المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

(مسائل)

(الأولى) للإمام ان يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق ، ولغيره في حقوق الناس ، وفي حقوق الله قولان.

______________________________________________________

وفيه دلالة على جواز تجزي الاجتهاد ، لقوله (يعلم شيئا) ، وهو نكرة.

قال طاب ثراه : للإمام ان يقضي بعلمه مطلقا ، ولغيره في حقوق الناس ، وفي حقوق الله قولان.

أقول : إذا قامت البينة عند الحاكم ، أو أقر الخصم عنده سرا في مجلس قضائه وغيره بما يوجب حكما ، حكم قطعا ، وان لم يتفق أحدهما ، بل علم ما يوجب الحكم فهل يحكم بعلمه؟

فنقول : اما بالنسبة إلى جرح الشهود ، وتعديلهم ، فإنه يحكم بعلمه إجماعا ، والا لزم التسلسل ، أو الدور ، أو تعطيل الاحكام ، والكل باطل.

وما عدا ذلك هل يحكم فيه بعلمه؟ فالذي يظهر أن للأصحاب فيه ثلاثة أقوال :

(أ) الحكم مطلقا ، سواء كان إمام الأصل أو غيره ، وسواء كان الحق لله أو لآدمي ، وهو مذهب الشيخ (١) والمرتضى (٢) وأبي الصلاح (٣) واختاره المصنف (٤)

__________________

(١) الخلاف : كتاب آداب القضاء مسألة ٤١ قال : للحاكم ان يحكم بعلمه في جميع الأحكام إلخ.

(٢) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات وما يتصل بذلك ص ٢٣٦ قال : مسألة إلى قوله : القول بان الامام والحكام من قبله ان يحكموا بعلمهم في جميع الحقوق والحدود.

(٣) الكافي : فصل في العلم بما يقتضي الحكم ص ٤٢٨ س ٧ قال : علم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كاف في صحته إلخ.

(٤) الشرائع : مسائل (الأولى) قال : وغيره (اي غير الامام) من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس ، وفي حقوق الله على قولين : أصحهما القضاء.

٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلّامة (١) وفخر المحققين (٢).

(ب) لا مطلقا في الحاكم والمحكوم به ، وهو مذهب أبي علي (٣) ونقله في المبسوط عن قوم (٤).

(ج) الحكم لإمام الأصل مطلقا ، ولغيره في حقوق الناس دون حقوقه تعالى ، قاله ابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦).

احتج الأولون بوجوه :

(أ) قوله تعالى (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا) (٧) وقوله (وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٨) فمن علمه الحاكم زانيا أو سارقا وجب عليه القضاء بما أوجبته الآية.

(ب) ان قضائه بالشاهدين ظن ، وبالعلم يقين ، ومحال في الحكمة جواز الأول ومنع الثاني.

__________________

(١) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثالث في مستند القضاء ٢٠٥ قال : وغيره يقضي به في حقوق الناس وكذا في حقه تعالى على الأصح.

(٢) الإيضاح : ج ٤ ص ٣١٢ س ٢٣ قال في شرح قول القواعد : وهو الأصح عندي وعند والدي.

(٣) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٤ س ١٢ قال : وأبو علي بن الجنيد يصرح بالخلاف فيها ، ويذهب إلى انه لا يجوز للحاكم ان يحكم بعلمه في شي‌ء من الحقوق ولا الحدود إلخ.

(٤) المبسوط : ج ٨ كتاب آداب القضاء ص ١٢١ س ١ قال : وقال آخرون لا يقضي ، وعندنا ان الحاكم إذا كان مأمونا قضى بعلمه إلخ.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ٢١٨ س ١ قال : ويجوز للحاكم المأمون الحكم بعلمه في حقوق الناس إلخ.

(٦) السرائر : كتاب القضاء في سماع البينات ص ١٩٧ س ٢٠ قال : عندنا للحاكم ان يقضي بعلمه في جميع الأشياء ، ثمَّ استشهد بقضايا من حقوق الناس فلاحظ.

(٧) النور : ٢.

(٨) المائدة : ٣٨.

٤٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) لو لم يحكم بعلمه ، لزم فسق الحكام ، أو إيقاف الاحكام ، لأنه إذا طلق الزوج زوجته بحضرته ، ثمَّ جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه ، فان حكم بغير علمه ، وهو استحلاف الزوج وتسليمها اليه فسق ، وان لم يحكم له وقف الحكم.

احتج المانعون بوجوه :

(أ) انّ فيه تهمة ، والتهمة تمنع القضاء ، كالشهادة ، فان تطرق التهمة إليها يمنع قبولها ، فتطرق التهمة في الحكم يمنع نفوذه.

(ب) انّ فيه تزكية نفسه ، وقال تعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (١).

(ج) ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في قضية الملاعنة : لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها (٢).

