المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

والمدبر رق ويتحرر بموت المولى من ثلثه.

والدين مقدم على التدبير ، سواء كان سابقا على التدبير ، أو متأخرا ، وفيه رواية بالتفصيل متروكة (١) ويبطل بإباق المدبر ، ولو أولد له في حال إباقه كان أولاده رقا.

______________________________________________________

(أ) حكم الصلح حكم البيع.

(ب) حكم الرهن كذلك ، أي يكون الرهن منصرفا إلى الخدمة ، فإن باعه في دينه باع الخدمة خاصة.

(ج) لو ارتد المولى ، فان كان عن غير فطرة لم يبطل قطعا لبقاء الملك ، وان كان عن فطرة ، فعلى قول الشيخ يكون التدبير باقيا ، فان مات المدبر أو قتل انعتق المدبر ، ويكون المنتقل الى الوارث بنفس الارتداد انما هو الخدمة لا غير ، كما لو باعه ، وعلى القول المختار يبطل التدبير ، الخروج الملك عنه بالارتداد وانتقال تركته الى الوارث ، فهو كالبيع في اقتضائه البطلان لنقل الملك ، ويحتمل عتقه بمجرد الارتداد لأن الردة بمنزلة الموت ، ولهذا يملك الوارث التركة فينعتق بها.

قال طاب ثراه : والدين مقدم على التدبير سواء كان سابقا على التدبير أو متأخرا ، وفيه رواية بالتفصيل متروكة.

أقول : الأصل ان التدبير بمنزلة الوصية ، فلا يزاحم الديون ، بل تقدم الديون عليه ، ولا فرق بين ان يكون التدبير سابقا على تعلق الدين بالذمة ، أو متأخرا ، وهو اختيار ابن إدريس (١) والمصنف (٢) والعلامة (٣).

__________________

(١) السرائر : باب التدبير ص ٣٥١ س ١٠ فإنه بعد نقل قول الشيخ في النهاية قال : لا خلاف بيننا ان التدبير بمنزلة الوصية يخرج من الثلث ولا يصح الّا بعد قضاء الديون.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : ج ٢ في أحكام التدبير ص ٨٥ س ١٣ قال : والمعتمد ان التدبير ان كان واجبا بنذر وشبهه الى قوله : وان كان تبرعا بطل إلخ.

٨١

ولو جعل خدمة عبده لغيره ، ثمَّ قال : هو حرّ بعد وفاة المخدوم صح على الرواية.

ولو أبق لم يبطل تدبيره ، فصار حرا بالوفاة ولا سبيل عليه.

______________________________________________________

فقال الشيخ في النهاية : إذا دبر عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثمَّ مات كان التدبير باطلا ، وبيع العبد في الدين ، وان دبر العبد في حال السلامة ثمَّ حصل عليه دين ومات لم يكن للديان عليه سبيل (١) وتبعه القاضي (٢) مصيرا إلى صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل دبر غلامه وعليه دين فرارا من الدين قال : لا تدبير له ، وان كان دبره في صحة منه وسلامة فلا سبيل للديان عليه (٣).

ومثلها صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام (٤).

وحملها العلامة على كون التدبير واجبا بنذر وشبهه ، فاذا كان في سلامة من الدين لم يكن للديان عليه سبيل ، وان لم يكن في سلامة ونذر أن يدبر فرارا من الديان لم ينعقد نذره ، لأنه لم يقصد به الطاعة (٥).

قال طاب ثراه : ولو جعل خدمة عبده لغيره ، ثمَّ قال هو حر بعد وفاة المخدوم صح على الرواية.

__________________

(١) النهاية : باب التدبير ص ٥٥٣ س ١٠ قال : وإذا دبر الإنسان عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثمَّ مات كان التدبير باطلا إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ باب التدبير ص ٣٦٨ س ١٨ قال : وإذا كان على سيد المدبر دين يحيط بجميع ماله جاز بيع المدبر في ذلك إلخ.

(٣) التهذيب : ج ٨ (٢) باب التدبير ص ٢٦١ الحديث ١٢.

(٤) التهذيب : ج ٨ (٢) باب التدبير ص ٢٦١ الحديث ١٣.

(٥) المختلف : ج ٢ في أحكام التدبير ص ٨٥ س ١٨ قال : والجواب الحمل على ما قلناه من انه واجب بنذر وشبهه إلخ.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : المشهور بين علمائنا صحة التدبير معلقا بوفاة غير السيد إذا جعلت خدمة العبد له في حال حياته ، ثمَّ هو حر بعد وفاته ، قال الشيخ في النهاية : إذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره وقال متى مات من جعل له تلك الخدمة يكون حرا ، كان ذلك صحيحا ، فمتى مات المجعول له صار ذلك حرا ، فإن أبق العبد ولم يرجع الّا بعد موت من جعل له خدمته لم يكن لأحد عليه سبيل (١) وتبعه القاضي (٢) وهو ظاهر أبي علي (٣) وصرح به ابن حمزة (٤) واختاره المصنف (٥) والعلّامة (٦).

فهنا ثلاثة أحكام.

(أ) جواز التدبير معلقا بحياة غير المالك.

(ب) ان الإباق لا يبطل التدبير في هذه الصورة.

(ج) انه ليس للورثة عليه سبيل وان استحق مورثهم عليه الخدمة حال حياته ، فليس لهم استخدامه ولا إلزامه بعوض الخدمة.

