المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

(الخامس) : السموم القاتلة قليلها وكثيرها ، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحدّ.

(القسم الخامس) : في المائعات ، والمحرم خمسة.

(الأول) الخمر وكل مسكر ، والعصير إذا غلا.

______________________________________________________

(د) يملك التربة بحيازتها ، ويجوز بيعها كيلا ووزنا وجزافا ، والسجود عليها من أفضل الأعمال ، والتسبيح بها والاستغفار مضاعف الثواب أضعافا.

(ه) يجوز طبخها قصدا للحفظ من التهافت ، وان كان تركه أفضل.

(و) يستحب للزائر أن يصحب معه منها ليشمل البركة اهله وبلده.

(ز) يستحب جعلها مع الميت مؤكدا ، والكتابة بها على الكفن.

(تذنيب)

الطين الأرمني إذا دعت الضرورة إليه عينا جاز تناوله خاصة دون غيره ، وقيل : انه من طين قبر الإسكندر (١).

والفرق بينه وبين التربة من وجوه.

(أ) ان التربة يجوز تناولها لطلب الاستشفاء من الأمراض ، وان لم يصفها الطبيب ، بل وان حذّر منها ، والأرمني لا يجوز تناوله الّا ان يكون موصوفا.

(ب) ان التربة لا يتجاوز منها قدر الحمّصة ، وفي الأرمني تباح القدر الذي تدعو الحاجة اليه ، وان زاد عن ذلك.

(ج) ان التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة ، وليس كذلك الأرمني.

__________________

(١) المصباح (فصل في تمام الصلاة في مسجد الكوفة والحائر على ساكنهما السلام) ولفظ الحديث : سئل جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن طين الأرمني يؤخذ للكسر أيحل أخذه؟ قال : لا بأس به ، اما انه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين بن علي عليهما السّلام خير منه.

٢٢١

(الثاني) الدم ، وكذا العلقة ولو في البيضة ، وفي نجاستها تردد ، (١) (الأشبه النجاسة) (١).

______________________________________________________

قال طاب ثراه : الدم نجس (٢) وكذا العلقة ولو في البيضة وفي نجاستها تردد.

أقول : العلقة هي النقطة الحمراء في البيضة المستحيلة عن نطفة الديك ، فهل هي نجسة أم لا؟

فنقول : لا شك انها دم ، وكل دم نجس ، وهذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب ، وتردد المصنف طاب ثراه ، ووجه تردده : من انفرادها باسم غير الدم عرفا ، فلا يطلق عليها اسم الدم ، فلا يكون نجسة ، لأصالة الطهارة وحل البيضة ، ولا نسلّم ان كل الدم نجس ، بل المسفوح خاصة ، وهذا ليس بمسفوح ، فيكون كالدم المتخلف في اللحم.

والأقرب التنجيس كمذهب العلّامة (٣) لنجاسة الدم وتحريمه إلا ما استثني ، وهذا ليس من المستثنى.

اما نطفة الديك ، فان علمت في البيضة نطفة حرمت وكانت نجسة ، لكن ذلك غير معلوم غالبا ، وقد يوجد في البيض شبه غدد لطاف منفصلات عن الصغار وأثخن من البياض منقطة كالغدد ، وهذه طاهرة ليست من النطفة ، لأنا نشاهد ذلك في بيض دجاج لا ديك لها ، فلا يحكم بنجاستها ، لأصالة الطهارة ، وبقاء

__________________

(١) بين الهلالين موجود في النسخة المطبوعة من المختصر النافع ، ولا يوجد في النسخ المخطوطة من المهذب.

(٢) كلمة (نجس) ليس في النسخة المطبوعة من المختصر النافع ، ولكنها موجودة في النسخ المخطوطة من المهذب.

(٣) القواعد : (المقصد الثالث في النجاسات) ص ٧ س ٢١ قال : والعلقة نجسة وان كانت في البيضة. وفي التذكرة : ج ١ (الباب الثاني في النجاسات) ص ٧ س ٧ قال : الثالث ، العلقة نجسة وان كانت في بيض الدجاج وشبهه لأنها دم.

٢٢٢

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي ، لم يحرم المرق ولا ما فيها إذا ذهب بالغليان ، ومن الأصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل ، وهو حسن (١) ، كما لو وقع غيره من النجاسة.

______________________________________________________

الحل ، إلا ان يدرك فيها النقطة محمرة.

قال طاب ثراه : ولو وقع قليل من دم في قدر وهي تغلي ، لم يحرم المرق ولا ما فيه إذا ذهب بالغليان ، ومن الأصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل ، وهو حسن.

أقول : للأصحاب في المسألة ثلاثة أقوال :

(أ) طهره بالغليان إذا كان الدم قليلا ، ولو كان كثيرا لم يطهر بالغليان وهو مذهب الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي ثمَّ استحوط المنع (٢).

(ب) إطلاق القول بطهارته إذا ذهب بالغليان وان كان كثيرا ذهب اليه المفيد (٣) وتلميذه (٤).

فالحاصل : ان الحل انما يحصل عند الشيخ بثلاث شرائط : الغليان : وقلّة الدم ، وعدم ظهوره. والمفيد لم يشترط القلة.

