المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الحكم يختص بعصير العنب دون التمر على الأصح ، وكذا الزبيب الا ان يسكر أو يضاف اليه من الحوائج ما يصيّره فقاعا.

(د) يعرض التحليل لهذا العصير بأحد الأمرين : انقلابه الى الخل ، أو ذهاب ثلثيه ، فيصير دبسا ، ولا يشترط ذهاب الثلاثين بالغليان ، بل يكفي ذهاب الثلاثين كيف كان ، سواء كان بالشمس أو النار أو السمائم ، للعموم.

(ه) إذا غلا في قدر الطبخ حكم بنجاسته ونجاسة القدر والمشواط ، فاذا ذهب الثلثان طهر الجميع. وكذا يطهر أعالي القدر الذي كان الزبد يقذف اليه بالغليان. وكذا تطهر يد المعالج.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلّى الله عليه وآله الطاهرين.

٢٤١
٢٤٢

كتاب الغصب

٢٤٣
٢٤٤

كتاب الغصب

والنظر في أمور.

(الأول) الغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

______________________________________________________

كتاب الغصب

مقدمة

الغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

وقيل : هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير بغير حق.

والثاني أعم من الأول ، والأول أحق.

ويتفرع على القولين : ما لو كان لإنسان عند الصباغ ثوب ، فرد عليه غيره غلطا ، ثمَّ علم به فهو غاصب على الثاني دون الأوّل. وكذا لو خرج الإنسان من جامع ، أو من مزار ، فوجد نعالا مختلطة ، فجعل يرفع منها بعضها ويضع منها بعضا ليعلم خفه لم يكن غاصبا فيما أثبت يده عليه ، لأنه ليس ظالما في ذلك ، ولا متعديا ، ولا كان وضع اليد عليها بنية الاستيلاء ، بل لتمييز خفّه وهو لا يتم الا بذلك ، ويكون غاصبا

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على التعريف الثاني.

وتحريمه معلوم من العقل. والنص ، من الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (١) و (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٢) ومن غصب مال اليتيم فقد ظلمه.

واما السنة : فمنه ما رواه انس عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : لا يحل مال امرء مسلم الّا عن طيب نفس منه (٣).

وعن ابن مسعود عنه صلّى الله عليه وآله : حرمة مال المسلم كحرمة دمه (٤).

وروى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السّلام قال : لا يأخذن أحدكم مال أخيه جادا ولا لاعبا ، من أخذ عصا أخيه فليردها (٥).

وروى معلى بن مرة الثقفي ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال : من أخذ أرضا بغير حقها كلف ان يحمل ترابها الى المحشر (٦).

وعنه عليه السّلام : من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوق به يوم القيامة من سبع أرضين (٧).

وعنه عليه السّلام ليأتين على الناس زمان لا يبالي الرجل بما يأخذ مال أخيه ، بحلال

__________________

(١) سورة النساء / ٢٩.

(٢) سورة النساء / ١٠.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ١ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٢ ولاحظ ما علق عليه.

(٥) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٦) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٤ الحديث ٦ ولاحظ ما علق عليه.

(٧) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٤ الحديث ٧ ولاحظ ما علق عليه ورواه أبي داود الطيالسي في سنده ج ١٠ ص ٣١٧ الحديث ٣٤١٠.

٢٤٦

ولا يضمن لو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة. وكذا لو منعه على القعود على بساطه. ويصح غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به. ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان : ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

______________________________________________________

أو حرام (١).

واتفقت الأمة على تحريم الغصب.

قال طاب ثراه : ويصح غصب العقار كالمنقول ـ الى قوله : ـ ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

أقول : هنا مسائل.

(الأولى) يصح غصب العقار ، أي يتحقق الغصب في العقار كما يتحقق في المنقول ، وان لم تستقل اليد عليه ، لأن المراد باليد في تعريف الغصب (انه الاستقلال بإثبات اليد) القدرة ، لا الجارحة ، ومعناها التمكن من الانتفاع بالعين مع رفع يد المالك ، وهذا المعنى لا شك انه يتحقق في العقار والأرض والأشجار كما يتحقق في المنقولات ، بان يستقل بالتصرف في الدار والبستان مثلا ، ويمنع المالك من التصرف.

