المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الاجتماع هو غاية منتهى الإمكان.

وانما قلنا (المطلق) لان ذا السبب مستنده العلم بسببه.

وان لم يجمع الثلاثة ، ففيه مسألتان.

(الأولى) فوات السماع ، وحصول اليد والتصرف ، كالبناء والهدم ، والإجارة المتكررة بغير منازع.

فعدم المنازع قيد في الكل ، واما التكرار فقيد في الإجارة ، لجواز صدور المرة من المستأجر.

ويجوز ان يشهد لهذا المتصرف باليد إجماعا ، وهل يجوز ان يشهد له بالملك المطلق؟

قال في الخلاف : نعم (١) وبه قال التقي (٢) والقاضي (٣) وابن إدريس (٤) والمصنف في الشرائع (٥).

ومنع في النافع (٦) وتوقف الشيخ في المبسوط (٧) لان اليد تختلف ، فتكون يد

__________________

(١) الخلاف : كتاب الشهادات ، مسألة ١٤ قال : من كان في يده شي‌ء يتصرف فيه بلا دافع الى قوله : جاز ان يشهد له بالملك.

(٢) الكافي : التكليف الثاني من الشهادات ص ٤٣٧ س ٦ قال : وان كانت بملك فبعد العلم بسببه الى قوله : أو ظاهر تصرف لا مانع منه.

(٣) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٦١ س ٦ قال : وإذا راى إنسان في يد غيره شيئا وهو متصرف فيه تصرف الملاك ، جاز ان يشهد بأنه ملكه.

(٤) السرائر : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ١٨٥ س ٢١ قال : ومن راى في يد غيره شيئا ورآه يتصرف فيه تصرف الملاك ، جاز له ان يشهد إلخ.

(٥) الشرائع : كتاب الشهادات ، مسائل ثلاث ، الاولى قال : لا ريب ان المتصرف بالبناء والهدم والإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق.

(٦) لاحظ عبارة النافع.

(٧) المبسوط : ج ٨ فصل في التحفظ في الشهادة ص ١٨٢ س ١ قال : واما بالملك المطلق فلا ، لان اليد يختلف إلخ.

٥٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

مستعير ، ويد مستأجر ، ومالك ، ووكيل ، ووصي والتصرف واحد ، فيكون أعم من الملك ، والعام لا يدل على الخاص بشي‌ء من الدلالات ، فلا يشهد بالملك ، بل بالتصرف.

(الثانية) فوات السماع والتصرف وحصول اليد خاصة ، هل يجوز له ان يشهد له بالملك مطلقا؟ توقف في المبسوط (١) وتردد فيه المصنف (٢) وقواه العلّامة في القواعد (٣) وقال في المختلف : ولا بأس بهذا القول عندي (٤).

احتج المانعون : بان اليد لو أوجبت ملكا لم تسمع الدعوى ممن يقول : الدار التي في يد فلان لي ، كما لا يسمع لو قال : ملك هذا لي ، ولما سمعت دل على ان اليد لا تدل على الملك.

احتج المسوغون : بجواز شرائه منه.

وبما رواه الصدوق عن حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام قال : قال له رجل : أرأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل ، أيجوز لي ان أشهد انه له؟ فقال : نعم ، قلت : فلعله لغيره؟ قال : ومن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ، ثمَّ تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه إليك من قبله؟ ثمَّ قال أبو عبد الله عليه السلام : لو لم يجز هذا ، ما قامت للمسلمين سوق (٥).

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ فصل في التحفظ في الشهادة ص ١٨١ س ١٩ قال : فاما ان يكون في يده دار الى قوله : فيسوغ للشاهد ان يشهد له باليد ، واما بالملك المطلق إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) القواعد : ج ٢ في الشهادات ص ٢٤٠ س ١١ قال : والأقرب ان مجرد اليد والتصرف الى قوله : يكفي.

(٤) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٧ س ٧ قال : ولا بأس بهذا القول عندي.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (١٨) باب من يجب رد شهادته ومن يجب قبول شهادته ص ٣١ الحديث ٢٧.

٥٦٢

(الثالثة) لا يجوز إقامة الشهادة إلا مع الذكر ، ولو رأى خطه. وفي رواية : ان شهد معه آخر جاز إقامتها ، وفي الرواية تردد.

______________________________________________________

وأجاب العلامة : بأن ادعاء الملكية من المشترى لوجود سببه ، وهو الشراء ممن يظن انه مالك ، باعتبار اليد ، ومثل هذا مما يتساهل فيه ، بخلاف الشهادة التي لا يجوز الا على القطع والبت ، ولا يجوز التعويل فيها على الظن (١).

وأورد الشهيد عليها إشكالا : بأنه لو ادعى عليه ، فأنكر صح ان يحلف ، مع ان الحلف على القطع في جميع الصور إجماعا (٢).

قلت : الحلف هنا تابع لثبوت السبب ، وهو قطعي الثبوت.

قال طاب ثراه : لا يجوز إقامة الشهادة إلا مع الذكر ، ولو راى خطه. وفي رواية ان شهد معه آخر جاز إقامتها ، وفي الرواية تردد.

أقول : الأول إطلاق التقي (٣) ومذهب الشيخ في الاستبصار (٤) واختاره ابن إدريس (٥).

لقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٦) وقوله عليه السلام : على مثلها

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٧ س ٣ قال : وادعاء الملك لوجود سببه إلخ.

(٢) لم أعثر عليه في الكتب المتوفرة.

(٣) الكافي : التكليف الثاني من الشهادات ص ٤٣٦ س ١٧ قال : ولا يحل له ان يتحمل ولا يقيم شهادة لا يعلم مقتضاها من احد طرق العلم وان راى خطه.

(٤) الاستبصار : ج ٣ (١٦) باب انه لا يجوز إقامة الشهادة إلا بعد الذكر ، ثمَّ صدر الباب ، بالأخبار الدالة على ذلك ، وانه قدس سره يصدر الباب بالأخبار الذي يعتقده مذهبا كما قاله في المختلف : ج ٢ ص ١٧٢ س ٣٥ وأضف الى ذلك ما قاله بعد نقل حديث عمر بن يزيد : قد بينا ان الشهادة لا تجوز إقامتها إلا بعد العلم.

(٥) السرائر : باب كيفية الشهادة ص ١٨٥ س ٢٩ قال : وإذا أراد إقامة شهادة لم يجز له ان يقمها الا على ما يعلمه ويتقنه ويقطع عليه إلخ.

(٦) الاسراء : ٣٦.

٥٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فاشهد أودع (١) واختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣).

والثاني : قول الشيخ في النهاية (٤) وبه قال الصدوقان (٥) (٦) والمفيد (٧) وتلميذه (٨) والقاضي (٩) وأبو علي (١٠).

احتج الأولون : بما رواه إدريس بن الحسن ، عن علي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تشهدوا بشهادة حتى تعرفوها كما تعرف كفك (١١).

ومثلها رواية السكوني عنه عليه السلام : لا تشهد بشهادة لم تذكرها ، فإنه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما (١٢).

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٢٨ الحديث ١ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٣ س ٢ قال : والمعتمد ما قاله الشيخ في الاستبصار.

(٤) النهاية : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ٣٢٩ س ١٩ قال : وإذا أراد إقامة شهادة إلى قوله : الا على ما يعلم.

(٥) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٢ س ٢١ قال : وقال علي بن بابويه : وإذا اتى رجل بكتاب فيه خطه الى قوله فلا يشهد إلخ.

(٦) الفقيه : ج ٣ (٣٢) باب الاحتياط في إقامة الشهادة ، وفي الباب روايات منها : وروي انه لا تكون الشهادة إلا بعلم.

(٧) المقنعة : باب البينات ص ١١٣ س ٥ قال : وإذا نسي الشاهد الشهادة ، أو شك فيها لم يجز له إقامتها.

(٨) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٤ س ٣ قال : وان نسي الشهادة أو شك فيها فلا يقيمها.

(٩) المهذب : ج ٢ الشهادة على الشهادة ، ص ٥٦١ س ١٠ قال : وإذا أراد إقامة شهادة لم يجز له إقامتها الا على ما يعلم.

(١٠) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٢ س ١٨ قال : وقال ابن الجنيد : ولا اختار لأحد ان يشهد بشهادة إلى قوله : الا بعد التيقن.

(١١) الفقيه : ج ٣ (٣٢) باب الاحتياط في إقامة الشهادة ص ٤٢ الحديث ١.

(١٢) الاستبصار : ج ٣ (١٦) باب انه لا يجوز إقامة الشهادة إلا بعد الذكر ص ٢٢ الحديث ٢.

٥٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن الحسين بن سعيد قال : كتب اليه جعفر بن عيسى : جعلت فداك ، جائني جيران لنا بكتاب زعموا انهم يشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته ، ولست اذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها ، فاشهد لهم على معرفتي ان اسمي في الكتاب ولست اذكر الشهادة؟ أو لا يجب لهم الشهادة حتى اذكرها ، كان اسمي في الكتاب بخطي أو لم يكن؟ فكتب عليه السلام : لا تشهد (١).

ورواه الشيخ في الاستبصار في أول الباب ، وهو انما يصدر الباب بما يعتمده من الاخبار ويعتقده مذهبا (٢) ، ثمَّ قال : فاما ما رواه احمد بن محمد ، عن الحسين بن علي بن النعمان ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يشهدني على الشهادة فاعرف خطي وخاتمي ، ولا اذكر من الباقي قليلا ولا كثيرا ، قال : فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له (٣).

فهذا الخبر ضعيف مخالف للأصول ، لأنا قد بينا : ان الشهادة لا تجوز إقامتها إلا مع العلم ، وقد قدمنا أيضا الأخبار التي تقدمت من انه لا تجوز إقامة الشهادة مع وجود الخط والختم إذا لم يذكرها.

والوجه في هذه الرواية : انه إذا كان الشاهد الآخر يشهد وهو ثقة مأمون جاز له ان يشهد إذا غلب على ظنه صحة خطه لانضمام شهادته اليه ، وان كان الأحوط ما تضمنته الأخبار الأولة (٤).

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٦) باب انه لا يجوز إقامة الشهادة إلا بعد الذكر ص ٢٢ الحديث ٣.

(٢) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٢ س ٣٥ قال : مع انه رحمه الله انما يصدر الباب في الكتاب من الاخبار المختلفة بما يعتقده مذهبا.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (١٦) باب انه لا يجوز إقامة الشهادة إلا بعد الذكر ص ٢٢ الحديث ٤.

