المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

كتاب احياء الموات

٢٨١
٢٨٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لأربابه لا يجوز التصرف فيه الا بإذنهم. وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته ممّا لم يجر عليه ملك ، أو ملك وباد اهله ، فهو للإمام لا يجوز إحياءه إلا بإذنه ، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الإمام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به ، ومع وجوده له رفع يده. ويشترط في التملك بالاحياء : الا يكون في يد مسلم ، ولا حريما

______________________________________________________

كتاب احياء الموات

مقدمة

الاحياء إخراج الشي‌ء من حد الخراب والعطلة إلى حيز الانتفاع.

والموت ضد الحياة ، والموات بضم الميم الموت ، وبالفتح ما لا روح فيه. والموات أيضا الأرض التي لا مالك لها من الادميين ، ولا ينتفع بها ، والموتان بفتح الميم والواو ، خلاف الحيوان يقال : اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان ، أي اشتر الأرضين والدور

٢٨٣

لعامر ، ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى ، ولا مقطعا ، ولا محجرا ، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا ، مثل ان ينصب لها مرزابا. واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ، ويرجع في كيفيته إلى العادة.

______________________________________________________

ولا تشتر الرقيق والدواب (١).

وقال الفراء (٢) الموتان من الأرض التي لم تحيي بعد (٣).

وفي الحديث : وموتان الأرض لله ورسوله فمن أحيا منها شيئا فهو له (٤).

والموتان بضم الميم وسكون الواو ، الموت الذريع التي تقع في الناس والبهائم.

ويقال : رجل موتان القلب ، بفتح الميم وجزم الواو ، إذا كان لا يفهم شيئا (٥).

والأصل فيه : الكتاب ، والسنة ، والإجماع.

أما الكتاب : فقوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) (٦) واللام حقيقة في الملك.

واما السنة فكثير.

روى هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد بن نفيل ان النبي صلّى الله عليه وآله قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق (٧).

__________________

(١) لسان العرب : ج ٢ ص ٩٣ لغة (موت).

(٢) الفراء : يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، أبو زكريا ، مولى بني أسد من أهل الكوفة ، نزل بغداد واملى بها كتبه في معاني القرآن ومات ببغداد ، أو في طريق مكة في سنة سبع ومائتين ، وقد بلغ ثلاثا وستين سنة ، وله قصص وحكايات ، وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو وله معهما قصة متينة ينبئ عن شرافة العلم والعالم ، فلاحظ (تاريخ بغداد ج ١٤ ص ١٤٩ تحت رقم ٧٤٦٧).

(٣) لسان العرب : ج ٢ ص ٩٣ لغة (موت).

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ باب احياء الموات ص ٤٨٠ الحديث ١ ولاحظ ما علق عليه.

(٥) لسان العرب : ج ٢ ص ٩٣ قال : ورجل موتان الفؤاد غير ذكي ولا فهم كأن حرارة فهمه بردت فماتت.

(٦) سورة الملك / ١٥.

(٧) عوالي اللئالي : ج ٣ باب احياء الموات ص ٤٨٠ الحديث ٢ ولاحظ ما علق عليه.

٢٨٤

ويلحق بهذا مسائل.

(الأولى) الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحدّه خمسة أذرع ، وفي رواية سبعة أذرع.

______________________________________________________

وروى سمرة بن جندب (بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضا والباء المنقطة بواحدة) ان النبي صلّى الله عليه وآله قال : من أحاط حائطا على أرض ، فهي له (١).

وروى عنه عليه السلام انه قال : من سبق الى ما لم يسبقه اليه مسلم فهو أحق به (٢) وعنه عليه السّلام : عادي الأرض لله ولرسوله ثمَّ هي لكم مني (٣).

وأجمعت الأمة على تملك الأرض الميتة مع إحيائها إذا خلت عن الموانع.

قال طاب ثراه : الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح اهله فحدّه خمسة أذرع ، وفي رواية سبعة أذرع.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : والطريق إذا تشاح أهله فحده سبعة أذرع (٤).

ومثلها روى السكوني عنه عليه السّلام (٥).

والروايتان ضعيفتان ، وبمضمونها قال الشيخ في النهاية (٦) وتبعه القاضي (٧).