(ج) نجاسة المرق وتحريمه ، لأنه ماء قليل ، أو مضاف نجس ، فلا يطهر بالغليان

__________________

(١) النهاية : باب الأطعمة المحظورة والمباحة ص ٥٨٨ قال : فان حصل فيها شي‌ء من الدم وكان قليلا الى قوله : لأن النار تحيل الدم.

(٢) المهذب : ج ٢ باب الأشربة ص ٤٣١ س ١٦ قال : فان وقع فيها دم وكان قليلا جاز أكل ما فيها الى قوله : والأحوط ان لا يؤكل.

(٣) المقنعة : باب الذبائح والأطعمة ص ٩٠ س ٢ قال : وإذا وقع دم في قدر يغلي على النار جاز أكل ما فيها إلخ.

(٤) المراسم : ذكر الأطعمة ص ٢١٠ س ٣ ما وقع دم في المرق فاغلي فإنه يزول حكم نجاسته ويحل اكله.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كغيره قاله ابن إدريس (١) واستحسنه المصنف (٢) واختاره العلّامة (٣).

احتج الشيخ : بان النار تحيل الدم ، ولان اللحم لا يكاد يعرّى منه وقد أجيز أكله بعد الغليان.

وبما رواه سعيد الأعرج عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن قدر فيها جزور ووقع فيها مقدار أوقية من دم ، أيوكل؟ فقال عليه السّلام : نعم لأن النار تأكل الدم (٤).

واحتج المفيد بعموم رواية زكريا بن آدم قال : سألت الرضا عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق كثير؟ قال : يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمة ، أو الكلاب ، واللحم اغسله وكله ، قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال : الدم تأكله النار ان شاء الله (٥).

وحمل العلّامة الدم على ما ليس بنجس كدم السمك ، ومنع صحة السند ، قال : سعيد الأعرج لا اعرف حاله ، والاحتجاج به يتوقف على معرفة عدالته وفي طريق الثانية محمّد بن موسى (٦) فان كان هو ابن عيسى أبو جعفر السمان ، كان ابن

__________________

(١) السرائر : كتاب الأطعمة والأشربة ص ٣٧٠ س ٢٧ فإنه بعد ما أفتى بالإراقة بوقوع الخمر في القدر قال : فان حصل فيها شي‌ء من الدم فكذلك سواء كان الدم قليلا أو كثيرا.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : ج ٢ ص ١٣٣ الفصل الخامس في الأطعمة والأشربة س ١٤ قال : والمعتمد انه لا يحل أكل اللحم والتوابل حتى يغسل.

(٤) الكافي : ج ٦ كتاب الذبائح باب الدم يقع في القدر ص ٢٣٥ الحديث ١.

(٥) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة ص ١١٩ قطعة من حديث ٢٤٧.

(٦) سند الحديث كما في التهذيب (محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى ، عن الحسن بن المبارك عن زكريا بن آدم قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام إلخ).

٢٢٤

(الثالث) كلّ مائع لاقته نجاسة فقد نجس : كالخمر ، والدم ، والميتة ، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان ، أشهرهما : النجاسة.

وفي رواية : إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده ، وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا القي ما يكتنف النجاسة وحلّ ما عداه. ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الأظلة. ولا يحلّ ما يقطع من أليات الغنم ، ولا يستصبح بما يذاب منها. وما يموت فيه ماله نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

______________________________________________________

الوليد يقول : انه يضع الحديث (١) فيسقط الاستدلال بالخبرين (٢).

قال طاب ثراه : وفي الذمي روايتان أشهرهما : النجاسة. وفي رواية إذا أراد مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ (في الصحيح) عن عيص بن القاسم عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن مؤاكلة اليهودي والنصراني؟ قال : إذا توضأ فلا بأس (٣).

__________________

(١) تنقيح المقال (رجال مامقاني) ج ٣ باب محمّد ص ١٩٣ تحت رقم ١١٤١٧ قال : وقال النجاشي : ضعفه القميّون بالغلو ، وكان ابن الوليد يقول : انه كان يضع الحديث والله اعلم.

(٢) المختلف : الفصل الخامس في الأطعمة والأشربة ص ١٣٣ س ٢١ فإنه بعد تضعيف الحديثين قال : فسقط الاستدلال بالخبرين.

(٣) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة ص ٨٨ الحديث ١٠٨ ولفظ الحديث (قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال : لا بأس إذا كان من طعامك ، وسألته عن مؤاكلة المجوسي فقال : إذا توضأ فلا بأس).

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية (١).

ومنع المفيد (٢) والقاضي (٣) والمرتضى (٤) وابن إدريس (٥) واختاره المصنف (٦) والعلّامة (٧) وحملها العلّامة في القواعد على تعدد الأواني (٨) وفي المختلف على ما لا تنفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة ، والثمار كذلك والحبوب (٩) قلت : وكذا لو كانت الفواكه رطبة وأكل ممّا يليه كالرطب ، وكذا غير الفواكه ممّا هو رطب وله حالة جمود لا يحصل منها سريان الانفعال كالجبن والسمك الطري وأكل كلّ واحد من جانبه. وفائدة الأمر بغسل اليد زوال القذر منها ، أو ازالة تنفر النفس.

احتج المانعون : بأنهم أنجاس فينفعل ما باشروه برطوبة من الأطعمة.

__________________

(١) النهاية : باب الأطعمة المحظورة والمباحة ص ٥٨٩ س ٢٠ قال : ويكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفار الى طعامه فيأكل معه ، فان دعاه فليأمره بغسل يديه ثمَّ يأكل معه ان شاء.