(الثانية) لو سكن الدار قهرا مع مالكها ، هل يتحقق الغصب هنا؟ يحتمله قويا ، لاستقلاله بالتصرف فيما سكنه ، ورفع يد المالك عنه ، فيصدق الحدّ عليه ، ويحتمل عدمه ، لعدم الاستقلال ، فان المالك لم يرفع يده عن الملك ، بل هو متصرف فيه ، والأول مذهب العلّامة (٢) والثاني مذهب المصنف (٣).

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٤ الحديث ٨ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) التحرير : ج ٢ كتاب الغصب ص ١٣٧ س ٢٥ قال : ولو سكن مع المالك قهرا فالوجه انه يضمن النصف.

(٣) الشرائع : كتاب الغصب (في السبب) قال : فلو سكن الدار مع مالكها قهرا لم يضمن الأصل ،

٢٤٧

ويضمن حمل الدابة لو غصبها ، وكذا الأمة. ولو تعاقبت الأيدي على المغصوب ، فالضمان على الكل ، ويتخير المالك. والحر لا يضمن ولو كان صغيرا ، لكن لو اصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه. ولو كان لا بسببه كالموت ولذع الحية فقولان.

______________________________________________________

(الثالثة) على القول بالضمان ، يضمن نصف الدار ، ولا فرق بين ان يكون تصرفه في قدر النصف أو أقل أو أكثر ، لأن التصرف في الدار اثنان ، فيحال بالضمان عليهما كالجنايات. أما الأجرة فلا يضمن منها الّا قدر ما ينتفع به من السكنى.

وهذا البحث على تقدير كون كل واحد من المالك والغاصب متفوضا في جميع الدار ، ولو فرضنا استقلال الغاصب ببيت من الدار مثلا ـ ولم يشارك المالك في غيره من الدار ، ويد المالك على الباقي ـ ضمن البيت خاصة. ولو كان المالك يشاركه في التصرف في البيت ، ضمن نصف أصل البيت دون باقي الدار ويضمن نصف المجاز الى البيت لمشاركة المالك له فيه. ولو كان مستقلا في البيت ومعارضا (١). للمالك في بقية الدار ضمن البيت بأجمعه ونصف أصل بقية الدار.

قال طاب ثراه : ولو كان لا بسببه كالموت ولذع الحية فقولان.

أقول : الحرّ لا يدخل تحت اليد ، لأنه ليس مالا ، فلا يضمن ، لأن المضمون باليد انما هو الأموال ، وانما تضمن بالجناية عليه ، وكذا منافعه في قبضه لا يضمن إلا لمباشرة إتلافها كاستعماله.

ويتفرع على هذا الأصل مسألتان.

(أ) لو غصب حرا صغيرا وتلف لا بسبب كما لو مات حتف انفه ، فلا ضمان.

وان كان بسبب كلدغ الحية ، ووقوع الحائط ، والغرق هل يضمنه؟ قال الشيخ

__________________

وقال الشيخ يضمن النصف وفيه تردد إلخ.

(١) في (گل) : ومفاوضا.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في كتاب الجراح من المبسوط : يضمنه (١) ، لأنه فعل سبب الإتلاف ، إذا الصغير لا يمكنه الاحتراز ، فهو كحافر البئر ، ولأنه آثم ، احتياطا في حقن الدّماء وعصمة النفوس ، واختاره العلّامة (٢) وقال في كتاب الغصب منه وفي الخلاف لا تضمنه (٣) (٤) لان الحر لا يضمن باليد بلا سبب وليس بمباشر ، والضمان معلل بهما ، وانتفاء العلة توجب انتفاء معلولها ، فوجب القول بانتفاء الضمان ، ولأصالة البراءة ، ثمَّ قال : ولو قلنا بالضمان كان قويا ولم يفرق المصنف هنا بين الموت بالسبب أو لا بالسبب (٥) والأصحاب على الفرق.

(ب) لو حبس صانعا ولم يستعمله ، لم يضمن أجرته ، لأن منافعه في قبضته ، فلا يدخل تحت الغصب كما لا يدخل عينه.

اما لو استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله ، فهل يضمن أجرته؟ قيل فيه قولان.