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ باب احياء الموات ص ٤٨٠ الحديث ٣ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ باب احياء الموات ص ٤٨٠ الحديث ٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ باب احياء الموات ص ٤٨١ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب جامع في حريم الحقوق ص ٢٩٥ قطعة من حديث ٢.

(٥) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب جامع في حريم الحقوق ص ٢٩٦ قطعة من حديث ٨.

(٦) النهاية : باب بيع المياه والمراعي وحريم الحقوق واحكام الأرضين ص ٤١٨ س ١٣ قال : والطريق إذا تشاح عليه أهله فحدّه سبعة أذرع.

(٧) لم أعثر عليه في المهذب ولم يتعرض له في المختلف وفي كشف الرموز : ج ١ ص ٤٠١ قال : (وعليها فتوى النهاية واتباع الشيخ) ولعل المراد من اتباع الشيخ ان من جملتهم القاضي فتأمل.

٢٨٥

(الثانية) حريم بئر المعطن : أربعون ذراعا. والناضح ستون ذراعا ، والعين ألف ذراع. وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة) من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل إليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة) إذا تشاح أهل الوادي في مائة ، حبسه الأعلى للنخل الى الكعب ، وللزرع الى الشراك ، ثمَّ يسرحه إلى الذي يليه.

(الخامسة) يجوز للإنسان ان يحمي المرعى في ملكه خاصة ، وللإمام مطلقا.

(السادسة) لو كان له رحى على نهر لغيره ، لم يجز له ان يعدل بالماء عنها إلا برضاء صاحبها.

(السابعة) من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ، (١) ففي رواية : ان

______________________________________________________

وذهب المصنف والعلّامة إلى الاكتفاء بالخمس (١) (٢).

وهو في رواية البقباق عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم : سبع اذرع ، وقال بعضهم : أربع أذرع ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : خمس اذرع (٣).

وهو أصح طريقا.

قال طاب ثراه : من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ، ففي رواية : ان كان

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) القواعد : ج ١ (المقصد الثالث في إحياء الموات) ص ٢٢٠ س ١٥ قال : وحدّ الطريق الى قوله : خمس اذرع.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٩) باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة وما يجوز من ذلك وما لا يجوز ص ١٣٠ الحديث ٤١

٢٨٦

كان ذلك فيما اشترى فلا بأس. وفي النهاية : ان لم يتميز لم يكن له عليه شي‌ء ، وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك. والرواية ضعيفة ، وتفصيل النهاية في موضع المنع ، والوجه : البطلان ، وعلى تقدير الامتياز يفسخ ان شاء ما لم يعلم.

______________________________________________________

ذلك فيما اشترى فلا بأس ، وفي النهاية : ان لم يتميز لم يكن عليه شي‌ء ، وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك ، والرواية ضعيفة ، وتفصيل النهاية في موضع المنع ، والوجه البطلان ، وعلى تقدير الامتياز يفسخ ان شاء ما لم يعلم.

أقول : إذا اشترى دارا ثمَّ علم ان فيها شيئا من الطريق ، فلا تخلو اما ان يكون متميزا أو غير متميز ، فان كان متميزا رده الى الطريق ، لوجوب رد الحق إلى مستحقه ، ويتخير المشتري بين فسخ البيع للعيب بتبعض الصفقة ، وبين الرجوع بقسطه من الثمن. وان لم يتميز وجب اجتناب الدار اجمع لاشتباه المحرم بالمحلل ، فللمشتري الفسخ والرجوع بالثمن ، ويجب على البائع الاستظهار بالاحتياط في رد ما يغلب على الظن انه من الطريق ، أو رد الجميع. ولو لم يؤثر المشتري الفسخ لم يكن له أرش لعدم العلم بقدره ، ويجب عليه من الاستظهار ما يجب على البائع. هذا مقتضى الأصل.

وهنا وجهان آخران غير ما ذكرناه ، حكاهما المصنف في هذا الكتاب ، ولم يذكر المصنف هذه المسألة في الشرائع.

(أ) ما تضمنته رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن رجل اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ، قال : ان كان ذلك فيما اشترى ، فلا بأس (١) والعمل بهذه متروك.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٩) باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة وما يجوز من ذلك وما لا يجوز ص ١٣٠ الحديث ٣٩.