والمصير في ذلك الى صحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يكون له الخادم ، فقال : هي لفلان تخدمه ما عاش ، فاذا مات فهي حرة ، فتأبق الأمة قبل ان يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ، ثمَّ

__________________

(١) النهاية : باب التدبير ص ٥٥٣ س ١٩ قال : وإذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ باب التدبير ص ٣٧٣ س ١٦ قال : وإذا جعل السيد خدمة عبده لغيره إلخ.

(٣) المختلف : ج ٢ في أحكام التدبير ص ٨٥ س ٢١ فإنه بعد نقل قول الشيخ في النهاية قال : وهو ظاهر أبي علي.

(٤) الوسيلة : فصل في بيان التدبير ص ٣٤٥ س ١٩ قال : التدبير عتق معلق الى قوله : أو بموت من جعل السيد خدمته له مدة حياته ثمَّ قال : وان دبره وجعل خدمته مدة حياة نفسه لغيره وأبق المدبر ولم يرجع الا بعد وفاة سيده لم يكن عليه سبيل لأحد.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) المختلف : ج ٢ في أحكام التدبير ص ٨٥ س ٣٠ قال : والحق ما اختاره الشيخ.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يجدها ورثته ، ألهم ان يستخدموها بقدر ما أبقت؟ فقال : لا ، إذا مات الرجل فقد عتقت (١).

وقال ابن إدريس : لا دليل على صحة هذه الرواية ، وردها من ثلاثة أوجه.

(أ) ان التدبير في عرف الشريعة عتق العبد بعد موت مولاه ، والمجعول هنا غير مولاه.

(ب) لو كان التدبير صحيحا لكان إذا أبق بطل التدبير للإجماع على بطلان التدبير بالإباق.

(ج) ان التدبير حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دليل الا هذه الرواية الشاذة (٢).

احتج العلّامة : بان العتق قابل للتأخير كما هو قابل للتنجيز ، ومعلوم ان لا تفاوت بين الأشخاص في ذلك ، فان العتق إذا قبل التعليق بحياة المعتق الصادر عنه العتق ، كان قابلا للتعليق بغيره ، وعدم التفاوت في ذلك معلوم. وأجاب عما تعلل به ابن إدريس ، قوله : (التدبير في عرف الشرع عتق العبد بعد موت مولاه) ممنوع ، بل هو العتق المؤخّر ، وهو شامل للصورتين ، واستدلاله بالملازمة بين صحته وبطلانه على تقدير الإباق ، ممنوع ، والقياس على جعل الخدمة للمدبر باطل ، لأنا لا نقول بالقياس ، ولا يجوز التمسك به ، سلّمنا لكن الفارق موجود ، فإن الخدمة إذا جعلت للمدبر ثمَّ أبق فقد قابل النعمة بالكفر والإباق ، فقوبل بنقيض ذلك ، كالقاتل في العمد في منع الإرث بخلاف ما إذا جعلت الخدمة للغير ، وهذه الرواية دليل شرعي ، مع انها صحيحة متلقاة بالقبول عمل بها أكثر الأصحاب ولم ير لها مخالف سواه ، واعتضادها بالحكمة المناط بها الأحكام الشرعية ، فلا وجه له لردها ،

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (٢) باب التدبير ص ٢٦٤ الحديث ٢٨.

(٢) السرائر : باب التدبير ص ٣٥١ س ١٥ فإنه بعد نقل مضمون الرواية بقوله : وقد روي قال : ولا دليل على هذه الرواية وصحتها إلخ.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا أخر كلامه (١).

فرع

لو مات المجعول له الخدمة في حيات المالك كان التدبير ماضيا من الأصل. ولو مات المالك أولا خرج من الثلث ، فان قصر عنه بقي بعضه مدبرا يتحرر بموت المجعول ويسعى في باقيه.

ذكر الكتابة

الكتابة مشتقة من الكتب ، وهو الضم والجمع ، تقول : كتب البغلة ، إذا ضممت بين شفريها (٢) بحلقة أو سير (٣) ، كتبت القربة إذا ضممت فاها بعضه الى بعض لتوكى عليه ، ومنه قيل للجيش والناس المجتمعين كتيبة لاجتماعهم من مواضع متفرقة وانضمام بعضهم الى بعض (٤).

وسمّي هذا العقد كتابه ، لأنه ضم أجل إلى أجل.

__________________

(١) المختلف : ج ٢ ص ٨٥ س ٣٠ فإنه بعد نقل قول ابن إدريس واختياره ما اختاره الشيخ قال : لنا ان العتق قابل للتأخير وبعد الاستدلال على صحة ما اختاره تعرض لكلام ابن إدريس والجواب عنه الى قوله : فلا وجه لردها.

(٢) الكتب الجمع ، تقول منه : كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير ، والكتبة : ما شد به حياء البغلة أو الناقة ، لئلا ينزى عليها ، وكتب الدابة والبغلة والناقة ، حزم حيائها بحلقة حديد ، أو صفر تضم شفري حيائها ، لئلا ينزى عليها. وكتب السقاء والمزادة والقرية ، هو ان يشد فمه حتى لا يقطر منه شي‌ء (لسان العرب ج ١ ص ٧٠١) في لغة كتب).

(٣) السير الذي يقد من الجلد والجمع سيور ، ومنه الحديث : كانوا يتهادون السيور من المدينة إلى مكة (مجمع البحرين لغة سير).