وأجاب الأوّلون عن الأوّل : بأنّ التهمة حاصلة في الحكم بالبينة ، أو الإقرار مع عدم الالتفات إليها ، وأقوى فيما لو قال : ثبت عندي ، وصحّ لدىّ ، وحكمت بكذا ، فإنه يلزم حكمه ، ولا يبحث عمّا صح به عنده.

وعن الثاني : ان توليه الحكم وجلوسه مجلس القضاء ، تزكية نفسه ، وهو غير قادح في إمضاء حكمه.

وعن الثالث : بمنع السند.

احتج المفصلون : بالجمع بين القولين ، ولان حقوق الله تعالى مبنية على التخفيف.

هذا جملة ما يظهر لي في هذه المسألة من أقوال أصحابنا.

وادعى الامام فخر الدين قدس الله روحه : اتفاق الإمامية كافة على انّ الامام

__________________

(١) النجم : ٣٢.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥١٨ الحديث ١٤ ولاحظ ما علق عليه.

٤٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السلام يحكم بعلمه ، لعصمته ، فعلمه يقيني ، واما غيره فهو موضع الخلاف (١).

قلت : ومعارضة السيد لأبي علي فيما أبطل به قوله ، حيث يقول : وكيف يخفى على ابن الجنيد هذا الذي لا يخفى على أحد ، أو ليس قد روت الشيعة الإمامية كلها ما هو موجود في كتبها ومشهور في رواياتها : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ادعى عليه أعرابي سبعين درهما عن ناقة باعها منه ، فقال صلّى الله عليه وآله : قد أوفيتك ، فقال الأعرابي : اجعل بيني وبينك رجلا حكما يحكم بيننا ، فاقبل رجل من قريش ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : احكم بيننا ، فقال للأعرابي : ما تدّعي على رسول الله؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله؟ قال : قد أوفيته ، فقال للأعرابي : ما تقول؟ قال : لم يوفني ، فقال لرسول الله : ألك بينة على انك قد أوفيته؟ فقال صلّى الله عليه وآله : لا فقال للأعرابي : أتحلف انك لم تستوف حقك وتأخذه؟ فقال : نعم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لاحاكمن هذا الرجل الى رجل يحكم فينا بحكم الله عز وجل ، فاتى رسول الله صلّى الله عليه وآله الى علي بن أبي طالب ، ومعه الأعرابي ، فقال علي عليه السلام : ما لك يا رسول الله؟ فقال صلّى الله عليه وآله : يا أبا الحسن احكم بيني وبين هذا الأعرابي ، فقال عليه السلام : ما تدعي على رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : يا رسول الله ما تقول؟ فقال : قد أوفيته ثمنها ، فقال عليه السلام للأعرابي : أصدق رسول الله فيما قال؟ قال : لا ، ما أوفاني ، فأخرج علي عليه السلام سيفه فضرب عنقه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لم فعلت ذلك يا علي؟ فقال يا رسول الله نحن نصدقك على أمر الله ونهيه ، وأمر الجنة

__________________

(١) الإيضاح : ج ٤ كتاب القضاء ص ٣١٢ س ٢١ قال : اتفقت الإمامية كافة على ان الامام عليه السلام يحكم بعلمه لعصمته ، فعلمه يقيني.

٤٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والنار ، والثواب والعقاب ، ووحي الله عز وجل ، فلا نصدقك في ثمن ناقة هذا الأعرابي؟! ، واني قتلته لأنه كذبك لما قلت له : أصدق رسول الله فيما قال : فقال : لا ، ما أوفاني شيئا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله أصبت يا علي ، فلا تعد الى مثلها ، ثمَّ التفت الى القرشي ، وكان قد تبعه ، فقال : هذا حكم الله لا ما حكمت به (١).

ثمَّ قال السيد بعد ما أورد هذا الخبر بطريق آخر ، وأورد ما يضاهيه : فمن يروي مثل هذه الاخبار مستحسنا لها ومعولا عليها ، كيف يجوز ان يشك في انه كان يذهب الى ان الحاكم يحكم بعلمه ، لو لا قلة التأمل من ابن الجنيد (٢).

قلت : وهذا الرد من السيد رحمه الله والحط على أبي علي بالمعارضة له بحكم علي عليه السلام ، وهو امام معصوم ، وكذا فخر الدين حيث قال : احتج المانعون بما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها ، فلم يحكم بعلمه عليه السلام وهو صاحب الشريعة (٣).

يدل على انّ المانع يمنع مطلقا ، فكيف يدعي اتفاق الإمامية كافة على انّ الامام يحكم بعلمه ، وموضوع الخلاف غيره ، لكنه رحمه الله اعلم بمواقع الخلاف ، ودقائق الأقوال ، وأجل ان يخفى عليه ما ظهر لنا ، فهو اعرف بما قال منّا.

__________________

(١) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات ص ٢٣٨ س ٦ قال : وكيف خفي على ابن الجنيد الى آخره.

(٢) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات ص ٢٤٠ س ٢٣ قال : فمن يروي هذه الاخبار إلخ.