(٤) قاله الشيخ في الاستبصار بعد نقل حديث ٤.

٥٦٥

(الرابعة) من حضر حسابا ، أو سمع شهادة ، ولم يستشهد كان بالخيار في الإقامة ما لم يخش بطلان الحق ان امتنع ، وفيه تردد.

ويكره ان يشهد لمخالف إذا خشي انه لو استدعاه الى الحاكم يردّ شهادته.

الثالث : في الشهادة على الشهادة وهي مقبولة في الديون ، والأموال ، والحقوق ، ولا تقبل في الحدود ، ولا يجزي الا اثنان على شاهد الأصل.

______________________________________________________

قال العلّامة في المختلف : والمعتمد ما قاله الشيخ في الاستبصار ، ويحمل قول علمائنا المشهور بينهم ، وهذه الرواية : على ما إذا حصل من القرائن الحالية والمقالية للشاهد ما استفاد به العلم ، وحينئذ يشهد مستندا الى العلم الحاصل له ، لا باعتبار الوقوف على خطه ومعرفته به (١).

قال طاب ثراه : من حضر حسابا ، أو سمع شهادة ولم يستشهد كان بالخيار في الإقامة ما لم يخش بطلان الحق ان امتنع ، وفيه تردد.

أقول : قال في النهاية : ومن علم شيئا ولم يكن اشهد عليه ، ثمَّ ادعي الى ان يشهد كان بالخيار في إقامتها وفي الامتناع ، اللهم الا ان يعلم انه ان لم يقمها بطل حق مؤمن ، فحينئذ يجب عليه إقامة الشهادة (٢) وبه قال القاضي (٣) هو ظاهر كلام

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٣ س ٢ قال : والمعتمد ما قاله الشيخ في الاستبصار ، ويحمل قول علمائنا إلخ.

(٢) النهاية : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ٣٣٠ س ٣ قال : ومن علم شيئا من الأشياء الى قوله : يجب عليه إقامة الشهادة.

(٣) المهذب : ج ٢ الشهادة على الشهادة ص ٥٦١ س ١٢ قال : وإذا علم شيئا ولم يكن قد اشهد عليه الى قوله : وجب عليه إقامتها.

٥٦٦

وتقبل الشهادة على شهادة النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن على تردد.

______________________________________________________

ابن حمزة (١).

وقال أبو علي : إذا حضر حساب اثنين فأقر أحدهما للآخر بشي‌ء ثمَّ جحده إياه فاحتاج الى شهادة الحاضر كان ذلك إلى الشاهد ، ان شاء حكى ما حضر من غير ان يثبت الشهادة ، وان شاء تأخر ، لأن صاحب الحق لم يسترعه الشهادة (٢) وقال التقي : هو مخير فيما يسمعه ويشاهده بين تحمله واقامته ، وتركهما (٣).

وقال ابن إدريس : يجب عليه الأداء لقوله تعالى (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (٤) ولا يكون له الخيار في إقامتها (٥).

والظاهر انه لا منافاة بين كلام الشيخ وابن إدريس ، لأن الشيخ جعل الإقامة على الكفاية ، وان كان قصد ابن إدريس وجوبها عينا منعنا ذلك.

قال طاب ثراه : وتقبل الشهادة على شهادة النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن على تردد.

أقول : المراد ان شهادة النساء ، هل تسمع في باب الشهادة على الشهادة؟

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان كيفية تحمل الشهادة ص ٢٣٢ س ١٩ قال : وإذا شاهد المتعاقدين وسمع كلام العقد منهما وعرفهما بالمشاهدة جاز له ان يشهد بذلك إذا حضرا إلخ.

(٢) المختلف : في الشهادات ص ١٧٣ س ٥ قال : وقال ابن الجنيد : وإذا حضر الإنسان حساب اثنين الى آخر.

(٣) الكافي : التكليف الثاني من الشهادات ص ٤٣٦ س ١٦ قال : وهو محير فيما يسمعه ويشاهده بين تحمله واقامته وتركهما.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

(٥) السرائر : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ١٨٦ س ٨ قال : ومن علم شيئا من الأشياء الى قوله : فالواجب عليه الأداء.

٥٦٧

وأجلي الألفاظ أن يقول : أشهد على شهادتي أني اشهد على كذا. ولا تقبل شهادة الفرع الا مع تعذر حضور شاهد الأصل لمرض أو غيبة أو موت.

______________________________________________________

ومعناه : ان المرأة هل يجوز ان تكون فرعا ، سواء كانت فرعيتها على امرأة أو رجل.

فنقول : أما ما لا يقبل فيه شهادة النساء مطلقا ، لا يقبل فيه فرعيتها قطعا.

وما عدا ذلك قسمان :

(الأول) ما يقبل فيه شهادتهن منفردات كالعيوب تحت الثياب ، والوصية ، فهل يقبل فرعيتها ، فيه مذهبان : أحدهما : نعم ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف (١) وهو اختيار أبي علي (٢) ومذهب العلّامة في المختلف (٣).

احتجوا بوجوه :

(أ) ما رواه السكوني عن الصادق وعن الباقر عليهما السلام ، عن علي عليه السلام : شهادة النساء لا يجوز في نكاح ولإطلاق ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر اليه (٤).

