المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

واما العتق : فعبارته الصريحة التحرير. وفي لفظ العتق تردد (١) ، ولا اعتبار بغير ذلك من الكنايات وان قصد بها العتق ، ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع القدرة على النطق ، ولا يصح جعله يمينا ، ولا بد من تجريده عن شرط متوقع أو صفة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي لفظ العتق تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لا يقع الا بقوله : أنت حر مع القصد (١) وبمثله قال التقي (٢) والقاضي (٣) مع اتفاق الجميع على صحة عتق الجارية وجعل عتقها صداقها بقول سيدها : أعتقتك وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك وقيل : الإعتاق حقيقة في العتق يحصل به الإعتاق ، لأنه لفظ موضوع للعتق ، وهو اختيار العلامة (٤) ومذهب الشهيد (٥).

قال طاب ثراه : ولا يصح جعله يمينا ، ولا بد من تجريده عن شرط متوقع أو صفة.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

(الاولى) لا يصح جعل العتق يمينا ، لأنه لا يمين الا بالله سبحانه ، لقول النبي صلّى الله عليه وآله : من كان حالفا فليحلف بالله والا فليصمت (٦) وصيغته ان

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب العتق ، مسألة ١٤ قال : العتق لا يقع الا بقوله أنت حر مع القصد إلخ.

(٢) الكافي : فصل فيما يقتضي فسخ الرق ص ٣١٧ س ٥ قال : فاللفظ قوله : أنت أو فلان أو فلانة حر لوجه الله تعالى.

(٣) المهذب : ج ٢ ، باب العتق واحكامه ص ٣٥٧ س ٩ قال : وينوي العتق الى قوله : فيقول : أنت أو هذه حر أو حرة لوجه الله.

(٤) التحرير : ج ٢ ، كتاب العتق ص ٧٦ س ٣٤ قال : (ج) صيغة العتق اما صريحة الى قوله : وانما يقع بالتصريح خاصة إلخ.

(٥) اللمعة الدمشقية كتاب العتق : ج ٦ ص ٢٣٣ س ٤ قال : وعبارته الصريحة التحرير مثل أنت حرّ إلخ.

(٦) مسند احمد بن حنبل ج ٢ ص ١١ س ٢٨.

٤١

ويجوز ان يشترط مع العتق شي‌ء. ولو شرط إعادته في الرق ان خالف فقولان : المروي : اللزوم ويشترط في المعتق جواز التصرف ، والاختيار ، والقصد ، والقربة.

______________________________________________________

يقول : أنت حر إن فعلت كذا ، ويكون مراده منع نفسه من فعل ذلك الشي‌ء فألزم نفسه بالعتق زجرا وردعا عن فعل ذلك الشي‌ء المعلق عليه العتق ، كما يلزم الحالف نفسه بالكفارة على تقدير المخالفة ، ويسمى الحلف بالعتق ، وهو جائز عند الحالف كالطلاق والظهار.

(الثاني) الشرط ، وصيغته ان يقول : أنت حران دخلت الدار ، أو ان فعلت كذا ، ويكون مقصوده مجرد التعليق ، أي تعليق العتق على حصول الشرط ، فغرضه وقوع العتق لا مطلقا ، بل عند حصول الشرط ، وصيغته اليمين واحدة ، وانما يمتاز أحدهما عن الأخر بالقصد ، ففي اليمين يكون المقصود نقيض الشرط المعلق عليه حصول العتق ، وفي الشرط يكون المقصود وقوع العتق مع الشرط.

(الثالث) الصفة. وهو ما لا بد من وقوعه في الزمان المستقبل ، كقوله : أنت حر إذا جاء رأس الشهر ، أو أحمرّ البسر.

والفرق بين الشرط والصفة من وجهين.

(أ) ان الشرط يمكن وقوعه في الحال ، والصفة لا يمكن وقوعها في الحال.

(ب) ان الشرط يجوز وقوعه ويجوز ان لا يقع أصلا ، والصفة لا بد من وقوعها في ثاني الحال ، فوقوعها في الحال محال ، وفي الاستقبال واجب ، والشرط وقوعه وعدمه ممكن في الحالين.

إذا عرفت هذا : فنقول : لا يصح تعليق العتق على شرط ولا صفة إجماعا منا.

قال طاب ثراه : ولو شرط إعادته في الرق ان خالف فقولان : المروي : اللزوم.

أقول : اشتراط سائغ مع العتق على العبد جائز ، كقوله : أنت حرّ وعليك كذا ،

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يكون هذا تعليقا ، بل عتقا وشرطا.

واما لو شرط عوده في الرق مع الخلاف ، فهل يصح هذا الشرط ويعاد في الرق مع المخالفة؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

(أ) صحة العتق والشرط قاله الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي (٢) لعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣).

وقوله عليه السّلام : المؤمنون عند شروطهم (٤).

ولما رواه إسحاق بن عمار وغيره عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه ان هو أغارها أن يرده في الرق ، قال : له شرطه (٥) واختاره العلامة في القواعد (٦) وهو ظاهر المصنف في الكتابين (٧) (٨).