(٤) من قوله : (الكتابة) إلى هنا مقتبس من المبسوط ، لاحظ ج ٦ ص ٧٢.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والأصل فيه : الكتاب ، والسنة ، والإجماع.

اما الكتاب فقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (١) فأمر بالكتابة.

واما السنة فكثير : مثل ما روى سهل بن حبيب ان النبي صلّى الله عليه وآله قال : من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته اظله الله يوم لا ظل الّا ظله (٢).

وروت أم سلمة قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا كان لاحداكن مكاتبا وكان عنده ما يؤدي فليحتجب عنه (٣).

واما الإجماع : فلا خلاف بين الأمة في جوازها.

تذنيبات

(الأوّل) الكتابة معاملة مستقلة بنفسها ، وليست بيعا للعبد من نفسه ، ولا عتقا بصفة ، لرجحان التأسيس على التأكيد ، وقال التقي : هي بيع العبد من نفسه (٤) وتبعه ابن إدريس في ذلك (٥).

__________________

(١) سورة النور / ٣٣.

(٢) رواه البيهقي في سننه ج ١٠ باب فضل من أعان مكاتبا في رقبته ص ٣٢٠ بأدنى تفاوت ، وفيه (عن عبد الله بن سهل بن حنيف) ونقله في المبسوط ، ج ٦ ص ٧٢ كتاب المكاتب كما في المتن ، وفيه (روى سهل بن حنيف عن النبي صلّى الله عليه وآله من أعان عاتقا إلخ).

(٣) رواه البيهقي في سننه ج ١٠ باب الحديث الذي روي في الاحتجاب عن المكاتب ، ص ٣٢٧ س ٣ ورواه في المبسوط : ج ٦ ص ٧٢ كتاب المكاتب س ١١.

(٤) الكافي : فصل فيما يقتضي فسخ الرق ص ٣١٨ س ١٤ قال : واما المكاتبة فهي بيع المرقوق منه.

(٥) السرائر : باب المكاتبة ص ٣٤٩ س ٢٠ قال : وهي بيع العبد من نفسه.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والأول هو اختيار الشيخ (١) واختياره العلامة (٢) وفخر المحققين (٣).

والفرق بينها وبين البيع من وجوه.

(أ) افتقارها إلى الأجل والبيع لا يفتقر اليه.

(ب) عدم ثبوت خيار المجلس فيها وثبوته في البيع.

(ج) عدم قبولها لخيار الشرط وقبول البيع له.

ويتفقان في شيئين.

(أ) ضبط الأجل فيهما.

(ب) ضبط العوض. وأجازها ابن إدريس حالة ، لأصالة الجواز (٤) واشترط الشيخ الأجل (٥) وتبعه ابن حمزة (٦) والمصنف (٧) لان ما في يد العبد لمولاه فلا يصح المعاملة عليه ، وما ليس في يده يتوقع حصوله بالتكسب فلا بد من ضرب الأجل تحفظا من تطرق الجهالة.

__________________

(١) المبسوط : ج ٦ كتاب المكاتب ص ٧٣ س ١٩ قال : ويفارق البيع من وجوه إلخ.

(٢) المختلف : ج ٢ في أحكام المكاتبة ص ٨٩ س ١٤ فإنه بعد نقل قول ابن إدريس قال : وليس بمعتمد لبعدها عن شبه البيع.

(٣) الإيضاح : ج ٣ في الكتابة ص ٥٧٤ س ٦ قال الكتابة ليست عتقا بعوض ولا بيعا للعبد من نفسه ، فبعد نقل الخلاف قال : والأول اختيار الشيخ وهو الأقوى.

(٤) السرائر : باب المكاتبة ص ٣٥٠ س ١٨ قال : الكتابة تصح حالة ومؤجلة ، وليس الأجل شرطا في صحتها.

(٥) النهاية : كتاب المكاتب ص ٧٣ س ١٩ قال : ان الكتابة لا بد فيها من أجل إلخ.

(٦) الوسيلة : فصل في بيان الكتابة ص ٣٤٤ س ١٥ قال : وتصح بأربعة شروط : بالنية ، وتعين الأجل إلخ.

(٧) لاحظ عبارة النافع. وفي الشرائع : كتاب المكاتبة (الصيغة) قال : ولا يصح من دون ذكر الأجل إلخ.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فرع

لو أطلق العقد كان باطلا عند الشيخ في المبسوط (١) لفوات الشرط ، وصحيحا عند ابن إدريس والشيخ في الخلاف (٢) ومن الجائز حصول مال للعبد في الحال اما من الزكاة ، أو بالهبة ، أو بالميراث ، أو الوقف وما أشبه ذلك. ومع عدم ذلك ان صبر السيد عليه منتظرا يساره فلا كلام ، والا كان له الفسخ ، وهو قوي ، لكنه لم ينقل من عصر الرسول صلّى الله عليه وآله الى يومنا هذا تجردها عن الأجل ، فكان عمل الصحابة على ذلك ، والتزامهم به إجماع منهم.

(الثاني) الكتابة تشارك العتق بعوض وبيع العبد من نفسه من وجه ، وهو كون كل واحد منهما قد تضمنا العتق بعوض ويفارقهما في الشروط والاحكام والتوابع.

