المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمله ضعيفا ، لان التصرف في الصدقة لما جاز بواسطة البيع ، فجوازه بغير واسطة أولى ، لأن البيع إثبات ولاية في تصرف ، وهو على خلاف الأصل أيضا ، وفي الصدقة بعينها تحليل لمخالفة الأصل.

(الثالث) هل هذا التصدق بالثمن بعد انقضاء ثلاثة الحبس ، أو مدة الحبس هو الثلاثة ويجب في الصدقة التأخير إلى تمام الحول؟

النصوص وعبارات الأصحاب إطلاق الاذن في البيع بعد حبسها ثلاثة أيام والصدقة به ، أو احتفاظه من غير شرط ، فلو كان التأخير شرطا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، أو الإغراء بالجهل ، أو جعل السبب غير التام تاما ، والكل محال.

واستشكله العلّامة في القواعد (١) من حيث عموم الأمر بالتعريف حولا (٢) وللاحتياط لجواز ظهور المالك في أثناء الحول وتعلق غرضه بعوض ماله ، وليس بمعتمد.

(الرابع) هل يجوز ان يبقي عينها امانة؟ قال العلّامة في التحرير : نعم (٣) ، ويحتمل عدمه لورود النص باحتفاظ الثمن.

(الخامس) لو تصدق بثمنها وكره المالك ضمن.

(السادس) هل يجب تعريف الثمن لو أبقاه طول الحول؟ الأظهر ذلك كغيرها ، ولخفاء حالها عن المالك ، ويحتمل ضعيفا عدمه ، لأنهم لم يذكروه.

(السابع) لو أراد التملك بعد التعريف حولا هل يجوز له ذلك؟ الظاهر لا.

__________________

(١) القواعد : ج ١ (الفصل الثاني في الحيوان) ص ١٩٧ س ٩ قال : وفي الصدقة بعينها أو قبل الحول بثمنها اشكال.

(٢) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٦ الحديث ٣٤ وفيه (تعرفها سنة).

(٣) التحرير : ج ٢ (الفصل الثاني في الملتقط من الحيوان) ص ١٢٥ س ٣٠ قال : والوجه عندي جواز إبقائها في يده إلخ.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

تذنيب

والحق بالشاة ما لا يمتنع من صغير السباع كأطفال الإبل والبقر في جواز الالتقاط في الفلاة ، وتحريمه في العمران ، ولا يتبعها في باقي الاحكام من الحبس ثلاثة أيام ثمَّ البيع والتصدق قبل الحول ، بل يجب التعريف حولا ، نعم يساويها في عدم رجوعه بالنفقة مدة بقائها.

فالحاصل : ان الاحكام هنا ستة.

(أ) جواز الالتقاط وعدمه على التفصيل.

(ب) جواز الإبقاء أمانة.

(ج) عدم الرجوع بالنفقة.

(د) جواز البيع بعد ثلاثة.

(ه) جواز التصدق بالثمن.

(و) الخروج عن عهدتها قبل الحول بالتصدق بعد الثلاثة ، فالثلاثة الأول تشمل الكل ، والثلاثة الأخيرة تختص بالشاة.

تنبيه

اختصت الشاة في باب اللقطة عن غيرها من الضوال الملقوطة بأمور خمسة.

(أ) تملّكها مجانا إذا وجدت في الفلاة صحيحة على اختيار الصدوقين (١).

(ب) نصاب تعريف العين فيها ثلاثة أيام.

(ج) جواز بيعها بعد الثلاثة من غير ضرورة.

__________________

(١) تقدم آنفا.

٣٠٢

وينفق الواجد على الضالة ان لم يجد سلطانا ينفق من بيت المال ، وهل يرجع على المالك؟ الأشبه ، نعم.

______________________________________________________

(د) جواز التصدق بها قبل الحول.

(ه) على القول بضمان المأخوذ في الفلاة يجوز تملكها والتصرف فيها في الحال من غير تعريف بإجماع العلماء ، وكذا بيعها ، لأنه أولى من أكلها.

قال طاب ثراه : وينفق الواجد على الضالة ان لم يجد سلطانا ينفق من بيت المال ، وهل يرجع على المالك؟ الأشبه : نعم.

أقول : الضالة إذا أخذت حيث لا يجوز أخذها كالبعير الصحيح في الفلاة ، أو الشاة في العمران لا يرجع بنفقتها مدة بقائها عنده على الأقوى. وكذا لو التقط المملوك المميز.

أمّا ما يجوز التقاطه على كراهية كأطفال الإبل والبقر في الفلاة والعمران إذا تحقق تلفها ، فالأولى له دفعها الى الحاكم ليبيعها ويعرّف ثمنها ، أو ينفق عليها من بيت المال ، أو يرسلها في الحمى أو غير ذلك.

وبالجملة هو ولي الغياب بفعل ما يراه الحظ ، وان لم يرفع أمرها إلى الحاكم وآثر إبقائها عنده أنفق عليها ولا يرجع بالنفقة إجماعا.

أما أولا : فلان عليه الحفظ ، ولا يتم إلا بالإنفاق ، فيكون واجبا عليه.