(٢) المقنعة : باب الذبائح والأطعمة ص ٨٩ س ٣٤ قال : ولا يجوز سوء مؤاكلة المجوس إلخ.

(٣) الانتصار : (في الذبائح) ص ١٩٣ س ٣ قال : مسألة ، وممّا انفردت به الإمامية ان كل طعام عالجه الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم الى قوله : فهو حرام لا يجوز أكله إلخ والى هذا أشار في المختلف ج ٢ ص ١٣٤ س ١٣ بقوله : قال السيد المرتضى : ممّا انفردت به الإمامية إلخ.

(٤) المهذب : ج ٢ كتاب الأطعمة والأشربة ص ٤٢٩ س ١٠ قال : فاما المحرم الى قوله : ومؤاكلة الطعام مع الكفار ، وكل طعام مائع باشره كافر إلخ.

(٥) السرائر : كتاب الأطعمة والأشربة ص ٣٧١ س ٦ قال : ولا يجوز مؤاكلة الكفار إلخ.

(٦) لاحظ عبارة النافع.

(٧) المختلف : ج ٢ ص ١٣٤ س ١٥ قال : والمعتمد ما قاله ابن إدريس ، الى ان قال بعد نقل احتجاج الشيخ : والجواب الحمل على ما إذا كان الطعام ممّا لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة والثمار كذلك والحبوب.

(٨) القواعد : ج ٢ ، المطلب الخامس المائعات ص ١٥٨ س ٢١ قال بعد نقل الحديث : وهي محمولة على الأجسام الجامدة ، أو مع اختلاف الأواني.

(٩) المختلف : ج ٢ ص ١٣٤ س ١٥ قال : والمعتمد ما قاله ابن إدريس ، الى ان قال بعد نقل احتجاج الشيخ : والجواب الحمل على ما إذا كان الطعام ممّا لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة والثمار كذلك والحبوب.

٢٢٦

(الرابع) أبوال ما لا يؤكل لحمه. وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل : نعم ، الّا بول الإبل ، والتحليل أشبه.

(الخامس) البان الحيوان المحرم كاللبوة ، والذئبة ، والهرة. ويكره ما كان لحمه مكروها كالأتن حليبه وجامده.

______________________________________________________

وبما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة ، وأرقد معه على فراش واحد ، وأصافحه ، فقال : لا (١).

ومثلها رواية هارون بن خارجة حيث سأل الصادق عليه السّلام فقال : إني أخالط المجوس ، فأكل من طعامهم؟ فقال : لا (٢).

قال طاب ثراه : وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل : نعم إلّا أبوال الإبل ، والتحليل أشبه.

أقول : اما أبوال الإبل للاستشفاء فجائز بالإجماع.

فهنا قيدان : كونها من الإبل ، والاحتياج إليها ، فلا يحل تناولها لغير ضرورة.

واما أبوال غيرها ، أو أبوالها لغير ضرورة فهل يجوز شربه أم لا؟ منع المصنف في كتاب الأطعمة من الشرائع (٣) لاستخباثها ، وأباحها في كتاب التجارة (٤) وفي الموضعين من النافع (٥) (٦) لمكان طهارتها.

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٧ الحديث ١٠١.

(٢) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٧ الحديث ١٠٢.

(٣) الشرائع : كتاب الأطعمة والأشربة ، الرابع الأعيان النجسة ، قال : وقيل : يحل الجميع لمكان طهارته ، والأشبه التحريم لمكان استخباثها.

(٤) الشرائع : كتاب التجارة ، الأول الأعيان النجسة قال : وربما قيل بتحريم الأبوال كلها الّا بول الإبل ، والأول (أي اختصاص المنع ببول ما لا يؤكل لحمه) أشبه.

(٥) المختصر النافع : كتاب التجارة (الأول) الأعيان النجسة ، قال : والأبوال ممّا لا يؤكل لحمه.

(٦) لاحظ عبارة النافع في المتن.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فالحاصل : ان علة التحريم هل هو الخبث؟ أو المبيح للحل الطهارة؟ مع قطع النظر عن الاستخباث.

فمن قال بالأول قال بتحريمها ، وهو اختيار ابن حمزة (١) وأحد قولي المصنف (٢) ومذهب العلّامة (٣).

ومن قال بالثاني أجاز شرب جميع الأبوال من المأكول لضرورة وغيرها ، وهو قول السيد (٤) وأبي علي (٥) وابن إدريس (٦) قال : وقول الشيخ في النهاية : ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل (٧) ليس دليلا على ان غيرها لا يجوز الاستشفاء به ولا يجوز شربه ، لأنا بلا خلاف بيّنا : أن أبوال ما يؤكل لحمه طاهرة غير نجسة (٨).

وفيه منع لأنا لا نسلم كون التحريم تابعا للتنجيس ، بل الاستخباث كما في محرمات الذبيحة ، وللآية (٩) وقد تقدم البحث في هذه في باب المكاسب.

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان أحكام الأشربة ص ٣٦٤ س ١٥ قال : ولا يجوز شرب دماء الحيوانات ولا أبوالها مختارا إلا بول الإبل للاستشفاء.

(٢) تقدم نقله عن الشرائع تحت رقم (١).