٢٨٧

(الثامنة) من له نصيب في قناة أو نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة) روى إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح (١) في رجل لم يزل في يده ويد آباءه دار ، وقد علم انها ليست لهم ، ولا يظن مجي‌ء صاحبها. قال : ما أحب ان يبيع ما ليس له ، ويجوز ان يبيع سكناه. والرواية مرسلة ، وفي طريقها الحسن بن سماعة ، وهو واقفي. وفي النهاية : يبيع تصرفه فيها ولا يبيع أصلها. ويمكن تنزيلها على ارض عاطلة أحياها غير المالك بإذنه ، فللمحيي التصرف والأصل للمالك.

______________________________________________________

(ب) قال الشيخ في النهاية : ان تميز له رده الى البائع بعد العلم ، ويرجع بالثمن ، وان لم يتميّز فلا شي‌ء عليه (١).

قال المصنف : وهذا التفصيل في موضع المنع.

ووجهه : اشتماله على التصرف في ملك الغير ، وعسر التخلص منه ، وأي عيب أعظم من هذا ، وقوله : (فلا شي‌ء عليه) ان كان الضمير راجعا إلى المشتري لزم التصرف في الطريق ، وهو ملك الغير ، وان كان راجعا إلى البائع لزم زوال سلطنة المشتري على الرد بمثل هذا العيب الفاحش.

قال طاب ثراه : روى إسحاق بن عمار عن عبد صالح إلى أخره.

أقول : هذه المسألة أيضا لم يذكرها في الشرائع.

ومستنده ما رواه الشيخ مرفوعا إلى إسحاق بن عمار عن عبد صالح عن رجل لم يزل في يده ويد آباءه دار ، وقد علم انها ليست لهم ، ولا يظن مجي‌ء صاحبها ، قال : ما أحب ان يبيع ما ليس له ، ويجوز ان يبيع سكناه (٢).

__________________

(١) النهاية : باب بيع المياه والمراعي وحريم الحقوق واحكام الأرضين وغير ذلك ص ٤٢٣ س ٨ قال : فان اشترى دارا إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٩) باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة وما يجوز من ذلك وما لا يجوز ص ١٣٠ الحديث ٤٢.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الرواية مخالفة للأصول من وجهين :

(أ) انها تضمنت بيع السكنى ، والبيع موضوع لنقل الأعيان.

(ب) إن المتصرف اعترف انها ليست له ، فكيف يجوز له التصرف فيها ببيع السكنى.

وهي ضعيفة من وجهين.

(أ) ان في طريقها حسن بن سماعة وهو واقفي (١).

(ب) انها مقطوعة لعدم العلم باستنادها الى المعصوم ، لان وصفه بكونه عبدا صالحا لا يقتضي كونه معصوما.

وقال الشيخ في النهاية : يبيع تصرفه فيها ، ولا يبيع أصلها (٢) وهذا حسن ينطبق على القواعد الفقهية كما بينه المصنف : وهو رجل أحيا أرضا عاطلة بإذن مالكها ، فرقبة الأرض لمالكها ، والتصرف ـ يعني الاثار التي أحدثها المحيي وصارت بها دارا كالبناء والخشب ـ مملوك للمحيي ، لعدم انتقاله عنه ، فحينئذ لا يجوز ان يبيع الدار أجمع ، لأن الأرض جزء منها تدخل في بيعها وهي غير مملوكة له ، ولكن يبيع تصرفه ، وهي الاثار المحدثة من البناء والخشب لبقائها على ملكه ، ولا مانع من بيعها وعلى لفظ الرواية : يبيع سكناه ، أي استحقاق السكنى للبائع المتصرف ، وأولوية الانتفاع بالدار ، للاذن المبيح لذلك المانع من مزاحمة غير المالك.

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب : (الحسن بن محمّد بن سماعة عن علي بن رئاب وعبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن عبد صالح).

(٢) النهاية : باب بيع المياه والمراعي وحريم الحقوق واحكام الأرضين وغير ذلك ص ٤٢٣ س ١٢ قال : وإذا كان الإنسان في يده دار الى قوله : فإن أراد بيعها فليبع تصرفه ولا يبيع أصلها على حال.