أحدهما : نعم لوجوب الأجرة على المستأجر بنفس العقد ، وانما يسقط بالتقايل ، أو امتناع الأجير من العمل ، والتقدير أنه ممكن باذل منافعه ، والتفريط والتضييع مستند إلى المستأجر باعتقاله ، فيستقر عليه الأجرة ، كما لو استاجر دارا وتسلّمها وأهمل الانتفاع بها حتى خرجت المدة.

__________________

(١) المبسوط : ج ٧ كتاب الجراح ص ١٨ س ٣ قال : وان مات بسبب مثل ان لذعته حية الى قوله : فعليه الضمان.

(٢) المختلف : كتاب الأمانات (الفصل الخامس في الغصب) ص ١٨١ س ٣٢ فإنه بعد نقل قول المبسوط في الجراح قال : وفيه قوة إلخ.

(٣) المبسوط : ج ٣ كتاب الغصب ص ١٠٥ س ١٦ قال : وان غصب حرا صغيرا فتلف في يده فلا ضمان عليه بسبب كان أو غير سبب.

(٤) كتاب الخلاف : كتاب الغصب ، مسألة ٤٠ قال : إذا غصب حرا صغيرا فتلف في يده فلا ضمان عليه الى قوله : وان قلنا بقول أبي حنيفة كان قويا.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

٢٤٩

ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته. ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع. ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ، ويضمنها لو غصبها من ذمي ، وكذا الخنزير. ولو فتح بابا على مال ضمن السارق ، دونه : ولو أزال القيد عن فرس ، فشرد ، أو عن عبد مجنون فآبق ، ضمن ، ولا يضمن لو ازاله عن عاقل.

(الثاني) في الاحكام.

يجب رد المغصوب وان تعسر كالخشبة في البناء ، واللوح في السفينة. ولو عاب ضمن الأرش. ولو تلف أو تعذر العود ضمن مثله ان كان متساوي الاجزاء ، وقيمته يوم الغصب ان كان مختلفا ، وقيل : أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف. وفيه وجه آخر.

______________________________________________________

والأخر : لا ، وهو الذي قواه المصنف في الشرائع (١) لأن منافع الحرّ في قبضته ، فلا يضمن الا بتفويتها. والتقدير ان الحابس لم يستوف شيئا من منافعه.

واعلم : ان موضوع المسألة ومحل الخلاف انما هو على تقدير وقوع العقد على العمل ثمَّ حبسه مدة يمكن فيها استيفاؤه. اما لو كانت الإجارة متعلقة بالزمان المعين ثمَّ اعتقله فيه ، فإنه يستقر عليه مال الإجارة قولا واحدا.

قال طاب ثراه : ولو تلف أو تعذر العود ضمن مثله ان كان متساوي الاجزاء ، وقيمته يوم الغصب ان كان مختلفا ، وقيل : أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وفيه وجه آخر.

أقول : هنا مسائل.

(الأولى) يجب رد المغصوب مع بقاء عينه ، وان تعسر أو ادى الى تلف مال

__________________

(١) الشرائع : كتاب الغصب (في السبب) قال : ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته إلخ.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الغاصب وكان أضعاف قيمة المغصوب كاللوح في السفينة الموفرة وهي في اللجة.

(الثانية) مع رد العين لأنظر إلى القيمة إذا كانت العين على صفاتها ، ولا يضمن تفاوت السوق ، فلو غصب منه شاة قيمتها عشرون درهما ثمَّ ردّها وقد نزل سوقها إلى خمسة ولم يتعيّب لم يكن عليه شي‌ء ، ولو تعيّبت بما أنقص قيمتها درهما بحيث صارت يساوي أربعة ، ضمن ستة عشر.

(الثالثة) إذا تلفت العين المغصوبة ، أو تعذر ردها ، بأن أخذها ظالم ، فان كان مثليا ـ وهو ما يتساوى قيمة اجزاءه كالحبوب والادهان ـ وجب على الغاصب ردّ مثله ، فلا عبرة بالقيمة ، زادت عن يوم الغصب أو نقصت ، لوجوه :

(أ) قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١).

(ب) ان مثله يعرف مشاهدة وقيمته اجتهادا والمعلوم مقدم على المجتهد فيه.

(ج) انه إذا أخذ المثل نقدا فقد أخذ وفق حقه ، وان أخذ القيمة ربما زاد أو نقص ، فكان المثل اولى.

وان كان مختلفا ـ وهو ما لا يتساوى قيمة اجزاءه كالأرض والثوب ـ ردّ قيمته.