وأما ثانيا : فلأنّ النفقة ربما تكررت وأدت إلى استغراق القيمة ، وفيه ضرر على المالك ، فلا يتسلط عليه بمجرد ارادته من غير قول المالك ولا وكيله ولا وليه ، ولا ضرورة الى ذلك ، لان ولي المالك وهو الحاكم موجود ، والوصول اليه ممكن ، لأنه التقدير.

اما لو لم يجد الحاكم وأنفق ، فإن تبرع لم يرجع قطعا ، وان لم يتبرع فهل يرجع أم لا؟ فهذا هو موضوع المسألة ومحل الخلاف.

إذا تمهد هذا فنقول :

٣٠٣

ولو كان للضالة نفع كالظهر أو اللبن ، قال الشيخ في النهاية : كان بإزاء ما أنفق ، والوجه التقاص.

______________________________________________________

ذهب الشيخان وسلار الى جواز الرجوع (١) (٢) (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥) دفعا لتوجه الضرر بالالتقاط ، وهو منفي بالاية (٦) والرواية (٧) ولوجوب الحفظ والوجوب إذن شرعي ، فيرجع ، كالمودع والمرتهن. وقال ابن إدريس : لا يرجع (٨) لأنه لا دليل عليه وقد بيناه.

قال طاب ثراه : ولو كان للضالة نفع كالظهر أو اللبن قال في النهاية : كان بإزاء ما أنفق ، والوجه : التقاص.

أقول : هنا ثلاثة أقوال.

(الأول) لا عوض له عن الإنفاق أصلا ، لوجوبه عليه ، وعليه ردّ ما استوفاه ، قاله ابن إدريس (٩).

__________________

(١) المقنعة : باب اللقطة ص ٩٩ س ٢٠ قال : فان لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه وكان له الرجوع بنفقته عليه إلخ.

(٢) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢٣ س ٢ قال : فان لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه وكان له الرجوع بنفقته عليه إذا بلغ.

(٣) المراسم : ذكر اللقطة ص ٢٠٥ س ١٥ قال : فان لم يجد أنفق هو عليه ويرجع عليه إذا بلغ وأيسر.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) المختلف : ج ١ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٤ س ٥ قال : والوجه : ان ما أنفقه مع نيته الرجوع يرجع به.

(٦) قال تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج / ٧٨.

(٧) لاحظ عوالي اللئالي : ج ١ ص ٣٨٣ الحديث ١١ وج ٢ ص ٧٤ الحديث ١٩٥ وج ٣ ص ٢١٠ الحديث ٥٤.

(٨) السرائر : باب اللقطة والضالة ص ١٨٠ س ١٤ قال : والأقوى عندي انه لا يرجع عليه لأنه لا دليل عليه.

(٩) السرائر : باب اللقطة والضالة ص ١٨١ س ٥ قال : فان كان انتفع بلبن فيجب عليه رد مثله والذي أنفقه عليه يذهب ضياعا.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(الثاني) التقاص : ومعناه النظر في قيمة ما انتفع به وقدر ما أنفق ، فإن تساويا تهافتا (١) ، وان تفاوتا رجع صاحب الفضل قاله المصنف (٢) والعلّامة (٣) لأنه الأنسب بالعدل.

(الثالث) كون ما انتفع به بإزاء نفقته رأسا برأس قاله الشيخ في النهاية (٤) ولعله حمل ذلك على الرهن ، لأنه يختار ذلك في باب الرهن.

والتعويل في ذلك على رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام : قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب النفقة ، والدّر يشرب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب النفقة (٥).

والتمسك ضعيف من وجوه :

(أ) منع الحكم في الأصل.

(ب) منع التعدي ، إذ هو قياس وهو ممنوع.

(ج) ضعف السند (٦).

__________________

(١) في گل : (تهاترا).

(٢) الشرائع : كتاب اللقطة (في الأحكام) الثانية : قال : وقيل ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصان ، وهو أشبه ولاحظ النافع أيضا.

(٣) التحرير : ج ٢ كتاب اللقطة (في الملتقط من الحيوان) ص ١٢٦ س ٤ قال : قال الشيخ : يكون بإزاء النفقة ، والوجه التقاص.

(٤) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢٤ س ٦ قال : وان كان من أنفق عليه قد انتفع بشي‌ء من جهته الى قوله : كان ذلك بإزاء ما أنفق إلخ.

(٥) التهذيب : ج ٦ (١٥) باب الرهون ص ١٧٦ الحديث ٣٢.

(٦) سند الحديث كما في التهذيب (محمّد بن علي بن محبوب) عن احمد بن محمد ، عن البرقي ، عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني عن جعفر إلخ).

٣٠٥

(القسم الثالث) وفيه ثلاث فصول.

الأول ، اللقطة : كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه ، فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف ، وقدر الدرهم روايتان.

______________________________________________________

(د) قصور دلالته على المطلوب ، لجواز التقاص ، ويكون الفائدة من الخبر الاذن في الانتفاء بالظهر واللبن.

قال طاب ثراه : وفي قدر الدرهم روايتان.

