعودي عن كتاب «أخبار بغداد» لأحمد بن طيفور البغدادي الخراساني : أنّه لما أوقف بابك بين يدي المعتصم لم يكلّمه ملياً ، ثمّ قال له : أنت بابك؟ قال : نعم أنا عبدك وغلامك! فقال : فجرّدوه. فسلبه الخدام ما عليه من الزينة. فأخذ يتكلم بكلام كثير يرغّبهم في أموال له عظيمة! فلم يلتفت إلى قوله : ثمّ أمر بقطع يديه ورجليه ، فأتى بالنطع وقطعت يمينه ثمّ يساره وثلث برجليه وهو يتمرغ في النطع ، ثمّ أمر بجزّ لسانه ، وصلب أطرافه مع جسده.

ثمّ حمل أخوه عبد الله مع رأس أخيه بابك إلى مدينة السلام وأميرها إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (مولاهم) ففعل به إسحاق ما فُعل بأخيه بابك بسامراء!

وتوّج الأفشين بتاج من الذهب مرصّع بالجوهر ، وإكليل قد شُبّك بالذهب والياقوت الأحمر والزمرّد الأخضر ، والبس وشاحَين.

٣٠٦

وكان للأفشين ابنه الحسن ، ولأشناس بنت توصف بالكمال والجمال فزوّجهما المعتصم ، وأُقيم لهما عرس يجاوز المقدار في البهاء والجمال (١)!

وقال : وكان من أدركه الإحصاء ممن قتله بابك من جيوش المأمون والمعتصم في (٢٢) عاماً : من الأُمراء والقوّاد وسائر طبقات الناس في القول المقلَّل : خمسمئة ألف ، وقيل أكثر من ذلك (٢).

وزاد ابن العبري : أن بابك كان إذا أسر الناس مع نسائهم يفعلون بهنّ بين أيديهم! فلمّا أسره أفشين الأرمني ارتكب الأرمن باخته وامرأته وحتّى أُمه الفاحشة بين يديه! كما كان هو يفعل بالناس إذا أسرهم مع حرمهم! وكان سياف بابك معه فأمر المعتصم بإحضاره فاحضر ، فأمره أن يكون هو يقطع يدي بابك ورجليه فقطعهما فسقط فشق بطنه وذبحه وصلبه (٣).

وفاة الحسن بن علي الفضّال :

أبو محمد مولى بني تيم الله. مات سنة (٢٢٤ ه‍) (٤) وكان شيخاً حلو الوجه حسن الشمائل عليه قميص نرسي (من نواحي الكوفة) ورداء نرسي وفي رجله نعل دقيق الوسط وكان مصلاه في مسجد الكوفة عند الأُسطوانة السابعة أُسطوانة إبراهيم عليه‌السلام. وكان أبو محمد عبد الله الحجّال يدّعي الكلام وكان من أجدل الناس ، فكان ابن فضّال يغري الفضل بن شاذان به في المعرفة (٥).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٦٧ ـ ٤٧١.

(٢) التنبيه والإشراف : ٣٠٥.

(٣) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١٣٩ وأهمل ذكر بابك ابن الوردي وكذا السيوطي.

(٤) رجال النجاشي : ٣٤ و ٣٦ برقم ٧٢.

(٥) اختيار معرفة الرجال : ٥١٥ و ٥١٦ ، الحديث ٩٩٣.

٣٠٧

وكان ابن فضّال قد قال بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق عليه‌السلام ثمّ الكاظم ثمّ الرضا ثمّ الجواد عليهم‌السلام حتّى سكراته للموت وحضره محمد بن عبد الله بن زرارة بن أعين وعند ابن فضال محمد بن الحسن بن الجهم يقول لابن فضّال : يا أبا محمد تشهّد! فتشهّد بالتوحيد وسكت ، فقال له ابن الجهم : تشهّد! فتشهّد بالرسالة والوصاية والإمامة حتّى صار إلى الصادق فالكاظم عليهما‌السلام! فقال له ابن الجهم : فأين عبد الله الأفطح! فقال ابن فضّال : قد نظرنا في الكتب فلم نجد لعبد الله شيئاً! ثمّ مات ابن فضال ففي تشييعه بشّر محمد بن عبد الله بن زرارة : علي بن الريّان ، ومحمد بن الهيثم التميمي بذلك (١).