٢٨٩
٢٩٠

كتاب اللقطة

٢٩١
٢٩٢

كتاب اللقطة

______________________________________________________

مقدمة

اللقط بضم اللام وفتح القاف ، اسم للمال الملتقط قاله الفراء (١) والأصمعي (٢) ويؤيده حديث زيد بن خالد الجهني (٣) وقال الخليل بن أحمد البصري (٤) : بل اسم الملتقط (٥) واما المال الملقوط فبسكون القاف لان ما جاء على وزن فعلة فهو اسم كهمزة ولمزة ولعنة ، فيقال : رجل لقطة بفتح القاف إذا كان كثير الالتقاط كحفظة لكثير الحفظ. قال فخر المحققين : أجمعت الرواة على روايته

__________________

(١) لم أظفر على قولهما في الموارد المظنونة ، ولكن نقله عنها في الإيضاح : ج ٢ ، في المقصد الثالث في اللقطة ص ١٣٥ س ١٩ حيث قال : فقال الفراء والأصمعي هي اسم المال الملقوط ، وقال الخليل بن احمد : اسم الملتقط لان ما جاء على وزن فعله فهو اسم إلخ.

(٢) لم أظفر على قولهما في الموارد المظنونة ، ولكن نقله عنها في الإيضاح : ج ٢ ، في المقصد الثالث في اللقطة ص ١٣٥ س ١٩ حيث قال : فقال الفراء والأصمعي هي اسم المال الملقوط ، وقال الخليل بن احمد : اسم الملتقط لان ما جاء على وزن فعله فهو اسم إلخ.

(٣) سيجي‌ء عن قريب.

(٤) الخليل بن احمد بن عمر بن تميم الفراهيدي البصري ، أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض ، قال السيرافي : كأن الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه ، وهو أول من استخرج العروض ، وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور وكان من الزهاد في الدنيا والمنقطعين الى الله تعالى ، وروي عنه انه قال : ان لم تكن هذه الطائفة أولياء فليس لله ولي ، وهو الذي قال في حق أمير المؤمنين عليه السّلام حين سئل عنه قال : ما أقول في حق امرء كتمت مناقبه أولياءه خوفا ، وأعداءه حسدا ثمَّ ظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين ، وقيل له أيضا : ما الدليل على ان عليا امام الكل في الكل؟ قال احتياج الكل اليه واستغنائه عن الكل (لاحظ بغية الوعاة للسيوطي) ص ٢٤٣ وتنقيح المقال للمامقاني ج ١ ص ٤٠٢ تحت رقم ٣٧٦٩.

(٥) تقدم نقله عن الإيضاح آنفا.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالتحريك يعني حديث زيد بن خالد (١).

والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.

اما الكتاب فقوله تعالى (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٢) فأخبرنا بالالتقاط. وقوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) (٣).

واما السنة : فروى زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل الى النبي صلّى الله عليه وآله فسأله عن اللقطة؟ فقال : اعرف عقاصها (٤) ووكاها ثمَّ عرفها سنة ، فان جاء صاحبها والّا فاستمتع بها. وسأل عن ضالة الغنم؟ فقال : خذها انما هي لك أو لأخيك أو للذئب. فسأل عن ضالة البعير؟ فقال : ما لك ولها ، وغضب حتى احمرت وجنتاه ، أو وجهه فقال : ما لك ولها معها حذائها وسقائها ، ترد الماء وتأكل الشجر. وفي بعضها : ما لك ولها معها حذائها وسقائها حتى يأتي ربها (٥).

وأجمعت الأمة على احكام الالتقاط وجوازه في الجملة ، وان اختلفوا في تفصيل مسائله.

تذنيب

ينقسم الشي‌ء الملتقط إلى ثلاثة أقسام : لأنه اما مال أو حيوان ، ويسمى الأول لقطة ، والثاني اما إنسان أو غيره ويسمى الأول لقيطا وملقوطا ومنبوذا ، ويسمى الثاني ضالة.

__________________

(١) الإيضاح : ج ٢ (في اللقطة) ص ١٣٦ س ٩ قال : أجمعت الرواة إلخ.