(٣) الإيضاح : ج ٤ كتاب القضاء ص ٣١٣ س ٢٠ والحديث أوردها أصحاب الصحاح والمسانيد ، لاحظ صحيح البخاري : باب اللعان ، باب قول النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : لو كنت راجما بغير بينة ، وسنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب الحدود (١١) باب من أظهر الفاحشة ص ٨٥٥ الحديث ٢٥٥٩ و ٢٥٦٠.

٤٦٥

(الثانية) إذا عرف عدالة الشاهدين حكم ، وان عرف فسقهما اطرح ، وان جهل الأمرين ، فالأصح التوقف حتى يبحث عنهما.

(الثالثة) تسمع شهادة التعديل مطلقة ، ولا تسمع شهادة الجرح إلا مفصّلة.

(الرابعة) إذا التمس الغريم إحضار الغريم وجب اجابته ، ولو كان امرأة ، ان كانت برزة. ولو كان مريضا أو امرأة غير برزة ، استناب الحاكم من يحكم بينهما.

(الخامسة) الرشوة على الحاكم حرام ، وعلى المرتشي إعادتها.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : إذا عرف عدالة الشاهدين ، حكم ، وان عرف فسقهما أطرح ، وان جهل الأمرين ، فالأصح التوقف حتى يبحث عنهما.

أقول : التوقف مذهب المفيد (١) وسلار (٢) والتقي (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥) لأن العدالة شرط قبول الشهادة ، ولا يجوز الحكم بالمشروط مع الجهل بالشرط ، ولأنه أحوط.

وقال الشيخ : يحكم لأن الأصل في المسلم العدالة ، ولأنه لم ينقل عن الصحابة

__________________

(١) المقنعة : باب كيفية سماع القضاة البينات ص ١١٣ س ١٨ قال : فان عرف له ما يوجب جرحه ، أو التوقف في شهادته لم يمض الحكم بها.

(٢) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٤ س ١٢ قال : ومتى تلعثم الشاهد أو تتعتع الى قوله : ولا يحكمن بها الا بعد التعرف.

(٣) الكافي : فصل في الشهادات ص ٤٣٥ س ٦ قال : العدالة شرط في صحة الشهادة الى ان قال : وان اختل شرط لم تقبل الشهادة.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثالث في مستند القضاء ص ٢٠٥ س ١٣ قال : فان علم فسق الشاهدين لم يحكم الى ان قال : وان جهل الأمر بحث عنهما.

٤٦٦

النظر الثالث : في كيفية الحكم

وفيه مقاصد

(الأول) في وظائف الحاكم وهي أربع :

(الأولى) التسوية بين الخصوم في السلام ، والكلام ، والمكان ، والنظر ، والإنصات ، والعدل في الحكم. ولو كان احد الخصمين كافرا جاز ان يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا ، أو أعلى منزلا.

(الثانية) لا يجوز ان يلقّن احد الخصمين شيئا يستظهر به على خصمه.

(الثالثة) إذا سكتا استحب له ان يقول : تكلّما ، أو ان كنتما حضرتما لشي‌ء ، فاذكراه ، أو ما ناسبه.

(الرابعة) إذا بدر احد الخصمين سمع منه ، ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه ، أو حكومته ولو ابتدرا الدعوى سمع من الذي عن

______________________________________________________

والتابعين البحث عن حال المسلم (١).

وأجيب : بأن الإسلام يقتضي العدالة بمعنى ان المسلم أقرب إليها ، ولا يقتضيها اقتضاء يمنع من النقيض ، وقبول الشهادة مبني على اليقين ، لا التجويز.

وعن الثاني : بان عدم النقل لا يدل على عدم وقوعه ، وجاز لا وقوعه لعدم احتياجهم اليه.

__________________

(١) الخلاف : كتاب آداب القضاء ، مسألة ١٠ قال : دليلنا الى قوله : وأيضا الأصل في الإسلام العدالة ، والفسق طارئ عليه يحتاج الى دليل ، وأيضا نحن نعلم انه ما كان البحث في أيام النبيّ صلّى الله عليه وآله الى آخره.

٤٦٧

يمين صاحبه. وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعي من يخرج اسمه.

(المقصد الثاني) : في جواب المدعى عليه ، وهو اما إقرار ، أو إنكار ، أو سكوت. أما الإقرار فيلزم إذا كان جائز الأمر ، رجلا كان أو امرأة ، فإن التمس المدعي الحكم به ، حكم له. ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه ، أو يشهد بذلك عدلان ، الا ان يقنع المدعي بالحلية. ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة ، ولو التمس حبسه ، حبس ، ولو ادعى الإعسار كلف البينة ، ومع ثبوته ينظر ، وفي تسليمه الى الغرماء رواية ، وأشهر منها تخليته.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو ادعى الإعسار كلف البينة ، ومع ثبوته ينظر ، وفي تسليمه الى الغرماء رواية ، وأشهر منها تخليته.