وفي اعتبارها ثلاثة أقوال.

(الأول) قيمته يوم الغصب ، لأنه وقت انتقال الضمان اليه واعتلاقه به ، والضمان هنا بالقيمة ، فيقضى بها عليه حينئذ ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢).

(الثاني) قيمته وقت التلف ، لأنه وقت استقرار الضمان ، إذ الغاصب انما خوطب بدفع القيمة عند التلف ضرورة وجوب رد العين مع بقائها ، فيقضى عليه

__________________

(١) سورة البقرة / ١٩٤.

(٢) المبسوط : ج ٣ كتاب الغصب ، ص ٦٠ س ٦ قال : وان أعوز المثل الى قوله : طالبه بقيمته حين القبض.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقيمة حين وجوبها ، وهو اختيار القاضي (١) والعلامة في المختلف (٢).

(الثالث) أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٣) والخلاف (٤) وموضع من المبسوط (٥) وهو ظاهر القواعد (٦) والإرشاد (٧) لأنه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها الحالة العليا ، ولو تلف فيها لزمه ضمانه بتلك القيمة ، وكذا لو نقصت قيمته بعد ذلك ، لان تلك الزيادة التي لزمته شرعا لم يدفعها الى المالك ولا الى وكيله ، فتكون باقية في ذمته ، ولأنه يناسب التغليظ.

__________________

(١) المهذب : ج ١ كتاب حظر الغصب والتعدي ص ٤٣٥ س ١٤ قال : فإن أعوز المثل ولم يقدر عليه كان عليه القيمة.

(٢) المختلف : ج ١ ، الفصل الخامس في الغصب ، ص ١٧٧ س ١٧ قال : (مسألة) إذا كان المغصوب من ذوات القيم وتلف وجب على الغاصب قيمته يوم التلف.

(٣) ما عثرنا عليه من النهاية على خلاف المطلوب أدل لاحظ باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٢ س ٣ قال : رجع على الغاصب بقيمة يوم غصبه ، وأيضا في باب الإجارات ص ٤٤٦ س ٥ قال : ولزمه قيمتها يوم تعدّى فيها.

(٤) كتاب الخلاف : كتاب الغصب ، مسألة ٢٩ قال : وان كان مما لا مثل له فعليه أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب الى حين التلف.

(٥) المبسوط : ج ٣ كتاب الغصب ص ٧٢ س ٢ قال : فان هلك الثوب قبل الرد فعليه قيمة أكثر ما كانت من حين الغصب الى حين التلف.

(٦) القواعد : ج ١ كتاب الغصب (الركن الرابع) ص ٢٠٣ س ٢٤ قال : الأول أقصى قيمته من يوم الغصب الى يوم التلف.

(٧) الإرشاد : ج ١ في الغصب ، المطلب الثاني في الأحكام ص ٤٤٦ س ٣ قال : والأعلى من حين الغصب الى التلف على رأى.

٢٥٢

ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية ، وترد الزيادة لزيادة في العين أو الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت ، ردها مع الأرش. ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي. ولو كان عبدا (وكان الغاصب هو الجاني) (١) ردّه ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر (١). ولو فرج الزيت بمثله رد العين ، وكذا لو كان بأجود منه ، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه ، اما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والإله في الأبنية أخذ العين الزائدة وردّ الأصل ، ويضمن الأرش ان نقص.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو كان عبدا ردّه ودية الجناية ان كانت مقدرة ، وفيه قول أخر.

أقول : إذا جنى على العبد بما فيه مقدر ، المشهور : رده وأرش الجناية بالغا ما بلغ ، قال المصنف : وفيه قول أخر ، يحتمل ان تكون الإشارة به الى ما قال الشيخ في المبسوط : ان كان الأرش محيطا بالقيمة ليس له المطالبة إلّا مع دفع العبد برمته ، تسوية بين الغاصب وغيره في الجناية (٢) وقال ابن إدريس : له إمساكه مع المطالبة بأرشه (٣) وهو ظاهر المصنف (٤) واختاره العلّامة (٥).

__________________

(١) ما كتبناه بين الهلالين موجودة في النسخ المطبوعة التي بأيدينا من المختصر النافع وغير ثابتة في النسخ المخطوطة التي تحت تصرفنا من المهذب البارع.