(٣) المختلف : ج ٢ في الأطعمة والأشربة ص ١٣٤ س ٣٣ فإنه بعد نقل قول ابن حمزة في الوسيلة قال : وهو المعتمد ، لنا ، انها مستخبثة إلخ.

(٤) الانتصار : مسائل الأشربة ص ٢٠١ قال : (مسألة) وممّا يظن انفراد الإمامية به القول بتحليل شرب أبوال الإبل وكل ما أكل لحمه من البهائم.

(٥) المختلف : ج ٢ في الأطعمة والأشربة ص ١٣٤ س ٣٠ قال : وقال ابن الجنيد : ولا بأس بشرب بول ما أكل لحمه.

(٦ و ٧ و ٨) السرائر : كتاب الأطعمة والأشربة ص ٣٧١ س ٣٢ في الهامش قال : ولا بأس بشرب أبوال الإبل ، وكل ما أكل لحمه من البهائم ، ثمَّ قال : وقال شيخنا في نهايته : ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل ولم يذكر غيرها ، وليس ذكره لها دليلا على ان غيرها لا يجوز إلخ وكلام الشيخ في النهاية في باب الأطعمة المحظورة والمباحة ص ٥٩٠ س ١٦ قال : ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل.

(٩) قال تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) سورة الأعراف / ١٥٧.

٢٢٨

(القسم السادس) : في اللواحق ، وهي سبع.

(الاولى) شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حيّ أو ميّت على الأظهر ، فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده. ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ، ولا يصلى بمائها (ولا يشرب).

______________________________________________________

قال طاب ثراه : شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي أو من ميت على الأظهر ، فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده ، ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها ولا يشرب.

أقول : هنا ثلاث مسائل.

(الأولى) شعر الخنزير هل هو نجس أم لا؟ المشهور بين الأصحاب هو الأول ، والثاني مذهب السيد (١) لأنه لا تحله الحياة ، وقد تقدم هذا البحث في كتاب الصلاة.

(الثانية) شعر الخنزير هل يجوز استعماله مع الاختيار؟ منع منه الشيخ في النهاية إلا مع الضرورة ، فيستعمل ما لا دسم فيه ثمَّ يغسل يده عند حضور الصلاة (٢) ، وهو اختيار المصنف في كتابيه (٣) (٤) وهو مذهب ابن إدريس رضوان الله عليه ، حيث قال : شعر الخنزير لا يجوز للإنسان استعماله مع الاختيار على

__________________

(١) الناصريات (في الجوامع الفقهية) مسألة ١٩ قال : شعر الميتة طاهر وكذلك شعر الكلب والخنزير ، هذا صحيح وهو مذهب أصحابنا الى ان قال : فان الشعر لا حياة فيه.

(٢) النهاية : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ، ص ٥٨٧ س ٦ قال : وكذلك شعر الخنزير لا يجوز له ان يستعمله مع الاختيار فان اضطر الى استعماله فاليستعمل منه ما لم يكن بقي فيه دسم ويغسل يده عند حضور الصلاة.

(٣) الشرائع : كتاب الأطعمة والأشربة ، القسم السادس في اللواحق (الاولى) قال : لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحيح من أقوال أصحابنا وان كان قد ذهب قوم منهم الى جواز استعماله وتمسك بأنه لا تحله الحياة الّا أنّ أخبارنا متواترة عن الأئمة الأطهار بتحريمه ، والاحتياط يقتضي ذلك ، فان اضطر الى استعماله فليستعمل منه ما لم يكن فيه دسم ، بان يتركه في فخار ويجعله في النار ، فاذا ذهب دسمه استعمله عند الضرورة والحاجة اليه ، ويغسل يده عند حضور الصلاة على ما وردت به الاخبار بذلك (١) ، وهو موافق لما افتى به شيخنا رحمه الله ، وجزم به المصنف (٢) والعلّامة في القواعد (٣). ويلزم السيد جواز استعماله لمكان طهارته وهو مذهب العلّامة في المختلف لأصالة الإباحة ، ونجاسته لا تعارض الانتفاع به ، لما فيه من المنفعة العاجلة الخالية من ضرر عاجل أو آجل ، فيكون سائغا عملا بالأصل السالم عن معارضته دليل عقلي أو نقلي في ذلك (٤).

وبما رواه سليمان الإسكاف عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن شعر الخنزير يخرز به (٥) ، قال : لا بأس به ولكن يغسل يده إذا أراد ان يصلي (٦).

وحمله الشيخ على حالة الضرورة.

ولما رواه عن برد الإسكاف عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : جعلت فداك اني رجل خزاز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخزز به قال : خذ منه وبره

__________________

(١) السرائر : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٣٧٠ س ٣ قال : وكذلك شعر الخنزير لا يجوز للإنسان استعماله إلخ.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) القواعد : ج ٢ في الأطعمة والأشربة ص ١٥٩ س ٦ قال : ويحرم استعمال شعر الخنزير إلخ.

(٤) المختلف : ج ٢ ، الفصل الرابع فيما يحل من الميتة وما يحرم من الذبيحة ص ١٣٢ س ١٦ قال : والمعتمد جواز استعماله مطلقا إلخ.

(٥) الخزازون قوم يعملون الخز (مجمع البحرين لغة خزز).

(٦) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٥ الحديث ٩٢.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

واجعلها في فخارة ، تمَّ أوقد تحته حتى يذهب دسمه ثمَّ اعمل به (١).