أقول : إنما كلف البينة بالإعسار إذا كان له أصل مال ، أو كان أصل الدعوى مالا ، اما لو لم يعرف له أصل مال ، ولا كان أصل الدعوى مالا ، بل جناية ، أو صداقا ، أو نفقة زوجة ، أو قريب استدان عليه بإذن منه ، أو من الحاكم ، فإنه يقنع بيمينه.

إذا عرفت هذا : فاذا ثبت إعساره شرعا ، فهل يخلى سبيله ، أو يسلم الى الغرماء؟ المشهور بين الأصحاب هو الأول قاله الشيخ في الخلاف (١) واختاره ابن إدريس (٢)

__________________

(١) الخلاف : كتاب التفليس ، مسألة ١٥ قال : إذا أفلس من عليه الدين الى قوله : لا يواجر ليكتسب ويدفع الى الغرماء إلخ.

(٢) السرائر : باب النوادر في القضايا ص ٢٠٢ س ١٢ قال بعد نقل حديث السكوني : هذا الخبر غير صحيح ولا مستقيم ، لأنه مخالف لأصول مذهبنا ، الى قوله : ولم يذكر استعملوه ولا أجروه إلخ.

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو مذهب المصنف (١) واحد قولي العلّامة (٢) لقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٣) وقال في النهاية : للغرماء مؤاجرته (٤) وفصّل ابن حمزة فقال : إذا ثبت إعساره خلّى سبيله ان لم يكن ذا حرفة يكتسب بها ، وامره بالتمحل ، وان كان ذا حرفة دفعه اليه ليستعمله ، فما فضل عن قوته وقوت عياله بالمعروف أخذه بحقه (٥) واحتج بالحديث المشهور الذي رواه السكوني عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن علي عليه السلام : انه كان يحبس في الدين ، ثمَّ ينظر ان كان له مال اعطى الغرماء ، وان لم يكن له مال دفعه الى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، ان شئتم وأجروه وان شئتم استعملوه (٦).

قال العلّامة في المختلف : وما قاله ابن حمزة ليس بعيدا من الصواب لأنه متمكن من أداء ما وجب عليه ، وإيفاء صاحب الدين حقه ، فيجب عليه ، أما الكبرى فظاهرة ، واما الصغرى فلأن الفرض انه متمكن من التكسب والتحصيل ، وكما يجب السعي في المؤنة كذا يجب في أداء الدين ، ونمنع إعساره ، لأنه متمكن ، ولا فرق بين القدرة على المال وعلى تحصيله ، ولهذا منعنا القادر على التكسب بالصنعة والحرفة من أخذ الزكاة باعتبار إلحاقه بالغني القادر على المال (٧).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثاني فيما يترتب على الدعوى ص ٢٠٩ س ٤ قال : فان ادعى الإعسار إلى قوله : لم يحل حبسه وانظر الى ان يوسر.

(٣) البقرة : ٢٨٠.

(٤) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٣٩ س ٦ قال : والا أمر خصمه بملازمته حتى يرضيه ، وأورد في ص ٣٥٢ تحت رقم ١٢ الحديث عن السكوني ، ولم نظفر في النهاية بهذه العبارة.

(٥) الوسيلة : في بيان صفة القاضي وآداب القضاء ص ٢١٢ س ٧ قال : فاذا ثبت إعساره إلخ.

(٦) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣٠٠ الحديث ٤٥.

(٧) المختلف : ج ٢ فيما يتعلق بالقضاء ص ١٥٩ قال : مسألة ، قال ابن حمزة الى آخره.

٤٦٩

ولو ارتاب بالمقر ، توقف في الحكم حتى يتبين حاله.

واما الإنكار : فعنده يقال للمدعي : ألك بينة؟ فان قال نعم أمر بإحضارها ، فإذا حضرت سمعها ، ولو قال : البينة غائبة ، أجل بمقدار إحضارها. وفي تكفيل المدعى عليه تردد (١) ، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الأجل ، وان قال : لا بينة ، عرّفه الحاكم ان له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي ، فان تبرع ، أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها ، وأعيدت مع التماس المدعي.

______________________________________________________

قلت : هذا التعليل لا ينهض بالدلالة على قول ابن حمزة لأن غاية وجوب السعي والتكسب في قضاء الدين ، لا يسلط صاحب الدين على استعماله ومؤاجرته ، لانتفاء ولايته عليه.

فان قيل : الولاية ثابتة بقول الحاكم : (ان شئتم وأجروه وان شئتم استعملوه).

قلنا : ولاية الحاكم وحجره تتعلق بالمال الموجود ، والتقدير انه لا مال له.

تنبيه

مذهب المصنف رحمه الله : أنه لا يجب التكسب في قضاء الدين ، بل إذا تكسب وفضل معه عن مئونته شي‌ء ، وجب صرفه في قضاء دينه (١) ومذهب العلّامة وجوب السعي فيه (٢) والإجبار عليه كما يجبر على التكسب في مئونته ومئونة عياله ، وهو امتن ، وعليه يدل الأحاديث (٣) ويلزم المصنف مذهب الشيخ في الكتابة وهو لا يقول به. قال طاب ثراه : ولو قال : البينة غائبة ، أجّل بمقدار إحضارها ، وفي تكفيل

__________________

(١) لم أعثر عليه.