أقول : اختلف الأصحاب في نصاب التعريف ، اعني القدر الذي يجب تعريفه إذا أخذ ولا يحل تملكه ، مع اتفاقهم على

وجوب تعريف ما زاد على الدرهم ، وجواز تملك الناقص عنه ، وبقي الاختلاف في قدره كنصاب العفو في الدم الذي يجب إزالته في الصلاة.

فالذي عليه الشيخان وجوب التعريف (١) (٢) وهو مذهب الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣) واختاره ابن إدريس (٤) والمصنف (٥) والعلّامة (٦).

وهو في رواية العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال : سألته عن رجل يصيب درهما ، أو ثوبا أو دابة ، كيف يصنع؟ قال : يعرّفها سنة ،

__________________

(١) المقنعة : باب اللقطة ص ٩٩ س ١٥ قال : ولا بأس ان ينتفع الإنسان بما يجده ممّا لم تبلغ قيمته درهما واحدا.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب اللقطة مسألة ٧ اللقطة إذا كان قيمتها درهما فصاعدا وجب تعريفها ، وان كان دون ذلك لا يجب تعريفها.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٩) باب اللقطة والضالة ص ١٨٦ الحديث ٣.

(٤) السرائر : باب اللقطة والضالة ص ١٧٨ س ٢٨ قال : واللقطة على ضربين ، ضرب منه يجوز أخذه إلى قوله : وهو كلما كان دون الدرهم إلخ.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) المختلف : ج ١ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧١ س ٦ قال : هل يجب تعريف الدرهم أو الزائد عليه الى قوله : والوجه الأول ، أي وجوب التعريف.

٣٠٦

وما كان أزيد ، فإن وجده في الحرم كره أخذه ، وقيل : يحرم ، (١) ولا يحل أخذه إلّا بنية التعريف ، ويعرّف حولا ، فان جاء صاحبه ، والّا تصدق به عنه ، أو استبقاءه امانة ، ولا يملك ، ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الأشهر ، وان وجده في غير الحرم يعرّف حولا ، ثمَّ الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة وإبقائها امانة ، ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط. ولو كانت ممّا لا يبقى كالطعام قوّمها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها ، وان شاء دفعها الى الحاكم ولا ضمان. ويكره أخذ الأدوات ، والمخصرة ، والنعلين ، والشظاظ ، والعصا ، والوتد ، والحبل ، والعقال وأشباهها.

______________________________________________________

فان لم يعرّف حفظها في عرض ماله وهو لها ضامن (١).

وذهب التقي وسلار الى جواز تملكه (٢) (٣).

والمستند ما رواه محمّد بن حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن اللقطة؟ قال : تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا ، قال : وما كان دون الدرهم فلا يعرف (٤).

وهي مرسلة ، والمعتمد الأوّل ، لعصمة مال المسلم ، ولأنه أحوط.

قال طاب ثراه : وما كان أزيد ، فإن كان في الحرم كره أخذه ، وقيل : يحرم.

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٧ الحديث ٣٨.

(٢) الكافي : فصل في اللقطة ص ٣٥٠ س ٧ قال : أحدهما يصح التصرف فيه من غير تعريف الى قوله : ممّا تزيد قيمته على درهم إلخ.

(٣) المراسم : ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ٨ قال : فاما غير الحيوان فعلى ضربين : ما لا تبلغ قيمته أكثر من درهم الى قوله : فالأول يؤخذ وينتفع به بلا تعريف.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٨٩ الحديث ٢.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هنا مسائل.

(الأولى) هل يجوز أخذ لقطة الحرم أم لا؟ المشهور التحريم : لعموم قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) (١) وبه قال الشيخ في النهاية (٢) واختاره العلّامة (٣).

وقال الفقيه : والأفضل ان يترك لقطة الحرم (٤) وبه قال الشيخ في الخلاف (٥) واختاره المصنف (٦).

احتج الأولون : بالاحتياط ، وبما رواه إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن الماضي عليه السّلام قال : لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل ، ولو ان الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها (٧).

ومثلها رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السّلام قال : سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع ما كان له ان يأخذه ، قال : قلت : ابتلي بذلك ، قال : يعرّفه سنة ، قال : عرّفه ولم يجد له باغيا؟ قال : يرجع الى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن (٨).

__________________

(١) سورة العنكبوت / ٦٧.

(٢) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ٦ قال : والضرب الأخر ، وهو الذي لا يجوز أخذه ، فإن أخذه إلى قوله : ضرب منه ما يجده في الحرم إلخ.

(٣) القواعد : ج ١ (الفصل الثالث في لقطة الأموال) ص ١٩٧ س ١٨ قال : وفيه (أي في الحرم)

(٤) المختلف : ج ١ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧١ س ١٢ قال : وعلي بن بابويه : أفضل ما يستعمله في اللقطة إذا وجدها في الحرم ان يتركها ولا يمسها.

(٥) كتاب الخلاف : كتاب اللقطة مسألة ١٢ قال : لقطة الحرم يجوز أخذها.

(٦) لاحظ عبارة الخلاف.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ الحديث ٧.

(٨) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٥ الحديث ٣٠.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد دل الخبر الثاني على ثلاثة أحكام.