(الثالثة) هل يجوز الاستقاء بجلود الميتة؟ قال الشيخ في النهاية : نعم لغير الوضوء والصلاة والشرب ، وتجنبه أفضل (٢) وبه قال المصنف في كتابيه (٣) (٤) والعلّامة في القواعد جزما (٥) وجعله ابن إدريس رواية (٦) ومنع القاضي (٧) وابن حمزة (٨) والعلّامة في المختلف (٩).

وهو المعتمد لعموم قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (١٠) والأصل عدم التخصيص ، فيحرم جميع أنواع الانتفاع.

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٤ الحديث ٩٠.

(٢) النهاية : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٥٨٧ س ٨ قال : ويجوز ان يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير الوضوء إلخ.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) الشرائع : كتاب الأطعمة والأشربة ، في اللواحق ، قال : ويجوز الاستسقاء بجلود الميتة إلى قوله : وترك الاستسقاء أفضل.

(٥) القواعد : ج ٢ في الأطعمة والأشربة ص ١٥٩ س ٦ قال : ويجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الطهارة وتركه أفضل.

(٦) السرائر : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٣٧٠ س ٦ قال : وروي انه يجوز ان تستعمل من جلود الميتة دلو إلخ.

(٧) المهذب : ج ٢ باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها ومن الميتة ص ٤٤٢ س ١٤ قال : فان كان ميتة لم يجز استعماله على وجه من الوجوه.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان ما يحرم من الذبيحة ويحل من الميتة وحكم الجلود ص ٣٦٢ س ١١ قال : جلود الميتة ، ولا يجوز استعمالها إلخ.

(٩) المختلف : ج ٢ ، الفصل الرابع فيما يحل من الميتة وما يحرم من الذبيحة ص ١٣٢ س ٢٦ فإنه بعد نقل قول ابن البراج بالمنع قال : وهو الأقرب.

(١٠) سورة المائدة / ٣.

٢٣١

(الثانية) إذا وجد لحم واشتبه ، القي في النار ، فان انقبض فهو ذكي ، وان انبسط فهو ميتة. ولو اختلط الذكي بالميتة ، اجتنبا. وفي رواية الحلبي : يباع ممن يستحل الميتة (١) (على الأصح) (١).

______________________________________________________

ولما رواه الشيخ في المبسوط عن عبد الله بن الحكم قال : أتانا كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وفيه : ان لا ينتفع بالميتة بإهاب ولا عصب (٢).

احتج المسوغون : بالأصل ، وهو ممنوع ، لوجوب مخالفته عند الدليل ، وقد بيناه.

(فرع)

قال الصدوق في المقنع : لا بأس ان يجعل جلد الخنزير دلوا يسقى به الماء (٣).

وفيه منع لعدم وقوع الذكاة عليه ، فهو كجلد الميتة ، وقد مر البحث فيه.

قال طاب ثراه : إذا وجد لحم واشتبه القي في النار ، فان انقبض فهو ذكي ، وان انبسط فهو ميت. ولو اختلط الذكي بالميتة ، اجتنبا. وفي رواية الحلبي يباع ممن يستحل الميتة.

أقول : هنا مسألتان.

(الأولى) إذا وجد لحم فاشتبه فلا يعلم أذكي أم ميت ، ما الحكم فيه؟ قال

__________________

(١) هكذا في النسخ المطبوعة التي عندنا من المختصر النافع ، وفي النسخ المخطوطة من النافع ومن المهذب ليست كلمة (على الأصح) فيها.

(٢) لم أظفر عليه في المبسوط والحديث في سنن ابن ماجه : ج ٢ (٢٦) باب من قال : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ص ١١٩٤ الحديث ٣٦١٣ وفيه (عن عبد الله بن عكيم).

(٣) المقنع : باب الصيد والذبائح ص ١٤١ س ٩ قال : وإياك ان تجعل جلد الخنزير دلوا تستقي به الماء. وهذا كما ترى على خلاف مقصود المصنف ، ولكن في المختلف : ج ٢ ص ١٣٢ س ٢٨ قال : تذنيب : قال الصدوق في المقنع : ولا بأس ان يجعل جلد الخنزير دلوا إلخ.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ في النهاية : يطرح في النار فان انقبض فهو ذكي ، وان انبسط فهو ميت (١) واختاره المصنف هنا (٢) وجعله في الشرائع قولا (٣) ومنع العلّامة في القواعد وأوجب اجتنابه ، وحكى اعتباره بالنار قولا (٤) واختاره فخر المحققين (٥).

احتج الشيخ بما رواه شعيب عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما ، لم يدر أذكي هو أم ميت قال : يطرحه فكلما انقبض فهو ذكي وكلما انبسط فهو ميتة (٦).

احتج المانعون : بالاحتياط ، وبتحريم اللحم والصيد إلّا مع تعين التذكية ، وهو مفقود هنا.

(الثانية) إذا اختلط الذكي بالميت ولم يكن هناك طريق الى تميزه لم يحل أكل شي‌ء منه ، وبيع على مستحل الميتة ، قاله الشيخ في النهاية (٧) وتبعه العلّامة في

__________________

(١) النهاية : باب الصيد واحكامه ص ٥٨٢ س ٢ قال : وإذا وجد لحما لا يعلم أذكي هو أم ميت فليطرحه على النار إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) الشرائع : كتاب الأطعمة والأشربة ، القسم السادس في اللواحق قال : (الثانية) إذا وجد لحم الى قوله : قيل : يطرح في النار إلخ.