وهو شامل للشهادة بالأصالة والفرعية.

(ب) ان شهادة امرأتين تساوي شهادة الرجل ، فاذا شهد رجلان على رجل ، جاز ان يشهد اربع نساء على ذلك الرجل ، قضية للتساوي.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٦٦ قال : لا تقبل شهادة النساء على الشهادة إلا في الديون والاملاك والعقود.

(٢) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٢ س ١٠ قال : وقال ابن الجنيد : وإذا شهد شاهدان الى قوله : وكذا في شهادتهما على شهادة المرأة إلى قوله : والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف.

(٣) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٢ س ١٠ قال : وقال ابن الجنيد : وإذا شهد شاهدان الى قوله : وكذا في شهادتهما على شهادة المرأة إلى قوله : والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٨١ الحديث ١٧٨ وفيه (ما لا يستطع الرجل).

٥٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) ان الفرع أضعف من الأصل ، وإذا جاز قبول شهادتهن في القوي ، ففي الضعيف اولى.

والآخر المنع : وهو مذهب ابن إدريس (١) واختاره المصنف (٢) والعلّامة في القواعد (٣) وفخر المحققين (٤).

احتجوا : بأن الرخصة المسوغة لشهادة النساء منفردات ، عدم اطلاع الرجال عليه ، أو عدم حضورهم في الوصية وفوات غرض الموصي بترك الاشهاد وتضرره به دينا ودنيا ، فجازت شهادتهن منفردات ، وهذان المعنيان معدومان في الشهادة على الشهادة ، فتنتفي الرخصة.

اما الأول : فظاهر ، لأن الشهادة على شهادتهن ليس مما يتعذر اطلاع الرجال عليه.

واما الثاني : فلأن الرخصة انما هو خوف الوفاة ، وتعذر الرجال على الوصية ، وليس هذا موجودا في صورة النزاع ، وأيضا : السبب الشرعي لا يتعدى فيه النص.

(الثاني) ما يقبل فيه شهادتهن مع الرجال. والحكم فيه كالأول لا يختلف.

__________________

(١) السرائر : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ١٨٥ س ١٠ قال : لا مدخل للنساء في الشهادة على الشهادة سواء كان الحق مما يشهد فيه النساء ، أولا يشهدن فيه.

(٢) الشرائع : في الشهادة على الشهادة قال : وتقبل شهادة النساء على الشهادة إلى قوله : وفيه تردد ، أشبهه المنع.

(٣) القواعد : ج ٢ في الشهادات ، المطلب الثالث في العدد ص ٢٤٢ س ٨ قال : وهل تقبل شهادة النساء على الشهادة إلى قوله : الأقرب المنع.

(٤) الإيضاح : ج ٤ في الشهادات ، المطلب الرابع ، ص ٤٤٨ س ٩ قال : والأقوى عندي اختيار والدي في هذا الكتاب وهو انه لا مدخل لشهادة النساء على الشهادة مطلقا.

٥٦٩

ولو شهد الفرع فأنكر شاهد الأصل ، فالمروي : العمل بأعدلهما ، فان تساويا اطرح الفرع ، وفيه إشكال ، لأن قبول شهادة الفرع مشروط بعدم شاهد الأصل.

ولا تقبل شهادة على شهادة على شهادة في شي‌ء.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو شهد الفرع فأنكر شاهد الأصل ، فالمروي العمل بأعدلهما ، فان تساويا اطرح الفرع ، وفيه إشكال ، لأن قبول الفرع مشروط بعدم شاهد الأصل.

أقول : إذا شهد الفرع فحضر شاهد الأصل وأنكر اشهاده على شهادته ، فلا يخلو اما أن يكون ذلك قبل الحكم بالفرع ، أو بعده ، فهنا قسمان :

(الأول) ان يكون قبل الحكم ، وفيه ثلاثة أقوال : الأول بطلان الشهادة ووقوف الحكم ، لان الفرع انما يحكم به لتعذر الأصل ، فمع حضوره لا حكم له. قاله الشيخ في المبسوط (١) وبه قال ابن حمزة (٢) وابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥).

واحتجوا بوجوه :

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ في الشهادة على الشهادة ص ٢٣٣ س ١١ قال : وان كان قبل حكم الحاكم بشهادة الفرع ، لم يحكم بشهادة الفرع إلخ.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان كيفية تحمل الشهادة ص ٢٣٤ س ٢ قال : وان لم يحكم بقوله ، سمع من الأصل وحكم به.

(٣) السرائر : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ١٨٤ س ٣٤ قال : ومن شهد على شهادة آخر الى قوله : روي انه تقبل شهادة أعدلهما ، إلى قوله : فالأولى ان يبطل شهادة الفرع إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧١ س ٢٥ قال : والوجه ان نقول : الى قوله : وان كان قبل الحكم بطلت شهادة الفرع.

٥٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) ان الثاني فرع والأول أصل ، والأصل أقوى من الفرع ، فلا يعمل بالضعيف ويهمل القوى.

(ب) ان الأصل يشهد على علمه ، والفرع يشهد على شي‌ء لا يحققه ولا يعلمه ، فالظن الحاصل من شهادة الأول أقوى من الثاني.

(ج) ان الفرع يثبت شهادة الأصل ، فشهادته مبنية على شهادته ، فكيف يعمل بها مع تنافيهما.