(٢) سورة يوسف / ١٠.

(٣) سورة القصص / ٨.

(٤) العقاص ، هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره (من هامش صحيح مسلم).

(٥) صحيح مسلم : ج ٢ ص ١٣٤٦ كتاب اللقطة الحديث ١.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وينقسم كل من الأقسام الثلاثة إلى أقسام.

القسم الأول : المال.

وينقسم الى محرم ومكروه.

فالأول قسمان.

(أ) لقطة الحرم.

(ب) ما أخذ لا بنية الإنشاد مع بلوغ قيمته درهما.

والمكروه : ما عدا ذلك.

القسم الثاني : اللقيط.

وينقسم الى واجب ومحرم.

فالأول : أخذ الصغير العاجز عن توقي المضار ، كغير المميز على الأصح.

والثاني : أخذ البالغ العاقل.

القسم الثالث : الحيوان.

وهو على ثلاثة أقسام.

(أ) المحرم : وهو أخذ الضّالة الممتنعة ، كضالة الإبل ، لقوله عليه السّلام : (ما لك ولها) (١).

وروي عنه عليه السّلام : لا يؤوي الضالة إلّا ضال (٢) بضم الياء. ويروى بالفتح (٣) قال الشيخ : والأول أصح والثاني جائز (٤).

__________________

(١) تقدّم في رواية زيد بن خالد الجهني.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٧٦) باب النوادر ص ٢٧٢ س ٢٠ من ألفاظ رسول الله صلّى الله عليه وآله. وسنن ابن ماجه : ج ٢ (١٨) كتاب اللقطة (١) باب ضالة الإبل والبقر والغنم ص ٨٣٦ الحديث ٢٥٠٣ وفي عوالي اللئالي : ج ٣ باب اللقطة ص ٤٨٤ الحديث ٣.

(٣) المبسوط : ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣١٨ س ٢١ قال : روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه

(٤) المبسوط : ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣١٨ س ٢١ قال : روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : لا يأوي إلخ إلى قوله : وقيل : (لا يؤوى) بضم الياء وهو الأصح والأول جائز.

٢٩٥

كتاب اللقطة.

وأقسامها ثلاثة.

(الأول) في اللقيط ، وهو كل صبي أو مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف. وفي اشتراط الإسلام تردد.

______________________________________________________

وعنه عليه السّلام : ضالة المؤمن حرق النار (١) وحرق النار بحركة الراء لهيبها ، وحرق الثوب بسكونها إذا كان به من القصارة.

وقول الصادق عليه السّلام : لا تهجه (٢).

ويفهم من قوله عليه السّلام : (ومعها حذائها وسقائها) الإشارة إلى علة الحرمة ، وهو إمكان بقائها حتى يأتي ربها.

فيشاركها في هذا الحكم الفرس والحمار والبغل والثور ، لامتناعها من صغير السباع كالثعلب ، فساوت الإبل ، فالتعدي هنا من باب منصوص العلة ، قال المصنف : لان ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير (٣).

(ب) المكروه : وهو أخذ الصغير ممّا ذكرناه كأطفال الإبل والبقر.

(ج) المباح : وهو إذا تحقق تلفها.

قال طاب ثراه : وفي اشتراط الإسلام (أي في ملتقط الطفل) تردد.

أقول : الملقوط ان كان في بلد الإسلام فهو مسلم ، فيشترط في ملتقطة الإسلام ، فلا يقر في يد الكافر لو التقطه لوجهين.

__________________

(١) سنن ابن ماجه : ج ٢ (١٨) كتاب اللقطة (١) باب ضالة الإبل والبقر والغنم ص ٨٣٦ الحديث ٢٥٠٢ وفي عوالي اللئالي : ج ٣ باب اللقطة ص ٤٨٥ الحديث ٤.

(٢) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة باب اللقطة والضالة ص ١٤٠ قطعة من حديث ١٢.

(٣) الشرائع (القسم الثاني) : في الملتقط من الحيوان قال : وفي البقرة والحمار تردد أظهره المساواة. لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير.