(الثالث) لو باع السيد عبده من نفسه بثمن مؤجل ، قال الشيخ في المبسوط : صح وانعتق العبد وكان الولاء للإمام (٣) واستشكله العلّامة في التحرير : من حيث النظر إلى أصالة الجواز ، ومن عدم تحقق مفهوم البيع ، إذ هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى أخر ، فلا بد من تحقق اضافة الملك بين المشتري والمبيع ، لتوقف الإضافة على تغاير المضافين ، وليس هنا كذلك. وأيضا فإن تملّك العبد يتوقف على حريته ، وحريته موقوفة على تملكه فيدور (٤).

__________________

(١) المبسوط : ج ٦ كتاب المكاتب ص ٧٣ س ٢٣ قال : ومتى كانت بغير أجل كانت باطلة.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب المكاتب مسألة ٥ قال : تصح الكتابة حالة ومؤجلة ، وليس الأجل شرطا في صحتها.

(٣) المبسوط : ج ٦ كتاب المكاتب ص ١٢٠ س ١١ قال : فاما ان باع السيد عبده من نفسه بألف فقال : قبلت صح كالكتابة ، إلى قوله : فاذا وجد طالبه به ، ويليق بمذهبنا ان يكون ولاءه للإمام.

(٤) لم أعثر عليه بهذا التفصيل ، وفي المختلف في أحكام المكاتبة ص ٩١ س ٣٦ قال : احتج المانعون بان البيع يستدعي انتقال الملك إلخ.

٨٨

واما المكاتبة : فتستدعي بيان أركانها وأحكامها.

والأركان أربعة : العقد ، والملك ، والمكاتب ، والعوض.

والكتابة مستحبة مع الديانة وإمكان الاكتساب. وتتأكد بسؤال المملوك ، وتستحب مع التماسه ولو كان عاجزا.

وهي قسمان : فان اقتصر على العقد فهي مطلقة ، وان اشترط عوده رقا مع العجز فهي مشروطة ، وفي الإطلاق يتحرر منه بقدر ما ادى ، وفي المشروط يردّ رقا مع العجز.

وحدّه أن يؤخر النجم من محله ، وفي رواية ان يؤخر نجما الى نجم. وكذا لو علم منه العجز.

ويستحب للمولى الصبر لو عجز.

______________________________________________________

فرع

قال الشيخ : لو لم يوجد (١) الثمن بطل ويعتق العبد (٢).

وفيه نظر : لان بطلان الثمن يستلزم بطلان البيع ، فلا يخرج عن الملك ، ويحتمل تفريعا على الجواز ، الصحة ، فإن تيسر للعبد قضاءه من زكاة ، أو هبة ، أو غير ذلك ، والّا تخير السيد بين الصبر والفسخ.

قال طاب ثراه : وحدّه (اي حدّ العجز) ان يؤخر النجم عن محله ، وفي رواية أن يؤخر نجما الى نجم. وكذا لو علم من حاله العجز.

__________________

(١) في (گل) : يؤجل.

(٢) المبسوط : ج ٦ كتاب المكاتب ص ١٢٠ س ٢١ فإنه في دعوى السيد مع العبد قال : فاذا حلف سقط دعوى السيد والعبد حر إلخ.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : اختلف الأصحاب في حد التأخير المسمى بالعجز المبيح للفسخ على أقوال :

(أ) حده تأخير النجم عن محله قاله المفيد (١) وابن إدريس (٢) والشيخ في الاستبصار (٣) وظاهر أبي علي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

(ب) حدّه تأخير نجم الى نجم قاله الشيخ في النهاية (٧) وتبعه القاضي (٨).

(ج) حدّه التأخير إلى ثلاثة أنجم قاله الصدوق (٩).

احتج الأولون بصحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن مكاتبة أدت ثلثي مكاتبها ، وقد شرط عليها ان عجزت فهي رد في الرق ، ونحن في حل مما أخذنا منها ، وقد اجتمع عليها نجمان قال : ترد وبطيب لهم ما أخذوا ، وليس

__________________

(١) المقنعة : ص ٨٥ س ٣١ قال : واما المكاتبة إلى قوله : انك إذا عجزت عن الأداء ، أو لططت به وقد حل الأجل كان عبدا ، وقال في المختلف بعد نقل قول المفيد : وهذا يقتضي ان يكون العجز تأخيرا لنجم عن وقته.

(٢) السرائر : باب المكاتبة ص ٣٤٩ س ٢٦ قال : والاولى ان نقول : ان يؤخر النجم بعد محله.

(٣) الاستبصار : ج ٤ (١٨) باب المكاتب المشروط عليه ان عجز فهو رد في الرق وما حد العجز عن ذلك الحديث ١ عن معاوية بن وهب وفيه : ليس له ان يؤخر نجما عن أجله إلخ وقال في ص ٣٥ في مقام الجمع بين الروايات ما لفظه : (وقد بين ابنه عليه السّلام في رواية معاوية بن وهب التي قدمناها في أول الباب).

(٤) المختلف : في أحكام المكاتبة ، ص ٨٨ س ٢٢ قال : وقال ابن الجنيد : فهو رق رجع رقا متى عجز عن أداء نجم في وقته ، الى ان قال بعد نقل قول الشيخ في الاستبصار : وهو المعتمد.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) المختلف : في أحكام المكاتبة ، ص ٨٨ س ٢٢ قال : وقال ابن الجنيد : فهو رق رجع رقا متى عجز عن أداء نجم في وقته ، الى ان قال بعد نقل قول الشيخ في الاستبصار : وهو المعتمد.

(٧) النهاية : باب المكاتبة ص ٥٤٩ س ١٥ قال : وحد العجز هو ان يؤخر نجما الى نجم إلخ.