(د) ان الفرع انما يحكم به لتعذر الأصل ، ومع وجوده لا يقبل قول الفرع أصلا.

(الثاني) العمل بأعدلهما ومع التساوي يعمل بالأصل ، قاله الشيخ في النهاية (١) وبه قال الصدوقان (٢) (٣) والقاضي (٤).

لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام : في رجل شهد على شهادة رجل ، فجاء الرجل فقال : اني لم اشهد ، قال : يجوز شهادة أعدلهما ، وان كانت عدالتهما واحدة لم يجز شهادته (٥).

(الثالث) قال أبو علي : لو كان عدلا ـ يعني شاهد الأصل ـ ولم يكن تغيرت حاله ، فأنكر الشهادة عليه ، لم يقبل قول شاهد واحد عليه حتى يكونا شاهدين ،

__________________

(١) النهاية : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ٣٢٩ س ١ قال : ومن شهد على شهادة آخر الى قوله : قبلت شهادة أعدلهما إلخ.

(٢) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧١ س ١٣ قال : وقال علي بن بابويه في رسالته : الى قوله : فإنه يقبل قول أعدلهما إلخ.

(٣) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ١٧ قال : وإذا حضرا الى قوله : فإنه يقبل قول أعدلهما.

(٤) المهذب : ج ٢ ، الشهادة على الشهادة ص ٥٦١ س ٢ قال : وإذا شهد إنسان على شهادة آخر الى قوله : قبلت شهادة أعدلهما.

(٥) الفقيه : ج ٣ (٣١) باب الشهادة على الشهادة ص ٤١ الحديث ٣.

٥٧١

الرابع : في اللواحق

وفيه مسائل :

(الأولى) إذا رجع الشاهدان قبل القضاء لم يحكم ، ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود.

وفي النهاية : ان كانت العين قائمة ارتجعت ولم يغرما ، وان كانت تالفة ضمن الشهود.

(الثانية) إذا ثبت انهما شاهدا زور نقض الحكم واستعيدت العين مع بقائها ، ومع تلفها ، أو تعذرها ، يضمن الشهود.

______________________________________________________

فحينئذ لا يلتفت الى جحوده (١) ، فلم يعتبر الأعدل.

(القسم الثاني) ان يكون بعد الحكم ، فلا ينقض قطعا ، وقال ابن حمزة : يأخذ بأعدلهما ، وان تساويا نقض الحكم ، وان كان ذلك قبل الحكم سمع من الأصل وحكم به (٢).

قال طاب ثراه : إذا رجع الشاهدان قبل القضاء لم يحكم ، ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود وفي النهاية : ان كانت العين قائمة ارتجعت ولم يغرما ، وان كانت تالفة ضمن الشهود.

أقول : إذا رجع الشاهدان بعد الحكم لم ينقض الحكم ، لأصالة الصحة ، وعدم التسلط على ابطال حق المسلم بقول الشاهد لتكذيبه لهذا الإقرار بشهادته أولا ،

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧١ س ١٦ قال : وقال ابن الجنيد : لو كان عدلا الى قوله : لا يلتفت الى جحوده.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان كيفية تحمل الشهادة ص ٢٣٤ س ١ قال : وان كذبه وتساويا في العدالة نقض الحكم ، وان تفاوتا أخذ بقول أعدلهما.

٥٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا إذا تناقض قولا الشاهد ووجد الترجيح في أحدهما عمل به ، والترجيح موجود في الأول لأن الأصل صحة الحكم وثبوت حق المحكوم له ، ولهذا لا يحكم لو كان الرجوع قبل الحكم ، لعدم الترجيح ، فيتساقطان ، ويرجع بالبطلان.

هذا مذهب الشيخ في كتابي الفروع (١) (٢) وبه قال ابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥).

ولا فرق بين ان يكون ذلك قبل الاستيفاء ، أو بعده.

وقال في النهاية : إذا كان قبل الاستيفاء ، أو بعده والعين قائمة ، نقض الحكم وردت العين الى مالكها ولا ضمان (٦) وبه قال القاضي (٧) وابن حمزة (٨).

احتجوا : بأن الحق ثبت بشهادتهما ، فيسقط برجوعهما كالقصاص والحد.

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ فصل في الرجوع عن الشهادة ص ٢٤٦ س ٣ قال : إذا شهد الشهود ثمَّ رجعوا ، الى قوله : فان رجعوا قبل الحكم لم يحكم إلخ.

(٢) الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٧٤ قال : إذا شهد شاهدان بحق وعرف عدالتهما ثمَّ رجعا الى قوله : لم يحكم.

(٣) السرائر : باب الحكم بالشاهد الواحد مع اليمين ص ١٩٠ س ١ قال : ومتى شهدا على رجل ثمَّ رجعا الى قوله : طرحت شهادتها إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) القواعد : ج ٢ ص ٢٤٥ قال : المطلب الثالث في المال : إذا رجع الشاهدان أو أحدهما قبل الحكم ، لم يجز الحكم ولا غرم.

(٦) النهاية : باب شهادات الزور ص ٣٣٦ س ١٢ قال : ومتى شهدا على رجل بدين ثمَّ رجعا قبل ان يحكم الحاكم طرحت شهادتهما.