(٢) المبسوط : ج ٣ كتاب الغصب ص ٦٢ س ٢٢ قال : إذا جنى على ملك غيره جناية يحيط أرشها بقيمة ذلك الملك كان المالك بالخيار إلخ.

(٣) السرائر : باب الغصب ص ٢٧٧ س ٣٦ قال : وإذا غصب عبدا قيمته ألف فخصاه الى قوله : رده وقيمة الخصيتين إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) كتاب التحرير : ج ٢ كتاب الغصب (في الأحكام) ص ١٣٩ س ٢٧ قال : والأقرب عندي إلزام الغاصب بأكثر الأمرين من أرش النقص أو دية العضو إلخ.

٢٥٣

(الثالث) في اللواحق ، وهي ستة.

(الاولى) فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد ، أو متصلة كالصوف والسمن ، أو منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة. ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية) لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ، ويضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

______________________________________________________

ووجه الأول : ان المقتضي لوجوب الدفع على المالك أخذ القيمة بكمالها ، لئلا يجتمع للمالك العين القيمة.

ووجه الثاني : عموم وجوب إلزام الغاصب بدية جنايته ، وحمله على الجاني قياس ، وهو باطل ، والمأخوذ من الغاصب عوض الفائت بالجناية ، والمناسبة التغليظ ، إذا الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال.

ويحتمل ان تكون الإشارة به الى ما اختاره المصنف في الشرائع : من كون الغاصب مطالبا بأكثر الأمرين من المقدر والأرش ، مثلا قطع يده وهو يساوي مائتين ، فدية اليد مائة ، فلو نقص فلو نقص وخمسين (بأن صار يساوي خمسين ، فالأرش هنا مائة وخمسون ، فيضمنها الغاصب ، وإن بقي بعد القطع يساوي مائة وخمسون) (١) كان المقدر أكثر من الأرش فيضمن المقدر ، وهو مائة.

ووجه هذا الاحتمال : اما ضمان المقدر على تقدير زيادته ، فللعموم وأما الأرش على تقدير زيادته فلانه نقص أدخله على مال غصبه بسببه فيكون ضامنا له.

__________________

(١) ما كتبناه بين الهلالين لا يكون في النسخة المعتمدة ، ولكنه موجود في النسختين المخطوطتين الآخرين.

٢٥٤

(الثالثة) إذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ، ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن ، ولو كان جاهلا دفع العين الى مالكها ، ويرجع بالثمن على البائع وبجميع ما غرمه ممّا لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد ، وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة واجرة السكنى تردد.

(الرابعة) إذا غصب حبّا فزرعه ، أو بيضة فافرخت ، أو خمرا فخلّلها ، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة) إذا غصب أرضا فزرعها ، فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الأرض ، ولصاحبها ازالة الغرس ، وإلزامه طمّ الحفرة ، والأرش ان نقصت. ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة واجرة السكنى تردد.

أقول : ما يغرمه المشتري للمالك عوضا عما ينتفع به من ثمرة ، أو صوف ، أو اجرة دار ، هل يرجع به على الغاصب؟ للشيخ قولان.

أحدهما : الرجوع لأنه سبب ، والمباشرة ضعفت بالغرور ، لأنه دخل على استيفاء هذه المنافع مجانا ، فلا يتعقبه ضمان.

والأخر عدم الرجوع لحصول العوض في مقابل التغريم وأولوية المباشرة بالضمان مع مجامعة السبب (١).

__________________

(١) المبسوط : ج ٣ كتاب الغصب ص ٧١ س ١٧ قال : وان كان غرم ما دخل على انه له بغير بدل وقد حصل في مقابله نفع وهو اجرة الخدمة فهل يرجع بذلك على الغاصب أم لا؟ فيه قولان : أحدهما يرجع لأنه غرم والثاني لا يرجع ، وهو الأقوى ، لأنه وان غرم فقد انتفع بالاستخدام.

٢٥٥

(السادسة) لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة ، فالقول قول الغاصب ، وقيل : قول المغصوب منه.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة ، فالقول قول الغاصب ، وقيل : القول قول المغصوب منه.

أقول : مختار المصنف هو مذهب الشيخ في الكتابين (١) (٢) وابن إدريس (٣) والعلّامة (٤) لأنه منكر ، والأصل عدم زيادة القيمة ، وبراءة ذمته.