(ب) بطلانهما قاله المصنف في النكت (٩) والعلامة في المختلف (١٠) وأجاب عن

__________________

(١) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٢ س ١٥ قال : فان شرط عليه انه متى خالفه كان ردا في الرق مخالفة كان له رده في الرق إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ باب العتق واحكامه ص ٣٥٩ س ٣ قال : وإذا كان له مملوك فأعتقه وشرط عليه انه متى خالفه كان ردا في الرق كان الشرط صحيحا.

(٣) سورة المائدة / ١.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ص ٣٧١ الحديث ٦٦ ولاحظ عوالي اللئالى ج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧ وما علق عليه في الهامش.

(٥) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٢ الحديث ٢٨.

(٦) القواعد : ج ٢ ص ٩٨ س ٩ في أحكام العتق قال : ولو شرط إعادته في الرق ان خالف ، أعيد مع المخالفة.

(٧) لاحظ عبارة النافع.

(٨) الشرائع : كتاب العتق ، الفصل الأول قال : ولو شرط إعادته في الرق ان خالف ، أعيد مع المخالفة.

(٩) نكت النهاية : (في الجوامع الفقهية) ص ٤٣٠ س ٤ قال : وان شرط عليه الى قوله : والرواية شاذة فينبغي اطراحها والقول ببطلان العتق الموقوف على الشرط.

(١٠) المختلف : في أحكام العتق ص ٧٤ س ٢٥ قال بعد نقل الأقوال : قال : والجواب الى قوله : ومع

٤٣

وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا رواية بالجواز حسنة (١) ، ولا يصح عتق السكران.

______________________________________________________

الرواية بالطعن أولا والقول بالموجب ثانيا ، فإنه إذا ثبت له شرطه رده في الرق لبطلان العتق.

(ج) بطلان الشرط وصحة العتق ، ويلوح من كلام ابن إدريس (١) وصرح به فخر المحققين في الإيضاح (٢) لبناء العتق على التغليب.

قال طاب ثراه : وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا رواية بالجواز حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ مرفوعا إلى زرارة عن الباقر عليه السّلام قال : إذا اتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما أعتق وتصدق على وجه المعروف فهو جائز (٣).

وبمضمونها افتى الشيخ (٤) والقاضي عبد العزيز (٥) ومنع ابن إدريس (٦)

__________________

بطلان العتق يكون هذا الحكم ثابتا.

(١) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٥ س ٣٣ قال : والشرط إذا كان مخالفا للكتاب والسنة كان باطلا فهذا شرط يخالف السنة.

(٢) الإيضاح : ج ٣ كتاب العتق ص ٤٧٩ س ١١ قال : والأقوى عندي صحة العتق وبطلان الشرط إلخ.

(٣) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٤٨ الحديث ١٣١.

(٤) النهاية : باب العتق واحكامه ، ص ٥٤٦ س ٨ قال : وإذا اتى على الغلام عشر سنين جاز عتقه وصدقته إلخ.

(٥) المهذب : ج ٢ ص ٣٦٢ س ٢ قال : وإذا بلغ الغلام عشر سنين جاز عتقه وصدقته إذا كان على وجه المعروف.

(٦) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٤ س ٢ قال : ولا يصح العتق الا من كامل العقل الى قوله : ولا يقع العتق من طفل إلخ.

٤٤

وفي وقوعه من الكافر تردد.

______________________________________________________

وأبو علي (١) وهو مذهب المصنف (٢) والعلامة (٣) لثبوت الحجر على الصبي حتى يبلغ.

قال طاب ثراه : وفي وقوعه من الكافر تردد.

أقول : أجاز الشيخ عتق الكافر في الكتابين واثبت له الولاء على العتق للمسلم (٤) (٥) لعموم قوله عليه السّلام : الولاء لمن أعتق (٦) لكن لا يرثه ما دام كافرا ، فإن أسلم ورثه لأن الكفر يمنع الإرث من المسلم نسبا وسببا ، ومنع ابن إدريس (٧) لاشتراط نية القربة في العتق ، قال العلامة في المختلف : ان كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى فالوجه ما قاله ابن إدريس ، وان كان لا بهذا الاعتبار بل باعتبار جحد النبوة وبعض أصول الإسلام كالصلاة مثلا فالحق ما قاله الشيخ (٨).

__________________

(١) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٧ س ٣ قال : وقال ابن الجنيد : ولمّا كان العتق نقل ملك الى قوله : وهو يعطي منع عتق الصبي إلى قوله : وقول ابن إدريس هو الوجه لثبوت الحجر على الصبي حتى يبلغ.

(٢) الشرائع : كتاب العتق ، الفصل الأول في المباشرة قال : وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا وصدقته تردد.

(٣) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٧ س ٣ قال : وقال ابن الجنيد : ولمّا كان العتق نقل ملك الى قوله : وهو يعطي منع عتق الصبي إلى قوله : وقول ابن إدريس هو الوجه لثبوت الحجر على الصبي حتى يبلغ.

(٤) المبسوط : ج ٦ فصل في الولاء ص ٧٠ س ٢٢ قال : فاما ان أعتق الكافر عبدا مسلما يثبت له عليه الولاء.