٢٩٦

ولا يلتقط المملوك إلّا بإذن مولاه. وأخذ اللقيط مستحب ، واللقيط في دار الإسلام حر ، وفي دار الشرك رق. وإذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه الإمام إذا لم يكن له وارث. ويقبل إقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده. وإذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته ، فان لم يجد استعان بالمسلمين ، فان تعذر الأمر أنفق الملتقط ورجع عليه إذا نوى الرجوع ، ولو تبرع لم يرجع.

______________________________________________________

(أ) ان الحكم بصحة التقاطه معناه : إثبات الحضانة له ، وهي ولاية شرعية ، ولهذا يشاح الزوجان فيها ، ومثل ذلك لا يثبت للكافر على المسلم ، والا لزم وجود السبيل ، وهو منفي بالاية (١).

(ب) لا يؤمن افتتانه ، وهو محذور ، فلا يقره الشارع عليه ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٢) واختاره العلّامة (٣).

ويحتمل جوازه لوجهين :

(أ) أصالة الجواز.

(ب) عموم الاذن في التقاط الصبي ، خصوصا على القول بتكليف الكافر بالفروع ، والمصلحة العائدة إلى الطفل ، وهي الحكمة المشرعة لالتقاطه ، وهي القيام بمصالح الطفل ، ودفع ضرورته يصدر عن الكافر كصدورها عن المسلم ، والسبيل ممنوع ، لانتفاء السلطنة عليه ، إذ لا ولاية له في غير الحضانة ، بل هي إثبات حق

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) سورة النساء / ١٤١.

(٢) المبسوط : ج ٣ فصل في حكم اللقيط ص ٣٤٠ س ٢٠ قال : فان كان (أي اللقيط) بحكم الإسلام نزع من يده لان الكافر لا يلي على مسلم إلخ.

(٣) القواعد : ج ١ (في اللقطة) ص ١٩٥ س ٤ قال : ولا يصح التقاط الكافر للمسلم ، لأن الحضانة استيمان فلا يليق به.

٢٩٧

القسم الثاني ، في الضوال : وهي كل حيوان مملوك ضائع ، وأخذه في صورة الجواز مكروه ، ومع تحقق التلف مستحب. فالبعير لا يؤخذ ، ولو أخذ ضمنه الأخذ. وكذا حكم الدابة والبقرة. ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلاء ولا ماء ، ويملكه الأخذ. والشاة ان وجدت في الفلاة أخذها الواجد ، لأنها لا تمنع من ضرر السباع ، ويضمنها. وفي رواية ضعيفة : يحبسها عنده ثلاثة أيام ، فإن جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

______________________________________________________

للطفل على الغير.

وتردد المصنف نظرا الى الوجهين. والمعتمد هو الأول.

وان كان الملقوط في بلاد الشرك لم يمنع الكافر من التقاطه قولا واحدا ، لعدم الحكم بإسلامه.

قال طاب ثراه : والشاة ان وجدت في الفلاة أخذت ، لأنها لا تمنع من صغير السباع ، ويضمنها وفي رواية ضعيفة يحبسها عنده ثلاثة أيام ، فإن جاء صاحبها ، والا تصدق بثمنها.

أقول : الشاة اما ان توجد في الفلاة أو العمران ، فهنا قسمان.

(الأول) ان يجدها في الفلاة ، فيجوز أخذها إجماعا ، وهل يملكها؟ فيه ثلاثة أقوال.

(أ) انه يملكها في الحال مجانا ، لأنه مال معرض للتلف ، فهي كالبعير المتروك من جهد في غير كلاء ولا ماء.

ولقوله عليه السّلام : هي لك أو لأخيك أو للذئب (١) وهو ظاهر الفقيه في

__________________

(١) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب اللقطة والضالة ص ١٤٠ قطعة من حديث ١٢ وفي البحار : (الطبعة الحديثة ج ١٠ ص ٢٥٠) باب ١٧ ما وصل؟؟؟ من اخبار علي بن جعفر ، فلاحظ ، وفي سنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب اللقطة ص ٨٣٦ قطعة من حديث ٢٥٠٤.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الرسالة حيث قال : وان وجدت شاة في الفلاة فخذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب (١) وبمثله قال الصدوق في المقنع (٢).