(٢) القواعد : ج ١ كتاب الدين ص ١٥٥ س ٢٣ قال : ويجب على المديون السعي في قضاء الدين وترك الإسراف في النفقة.

(٣) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة باب قضاء الدين ص ٩٥ الحديث ٢.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المدعى عليه هنا تردد.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(أ) تكفيله مدة لاحضارها وتخرج عن الكفالة بانقضاء الأجل قاله المفيد (١) والشيخ في النهاية (٢) وبه قال التقي (٣) والقاضي في الكامل (٤) وأطلقوا المدة ، والظاهر انها موكولة إلى نظر الحاكم.

(ب) تقييد المدة بثلاثة أيام ، فإن زادت لم يلزمه الكفيل ، ويخرج عن الكفالة بانقضائها قاله ابن حمزة (٥).

(ج) ليس له إلزامه بكفيل ، بل إمّا أن يحلفه أو يطلقه قاله الشيخ في الخلاف (٦) وهو مذهب أبي علي (٧) ، واختاره المصنف (٨) والعلامة (٩).

__________________

(١) المقنعة : باب قيام البينة على الحالف ص ١١٤ س ٨ قال : وإذا بعدت بينة المدعى كان له تكفيل المدعى عليه الى ان يحضر ببينة إلخ.

(٢) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٣٩ س ١٦ قال : وان قال المدعي : لست أتمكن من إحضارها جعل معه مدة من الزمان ليحضر فيه ببينة ويكفل بخصمه إلخ.

(٣) الكافي : الفصل الثالث من تنفيذ الاحكام ص ٤٤٦ س ١١ قال : وان ادعى بينة غائبة الى ان قال : فان انقضت المدة ولم يحضر بينة سقط تضمين خصمه إلخ.

(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء وتوابعه ص ١٣٨ س ٣٦ قال : ولابن البراج قولان : ففي الكامل وافق الشيخ أيضا.

(٥) الوسيلة : كتاب القضايا والاحكام ص ٢١٢ س ١٨ قال : وان ادعى غيبة بينته الى قوله : ما لم تزد المدة على ثلاثة أيام ، فإن زادت لم يلزمه الكفيل إلخ.

(٦) كتاب الخلاف : كتاب آداب القضاء مسألة ٣٦ قال : فقال المدعي : لي بينة غير أنها غائبة لم يجب له ملازمة المدعى عليه ولا مطالبته له بكفيل إلخ.

(٧) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء في الآداب ص ١٣٨ س ٣٤ قال : وقال ابن الجنيد : ولو سأل المدعي القاضي مطالبة المدعي عليه بكفيل الى قوله لم يكن ذلك واجبا عليه إلخ الى ان قال : وما ذكرناه أولا (أي مختار الشيخ) هو الأظهر والأصح.

(٨) لاحظ عبارة النافع.

(٩) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء في الآداب ص ١٣٨ س ٣٤ قال : وقال ابن الجنيد : ولو سأل المدعي القاضي مطالبة المدعي عليه بكفيل الى قوله لم يكن ذلك واجبا عليه إلخ الى ان قال : وما ذكرناه أولا (أي مختار الشيخ) هو الأظهر والأصح.

٤٧١

ثمَّ المنكر اما ان يحلف ، أو يرد ، أو ينكل. فان حلف سقطت الدعوى ، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة ، ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه ، ولو اقام بينة لم تسمع (وقيل : يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها) (١) ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.

فان رد اليمين على المدعي صح ، فان حلف استحق ، وان امتنع سقطت دعواه.

______________________________________________________

احتج الأولون : بانّ في تكفيله حفظا لحق المدعي ، وصونا له عن الضياع ، حذرا من هرب الغريم.

احتج المانعون : بأصالة البراءة ، وبان التكفيل عقوبة لم يثبت لها موجب.

قال طاب ثراه : وقيل : يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.

أقول : اتفق المسلمون على سقوط الدعوى في مجلس الحلف ، وهل يسمع في غيره؟ للأصحاب فيه ثلاثة أقوال :

(أ) عدم السماع قاله الشيخ في النهاية (١) والخلاف (٢) وموضع من المبسوط (٣) ، وهو مذهب أبي علي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلّامة (٦).

__________________

(١) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٤٠ س ١٦ قال : وان قال المدعي الى قوله : فحلفه الحاكم ثمَّ اقام بعد ذلك البينة ، لم يلتفت الى بينته وأبطلت.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٤٠ قال : إذا حلف المدعى عليه ثمَّ أقاما المدعي البينة بالحق لم يحكم له بها.