(٥) كتاب الخلاف : كتاب العتق ، مسألة ١٢ قال : إذا أعتق كافر مسلما ثبت له عليه الولاء.

(٦) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٤٩ الحديث ١٣٨.

(٧) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٤ س ٣ قال : لان عتق الكافر لا يصح على الصحيح من أقوال المحصلين إلخ.

(٨) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٧ س ٢٦ قال : والتحقيق ان يقال : ان كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى الى قوله : فالوجه ما قاله ابن إدريس إلخ.

٤٥

ويعتبر في المعتق ان يكون مملوكا حال العتق مسلما ، ولا يصح لو كان كافرا ، ويكره لو كان مخالفا ولو نذر عتق أحدهما لزم.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولا يصح لو كان كافرا ، ويكره لو كان مخالفا ، ولو نذر عتق أحدهما لزم.

أقول : البحث هنا يقع في مقامين.

(الأول) هل يصح عتق الكافر ابتداء ، فيه مذهبان.

المنع : وهو المشهور ، ذهب إليه السيد (١) وأبو علي (٢) وسلار (٣) والتقي (٤) وابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦) والمصنف (٧) والعلامة في القواعد (٨).

والجواز : ذهب اليه الشيخ في الكتابين (٩) (١٠).

احتج الأولون بما رواه سيف بن عميرة عن الصادق عليه السّلام قال : سألته

__________________

(١) الانتصار ، في مسائل العتق ص ١٦٩ قال : مسألة ومما انفردت به الإمامية ان من أعتق عبدا كافرا لا يقع عتقه.

(٢) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٠ س ١٧ قال : وقال ابن الجنيد : لا يجوز للمسلم ان يعتق مشركا.

(٣) المراسم : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٩١ س ١ قال : ولا يعتق الا عبد ظاهره الإسلام.

(٤) الكافي : فصل فيما يقتضي فسخ الرق ص ١٨ س ٧ قال : ولا يجوز عتق الكافر.

(٥) الوسيلة : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، ص ٣٤١ س ٤ قال : والخامس (أي من يحضر أعتقه) واحد وهو الكافر.

(٦) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، ص ٣٤٤ س ٣ قال : لان عتق الكافر لا يقع على الصحيح من الأقوال.

(٧) لاحظ عبارة النافع.

(٨) القواعد : ج ٢ كتاب العتق ص ٩٦ س ٨ قال : ولا يصح عتق الكافر مطلقا.

(٩) المبسوط : ج ٦ ص ٧٠ فصل في الولاء س ٢١ قال : إذا أعتق المسلم عبدا كافرا عتق إلخ.

(١٠) كتاب الخلاف : كتاب العتق ، مسألة ١١ قال : إذا أعتق مسلم عبدا كافرا عتق إلخ.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أيجوز للمسلم ان يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا (١).

احتج الآخرون بما رواه الحسن بن صالح عن الصادق عليه السّلام قال : ان عليا عليه السّلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه (٢).

(الثاني) على القول بالمنع عن عتقه ابتداء ، هل يصح عتقه مع النذر؟

فنقول : للنذر صورتان.

(أ) ان ينذر عتقه لا معيّنا ، بل موصوفا بالوصف العنواني كقوله : لله عليّ ان أعتق عبدا كافرا ، وهذا لا ينعقد ، لان تعليق الحكم على الماهية مقيدة بوصف يشعر بعلية ذلك الوصف ، وحينئذ يكون النذر معصية لا طاعة فيه أصلا ، فيكون باطلا.

(ب) ان ينذر عتقه معينا مشخصا ، كقوله : لله عليّ أن أعتق غانما مثلا ، ويكون كافرا ، فهذا لا اشعار فيه بكون الوصف مقصودا ، وجاز ان يسلم ، فهل يصح عتقه؟ قال في النهاية : نعم (٣) وجزم به المصنف في النافع (٤) ومنع في الشرائع (٥) وتوقف العلامة في المختلف (٦) وأطلق السيد ومتابعوه القول بالمنع ولم يفصّلوا بين النذر وغيره (٧).

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢١٨ الحديث ١٥.

(٢) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ، ص ٢١٩ الحديث ١٦.

(٣) النهاية : باب العتق واحكامه ، ص ٥٤٤ س ١١ قال : وإذا نذر الإنسان ان يعتق مملوكا بعينه لم يجز له ان يعتق غيره إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) الشرائع : كتاب العتق في المباشرة قال : ويعتبر في المعتق الإسلام والملك ، فلو كان المملوك كافرا لم يصح عتقه إلخ.

(٦) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٠ س ٢٦ قال بعد نقل قول الموافق والمخالف : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(٧) تقدم نقل قوله عن الانتصار.

٤٧

ولو شرط المولى على المعتق الخدمة زمانا معينا صحّ.

ولو أبق ومات المولى فوجد بعد المدة ، فهل للورثة استخدامه؟ المروي : لا.

وإذا طلب المملوك البيع لم تجب اجابته.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو أبق ومات المولى فوجد بعد المدة ، فهل للورثة استخدامه؟

المروي : لا.