(ب) انه يأخذها وهو ضامن لقيمتها ، قاله المفيد (٣) وابن إدريس (٤) وهو اختيار المصنف في الشرائع (٥) لعصمة مال الغير ، ولعموم قول الباقر عليه السّلام : من وجد شيئا فهو له ، فليستمتع به حتى يأتيه طالبه فاذا جاء طالبه رده اليه (٦).

(ج) الغرامة إذا ظهر المالك وطلب ، وهو اختيار فخر المحققين (٧) ومعنى الغرامة : تجدد استحقاق المالك إذا ظهر وطالب ، وتجدد اشتغال ذمة الملتقط بالضمان ، لا وقت الالتقاط.

وتظهر الفائدة في أمور.

(أ) وجوب الإيصاء به وعدمه.

(ب) منع الخمس.

(ج) منع زكاة الفطرة.

__________________

(١) لم أعثر على الرسالة ولا على المنقول عنه علما بأن عبارة (وهو ظاهر. للذئب) غير مثبتة في (گل).

(٢) المقنع : باب اللقطة ص ١٢٧ س ١٢ قال : فان وجدت شاة في فلاة فخذها ، فإنها لك أو لأخيك أو للذئب.

(٣) المقنعة : باب اللقطة ص ٩٩ س ١٤ قال : فان وجد فيها شاة فليأخذها وهو ضامن لقيمتها.

(٤) السرائر : باب اللقطة ص ١٧٨ س ٢٦ قال : فاما إذا كان غير ممتنع مثل الشاة إلى قوله : فإن أخذها فهو بالخيار بين ان يأكلها ويكون في ذمته إلخ.

(٥) الشرائع : كتاب اللقطة (القسم الثاني في الملتقط من الحيوان) قال : والشاة ان وجدت في الفلاة أخذها الواجد الى قوله : والأخذ بالخيار ان شاء ملكها ويضمن.

(٦) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب اللقطة والضالة ص ١٣٩ الحديث ١٠.

(٧) لإيضاح : ج ٢ (الفصل الثاني في الحيوان) ص ١٤٨ س ٢٣ قال : والأقوى الغرامة إذا وجد المالك وطلب.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(د) دخوله في قسم الغارمين ، على القول بالضمان حين الالتقاط ، وثبوت أضدادها في الغرامة إلا مع المطالبة. وعلى ظاهر الصدوقين : لا شي‌ء أصلا وان طلب المالك (١).

(القسم الثاني) ان يجدها في العمران ، فيحرم أخذها إجماعا ، ولو أخذها حبسها ثلاثة أيام ، فإن جاء صاحبها دفعها اليه ، وان لم يأت باعها وتصدق بثمنها ، أو احتفظه ولا ضمان.

فروع (الأول) هل يشترط في بيعها اذن الحاكم؟ النصوص وعبارات الأصحاب خالية عنه. واستشكله العلّامة في القواعد : من حيث ان الحاكم قائم مقام المالك ، لأنه ولي الغياب ، والوصول اليه ممكن فيجب استيذانه (٢) واختاره فخر المحققين (٣) والأول هو المعتمد ، عملا بعموم الاذن في البيع (٤).

(الثاني) هل يجوز ان يتصدق بعينها؟ يحتمل قويا عدمه ، لان التصرف في ملك الغير على خلاف الأصل فيقتصر فيه على محل النص (٥) وهو التصدق بثمنها لا غير.

__________________

(١) المقنع : باب اللقطة ص ١٢٧ س ١٣ قال : وان وجدت شاة في فلاة فخذها ، فإنها لك أو لأخيك أو للذئب إلخ فأطلق ولم يذكر شيئا ، ولم نظفر على الرسالة لعلي بن بابويه.

(٢) القواعد : ج ١ (الفصل الثاني في الحيوان) ص ١٩٧ س ٨ قال : فان جاء المالك والا باعها ، وفي اشتراط الحاكم إشكال.

(٣) الإيضاح : ج ٢ (الفصل الثاني في الحيوان) ص ١٤٩ س ١٠ قال : وهل يشترط في البيع اذن الحاكم إشكال إلخ.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٦ قطعة من حديث ٣١ وفيه (والا تصدق بها).

(٥) التهذيب : ج ٦ (٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٧ الحديث ٣٦ وفيه (والا باعها وتصدق بثمنها).

٣٠٠