(٤) القواعد : ج ٢ ، في الأطعمة والأشربة ، المطلب الخامس في المائعات ص ١٥٩ س ٨ قال : ولو وحد لحم مطروح لا يعلم ذكاته اجتنب ، وقيل : يطرح في النار.

(٥) الإيضاح : ج ٤ في الأطعمة والأشربة (في المائعات) ص ١٦١ س ١٨ قال : والأصح عندي التحريم ولا اعتبار بالنار.

(٦) الكافي : ج ٦ كتاب الأطعمة ، باب اختلاط الميتة بالذكي ، باب أخر منه ص ٢٦١ الحديث ١.

(٧) النهاية : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٥٨٦ س ١ قال : وإذا اختلط اللحم الذكي بالميتة إلى قوله : وبيع على مستحلي الميتة.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المختلف (١) ومنع ابن حمزة (٢) والقاضي (٣) وابن إدريس (٤) وأوجبوا اجتناب الجميع ، وهو اختيار المصنف (٥).

احتج الأولون بصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : سمعته يقول : إذا اختلط الذكي باعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه (٦).

قال العلّامة : وهذا ليس في الحقيقة بيع ، بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه ، فكان سائغا ثمَّ أورد الرواية (٧).

احتج الآخرون : بوجوب تغليب الحرمة مع اجتماعها بالمباح ، كوجوب اجتناب الزوجة مع اشتباهها بالأجنبية.

ولقوله عليه السّلام : ما اجتمع الحلال والحرام الا وغلب الحرام (٨).

ولأن أكله حرام فثمنه كذلك ، ولما روي عنه صلّى الله عليه وآله : إنّ الله إذا

__________________

(١) المختلف : ج ٢ (الفصل الرابع فيما يحل من الميتة وما يحرم من الذبيحة) ص ١٣١ س ٢٨ قال : والوجه ما قاله الشيخ (لنا) انه في الحقيقة ليس بيعا ، بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان ما يحرم من الذبيحة ويحل من الميتة ص ٣٦٢ س ٤ قال : وان اختلط لحم الميتة بالمذكى ولم يتميز لم يؤكل وبيع على مستحليه. ولا يخفى ان هذا على خلاف مطلوب المصنف أدل ، ولعل ذلك من قلم النساخ والصحيح (وتبعه العلّامة وابن حمزة).

(٣) المهذب : ج ٢ باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها ومن الميتة ص ٤٤١ س ١٤ قال : وإذا اختلط لحم ذكي بميتة إلى قوله : لم يحل أكل شي‌ء منه إلخ.

(٤) السرائر : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٣٦٩ س ٢٧ قال : وإذا اختلط اللحم المذكى بلحم الميتة إلى قوله : لم يحل أكل شي‌ء منه ولا يجوز بيعه.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) الكافي : ج ٦ باب اختلاط الميتة بالذكي ص ٢٦٠ الحديث ٢.

(٧) تقدم آنفا تحت رقم ٢.

(٨) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٦٦ الحديث ١٧ ولاحظ ما علق عليه.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

حرم شيئا حرم ثمنه (١).

ومثله قوله عليه السّلام : لعن الله اليهود حرمت عليهم الميتة ، فباعوها واستحلوا أثمانها (٢).

واستحسن العلّامة في القواعد الأول إذا قصد بيع الذكي حسب (٣) فعلى هذا يشترط ان يكون معلوما عند البائع ، لأن بيع المجهول غير جائز.

قال فخر المحققين : الضمير في قوله عليه السّلام (باعه ممن يستحل الميتة) راجع الى الذكي ، بأن يعلم وزنه ، ولا يعلم عينه : ويكون الآخر تابعا ولاحظ له في الثمن ، كالآبق ، قال : وفي الكل نظر ، والأصح التحريم ، ولا اعتبار بالنار هذا أخر كلامه في الإيضاح (٤).

فإن قلت : كيف حكم الشيخ في النهاية بوجوب الاجتناب مع الاختلاط (٥) وأجاز بيعه على مستحل الميتة وجعل الانقباض والانبساط امارة صالحة للتمييز بين الذكي والميت ، فأي فرق بين الحالتين؟ فهلّا اعتبر الانقباض والانبساط في المختلط وأكل المتيقن والقى المنبسط ، وتفصّى من البيع على المستحل.

فالجواب الفارق بين الصورتين موجود ، لأن في الاختلاط تيقّن وجود ميت

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٢ الحديث ٤٨ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٢ الحديث ٤٩ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) قال في الإيضاح : ج ٤ ص ١٦١ س ١٥ في شرح قول العلّامة (ولو وجد لحم مطروح إلخ) ما لفظه (واما جواز البيع ثمة ، فلأنه يعلم وجود ذكي ويقصد بيعه ، وقول الصادق عليه السّلام : إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة ، الضمير فيه راجع الى الذكي بأن يعلم وزنه ولا يعلم عينه ، ويكون الآخر تابعا لاحظ له في الثمن).

(٤) الإيضاح : ج ٤ في المائعات ، ص ١٦١ س ١٧ قال : والضمير فيه إلخ.

(٥) النهاية : باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٥٨٦ س ١ قال : وإذا اختلط اللحم الذكي بالميتة إلخ وقد تقدم أيضا.