(٨) المهذب : ج ٢ باب المكاتبة ص ٣٧٦ س ٦ قال : وحدّ عجزه أن يؤخر نجما الى نجم إلخ.

(٩) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٨ س ١٥ قال : ينتظر بالمكاتب ثلاثة أنجم.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لها ان تؤخر النجم بعد حله شهرا واحدا إلا بإذنهم (١).

وفي الصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام الى ان قال : فقلت : ما حدّ العجز؟ فقال : ان قضاتنا يقولون : انّ عجز المكاتب ان يؤخر النجم الى نجم أخر حتى يحول عليه الحول ، قلت : فما تقول أنت؟ قال : لا ولا كرامة ، ليس له ان يؤخر نجما عن أجله إذا كان ذلك في شرطه (٢).

احتج الشيخ بما رواه إسحاق بن عمار عن الصادق وعن الباقر عليهما السّلام انّ عليا عليه السّلام كان يقول : إذا عجز المكاتب لم يرد مكاتبه في الرق ، ولكن ينظر عاما أو عامين ، فان قام بمكاتبته ، والّا ردّ مملوكا (٣).

احتج الصدوق بما رواه جابر عن الباقر عليه السّلام قال : سألته عن المكاتب ان عجز فهو ردّ في الرق فعجز قبل ان يؤدي شيئا ، فقال أبو جعفر عليه السّلام : لا ترده في الرق حتى يمضي له ثلاث سنين ، ويعتق منه بقدر ما ادى ، فاما إذا صبروا فليس لهم ان يردوه في الرق (٤).

وأجيب بضعف السند والحمل على الاستحباب (٥).

وفصّل أبو علي فقال : ان شرط رقه ان عجز عن شي‌ء من المال استرق متى عجز

__________________

(١) الاستبصار : ج ٤ (١٨) باب المكاتب المشروط عليه ان عجز فهو ردّ في الرق وما حد العجز في ذلك ص ٣٤ الحديث ٢.

(٢) الاستبصار : ج ٤ (١٨) باب المكاتب المشروط عليه ان عجز فهو ردّ في الرق وما حد العجز في ذلك ص ٣٣ الحديث ١.

(٣) الاستبصار : ج ٤ (١٨) باب المكاتب المشروط عليه ان عجز فهو ردّ في الرق وما حد العجز في ذلك ص ٣٤ الحديث ٣.

(٤) الاستبصار : ج ٤ (١٨) باب المكاتب المشروط عليه ان عجز فهو ردّ في الرق وما حد العجز في ذلك ص ٣٤ الحديث ٤.

(٥) المختلف : في أحكام المكاتبة ص ٨٨ س ٣٦ قال : والجواب الحمل الاستحباب وضعف السند.

٩١

وكل ما يشترطه المولى على المكاتب لازم ما لم يخالف المشروع.

ويعتبر في المالك جواز التصرف ، والاختيار ، والقصد ، وفي اعتبار الإسلام تردد ، أشبهه : انه لا يعتبر.

______________________________________________________

عن أداء نجم أو بعضه في وقته ، وان قال : ان عجزت عن نجم لم يتحقق العجز عن بعضه (١) واستحسنه الشهيد طاب ثراه (٢).

قوله : (وكذا لو علم من حاله العجز) هذا تمام قوله المحكى : (وقيل ان يؤخر نجما الى نجم وكذا لو علم من حاله العجز) معناه : ان حد العجز ان يؤخر نجما الى نجم ، أو يعلم من حاله بعد حلول النجم الأول ، فلا يجب الصبر الى حلول النجم الأخر ، بل إذا حل نجم وعجز عنه ، فإن رجى له الوفاء الى النجم الأخر صبر عليه حتى يحل عليه النجم الأخر ، وان علم من حاله العجز جاز الفسخ بعد حلول النجم الأول ولا يجب الصبر حتى يحل النجم الأخر.

قال طاب ثراه : ويعتبر في المالك جواز التصرف والاختيار والقصد ، وفي اعتبار الإسلام تردد ، أشبهه انه لا يعتبر.

أقول : هل يعتبر في السيد الإسلام ، أو لا يشترط ، فيجوز ان يكاتب الذمي عبده الذمي؟ فيه خلاف مبني على عتق الكافر ، فمن اجازه أجاز الكتابة ، بل هي أولى ، ومن منع عتقه اختلف هنا ، فبعضهم أبطلها لأنها عتق بعوض ، والأكثرون على الصحة وهو اختيار المصنف (٣) والعلّامة (٤) لأنها معاملة بين السيد وعبده على

__________________

(١) المختلف : في أحكام المكاتبة ص ٨٧ س ٢٢ قال : وقال ابن الجنيد : لو قال : وعلى انه ان عجز بشي‌ء من مال كتابته ونجومه فهو رق الى ان قال فان قال فان عجز عن نجم من نجومه فبقي عليه بعض نجم الأخير لم يرجع رقا إلخ.

(٢) المسالك : ج ٢ في الكتابة ص ١٤٥ س ٣٨ قال : إذا عجز المكاتب عن مال الكتابة أو بعضه جاز للمولى الفسخ في الجملة إلخ.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) المختلف : في أحكام المكاتبة ص ٨٧ س ٣٩ فإنه بعد ما نقل عن السيد عدم الجواز واستدلاله

٩٢

ويعتبر في المملوك التكليف ، وفي كتابة الكافر تردد أظهره المنع.