(أ) تحريم الأخذ بقوله : (بئس ما صنع ما كان له ان يأخذه).

(ب) وجوب التعريف مطلقا وان قل عن الدرهم ، لان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على عموم المقال ، والّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة والسؤال ، وكلاهما محال على ما بيّن في موضعه.

(ج) ضمان المتصدق مع كراهية المالك.

احتج الآخرون : بالأصل وبما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : لا تحل لقطة الحرم إلّا لمنشد (١) دل بمفهومه على إباحتها مع قصد الإنشاد.

(الثانية) هل يملك لقطة الحرم إذا كانت ناقصة عن نصاب التعريف أو لا؟ بل تكون امانة يجب تعريفها الأول ظاهر القاضي (٢) والثاني مذهب الشيخ في النهاية (٣). وأطلق في الخلاف وجوب التعريف مع قوله بجواز أخذها (٤) وهو اختيار المصنف (٥).

(الثالثة) هل يجوز تملكها بعد التعريف حولا ، أو لا ، بل يكون أمانة دائما؟

__________________

(١) عوالي اللئالي : ص ٤٨٧ الحديث ١٢ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) لم أظفر عليه في المهذب ، وقال في الإيضاح : ج ٢ ص ١٥٠ س ١٩ عند قول المصنف : وفيه يحرم على رأي : أقول : هذا هو المشهور ويظهر من عبارة ابن البراج جواز ما نقص عن الدرهم في الحرم.

(٣) النهاية : باب أخر من فقه الحج ، ص ٢٨٤ س ١٩ قال : ومن وجد شيئا في الحرم فلا يجوز له أخذه إلخ.

(٤) كتاب الخلاف : كتاب اللقطة مسألة ١٢ قال : لقطة الحرم يجوز أخذها ويجب تعريفها سنة إلخ.

(٥) لاحظ عبارة النافع وفي الشرائع : (في لقطة المال) قال : وما كان أزيد من ذلك (أي من الدرهم) فان وجد في الحرم قيل : يحرم أخذه وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التقي على الأول (١) والأكثرون على الثاني (٢).

(الرابعة) لو تصدق بها بعد الحول ، فكره المالك هل يضمن أم لا؟ الشيخ في الكتابين على الأول (٣) (٤) وبه قال ابن إدريس (٥) وأبو علي (٦) واختاره العلّامة في المختلف (٧) والمفيد (٨) وتلميذه على الثاني (٩) وبه قال القاضي (١٠) وابن حمزة (١١) واختاره المصنف (١٢).

__________________

(١) الكافي : (فصل في اللقطة) ص ٣٥٠ س ١٣ قال : فيجب تعريفه سنة كاملة إلى قوله : والا فلاقطه بالخيار بين ان يتصرف فيه إلخ.

(٢) المبسوط : ج ٣ ص ٣٢١ س ٣ قال : ولا يجوز ان يتملكها. وفي القواعد : ج ١ ص ١٩٧ س ١٨ قال : ولا يحل تملكه وفي السرائر : ص ١٧٨ س ٣٣ قال : وهذا الضرب لا يجوز تملكه ولا يصير بعد السنة كسبيل ماله إلخ.

(٣) المبسوط : ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣٢١ س ٣ قال : والصدقة بشرط الضمان.

(٤) كتاب الخلاف : كتاب اللقطة مسألة ١٢ قال : بين ان يتصدق بها بشرط الضمان.

(٥) السرائر : باب اللقطة ص ١٧٨ س ٣٤ قال : فان تصدق به ثمَّ جاء صاحبه ولم يرض بصدقته كان ضامنا له.

(٦) المختلف : ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٠ س ١٢ قال : وبه (أي الضمان) قال أبو علي الى قوله : والأقوى الأول (أي الضمان).

(٧) المختلف : ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٠ س ١٢ قال : وبه (أي الضمان) قال أبو علي الى قوله : والأقوى الأول (أي الضمان).

(٨) المقنعة : باب اللقطة ص ٩٩ س ٦ قال : وليس عليه بعد السنة والتعريف فيها ضمان لصاحبه.

(٩) المراسم : ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ١٩ قال : فما وجد في الحرم الى قوله : والا تصدق به عنه ولا ضمان عليه.

(١٠) المهذب : كتاب اللقطة والضوال واللقيط والآبق ص ٥٦٧ س ٨ قال : وان لم يحضر بعد السنة تصدق به عنه ولا يلزم منه بعد ذلك شي‌ء.

(١١) الوسيلة : فصل في بيان اللقطة والضالة ص ٢٧٨ س ٩ قال : والا تصدق به عنه بعد سنة من غير ضمان.

(١٢) لاحظ عبارة النافع.

٣١٠

(مسائل).

(الأولى) ما يوجد في خربة ، أو فلاة ، أو تحت الأرض فهو لواجده. ولو وجده في أرض لها مالك ، أو بائع ، ولو كان مدفونا عرفه المالك أو البائع ، فإن عرفه فهو أحق به ، والّا كان للواجد ، وكذا ما يجده في جوف دابته. ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ : أخذه بلا تعريف.