٢٣٥

(الثالثة) لا يأكل الإنسان من مال غيره الا بإذنه ، وقد رخص مع عدم الاذن في الأكل من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الإنسان به من ثمرة النخل. وفي ثمرة الزرع والشجر تردد (١) ، ولا يقصد ، ولا يحمل.

(الرابعة) من شرب خمرا أو شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة) إذا باع ذمّي خمرا ثمَّ أسلم فله قبض ثمنها.

______________________________________________________

وذكي ، واشتبه المحرّم يقينا بالمحلل يقينا ، فوجب اجتنابهما ، كالانائين ، والزوجتين ، واما المجهول فلم يعلم حاله انه ميت ، فاعتبره بما جعله الشارع صالحا لتميزه.

قال طاب ثراه : وقد رخص مع عدم الاذن ، في الأكل من بيوت من تضمنته الآية ، وكذا ما يمر به الإنسان من ثمرة النخل ، وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

أقول : الأصل تحريم التصرف في مال الغير الا مع صريح الاذن ، لقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ) (١) وقوله عليه السّلام : المسلم أخو المسلم لا يحلّ له ماله الا عن طيب نفس منه (٢) وقوله عليه السّلام : مال المسلم ودمه حرام (٣).

وقد اخرج النص من هذا الأصل العام ، وجوها.

(الأول) الأكل من بيت من تضمنته الآية ، يعني قوله تعالى (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ

__________________

(١) سورة النساء / ٢٩.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ١ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٢ ولم أظفر عليه في غيره ، نعم بمضمونه روايات ، لاحظ سنن ابن ماجه : ج ٢ ، كتاب الفتن (٢) باب حرمة دم المؤمن وماله ص ١٢٩٨ الحديث ٣٩٣٣ قال : كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) (١) يعني مجتمعين ومنفردين. وقوله (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) المراد به بيت العبد ، لان ماله ملك سيده ، وقيل : ما يجده الإنسان في داره ولم يعلم به.

وشرط الأصحاب : علم انتفاء الكراهية ، فلا يحل مع تيقنها ، وإن لا يحمل معه.

ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا : انه لا يأكل إلا ما يخشى عليه الفساد (٢) ولا يشترط الاذن في الدخول الى البيت ، ويكفي البناء على الظاهر من حسن ظنه به ، ولا يشترط اذنه مطلقا.

(الثاني) المال المشترك كالشجرة والزرع والمباطخ (٣) ، فان لكل واحد من الشركاء ، الأكل بدون اذن الشريك لقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٤) مع عدم علم الكراهة أيضا ، ولا يدخل هذا في الصديق المذكور في الآية ، لأنه قد لا يكون صديقا.

(الثالث) ما يمر به الإنسان من ثمرة النخل وغيرها ، وقد تقدم البحث فيه.

(الرابع) الشرب والوضوء والغسل من ماء الدالية والدولاب (٥) ، عملا بشاهد

__________________

(١) سورة النور / ٦١.

(٢) السرائر : كتاب الأطعمة والأشربة ص ٣٧١ س ٢٧ قال : وذهب بعض أصحابنا إلخ.

(٣) المبطخة : المكان ينبت فيه البطيخ بكثرة ، وفي الأساس : رأيته يدور بين المطابخ والمباطخ ج مباطخ (المعجم الوسيط ج ١ ، لغة بطخ).

(٤) سورة النساء / ٢٩.

(٥) الدالية : الدلو ونحوها. خشبة تصنع على هيئة الصليب تثبت برأس الدلو ثمَّ يشدّ بها طرف حبل وطرفه الآخر يخذع قائم على رأس البئر يستقى بها ، والناعورة يديرها الماء أو الحيوان (الساقية) والأرض تسقى بالدلو (المعجم الوسيط ج ١ لغة دلو) والدولاب الإله التي تديرها الدابة ليستقى بها (المعجم الوسيط ج ١ لغة دول).

٢٣٧

(السادسة) الخمر تحل إذا انقلبت خلا ، ولو كان بعلاج. ولا تحل لو القي فيها خل استهلكها. وقيل : لو القي في الخل خمر من إناء فيه خمر لم تحلّ حتى يصير ذلك الخمر خلا ، وهو متروك.

(السابعة) لا يحرم الربوبات والأشربة وان شم منها رائحة المسكر. ويكره الإسلاف في العصير ، وان يستأمن على طنجه من يستحله قبل ان يذهب ثلثاه. والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

______________________________________________________

الحال ، ولو علم الكراهة حرم.

قال طاب ثراه : وقيل : لو القي في الخل خمر من إناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا ، وهو متروك.

أقول : توضيح المسألة : ان نفرض إنائان في أحدهما خل وفي الأخر خمر ، فوقع من إناء الخمر في الخل ، فالأصل أنّ الخل حرم لنجاسته بملاقاة الخمر ، وفرضنا تخلل الخمر الصرف الباقي في إنائه ، فإنه يحل قطعا للإجماع على حل الخمر بانقلابه. وهل يطهر الخل الذي وقع فيه الخمر؟ لنا فيه ثلاثة أقوال.

(الأول) طهارته مع انقلاب باقية الصرف كما صورناه ، وهو مذهب الشيخ في النهاية (١) والتهذيب (٢) واستقر به العلّامة في المختلف (٣) لان انقلاب الخمر إلى

__________________

(١) النهاية : باب الأشربة المحظورة والمباحة ص ٥٩٢ س ٢٠ قال : وإذا وقع شي‌ء من الخمر في الخل لم يجز استعماله الّا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا.