(٣) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ص ٢١٠ س ٤ قال : المدعى عليه إذا حلف ثمَّ اقام المدعي بعد ذلك بينة بالحق فعندنا لا يحكم له بها.

(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ، في الآداب ص ١٣٨ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والنهاية : وهو قول ابن الجنيد ، الى ان قال : والمعتمد ما نقله الشيخ في النهاية.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ، في الآداب ص ١٣٨ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والنهاية : وهو قول ابن الجنيد ، الى ان قال : والمعتمد ما نقله الشيخ في النهاية.

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

احتجوا : بأن البينة حجة المدعي ، فيكون اليمين حجة المنكر ، وكما لا يسمع حجة المنكر بعد حجة المدعي ، كذا لا يسمع حجة المدعي بعد حجة المنكر.

ولصحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال : إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بحق المدعي ، ولا دعوى له ، قلت له : وان كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم ، وان أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة ما كان له ، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه (١).

قال رسول لله صلّى الله عليه وآله : من حلف لكم فصدقوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ذهب اليمين بدعوى المدعي فلا دعوى له (٢).

(ب) السماع ان لم يكن المنكر شرط سقوط الحق بيمينه ، وعدمه ان شرطه ، قاله المفيد (٣) والقاضي في الكامل (٤) وابن حمزة (٥).

(ج) قال في موضع من المبسوط : ان كان قد أقام البينة على حقه غيره ، وتولى ذلك الغير الاشهاد عليه ، ولم يعلم هو ، أو تولى هو إقامة البينة ونسي ، فإنه يقوى في

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٨٩) باب كيفية الحكم والقضاء ص ٢٣١ الحديث ١٦.

(٢) الفقيه : ج ٣ (٢٤) باب بطلان حق المدعي بالتحليف وان كان له بينة ص ٣٧ الحديث ٢.

(٣) المقنعة : باب قيام البينة على الحالف ص ١١٤ س ٣ قال : اللهم إلا ان يكون المدعي قد اشترط على المدعى عليه ان يمحو عنه كتابه عليه ويرضى بيمينه في إسقاط دعواه.

(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ص ١٤٦ س ٢٠ قال : قال ابن البراج في الكامل بما ذهب اليه المفيد.

(٥) الوسيلة : كتاب القضايا والاحكام ص ٢١٣ س ٥ قال : وإذا حلف المدعى عليه وشرط في اليمين انه إذا حلف لم يكن رجوع إلخ.

٤٧٣

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصرّ ، قضي عليه بالنكول ، وهو المروي. وقيل : يرد اليمين على المدعي ، فان حلف ثبت حقه ، وان نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت ، يستحلف على بقائه في ذمته ، استظهارا.

واما السكوت : فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره أو إنكاره. ولو

______________________________________________________

نفسي انه تقبل بينته ، فاما مع علمه ببيّنته فلا تقبل (١) واختاره التقي (٢) وابن إدريس (٣) ومثله : لو اتفق انهما شهدا من غير شعور منه بشهادتهما ، واحتمله العلّامة في المختلف (٤) قال : لانّ طلب الإحلاف لظن عجزه عن استخلاص حقه بالبينة.

تنبيه

لو اقام المدعي بينة على إقراره بالحق بعد الحلف ، سمعت ، لجواز المطالبة مع إكذاب نفسه إجماعا.

قال طاب ثراه : ولو نكل المنكر عن اليمين وأصرّ ، قضى عليه بالنكول ، وهو

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ، فصل آخر ص ٢١٠ س ١٥ قال : وان كان غيره تولى ذلك سمعت منه إلخ مع تفاوت يسير.

(٢) الكافي : القضاء ، الفصل الثالث ص ٤٤٧ س ٧ قال : اعلم المدعي ان استحلاف خصمك يسقط حق دعواك ويمنع من سماع بينة ان كانت لك الى قوله : فاذا حلف برئ من حق دعواه وتأثير بينة ان قامته له.

(٣) السرائر : كتاب القضاء ص ١٩٢ س ٢٩ قال : وان اعترف المنكر بعد يمينه بالله بدعوى خصمه عليه وندم على إنكاره ألزمه الحق إلخ.

(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ص ١٤٧ س ٣٤ قال : ويحتمل قويا عندي سماع بينته إن خفي عنه ن له بينة الى قوله : لأنه طلب الإحلاف لظن عجزه عن استخلاص حقه بالبينة إلخ.

٤٧٤

افتقر الى مترجم لم يقتصر على الواحد. ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

______________________________________________________

المروي. وقيل : يرد اليمين على المدعي فان حلف ثبت حقه وان نكل بطل.

أقول : إذا نكل المنكر عن اليمين ، بمعنى انه لم يحلف ولم يرد ، هل يقضى عليه بالنكول ، ويلزم الحق ، ويكون النكول كإقراره ، أو كقيام البينة ، أو يرد اليمين على المدعي؟ الصدوقان (١) (٢) والمفيد (٣) وتلميذه (٤) والتقي (٥) على الأول ، واختاره المصنف (٦) وهو ظاهر النهاية (٧).