______________________________________________________

وللشيخ في النهاية القولان : فالأول اختياره في باب الحج (١) والثاني في اللقطة (٢).

احتج الأولون : بعموم ضمان اليد ، لقوله عليه السّلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدي (٣). ولأنه تصرف بإتلاف المال بغير اذن صاحبه.

احتج الآخرون : بأنها أمانة عنده وقد دفعها مشروعا ، فلا يتعقبه ضمان ، ولأن الأصل عدم الضمان.

فالحاصل : أن لقطة الحرم قد امتازت عن غيرها من اللقط بأمور.

(أ) تحريم أخذها.

(ب) عدم تملكها وان قلّت عن النصاب.

(ج) عدم تملكها بعد الحول.

(د) عدم ضمان المتصدق بها مع كراهية المالك.

وفي الكل شك لكن المحصل ما ذكرناه.

قال طاب ثراه : ولو وجده في جوف سمكة قال الشيخ : أخذه بلا تعريف.

__________________

(١) النهاية : باب أخر من فقه الحج ص ٢٨٤ س ٢٠ قال : والا تصدق به وكان ضامنا.

(٢) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١١ قال : تصدق به عنه وليس عليه شي‌ء.

(٣) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٤ الحديث ١٠٦ وص ٣٨٩ الحديث ٢٢ وج ٢ ص ٣٤٥ الحديث ١٠ وح ٣ ص ٢٤٦ الحديث ٢ وص ٢٥١ الحديث ٣ ولاحظ ما علق عليه.

٣١١

(الثانية) ما وجده في صندوقه أو داره فهو له. ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة إذا أنكره.

______________________________________________________

أقول : إذا وجد شيئا في جوف سمكة فلا يخلو اما ان يكون مباحا في الأصل كالدّرة ، أو يعلم سبق الملك عليه. فاذا علم سبق الملك فلا يخلو اما ان يكون ملك مسلم أو محتمل كالسبيكة ، فالثالث والأول يملكهما الواجد وعليه الخمس ، فان كان هو الصائد اعتبر بلوغ قيمته دينارا ، وان كان قد ابتاعها اخرج خمسه وحلّ له الباقي ، ولا يعتبر فيه نصاب الغوص ، ولا المعدن ، ولا مئونة السنة ، ويكون من باب اللقطة ، وهذا شأنها وجوب إخراج خمسها من غير مقدّر له.

والثاني : وهو ما يعلم سبق ملك المسلم له ، بان يكون عليه سكة الإسلام ، فيه احتمالان.

أحدهما إلحاقه بالأول ، ليأس المالك منه كالمأخوذ في المفاوز.

والأخر ، وهو الأقوى ، وجوب التعريف فيهما ، لعصمة مال المسلم.

والأصل في هذا الحكم : انّ ما في جوف السمكة باق على أصل الإباحة ، لم يدخل في ملك الصائد لعدم علمه به ، فيكون باقيا على أصل الإباحة ، فتملكه الثاني بإثبات يده عليه.

ويعلم من هذا افتقار تملك المباح إلى نية التملك ، لأنه لو كان مجرد إمساكه باليد كاف في حصول الملك لملكه الصائد ، ولم يكن للمشتري ، كما لو كان المبيع غير السمكة كالدابة ، فإنه يجب على المشتري تعريف البائع إجماعا من غير تفصيل.

وهذا مذهب الشيخ رحمه الله (١) والمستند إجماع علمائنا ، وإطلاق سلّار (٢) يحمل

__________________

(١) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢١ س ١٦ قال : ان ابتاع بعيرا الى قوله : فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرّفه من ابتاع إلى أخره ثمَّ قال : فان ابتاع سمكة فوجد في جوفها الى قوله : اخرج منه الخمس وكان له الباقي.

(٢) المراسم : ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ١٥ قال : فما وجده في بطن شي‌ء إلى قوله : أو في بحر وماء اخرج خمسه والباقي ملكه ، وان انتقل اليه بالشراء عرّف ذلك الى البائع إلخ.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على التفصيل ، ولا عبرة بندور ابن إدريس حيث لم يفرق بين السمكة والدابة وأوجب التعريف فيهما (١) وأطلق سلّار وجوب تعريف ما يجده في بطن حيوان اشتراه دون ما صاده أو ملكه بميراث (٢).

القسم الثاني : ان يعلم سبق ملك مسلم له ، كما لو وجد وعليه أثر الإسلام ، فيكون حكمه حكم ما يوجد في المفاوز والخربان : فالشيخ في النهاية وابن إدريس أطلقا القول بملك الواجد له (٣) (٤) فان كان الواجد هو الصائد ملك ذلك عندهما ، وان كان مبتاعا ملكه عند الشيخ خاصة. وقال في المبسوط يكون لقطة لدلالته على سبق ملك المسلم له (٥) وهو اختيار العلّامة (٦).

احتج الشيخ على المدعي الأول : بعموم صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما قال : سألته عن الورق يوجد في دار ، فقال : ان كانت الدار معمورة فهي لأهلها ، وان كانت خربة فأنت أحق بما وجدت (٧).