وكأن رجوعه عن الفطحية كان متأخراً ولذا خفي على أبنائه محمد وأحمد وعلي ، فلمّا أخبر عليّ بن الريان أحمد بن الحسن بن فضال بما قال أبوه في غمرات موته برواية محمد بن عبد الله بن زرارة ، كذّبه وقال : إنّ محمد بن عبد الله قد حرّف على أبي! ولكن علي بن الريان قال : وكان والله محمد بن عبد الله أصدق عندي لهجة من أحمد بن الحسن ؛ فإنه (ابن زرارة) رجل فاضل دَيّن (٢).

وفاة الحسن بن محبوب :

وبعد الحسن بن فضال بثمانية أشهر مات الحسن بن محبوب السرّاد الكوفي البجلي مولاهم في (٢٢٤ ه‍) (٣) وهو الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب السندي عبداً حدّاداً يصنع الزرود ، مملوكاً لجرير بن عبد الله البجلي ، وأراد أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يبتاعه منه فأعتقه جرير ، فصار إلى خدمة علي عليه‌السلام.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٥٦٥ ، الحديث ١٠٦٧.

(٢) رجال النجاشي : ٣٦ برقم ٧٢.

(٣) انظر قاموس الرجال ١ : ٥٦٧ برقم ٥٠٢ ، تصحيحاً للنجاشي : ٧٥ برقم ١٨٠.

٣٠٨

وكان محبوب البجلي أبو الحسن يرغّبه أن يكتب أحاديث علي بن رئاب ويعطيه بكل حديث يكتبه درهماً!

وكان الحسن على أصله السندي آدم شديد الأدمة أنزع خفيف العارضين ، ربعة من الرجال ، يعرج قليلاً من وركه الأيمن.

وتلقى الحسن من أبي الحسن الرضا عليه‌السلام رسالة تلقاها منه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، فلمّا التقى ابن أبي نصر بالرضا عليه‌السلام قال له : إنّ الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا عنك برسالة. فقال الرضا عليه‌السلام : صدق ، ثمّ قال : لا تقل الزرّاد بل السرّاد فإنّ الله تعالى يقول : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ (١)).

غارة الروم على بلاد الإسلام :

في سنة (٢٢٣ ه‍) خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم إلى بلاد الإسلام حتّى بلغ بلدة زِبَطرة ، فقتل من بها من الرجال وسبى النساء والذرية ، وأغار على ملطية وغيرها ، وسبى المسلمات ، ومثَّل بمن صار في يده من المسلمين : فسمل أعينهم وقطع آذانهم وأُنوفهم (٢)!

وبلغ ذلك إلى المعتصم وأن امرأة هاشمية! لما أسرها الرومان صاحت في أيديهم : وا معتصماه! فنهض من مجلسه ، وجمع عساكره وسار في شهر جمادى منها : (٢٢٣ ه‍) (٣) وقدم الأفشين حيدر بن كاووس الأشروسني ، فالتقى بالطاغية توفيل على ميلين من لورله ، فقاتله وقتل من أصحابه أربعة آلاف حتّى هزمه!

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٥٨٤ ، ٥٨٥ ، الحديث ١٠٩٤ و ١٠٩٥. والآية ١١ من سورة سبأ.

(٢) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١٣٩ ، ١٤٠.

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٣.

٣٠٩

وسار المعتصم حتّى نزل على عمورية وخرّب ما مرّ به من قراهم! ووافاهم الأفشين فافتتحها في (١٧) رمضان ، فقتل بها مقتلة عظيمة وسبى سبايا كثيرة ، ثمّ خرّب المدينة وهدمها! ثمّ توجّه إلى أنقرة فخرّبها وهربت الروم في كل وجه ، وبيده أربعة آلاف من أسراهم فقتلهم ، ثمّ لم يزل يقتل الأسرى في مرجعه ويحرق ما يمرّ به حتّى دخل بلاد الإسلام (١).

وقال اليعقوبي العباسي : في عام (٢٢٣ ه‍) انتهى الخبر إلى المعتصم : أنّ الروم دخلت زبطرة فقتلوا وأسروا كل من فيها! فلمّا اخبر المعتصم بذلك قام نافراً وجلس على الأرض (وليس فيه خبر المرأة) ثمّ ندب الناس للخروج وعسكر في يومه بالعيون في غربيّ دجلة ووضع ديوان العطاء ، وقدم اشناس التركي بمقدمته ، وخرج هو في (٦) جمادى الأُولى حتّى دخل أرض الروم إلى عمورية ، وكانت من أعظم مدائنهم وأكثرها عُدّة ورجالاً ، فحاصرها حصاراً شديداً.