أقول : قد عرفت وجوب الوفاء على العتق بالشرط السائغ ، والخدمة شرط سائغ ، فاذا أبق فهل للمالك أو ورثته إلزامه أم لا؟

فنقول : اما إلزامه بالخدمة فممنوع ، لأن الزمان المعين للخدمة قد فات ، واجزاء الزمان ليست متساوية ، فلا يكون من قبيل المضمون بالمثل ، بل بالقيمة ، وهي أجرة المثل عن تلك المدة ، فهل يجب على المعتق ضمانها؟ قال ابن الجنيد : لا يلزم المعتق العوض عنه (١) وقال في النهاية (٢) وتبعه القاضي : ليس للورثة عليه سبيل (٣) وقال ابن إدريس : يضمن الأجرة (٤) وهو اختيار العلامة (٥).

__________________

(١) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٤ س ٢٧ قال : وقال ابن الجنيد الى قوله : ولو فات الفعل أو امتنع عنه لم يلزم المعتق العوض عنه.

(٢) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٢ س ٢٠ قال : فإن أبق العبد الى قوله : لم يكن للورثة عليه سبيل.

(٣) المهذب : ج ٢ باب العتق واحكامه ص ٣٥٩ س ٤ قال : وكذلك ان شرط عليه خدمة ستة إلى قوله : وان أبق المملوك الى قوله : لم يكن للوارث عليه سبيل.

(٤) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٥ س ٣٤ قال : فإن أبق العبد الى قوله : والاولى ان يكون لهم الرجوع بمثل اجرة تلك المدة إلخ.

(٥) التحرير : ج ٢ كتاب العتق ، الفصل الرابع في الأحكام ص ٧٩ س ٢٤ قال : فإن أبق حتى انقضت فالوجه ثبوت الأجرة لهم.

٤٨

ويكره التفريق بين الولد وامه (١) ، وقيل : يحرم.

______________________________________________________

احتج الأولون : بصحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل أعتق جاريته وشرط عليها ان تخدمه خمس سنين ، فأبقت ثمَّ مات الرجل فوجدها ورثته ، ألهم ان يستخدموها؟ قال : لا (١).

قال ابن إدريس : قول الشيخ (لم يكن للورثة عليه سبيل) أي ليس للورثة عليه سبيل في الخدمة ، والاولى ان يكون لهم الرجوع بمثل اجرة تلك المدة ، لأنها مستحقة عليه وقد فاتت أوقاتها ، فيرجع عليه بأجرة مثلها ، اما الخدمة فليس لهم عليه سبيل ، فلأجل هذا قال شيخنا في نهايته : لم يكن للورثة عليه سبيل ، يعني في الخدمة (٢) قال العلامة : وهذا تأويل حسن ويؤيّده قول الصدوق (وليس لهم ان يستخدموها) (٣) وهو عين الرواية المتقدمة ، حيث سئل (ألهم ان يستخدموها؟ قال : لا) ونفي الاستخدام لا يلزم نفي الأجرة الثابتة لهم عوضا عما أتلفته عليهم من الخدمة (٤).

فرع

هل يجب على المعتق نفقة المعتق في مدة الخدمة؟ قال ابن الجنيد : نعم لقطعه عن التكسب (٥) وهو حسن ويحتمل عدمه لأنها تابعة للملك ، وينفق عليه من بيت المال أو الصدقات.

قال طاب ثراه : ويكره التفرقة بين الولد وامه.

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٢ الحديث ٣٠.

(٢) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٥ س ٣٦ قال بعد نقل ان للورثة اجرة تلك المدة : فلأجل هذا قال شيخنا إلخ.

(٣) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٧ س ١ قال : فليس لهم ان يستخدموها.

(٤) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٤ س ٣٢ قال : وهذا تأويل حسن ويزيده قول الصدوق إلخ.

(٥) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٤ س ٢٨ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : ويجعل له في تلك المدة ما ينفق منه ويكتسي به لقطعه بشرطه عليه من التكسب إلخ.

٤٩

وإذا اتى على المملوك المؤمن سبع سنين يستحب عتقه ، وكذا لو ضرب مملوكه ما هو حدّ.

مسائل سبع.

(الاولى) لو نذر تحرير أول مملوك يملكه ، فملك جماعة تخير في أحدهم ، وقيل : يقرع بينهم ، وقال ثالث : لا يلزمه عتق.

(الثانية) لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين عتقا.

(الثالثة) لو أعتق بعض مماليكه ، فقيل له : هل أعتقت مماليكك؟ فقال : نعم ، لم ينعتق الّا من سبق عتقه.

(الرابعة) لو نذر أمته ان وطأها صح ، فإن أخرجها عن ملكه انحلت

______________________________________________________

أقول : تقدم البحث في هذه المسألة في باب البيع.

قال طاب ثراه : لو نذر تحرير أول مملوك يملكه فملك جماعة ، تخير في أحدهم ، وقيل : يقرع ، وقال ثالث : لا يلزمه عتق.

أقول : المذهب الأول وهو التخيير قول أبي علي ، فان مات أو منع عن بيان ارادته أقرع (١) واختاره المصنف (٢).