(٧) المهذب : ج ٢ باب شهادة الزور ص ٥٦٤ س ٧ قال : وإذا شهد اثنان على رجل ثمَّ رجعا عن ذلك قبل ان يحكم الحاكم طرحت شهادتهما.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان حكم الرجوع عن الشهادة ص ٢٣٤ س ٨ قال : فان رجعوا قبل الحكم بطلت شهادتهم.

٥٧٣

(الثالثة) لو كان المشهود به قتلا ، أو رجما ، أو قطعا ، فاستوفى ثمَّ رجع الشهود ، فان قالوا تعمدنا اقتص منهم أو من بعضهم ، ويرد البعض ما وجب عليهم ، ويتم الولي ان بقي عليه شي‌ء.

ولو قالوا : أخطأنا لزمتهم الدية. ولو قال بعضهم : أخطأنا لزمه نصيبه من الدية ، ولم يمض إقراره على غيره. ولو قال : تعمدت رد عليه الولي ما يفضل ، ويقتص منه ان شاء.

وفي النهاية : يرد الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية ، ويقتل ، والرواية صحيحة السند ، غير ان فيها تسلطا على الأموال المعصومة بقول واحد.

______________________________________________________

وأجيب : بالفرق فانّ القصاص يسقط بالشبهة ، بخلاف المال (١).

احتج الأولون بوجوه :

(أ) ان الحكم نفذ باجتهاد الحاكم ، فلا ينقض بالاحتمال ، لجواز كذبهم في الرجوع.

(ب) ان الرجوع بعد الشهادة كالإنكار بعد الإقرار ، وهو غير مسموع.

(ج) ان الرجوع ليس بشهادة ، ولهذا لا يفتقر الى لفظ الشهادة ، فلا يسقط حق المشهود له بما ليس بشهادة ، لانحصار المبطل للحق ، في الشهادة والإقرار ، ولم يحصل منه إقرار.

(د) ان الشهادة تثبت الحق ، فلا يزول بالطارئ كالفسق ، ويضمنان للمشهود عليه ، لاعترافهما بإتلاف حقه.

قال طاب ثراه : وفي النهاية يرد الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٥ س ١٧ قال : احتجوا بأن الحق إلخ.

٥٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويقتل ، والرواية صحيحة السند غير ان فيها تسلطا على الأموال المعصومة بقول واحد.

أقول : إذا قال بعض شهود الزنا بعد الرجم : تعمدت الكذب (أو تعمدنا ، أو أخطأت ، أو أخطأنا ، أو وهمت ، أو وهمنا) (١).

قال الشيخ في النهاية : كان لأولياء المقتول قتله ، ويؤدي الى ورثته ، الثلاثة ثلاثة أرباع الدية (٢) فأجاز إقراره على باقي الشهود. وكذا لو كان المقر اثنان مضى إقرارهما على الجميع ، نعم ليس لأولياء المقتول الا قتل المقرين خاصة ، وعلى الباقين الدية ، فإن قتلوا أكثر من واحد أتم ورثة المشهود عليه ما يعوز ، وتبعه القاضي (٣) وهو مذهب أبي علي (٤).

وقال ابن إدريس : إقرار الراجع على نفسه لا يتعداه الى غيره ، ولا ينقض الحكم ، لأنه لا دليل عليه (٥) خصوصا وقد تلف المشهود عليه.

وحمل العلّامة قول الشيخ ، على رجوع الجميع ، لكن بعضهم قال : تعمدت ، وبعضهم أخطأنا ، فيكون الغرم على الشهود دون أولياء المقتول (٦) واختاره

__________________

(١) بين الهلالين موجود في نسخة واحدة من النسخ الموجودة ، واما الباقية فخالية عنها.

(٢) النهاية : باب شهادة الزور ص ٣٣٥ س ١٠ قال : فان شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وكان محصنا فرجم ثمَّ رجع أحدهم فقال : تعمدت ذلك ، قتل ، وادي إلى ورثته الثلاثة الباقون ثلاثة أرباع الدية.

(٣) المهذب : ج ٢ باب شهادة الزور ، ص ٥٦٣ س ٧ قال : فان شهد أربعة رجال على رجل الى آخره كما قاله الشيخ.

(٤) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٤ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد : وان قالوا : تعمدنا في الرجم وكان قائل ذلك واحدا قتل به ان شاء ولي المقتول الى آخره.

(٥) السرائر : باب شهادة الزور ص ١٨٩ س ٨ قال : والذي يقوى في نفسي : ان إقراره جائز على نفسه لا يتعداه الى غيره إلخ.

(٦) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٧٤ س ١١ قال : ويحمل قول الشيخ وابن الجنيد على انهم رجعوا بأجمعهم إلخ.

٥٧٥

(الرابعة) لو شهدا بطلاق امرأة فزوجت ، ثمَّ رجعا ، ضمنا المهر ، وردت إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني ، وتحمل هذه الرواية على انها نكحت بسماع الشهادة ، لا مع حكم الحاكم ، ولو حكم لم يقبل الرجوع.

(الخامسة) لو شهد اثنان على رجل بسرقة ، فقطع ، ثمَّ قالا : أوهمنا والسارق غيره اغرما دية يد الأول ، ولم يقبلا في الأخير لما يتضمن من عدم الضبط.

(السادسة) تجب شهرة الشاهد الزور ، وتعزيره بما يراه الامام ، حسما للجرأة.