وبلغ طاغية الروم فزحف في خلق عظيم ، فلما دنا منهم وجّه المعتصم بالأفشين في جيش عظيم ، فلقى الطاغية وأوقع به وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة حتّى هزمه!

فأوفد طاغية الروم من قبله وفداً إلى المعتصم يقول : إنّ الذين فعلوا بزبطرة ما فعلوا تعدّوا أمري! وأنا أبنيها بمالي ورجالي وأردّ من أُخذ وما أُخذ من أهلها ، وأُخلّي جملة من في بلد الروم من اسارى المسلمين ، وأبعث إليك بالقوم الذين فعلوا بزبطرة! فلم يقبل المعتصم وردّ وفده وعرضه!

وبقي على عمورية حتّى فتحها في (١٧) رمضان فقتل وسبى جميع من

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٣١٦ ، ٣١٧.

٣١٠

فيها وفيهم باطس خال توفيل الملك! ثمّ أخرب وأحرق كل ما اجتاز به من بلادهم حتّى انصرف منها (١).

وقال المسعودي : في سنة (٢٢٣ ه‍) خرج توفيل ملك الروم في عساكره ومعه ملوك الصقالبة (= زاگرب) والبرغر والبرهان وغيرهم ممن جاورهم من ملوك الأُمم! حتّى نزل على مدينة زبطرة في ثغر الخزر! فافتتحها وقتل الكبار والصغار وسبى ، ثمّ أغار على ملطية ، فضجّ الناس في الأمصار واستغاثوا في المساجد! وبلغ الخبر إلى المعتصم.

فلبس المعتصم دُرّاعة صوف بيضاء وتعمّم بعمامة الغزاة وخرج فعسكر في غربيّ دجلة ، في الثاني من جمادى الأُولى (٢٢٣ ه‍) ونودي في الأمصار بالنفير والسير مع الخليفة! فسارت إليه العساكر والمطوّعة من المسلمين ، فلم يكن يُحصون عدداً ولا يُضبطون كثرة فالمقلّل يقول : مئتي ألف ، والمكثر يقول : خمسمئة ألف! وجعل على مقدّمته أشناس التركي ، وعلى ميمنته ايتاخ التركي ، وعلى ساقته بُغا التركي الكبير ، وعلى ميسرته جعفر بن دينار الخياط! فدخل الأفشين من درب الحدث ، ودخل المعتصم من درب السلامة وسائرهم من سائر الدروب.

فلقى ملك الروم الأفشين فحاربه فقتل الأفشين أكثر بطارقته وأصحابه ، وولّى توفيل وحماه رجل من متنصّرة الشام يقال له نصر في خلق من أصحابه ، وقصّر الأفشين عن أخذه حين ولّى وقال : هو ملك والملوك تُبقي بعضها على بعض!

وفتح المعتصم حصوناً كثيرة حتّى نزل على مدينة عمورية (٢) لما بلغه أنّ عمورية أشرف عندهم حتّى من القسطنطينية فهي عين النصرانية! وفرّق عسكره

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٥ ، ٤٧٦.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٤٧٢ ، ٤٧٣.

٣١١

ثلاث فرق فخربوا بلاد الروم وأحرقوا حتّى وصلوا إليه إلى عمورية ، فنصبوا المجانيق حتّى فتحوا بالمنجنيق ثغرة في سورها فهجموا عليهم منها ونهبوا وسبوا ، وأقبلوا بالسبي والأسرى من كل جهة (١).

وقال المسعودي : وكان عليها البطريق لاوي فخرج إليه وسلّمها إليه! وكان البطريق الكبير بها باطس (خال توفيل الملك) فاسر (٢) ، وقتل منها ثلاثين ألفاً! وأقام المعتصم عليها أربعة أيام يهدم ويحرق. وأراد أن يرحل فينزل على خليج القسطنطينية ويحتال في فتحها برّاً وبحراً ، إلّاأنّه أتاه ما أزعجه : أنّ (قائده العربي عُجيف بن عنبسة حسداً للقواد الأتراك) بايع للعباس بن أخيه المأمون وأنّه قد كاتب طاغية الروم! فأعجل المعتصم وأزاله عمّا كان عزم عليه ، فأمر بحبس العباس وأشياعه (٣).