والثاني قول الشيخ في النهاية (٣) وتبعه القاضي (٤) وبه قال الصدوق (٥)

__________________

(١) المختلف : كتاب العتق ص ٧٤ س ٣٦ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : اختار أيهم شاء فأعتقه.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٣ س ١٨ قال : وإذا نذر الإنسان ان يعتق أول مملوكه الى قوله : أقرع بينهم.

(٤) المهذب : ج ٢ باب العتق واحكامه ص ٣٦٠ س ٧ قال : وإذا نذر عتق أول مملوك يملكه الى قوله : أقرع بينهم.

(٥) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٧ س ٤ قال : فان قال : أول مملوك أملكه فهو حر الى قوله : فإنه يقرع بينهم.

٥٠

اليمين وان عادت بملك مستأنف.

(الخامسة) لو نذر عتق كل عبد قديم في ملكه ، أعتق من كان في ملكه ستة أشهر فصاعدا.

______________________________________________________

واختاره العلامة (١) والثالث قول ابن إدريس (٢).

احتج الأولون بما رواه الحسن الصيقل عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل قال : أول مملوك أملكه فهو حرّ ، فأصاب ستة قال : انما كان نيته على واحد فليتخير أيهم شاء فليعتقه (٣).

ولأن كل واحد منهم أول بالنسبة إلى من يتجدد ملكه عليه وقد كان مخيرا في اتخاذ سبب النذر فيه بان يشتريه أولا منفردا فثبت له الخيار كما كان. ولان المراد بالأول من لم يسبقه غيره فإنه لو ملك واحدا ولم يملك بعده غيره أعتق إجماعا ، ويصدق على كل واحد أنّه غير مسبوق.

وأجيب عن الرواية بالمعارضة بأصح منها وفي طريقها إسماعيل بن يسار الهاشمي ، وهو مذكور بالضعف (٤).

وعن الثاني بأن اتحاد الوصف يوجب عتقه أوّلا ، ولا أولوية ، ولا يجب عتق الكل فيتعين القرعة لتحقق الاشكال.

والمعتمد الأول لأصالة براءة الذمة من وجوب القرعة.

احتج الشيخ بصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام في رجل قال : أول

__________________

(١) المختلف : كتاب العتق ص ٧٥ س ٢ قال : وما اختاره الشيخ في النهاية هو المعتمد.

(٢) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٦ س ٦ قال محمّد بن إدريس : والأولى عندي انه لا يعتق شي‌ء من العبيد إلخ.

(٣) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٦ الحديث ٤٥.

(٤) سند الحديث كما في التهذيب (محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن إسماعيل بن يسار الهاشمي ، عن علي بن عبد الله بن غالب القيسي ، عن الحسن الصيقل).

٥١

(السادسة) مال المعتق لمولاه وان لم يشترط ، وقيل : ان لم يعلم به فهو له ، وان علمه ولم يستثنه فهو للعبد.

(السابعة) إذا أعتق ثلث عبيده استخرج الثلث بالقرعة.

______________________________________________________

مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة جميعا ، قال : يقرع بينهم ويعتق الذي يخرج اسمه (١).

ولأنه بملك الجماعة يصدق عليه انه قد ملك مملوكا واحدا قطعا فذلك الواحد ان لم يسبقه ملك مملوك غيره فهو ملك واحد لا غير فوجب عتقه من غير ترقب ملك ثان ، وان سبقه ملك مملوك فذلك هو الأول ، فيتعين للنذر ، ولا يلزم من عدم صدق الأوّل على كل واحد بالنسبة إلى الآخر عدم صدقه على كل واحد مطلقا ، فيصدق على كل واحد انه أول ، فاما ان يقرع أو يتخير ، فيبطل قول ابن إدريس قال العلامة : ولا استبعد قول أبي علي (٢).

احتج ابن إدريس بأصالة براءة الذمة ، وبان شرط النذر ما وجد ، لأنه نذر عتق أول مملوك يملكه وليس لمن ملك في حالة واحدة جماعة من المماليك أول (٣).

وعورض بالاحتياط ، ولا نسلم عدم وجود شرط النذر ، وقد بيناه.

قال طاب ثراه : مال المعتق لمولاه وان لم يشترط. وقيل : ان لم يعلم به فهو له ، وان علم ولم يستثنه فهو للعبد.

أقول : النظر هنا يقع في أربعة أبحاث.

(الأول) في تحقق الملك ومسائله ثلاث :

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٥ الحديث ٤٤.

(٢) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٥ س ١٤ قال بعد نقل الأقوال : على اني لا استبعد قول ابن الجنيد لكن الأقوى الأول.

(٣) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٦ س ٦ قال : والأولى عندي انه لا يعتق شي‌ء من العبيد الى قوله : والأصل براءة الذمة إلخ.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) ملك رقبة المال ، والمراد به لا مستقرا ، بل ملكا قابلا لتصرف السيد فيه ، ولانتزاعه منه.