______________________________________________________

عوض معلوم ، فهي نوع معاوضة ، فيصح من الكافر.

ويتفرع على ذلك ما لو كان العبد مسلما هل يصح كتابته ، أو يجبر على بيعه ، بالثاني قال أبو علي (١) واختاره العلامة (٢) لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر على الفور والكتابة لا يحصل منها الإخراج على الفور ، ولحصول السبيل بالتسلط بالاستيفاء ، وهو منفي بالاية (٣) ولعموم النص بوجوب البيع (٤) وليست الكتابة بيعا ، وأجازها بعضهم لقطع السلطنة ، فيزول المحذور ، ولأصالة الجواز.

قال طاب ثراه : ويعتبر في المملوك التكليف ، وفي كتابة الكافر تردد أظهره المنع.

أقول : اعتبار الإسلام وعدمه في العبد مبنى على ان الخبر المذكور في قوله تعالى (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (٥) هل المراد به الديانة خاصة كما ذهب اليه السيد (٦) أو المال خاصة كما ذهب اليه المصنف (٧) والعلامة (٨) أو هما معا كما

__________________

بما استدل به من عدم جواز عتق الكافر قال : والوجه للجواز.

(١) الإيضاح : ج ٣ ص ٥٨٩ س ٥ قال : هل يصح منه (أي من الذمي) كتابة عبده المسلم الى قوله : قال المصنف الأقرب المنع وهو اختيار ابن الجنيد إلخ.

(٢) التحرير في الكتابة ص ٨٤ س ٣ قال : (و) لو أسلم العبد خاصة بيع على مولاه ، وليس للمولى كتابته ، وفي القواعد ص ١١٨ س ١٣ قال : بل يقهر على بيعه من مسلم.

(٣) سورة النساء / ١٤١ قال تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً.)

(٤) الكافي : ج ٧ النوادر من كتاب القضاء ، ص ٤٣٢ ح ١٩.

(٥) سورة النور / ٣٣.

(٦) الانتصار : في شرائط المكاتبة ص ١٧٤ س ٣ قال : (مسألة) ومما انفردت به الإمامية إلى قوله : ويسمى ذو الايمان والدين خيرا.

(٧) الشرائع : كتاب المكاتبة (الصيغة) قال : الكتابة مستحبة ابتداء مع الامانة والاكتساب.

(٨) قال في المختلف : ص ٨٩ س ١٠ : والمعتمد ان نقول : ان الخير في القران قد ورد بمعنى العمل الصالح وبمعنى المال وبمعنى الثواب الى قوله : وليس في القرآن العزيز ما يدل على احد الثلاثة ، وقال في التحرير ج ٢ ص ٨٣ س ٢١ : مع امانة العبد وقدرته على التكسب.

٩٣

ويعتبر في العوض كونه دينا مؤجلا ، معلوم القدر والوصف مما يصح تملكه للمولى ، ولا حد لأكثره ، لكن يكره ان يتجاوز قيمته ، ولو دفع ما عليه قبل الأجل ، فالولي في قبضه بالخيار.

ولو عجز المطلق عن الأداء فكه الامام من سهم الرقاب وجوبا.

______________________________________________________

ذهب إليه أبو علي (١) والشيخ في الكتابين (٢) (٣) فعلى الأول والثالث لا يصح كتابة الكافر ، ويصح على الثاني.

احتج السيد ، بان في تحرير الكافر تسلطا على مكاره أهل الدين والايمان. وبأنه موادة وموادة الكافر حرام للاية (٤) وبأنه لا يسمى الكافر والمرتد إذا كانا موسرين بانّ فيهما خيرا ، ويسمى ذو الايمان خيرا وان لم يكن موسرا.

والأقوى الجواز لأنها نوع معاملة ، ولأن الخير لو حمل على الدين لم يكن منافيا للجواز ، لأن الأمر بالكتابة مع الصلاح والإيتاء من مال الله لا يمنع من كتابة الكافر ، لأن الكتابة مع الصلاح مستحبة ، والإيتاء مع الحاجة واجب وهما لا يرفعان الجواز.

احتج الشيخ بما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) قال : الخير ان يشهد ان لا إله إلا الله وان محمّد رسول الله ، ويكون بيده ما يكتسب به ، أو يكون له حرفة (٥).

__________________

(١) المختلف : ص ٨٩ س ١٠ فبعد النقل عن الشيخ بان المراد بالخير الكسب والأمانة قال : وبه قال ابن الجنيد.

(٢) المبسوط : ج ٦ كتاب المكاتب ص ٧٣ س ١٣ قال : واختلف في الخير المراد بالاية الى قوله : وقال اخرون هو الامانة والاكتساب وهو مذهبنا.

(٣) كتاب الخلاف : كتاب المكاتب (مسألة ٣) قال : فالخير المراد به الامانة والاكتساب.

(٤) سورة المجادلة / ٢٢ قال تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ.)

(٥) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٠) باب المكاتبة ص ٧٨ الحديث ٢٣.

٩٤

واما الأحكام فمسائل.

الأولى ، إذا مات المشروط بطلت الكتابة وكان ماله وأولاده لمولاه. وان مات المطلق وقد أدى شيئا تحرر منه بقدره ، وكان للمولى من تركته بنسبة ما بقي من رقبته ، ولورثته بنسبة الحرية ان كانوا أحرارا في الأصل ، والا تحرر منهم بقدر ما تحرر منه وألزموا بما بقي من مال الكتابة ، فإذا أدّوه تحرروا ، ولو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم. وفي رواية يؤدّون ما بقي من مال الكتابة وما فضل لهم.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي رواية يؤدّون ما بقي من مال الكتابة وما فضل لهم.