وابن حمزة (٨) وأبي علي (٩) وابن إدريس (١٠) على الثاني. وهو قوله في

__________________

(١) المختلف : ج ٢ الفصل الثالث في لواحق القضاء ص ١٤٣ س ١٩ قال : وبه (اي القضاء بالنكول) قال في القدماء من علمائنا ابنا بابويه.

(٢) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٢ س ١٦ قال : فان نكل عن اليمين لزمه الحق.

(٣) المقنعة : باب آداب القاضي ص ١١٣ س ٥ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه الخروج الى خصمه مما ادعاه عليه.

(٤) المراسم : ذكر احكام القضاء ص ٢٣١ س ٧ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه المدعى عليه.

(٥) الكافي : القضاء ص ٤٤٧ س ١١ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه الخروج اليه من حق دعواه.

(٦) لاحظ عبارة النافع.

(٧) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٤٠ س ٦ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه الخروج الى خصمه مما ادعاه عليه.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان احكام اليمين ص ٢٢٩ س ١٠ قال : وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين الى قوله : رد اليمين على المدعي.

(٩) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٣ س ١٩ قال : وقال ابن الجنيد : يرد اليمين على المدعي ويحلف ويقضى له الى قوله : والمعتمد انه لا يحكم بالنكول ، بل بيمين المدعي.

(١٠) السرائر : في آداب القضاء ص ١٩٤ س ٤ قال : ولا يجوز ان يحكم عليه بالحق بمجرد النكول ، بل لا بد من يمين المدعي.

٤٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الخلاف (١) واختاره العلّامة (٢) وفخر المحققين (٣).

احتج الأولون : بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام : انه حكى عن أمير المؤمنين عليه السلام : انه الزم أخرس بدين ادعي عليه ، فأنكر ، ونكل عن اليمين (٤) فالزمه الدين بامتناعه عن اليمين.

أجابوا : باحتمال إلزامه عقيب إحلاف المدعي.

احتج الآخرون بوجوه :

(أ) ان الحكم مبني على الاحتياط التام ، وأتم ما كان بعد يمين المدعي ، لاحتمال نكوله لا عن ثبوت الحق ، بل لحرمة اليمين ، أو لحلفه انه لا يحلف ، فهو أعم من ثبوت الحق ، ولا دلالة للعام على الخاص.

(ب) ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انه رد اليمين على طالب الحق (٥).

(ج) حسنة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام انه قال : ترد اليمين على المدعي (٦) فلم يفصل ، فيتناول صورة النزاع.

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٣٨ قال : ردت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له ، ولا يجوز الحكم على المدعى عليه بنكوله.

(٢) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٣.

(٣) الإيضاح : فيما يترتب على الدعوى ص ٣٣١ س ١٦ قال : وهو الحق عندي ، أي رد اليمين على المدعي.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣١٩ قطعة من حديث ٨٦.

(٥) سنن الدارقطني : ج ٤ كتاب في الأقضية والاحكام ص ٢١٣ الحديث ٢٤.

(٦) التهذيب : ج ٦ (٨٩) باب كيفية الحكم والقضاء ص ٢٣٠ الحديث ١١.

٤٧٦

(المقصد الثالث) في كيفية الاستحلاف

ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا ، لكن ان رأى الحاكم إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع ، جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة. ويجزيه ان يقول : والله ما له قبلي كذا. ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان. ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.

ويحلف الأخرس بالإشارة ، وقيل : يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف ، وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ، ويؤمر بشربه بعد اعلامه ، فان شربه كان حالفا ، وان امتنع ألزم الحق.

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه ، إلا معذورا كالمريض ، أو امرأة غير برزة.

ولا يحلف المنكر الا على القطع ، ويحلف على فعل غيره على نفي

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا ، لكن ان رأى الإمام إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع ، جاز.

أقول : الأصل في اليمين ان يكون بالله ، لقوله عليه السّلام : من كان حالفا فليحلف بالله (١) و (من) من ألفاظ العموم ، نعم قد يرى الحاكم تحليف الذمي بما يقتضيه دينه أردع وأزجر من اليمين بالله ، فيكون كتغليظ اليمين في حق المسلم ، فيجوز حينئذ إحلافه بتلك اليمين المشتملة على الزجر.

قال طاب ثراه : ويحلف الأخرس بالإشارة ، وقيل : بوضع يده على اسم الله في

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٤٤٥ الحديث ١٦٨ وفيه من كان حالفا فليحلف بالله ، أو ليذر.

٤٧٧

العلم كما لو ادعى على الوارث فأنكر ، أو ادعى ان يكون وكيله قبض أو باع.

______________________________________________________

المصحف ، وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه ، فان شرب كان حالفا والا ثبت الحق (١).