__________________

(١) السرائر : باب اللقطة ص ١٧٩ س ٣٦ قال : ان ابتاع بعيرا فوجد في جوفه شيئا عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه الى قوله : وكذلك حكم من ابتاع سمكة إلخ.

(٢) تقدّم آنفا.

(٣) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١٤ قال : واما الذي يجده في غير الحرم الى قوله : وان لم يجي‌ء كان كسبيل ماله.

(٤) السرائر : باب اللقطة ص ١٧٨ س ٢٩ قال : كما أباح الشارع التصرف بعد السنة إلى قوله : أو يكون ما يجده في موضع خرب قد باد اهله.

(٥) المبسوط : ج ٣ (فصل في حكم اللقيط وما يوجد معه) ص ٣٣٨ س ٢ قال : فان كان من ضرب الإسلام فإنه يكون لقطة.

(٦) المختلف : ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٦ س ٧ قال بعد نقل المبسوط : وهو حسن لأن أثر الإسلام يدل على سبق تملك المسلم له.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ قطعة من حديث ٥.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

و (ما) في الاستفهام والمجازات للعموم.

وأجاب العلّامة عنه بحمله على انتفاء أثر الإسلام ، أو بعد التعريف حولا (١).

تحصيل

إذا وجد شيئا في جوف دابة ، فإن كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة ، قاله الشيخ في المبسوط (٢) وهو مذهب الأكثر (٣) وفي النهاية أطلق القول بتملك المشتري له مع عدم معرفة البائع (٤) وتبعه ابن إدريس (٥).

وان لم يكن عليه أثر الإسلام وعرّفه البائع فهو أحق به ، وان لم يعرفه ملكه الواجد وعليه الأصحاب ، وصرّح به العلّامة في التذكرة (٦).

لصحيحة عبد الله بن جعفر قال : كتبت الى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي ، فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهر ، لمن يكون؟ قال : فوقّع عليه السّلام عرّفها البائع فان لم يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله إياه (٧).

__________________

(١) المختلف : ج ٢ (فصل في حكم اللقيط وما يوجد معه) ص ١٧٦ س ٩ قال : والجواب انه محمول على انتفاء سكة الإسلام.

(٢) لم أظفر على مفروض المسألة غير الذي تقدم آنفا.

(٣) المختلف : ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٣ س ٦ قال : مسألة قال الشيخ في النهاية إلخ فلاحظ فيها مذهب الأكثر.

(٤) تقدم مختاره آنفا.

(٥) السرائر : باب اللقطة ص ١٧٩ س ٣٦ قال : ان ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة فوجد في جوفه شيئا الى قوله : وكان له الباقي.

(٦) التذكرة : ج ٢ (المطلب الثالث في اللواحق) ص ٢٦٥ س ٢٦ قال : مسألة لو وجد شي‌ء في جوف دابة إلى قوله : والا كانت ملكا له.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٢ الحديث ١٤.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واحتمل العلّامة في التذكرة : ان يكون لقطة يعرّفها البائع وغيره ، ويبدأ بالبائع ، قال : لكن علماءنا على الأوّل (١).

وذهب أحمد الى انّ ما يجده في جوف السمكة يكون للصياد ، لأنه لم يعلم به فلم يدخل في المبيع ، كما لو باع دارا له فيها مال مدفون ، ويكون ذلك للصياد ان كان ممّا يخلق في البحر كالدرة. ولو كان ممّا لا يكون في البحر كالدراهم والدنانير فهو لقطة ، وكذا الدرّة لو كان عليها اثر اليد كما لو كانت مثقوبة ، أو متصلة بذهب أو فضة أو غيرهما (٢).

وهو في موضع المنع ، لان مطلق اليد لا يوجب الاحترام لجواز كونها يد مشرك.

فروع

(أ) يكره أخذ اللقطة من الأموال وان قلّت.

(ب) يحرم التقاط نصاب التعريف لا بنية الإنشاد ، فلو التقطه بنية تملكه فعل حراما ، وكانت يده يد ضمان ، ولو نوى الحفظ بعد ذلك وعرّف حولا لم يزل الضمان. وهل له التملك بعد الحول؟ يحتمل عدمه ، لأنه أخذ مال الغير على وجه لا يجوز أخذه ، فأشبه الغاصب. ويحتمل جوازه لبطلان النية فكان وجودها كعدمها ،

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ كتاب اللقطة ص ٢٦٥ س ٢٦ قال : مسألة : لو وجد شيئا في جوف دابة إلى قوله : لكن علمائنا على الأول.

(٢) نقله عن أحمد في التذكرة : ج ٢ كتاب اللقطة ص ٢٦٥ س ٣٠ قال : وقال أحمد إلخ. وفي كتاب المغني لابن قدامة : ج ٦ كتاب اللقطة ص ٣٧٠ تحت رقم ٤٥١٩ قال : فصل : ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد لان الدر يكون في البحر بدليل قول الله تعالى (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) فيكون لآخذها الى قوله : أو متصلة بذهب أو فضة أو غيرهما.

٣١٥

(الثالثة) لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك ، وقيل : تملك بمضي الحول.

______________________________________________________

واختاره فخر المحققين (١).