______________________________________________________

المصنف (١).

احتج الشيخ بما رواه عن إبراهيم بن نعيم الأزدي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته ، فقال : يقتل الراجع ، ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية (٢).

احتج الآخرون : باختصاص حكم الإقرار بالمقر ، وبما رواه الشيخ عن ابن محبوب عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام : في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، ثمَّ رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل؟ قال : ان قال الراجع : أوهمت ضرب الحد وغرم الدية ، وان قال : تعمدت قتل (٣).

قال طاب ثراه : لو شهدا بطلاق امرأة ، فتزوجت ، ثمَّ رجعا ، ضمن المهر وردت

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٦٠ الحديث ٩٥.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٦٠ الحديث ٩٦.

٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني ، وتحمل هذه الرواية على انها نكحت بسماع الشهادة ، لا مع حكم الحاكم ، ولو حكم لم يقبل الرجوع.

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا شهدا بطلاق امرأة ، فاعتدت ، فتزوجت ، ودخل بها ، ثمَّ رجعا ، وجب عليهما الحد ، وضمنا المهر للثاني ، وترجع المرأة إلى الأول بعد الاستبراء بعدة من الثاني (١).

فقد اشتمل هذا الحكم على ثلاثة أحكام :

(أ) وجوب الحد عليهما ، والمراد به التعزير.

(ب) بطلان نكاح الثاني ورجوعها إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني.

(ج) ضمان المهر للزوج الثاني.

اما وجوب التعزير : فموجبه ثابت ، وهو اعترافهما بالتزوير ، الا ان يدعيا الخطأ والغلط ، فينبغي القول بسقوطه.

واما بطلان نكاح الثاني ، فهو بناء على بطلان الحكم مع الرجوع كما هو مذهب الشيخ في النهاية (٢) ومذهب التقي (٣) خلافا لكتابي المبسوط والخلاف (٤) (٥) وهو

__________________

(١) النهاية : باب شهادة الزور ص ٣٣٦ س ١ قال : وان شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته إلخ.

(٢) تقدم نقل عبارته.

(٣) الكافي : الشهادات ، التكليف الخامس من الشهادات ص ٤٤١ س ١ قال : وإذا قامت البينة بطلاق وتزوجت المرأة إلخ.

(٤) الخلاف : كتاب الشهادات ، مسألة ٧٧ قال : إذا شهد شاهدان على طلاق امرأة بعد الدخول بها وحكم الحاكم بذلك ثمَّ رجعا عن الشهادة لم يلزمهما مهر مثلها ولا شي‌ء منه.

(٥) المبسوط : ج ٨ فصل في الرجوع عن الشهادة ص ٢٤٧ س ١٤ قال : واما ان شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا الى قوله : وقال آخرون لا ضمان عليهما ، وهو الأقوى عندي.

٥٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مختار المصنف (١) والعلّامة (٢) ، وبه قال ابن إدريس (٣) ونسب ما قاله الشيخ في النهاية الى اخبار الاحاد (٤) وحملها المصنف : على انها نكحت بمجرد الشهادة باجتهادها ، لا بحكم الحاكم بالفرقة (٥) وقال العلّامة : لا بأس به (٦).

واما ضمانها المهر : فموجبه انهما فوتا عليه بضعا يستوفيه ، وأتلفاه عليه بشهادتهما ، فكان عليهما ضمانه ، قال العلّامة في المختلف : وليس قول الشيخ بعيدا من الصواب ، لأنهما فوتا عليه البضع ، وقيمته المهر ، لكن الغرم للأول ، وقوله في الخلاف قوي أيضا ، فنحن في هذه المسألة من المتوقفين (٧) هذا آخر كلامه رحمه الله.

فالخلاف في الثالث في مقامين :

(أ) هل يضمنا المهر أم لا؟

(ب) الضمان هل هو للأول أو الثاني؟ وهذا مبني على القول بنقض الحكم وعدمه.

فعلى الأول يكون الضمان للثاني ، لأن التفويت عليه.

وعلى الثاني يكون الضمان للأول ، لخروج البضع عن ملكه بشهادتهما.

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) القواعد : ج ٢ ، المطلب الثاني البضع ص ٢٤٥ س ٩ قال : لو شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا الى قوله : فان كان بعد الدخول لم يضمنا شيئا.

(٣) السرائر : باب شهادة الزور ص ١٨٩ س ١٧ قال : وان شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته إلى قوله : وان كان بعد الدخول فلا شي‌ء عليهما من المهر ، الى قوله بعد أسطر : وما أورده شيخنا في نهايته خبر واحد لا توجب علما ولا عملا.

(٤) السرائر : باب شهادة الزور ص ١٨٩ س ١٧ قال : وان شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته إلى قوله : وان كان بعد الدخول فلا شي‌ء عليهما من المهر ، الى قوله بعد أسطر : وما أورده شيخنا في نهايته خبر واحد لا توجب علما ولا عملا.

(٥) لاحظ عبارة النافع في قوله : وتحمل هذه الرواية على انها نكحت بسماع الشهادة لا مع حكم الحاكم.