وفيه مذهبان

الملك وهو ظاهر الصدوق (١) وأبي علي (٢). والأخر المنع ذهب اليه ابن إدريس (٣) والشيخ في النهاية (٤) والعلامة في أكثر كتبه (٥) وذهب المصنف إلى انه يملك ويكون محجورا عليه لمكان الرق كما يحجر على الصبي والسفيه (٦).

(ب) يملك ملك التصرف (٧) في الجملة ، وهو لازم للأول دون العكس ، وأثبته الشيخ في النهاية (٨) وتبعه القاضي (٩) وقواه العلامة في المختلف (١٠) واختاره

__________________

(١) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٧ س ١٠ قال : فإن أعتق رجل عبده وله مال ، فان كان علم حين أعتقه علم ان له مال تبعه ماله ، والا فهو له إلخ.

(٢) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٢ س ١٢ قال : وقال ابن الجنيد : وإذا حرر السيد عبده ومعه مال الى قوله : كان للمعتق.

(٣) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٤ س ٢٢ قال : وإذا أعتق مملوكا وله مال فماله لمولاه الى قوله : لان العبد لا يملك شيئا.

(٤) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٣ س ٨ قال : والعبد والملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا.

(٥) القواعد : ج ٢ في أحكام العتق ص ٩٩ س ١٠ قال : ومال العبد لمولاه إلخ. وفي التحرير ج ٢ ص ٨٠ س ٥ قال : العبد لا يملك شيئا. وفي المختلف كتاب العتق وتوابعه ص ٧٣ س ١٧ قال : لنا انه ملك محض فلا يكون له أهلية التملك إلخ.

(٦) الشرائع : كتاب التجارة ، في بيع الحيوان (الاولى) قال : ولو قيل يملك مطلقا لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى كان حسنا.

(٧) في (گل) : يملك التصرّف.

(٨) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٣ س ٨ قال : فان ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه إلخ.

(٩) المهذب : ج ٢ باب العتق واحكامه ص ٣٥٩ س ١٤ قال : فان ملكه سيده شيئا من ذلك ملك التصرف فيه.

(١٠) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٣ س ٢٤ قال : لو فرضنا ان العبد يملك ، فإنه لا يملك ملكا

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشهيد (١).

ومنع منه ابن إدريس (٢) والعلامة في أكثر كتبه (٣) وفخر المحققين (٤).

(ج) اباحة التصرف ، ولا شك في حصوله للعبد ، وعليه إجماع الأمة ، سواء كان التمليك من السيد أو من غيره ، وهو المعني بالملك عند القائلين بمنع الأولين.

احتج المانعون بوجوه.

(الأول) انه ملك محض فلا يكون له أهلية التملك كغيره من المملوكات.

(الثاني) انه لو ملك لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول بغير اختيار كالإرث ، ولذا وجب شراؤه من مال مورثه وإعتاقه إذا لم يكن غيره ليتحقق سبب التمليك فيه ، فلو أمكن تحققه قبل العتق كان توسط التكليف بذلك عبثا.

(الثالث) انه لو ملك لما جاز للسيد أخذه منه قهرا ، والتالي باطل بالإجماع فكذا المقدم.

بيان الشرطية : تحريم الاستيلاء على مال المسلم بغير رضاه ، ولقوله عليه السّلام : المسلم أخو المسلم لا يحل له ماله الا عن طيب نفس منه (٥).

وبيان بطلان التالي بعد الإجماع : صحيحة محمّد بن إسماعيل عن الرضا

__________________

تاما إلخ.

(١) اللمعة الدمشقية : ج ٣ في بيع الحيوان ص ٣١٣ س ١ قال : وقيل مطلقا لكنه محجور عليه بالرق إلخ.

(٢) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٤ س ٢٢ قال : لان العبد عندنا لا يملك شيئا.

(٣) تقدّم نقله عن القواعد والتحرير والمختلف.

(٤) الإيضاح : ج ٣ كتاب العتق ص ٤٨٩ س ١٠ فإنه بعد نقل قول العلامة وابن إدريس بعدم الملك. قال : وهو الأقوى عندي.

(٥) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ الحديث ٩٨ وص ١١٣ الحديث ٣٠٩ وج ٢ ص ٢٤٠ الحديث ٦ وج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٣.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام قال : سألته عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو متاع ، أيجوز ذلك له؟

قال : نعم إذا كانت أم ولده (١).

(الرابع) قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (٢) وهو نكرة في سياق نفي ، فيفيد العموم لما ثبت في موضعه.

(الخامس) قوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) (٣) الآية ، وهو توبيخ وتقريع وإنكار في صيغة الاستفهام ، كقوله (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٤).

احتج المثبتون بأنه يصح عتقه من فاضل الضريبة ، وكل من صحّ عتقه فهو مالك ، والتالي حق لقوله عليه السّلام : لا عتق إلّا في ملك (٥) فكذا المقدم ، وبيان الشرطية صحيحة عمر بن يزيد وسيأتي إطلاق الأحاديث الدالة على الإضافة كقول الصادق عليه السّلام : فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك (٦) واللام للملك حقيقة

(البحث الثاني) في تبعية المال له بعد العتق ، وكل من منع الملك للمعين ، أو التصرف كالعلامة (٧) وولده (٨) وابن إدريس (٩) منع التبعية ولا يحتاج الى

__________________

(١) الوسائل : ج ١٣ ص ٣٤٢ الباب ١٠ الحديث ٢.