مصير العباس بن المأمون :

بلغ المعتصم : أنّ عُجيف بن عنبسة (من قوّاده العرب) كان السبب في معصية العباس بن المأمون ، واجتماع من اجتمع إليه من القوّاد ، فلمّا انصرف المعتصم إلى أدَنة أمر بحبس العباس ومصادرة ما معه من الأموال ، فأحصوه فوجدوا له مئة ألف وستة عشر ألف دينار! فأمر أن تفرّق على الجند فيلعنوه! فأحصوا الجنود هناك فوجدوا ثمانين ألف مرتزق (وليس مئتي ألف ولا خمسمئة ألف كما مر) فدفع إليهم دينارين دينارين وأتمّ المعتصم المبلغ من عنده.

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٣ ، وفي ابن العبري : ١٤٠.

(٢) ثمّ صُلب في سامراء إلى جانب بابك ، مروج الذهب ٤ : ٤٧٤.

(٣) مروج الذهب ٣ : ٤٧٣.

٣١٢

ودفع العباس إلى الأفشين مقيداً ، فقيل : إنّ الأفشين أطعمه طعاماً مالحاً وكان الفصل صيفاً حاراً شديد الحرّ ومنعه من الماء فتوفي فحمل إلى منبج فدفن بها.

وقبض المعتصم على عُجيف بن عنبسة فحمله من أدنة مثقلاً بغلٍّ عظيم في عنقه وقد خيط لبود على فيه ، فلما صار في باعيناثا قبل نصيبين مات ودُفن بها! وتبرّأ منه ابنه صالح وقال : إنما هو صالح المعتصمي وليس ابن عُجيف (١)!

مصير الأفشين الأشروسني :

كان الأفشين حيدر بن كاووس الأشروسني متزوجاً اخت منكجور الفرغاني وكان هذا معه في حرب بابك ، فلمّا قلع بابك خلّف عنه على آذربايجان وأرمينية خال ولده منكجور الفرغاني ، وخلّف على ورثان محمد بن عبيد الله الورثاني ومعه جماعة من أولياء السلطان. ثمّ إنّ منكجور جمع إليه فلول جنود بابك وسار بهم إلى ورثان فقاتل محمد الورثاني وقتله ومعه جماعة أولياء السلطان! وبلغ الخبر إلى المعتصم فطلب من الأفشين أن يوجّه إليه من يُحضره ، فوجّه إليه الأفشين بديوداد أبي الساج في جيش عظيم. ثمّ رُقي إلى المعتصم أنّ منكجور إنما خلع بتحريك صهره الأفشين!

وفي عهد المأمون مات اسپهبد طبرستان قارن بن بنداد هرمز واستولى عليها أخوه ، فقدم ابنه المازيار محمد بن قارن على المأمون فكتب المأمون إلى عمّه بتسليم مدينتين من طبرستان إلى ابن أخيه المازيار محمد بن قارن ، وتوجّه المازيار إلى عمّه وخرج عمه إليه كأنه يتلقاه فقتل المازيار عمّه واجتمعت عليه

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٦.

٣١٣

الكلمة وضبط البلاد ، ثمّ تفاقم أمره حتّى خلع وأظهر المعصية! فقيل إنّ الأفشين كاتبه وحمله على الخلع! فأمر المعتصم بحبس الأفشين سنة (٢٢٦ ه‍).

ووجّه المعتصم ببغا التركي لحرب منكجور ، فلمّا صدقه القتال ضرع منكجور لطلب الأمان ، فقدم به بغا معه إلى سامراء. ووجّه بمحمد بن إبراهيم لحرب المازيار في جيش ، وكتب إلى عبد الله بن طاهر الخزاعي (مولاهم) على خراسان أن يمد محمداً بالجيوش فحاربوه حتّى خرج المازيار ليلاً إلى قرابة لعبد الله بن طاهر فقدم به إلى سامراء سنة (٢٢٦ ه‍) (١).

وحيث كان المازيار زعم : أنّ الأفشين حمله على العصيان والطغيان جمع القاضي أحمد بن أبي دؤاد الإيادي بينهما وقال للمازيار : هذا الذي زعمت أنّه حملك على المعصية؟!