(ج) أخذ الضالة الممتنعة في الفلاة وغيرها في العمران حرام. وأخذ غير الممتنع في الفلاة غير الشاة مكروه ، وإذا تحقق تلفه كان مباحا.

قال طاب ثراه : لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ، ما لم ينو التملك ، وقيل : تملك بمضي الحول.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال.

(الأول) دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف بغير اختياره ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية (٢) وابني بابويه (٣) (٤) وابن إدريس (٥).

(الثاني) لا يدخل الا باختياره ، ويكفي فيه النية ، ولا يشترط تلفظه ، اختاره العلّامة في المختلف (٦) وفخر المحققين (٧).

__________________

(١) الإيضاح : ج ٢ (في أحكام اللقطة) ص ١٥٧ س ٩ قال في شرح قول المصنف : (ولو نوى التملك ثمَّ عرّف السنة) أقول : لبطلان النية فكان وجودها كعدمها إلخ.

(٢) النهاية : باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١٥ قال : وان لم يجي‌ء كان كسبيل ماله ويجوز له التصرف فيه.

(٣) المختلف : ج ٢ (في اللقطة) ص ١٧١ س ١٩ فبعد نقل قول النهاية كما قدمناه قال : وكذا قال ابنا بابويه.

(٤) المقنع : باب اللقطة ص ١٢٧ س ٩ قال : فان جاء صاحبها ، والا فهي كسبيل مالك.

(٥) السرائر : باب اللقطة ص ١٧٩ س ٢ قال : فان لم يجي‌ء كان كسبيل ماله بعد السنة والتعريف فيها يجوز له التصرف فيها إلخ.

(٦) المختلف : ج ٢ في اللقطة ص ١٧١ س ٣٢ قال : والمعتمد ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف والمبسوط.

(٧) الإيضاح : ج ٢ في أحكام اللقطة ص ١٥٧ س ٢٢ قال بعد نقل قول المختلف : وهو الصحيح عندي.

٣١٦

(الثاني) الملتقط من له أهلية الاكتساب. فلو التقط الصبي أو المجنون جاز ، ويتولى الولي التعريف. وفي المملوك تردد ، أشبهه : الجواز ، (١) وكذلك المدبر المكاتب ، وأم الولد.

______________________________________________________

(الثالث) لا تدخل في ملكه الا باختياره ، وبان يقول : اخترت ملكها وهو قول الشيخ في الخلاف (١) وابن حمزة (٢) والتقي (٣).

احتج الأولون : بعموم قول الصادق عليه السّلام : يعرّفها سنة فان جاء لها طالب والا فهي كسبيل ماله رواه الحلبي (٤) في الصحيح عقيب التعريف وعدم مجي‌ء المالك بكونها كسبيل ماله ، لأن الفاء للتعقيب من غير تراخ ، فلا يكون معلقا على غيره ، والّا لتراخى عنه.

احتج العلّامة : بقول أحدهما عليهما السّلام : والا فاجعلها في عرض مالك (٥) يجري عليها ما يجري على مالك ، والفاء للتعقيب ، وصيغة افعل للأمر ، ولا أقل من ان يكون للإباحة ، لأنه ليس للتهديد قطعا فيستدعي ان يكون المأمور به مقدورا بعد التعريف وعدم مجي‌ء المالك ، لأنه عقّب امره بالجعل بعدم مجي‌ء المالك والتعريف سنة ، ولم يذكر اللفظ ، فلو شرط لتأخر البيان عن وقت الحاجة ، فلا يشترط اللفظ ، وهو المطلوب.

احتج ابن حمزة : بانّ ما قلناه مجمع على تملكه به ، وغيره ليس عليه دليل.

قال طاب ثراه : وفي المملوك تردد ، أشبهه الجواز.

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب اللقطة مسألة ١٠ قال : لا تدخل في ملكه الّا باختياره ، بان يقول : هذا قد اخترت ملكها.

(٢) لم أعثر عليهما في كتابي الوسيلة والكافي في باب اللقطة ، ولكن قال في المختلف (ج ٢ ص ١٧١ س ٢٢) بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والمبسوط : وكذا قال ابن حمزة وأبو الصلاح.

(٣) لم أعثر عليهما في كتابي الوسيلة والكافي في باب اللقطة ، ولكن قال في المختلف (ج ٢ ص ١٧١ س ٢٢) بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والمبسوط : وكذا قال ابن حمزة وأبو الصلاح.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٨٩ الحديث ٣. وعبارة (رواه. الى قوله ماله) ساقطة من گل

(٥) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ الحديث ٥.

٣١٧

(الثالث) في الاحكام ، وهي ثلاثة.

(الأول) لا يدفع اللقطة إلا بالبينة. ولا يكفي الوصف ، وقيل : يكفي في الأموال الباطنة كالذهب والفضة ، وهو حسن.

______________________________________________________

أقول : منشأ التردد كون العبد ليس أهلا للتملك ، واللقطة اكتساب ، ويؤول إلى الملك لدخولها بعد التعريف في ملك الملتقط بمضي الحول مطلقا عند الشيخ (١) ومع نية التملك عندنا فلا يصح التقاطه ، لعدم تحقق لازم اللقطة فيه.