(٢) سورة النحل / ٧٥.

(٣) سورة الروم / ٢٨.

(٤) سورة الفاطر / ٣.

(٥) لاحظ عوالي اللئالي : ج ٢ ص ٢٩٩ الحديث ٤ وج ٣ ص ٤٢١ الحديث ٣ وما علق عليه.

(٦) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٤ الحديث ٤٠.

(٧) القواعد : ج ٢ في أحكام العتق ص ٩٩ س ١٠ قال مال العبد لمولاه وان علم به حال العتق.

(٨) الإيضاح : ج ٤ ص ٤٨٩ س ١١ فإنه بعد نقل قول العلامة وابن إدريس بالمنع عن ملكية العبد قال : وهو الأقوى عندي.

(٩) السرائر : كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٤ س ٢٢ قال : وإذا أعتق مملوكا وله مال فما له لمولاه

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

استثناء ، بل يكون للسيد علم به أولا. ومن اثبت الملك للرقبة أو التصرف قال : ان علم به حال العتق ولم يستثنه فهو للعبد ، والا فهو للسيد نص عليه الشيخ في النهاية (١) وأبو علي (٢) والصدوق (٣) والتقي (٤).

احتجوا عليه بصحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام قال : سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال ، لمن المال؟ فقال : ان كان يعلم ان له مالا يتبعه ماله ، والا فهو له (٥).

(البحث الثالث) في كيفية الاستثناء.

فنقول : على تقدير عدم التبعية للجهل أو الاستثناء ، هل يشترط تقديم لفظ الاستثناء على الحرية؟ قال الشيخ في النهاية : نعم (٦) واختاره فخر المحققين (٧).

ولم يشترطه العلامة (٨) وأطلق الصدوق (٩) وابن الجنيد صحة

__________________

(١) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٣ س ١ قال : فان كان عالما بان له مالا كان المال للعبد.

(٢) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٣ س ١٢ قال : وقال ابن الجنيد الى قوله : فان علم به فلم يستثنه كان للمعتق.

(٣) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٧ س ١٠ قال : فان كان حين أعتقه علم ان له مالا تبعه ماله.

(٤) الكافي : فيما يقتضي فسخ الرق ص ٣١٨ س ٤ قال : وإذا أعتق عبدا أو امة وله مال يعلم به فهو للمعتق.

(٥) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٣ الحديث ٣٦.

(٦) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٣ س ٤ قال : بل يبدأ فيقول : لي مالك وأنت حر إلخ.

(٧) الإيضاح : ج ٣ ، المقام الثالث في كيفية الاستثناء ص ٤٩١ س ١٧ فإنه بعد نقل الأقوال قال : والأقوى عندي قول الشيخ إلخ.

(٨) القواعد : ج ٢ ص ٩٩ في أحكام العتق س ١٠ قال : مال العبد لمولاه وان علم به حالة العتق ولم يستثنه.

(٩) المقنع : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٧ قال : فإن أعتق رجل عبده وله مال فان كان حين أعتقه علم ان له مالا تبعه ماله والا فهو له.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستثناء (١).

احتج الأولون بأن قوله أنت حرّ موجب للتحرير ، فيقع الاستثناء بعد تمام السبب ، فلا يكون مؤثرا.

ولصحيحة أبي جرير قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل قال لمملوكه أنت حر ولى مالك ، قال : لا يبدأ بالحرية قبل المال ، يقول : لي مالك وأنت حرّ برضا المملوك (٢).

احتج العلامة بالأصل ، ولأنّ الكلام انما يتم بآخره كما لو قال : أنت حر وعليك خدمة سنة (٣).

وفي الاستدلال بالرواية نظر لأنه شرط فيها رضا المملوك ولم يقل به الشيخ. البحث الرابع فيما يلحقه من الاحكام.

وهي ثلاثة : صحة الصدقة ، والعتق ، وعدم ثبوت الولاء.

ومستنده رواية عمر بن يزيد في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له ، وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ، فرضي بذلك المولى ورضي بذلك المملوك ، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطيه مولاه من الضريبة ، قال : فقال : إذا ادى الى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك ، قال أبو عبد الله عليه السّلام : أليس قد فرض الله عزّ وجلّ على العباد فرائض فإذا أدّوها اليه لم يسألهم عما سواها ،

__________________

(١) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٣ س ١٢ قال : وقال ابن الجنيد الى قوله : فان علم به فلم يستثنه كان للمعتق.

(٢) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٤ الحديث ٣٩.

(٣) المختلف : كتاب العتق وتوابعه ص ٧٣٤ س ٢٨ قال : المقام الثالث الى قوله : لان الكلام انما يتم بآخره إلخ.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت له : فللمملوك ان يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال : فقال : يذهب فيتوالى الى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه ، قلت : أليس قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الولاء لمن أعتق؟ فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه ، أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا (١).