أقول : في كيفية تحليف الأخرس ، ثلاثة أقوال :

(أ) الاكتفاء بالإشارة المفهمة الدالة على حلفه كسائر أموره ، وهو المشهور ، واختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣) لأن الشارع أقام الإشارة فيه مقام الكلام.

(ب) لا يكفي الإشارة وحدها ، بل لا بد من وضع يده على اسم الله تعالى ، قاله الشيخ في النهاية (٤) وعبارته : إذا أراد الحاكم ان يحلف الأخرس حلّفه بالإشارة والإيماء إلى اسم الله ويضع يده على اسم الله في المصحف ، ويعرف يمينه على الإنكار كما يعرف إقراره وإنكاره ، وان لم يحضر المصحف وكتب اسم الله ووضع يده عليه ، جاز. فهذا الكلام يعطي انه لا بد منهما ، ولا يكفي أحدهما. وقول المصنف : (وقيل : يضع يده على اسم الله) مراده مع الإشارة.

(ج) غسل اليمين بعد كتابتها وأمره بشربها ، وهو قول ابن حمزة في الوسيلة ، حيث قال : إذا توجهت اليمين على الأخرس ، وضع يده على المصحف ، وعرّفه حكمها ، وحلّفه بالأسماء : وان كتب اليمين على لوح ، ثمَّ غسلها ، وجمع الماء في شي‌ء وأمر بشربه ، جاز ، فان شرب فقد حلف ، وان أبي ألزمه ، وجعله في النهاية رواية (٥).

وهي صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن

__________________

(١) في النسخ المخطوطة الحاضرة عندي (والا ثبت الحق) كما أثبتناه ، وفي النسخة المطبوعة من مختصر النافع كما أثبتناه في المتن ، والأمر سهل.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) القواعد : ج ٢ ، المقصد الرابع في الإحلاف ص ٢١١ س ٩ قال : وحلف الأخرس بالإشارة.

(٤) النهاية : باب كيفية الاستحلاف ، ص ٣٤٧ س ١٦ قال : وإذا أراد الحاكم الى آخر ما أثبتناه.

(٥) النهاية : باب كيفية الاستحلاف ص ٣٤٨ س ١ قال : وقد روي انه يكتب نسخة اليمين إلخ.

٤٧٨

واما المدعي ولا شاهد له ، فلا يمين عليه الا مع الرد ، أو مع نكول المنكر على قول (١) ، ويحلف على الجزم. ويكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق ، فلو ادعى المنكر الإبراء ، أو الأداء انقلب مدعيا ، والمدعي منكرا ، فيكفيه اليمين على بقاء الحق. ولا يتوجه على الوارث بالدعوى

______________________________________________________

الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين ، ولم يكن للمدعي بينة؟ فقال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ، لما ادعي عنده على أخرس من غير بينة : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج اليه ، ثمَّ قال : ائتوني بمصحف ، فاتي به ، فقال للأخرس : ما هذا؟ ورفع رأسه الى السماء ، وأشار أنه كتاب الله عز وجل ، ثمَّ قال : ايتوني بوليه ، فأتي بأخ له ، فأقعده الى جنبه ، ثمَّ قال : يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمَّ قال لأخ الأخرس : قل لأخيك : هذا بينك وبينه : انه علي ، فتقدم اليه بذلك ، ثمَّ كتب أمير المؤمنين عليه السلام : والله الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية : إن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان أعني الأخرس حق ولا طلب بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثمَّ غسله وأمر الأخرس ان يشربه ، فامتنع ، فالزمه الدين (١).

وحملها ابن إدريس على أخرس لا يكون له كتابة معقولة ولا اشارة مفهومة (٢).

قال طاب ثراه : أما المدعي ولا شاهد له ، فلا يمين عليه الا مع الرد ، أو نكول المنكر على قول. (١)

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣١٩ الحديث ٨٦.

(٢) السرائر : باب كيفية الاستحلاف ص ١٩٨ س ٢٨ قال : ويمكن حمل هذه الرواية والعمل بها إلخ.

٤٧٩

على موروثة إلا مع دعوى علمه بموجبة ، أو إثباته وعلمه بالحق ، وانه ترك في يده مالا. ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة ، ولا يتوجه بها يمين على المنكر. ولو ادعى الوارث لمورثه مالا ، سمع دعواه ، سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن. ويقضي بالشاهد واليمين في الأموال والديون. ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا ، وتعديله. ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ، ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ، ولا يثبت مال غيره.

(مسألتان)

(الاولى) لا يحكم الحاكم بأخبار لحاكم آخر ، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره ، نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه ، فشهد شاهدان بحكم عند آخر ، وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.

(الثانية) القسمة تمييز الحقوق ، ولا يشترط حضور قاسم ، بل هو أحوط ، فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة. وكل ما يتساوى اجزائه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة والشعير ، وكذا ما لا يتساوى اجزائه إذا لم يكن في القسمة ضرر ، كالأرض والخشب ، ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

______________________________________________________

أقول : تقدم البحث في هذه المسألة.

٤٨٠