أقول : إذا مات المكاتب المشروط بطلت الكتابة لقوله عليه السّلام : المشروط رق ما بقي عليه درهم (١) وحكم بكونه مات رقا ، فمئونته على سيده ، وله ماله وأولاده.

أما المطلق : فان مات قبل أداء شي‌ء من مال الكتابة فكذلك سواء ترك مالا أو لا. ويحتمل مع التركة إخراج مال الكتابة لأنه كالدين وما فضل للوارث.

وان كان بعد ان أدّى شيئا تحرر منه بقدر ما ادى ، وما بقي منه بطلت الكتابة فيه لتحقق عجزه عن أداء ما يخصّ ذلك القدر ، لخروجه عن أهلية الملك بالموت ، وحينئذ تكون مئونة تجهيزه بالنسبة كما لو كان حيا ، فعلى السيد من المؤنة بمقدار ما أدى ، وعلى التركة بمقدار ما عتق ، وكان ماله وأولاده على النسبة فما يخص نصيب الرقية للسيد ، وما يقابل نصيب الحرية للورثة ، فإن كانوا أحرارا فلا كلام ، وان كانوا أرقاقا ولدوا بعد المكاتبة كان ما يقابل نصيب الرقية منهم مكاتبا وعليهم ان يؤدوا ما بقي على أبيهم من مال الكتابة لا ما يساوي قيمتهم ، فان كان من نصيبهم من

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ باب التدبير والمكاتبة. ص ٤٣٧ الحديث ١٨.

٩٥

والمطلق إذا وصّى أو اوصى له صح نصيب الحرية وبطل في الزائد ، وكذا لو وجب عليه حدّ أقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة ما فيه من الحرية ، ومن حد العبد بنسبة ما فيه من الرقية. ولو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحدّ بقدر نصيبه منها وحدّ بما تحرر.

(الثانية) ليس للمكاتب التصرف في ماله بهبة ، ولا عتق ولا إقراض إلّا بإذن المولى ، وليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء ، ولا يحل له وطئ المكاتبة بالملك ولا بالعقد ، ولو وطئها مكرها لزمه مهرها ، ولا تتزوج إلّا بإذنه ، ولو حملت بعد الكتابة كان حكم ولدها حكمها إذا لم يكونوا أحرارا.

(الثالثة) يجب على المولى إعانته من الزكاة ، ولو لم يكن استحب تبرعا.

______________________________________________________

التركة بقدره دفعوه الى السيد وانعتقوا ، ولو أرادوا إمساكه ودفعه نجوما كما كان على أبيهم منعوا منه ، لحلول الدين بالموت ، وان كان قاصرا سعوا في الباقي فإذا أدوه تحرروا.

هذا هو المشهور عند علمائنا.

قاله الشيخ في الاستبصار (١) وهو ظاهر النهاية (٢) والمبسوط (٣).

__________________

(١) الاستبصار : ج ٤ (٢١) باب ميراث المكاتب ص ٣٨ فإنه بعد نقل الاخبار الآتية وما يشعر منها التنافي قال : فلا تنافى بين هذه الاخبار والاخبار الأولة إلخ.

(٢) النهاية : باب المكاتبة ص ٥٥٠ س ١١ قال : فان مات المكاتب وترك مالا وترك أولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبودية إلخ.

(٣) المبسوط : ج ٦ كتاب المكاتب ص ٩١ س ١٥ قال : وعندنا ان كان مشروطا انفسخت المكاتبة وان كانت مطلقة وقد ادى بعضه إلخ.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه دلت صحيحتا بريد العجلي (١) ومحمّد بن قيس (٢) وأطلق الصدوق هذا الحكم ولم يفصّل الى المشروط والمطلق (٣) وقال أبو علي : لو مات المكاتب لم يكن للسيد إلا بقية مكاتبته وكان الباقي في ديونه ووصاياه ولورثته ولم يفصل أيضا (٤) وقال في الخلاف : إذا مات المكاتب المشروط عليه وخلف تركة فإن كان فيها وفاء لما عليه وفي منها ما عليه وكان الباقي لورثته ، وان لم يكن فيها وفاء كان ما خلفه لمولاه ، لان ذلك عجز عن الأداء ، وان كان له أولاد من مملوكة له كان حكمهم حكمه ، فإن وفوا ما عليه انعتقوا ، وان عجزوا عن ذلك كانوا مماليك لسيد أبيهم ، وان كانت مطلقة ورث بحساب ما ادى منه ورثته ، وبحساب ما بقي للسيد (٥).

فالحاصل : ان في المسألة أربعة أقوال.

(الأول) البطلان في المشروط ، والقسمة على النسبة في المطلقة ، وهو المشهور.

(الثاني) التوزيع في المطلقة والبطلان في المشروط مع عدم وفاء التركة ، وعدم البطلان فيها مع الوفاء ، فيرث الفاضل من مال الكتابة ورثته وهو قول الشيخ في الخلاف.

(الثالث) قسمة ما ترك على النسبة بين السيد والأولاد من غير تفصيل بين المطلقة والمشروطة وهو قول الصدوق.

__________________

(١) سيأتيان عن قريب.

(٢) سيأتيان عن قريب.