(٦) المختلف ج ٢ في الشهادات ص ١٧٤ س ٢٦ قال : واما غرامة المهر فليس بعيدا من الصواب لأنهما فوتا عليه البضع ، الى قوله : فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(٧) المختلف ج ٢ في الشهادات ص ١٧٤ س ٢٦ قال : واما غرامة المهر فليس بعيدا من الصواب لأنهما فوتا عليه البضع ، الى قوله : فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.

٥٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والتحقيق : ان في كمية الضمان ثلاثة أقوال :

(أ) ان كان قبل الدخول ضمنا نصف المهر ، وان كان بعده لم يضمنا ، لأنهما إنما يضمنان ما أتلفاه بشهادتهما ، قاله الشيخ في الخلاف (١) واختاره ابن إدريس (٢) والمصنف في الشرائع (٣).

وتوجيهه : ان المهر بعد الدخول تقرر به استقرارا لا يقبل الزوال ، فلم يحصل بشهادتهما إتلاف عليه ، لاستناد وجوب المهر الى فعله وهو الدخول بها قبل شهادتهما.

واما قبل الدخول ، فنصف المهر الواجب عليه بشهادتهما كان في معرض السقوط بارتدادها ، أو فسخها لعيب في الزوج ، أو تحريمها النكاح بسبب إرضاعها من يفسد النكاح بإرضاعه ، فوجب عليهما ضمان النصف ، لتقريره بشهادتهما ، وهو بناء على عدم تضمين منفعة البضع.

قال في الخلاف : إذا شهدا عليه بالطلاق قبل الدخول ، وفرق الحاكم بينهما ، ثمَّ رجعا ، غرما نصف المهر ، وان رجعا عن طلاق امرأة بعد الدخول لم يلزمهما مهر مثلها ، ولا شيئا منه ، لأن الأصل براءة الذمة ، فمن أوجب عليهما شيئا فعليه الدلالة.

وأيضا ليس خروج البضع عن ملك الزوج له قيمة ، بدلالة أنه لو طلق زوجته في مرضه لم يلزم مهر مثلها من الثلث ، كما لو أعتق عبدا أو وهبه ، فلما بطل ذلك ثبت انه لا قيمة له ، وكان يجب أيضا ان لو كان عليه دين يحيط بالتركة وطلق زوجته في

__________________

(١) الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٧٧ قال : إذا شهد شاهدان على طلاق امرأة بعد الدخول بها ، وحكم الحاكم بذلك ثمَّ رجعا عن الشهادة لم يلزمهما مهر مثلها إلخ.

(٢) السرائر : باب شهادة الزور ص ١٨٩ س ١٧ قال : وان شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته إلى قوله : وان كان بعد الدخول فلا شي‌ء عليهما من المهر ، لا نصفه ولا جميعه.

(٣) الشرائع : ج ٤ كتاب الشهادات ، في الطوارئ ، السابعة قال : إذا شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا فان كان بعد الدخول لم يضمنا إلخ.

٥٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مرضه ، ان لا ينفذ الطلاق كما لا ينفذ العتق والعطاء ، فلما نفذ طلاقه ثبت انه لا قيمة له ، لخروجه عن ملكه ، فاذا ثبت انه لا قيمة له لم يلزمه ضمان كما لو أتلفا عليه ما لا قيمة له (١).

قلت : وهنا وجوه أخر يدل على عدم ضمان البضع.

كما لو ارتدت ، أو قتلت نفسها ، أو قتلها أجنبي فإن البضع يتلف على الزوج في هذه المواضع ولا يضمن إجماعا. وكذا لو غصب منه جارية ثمَّ ماتت في يده بعد مدة ، فإنه يضمن للمالك قيمتها وقيمة منافعها وان لم يستوفها ، ولا يضمن قيمة البضع مع عدم الوطي.

(ب) قال في المبسوط : ان شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا قبل الدخول ، قال قوم : ضمنا نصف مهر المثل ، وقال قوم : نصف المسمى ، وهو الأقوى عندنا ، ومنهم من قال : ان كان مقبوضا لزمهما كمال المهر ، لأنه لا يسترد منه شيئا ، لأنه معترف ببقائه لبقاء الزوجية بينهما ، فلما حيل بينهما رجع بكله عليهما ، وان لم يكن مقبوضا رجع بالنصف ، لأنه لا يلزمه إلا اقباض نصفه ، ولهذا رجع بالنصف ، وهذا قوي.

وان رجعا بعد الدخول ، فعليهما مهر مثلها عند قوم ، وقال الآخرون : لا ضمان عليهما ، وهو الأقوى عندي ، لأن الأصل برأيه ذمتهما (٢).

وهذا الذي قواه أخيرا مثل قوله في الخلاف.

(ج) ضمان مهر المثل مع الدخول ونصفه مع عدمه قاله العلّامة في التحرير (٣)

__________________

(١) الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٧٧ قال : (دليلنا) الى قوله : كما لو أتلفا عليه ما لا قيمة له.

(٢) المبسوط : ج ٨ فصل في الرجوع عن الشهادة ص ٢٤٧ س ١٤ قال : واما ان شهدا بالطلاق ، ثمَّ رجعا إلخ وفي النقل تقديم وتأخير.

(٣) التحرير : ج ٢ في أحكام رجوع الشهود ص ٢١٧ س ٤ في الهامش قال : وانما يضمن بمهر المثل مع الدخول لأنهما أتلفا البضع عليه.

٥٨٠