فقال له الأفشين : والله إنّ الكذب قبيح من السوقة فكيف بالملوك! والله ما ينجّيك كذبك هذا من القتل فلا تجعل خاتمة أمرك الكذب!

فقال المازيار : إنما أرسلت إليه وكيلي أبا الحارث فأخبرني أنه لما قدم عليه أكرمه وبرّه! والله ما كتب إليّ ولا راسلني!

فضُرب المازيار حتّى قُتل وصُلب إلى جانب بابك ، ورُدّ الأفشين إلى السجن حتّى اخرج ميتاً فصُلب عرياناً على باب العامة! ثمّ انزل فاحرق بالنار (٢)!

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٦ ـ ٤٧٨ ، وفي مروج الذهب ٤ : ٤٧٣ : أنّ عبد الله بن طاهر الخزاعي (مولاهم) سيّر إليه عمّه الحسن بن الحسين الخزاعي من نيشابور فحاربه حتّى نزل مدينة سارية ، وأتت عيون الحسن إليه أنّ المازيار خرج في نفر يسير للصيد ، فبادره الحسن وناوشه حتّى أسره إلى سامراء فأقرّ على الأفشين.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٨.

٣١٤

واحضرت أصنام زعموا أنها حُملت إليه ، فالقيت في النار واضرمت حتّى أتت على الأربعة : بابك وباطس والأفشين ومازيار (١).

موت أبي دُلف العجلي :

في سنة (٢٢٦ ه‍) مات أبو دُلف القاسم بن عيسى العجلي رئيس عشيرته من عجل من ربيعة ، وكان الغالب عليه «التشيع» والميل إلى علي عليه‌السلام وله ابنان : دُلف وبه كان يكنى أبا دلف ، وعيسى لغير أُمه.

وذُكر عن عيسى أنّ أخاه دلف كان ينتقص علي بن أبي طالب عليه‌السلام ويضع منه ومن «شيعته» وينسبهم إلى الجهل ، ويكذّب الحديث النبوي الشريف : «يا علي لا يحبّك إلّامؤمن لرِشدة ، ولا يبغضك إلّاابن زنا أو ابن حيض».

وفي يوم من الأيام كان في مجلس أبيه ولم يكن أبوه حاضراً فقال عن «الشيعة» : إنهم يزعمون أنّه لا ينتقص علياً أحد إلّاكان لغير رِشدة! وأنتم تعلمون غِيرة الأمير (يعني أباه) وأنّه لا يتهيّأ الطعن على أحد من حُرمه ، وأنا أُبغض علياً!

قال عيسى بن أبي دُلف : فما كان بأوشك من أن خَرج أبي ، فلمّا رأيناه وقفنا له ، فقال : قد سمعت ما قاله دُلف ، والحديث لا يُكذب! والخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلف! هو ـ والله ـ لِزَنية وحَيضة! وذلك أنّه كانت لُاختي جارية كنت معجباً بها ، وكنت عليلاً فبعثَتها اختي تمرّضني فلم أتمالك أن وقعت عليها! وكانت حائضاً! فلما ظهر حملها وهبتها لي!

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٧٤ ، وزاد ابن العبري في مختصر تاريخ الدول : ١٤٠ : ووجد بقلفته لم يُختن!

٣١٥

فلمّا توفي أبو دلف بلغ من عداوة دُلف هذا لأبيه و «نصبه» ومخالفته له إلى أن شنّع على أبيه بعد وفاته قال : أتاني آت في منامي بعد موت أبي فأدخلني داراً وَعِرة وَحشة فأصعدني في درج إلى غرفة فيها رماد وأثر نار وأبي جالس واضع رأسه بين ركبتيه فلمّا رآني قال لي :

فلو أنّا إذا متنا تُركنا

لكان الموت راحة كل حيّ

ولكنّا إذا متنا بُعثنا

ونُسأل بعده عن كل شيء

ثمّ قال : أفهمت؟ قلت : نعم ، ثمّ انتبهت (١) وابن الوردي أورد وفاته سنة (٢٢٥ ه‍) (٢).

وفاة المدائني البصري :

أورد ابن الوردي وفاة علي بن محمد المدائني المؤرخ المشهور في (٢٢٥ ه‍) (٣) وهو أبو الحسن المدائني البصري الأخباري (المؤرّخ) صاحب المغازي والأنساب والتصانيف الكثيرة ، منها : كتاب خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتاب خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام وكتاب الفاطميات! وكتاب من قُتل من الطالبيين.