(٣) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٩ س ٧ قال : وان مات مكاتب وقد ادى بعض مكاتبته (ولم يفصل بين المشروط المطلق).

(٤) المختلف : في أحكام المكاتبة ص ٨٨ س ١٣ قال : وقال ابن الجنيد : ولو مات هذا المكاتب الى قوله : ولم يفصل.

(٥) كتاب الخلاف : كتاب المكاتب (مسألة ١٨) قال : إذا مات المكاتب المشروط عليه الى آخر ما في المتن.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(الرابع) وجوب قضاء ما بقي من مال الكتابة من أصل التركة كالدين والفاضل للورثة من غير تفصيل أيضا ، وهو قول أبي علي.

احتج الأولون بصحيحة بريد بن معاوية العجلي قال : سألته عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه حين كاتبه ان هو عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق ، وانّ المكاتب أدى الى مولاه خمسمائة درهم ، ثمَّ مات المكاتب وترك مالا وترك ابنا له مدركا ، قال : نصف ما ترك المكاتب من شي‌ء فإنه لمولاه الذي كاتبه ، والنصف الباقي لابن المكاتب ، لأن المكاتب مات ونصفه حرّ ونصفه عبد للذي كاتبه ، فابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حرّ ونصفه عبد للذي كاتب أباه ، فإن أدى الى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ لا سبيل لأحد من الناس عليه (١) هذا سند ما ذكرناه في المطلق.

واما المشروط : فصحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السّلام قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مكاتب يؤدى بعض مكاتبته ثمَّ يموت ويترك ابنا له من جارية له ، فقال : ان كان اشترط عليه انه ان عجز فهو رق يرجع ابنه مملوكا والجارية ، وان لم يشترط صار ابنه حرّا وردّ على المولى بقية المكاتبة وورث ابنه ما بقي (٢).

احتج أبو علي بهذه الرواية وبصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام في مكاتب يموت وقد أدّى بعض مكاتبته وله ابن من جاريته ، قال : ان اشترط عليه ان عجز فهو مملوك رجع ابنه مملوكا والجارية وان لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته وورث ما بقي (٣).

__________________

(١) الاستبصار : ج ٤ (٢١) باب ميراث المكاتب ص ٣٧ الحديث ١.

(٢) الاستبصار : ج ٤ (٢١) باب ميراث المكاتب ص ٣٨ الحديث ٤.

(٣) الاستبصار : ج ٤ (٢١) باب ميراث المكاتب ص ٣٧ الحديث ٣.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

احتج الصدوق بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب توفي وله مال ، قال : يقسّم ماله على قدر ما أعتق منه لورثته ، وما لم يعتق يحسب منه لأربابه الذين كاتبوه ، وهو ماله (١).

ذكر الاستيلاد

مقدمات

(الأولى) أجمعت الأمة على اباحة الوطي بملك اليمين.

والأصل فيه الكتاب والسنة قال الله جلت عظمته (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) الآية (٢).

وفعله النبي صلّى الله عليه وآله : فإن مارية القبطية كانت جارية له صلّى الله عليه وآله ، وهي أم ولد له وهو إبراهيم (٣).

وكان في الملل السالفة كملة إبراهيم عليه السّلام : فانّ هاجر أم إسماعيل كانت جارية سرية لإبراهيم عليه السّلام (٤).

__________________

(١) الاستبصار : ج ٤ (٢١) باب ميراث المكاتب ص ٣٧ الحديث ٢.

(٢) سورة المؤمنون / ٥ ـ ٦.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد : ج ١ ص ١٣٤ وفيه : (واهدى ـ اى المقوقس صاحب الإسكندرية ـ إلى النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم مارية القبطية إلى قوله : فوطئ مارية بالملك.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد : ج ١ ص ٤٨ وفيه : كانت هاجر من القبط إلى قوله : فوهبت سارة هاجر لإبراهيم (ع) فوطئها فولدت له إسماعيل.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكان لسليمان بن داود عليهما السّلام سبعمائة سرية (١).

(الثانية) كل مملوكة علقت من سيدها حين ملكه بحر ، يلحق به شرعا فهي أم ولد له حقيقة شرعية.

(الثالثة) للاستيلاد احكام.

(أ) ابطال كلّ تصرف ناقل للملك عنه الى غيره ، غير مستلزم العتق بذاته ، فيجوز بيعها الى من ينعتق عليه لا بشرط يترقب كبيعها على من شرط عتقها على الأقوى.

(ب) ابطال ما يستلزم النقل كالرهن.

(ج) العتق بثلاث شروط :

وفاة المولى.

وبقاء حياة ولدها.

وخلو ذمته عن ثمنها ، أو وفاء التركة به. ولو وفت التركة بالبعض قوّم عليه الباقي على الأظهر.

(الرابعة) يظهر ثبوت الاستيلاد وأحكامه بالوطي بوضعها علقة أو ما بعدها إجماعا ، وفي النطفة قولان.

(الخامسة) يستمر حكم الاستيلاد ما دام الولد حيا ، لا في حكم الميت قطعا كارتداده عن فطرة ، وموت الأب أو حكمه فينعتق بالشرائط.

(السادسة) الاستيلاد ينزّل منزلة الإتلاف ، فاستيلاد المريض من الأصل كالصحيح فيقدّم على الديون.

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد : ج ٨ ص ٢٠٢ وفيه (قد كان لسليمان بن داود ألف امرأة سبعمائة مهيرة وثلاثمائة سرية.

١٠٠