ولرواية أبي خديجة (سالم بن مكرم الجمال) (٢) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة ، فقال : ما للمملوك واللقطة ، المملوك لا يملك من نفسه شيئا ، فلا يعرض لها المملوك (٣) واختارها فيمن لا يحضره الفقيه (٤).

وذهب الشيخ في الكتابين الى الجواز (٥) (٦) عملا بعموم الاخبار ، ولان له أهلية الاكتساب.

أما لقطة الحرم فلا تعرض لها ، لأنها أمانة محضة ، والمولى مستولى على منافعه ، وربما يتوجه على السيد بذلك ضرر ، فيكون حراما.

قال طاب ثراه : ولا يكفي الوصف ، وقيل : يكفي في الأمور الباطنة ، وهو حسن.

أقول : وجه حسنه تعسر اطلاع البينة على أعيان الأموال غالبا ، فالاقتصار على

__________________

(١) تقدم مختاره آنفا.

(٢) ليس في التهذيب جملة (سالم بن مكرم الجمال) ولكنه موجود في من لا يحضره الفقيه.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٧ الحديث ٣٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٩٠) باب اللقطة والضالة ص ١٨٨ الحديث ٨.

(٥) المبسوط : ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣٢٥ س ٣ قال : هل للعبد أن يلتقط اللقطة؟ قيل فيه قولان أحدهما له ان يلتقط ، والثاني ليس له ذلك ، والأول أقوى لعموم الاخبار.

(٦) كتاب الخلاف : كتاب اللقطة مسألة ٨ قال : العبد إذا وجد لقطة جاز ان يلتقطها.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

البينة عسر وحرج فيكون منفيا بالآية (١) والرواية (٢) ولأنها أمارة يغلب معها الظن.

ولما رواه الشيخ في التهذيب عن محمّد الحجال عن ثعلبة عن سعيد بن عمرو الخثعمي قال : خرجت إلى مكة وانا من أشد الناس حالا فشكوت الى أبي عبد الله عليه السّلام ، فلما خرجت وجدت على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار ، فرجعت اليه من فوري ذلك فأخبرته ، فقال لي : يا سعيد اتق الله عزّ وجلّ وعرّفه في المشاهد وكنت رجوت ان يرخص لي فيه ، فخرجت وانا مغتم ، فأتيت منى ، فتنحيت عن الناس حتى أتيت الماقوفة (٣) فنزلت في بيت متنحيا عن الناس ، ثمَّ قلت : من يعرف الكيس؟ فأوّل صوت صوّت إذا رجل على رأسي يقول : أنا صاحب الكيس ، فقلت في نفسي : أنت فلا كنت ، قلت : فما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته ، فدفعته اليه قال : فتنحى ناحية فعدّها فاذا الدنانير على حالها ، ثمَّ عدّ منها سبعين دينارا فقال : خذها حلالا خير لك من سبعمائة حراما ، فأخذتها ثمَّ دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام فأخبرته كيف تنحيت وكيف صنعت فقال : اما انك حين شكوت اليّ أمرنا لك بثلاثين دينارا ، يا جارية هاتيها فأخذتها وانا من أحسن قومي حالا (٤).

__________________

(١) قال تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج / ٧٨.

(٢) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٣٨٣ الحديث ١١ وص ٢٢٠ الحديث ٩٣ وج ٢ ص ٧٤ الحديث ١٩٥ وج ٣ ص ٢١٠ الحديث ٥٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) الماقوفه : لعله اسم موضع ، أو اسم لمحل الوقوف بمنى (هكذا في هامش التهذيب وفي ملاذ الأخيار ج ١٠ ص ٤٢٦).

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ الحديث ١٠.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(ذكر الجعالة)

مقدمة الجعالة : لغة ما يجعل عوضا عن فعل يتوقع إيجاده.

وشرعا : الصيغة الدالة على الاذن في عمل بعوض التزمه بقوله.

ولما احتيج الى هذا العقد لردّ الإباق والضلال ، ذكره عقيب اللقطة.

وغايته صحة التزام الأعواض على الأعمال المجهولة ، لإمساس الحاجة إليها.

والأصل فيه : الكتاب ، والسنة ، والإجماع.

اما الكتاب : قوله تعالى (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) (١) وفيه دلالة على جواز ضمان الجعالة قبل العمل.

واما السنة : فمن طريق الخاصة ما رواه ابن أبي سيّار عن الصادق عليه السّلام قال : ان النبي صلّى الله عليه وآله جعل في جعل الابق دينارا إذا أخذه في مصره ، وان أخذه في غير مصره فأربعة دنانير (٢).

وأجمعت الأمة على جواز الجعل لا يختلفون فيه ، وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تنبيه

وقد اختص هذا العقد بخاصيتين.

(أ) جواز وقوعه على عمل مجهول.

(ب) عدم استحقاق العامل الا بتمام العمل ، فلو جاء بالضالة أو الآبق من مكان بعيد حتى قارب المنزل ، فأبق العبد أو شرد البعير لم يستحق شيئا.

__________________

(١) سورة يوسف / ٧٢.

(٢) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٨ الحديث ٤٣.

٣٢٠