ورواها الصدوق أيضا في الصحيح (٢).

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية (٣).

تنبيه

قد عرفت ان المصنف وافق الصدوق وأبا علي على تملّك العبد وخالفهما في ثبوت الحجر عليه ويظهر تحقيق ذلك في مسائل.

منها : لو أعتق العبد من دون إذن فإنه ينفذ على قول الصدوق ، ويقف على الإجازة أو يبطل على قول المصنف.

ومنها : لو تصدق فإنه ينفذ على الأول دون الثاني.

ومنها : لو باع فينفذ على الأول ويجوز التصرف فيه للمشتري ويحكم له بالنماء

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٤ الحديث ٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٠) باب المكاتبة ص ٧٤ الحديث ٦.

(٣) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٣ س ٨ قال : فان ملّكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه بجميع ما يريده ، وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها اليه وما يفضل بعد ذلك يكون له جاز ذلك إلخ.

٥٨

واما السراية : فمن أعتق شقصا من عبده عتق كله. ولو كان له شريك قوّم عليه نصيبه ان كان موسرا ، وسعى العبد في فك باقيه ان كان المعتق معسرا ، وقيل : ان قصد الإضرار فكه ان كان موسرا وبطل العتق ان كان معسرا. وان قصد القربة لم يلزمه فكه وسعى العبد ، في حصة الشريك ، فان امتنع العبد استقر ملك الشريك على حصته.

______________________________________________________

من حين العقد ، وعلى الثاني يبطل أو يقف على الإجازة ، ولا يجوز له التصرف قبلها ، ومع فسخ المولى يسترجع النماء من المشتري.

ومنها : لو وجب على العبد كفارة مخيرة أو مرتبة ، فعلى الأول يصح تكفيره بالعتق وان لم يأذن السيد ، وعلى قول المصنف يصح ان يسبق الاذن ، وعلى الثالث لا يصح وان حصل الاذن ، بل يكفّر بالصوم.

قال طاب ثراه : وقيل : ان قصد الإضرار فكّه ان كان موسرا ، وبطل العتق ان كان معسرا وان قصد القربة لم يلزمه فكّه وسعى العبد في حصة الشريك ، فان امتنع استقر ملك الشريك على حصته.

أقول : عتق السراية ثابت بالنص والإجماع.

أما الأوّل : فقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : من أعتق شقصا من عبد وله مال قوّم عليه الباقي (١) وإذا وجب تكميل العتق والعبد لغيره ، فلان يكمل والباقي له اولى.

وفي رواية غياث بن إبراهيم الداري عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام : ان

__________________

(١) رواه أصحاب الصحاح والسنن بعبارات مختلفة والمعاني واحدة ، لاحظ صحيح مسلم ج ٢ كتاب العتق ص ١١٤٠ باب ذكر سعاية العبد الحديث ٢ وسنن ابن ماجه ج ٢ كتاب العتق ص ٨٤٤ الحديث ٢٥٢٧ ومسند احمد بن حنبل ج ٢ ص ٤٧٢ وج ٤ ص ٣٧ ولاحظ العوالي ج ٢ ص ٣٠٦ الحديث ٢٨ وج ٣ ص ٤٢٧ الحديث ٢٤ وهو مطابق للمتن.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

رجلا أعتق بعض غلامه ، فقال علي عليه السّلام : هو حرّ ليس لله شريك (١) ونفي الشركة مشترك بين ان يكون العبد له أو مشتركا.

قيل : ان رجلا أعتق شقصا له من مملوك فلم يضمنه النبيّ صلّى الله عليه وآله (٢).

وأجيب : بأنه محمول على المعسر جمعا بين الاخبار.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا أعتق الشريك لا يخلو اما ان يكون موسرا أو معسرا ، فهنا قسمان.

(الأول) عتق الموسر وشرط الشيخ في التقويم عليه قصد الإضرار بشريكه ، ومع قصد القربة لا يقوّم ، بل يستحب له ، فان لم يفعل استسعى العبد في الباقي ولم يكن لصاحبه الذي يملك ما بقي منه استخدامه ولا له عليه ضريبة ، بل يستسعيه فيما بقي من ثمنه ، فان امتنع العبد من السعي في فكّ رقبته كان له بقدر ما انعتق ولمولاه بقدر ما بقي (٣).

والباقون على التقويم مطلقا عملا بعموم الخبر.

احتج الشيخ بحسنة الحلبي عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه ، فقال : ان كان مضارا كلّف ان يعتقه كله ، والّا استسعى العبد في النصف الآخر (٤).

وأورد ابن إدريس لزوم التناقض ، لاشتراط قصد القربة في العتق ، فصحته مع

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ، ص ٢٢٨ الحديث ٥٧.

(٢) سنن أبي داود : ج ٤ باب فيمن روى انه لا يستسعى ، ص ٢٥ الحديث ٣٩٤٨.

(٣) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٢ س ٣ قال : وإذا كان العبد بين شريكين الى قوله : ألزم ان يشترى ما بقي إلخ.

(٤) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٠ الحديث ٢١.

٦٠