وقد أكثر الخبر عنه المعتزلي المدائني في شرحه لنهج البلاغة (٤) ، وله كتاب مقتل الحسين عليه‌السلام ونقل عنه المفيد في «الإرشاد» وفي «الجمل»

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٧٥ ووقوع الحمل في الحيض لا يكون إلّابإخصاب البيضتين للمرأة أو بالاشتباه في تاريخ البداية والنهاية للعادة الشهرية للنساء.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١١٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) ثلاثون مورداً كما فهرس أعلام كتابه.

٣١٦

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام (١) توفي في بغداد وقد جاوز التسعين (٢).

كأن ابن العماد الحنبلي حسبه منهم ولذا ذكره في كتابه وقال : وثّقه ابن مَعين وغيره (٣) إلّا أنّ ابن الجوزي الحنبلي أيضاً ذكره في كتابه ونقل عن ابن عدي أنّه اعتدى عليه ليس في أخبار تاريخه ولكن في الحديث حيث قال : ليس بالقوى في الحديث (٤) ولعل ذلك لعلّة كتبه السابقة! وممّن نقله عنه خليفة بن خياط العصفري البصري (م ٢٤٠ ه‍) (٥).

وبِشر الحافي الصوفي :

قال المسعودي : وفي (٢٢٧ ه‍) في بغداد مات بشر الحافي المروزي (٦) بشر بن الحارث بن عبد الرحمن ، العارف الصوفي ، قيل : كان أصله من مرو وسكن بغداد وتورّط بالفساد واللهو واللعب والغناء والطرب وحتّى الشرب! ومرّ بداره الكاظم عليه‌السلام وقال فيه : لو كان عبداً لما كان يفعل هكذا! فخشع قلبه لذكر الله وتاب وأناب على يده عليه‌السلام! ثمّ أصبح من أقطاب طرق الصوفية ببغداد! حتّى توفى بها في (٢٢٦ ه‍) (٧) هذا والكاظم عليه‌السلام إنما كان ببغداد في الأصفاد حتى توفى بها في (١٨٣ ه‍) فمقايسة تاريخي الوفاة تكفي لاستبعاد قصة بشر الحافي مع

__________________

(١) الجمل : ١٢٥ ، والإرشاد ٢ : ٣٢.

(٢) هدية الأحباب : ٢٥٦.

(٣) شذرات الذهب ٢ : ٥٤.

(٤) كتاب الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ٢ : ١٩٨.

(٥) تاريخ خليفة ، مقدمة المحققين : ٨ ومثالاً : ١٦ عن المدائني عن موسى بن عقبة : مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٦) مروج الذهب ٤ : ٤٧٦.

(٧) هدية الأحباب بالفارسية : ١٤٠.

٣١٧

الكاظم عليه‌السلام ، والقصة لا مصدر لها ، والتمحّل لها بالإعجاز تقوّل بلا دليل! بل هل تلك كرامة وهداية أن يتحول الشاب المترف المُسرف إلى شيخ أو قطب متصوّف منحرف مخالف؟! اللهمّ إلّالأتباعه المتصوّفة!

وموت الخليفة المعتصم :

قال المسعودي : لساعتين! من ليلة الخميس (١٨) من ربيع الأول (٢٢٧ ه‍) كانت وفاة المعتصم ، بقصره المعروف بالخاقاني على دجلة بسامراء. وأورد يعقوب ابن إسحاق الكندي لُمعاً من سيرته في رسالة ترجمها باسم «سبيل الفضائل» (١).

وقال : كان أبيض أصهب حسن الجسم جميل الوجه ، مربوعاً ، مشرّباً بحمرة ، عريض الصدر ، شديد البدن طويل اللحية. لا يقاس به الرجال قوة بدن وشدة بأس وشجاعة قلب! إلّاأنّه آثر المحدثين من غلمانه الأتراك على المتقدمين من أوليائه ونصحاء آبائه ، ومات دون الخمسين (٢).

وقال ابن العبري : وفيها مات توفيل ملك الروم وابنه ميخائيل بن توفيل صبيّ فملّكت امه ثاودورا (٣).

وبويع وليّ عهد المعتصم ابنه هارون الواثق بالله (٤) وامه قراطيس أُم ولد (٥) رومية (٦).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٤٧٦.

(٢) التنبيه والإشراف : ٣٠٦ ، ٣٠٧.