وقال الشيخ في النهاية : القول قول المالك ، ولا يقبل قول الغاصب لأنه خائن (٥) وهو قول المفيد (٦).

__________________

(١) المبسوط : ج ٣ كتاب الغصب ص ٧٥ س ١٤ قال : إذا غصب جارية فهلكت الى قوله : فان اختلفا في مقدار القيمة ، فالقول قول الغاصب مع يمينه ، لأن الأصل براءة ذمته إلخ.

(٢) لم أظفر عليه في الخلاف ولكن نقله عنه في المختلف : ج ١ كتاب الأمانات ص ١٨٠ س ٧ قال : مسألة ، لو اختلفا في القيمة قال في المبسوط والخلاف : القول قول الغاصب مع يمينه لأنه منكر فيقدم قوله.

(٣) السرائر : باب الغصب ص ٢٧٨ س ١٨ قال : فان اختلفا في مقدار القيمة فالقول قول الغاصب مع يمينه إلخ.

(٤) المختلف : ج ١ كتاب الأمانات ص ١٨٠ س ٨ فإنه بعد نقل قول الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية قال : والأول (أي كون القول قول الغاصب) أصح.

(٥) النهاية : باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٢ س ٦ قال : فان اختلف في قيمة المتاع كان القول قول صاحبه إلخ.

(٦) المقنعة : باب اجازة البيع وصحته وفساده ص ٩٤ س ٢٤ قال : ولو ان إنسانا غصب من غيره متاعا الى قوله : فان اختلفا في القيمة كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه بالله عزّ وجلّ.

٢٥٦

كتاب الشفعة

٢٥٧
٢٥٨

كتاب الشفعة

وهي استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي أمورا.

______________________________________________________

كتاب الشفعة

مقدمة

الشفعة لغة الزيادة قال تغلب (١) : وذلك ان المشتري يشفع نصيب الشريك يزيد به بعد ان كان ناقصا ، كأنه كان وترا فصار شفعا.

وشرعا : استحقاق الشريك حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع.

والأصل فيه : النص والإجماع.

روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : الشفعة في كل مشترك ربع له أو

__________________

(١) وسئل أبو العباس (وهو الثعلب كما عن معجم المؤلفين ج ٢ ص ٢٠٣) عن اشتقاق الشفعة في اللغة؟ فقال : الشفعة الزيادة ، وهو أن يشفعك فيما تطلب حتى تضمه الى ما عندك فتزيده ، وتشفعه بها ، أي ان تزيده بها ، أي أنه كان وترا واحدا فضم اليه ما زاده وشفعه به (لسان العرب ج ٨ ص ١٨٤ لغة شفع).

٢٥٩

(الأوّل) ما تثبت فيه : وتثبت في الأرضين والمساكن إجماعا ، وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان : والأشبه : الاقتصار على موضع الإجماع. وتثبت في النخل (١) والشجر والابنية تبعا للأرض.

______________________________________________________

حائط ، فلا يحل له ان يبيعه حتى يعرضه على شريكه ، فان باعه فشريكه أحق به (١).

وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال : الشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (٢).

وأجمعت الأمة على ثبوتها وان اختلفوا في مسائلها.

تذنيب

الأشياء في الشفعة على ثلاثة أقسام.

(أ) ما يثبت فيه الشفعة متبوعا.

(ب) ما ثبت فيه تابعا.

(ج) ما لا يثبت فيه تابعا ولا متبوعا.

فالأول : العراض والأراضي المراح.

والثاني : البناء والشجر والبئر والطريق الضيقان ، والمقسوم المشترك طريقه ونهره الواسعان.

والثالث : المنقولات والحيوان على أشهر القولين.

قال طاب ثراه : وهل يثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان : والأشبه

__________________

(١) سنن أبي داود : ج ٣ كتاب البيوع ، باب في الشفعة ، الحديث ٣٥١٣ ولاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٥ باب الشفعة الحديث ١.

(٢) سنن أبي ماجه ج ٢ كتاب الشفعة (٣) باب إذا وقعت الحدود فلا شفعة ص ٨٣٤ الحديث ٢٤٩٧ وفيه : (قضى بالشفعة فيما لم يقسم).

٢٦٠