(٢) التهذيب : ج ٩ (٢) باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ١١٨ الحديث ٢٤٤ ولاحظ الحديث ٤٤٥ وذيله.

(٣) المختلف : ج ٢ (الفصل الخامس في الأطعمة والأشربة) ص ١٣٧ س ٤ فإنه بعد نقل قول الشيخ

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخل يدل على تمامية استعداد انقلاب ذلك الخمر الى الخل والمزاج واحد ، بل استعداد الملقى في الخل لصيرورته خلا ، أتم ، ولكن لا يعلم لامتزاجه بغيره ، فاذا انقلب الأصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضا ، ونجاسة الخل تابعة للخمرية ، وقد زالت ، فيزول النجاسة كما في الخمر إذا انقلب.

(الثاني) يكفي في حل الخل أن يمضي عليه وقت تنتقل في مثله العين من التحليل الى التحريم ، أو من التحريم الى التحليل ، وهو قول أبي علي (١).

(الثالث) بقاؤه على التحريم قاله ابن إدريس (٢) والمصنف (٣) والعلّامة في أكثر كتبه (٤) وهو ظاهر السيد (٥) لنجاسة الخل بملاقاة الخمر ، وليس حال ينقلب إليها ، ولا يتعدى طهارة ذلك الخمر المنفرد إليه ، لأصالة بقاء الحرمة إلى تيقن سبب الحل ، ولا يقين هنا. ولأن قليل الخمر لو القي في الماء لم يحلّ بانقلاب الباقي من

__________________

قال : واعلم ان قول الشيخ ليس بعيدا إلخ.

(١) المختلف : ج ٢ (الفصل الخامس في الأطعمة والأشربة) ص ١٣٧ س ٧ قال : وقد نبه شيخنا أبو علي بن الجنيد فقال : الى ان قال : فإنه يحرم عليه شربه في الوقت ما لم يمض عليه وقت تنتقل في مثله العين من التحليل الى التحريم إلخ.

(٢) السرائر : باب الأشربة المحظورة ص ٣٧٣ س ٢٨ فإنه بعد نقل قول النهاية قال : والذي يقتضيه أصول المذهب ترك العمل بهذه الرواية.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) التحرير : ج ٢ كتاب الأطعمة والأشربة في المائعات ص ١٦١ س ١٩ قال : ولو القي في الخمر خل أو العكس لم يحل ولم تطهر إلخ والقواعد : ج ٢ (المائعات) ص ١٥٨ س ٢٣ قال : (تتمة) لو القي الخمر في الخل ، أو بالعكس لم يطهر الخمر فكان الخل نجسا إلخ.

(٥) الانتصار : مسائل الأشربة ص ٢٠٠ س ١٦ قال : (مسألة) وعند الإمامية إذا انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل ادمي الى قوله : وأبو حنيفة يوافق الإمامية فيما حكيناه الّا انه يزيد عليهم ، وبعد نقل مذهب أبي حنيفة قال : وعند الإمامية ان ذلك لا يجوز ، ومتى لم ينقلب الخمر الى الخل لم يحل إلخ.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الخمر. وكذا لو القي على الخمر ما يغلب عليها من المائعات والجامدات حتى لا يبقى للخمر طعم ولا رائحة أصلا ، فما الفرق بين غلبة الخل على الخمر في تحليلها وبين غلبة الماء وغيره عليها؟! فان قالوا : الفرق أنّ الخمر ينقلب الى الخل ولا ينقلب الى غيره ، قلنا : كلامنا فيها على الانقلاب ، والخمر إذا ألقيت في الخل الكثير فما انقلبت في الحال ، بل عينها باقية في الماء ، فما الفرق؟! وفي المسألة قول رابع لأبي حنيفة : إذا كان الخلّ زائدا على الخمر بحيث لا يوجد طعم الخمر أصلا ، فإنه يحل بذلك.

فروع

(أ) الخمر تطهر بانقلابها خلا إجماعا ، وتطهر انائها ، سواء كان تاما أو ناقصا ، وان كان نقيصته بعد تمامه بالأخذ منه ، أو تنشرت الإناء ، أو نقصه بالسمائم ، أو غير ذلك. ولا يجب ثقب الإناء واستخراجه من جانبه أو أسفله كما يتوهمه من لا تحصيل له.

ويشترط في طهرها بالانقلاب ان تكون نجاستها بسبب التخمير لزواله بالانقلاب ، فلو لاقتها قبل انقلابها نجاسة كمباشرة كافر أو غير ذلك ، لم يحل بالانقلاب.

(ب) لا كراهة في استعمال هذا الخل إذا كان الانقلاب لا عن علاج ، ويكره لو كان معه ، وتطهر الأجسام الواقعة فيه للعلاج أو لغيره ، وان كنّا قد حكمنا بنجاستها قبل الانقلاب كما يطهر الدّن ، لأن النجاسة لمكان الخمرية وقد زالت.

(ج) العصير إذا غلا حرم. ومعنى الغليان ان يصير أسفله أعلاه ، ولا فرق بين حصول ذلك من نفسه أو بتسخين من نار أو شمس. ولا يشترط ان تقذف بالزبد ، ولا صيرورته مسكرا.

٢٤٠