(٣) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١٤١.

(٤) تاريخ خليفة : ٣١٧.

(٥) اليعقوبي ٢ : ٤٧٩.

(٦) مروج الذهب ٣ : ٤٧٧.

٣١٨

هارون الواثق بالله! :

كان الواثق أبيض تعلوه صفرة في عينه نكتة ، حسن اللحية (١) وكان مؤدّبه هارون بن زياد ، فكان الواثق يكرمه (٢) وإنما علّمه علوم العربية لم يخلط بعلم العربية شيئاً! ومع ذلك كان عمّه المأمون يقدّمه على ولده ، ويقال له : المأمون الأصغر ، لأدبه وفضله (٣).

ولما نُعي المعتصم في بغداد وثب عوام الجند والغوغاء في الجانب الشرقي ببغداد بقاضيهم شعيب بن سهل وانتهبوا داره! وكان إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (مولاهم) في سامرّاء فلمّا بايع للواثق توجه في ساعته إلى بغداد وسار ليلته كلها فوصلها قبل طلوع الفجر ، فوكّل بالأطراف والسجون ، وأحضر القوّاد والوجوه وأخذ عليهم البيعة ، ووجّه إبراهيم الديزج ومعه جمع إلى دار شعيب القاضي فصاروا به إلى دار إسحاق الوالي.

وعقد الواثق من قوّاده لأُشناس التركي من بابه إلى آخر عمل المغرب ، وكتب لمحمد بن إبراهيم الأغلب بولاية المغرب من قبله. وكانت السند قد اضطربت وقُتل عاملها عمران بن موسى ، فولّى الواثق ايتاخ التركي من كور دجلة إلى خراسان إلى السند!

وبنعي المعتصم بدمشق وثب بها ابن بيهس الكلابي ومعه بنو كلاب وجمع كثير من بطون قيس. وفي فلسطين أبو حرب المبرقع تميم اللخمي في قبائل لخم وجذام وعاملة وبلقين. وفي برقة مصر كان البربر ومعهم قوم من قريش وعاملهم محمد بن عبدويه بن جبلة فوثبوا عليه وخلعوه. فوجّه إليهم الواثق رجاء بن

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٠٢.

(٢) المصدر : ٤٠٤.

(٣) المصدر : ٤٠٣.

٣١٩

أيوب الحضاري ، فبدأ بأسر ابن بيهس الكلابي من دمشق ثمّ سار إلى تميم اللخمي في فلسطين فأسره وسيّرهما إلى سامراء. ثمّ توجه إلى برقة مصر فظفر بجمع منهم فحملهم ورجع بهم إلى سامراء.

ووجّه المعتصم بأخيه جعفر (المتوكل) مع أُمّه للحجّ فكان هو أمير الحاج لتلك السنة (٢٢٧ ه‍) (١).

وبنى الواثق لنفسه قصراً على شط دجلة وسمّاها باسمه : القصر الهاروني ، له دكتان شرقية وغربية ، وانتقل من قصور المعتصم إلى قصره هذا. وكان الغالب عليه قاضيه أحمد بن أبي دؤاد الإيادي ووزيره محمد بن عبد الملك الزيّات. وعلى حرسه إسحاق بن يحيى ، وعلى شرطه إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (مولاهم) (٢).

وكان إبراهيم بن رباح مقدّماً عنده فولّاه «ديوان الضياع» وكان كاتبه نجاح بن سلمة ففوّض إبراهيم أُمور الضياع إليه وإلى يمان النصراني ، واشتغل إبراهيم باللهو ، فتجافيا عن أموال كثيرة. فشكوهما إلى الواثق فأمر بقبض ضياعه وأمواله ونقل الديوان إلى عمر بن فرج الرخجي (الأفغاني) (٣).

وفي سنة (٢٢٨ ه‍) غزا المسلمون في البحر جزيرة صقلية وفتحوا مدينة مسيني (٤) وأماكن من الجزيرة ، بقيادة محمد بن عبد الله بن الأغلب (رأس الأغالبة) وأقام في بلدة بلزم يجهّز الجيوش فيفتح ويغنم حتّى مات (٥).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨١ والرخج من نواحي كابل في أفغانستان اليوم.

(٤) تاريخ مختصر الدول : ١٤١.

(٥) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٤ وقال : مات في (٢٣٧ ه‍).

٣٢٠